باسمه تعالى
وأفضل الصلاة على أشرف الخلق محمد وآله الأنوار
وأقول :
سأغض الطرف أيها الفاضل عن الخوض في الفرق بين مداراة الناس بحسن الخلق وبين المودة الممنوعة .
وسأعرض أيضا عما يعتور كلامك من خلل ، من قفزة سريعة على النفي والإثبات في قوله " لا إله إلا الله " مما يخالف مذهبك كما ثبت في أهم كتبك ( وسيثبت في حينه ) .
ولن أتحدث عن التجسيم الذي وقعتم فيه مما يخالف وبصراحة مقتضيات التوحيد .
وسألفت نظري عنوة عن الكلام في الفرق بين الشرك العقيدي والشرك المترتب على السلوك ، خصوصا بعد قولك على دعوانا ( وهي الكلام النظري العقائدي ) : "فأما دعواكم معاشر الرافضة أنه واحد لا شريك له فجيد " .
ولكنك حينما أشكلت فكان إشكالك على الجانب السلوكي فقلت : " ولهذا فإن استهلال أحدكم الدعاء بقوله (يا علي، يا حسين، يا عباس) عوضا عن (يا رب) أو (يا الله) هو مساواة للمخلوق برب العالمين " .
وما دمت ظننت بأن التوسل والاستعانة هو أول باب يقتضي أن يطرق فسأفتحه لك راجيا العودة بعدها إلى الحوار حول حقيقة التوحيد ومدى مطابقته لدعواكم فيه .
وبما أننا لا نزال في المقدمة فإنني أضع خطا أحمر تحت قولي : الرجاء عدم الخلط بين ما يفعله عوام الشيعة مما لا أصل له ، وبين ما يرد في كتبنا العلمية المتبناة من قبل الحوزة وكبار علمائنا رضوان الله تعالى عليهم . ولك علي أن أراعي ذلك ايضا عندما يقتضي الحوار نقل نماذج وشواهد ، فلن تجدني أنقل إلا عما تحب بإذن الله تعالى مما تتبنى .
وسأتبع قفزتك نحو مسألة التوسل أو الاستعانة وأقول بعد الصلاة على محمد وآله :
قال حجاج : " ليس كل دعاء استغاثة، وليست كل استغاثة استعانة، وليست كل استعانة توسل .. إلا أنها تكون مشروعة في حالة ومحرمة في أخرى."
أقول : وهذا الكلام عام ومورد اتفاق بيننا على نحو الإجمال .
قال حجاج : " فالدعاء مثلا: يا فلان هات الماء .. ليس بمحرم شرعا مع أنه دعاء والاستغاثة عند الحريق برجال الإطفاء والطوارئ: النجدة النجدة .. ليس بمحرم شرعا مع أنها استغاثة والاستعانة بمحام لاسترداد حق .. ليس بمحرم شرعا والتوسل والتضرع إلى ولي الدم للعفو .. ليس بمحرم شرعا " .
أقول : وهذا جميل أيضا ومورد اتفاق أيضا ..
ثم وضعت القاعدة وما أجملها إذ تقول :
" ذلك أن كل ما سبق مقدور عليه من جهة العبد المستعان به، فأما مالا يقدر عليه إلا الله مما ليس بممتنع عقلا فمن العته الاستعانة عليه بغيره."
أقول :
فالكلام الآتي كله إذا عن نقطتين :
- عن سعة قدرة العبد فما هو الذي يقدر عليه وما الذي لا يقدر عليه ، وهل هناك فرق بين قدرته على التنفس وبين شقه القمر ؟
- وعن تقرير عدم تطابق قدرات العباد سواء في أمر الدنيا أو الآخرة ، فقدرة عيسى عليه السلام لا تقاس بقدرة فقير مثلي .
ثم نربط الكلام بعون المهدي عليه السلام بموضوعك الذي طرحت .
قبل ذلك .. نقطة يقتضي أن نقف عندها :
ما هو الممتنع العقلي الذي سيتكرر معنا تناوله ؟
أقول : من المناسب أن نلفت نظر القاريء أن الممتنع العقلي هو ما كان مستحيلا بذاته ، كاجتماع النقيضين ، أو أن يكون حاصل 2+2= 6 ، أو أن يكون الجزء أكبر من الكل وأمثال ذلك .
