القسم الرابع :
تأملات في أخلاق اهل البيت عليهم السلام مع من خالفهم وظلمهم , السجاد والكاظم مثالا
القرآن الكريم :
{
فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة109 ]
{
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } [ المائدة13 ]
{ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا
يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ الجاثية14 ]
{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى37 ] .
قال تعالى : { وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور22 ]
{ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [ الشورى40 ]
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ
أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ
الروايات من كتب المخالفين - هداهم الله - :
موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 7 - ص 215 - 219
[ 8538 ] 1 - الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في خطبته : ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة ؟
العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك وإعطاء من حرمك ( 1 ) .
الرواية صحيحة الإسناد .
[ 8539 ] 2 - الكليني ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن جهم بن الحكم المدائني ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله ( 2 ) .
[ 8540 ] 3 - الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي خالد القماط ، عن حمران ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : الندامة على العفو
أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة ( 3 ) .
[ 8541 ] 4 - الكليني ، عن علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي ابن الحسين ( عليهما السلام ) قال : سمعته يقول : إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم ينادي مناد : أين أهل الفضل ؟ قال : فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون : وما كان فضلكم ؟ فيقولون : كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا
ونعفو عمن ظلمنا ، قال : فيقال لهم : صدقتم أدخلوا الجنة ( 1 ) .
الرواية صحيحة الإسناد .
[ 8542 ] 5 - الكليني ، عن العدة ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضال قال : سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما
عفوا ( 2 ) .
الرواية موثقة سندا .
[ 8543 ] 6 - الكليني ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن سعدان ، عن معتب قال : كان أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) في حائط له يصرم فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط فاتيته وأخذته وذهبت به إليه فقلت : جعلت فداك إني وجدت هذا وهذه الكارة فقال للغلام : يا فلان قال : لبيك قال : أتجوع ؟ قال : لا يا سيدي قال : فتعرى ؟ قال : لا يا سيدي قال : فلأي شئ أخذت هذه ؟ قال : اشتهيت ذلك ، قال : اذهب فهي لك وقال : خلوا عنه ( 3 ) .
[ 8544 ] 7 - الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أتى باليهودية التي سمت الشاة للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال لها : ما حملك على ما صنعت ؟ فقالت : قلت إن كان نبيا لم يضره وإن كان ملكا أرحت الناس منه ، قال :
فعفا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنها ( 4 ) .
الرواية موثقة سندا .
[ 8545 ] 8 - الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرو ابن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزا :
الصفح عمن ظلمه وإعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه ( 5 ) .
[ 8546 ] 9 - الكليني ، عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عروة بن دينار الرقي ، عن أبي إسحاق السبيعي رفعه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة ؟ تصل من قطعك وتعطي من حرمك
وتعفو عمن ظلمك ( 1 ) .
[ 8547 ] 10 - الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ابن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله نشيب اللفائفي ، عن حمران بن أعين قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة :
تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم إذا جهل عليك ( 2 ) .
[ 8548 ] 11 - الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن إسحاق بن عمار قال قال : بلغني عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ان رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله أهل بيتي أبوا إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم ؟ قال : إذا يرفضكم الله جميعا ، قال : فكيف أصنع ؟ قال : تصل من قطعك وتعطي من حرمك
وتعفو عمن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير ( 3 ) .
الرواية معتبرة الإسناد .
[ 8549 ] 12 - الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان قال : جاء رجل إلى الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فقال له : يا ابن رسول الله أخبرني بمكارم الأخلاق فقال :
العفو عمن ظلمك وصلة من قطعك وإعطاء من حرمك وقول الحق ولو على نفسك ( 4 ) .
الرواية صحيحة الإسناد .
[ 8550 ] 13 - الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : انا أهل بيت مروتنا
العفو عمن ظلمنا ( 1 ) .
الرواية صحيحة الإسناد .
[ 8551 ] 14 - الصدوق ، عن الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل ( فاصفح الصفح الجميل ) ( 2 ) قال :
العفو من غير عتاب ( 3 ) . ونقلها أيضا في أماليه : المجلس الرابع والخمسون ح 14 / 416 الرقم 547 بسنده المتصل إلى زين العابدين ( عليه السلام ) .
[ 8552 ] 15 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال : إذا قدرت على عدوك فاجعل
العفو عنه شكرا للقدرة عليه ( 4 ) .
