العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-04-12, 11:31 PM   رقم المشاركة : 1
محب آل البيت الاشراف
عضو ذهبي






محب آل البيت الاشراف غير متصل

محب آل البيت الاشراف is on a distinguished road


حوار مثير حول رضاع الكبير / مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية


في المعرِض الدَّولي للكتاب تحرص الكنيسةُ على تأجير أماكنَ يكون النشاطُ الظاهر لها هو بيعَ الأناجيل والكتب المقدسة لدى النصارى، والتفاسير، والشُّروحات، وكتب العقيدة النصرانية بأسعارٍ زهيدة مدعومة من أموال الكنيسة.

إلى هنا ربما يبدو الأمر طبيعيًّا، لكنَّ غير العادي هو استغلال الكنيسة لهذه الأماكن في محاولة نشر النَّصرانية بين المسلمين في بلادهم؛ من خلال بعض القساوسة ورجال الكَهَنوت وشِرْذمةٍ من الفِتية والفتيات الذين حصلوا على تدريبات ودورات كَنَسية في فنون التَّنصير.

يحاول هؤلاء المنصِّرون اصطياد فريسةٍ لهم من زوَّار المعرض، وتختلف أساليبُهم، وتتنوَّع طرُقهم في محاولة التأثير في المسلمين، لكنَّ الفشلَ الذَّريع يظل النتيجة المنطقية المعتادة لهذه الجهود التنصيرية؛ رغم الاستعدادات والإمكانات الكبيرة المسخَّرة لخدمة هذه العملية.

فالعقيدة النَّصرانية في الحقيقة لا يقتنع بها عاقلٌ لبيب، ورجالات الدِّين النَّصراني يَعجِزون عن شرح عقيدتهم، وحلِّ إشكالاتها وألغازها، وتوجيه التَّناقضات الكثيرة المشتملة عليها؛ لأنَّهم في الواقع لم يفهَموا هذه العقيدةَ ولم يقتنعوا بها عقليًّا؛ وإنما هم يدورون بين الانتفاع الشخصيِّ من مناصبِهم الكَنَسية، والتأثُّر العاطفيِّ الذي يعَدُّ من أهمِّ الأسلحة التي يدجِّلون بها على رعاياهم، أو قُلْ: ضحاياهم.

وبسبب هذا الفقر والإفلاس للعقيدة النَّصرانية؛ فإن المنصِّرين يحبِّذون الدُّخول للمسلمين من بوابة التَّشكيك في الإسلام وإثارة الشُّبهات حوله، من خلال إلقاء الافتراءات والأكاذيب التي يتلقَّفونها من المستشرقين تارةً، ومن الرَّافضة تارة، ومن العَلْمانيين تارةً أخرى.

ويستغلُّ المنصِّرون عادةً عدمَ اهتمام كثير من المسلمين بتحصيل العلم الشَّرعي، وجهلَهم بحقائق الدِّين في إقناعهم بالأكاذيب، أو إثارة الشَّك والرِّيبة في قلوبهم نحو بعض الأحكام الشرعيَّة.

"ماري" فتاة نصرانية تعمل في الكنيسة، حصلت على العديد من التَّدريبات والدورات التنصيرية، وساعدها جمالُ ملامحها وجُرأتها الزائدة على أن تحظى بمكانةٍ خاصَّة لدى القساوسة الذين يتولَّوْن كِبْرَ المحاولات التَّنصيرية البائسة، إنهم يعلِّقون عليها آمالاً كبيرة في اصطياد أحد الشبان المسلمين الغافلين؛ ولذلك كانت "ماري" قائدةً لمجموعة تنصيرية في أحد أجنحة معرِض الكتاب.

وبعد يومٍ طويل مرهق، بدأ فتيانُ وفتياتُ التَّنصير يستعدُّون لمغادرة المعرِض بعد أن يئسوا -كالمعتاد - من اصطياد ضحيَّة لهم.