وبهذا يمكن التفريق بين طلب الإعجاز ( وهو الإتيان بما يعجز عنه الإنسان بنفسه مما خرق العادة ) ، وبين طلب الممتنع .
فلو أننا طلبنا من الله تعالى شأنه أن يجعل حاصل ضرب 2×2 = 6 لمجرد أننا كتبنا ذلك بالإمتحان مثلا ، لكان ذلك عتها لأنه ليس محلا لوقوع القدرة وهو ممتنع .
وأما أن نطلب منه تعالى أن يشفي مريضا مصابا بالسرطان وهو ينازع الموت ، فليس بعته ، بل هو مطلوب لأنه بيان قمة الفقر الإنساني لربه ، رغم أنه خارق للعادة كما يتبين من الواقع الطبي .
والسؤال هنا :
هل يصح التوجه للأولياء بالأمر الأول ؟
بالتأكيد لا يصح لأن حدوثه محال عقلا .
هل يصح التوجه لهم بالأمر الثاني ؟
قال حجاج : لا يجوز إذا " كان دعاء العبد الحي فيما لا قدرة له عليه " .
وأقول : يجوز لأن خلل فهم الحجاج إنما هو في القدرة وسعتها كما سيأتي .
فكون الاستعانة بهم " منكر وممتنع شرعا وعقلا " فقد بينا حكم العقل فيه ، وها نحن نتباحث في حكم الشرع .. فلا نستعجل .
الاستعانة بين الميت والحي
أولا الكلام عن الأحياء :
أما دعاء الحي فيما لا قدرة له عليه فأنا أقبل منك أنه عته ، كمن يقف بباب فقير يطلب منه أن يعطيه مالا ليسد دينه .
ولكن أن يكون منكرا شرعا فأين دليله مولانا ؟
فهل رأيت أحدا يقول : يحرم أن تطلب من الفقير مالا لا يملك قدره ؟
أما العقل :
نعم ، يقبح في العقل أن تطلب من الفقير ما لا يملكه ولكن لا يمنعه ، لأنه ترجيح من غير مرجح .. لاقيمة له ، فالقبيح شيء والممتنع شيء آخر .
فالخلاصة ، لا الشرع ولا العقل يمنعان الاستعانة بالحي ( بما لا يقدر عليه ) ، ولكنه عمل عبثي لا محالة .. ومثال الفقير واضح الدلالة .
ولكن :
هل الاستعانة بالأولياء الأحياء = الاستعانة بمن لا يقدر ؟
فإذا كانت القاعدة التي انطلق منها حجاج هي استنكار الطلب ممن لا يقدر ، فهل هذا ينطبق على الأولياء ؟
أقول :
أما الطلب من الأولياء فعلى ثلاث سبل :
- أن تطلب منهم أمرا خارقا للعادة على أساس أنهم يعطون من دون الله.
- أن تطلب منهم أمرا خارقا للعادة على ساس أنهم يعطون مع الله .
- أن تطلب منهم أمرا خارقا على أساس أنهم يعطون بالله .
أما الأوليان فلا شك بكونهما شرك ، وأما الثالثة فهي محل الكلام .
ويبدأ الكلام بسعة القدرة عند الأولياء ، فكم يقدرون وهم أحياء ؟
وأذكّر القاريء هنا بالفرق بين سعة القدرة عند ولي وآخر ، لاحظ معي:
قال تعالى : " وأبريء الأكمه والأبرص " .
وقال : " وأحيي الموتى بإذن الله " .
وقال : " إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " .
ولا أحتاج لذكر معاجز النبي صلى الله عليه وآله من صغيرها وهو تكلم الحجر بين يديه إلى شق القمر ورد الشمس .. فكلها بين يديكم .
ومنها يتضح أن للأولياء قدرات بلغت حدا عاليا ، كالخلق وإحياء الموتى ولكن المناط هو إذن الله تعالى .
قد يقول قائل :
هذا خاص للأنبياء وبإذن الله .
أقول :
إقرأ قوله تعالى : " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " .
فهو آصف بن برخيا كما قال ابن كثير ، ولاحظ أنه لم يقل بإذن الله .
مما يثبت أن الاعجاز وما يشبهها لا تخص الأنبياء فحسب .
ويمكن هنا أن نقول بأن المعجزات أو الكرامات لا تخلو من أربع أوجه :
- أن تكون بفعل الله : " فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها " .
- أن تكون بأمر الله : " فقلنا اضربوه ببعضها " .
- أن تكون بإذن الله الصريح : " وأحيي الموتى بإذن الله " .
- أن تكون بإذن الله المبطن : " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ".
فهل عرفت كم هي سعة قدرة الأولياء وهم أحياء ؟
فالطلب من الأولياء عليهم السلام مشروع ، لاحظ قوله تعالى على لسان سليمان:
" أيكم يأتيني بعرشها " ، وهو طلب أمر خارق للعادة وجهه نبي لخلوقات الله ، أولياء ومنهم الجن والشياطين .
وقوله على لسان موسى : " على أن تعلمن مما علمت رشدا " .
فالطلب غير ممنوع وضابطته الوحيدة هي أن لا يعتقد الطالب بأن الولي يفعل ذلك من قبل نفسه ، وإلا لصدق الشرك عليه حتى إن ظن بان أفضل الأولياء يرمش بعينه من قبل نفسه ، ولا تصل النوبة للخوارق.
ومن هنا يتبين بأن الاستعانة بغير الله لا مانع منها إن عرفنا باننا نطلب ممن قرب من الله منزلته ، والقرآن بين يديك فاقرأه .
بل يستحب الطلب من الأولياء شرعا إذا عملنا بذلك تعبدا لما ورد في روايات أهل البيت الخلفاء الشرعيين العلماء بالكتاب الذين يستنبطون الأمر منه ، وعلمونا الدعاء والتوسل وبينوا بأن التوسل بأوليائه توسل بالله من حيث النتيجة . كما أن طاعة شرطي المرور طاعة للملك من حيث النتيجة .
فهل تنفي بعدُ أن الله تعالى قد أعطى أولياءه ما لا قدرة للبشر على فعله ؟
إقرأ الآيات ، ولا أحسبك تقول ذلك .
أما الطلب من الأموات :
قال حجاج : " إذا كان دعاء العبد الحي فيما لا قدرة له عليه منكر وممتنع شرعا وعقلا فإن دعاءه ميتا أولى بالإنكار والامتناع أيضا شرعا وعقلا."
أقول :
قد عرفت فساد المقدمة :
وهي استنكار زميلنا حجاج من العبد الإتيان بما لا قدرة له عليه ، حيث أننا أثبتنا :
- الفرق بين الأولياء وغيرهم من حيث القدرة .
- واثبتنا وقوع طلب الخوارق والكرامات من قبل الأنبياء موجها للأولياء واستجابتهم لذلك بإذن الله .
فالنتيجة : وهي كون التوجه لهم شرك .. فاسدة تبعا لفساد المقدمة .
ونذّكر بقولنا:
أن أكبر أولياء الله ممن ندعو لا يملك أن يرمش إلا بقدرة الله ومثله جلب الماء للسائل ، فلا فرق عند الله بين منحك القدرة على الرمش وجلب الماء وبين منحك القدرة على إحياء ميت ، فكلها بين الكاف والنون.
وإحياء الميت ليس بممتنع عقلا لثبوت وقوعه يوم القيامة ، ووقوعه في الدنيا على يد عيسى عليه السلام .. فهو من الخوارق التي لا تقع ضمن مقدور العبد المتعارفة ، ولكنها حتما ضمن مقدور الولي ذي القرب كما عند عيسى عليه السلام .
ناهيك عما حدث في قصة بقرة بني إسرائيل التي قال تعالى : " اضربوه ببعضها " فأحيي بإذن الله ، بواسطة ضربة من بقرة .. فتأمل الممنوع الذاتي بنظرك ، هل غدى ممتنعا ؟
وأعجب يا زميلي العزيز ممن يرى بامتناع الخارق للعادة على يد أولياء الله ثم يجعله جائزا على يد أعداء الله ، فيقول بأن الدجال يحيي ويميت كما في صحيح مسلم ، وأسأل :
هل فعل ذلك بإذن الله ؟
إن قلت نعم ، فقد نسبت إلى الله تعالى مد الكافر بوسائل الإضلال كما يمد الولي بوسائل الهداية ، فكيف يميز المكلف بينهما ؟ وهل تبقى حجة لله بالغة يوم القيامة وقد أضل الناس بإعجاز على يد الدجال كإعجاز عيسى عليه السلام ؟
وإن قلت ، فعله دون إذن من الله ( ولا أحسبك تقوله ) فقد وقعت في الشرك المبين .