[ 8553 ] 16 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال : أولى الناس
بالعفو أقدرهم على العقوبة ( 5 ) .
[ 8554 ] 17 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال : . . .
العفو زكاة الظفر . . . ( 6 ) .
[ 8555 ] 18 - الطوسي عن الحسين بن عبيد الله ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن علي ابن معمر ، عن حمدان بن المعافي ، عن حمويه بن أحمد ، عن أحمد بن عيسى الطوسي قال : قال لي جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : انه ليعرض لي صاحب الحاجة فأبادر إلى قضائها مخافة أن يستغني عنها صاحبها ، ألا وان مكارم الدنيا والآخرة في ثلاثة أحرف من كتاب الله عز وجل ( خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) ( 1 ) وتفسيره أن تصل من قطعك
وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك ( 2 ) .
[ 8556 ] 19 - الآمدي رفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال :
العفو مع القدرة جنة من عذاب الله سبحانه ( 3 ) .
[ 8557 ] 20 - وعنه ( عليه السلام ) : الصفح أن
يعفو الرجل عما يجنى عليه ويحلم عما يغيظه ( 4 ) .
[ 8558 ] 21 - وعنه ( عليه السلام ) : أعط الناس من
عفوك وصفحك مثل ما تحب أن يعطيك الله سبحانه ، وعلى عفو فلا تندم ( 5 ) .
[ 8559 ] 22 - وعنه ( عليه السلام ) : أحق الناس بالإسعاف طالب العفو ( 6 ) .
[ 8560 ] 23 - وعنه ( عليه السلام ) :
بالعفو تستنزل الرحمة ( 7 ) .
[ 8561 ] 24 - وعنه ( عليه السلام ) : شر الناس من لا يعفو عن الزلة ولا يستر العورة ( 8 ) .
[ 8562 ] 25 - وعنه ( عليه السلام ) : شيئان لا يوزن ثوابهما :
العفو والعدل ( 9 ) .
[ 8563 ] 26 - وعنه ( عليه السلام ) : قلة العفو أقبح العيوب والتسرع إلى الانتقام أعظم الذنوب ( 10 ) .
[ 8564 ] 27 - وعنه ( عليه السلام ) : كن جميل العفو إذا قدرت عاملا بالعدل إذا ملكت ( 11 ) . [ 8565 ] 28 - وعنه ( عليه السلام ) : كن
عفوا في قدرتك ، جوادا في عسرتك ، مؤثرا مع فاقتك يكمل لك الفضل ( 12 ) .
[ 8566 ] 29 - وعنه ( عليه السلام ) : لا تندمن على عفو ولا تبهجن بعقوبة ( 13 ) .
[ 8567 ] 30 - وعنه ( عليه السلام ) : لا يقابل مسيء قط بأفضل من
العفو عنه ( 14 ) .
الروايات في هذا المجال كثيرة ، فإن شئت راجع الكافي : 2 / 107 ، والوافي : 4 / 441 ، والمحجة البيضاء : 5 / 318 ، وبحار الأنوار : 68 / 397 ، وجامع أحاديث الشيعة : 16 / 284 ، وهداية العلم : 398 . انتهى
أقول : على ضوء هذه الآيات الكريمة وما نقلناه من كتب المخالفين من أخبار معتبرة وغيرها , فهل هناك مانع من القول بأنه
على فرض أن يكون الصديق والفاروق رضي الله عنهما قد ظلما أهل البيت عليهم السلام فأهل البيت في مرتبة ودرجة من الطهارة ومكارم الأخلاق تجعلهم يعفون عن من ظلمهم , ودقق أني لا اقصد معاوية ولا يزيد , بل أقصد الشيخين بالخصوص , وعليه فأهل البيت قابلوا هذه الإساءة التي صدرت منهما – على الفرض – بالإحسان, لأن أخلاقهم أكبر وأرفع من أن يحملوا في نفوسهم الحقد والغل عليهما , ولعل هذا ما يفسر لنا علاقة الكرار رضي الله عنه بهما , هذا كله على فرض أن يكون صدر منهم النصب لأهل البيت , وإلا فبعد قول الخوئي : (
لعدم نصبهم – ظاهرا – عداوة لاهل البيت و انما نازعوهم في تحصيل المقام و الرياسة العامة ) فيتأكد ما ذكرناه , ويزيده تأكيدا ما ذكر عن زين العابدين والكاظم , مع العلم أنه من حق الشخص أن يقتص ممن ظلمه , لكن العفو أفضل كما جاءت الآيات الكريمة .