جورج: ماري، هل ستنتظرين هنا للصباح؟ أرجو أن تُسرعي حتى أوصِّلك بسيَّارتي.
ماري: انتظر يا جورج؛ ربما نجد ضالَّتنا اليوم.

جورج: إنه حُلم كلِّ يوم الذي ينتهي بكابوس الفشل المرير.
ماري: لم يتبقَّ لنا في المعرِض إلا يومان فقط، والمحصِّلة ما زالت صفرًا، وهذا يزيد موقفنا حرجًا أمام الكنيسة، ويُبعد أي فرصة لنا في الحصول على أي مكافآت إضافية.

جورج: ماري، أنت محلُّ تقدير وعناية خاصة من الكنيسة؛ فلا تقلقي.
ثم ماذا تريد منَّا الكنيسة؟ هل يريدون منا صناعة المستحيل؟ لقد قلت مرارًا وتَكرارًا: إن المسلمين لا يمكن أن يقتنعوا بعقيدتنا، وطالما وُجد فيهم علماءُ ودعاةٌ، فما نفعله الآن هو عبَث وتضييع للوقت، والأولى أن نسعى في الحفاظ على فِتياننا وفتياتنا الذين يتحوَّلون للإسلام، بدلاً من إضاعة الوقت في محاولات بائسة لإقناع المسلمين بعقيدتنا.
ماري: لكن أنت تعلم يا جورج أنَّ بعض المسلمين تنصَّروا بالفعل.

جورج (في نبرة ساخرة): تنصَّروا؟ أنت تعلمين أن ذلك لم يكن بقناعة منهم وإنما هي مصالح، إنه "بيزنس" يا عزيزتي ماري.
ماري (في قلق): أخفضْ صوتك يا جورج، لا ينبغي أن يسمع الناس منك هذا الكلامَ، هل تريد أن تفضحنا؟ ولماذا أنت هنا ما دمت غير مقتنع بجدوى التنصير؟

جورج (ضاحكًا): أنا هنا في خدمة المسيح!
ماري (غاضبة): وهذه الخدمة ليست مجَّانية يا جورج، فأنت تأخذ المقابل المناسب لذلك.

جورج : ماذا تقصدين؟
ماري: أقصد آلافَ الدولارات التي تنفقها في مغامراتك مع فتيات الكنيسة.

جورج : هذا سبب غضبِك إذًا، إنها غيرة النِّساء.
ماري: جورج، أرجوك توقف، ليس هذا الأوان المناسب، نحن هنا في خدمة المسيح.

جورج : ألا تكفي تسعُ ساعات في خدمة المسيح اليوم.
ماري: بقِيَت ساعة واحدة، لماذا أنت متعجِّل؟

جورج : أريد دعوتك على العشاء الليلة قبل أن أوصِّلك للمنزل.
ماري: أتعرف ماذا سيكون عشائي اللَّيلة؟

جورج : ماذا؟
نظرت ماري إلى فتاة منتقبة قادمةٍ من بعيد ثم أشارت لها قائلة: هذه الفتاة المنتقبة هي عشائي الليلة.

جورج : هذه التي ترتدي السواد من رأسِها إلى أخمَص قدميها.
ماري: نعَم هي.

جورج : يا ماري، أنت تعلمين أنَّ هذه ليست النوعية التي تصلح لأَنْ تكونَ فريسة لنا.
ماري: ولم لا؟

جورج : لأنها ملتزمة بالإسلام، ولن تصدِّق كلامنا، ولن تفلح معها خُدَعُنا.
ماري: هذا كلام انهزامي، انظر يا جورج، لا يغرنَّك المظهر، فربما تكون منتقبة لكنها غيرُ عالمة بالإسلام، فهي في نظر الناس قدِّيسة، لكنها من الداخل فريسة.

جورج : وربما تكون عالمة بالإسلام.
ماري: لن نخسَر شيئًا وقتها.