عودة للموضوع :
قال حجاج : " إذن ليس مقصودنا بالدعاء الذي هو من جنس العبادة ذاك المقدور عليه من قبل العبد، وإنما جعلناه حصرا فيما لا يستعان عليه إلا بالله، علما أنه لا حول ولا قوة لمخلوق مطلقا إلا بالله تعالى"
أقول : وهذه جملة تناقض بعضها ولكن الاشارة لمثلك تكفيه ، إذ أن المقدور عليه من قبل العبد حتى مثل طلب الماء إنما هو بقدرة الله تعالى ، فقولك : " إنماجعلناه حصرا فيما لا يستعان عليه إلا بالله " يناقض الجملة التي بعدها . فمن يقدرك على الاجابة بجلب الماء يقدرك على طي السماوات عروجا .
لهذا ، فإن عدم جواز الطلب من الميت لم نعرف له وجها ، خصوصا مع ما علمت من كون الولي في جميع حالاته مهبطا لفيض الله وليس هو بحي بأقدر منه بميت إلا بإذن الله ، غاية ما هنالك أن تطلب عارفا بأنه طريق لله .
وهذا يعتمد على نقطتين :
الأولى : أن الأولياء ليسوا جميعا موتى ؟ فأفاضلهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وهم أقلة الذين علت رتبتهم عن رتبة الشهداء .
النقطة الثانية : أنه لا مانع من الطلب من الحي حسب مقامه المرتبط بسعة قدرته ومنبعها الله تعالى ، فالميت ( مع غض النظر عن النقطة الأولى ) لا يفرق عن الحي شيئا ، إذ لا يصح أن يتحول الطلب من مباح إلى شرك بلا مرجح .
كيف وقدرة الله تنال الحجر والمدر فلم وقف جسد الميت دونها ؟
وأما إن لم تعجبك هذه اللغة ، فلربما أعجبك ما نقله البيهقي :
أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له .. فقال له عثمان بن حنيف : فصل ركعتين ثم قل " اللهم إني أتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي ليقضي لي حاجتي " ..
فقوله يامحمد نداء لميت ، لاشك ولا ريب أنه عالم بموته ولكنه عالم بمقامه من ربه فلا تغفل .
قال حجاج :
" ولنضرب على ذلك مثلا .. ما تقول في رجل جاء قبرا فسأل صاحبه شربة ماء؟ لا شك أننا نحكم عليه بالعته إذ لا قدرة له على الاستجابة وهو ميت ، نعم قد كانت له هذه القدرة عندما كان حيا، أما وقد توفاه الله الآن فقد سلبت منه هذه القدرة. فسؤاله والطلب منه منكر شرعا وعقلا. وكذا لو هرع مريض إلى قبر طبيب مشهور مستغيثا أن يخفف عنه ألمه فإنه ينكر عليه فعله. إذ العقل يقضي بأن يتوجه إلى طبيب حي."
أقول : فهل كان يملك هذا الرجل شربة ماء فتواكل ؟
أم كانت ممتنعة عليه فلجأ للدعاء والاستعانة ؟
فالأولى ليست من موارد الدعاء وقد يسر الله له الحصول على الماء .
وأما الثانية فهي لب الدعاء والتوجه إلى الله من خلال عبده المقرب .
وكذلك أمر الطبيب ، على أنني أركز على معرفة هوية صاحب هذا القبر وهوية هذا الطبيب .. فهل هما من الأولياء ؟ ممن أعطاهم الله من سعته ؟ كمحمد صلى الله عليه وآله وعلي والحسن والحسين ..؟
أم أنه من عامة الخلق الفقراء مثلي ممن لا ينفع ولم يعط سعة من الله ؟
فالشرع يدعو للأولى لأنهم طرائق إلى ربهم ، وأما المستجير بالفقير العبد لله فسفيه عابث .. وقد مر عليك أن اللجوء للأولياء لا لكل ميت .
قال حجاج :
" فما الظن بمن يترك الحي القيوم ليسأل الميت المعدوم؟ "
أقول : قد عرفت بأن السؤال من الحي شربة ماء اعتقادا بأنه يأتيك من نفسه أو شريكا لله فهو شرك وإن كان حيا ، وأما اعتقادك اتيانه شربة الماء بإذن الله فلا غبار عليه حينئذ .