# الامام السجاد سلام الله عليه
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 95 - ص 186 - 188
ذكر ما يحسن أن يكون أواخر ملاطفته لمالك نعمته ، واستدعاء رحمته وهو ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه باسناده إلى محمد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان علي بن الحسين عليه السلام إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة ، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان ، أذنبت فلانة ، يوم كذا وكذا ، ولم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان ، دعاهم وجمعهم حوله ، ثم أظهر الكتاب ثم قال : يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤد بك أتذكر ذلك ؟ فيقول : بلى يا بن رسول الله ، حتى يأتي على آخرهم ويقررهم جميعا ثم يقوم وسطهم ويقول لهم : ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كل ما عملت كما أحصيت علينا كل ما عملنا ، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت إلا أحصاها وتجد كل ما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضرا ، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو وكما تحب أن يعفو عنك ، فاعف عنا تجده عفوا ، وبك رحيما ، ولك غفورا ، ولا يظلم ربك أحدا كما لديك كتاب ينطق بالحق علينا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيناها إلا أحصاها ، فاذكر يا علي بن الحسين ذل مقامك بين يدي ربك الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل ، ويأتي بها يوم القيامة ، و كفى بالله حسيبا وشهيدا ، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح ، فإنه يقول : " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقنهم وهم ينادون معه وهو واقف بينهم يبكي وينوح ، ويقول : رب إنك أمرتنا أن نعفوا عمن ظلمنا فقد ظلمنا أنفسنا ،
فنحن قد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين ،
# الامام الكاظم سلام الله عليه
قال الشيخ الإثني عشري حسين الراضي : كان الإمام الكاظم عليه السلام من آيات اللّه العظام في مكارم أخلاقه ، وسموّ ذاته ، ومن مظاهر صفاته : الحلم وكظم الغيظ والحكمة في التعامل :من صفات الإمام موسى عليه السلام الحلم ، فكان فيما أجمع عليه المؤرّخون مضرب المثل في حكمه وكظمه للغيظ ،
فكان يعفو عن من ظلمه ومَن أساء إليه ، ولا يكتفِ بذلك ، وإنّما كان يحسن إليه ليمحو عنه روح الشرّ والأنانيّة
قصة العمري :
جاء في كتابي [إعلام الورى] و [الإرشاد] حدث الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ مَشَايِخِهِ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُؤْذِي أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام
وَ يَسُبُّهُ إِذَا رَآهُ وَ يَشْتِمُ عَلِيّاً
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِهِ يَوْماً : دَعْنَا نَقْتُلْ هَذَا الْفَاجِرَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ وَ زَجَرَهُمْ
وَ سَأَلَ عَنِ الْعُمَرِيِّ ، فَذَكَرَ أَنَّهُ يَزْرَعُ بِنَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فَرَكِبَ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُ فَدَخَلَ الْمَزْرَعَةَ بِحِمَارِهِ
فَصَاحَ بِهِ الْعُمَرِيُّ : لَا تُوَطِّئْ زَرْعَنَا
فَتَوَطَّأَهُ عليه السلام بِالْحِمَارِ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ وَ نَزَلَ وَ جَلَسَ عِنْدَهُ وَ بَاسَطَهُ وَ ضَاحَكَهُ . وَ قَالَ لَهُ : ( كَمْ غَرِمْتُ عَلَى زَرْعِكَ هَذَا
قَالَ : مِائَةَ دِينَارٍ
قَالَ : فَكَمْ تَرْجُو أَنْ تُصِيبَ
قَالَ : لَسْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
قَالَ لَهُ : إِنَّمَا قُلْتُ كَمْ تَرْجُو أَنْ يَجِيئَكَ فِيهِ
قَالَ : أَرْجُو أَنْ يَجِيءَ مِائَتَا دِينَارٍ
قَالَ :
فَأَخْرَجَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام صُرَّةً فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ وَ قَالَ : هَذَا زَرْعُكَ عَلَى حَالِهِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُكَ فِيهِ مَا تَرْجُو .