جورج : وماذا سنكسِب من المحاولة مع هذه الخيمة السَّوداء؟
ماري: إذا استطعنا اصطيادها، تخيَّل كيف نستطيع توظيف هذا الحدث إعلاميًّا، آه، منتقبة تترك الإسلام وتعبُر للنَّصرانية، كم سيساهم ذلك في إقناع رعايا الكنيسة بالابتعاد عن الإسلام، والحد من عمليات التحوَّل المستمرة له، والتي تزايدت بشكل مخيف يهدِّد مصالحنا!

جورج : لقد استطعتِ إثارة حماسي، أنا ذاهب للفتاة المنتقبة.
ماري: بل سأذهب لها أنا.

جورج (ضاحكًا): أنتِ مختصَّة بالفتيان يا ماري، أسلحتك الأنثوية لا تجدي نفعًا مع الفتيات.
ماري: سنغيِّر النظام هذه المرة، فهذه فتاة مسلمة ملتزمة، ولن تسمح لك بالتحاور معها؛ إنهنَّ يفضلن الحوار مع فتيات مثلهن.

جورج : معك حق، سأراقبكما عن قرب، وأصلِّي من أجلك.
ماري: لا تقلق يا جورج؛ فقد حصلت على تدريبات ودورات على أعلى مستوى، ولدي خبرةٌ كبيرة تجعلني أحاور أكبر شيوخ المسلمين.

جورج (ضاحكًا): أرجو ألا تعودي لنا مسلمة!
اقتربت ماري من الفتاة المنتقبة، وهي تفكِّر كيف تبدأ الحوار معها.

ماري: مساء الخير، هل تسمحين لي بشيء من وقتك؟
خديجة: مرحبًا، هل يمكنني أن أعرف مَنْ أنت؟

ماري: ماري عبدالمسيح، مسيحيَّة مهتمة بدراسة الإسلام.
خديجة: أنا خديجة عبدالله، مسلمة معتزَّة بإسلامي، وأرحِّب بأي استفسار عن الإسلام.

ماري: هل أنت من علماء المسلمين؟
خديجة: لست من العلماء؛ ولكني طالبة علم، وقد أمرنا إسلامُنا بطلب العلم، وعبادة الله على بصيرة؛ ولذلك قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم))[1].

ماري: هل النقاب فرض في الإسلام؟ هل يجب على المرأة المسلمة تغطيةُ وجهها؟
خديجة: العلماء اختلفوا في حكم تغطية الوجه، فبعضهم قال: إنه واجب، وبعضهم قال: إنه مستحبٌّ، وسواء كان واجبًا أو مستحبًّا، فهو طاعة لله وعفَّة وصيانة للمرأة.

ماري: أليس عجيبًا أن يختلف علماءُ المسلمين في تغطية الوجه: هل هو واجب أم مستحب؟! وفي نفس الوقت يُبيحون للمرأة أن تظهر ما هو أشدُّ كثيرًا من الوجه.
خديجة: ماذا تقصدين؟

ماري (وقد شعَرت بشيء من الانتصار): معذرةً يا أختي خديجة، أنا لا أقصد أيَّ إساءة، ولكني مهتمة بدراسة الإسلام كما قلتُ لك.
خديجة: ليس هناك ما يدعو للاعتذار، ولكن فقط أرجو توضيح قصدك.

ماري: أقصِد أعجبَ حالة رَضاع في التاريخ، رَضاع سالم من سهلة، لعلَّك لا تعرفين، هذه قصةُ رَضاع الكبير؟
خديجة (في ثقة): ليست هذه أعجبَ حالة رضاع في التاريخ، فهناك حالةٌ أعجب منها كثيرًا.

ماري: وما هي؟
خديجة: ألم تسمعي عن رضاعة الإله؟ فبعض الناس يؤمنون أنَّ الإلهَ وُلِد من فرج امرأةٍ، وكان طفلاً يلتقم ثديَ أمِّه ويرضع، وهم يعلِّقون صورًا له في كنائِسهم تبيِّن كيف كان الإلهُ يرضع.