فالحي القيوم حي قيوم عندما سألت الماء من الحي الفقير ، ويبقى حيا قيوما عند سؤالك من الميت لأن الضابط هو اعتقادك أن الرازق هو الله.
بل إنني لأجد في ادعاء وقوف الموت دون الاستعانة نوع شرك إذ أنك تظن بأن إمرار القدرة الإلهية على يد الحي أسهل منه على يد الميت .. فتفكر ، لأن كلاهما عنده سبحانه واحد .
وأما إن كنت ترى بإمكان ذلك على يد الحي أو الميت بالنسبة لقدرة الله فيبقى البحث عن المرجح ، فلا يصح أن تعامله معاملة الممتنع عليه سبحانه إلا إذا كنت تقول بعدم إمكانه تعالى أن يفعل ذلك على يد الميت .. فصرح .
قال حجاج :
" إن الذي ننكر من هذه المسألة هو أن يتوجه العبد إلى عبد مثله حيا أو ميتا، طالبا منه مالا قدرة إلا لله عليه، كقوله: يا فلان يا غياث المستغيثين، يا مفرج الكروب، يا مزيل الهموم، ابدل عسري يسرا، وألهمني صبرا، اقض حوائجي صغرا وكبرا، يا من يدعى سرا وجهرا، الخ.. " .
أقول : والواقع لا يهم هنا كثيرا الكلمات المستخدمة وإنما العقيدة التي سبق بيانها ، فأي غياث للمستغيثين لا يغيثك إلا بإذن الله تعالى مهما تلطفت في دعائك وأسررت به أو جهرت .
وبهذا يتبين فساد قولك " إن دعاء العبد حيا أو ميتا فيما لا قدرة له عليه إشراك له في قدرة الله تعالى " .
لأن المناط هو انبثاق القدرة منه سبحانه لا من دونه ، كَلّ لسان من يدعي ذلك .
وأخيرا :
" أما سؤالك حول طلب خوارق العادات من العبد هل هو شرك أم لا، فأقول، أما ما خص الله به نفسه كقوله (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) أوغيره مما علم بالضرورة أنه خاص بالله فهو بلا شك من الشرك." .
وأقول :
الكلام تارة عن :
- المدعو : وهو أصالة رب العالمين .
- الطريق : وهو الولي الحي أو الميت .
- المطلوب : وهو موضوع الدعاء .
فكلامك هنا ينصب على أن تطلب من الولي أمرا غير مختص بالله تعالى ، وقد أتفق معك إجمالا عليه ، ولكن هل تجده مشركا من يقول :
يا محمد صلى الله عليه وآله بين لي في أي أرض أموت ، فأنت الذي اختصك الله برحمته .
فإذا كان من المختصات بالله كما فهمت أنت فكيف عرف النبي بموقع قتل الحسين ، وكيف كان عيسى يميت ويحيي في أي أرض .. تقول من علم الله .. نقول كذلك .
أما وقد أطلت وأنا أعتذر منك ومن القاريء الكريم ، فأحب أن ألخص ما سبق بنقاط :
- أن التوجه للأولياء يجب أن يكون بضابطة كونهم عباد لله لا شركاء له وقد توجه أنبياء بطلباتهم للعباد .
- أن خارق العادة وغيره سواء في ذلك لأن قدرة الله تشمل كل شيء .
- أنه لا فرق بين الميت والحي ، بل إن الاعتقاد بأن افاضة قدرة الله على الحي أسهل منها على الميت كفر بقدرة الله .
- أن المختصات بالله تعالى لا يحسن السؤال عنها لعدم الجدوى .
ويثبت بذلك أن التوسل والاستعانة لا مانع منها حسب الضوابط الماضية
مؤكدا على جملتك : " ليس كل دعاء استغاثة، وليست كل استغاثة استعانة، وليست كل استعانة توسل .. إلا أنها تكون مشروعة في حالة ومحرمة في أخرى." حسب نية المستعين .
وأما من يحدد هوية الأولياء فبحث آخر لأن الواقع قد اختلط عند المتوسلين .
واسمح لي أن أعود إلى بحث التوحيد بتساؤلات أنتظر منك الإذن لأسردها .
والسلام بعد الاعتذار