أخي معاوية
في الحقيقة ليس لدي رغبة أشرح لك اللغة الرمزية التي يتواصل بها الصوفي، و أكتفي بما يلي:
إن الذي فهمته أنت مرفوض في الايمان و الفقه والتصوف و لا يمت إلى الإسلام بصلة. إذا كان هناك صوفي يفهم تلك المواصفات باللغة التي يتواصل بها الفقهاء و المؤرخون والمفسرون والمتكلمون، فعليه أن يستغفر الله و يتوب إليه لما يمكن لمثل هذا الغلو أن يؤدي إلى نوع من الشرك. هذا فقط.
قلت فيما سبق إن مقولة مثل "ما في الجبة إلا الله" هو كلام مرفوض بل هو شرك عندما تقرأ بلغة التفسير والفقه والكلام والعقيدة. لاشك في ذلك. لكن هي الحقيقة بالمعاني الصوفية، لذلك لا يجوز للمتصوف أن يخبر بكلام ويكشف معرفة الله للعوام، والعامي كل شخص لا يفهم لغة السادة المتصوفة.
سأعطيك مثال آخر. في رواية صحيحة تقرأ "يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار". هذا الكلام مشكل. ما معنى مشكل؟ يعني هو كلام عندما يقرأ باللغة الطبيعية كلام يفتقر إلى شرح، إلى إضافة، وجمع النصوص وربطها بعض ببعض وكل تلك الأشياء التي يقوم به المتخصص في التفسير أو شرح الحديث أو العقيدة أو الكلام أو الفقه أو تاريخ الجاهلية.
في التصوف هذا كلام واضح جدا لا يحتاج إلى زيادة ولا شروح، وكل ما يحتاج اليه هو تذوقه وانكشافه للقلب خاصة في مراحل الفناء. و مثال ثاني هناك آية (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) ايضا كلام قيل ويقال فيه عند النظر فيه من خلال تفسير القرآن ومن خلال لغة الكلام ولغة العقيدة، وباللغتين الاخيرتين يفهم الكلام على اسس فيتم التأويل بناء على منطلقات التنزيه الكلامي أو إثبات العلو الإخباري، وبين المتكلمة والإخباريون أو الصفاتيون إختلافات في هذه المسألة. جميل، أما التصوف فليس هو بحاجة للغة العقيدة ولا لغة الكلام حتى يتذوق هذا الكلام. و تختلف اللغة الرمزية الصوفية عن اللغة الطبيعية عن اللغة الفنية في كون اللغة الرمزية تقبل التناقضات. قد تسألني وهل الله في كل مكان؟ أقول لك: نعم. ثم تسألني آالله على عرشه استوى مباين لخلقه، فأقول لك: نعم، ثم يسألني آخر هل الله كان و لا مكان، فأقول له: نعم. على مستوى الفهم هذه إجابات متناقضة. وصحيح هي متناقضة. لكن هي ليست كذلك في التصوف. هنا الفصل و الفيصل بين اقامة علاقة معرفية مع الله، وطلب المقام العرفاني مع الله. ودون تناقض فكثير من المتصوفة هم أيضا فقهاء و متكلمون أو فقهاء و مفسرون أو فقهاء و دوغماءيون أي يجمعون بين تخصصات مختلفة، والتصوف تخصص وخاصية فاما التخصص فهو علم مهمته فقه اعمال القلوب و الاخلاق والتزكية، وهدفه طلب مرتبة الاحسان. اما الخاصية فهي علاقة حب بين العابد والمعبود، وهي حالة خاصة لا تعبر عنها بلغة وإن عبرت إختلطت أوراقك وربما حدث ما لا يحمد عقباه كما كان مصير العارف بالله الحلاج. لذلك المراسلة و التواصل الصوفي حصر على المتصوفة بينهم فلا يجوز الاعتقاد بما يقولون أو بما يصفون به احاسيسهم وتجاربهم و لا يجوز اتباعهم في ذلك، بل محرم اتباعهم.