ماري (في عصبية): هذه مسائل يصعب عليكِ فهمُها يا خديجة، حدِّثيني من فضلك عن رَضاع سالم، عن رَضاع الكبير في الإسلام.
خديجة: رضاع الكبير جاء في الشرع مقصورًا على حالة واحدة، هي حالة سالم مولى أبي حذيفة، والقصَّة كما جاءت في صحيحِ مسلم والسُّنن: "أن أبا حذيفة كان قد تبنَّى سالِمًا، وكان مَن تبنَّى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثَه، حتى أنزل الله - سبحانه وتعالى - في ذلك قوله: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5].

فلما أُلغي التبنِّي صار أبو حذيفة يجد حرَجًا من دخول سالم إلى بيته وزوجتُه فيه؛ حيث إنه لم يعُدِ ابنًا لها؛ ولهذا اشتكت سهلةُ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقَل ما عقَلوا، وإنه يدخل علينا، وإنِّي أظن أنَّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا، فقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أرضعيه تحرُمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة))، فرجعت فقالت: إنِّي قد أرضعتُه، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة"[2]، فهي حالة خاصَّة في ظروف خاصة.

ماري: يا عزيزتي، المشكلة ليست هل هي حالة خاصَّة أم عامة، المشكلة في المبدأ نفسه، كيف تكشف المرأة صدرَها لرجل ليرضعَ منه؟
خديجة: ليس المقصود بالرضاع هنا التقامَ الثَّدي، بل حلبت سهلة بنت سهيل لبنًا في إناء وأعطتْه لسالم فشربه.

ماري: هل هناك دليلٌ على ما تقولين؟
خديجة: نعم، أدلَّة كثيرة، منها: أن سالمًا بعد إلغاء التبنِّي صار أجنبيًّا عن سهلة يجب أن تلبس حجابَها أمامه، ولا يجوز له أن ينظر إليها؛ بدليل قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور:30].

كما لا يجوزُ له أن يلمسها في أيِّ موضع في جسمها - حتى لو كان كفَّها - بدليل قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأنْ يُطعنَ في رأس أحدكم بِمِخيط من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له))[3].

فإن كان الأمر كذلك، فكيف يمكن لها أن تكشف عن ثديِها، وأن يلمسه؟ لا ريب أن هذا لم يحدُثْ.

ماري (محاوِلةً التشكيكَ في كلام خديجة): هذا مجرَّد فهمك أنت يا عزيزتي.
خديجة: بل هو كلامُ العلماء، فأنا أحفظ عن ابن قتيبة قولَه في شرح هذا الحديث: "قال لها: أرضعيه، ولم يُرِدْ: ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال، ولكن أراد: احلُبي له من لبنك شيئًا، ثم ادفعيه إليه ليشربه، ليس يجوزُ غير هذا؛ لأنه لا يحلُّ لسالم أن ينظر إلى ثديَيْها إلى أن يقع الرضاع، فكيف يُبيح له ما لا يحل له، وما لا يُؤمن معه من الشهوة؟!"[4].

بل إنَّ الإمام ابنَ عبدالبر قد نقل اتفاق العلماء على عدم جواز أن تكون الرضاعةُ هنا بالتقام الثدي، حيث قال: "هكذا إرضاعُ الكبير كما ذُكر: يُحلَب له اللبن ويُسقاه، وأما أن تُلقمه المرأةُ ثديها كما تصنع بالطفل، فلا؛ لأنَّ ذلك لا يحِلُّ عند جماعة العلماء"[5].