قَالَ : فَقَامَ الْعُمَرِيُّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَ سَأَلَهُ أَنْ يَصْفَحَ عَنْ فَارِطِهِ
فَتَبَسَّمَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ وَ انْصَرَفَ
قَالَ : وَ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ الْعُمَرِيَّ جَالِساً فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ
قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ
قَالَ : فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ مَا قَضِيَّتُكَ قَدْ كُنْتَ تَقُولُ غَيْرَ هَذَا
قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ مَا قُلْتُ الْآنَ وَ جَعَلَ يَدْعُو لِأَبِي الْحَسَنِ (ع) فَخَاصَمُوهُ وَ خَاصَمَهُمْ
فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ إِلَى دَارِهِ قَالَ لِجُلَسَائِهِ الَّذِينَ سَأَلُوهُ فِي قَتْلِ الْعُمَرِيِّ : أَيُّمَا كَانَ خَيْراً مَا أَرَدْتُمْ أَمْ مَا أَرَدْتُ ؟ إِنَّنِي أَصْلَحْتُ أَمْرَهُ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي عَرَفْتُمْ وَ كُفِيتُ بِهِ شَرَّهُ )
[ بحار الأنوار ج : 48 ص : 102 عن كتاب الإرشاد ج : 2 ص : 233 .ونقل هذه الحادثة الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :ج 13/28 ـ 29 . كشف الغمّة : ج 2/247 . والذهبي في سير أعلام النبلاء ج 6 ص 271 . والمزي في تهذيب الكمال ج 29 ص 45 .]
وإذا أردنا أن نحلل هذه القصة يمكن لنا أن نقف منها عدة وقفات :
1-
أن المعادي شتم الإمام الكاظم وشتم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
. . . والمتوقع من شيعة أهل البيت وأتباعهم ومواليهم أن يطبقوا نفس النهج الذي مارسه أئمتهم وقادتهم ويترفعوا عن السباب والشتم وينئوا بأنفسهم عما سقط فيه أعداؤهم .
2-
موقف حاشية الإمام من العمري ومحاولة قتله
حاول حاشية الإمام وحامَّته والمقربون إليه أن ينتقموا من الشاتم لأمير المؤمنين عليه السلام وأخذتهم حالة الغضب والألم ، ولا يزيل ذلك إلا القتل حتى وإن أدى إلى نشوء الحرب
لكن الإمام عليه السلام كقائد للأمة يقوم بمسؤولياته كان موقفه غير ذلك
3-
عدم رضا الإمام عليه السلام بفكرة حاشيته
فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ وَ زَجَرَهُمْ . يبدوا أن أولئك عندهم إصرار على الانتقام ولكن الإمام نهاهم بقوة وزجرهم ، وربما في مثل هذه القضايا تنقل لنا أفعال وتصرفات الحاشية والبطانة للإمام على أنه هو رأيه ويشتبه الحال ، أو يسوق أن الإمام قرره .
4-
الأسلوب الحكيم من الإمام
ولأن الإمام عليه السلام هو المسئول ولا بد من حل المشكلة وتصرفه يكون على حسب الموازين الشرعية التي يؤخذ منها حكما من الأحكام وعلى الآخرين متابعته لهذا منع من أسلوب الانتقام ومقابلة السيئة بسيئة مثلها ، والسبل الأخرى لم تنفد .
5-
مبادرة الإمام لزيارته
ومع أن الإمام عليه السلام هو المعتدى عليه وعلى جده وقد شتمهما العمري إلا أن الإمام بادر بزيارة الشاتم
6-
أسلوب الحديث معه ومباسطته ومضاحكته
فبالرغم أن الشاتم كان يعلن عداءه للإمام إلا أن الإمام لم يمنعه من أن يكتنفه بلطفه وحنانه وأخلاقه المحمدية
7-
دفع مبلغ لما بذله في زراعته وما يرجو منها وهذا طبيعي بالنسبة إليه فقد ذكر أهل السير أن صراره تصل ألف دينار وإذا وصلت إلى أحد أغنته
8-
دعاء الإمام له وهذا من أعظم المكاسب لذلك الشخص
9-
النتائج الإيجابية التي حصلت من هذه الحادثة
1- تبدل الشاتم وندمه واعتذاره وقبل رأس الإمام
2- قبول الإمام عذره وتبسم في وجهه
3- اعترافه أن الإمام أهل لمنصب الإمامة حيث قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ
4- العمري أصحابه يعترضون على تبدل موقفه
مصدر كلام الراضي في شرحه موقف الكاظم هنا :
http://www.alradhy.com/hadeth/alahadeth26/1-5.htm