ماري: هل أنت مقتنعة بما تقولين؟ هل ترَيْنَ أنَّ كلامك هذا يقنع طفلاً صغيرًا؟
خديجة: إن كنا سنتحدث من النَّاحية العقلية، فالعقل مؤيِّد لِما أقول، والعقل يقولُ: لا يمكن أن يكون الرَّضاع قد حدث بالتقام الثدي، أتدرين لماذا؟

لأنَّ أبا حذيفة كان يغار من مجرَّد دخول سالم إلى البيت وزوجتُهُ فيه، فكيفَ يسمح هذا الرَّجُل الغيور لزوجته أن تكشف عن ثديِها لسالم ليرضع منه؟ وما الذي يضطرُّه لهذا من الأساس؟

ماري: لعلَّه كان حريصًا جدًّا على وجود سالم معه في البيت، ولماذا سمح لزوجته بذلك؟
خديجة: دعينا نتحدث عقليًّا أيضًا، إذا كان من الممكن أن يتمَّ الرضاع بدون التقام الثدي، أيْ من خلال أن تحلُب سهلةُ لسالم لبنًا في الإناء ويشربه، فما الضرورة هنا لارتكاب أمر محرَّم بكشف العورة ولمسِها، وهذا لا يجوز شرعًا إلا لضرورة أو حاجة شديدة؟

ماري: يا عزيزتي، هل مجرَّد شرب اللبن يعدُّ رضاعة؟
خديجة: نعم، إنَّ الرضاع يمكن شرعًا أن يتمَّ بدون التقام الثدي، فإن المعتبَر في الرَّضاع هو وصول اللَّبن إلى الجوف بأي طريقة كانت، وقد أجمعَ العلماء على ذلك؛ كما قال الإمام ابنُ عبدالبر: "وقد أجمع فقهاء الأمصار على التَّحريم بما يشربه الغلامُ الرَّضيع من لبن المرأة، وإن لم يمصَّه من ثديِها"[6].

ماري: هذا في الشرعِ عندكم، لكن في اللغة: الرَّضاع لا يكون إلا بالتقام الثدي.
خديجة: لا شكَّ أن الأشهر في الرَّضاع أن يكون بمص الثدي، لكن ذلك لا يشترط لا لغةً ولا شرعًا؛ فإن الرَّضاع في اللغة يُطلق على شرب اللبن أيضًا كما قال ابن فارس: "رضع: الراء والضاد والعين أصلٌ واحد، وهو: شُرب اللبن..."[7]، ووافقه أبو البقاء الكفوي في الكلِّيات فقال: "الرَّضاع كالرَّضاعة بفتح الراء وبكسرها: شربُ اللبن..."[8].

وقال ابن سِيدَهْ في المخصَّص: "رضع الصبي: شرب اللَّبن"[9].

ماري (وقد بدا عليها الإجهادُ الشديد): وهل هناك أيُّ مرجع إسلامي ذكر أنَّ الرضاعة تمت بهذه الطريقة؟ أقصد الحلْبَ في الإناء.
خديجة: نعم، جاء في ترجمه سهلةَ في "الطبقات الكبرى" لابن سعد، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر أنها: "كانت تحلُب في مِسعط أو إناء قدرَ رضعتِه، فيشربه سالم في كلِّ يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعدُ يدخل عليها وهي حاسر؛ رخصةً من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لسهلة"[10].

ماري: إذا كان الرضاع ليس بالتقام الثدي كما تقولين، فلماذا اعترضت سهلة وقالت: إنه رجلٌ كبير، وذو لِحية؟
خديجة: هو لم يكن اعتراضًا منها، ولكنها تعجَّبت مِنْ أن يكون الرضاع في هذه السنِّ معتبرًا، وتثبت به حرمة الرضاع؛ لأنَّها تعلم أن الأصل أن يكون الرَّضاع المحرِّم في سن الرضاعة فقط؛ أيْ: في الحولين؛ كما ثبت عن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((انظُرْنَ مَن إخوانُكنَّ؛ فإنما الرَّضاعة من المجاعةِ))[11]، وقال: ((لا يحرِّم من الرَّضاعة إلا ما فتَق الأمعاءَ في الثدي، وكان قبل الفطام))[12].

فتعجُّبُها كان من ثبوت حرمة الرضاع لسالم في هذه السنِّ؛ لأنه خلاف الأصل، وليس في كلامها ما يدلُّ على أنها فهمت أن الرَّضاعة بالتقام الثدي.

ماري: ولماذا لم يقل لها رسولُكم: احلُبي له في إناء، لماذا قال: أرضعيه؟
خديجة: سؤالك جيد يا ماري؛ لأنه يلفت النَّظر إلى شيء من بلاغة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحُسن بيانِه؛ فقد أوتي جوامع الكلم.

ماري: لا أفهم ما عَلاقة سؤالي ببلاغة النبي؟
خديجة: على رِسلِك يا أمةَ الله، سأشرح لك باختصار، إنَّ التعبير بالإرضاع هنا كان مهمًّا لبيان أنَّ عملية شرب اللبن هذه ستأخذ حكمَ الرَّضاع المحرِّم رغم أنها لم تكن في الحوليْنِ.

والرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أُوتي جوامع الكلم، فيعبِّر بالألفاظ القليلة عن المعاني الكثيرة، فبدلاً من أن يقول لسهلة: اذهبي احلبي له في إناء، ثمَّ أعطيه إياه ليشربه، وهذا سيُعتبر رضاعًا محرِّمًا، رغم أنه ليس في الحولين، فعبَّر عن كلِّ ذلك بكلمة: ((أرضعيه))، فوضَّح لها ماذا تفعل والحكم المترتب على فعلها بهذه الكلمة، وهذا من بلاغته - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ماري (وهي تقاوم الرغبة في الاستسلام): فماذا تقولين في بعض علماء المسلمين الذين قالوا بجواز أن تكون الرَّضاعةُ بالتقام الثدي؟ أليسوا شيوخَك وتتعلَّمين منهم؟
خديجة: أقول كما علَّمنا الإسلام أن كلَّ إنسان يُؤخذ من كلامه ويُردُّ إلا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنه المعصومُ وحده، وهؤلاء العلماء - على جلالة قدرهم - بشَرٌ يُخطئون ويصيبون، وقولُهم ليس حجةً، لا سيَّما وقد خالف القرآنَ والسنة والمعقول، وخالف اتِّفاق أكابر العلماء الذي نقله ابنُ عبدالبر - كما وضَّحت لك من قبل.

ماري (وهي ترمي آخرَ ما في جَعبتها): أختي الحبيبة خديجة، لا شك أن لديك ردودًا جيدة، ولا أُنكر إعجابي بمعلوماتك وشخصيَّتك الفذَّة، وهذا يدفعني أن أطلب منك أن تكوني أكثرَ صراحة مع نفسك في إجابة سؤالي التالي وهو: ألم تشعري أن الإسلام بدونِ رَضاع الكبير سيكون أفضل؟ على الأقل يخفِّف عنك بعض الحرج؟
خديجة: إنَّ المسلم لا يشعر بشيءٍ من الحرج قطُّ من أيِّ شيء في دينه، بل كلُّ ما في الإسلام - عند النظر والتأمُّل - من دواعي الشعور بالفخر والعزَّة والشرف.

إنَّ الإسقاط النفسي هو الذي يدفعُك لمثل هذا السؤال، إنك لا تستطعين التخلُّص من آثار ما تشعرين به من الحرَج عند مناقشة ما جاء في كتابِك من تعبيراتٍ خادشة للحياء وألفاظ فاحشة كالتي في سِفْر نشيد الإِنشاد: الإصحاح السابع، وسِفْر حزقيال: الإصحاح الثالث والعشرين.

ماري (وهي تشعر بالانهيار والانهزام): وهل لك أن تشرحي لي كيف تشعرين بالفخر عند الحديث عن رواية رضاع الكبير؟
خديجة: إنَّ ما جاء في قصَّة سالم يوضِّح كيف أن الإسلام يراعي بأحكامه مصالحَ الخاصَّة والعامة، وأنه شرع من الأحكام التي تعالِج تبِعاتِ إلغاء التبنِّي، تلك العادة الجاهلية الظَّالمة التي كانت تُجيز إلحاقَ الولد لغير أبيه، فألغاها الإسلام، لكنه لم يُهملِ المشكلاتِ الخاصَّةَ التي قد تنتج عن إلغاء التبنِّي، مثل مشكلة سالم مولى أبي حذيفة، وإنما شرع أحكامًا تحلُّ هذه المشاكل من تشريع الرَّضاعة للكبير الذي ينبني عليه أحكام الرضاعة في الحولين، وهذا خلافُ الأصل في الرضاعة التي لا تكون إلا في الحولين.

كما يظهر في الحديث كيف راعى الإسلام غيرةَ أبي حذيفة؛ لأنها غيرةٌ شرعية محمودة، وشرَّع حكمًا يُزيل ما في نفس أبي حذيفة، حيث صار أبو حذيفة أبًا لسالمٍ من الرَّضاعة، وصارت سهلةُ زوجته أمًّا له.

جورج (ينادي من بعيد): ماري، لقد حان وقت الرحيل.
ماري (تحدث خديجة): أشكرك يا خديجة على هذا الحوار، وأستأذنُك فأنا في حاجة للرحيل.

خديجة: قبل أن أتركك من الواجب عليَّ أن أدعوَك للإسلام، أدعوَك للإيمان بالله الحي الذي لا يموت، الواحدُ الأحد الذي لم يلدْ ولم يولَدْ، ولم يكن له كفُوًا أحدٌ، آمنِي قبل أن يأتيَ يومٌ لن ينفعَك فيه مالٌ ولا جمال، ولا جاه ولا سلطان، يوم يجزي الله فيه الصادقين بصدقهم، أدعوَكِ أن تشهدي أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وعندها لن تخسَري المسيح - عليه السلام - فنحن نؤمن به رسولاً مكرَّمًا من أولي العزم من الرسل، حدَّثنا عنه القرآن فرفع شأنَه ومكانته.

ماري (بابتسامة تودِّع خديجة): أشكرك على هذه الدَّعوة، وأرجو أن يجمعَنا لقاء آخر.
جورج (يقترب من ماري): هل فكَّرت يا ماري في قبول دعوتي لك على العشاء؟

ماري (في شرود): هناك دعوة أخرى هي التي تستحقُّ التفكير يا جورج.
جورج: أي دعوةٍ هذه؟
ماري: ربما أخبرُك بها قريبًا، وربما تسمع من غيري، أمَّا الآن فهيَّا إلى العشاء، الذي ربما يكون العشاءَ الأخير.

[1] أخرجه السيوطي في الجامع الصغير (5266) وصححه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3914).
[2] صحيح مسلم (2637)، أبو داود (1746).
[3] رواه الروياني في مسنده (2/ 227)، وقال المنذري في الترغيب (3/ 66): رواه الطبراني، والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (226).
[4] تأويل مختلف الحديث (1/ 308).
[5] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 375).
[6] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 375).
[7] معجم مقاييس اللغة (ص407).
[8] الكليات (ص761).
[9] المخصص (3/ 473).
[10] الطبقات الكبرى (8/ 271)، والإصابة (4/ 11).
[11] البخاري (2453)، ومسلم (2642).
[12] الترمذي (1072)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثرِ أهل العلم من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغيرِهم: أنَّ الرضاعة لا تحرِّم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملينِ فإنه لا يحرِّم شيئًا، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7633).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/39833...#ixzz1r0kvJjp1








 
قديم 03-04-12, 12:47 AM   رقم المشاركة : 2
عُمَريَّـة حُسينيَّـة
عضو نشيط







عُمَريَّـة حُسينيَّـة غير متصل

عُمَريَّـة حُسينيَّـة is on a distinguished road


حوارٌ رائع، بوركتم على نقلهِ، أثابَكُم الله






التوقيع :
عُمرية بِعُمَر وحُسينيَّة بالحُسين
-رضي اللهُ عنهما-

اللهُم عجِّل لنا بِخلافَةٍ راشدة على منهاج النبوة.
من مواضيعي في المنتدى
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:12 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "