العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحــوار مع الــصـوفــيـــة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-05, 10:17 PM   رقم المشاركة : 1
البيان
عضو فضي





البيان غير متصل

البيان is on a distinguished road


التصوف الصحيح هو عين التوحيد د.عبد العزيز القاري



التصوف الصحيح هو عين التوحيد

25/6/1426


د.عبد العزيز القاري




الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد : فموضوعي بعنوان "التصوف الصحيح هو عين التوحيد"، وهذه الكلمة ذات قرنين أذكرهما بإيجاز، وسيأتي التفصيل _إن شاء الله_.

أول القرنين : المراد إنصاف التصوف.
والقرن الثاني : المراد إصلاح التصوف، وسأفصل هذين القرنين _إن شاء الله_، لكن أبدأ بشيء من التاريخ وبيـان أصول النشأة ونحـو ذلك من غير تطويل فأقول :
التصوف الصحيح بني على الزهد، والزهد أصل من أصول الشريعة، ولذلك عندما كتب المتقدمون في هذا الشأن كتبوا فيه تحت هذا المصطلح " الزهد " كعبد الله بن المبارك المتوفى سنة(181 ) من الهجرة، وكهناد ابن السري، والإمام أحمد ابن حنبل، هؤلاء كتبوا تحت مصطلح "الزهد " فعندئذ المصدر واضح : الكتاب والسنة والقدوة رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه الكرام والتابعون ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المفضلة، ومن المهم في هذا الشأن ربطه بالرعيل الأول، الصحابة الكرام _رضي الله عنهم أجمعين_، ولذلك فقد أجاد الحافظ المحدث أبو نعيم الأصبهاني في كتابه (حلية الأولياء) إذ ذكر المتقدمين والمتأخرين من أهل العبادة والزهد مبتدأ بأصحاب رسول الله_صلى الله عليه وسلم_، وفعل مثله ابن الجوزي الحنبلي المتوفى سنة (597 ) من الهجرة في كتابه (صفة الصفوة)، وكذلك أبو القاسم التيمي في (سير السلف)، ولكن أكثر من كتب في التصوف أهمل ذكر طريقة الصحابة والتابعين، وبنى على ما روي من أقوال وأحوال وزهد المتأخرين من بعد القرون الثلاثة المفضلة أو من عند إبراهيم بن أدهم، والفضيل بن العياض، وأبي سليمان الداراني ونحوهم، كما فعل أبو القاسم القشيري برسالته القشيرية، وكمـا فعل أبو عبد الـرحمن السلمي فـي (طبقات الصوفية)، وكما فعل أبو بكر الكلاباذي محمد بن إسحاق في كتابه (التعرف لمذهب أهـل التصوف)، وكما فعـل أبو نصر السراج في كتابـه ( اللمع ).



هذه أهم مصادر التصوف، والكتب السابقة الـتي ذكرناها أعظـم مصادر التصوف (حلية الأولياء) لأبي نعيم و (صفة الصفوة) لابـن الجوزي و (سير السلف) لأبي القاسم. هذه مصادر التصوف على الطريقة الأولى التي تشمل المتقدمين والمتأخرين؛ يبدؤون بأصحاب رسول الله_صلى الله عليه وسلم_، فإذن وضعوا الأمر في نصابه الصحيح، وهذا أسلوب آخر لمن ألف في هذا الباب اقتصر فيه على المتأخرين من العباد والزهاد وما نقل من أحوالهم وأقوالهم، أو ابتداءً من إبراهيم بن أدهم والفضيل ابن عياض ومن بعدهم.

وأصلاً بدأت ظاهرة العباد والزهاد منذ وقت مبكر؛ من وقت التابعين، يعني من تفرغوا للعبادة وللزهد وانقطعوا عن الدنيا، وفي هذا الباب يذكر أبو نعيم أويساً القرني كمثال على هذا الأسلوب "الزهد".

وكان لظهور هذه الفئة من العباد والزهاد تذكيراً للمجتمع وإيقاظاً له، خاصةً أن بوادر الترف في حياة المجتمع كانت قد بدأت تظهر فكان لظهور هؤلاء العباد ولأقوالهم وأحوالهم أثراً تحذيرياً للمجتمع من أن يقع فريسة الترف والغفلة وتذكيراً له بمهمته الأساسية من الذكر والعبادة، وإعلاناً بأن هذه الدنيا لا قيمة لها، فهذا كان له أثر الإيقاظ للمجتمع وبوادر الترف تهجم عليه، ولذلك كانت أقوال هؤلاء العباد تدور حول هذه المعاني وحول محبة الله _عز وجل_ والانقطاع لـه وتقديم محبته والتعلق به على سائر العلائق، وكانوا يوصون مع ذلك بأن يرد كل ما يصدر عنهم إلى الكتاب والسنة.



يقول أبو يزيد البسطامي : " إذا أعطي الرجل من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا بـه حتى تروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.

والتصوف إذن بهذا المفهوم ليس منفصلاً عن الكتاب والسنة، بل هو مذهب في السلوك مستنبط منهما ومـن أحوال الصحابة الكرام، وآدابه ليست غريبة على الدين.

يقول سهل بن عبد الله التستري : أصول طريقتنا سبعة : التمسك بالكتاب، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وترك المعاصي، والتوبة، وأداء الحقوق.
فهذه الآداب ليست غريبة على الدين هذا مذهب في السلوك مستنبط من مصدر هذا الدين الكتاب والسنة. وكان هؤلاء الأوائل من أئمة التصوف ملتزمين بذلك.

يقول أبو سليمان الداراني، وهو أحد أئمة التصوف بعد القرون الثلاثة : قد تخطر النكتة من نكت القوم في قلبي أياماً فلا أقبل منه ـ أي من قلبي ـ حتى يأتي بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة.

ومثل هذا الكلام نقل عن الشيخ عبد القادر الجيلاني _رحمه الله_ يقول: " القدر ظلمة ـ أي الحياة المقدرة التي نعيش فيها ظلمة ـ فادخل في الظلمة بالمصباح الذي هو الحكم، والحكم هو كتاب الله وسنة رسوله_صلى الله عليه وسلم_؛ لا تخرج عنهما ".



والشيخ عبد القادر الجيلاني كان عالماً فقيهاً متمسكاً بالكتاب والسنة، وهو من أئمة المتصوفة المتأخرين، ولذلك عني شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_ بكلامه عناية عظيمة، ونقل بعض عباراته من كتاب " فتوح الغيب " وشرحها، تجد ذلك في جزء السلوك من مجموع الفتاوى، وكانت عباراته إذا احتملت عدة وجوه يحملها على أحسن الوجوه وأحسن المعاني، وكان يثني على أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي الحنبلي، وهذا أيضاً من أئـمة التصوف، صاحب (منازل السائرين)، وهذا كتاب مشهور يعد من أحسن مصادر التصوف الصحيح، وخاصة مع شرحه(مدارج السالكين)، شرحه الحافظ ابن القيم _رحمه الله_ بكتابه (مدارج السالكين)، وهذان الإمامان من أئمة المدرسة السلفية.

شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن القيم يضربان لنا أروع الأمثلة على أخلاق السلف، وعلى معلم مهم من معالم منهج السلف، وهو (الإنصاف)، وهو من أهم أخلاق علماء السلف.

شيخ الإسلام ابن تيمية يمدح الشيخ عبد القادر الجيلاني مدحاً عجيباً، وينقل كلامه كما ذكرت ويفسره بأحسن المعاني ويحمله على أحسن الوجوه حتى ولو احتمل عدة احتمالات، وكـذلك فعـل الحافظ ابـن القيم في (مدارج السالكين) عندما شرح كلام الهروي في (منازل السائرين) كان يحمل كلام الهروي على أحسن المحامل وعلى أحسن المعاني.



ولما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية كلام بعض الأئمة في التصوف أو في ذم التصوف، وكان أشد هؤلاء الأئمة الإمام الشافعي : ورد عنه ذم التصوف مطلقاً، وروي عن الإمام مالك أيضاً، بينما كان الإمام أحمد يقرأ كتب الحارث المحاسبي ونقل عنه شيء من عبارات المتصوفة، ولم ينقل عنه ذم التصوف كما نقل عن الإمام الشافعي.

الإمام الشافعي كان شديداً على التصوف وعلى الكلام، وورد عنه ذم الكلام مطلقاً، وحتى قال : من اشتغل بعلم الكلام أرى أن يجلد بالسياط ويطاف به على دابة بين الناس، ويقال: هذه عقوبة من يشتغل بالكلام عن كتاب الله وسنة رسوله_ صلى الله عليه وسلم_.

ماذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد هذا النقل؟ يقول : " والتحقيق أن فيه الممدوح والمذموم ـ يعني في مذهب التصوف الممدوح والمذموم ـ والمذموم منه ما يكون اجتهادياً، ومنه غير ذلك، كفقه الرأي فإنه قد ذم فقه الرأي طوائف من الفقهاء والعلماء والعباد ". ثم يقول : " ومـن المتسمين بهذا الاسم ـ أي التصوف ـ من أولياء الله وصفوته وخيار عباده ما لا يعلم عددهم إلا الله، كما أن من أهل الرأي ـ أي من فقهاء الرأي ـ أهل العلم والإيمان طوائف لا يعلم عددهم إلا الله ".



هذا الكلام من إنصاف السلف، ولهذا أخذت معالم التصوف الصحيح أكثر ما أخذته من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وأسلوبه؛ مع أنه من أشد من نقد التصوف وعلم الكلام، ولكن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ولا يحمل العالم الصحيح على عدم الإنصاف، وعلى الرغم من نقده لمذهب التصوف فقد كان منصفاً في الحكم عليه ودقيقاً في بحث تفاصيله والتفريق بين ممدوحه ومذمومه.

وهذا الممدوح الذي يشير إليه شيخ الإسلام هو ما نعنيه بالتصوف الصحيح فمحاولتنا هذه ذات قرنين أو ذات شقين :
الشق الأول : إنصاف هذا المذهب بالتفريق بين صحيحه وسقيمه، فالتصوف في جذوره الأولى كان تصوفاً صحيحاً كما ضربنا على ذلك الأمثلة وأوردنا الأدلة من كلام أئمته، فمن إنصاف هذا المذهب أن نبرز الوجه الصحيح منه ونميزه عن الوجه المنحرف.

والتصوف مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم، بل يجب الإفادة من صوابها وعرض ما سوى ذلك على الكتاب والسنة، كمدرسة الرأي سواءً بسواء، وقد لاحظنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية ضرب المثال بهاتين المدرستين الكبيرتين، مدرسة التصوف في علم السلوك، ومدرسة الرأي في علم الفقه.



هاتان المدرستان كبيرتان لا يمكن إلغاؤهما بجرة قلم، بل يجب احترامهما والإفادة من صوابهما، وأصلاً كل المذاهب والمقالات والأفكار يجب أن تعرض على الكتاب والسنة فما وافقهما قبلناه وما ناقضهما رددناه، وهذه وصية أهل التصوف أنفسهم أبي يزيد البسطامي والشيخ عبد القادر الجيلاني، وبقية أئمة التصوف الصحيح ورموزه.

والشق الثاني لهذه المحاولة الإصلاح : التصوف دخله كما دخل حياة المسلمين قاطبة كثير من الانحراف، شوه صورته وكدر صفاءه، وأخطر ما شوه التصوف الفلسفة، فإن الفلسفة دخلت في الصوفية بالزندقة، كذلك مما شوه صورة التصوف وصفاءه الأول ممارسات المسلمين اليوم، فأكثر الصوفية في العالم الإسلامي تجدهم عند الأضرحة والقبور يمارسون ممارسات ليست خارجة عن حدود الكتاب والسنة فحسب، بل حتى عن التصوف الصحيح، فهؤلاء ليسوا متصوفة والصوفية منهم براء لماذا؟ لأنهم قلبوا مفهوم التصوف، التصوف في أصله الصحيح معناه التعلق الكامل بالخالق _سبحانه وتعالى_ وقطع الأمل عن المخلوق.



كما ورد عن ذي النون المصري يقول : " التصوف هو التعلق بالخالق وقطع الأمل عن الخلائق " ولكن هؤلاء المنحرفين عن التصوف عكسوا هذا المفهوم، تعلقوا بالمخلوق حياً وميتاً وانشغلوا عن الخالق، وما عاد التصوف في هذا الشكل المنحرف زهداً ولا عبادة، صار تكالباً على الدنيا؛ ولذلك هذا نداء لأهل التصوف العلماء منهم والحكماء أن يبادروا بإصلاح التصوف من داخله حتى يلحقوا بالركب المبارك؛ ركب الصحوة : صحوة أهل السنة والجماعة، وإن لم يفعلوا فسيبقى الصوفية بهذا الشكل المنحرف الذي نشاهده اليوم سادرين في غيهم محجوبين عن حقيقة الـدين وعن حقائق الأشياء، غائبين عن الصحوة الكبرى.

وأهم مثال أضربه لما أريد أن أقرره " قضية التوحيد " فإن قضية التوحيد هي كعبة هذا الدين التي بها قيامه وبدونها انهدامه، ولذلك العلماء من فقهاء ومحدثين وعباد ومن متصوفة؛ كلهم يطوفون حول هذه الكعبة ويردون حوض التوحيد.

من عبارات أهل التصوف التي يتكلمون بها وهي في ظاهرها مشكلة، ولكن فسرها شيخ الإسلام ابن تيمية بوجه صحيح كلمة " الفناء". يتحدث الشيخ عبد القادر الجيلاني عن الفناء، ويتحدث أبو إسماعيل الهروي عن الفناء.



فيقول الشيخ عبد القادر _رحمه الله_ : " افن عن الخلق بحكم الله، وعن هواك بأمره وعن إرادتك بفعله _سبحانه وتعالى_، فإن فعلت فأنت أهل لأن تكون وعاء لعلم الله ". هذه من عبارات الشيخ عبدالقادر الجيلاني _رحمه الله_ لو تأملناها على الوجه الصحيح نجدها عين التوحيد.

لا فرق بين أئمة التصوف الصحيح وبين غيرهم من الأئمة والعلماء في قضية التوحيد، يقول : " وعلامة فنائك عن خلقه بحكمه أن تقطع أملك منهم وتعتزلهم وتيأس مما في أيديهم " ـ يعني تعلقك بالخـالق وتقطع علائقك بالمخـلوق، أي لا تنافس المخلوقين في الدنيا ولا تصارعهم في التكالب عليها؛ لأنك مشغول بالخالق عن المخلوق ـ لكن يقول : " افن بحكمه " وكما شرح هناك الحكم ما هو قال : " المصباح الذي هو الحكم وهو كتاب الله وسنة رسوله_صلى الله عليه وسلم_ ".

ولكن من الإشكالات التي قد تطرأ على مثل هذه العبارات في ظاهرها قولـه : " وافن عن إرادتك بفعله " هذا قد يغلط بعض السالكين في هذا الطريق في فهمه فيظن أن معناه ألا يكون للموحد إرادة مطلقـة وهذا غير ممكن، كل حي لابد له من إرادة، وما يحبه الله ورسوله وأمر بإرادته إما أمر إيجاب أو أمر استحباب، فترك الأول معصية، وترك الثاني نقص في حق الموحد، فلا يريد الشيخ عبد القادر _رحمه الله_ أن يقول : ألا يكون للموحد إرادة أبداً، بل ألا تكون له إرادة مخالفة لإرادة الله وإرادة رسوله_صلى الله عليه وسلم_ ـ أي لما في الكتاب والسنة ـ و إلا فإن الله _عز وجل_ قد مدح أنبياءه ومدح الصديقين والصالحين بالإرادات الشرعية، فقال عن أبي بكر الصديق :" وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" هذه إرادة. وقال لنبيه_صلى الله عليه وسلم_ : "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" وهذه إرادة مطلوبة، وقال : "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً " فهذه إرادة مأمور بها أيضاً، إرادة شرعية مطلوبة؛ فإذن : المراد أن تفنى عن الإرادة المخالفة للحكم الذي هو كتاب الله وسنة رسوله_صلى الله عليه وسلم_، ويفهم الفناء على وجه صحيح بمعنى كلمة " التوحيد " : أن تفنى عما سوى الله وتفنى في حب الله، كيف ذلك؟



معنى النفي في قوله : (لا إله) أن تنفي عما سوى الله جميع صفات الإلهية واستحقاقات العبادة. (إلا الله) أن توجهها للمعبود _سبحانه وتعالى_ فتفنى عن السوى، لا تشعر به ولا تتعلق به، وتفنى في المعبود _سبحانه وتعالى_ بمعنى أن حبه يتخلل قلبك كله بحيث لا يبقى فيه متسع لغيره، مع أنه _سبحانه_ من رحمته لم يفرض هذا على عباده، الذي فرضه عليهم أن يكون الجزء الأكبر من قلبك مفرغاً لحبه ويبقى جزء لباقي أنواع المحبات الطبيعية.

قال: "والذين آمنوا أشد حباً لله" ولم يقل والذين آمنوا فرغوا قلوبهم كلها لله، لكن" أشد حباً لله" ولكن من فرغ قلبه كله لله، هذا وصل إلى مقام أعلى وأعظم، فبعضهم يقول: إن هذا ينتج غياباً للمحب في المحبوب، فلا يشهد نعت المحبوب؛ لأنه غاب بمشهوده عن شهوده ـ هذه من مصطلحات القوم ـ أي من شدة تعلقه بالمحبوب المعبود _سبحانه وتعالى_ يغيب بمشهوده عن شهوده، يعني غاب من شدة تعلقه بالمعبود عـن شهود العبودية وعن شهود صفات المعبود _سبحانه وتعالى_.



يقول شيح الإسلام ابن تيمية : " قد يحصل هذا لبعض العباد نتيجة ضعف قلبه وقوة حبه وقوة تعلقه، ولكن أكمل الخلق محبة لله الخليلان إبراهيم ومحمد _عليهما الصلاة والسلام_ ومحبتهما لله أكمل وأعظم من محبة غيرهما، ومع ذلك لم يغيبا عن شهود العبودية، كان شهودهما للعبودية ـ أي وعيهما بعبوديتهما لله _تعالى_ ـ حاضراً في جميع الأحوال، ووعيهما بنعوت الكمال والجلال في المعبود المحبوب _سبحانه وتعالى_ حاضراً في جميع الأحوال، وهذا أكمل من ذاك، ذاك فناء فيه غيبوبة وفيه غياب، وهذا فناء فيه حضور وشهود.

والذي نفهمه من الحديث أنه كلما ارتقى الموحد في درجات التوحيد حتى يصل إلى سلم الإحسان فيرتقي في مقامات الإحسان حتى يقرب من محبوبه _سبحانه وتعالى_ يكون نتيجة ذلك البقاء لا الفناء، والشهود لا الغياب، والكشف لا الحجاب كيف ذلك؟ :
يقول النبي_صلى الله عليه وسلم_ : " قال الله _تعالى_ ما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلى مما افترضته عليه ـ أداء الفرائض أولاً إذا أردت أن ترقى في السلم ـ ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " هذا التفرغ بالذكر والعبادة والتقرب إلى المعبود _سبحانه وتعالى_ بارتقاء هذا السلم سلم الإحسان، ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، ولهذا يقول بعض الظرفاء من المفسرين في قوله _تعالى_ :" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" يقـول : ليست القضية أن تحب الله، القضية أن يحبك الله، هذه هي النتيجة العظمى. هنا يقول:" حتى أحبه " إذا وصل الموحد إلى هذا المقام وصل. ويقولون: " الواصلون " هؤلاء هم الواصلون الذين وصلوا إلى درجة أن يحبهم الله؛ لأنهم فرغوا قلوبهم لذكره وعبادته وأسهروا ليلهم وأظمؤوا نهارهم ومازالت ألسنتهم رطبة بذكر الله بينما الدنيا كلها تلهث خلف السراب في غفلة سادرون.



إذا وصل إلى هذا المقام العظيم من مقامات الإحسان ما هي النتيجة؟ :
" فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بهـا، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه " وفي رواية ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية : " فبي يسمع وبي يرى وبي يبطش وبي يمشي وبي يعقل وبي ينطق ".
هذا شهود أو غياب؟ هل هذه غيبوبة؟ هذه ليست صفات الغيبوبة ولا صفات الحجاب، هذه صفات الشهود، عندئذ يكون عبداً ربانياً يسمع ويبصر ويتحرك ويمشي ويعقل وينطق،كل ذلك بتوفيق الله _عز وجل_.
هذا هو المعنى الصحيح للفناء إن كان للفناء معنى صحيح، وفي الحقيقة هذا هو البقاء، وهذا هو الشهود، وهذا هو الوعي الكامل.

الخليل محمد_صلى الله عليه وسلم_ وصل إلى أعلى مقام، مقام لم يصل إليه مخلوق ولا جبريل رئيس الملائكة، تأخر جبريل وتقدم محمد_صلى الله عليه وسلم_ حتى سجد بين يدي المعبود، زالت كل الحجب وبقي الحجاب الأخير، وكما قال_صلى الله عليه وسلم_ : " وحجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما امتد إليه بصره _سبحانه وتعالى_ " هذا الحجاب لا يكشف في الدنيا، لم يكشف لموسى _عليه السلام_ ولم يكشف لمحمد_صلى الله عليه وسلم_ ولكن ما وصل أحد إلى أعلى من هذا المقام، ومع ذلك كان وعي النبي_صلى الله عليه وسلم_ حاضراً وشهوده كاملاً، ما غاب عقله ولا زاغ بصره ولا طغى بصره، وعى كل ما رأى وكل ما ألقي إليه وروى ذلك لأصحابه ولأمته : " يا محمد ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع ". سمع هذا وهو في ذاك المكان ورواه للأمة، معناه أنه وصل وهو بكامل شهوده.



ادعوا أهل التصوف الصحيح من علماء وحكماء أن يبادروا بإصلاح التصوف إن أرادوا أن يلحقوا بركب الصحوة المباركة، صحوة أهل السنة والجماعة، وكما يقول الفقهاء في محترزات التعريف أقول : صحوة أهل السنة والجماعة، هذه الدائرة الكبرى لا يبقى خارجاً منها إلا الروافض؛ الروافض ليس بيننا وبينهم إلا كما قال الشاعر :


ليس بيني وبين قيس عتاب
غير طعن الكلى وضرب الرقاب




ومن تخيل أنه يمكن أن يلتقي مع الروافض فهو واهم لم يقرأ التاريخ ولا يعرف الروافض أصلاً ولا عقائدهم، كلما تقربت منهم تباعدوا عنك، وكلما توددت إليهم حقدوا عليك، ما تركوا هذه الخصلة أبداً على مدار التاريخ، ولست هنا بصدد الحديث عن هؤلاء الذين يقفون خارج الدائرة، ربما يكون لهذا مناسبة أخرى.. أنا هنا أتحدث عن المدارس التي داخل دائرة أهل السنة والجماعة، ومدرسة التصوف الصحيح من هذه المدارس، فعلى عقلاء التصوف وعلماء التصوف أن ينقوا صورته التي شوهت كثيراً، وأن يبادروا بحركة الإصلاح وإعادة هذا التصوف إلى وجهه الصحيح وجذوره الأولى و إلا فالفناء حق عليهم وركب الصحوة سائر في طريقه.
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأكرم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

...






 
قديم 03-08-05, 03:06 AM   رقم المشاركة : 2
ابن القيم الجوزية
عضو فعال






ابن القيم الجوزية غير متصل

ابن القيم الجوزية is on a distinguished road


Post

جزاه الله خيرا د.عبد العزيز القاري
لقد صدق فيما قال وهذا حل رائع لي تصحيح الافكار والطرق الصوفية
والعودة الى القرأن والسنة النبوية المطهرة
وجزاك الله خيرا اخي البيان على نقل الموضوع الذي ان شاء الله يهدي امة الصوفية والمتصوفة على نهج الصحيح

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأكرم وعلى آله وأصحابه أجمعين.






 
قديم 03-08-05, 04:40 AM   رقم المشاركة : 3
ابن القيم الجوزية
عضو فعال






ابن القيم الجوزية غير متصل

ابن القيم الجوزية is on a distinguished road


Post







 
قديم 07-08-05, 02:47 AM   رقم المشاركة : 4
محمد المصراتى
عضو







محمد المصراتى غير متصل

محمد المصراتى is on a distinguished road


تنبيه الدكتور عبد العزيز القاري إلى خطورة قوله : ( إنَّ التصوف الصحيح هو عين التوحيد وإنَّه من مذاهب أهل السنَّة والجماعة )!




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:

فقد اطلعت على مقال نشر في ملحق جريدة المدينة المسمى بـ "الرسالة" للدكتور/ عبد العزيز قاري، بتاريخ الجمعة 20/ربيع الأول عام 1426هـ، الموافق 29/إبريل 2005م، تحت عنوان: د/عبدالعزيز قاري الصوفية مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة والتصوف الصحيح عين التوحيد .

قال المحرر ياسر عامر:

" اعتبر إمام مسجد قباء السابق بالمدينة المنورة وأستاذ علم الحديث الشيخ عبد العزيز قاري أن الصوفية مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة، ودعا عقلاء الصوفية والجيل الجديد منهم إلى نهج التصحيح لا التبرير ".

أقول :

1- أنا كنت أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية المدرسين في كلية الحديث ورئيس قسم السنة سابقاً في هذه الجامعة وما علمت أن الدكتور عبد العزيز قاري كان أستاذ علم الحديث وما أظنه يدَّعي هذا ولعل هذا خطأ من المحرر.

2- إن مذهب أهل السنة والجماعة مذهب واحد فقط لا مذاهب، فأهل السنة والجماعة يقال لهم: أهل السنة والجماعة، ويقال: لهم أهل الحديث، ويقال لهم: السلفيون أو أتباع مذهب السلف، ولا يدخل فيهم الصوفية لا سابقاً ولا لاحقاً.

وقد حمل أئمة الإسلام حديث الطائفة المنصورة وحديث الفرقة الناجية على أهل الحديث وعلمائهم لا على الصوفية ولا على غيرها، ولا سيما بعد تشعب الصوفية إلى فرق كثيرة جداً كلها قائمة على عقائد ضالة ومناهج خرافية تصادم الكتاب والسنة وما عليه أهل السنة والجماعة .

ومن عقائدها: الحلول، ووحدة الوجود، وتقديس الأولياء، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وأنَّ فيهم أقطاباً وأوتاداً، ويدعون هؤلاء ويستغيثون بهم في الشدائد من دون الله، وأفضلهم من يقرر هذه الأفعال الخطيرة ولا ينكرها، والخصومة بينهم وبين أهل السنة قديمة ومستمرة إلى يومنا هذا فكيف يقال: إنهم من أهل السنة والجماعة؟!.

3- قوله: "ودعا عقلاء الصوفية إلى التصحيح لا التبرير".

أقول:

أ - هذا كلام مجمل لا يستفيد منه أحد لا صوفية ولا غيرهم، فمن النصيحة لهم أن يبين لهم القاري الجوانب التي تحتاج إلى التصحيح بياناً واضحاً.

ب – إن دعوتهم إلى التصحيح تدل أنهم شيء آخر غير أهل السنة .

ج – إن هذه الطريق غير طريق الأنبياء والمصلحين فإنهم ما كانوا يدعون الكافرين والمنحرفين إلى أن يصححوا ما عندهم من الضلال بأنفسهم وإنما يأتي التصحيح من الله ويُبلِّغ ذلك الأنبياء ثمَّ ورَّاثهم.

اقتباس:
[B]د – قد صحَّح علماء أهل السنة والجماعة كل ما فسد من دين الصوفية عقيدة وعبادة ومنهجاً، لأنهم يدركون أنهم لا رغبة لهم في التصحيح ولا قدرة لغلبة الجهل عليهم ولبعدهم وبُعد عقائدهم ومناهجهم عن الكتاب والسنة ومذهب أهل السنة والجماعة، فلم يقبلوا هذا التصحيح بل حاربوا أهل السنة الذين صححوا ونصحوا لهم، فهل بعد كل هذا سيسارعون إلى التصحيح الذي دعاهم إليه القاري؟!.[/B

]وأنا أطلب من القاري – إن كان يعتقد فيهم أنهم سيسرعون إلى تنفيذ نصيحته – أن يساعدهم بما يعينهم ويشجعهم على التصحيح الذي يرضي الله ويدخلهم في عداد أهل السنة والجماعة.

ونرجواأن يتحقق ما يصبو إليه القاري بل يصبو إليه أهل السنة والجماعة، ونرجو مرة أخرى أن يدخل القاري في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".

4- قال المحرر: "وقال فضيلته في كلمته التي ألقاها في منتدى بجدة وحضرتها (الرسالة): إن أكثر من كتب في التصوف ارتكز على روايات المتأخرين من أحوال الزهاد والعُبَّاد، كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، ولم يرتكز على روايات القرون الأولى المفضلة.

وأكَّد فضيلته على ضرورة ربط التصوف بالرعيل الأول من السلف، والسلف في نظر الشيخ القاري هم الصحابة".

أقول :

إنَّ إبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض يُعدَّان من أهل القرون المفضَّلة فكلاهما من طبقة متوسطي أتباع التابعين ,وهما ليسا من الصوفية ,وإنما هما من أهل الدِّين والورع والزهد المشروع .

ويفيد كلام القاري أن أكثر مؤلفات الصوفية ارتكزت على روايات أناس جاءوا بعد القرون المفضلة، وإن الواقع ليؤكِّد ذلك، وهذا يدل على انفصام منهج الصوفية وعقيدتهم عن عقيدة ومنهج السلف الصالح: القرون المفضلة التي شهد لها رسول الله بأنها خير القرون " ثم يأتي بعدها قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمن.

أما أهل السنة والجماعة أهل الحديث فهم امتداد للقرون المفضلة عقيدة ومنهجاً "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله تبارك وتعالى".

وبداية الصوفية وإن كان في عهد الحسن البصري وابن سيرين -رحمهما الله- اللذين أنكراها عليهم .

بداية كتابات الصوفية -فيما أعلم- هي كتابات الحارث بن أسد المحاسبي أحد تلاميذ يزيد بن هارون الذي يُعدُّ في أتباع التابعين آخر القرون المفضلة، وكان الحارث من المعاصرين للإمام أحمد وإخوانه من أئمة الحديث والسنة.

ألَّف الحارث كتباً للصوفية فأنكرها أهل السنة ومنهم الإمام الحافظ أبو زرعة، قال الحافظ الذهبي : ( قال الحافظ سعيد بن عمرو البردعي : شهدت أبا زرعة وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجهد فيه ما يغ************ قيل له في هذه الكتب عبرة فقال من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة بلغكم أن سفيان ومالكا والأوزاعي صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس ما أسرع الناس إلى البدع مات الحارث سنة ثلاث وأربعين ومائتين وأين مثل الحارث فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كـ ( القوت) لأبي طالب وأين مثل القوت كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم , وحقائق التفسير للسلمي لطار لبه كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية بلى لما كان الحارث لسان القوم في ذاك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميسي وابن شحانة كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان(1) نسأل الله العفو والمسامحة آمين ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال (2/166) .

وقال ابن الجوزي وبالإسناد إلى أبي يعقوب إسحاق بن حية قال: "قال: سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات فقال : ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون , وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا.

وروينا عن أحمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي ، فقال لصاحب له لا أرى لك أن تجالسهم ، وقال ابن الجوزي : وقد ذكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال : حذروا من الحارث أشد التحذير , الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم ، ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام حارث بمنـزلة الأسد المرابط ينظر أي يوم يثب على الناس , تلبيس إبليس (ص151) .

ثم نقل ما ذكره الذهبي عن أبي زرعة قوله عن كتب الحارث إنها كتب بدع وضلالات .. إلخ " , تلبس إبليس ( ص/150) .

فهذا هو موقف أئمة الإسلام الناصحين من التصوف وأهله إدانة لمؤلفاتهم وتحذير من ضلالاتهم وشطحاتهم.

وأما إلحاح القاري على ربط الصوفية بالسلف الصالح ولا سيما الصحابة؛ فهذا الربط يجب أن يكون شاملاً لكل الفرق المنتمية إلى الإسلام بما فيها الأحزاب السياسية التي تتهاون في أمر الصوفية والروافض وغيرهم، ويجب على كل عالم ناصح وغيور أن يسعى جاداً في إرجاع المنحرفين عن صراط الله المستقيم والمتبعين لغير سبيل المؤمنين إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.

5- قال المحرر: (وطالب الشيخ القاري في محاضرته التي كانت بعنوان: "التصوف الصحيح هو عين التوحيد"، بأنه ينبغي عند النظر في شئون التصوف والمتصوفة التطرق إلى جانبين: الإنصاف من جهتنا، والتصحيح من جهتهم.

واعتبر أن الإنصاف هو من منهج أهل السنة والجماعة، قائلاً: لا بد من إنصاف مذهب التصوف بين صحيحه وسقيمه، فالتصوف في جذوره كان صحيحاً، وهذا من كلام أهل السنة والجماعة، كشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية، وهو مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرَّة قلم.

وفي الجهة المقابلة طالب الشيخ القاري بضرورة الإصلاح، وذلك بتنقية ممارسات المتصوفة الحاصلة اليوم قائلاً: "ممارسات أكثر المسلمين في العالم الإسلامي اليوم من التصوف تجدهم يمارسون ممارسات لا تمتُّ إلى الصوفية الأولى – الرعيل الأول – فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخالق وقطع العلائق".

وأضاف أن أخطر ما شوَّه التصوف هو دخول الفلسفة عليه).

أقول:

1- من سبقك من أئمة السنة إلى القول: بأن التصوف هو عين التوحيد، وحتى لو قالها أحد لردَّه واقع التصوف وعقائده ومناهجه، ولردَّه جهود أئمة الإسلام وأقوالهم في إدانته بالانحراف منذ ذرَّ قرنه.

ولو كان هو عين التوحيد ؛فكيف يحاربه أئمة الإسلام؟!.

2- مطالبتك من ينظر في شئون التصوف بالإنصاف، فهل ترى أيها الرجل أنك أتقى وأورع من أئمة الإسلام والسنة وعلى رأسهم الإمام أحمد، وأبو زرعة، والشافعي، وابن الجوزي، وابن تيمية، والذهبي، وابن القيِّم،وابن عبد الهادي وابن عبد الوهاب، والشوكاني، والصنعاني، وأئمة الدعوة السلفية، وغيرهم وأنهم قد ظلموا الصوفية وعلى رأسهم الحلاج، وابن عربي، وابن سبعين، والشعراني، والنبهاني، ودحلان، وطوائفهم كالرفاعية وكالتيجانية، والمرغنية، والنقشبندية، والسهروردية، والجشتية ؟!

فقولك : الإنصاف من جهتنا، أظن أن أهل السنة لا يوافقونك على هذا الاعتراف الضمني بأنهم قد ظلموا الصوفية، بل يجب أن يقال: إن الصوفية قد ظلموا الإسلام والمسلمين بنشر تصوفهم الذي من ثماره وآثاره ما يراه الناس من آلاف المشاهد في بلدان المسلمين وحتى في المساجد تُدعى من دون الله ويستغاث بهم في الشدائد وتُشدُّ إليها الرحال، ويقام لها الاحتفالات والموالد، ويُقدَّم لها النذور والذبائح والأموال الطائلة التي لا تسخى نفوس كثير من مقدميها أن يقدِّموها لله وفي سبيله.

أترى أن أهل السنة لم ينصفوهم وهذا حالهم ؟ بل لا يعرف الناس عنهم إلا أنهم يضعون السدود والحواجز بين الناس وبين الحق والنور الذي يقدِّمه لهم علماء السنة الناصحون من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومن هدي السلف الصالح.

لماذا تريد أن يتعب أهل السنة في التفريق بين صحيح التصوف وسقيمه ؟!

فهل ألزم اللهُ تعالى الرسولَ r وأصحابه أن يذهبوا إلى التوراة والإنجيل وقد بُدِّلت نصوصهما مع أنَّ جذورهما صحيحة بل وحي من الله فهل ألزمهم بأن يقوموا بالتمييز بين الحق والباطل ؟! أو أنَّ الله تبارك وتعالى بيَّن ما عندهم من الضلال وكفى المؤمنين هذا التمييز.

لقد جرى أهل السنة في نقد الفرق ومنها الصوفية على طريقة الكتاب والسنة في بيان الباطل ليحذره الناس، ولم يقولوا إن ما عندكم من حق فهو باطل حتى يُقال إنهم قد ظلموهم.

ولهم الحق أن يحذِّروا من التصوف والرفض والتجهم والاعتزال وسائر أنواع الضلال وإن كان يوجد عندهم شيء من الحق، لكن هذا الحق قد غمس بالباطل، ومعظم الناس لا يستطيع التمييز بين الحق والباطل، فمن الإنصاف للمسلمين ومن الحكمة والنصح أن يحذِّر من التصوف والصوفية والرفض والروافض، لأن سلامة الناس ونجاتهم لا تتحقق إلا بهذا الأسلوب.

أرأيت كيف حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع وسماها شر الأمور؟!

أرأيت كيف ذمَّ رسول الله r الخوارج ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وقال: "اقتلوهم حيث وجدتموهم فإن لمن قتلهم أجراً عند الله"، مع أن عندهم من العبادة ما يجعل الصحابة -رضوان الله عليهم- يحقرون قراءتهم عند قراءتهم وصلاتهم عند صلاتهم، فهل كلَّف رسول الله الصحابة أن يذهبوا ليميِّزوا بين حق الخوارج وباطله حنى يكونوا منصفين؟!.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة الإسلام أتقى الناس لله وأخشاهم له وأشدهم ورعاً وإنصافاً ونصحاً، ومن إنصافهم للناس ونصحهم لهم أن حذَّروهم من بدع الخوارج والروافض والتصوف وسائر البدع وأهلها.

وقولك: (الإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة).

أقول: هذا حق، وقد ميَّزهم الله بذلك، ومنهجهم في نقد الصوفية هو الحق والمنهج الذي ترى أنه هو الإنصاف، لا أصل له في شريعة الإسلام، ولو كان من الإسلام لسبقونا إليه.

وما نسبته إلى أهل السنة ومنهم ابن تيمية من أن التصوف في جذوره كانت صحيحة؛ أرى أنه لا أساس له، وما رأينا منهم إلا النقد لجذوره وفروعه، وقد سبق تحذير أبي زُرعة وكلام الذهبي المتضمِّن لمغايرة أهل السنة للصوفية ومنابذتهم لهم من عهد أحمد ومن معه والمحاسبي ومن معه، فإن قلت: أنا أقصد المعاصرين، فنقول: بيِّن اختلاف المنهجين والظلم الذي ترتب على مخالفة المعاصرين من أهل السنة لمنهج أسلافهم، وإلا فليعلم الناس أنك تتكلم بغير علم وبغير حجج.

وقوله: (وهو مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم).

لا أدري أهذا وصف لشيخ الإسلام أم للتصوف ؟ وإذا كان وصفاً للتصوف؛ فمن قال من أهل السنة إنه يمكن إلغاؤه بجرة قلم، وكيف يقولون هذا وهم يعلمون ويدركون جهود أئمة الإسلام من فجر تاريخ التصوف إلى اليوم لم تلغه ، بل لعناد أساطين الصوفية ما يزداد على مرِّ الأيام والقرون إلا انتشاراً وتضخماً والعياذ بالله، والله يقول لرسوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)(الشورى: من الآية48)، ويقول تعالى لرسوله: ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22)، ويقوللَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)(البقرة:من الآية272)، ومع ذلك فرسول الله مكلَّف بالتبليغ والجهاد.

وأهل السنة ما عليهم إلا الدعوة والبلاغ والصبر على الأذى، ولا يجوزلهم السكوت عن باطل الصوفية ولا عن باطل غيرهم لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159).

وقوله: (وممارسات أكثر المسلمين في العالم الإسلامي اليوم من التصوف تجدهم يمارسون ممارسات لا تمتُّ إلى الصوفية الأولى – الرعيل الأول – فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخالق وقطع العلائق).

أقول:

في هذا الكلام حذر شديد من جرح مشاعر الصوفية وإيهام في الكلام لا يظهر منه فداحة ما عند الصوفية من البُعد السحيق عما كان عليه السلف من تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل جوانب الإسلام ومحاربة مظاهر الشرك ووسائله كلها.

وفي هذا الكلام إيهام الناس أن الرعيل الأول وهم الصحابة الكرام كانوا صوفية أعاذهم الله وأعاذ أتباعهم بحق من التصوف، وهذا باطل قطعاً، وأنكر ابن الجوزي على أبي نُعيم عدَّه بعض الصحابة من الصوفية حيث قال: وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسادات الصحابة رضي الله عنهم فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحاً القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل, وكذلك ذكر السلمي في طبقات الصوفية الفضيل وابراهيم بن أدهم ومعروفا الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما سيأتي ذكره). [تلبيس إبليس: ص/148].

ولقد حارب أئمة الإسلام التصوف وأهله وكتبه من أول ظهوره كما أسلفنا ذلك في هذا المقال.

وقال الشافعي: إذا دخل الرجل في التصوف أول النهار لا يأتي الليل إلا وقد ذهب عقله، أو كما قال.

وفيه: إيهام أن صوفية اليوم فقط هي التي خالفت الرعيل الأول، ويفيدنا هذا الكلام براءة صوفية ما قبل اليوم من هذه المخالفة.

وهذا فيه ما ينافي العهد الذي أخذه الله على أهل العلم وهو البيان، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)(آل عمران: من الآية187)، والرسول يقول: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قال الصحابة: لمن ؟، قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".



وقوله : (فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخلق وقطع العلائق بالخالق).

أقول : من قال هذا من الرعيل الأول أو من علماء الإسلام إنه كلام غامض هل يخص توحيد الربوبية أو يشمل أنواع التوحيد الثلاثة وغيرها من جوانب الإسلام ثم هل في القرآن والسنة أمر أو دعوة إلى قطع العلائق بالخالق كلا لقد قال تعالى : )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، إلى قوله: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).

وقال تعالى: )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء:36) ولا يقطع العلائق مع هؤلاء إلا عاق الوالدين وإلا كل مختال فخور .

وقال تعالى ذاكراً صفات أهل االنار ومنها : " )وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25)

وقال تعالى : )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)ْ) (محمد:22- 2).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ".

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة قاطع رحم " . صحيح مسلم كتاب البر حديث رقم ( 2555- 2656 ).

فإن قال قائل: لا يقصدون هذا .

قلنا : هذا ظاهر كلامهم وليس لنا إلا الظاهر ويمكن أن يلجأ الصوفية إلى قولهم لعلماء الشريعة : أنتم علماء الرسوم ونحن علماء الباطن أو إلى الفرق بين علماء الشريعة وبين علماء الحقيقة .

6- قال المحرر :

وأكد الشيخ ضرورة أن يقوم أهل التصوف الصحيح والجيل الجديد منهم بالمبادرة بالمحاولات الإصلاحية لا التبريرية، وعليهم أن ينقوا صورة التصوف وإعادته إلى وجهه الصحيح وجذوره الأولى حتى لا يتخلفوا عن الدائرة الكبرى دائرة أهل السنة و الجماعة وهم أصلاً منهم'' مضيفاً :'' دائرة أهل السنة والجماعة لا يبقى خارجها إلا بعض الطوائف - كما يقول الشيخ قاري- ويؤكد الشيخ من جهته أن هناك جهوداً بذلت في هذا السياق ودلل على تجربة بعض علماء المتصوفة في الهند إلى التصحيح، وشدد بقوله ان شيوخ التصوف الصحيح في القرون الأولى وحتى المتأخرة قاوموا التصوف المنحرف وهم - أي شيوخ المتصوفة- أكثر من دافع ضد الشيعة كالحارث المحاسبي. وحينما سئل د.قارئ عن الداعية علي زين العابدين الجفري ، لم يشنع عليه بل ما زاد عن قوله :'' هو شاب مثقف ويحاول أن يقدم التصوف بأسلوب ما، والمطلوب أكثر من ذلك وهو يعتبر من الجيل الجديد الذي نريد منه الإصلاح لا التبرير''.

أقول :

من هم أهل التصوف الصحيح؟

ومتى كان التصوف في يوم من الأيام صحيحاً ؟!!

ولقد قدمت للقارئ كلام الإمام أحمد وأبي زرعة في المحاسبي وكتبه وأضيف هنا قول ابن الجوزي في مصنفاتهم، قال رحمه الله – بعد أن ذكر كلام بعض من نُسب إلى التصوف وتعريفه للتصوف قال: "وعلى هذا كان أوائل القوم فلبس إبليس عليهم في أشياء ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم وشبهوا المال بالعقارب ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع , وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري .

ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة , ثم ما زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بواقعاتهم ويتفق بُعْدُهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر , ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به وهؤلاء بين الكفر والبدعة ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن وجمع لهم حقائق التفسير فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم وإنما حملوه على مذاهبهم والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن".

ثم نقل الطعن في عدالة أبي عبد الرحمن السلمي.

ثم قال: "وصنف لهم أبو نصر السراج كتابا سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ما سنذكر منه جملة إن شاء الله تعالى وصنف لهم أبو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد وردد فيه قول قال بعض المكاشفين ,وهذا كلام فارغ وذكر فيه عن بعض الصوفية أن الله عز وجل يتجلى في الدنيا لأوليائه".

ونقل عن الخطيب بإسناده "أن أبا طالب دخل إلى البصرة بعد وفاة أبي الحسين بن سالم فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ فخلط في كلامه فحفظ عنه أنه قال ليس على المخلوق أضر من الخالق".

قال: " وصنف لهم عبد الكريم بن هوزان القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء والقبض والبسط والوقت والحال والوجد والوجود والجمع والتفرقة والصحو والسكر والذوق والشرب والمحو والإثبات والتجلي والمحاضرة والمكاشفة واللوائح والطوالع واللوامع والتكوين والتمكين والشريعة والحقيقة إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه .

وجاء محمد بن ظاهر المقدسي فصنف لهم صفوة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها سنذكر منها ما يصلح ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى".

قال: " وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الإحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطله وهو لا يعلم بطلانها وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه ، وقال إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية , وقال في كتابه المفصح بالأحوال إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق".

ثم قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): " وكان السبب في تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء قلة علمهم بالسنن والإسلام والآثار وإقبالهم على ما استحسنوه من طريقة القوم".

إلى أن قال: " وقد كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين والأمراء فصاروا أصدقاء".

ثم قال: "فصل وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إلى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عن بعض ودونوها وقد سموها بالعلم الباطن" تلبيس إبليس (ص148-150) .

فهذه أصول الصوفية وجذورها: الجهل والوساوس والخطرات والعشق، - تعالى الله عما يقولون – وفساد العقائد بل الزندقة كالحلول ووحدة الوجود والورع القائم على الجهل والجرأة على تفسير كتاب الله بعقائدهم الباطلة ووساوسهم وخطراتهم إلى آخر ما عندهم من الضلال.

ثم جرأتهم على تفسير كتاب الله، فلا يرجعون إلى أصول أهل السنة في تفسير كتاب الله، كتفسير القرآن بالقرآن، وتفسيره بالسنة، وبفقه الصحابة الذين عرفوا مراد الله من جهة معرفتهم بأسباب النـزول ومعاصرتهم لنـزول الوحي، ومعاشرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيقه العملي لمعاني القرآن، وإنما يرجعون إلى أصولهم الفاسدة ومناهجهم الضالة.

فكيف يصحُّ القول بأن الصوفية من أهل السنة، وأن جذور التصوف صحيحة؟!

لقد توصل كثير من الباحثين إلى أن التصوف تسرب إلى الإسلام من النصرانية والمجوسية والهندوكية .

ونسأل القاري من هم أهل التصوف الصحيح والجيل الجديد ؟!.

أهم الرفاعية والتيجانية، والمرغنية، أم البريلوية، أم النقشبندية، أم السهروردية، أم البرهانية، أم الشاذلية، وكلُّها تلتقي في ابن عربي وأمثاله من أهل وحدة الوجود.

وأذكر أنني في رحلتي إلى السودان عام (1392 هـ) جمعت كتباً للطرق الصوفية التي يعيش أهلها في دول أفريقيا ودرستها دراسة مقارنة بينها، فوجدتها كلها تشترك في عقيدة الحلول ووحدة الوجود، والخرافات، والغلو في الأولياء، والشرك , ولقد ذكر لي أحد علماء أهل الحديث من أهل الهند أنه درس الطرق الصوفية في الهند وباكستان فوجدها كلها تلتقي في الحلول ووحدة الوجود والشرك .

وأذكر أنه دار نقاش بيني وبين عالم صوفي أزهري حول التصوف وما فيه من الضلال، ومن حلول ووحدة وجود إلخ، فذكرت له ما أعرفه عن الطرق الصوفية وما فيها من البلاء المشار إليه، وهو يجادل بالباطل.

فقلت له: اختر لي أفضل هذه الطرق لأبين لك ما فيها مما ذكرته.

فقال: الطريقة الشاذلية، وأنا عليها.

فجئته في اليوم الثاني بكتاب من كتب الشاذلية، وأوقفته على ما في الكتاب من القول بالحلول ووحدة الوجود والشرك، فبُهت فطلب مني الكتاب عارية، فذهب به ولم يُعده إليَّ – مع الأسف – ولم يُظهِر تراجعه عن التصوف.

ولا شك عندي أنَّ هذا الرجل على علاته أعلم وأفضل عندي من صوفية الجيل الذين يطلب منهم القاري التصحيح، ومنهم: الجفري، الذي لم يُشنِّع عليه القاري، بل ما زاد على قوله: "هو شاب مثقف ويحاول أن يقدِّم التصوف بأسلوب ما والمطلوب أكثر من ذلك، وهو يعتبر من الجيل الجديد الذي نريد منه الإصلاح لا التبرير".

ونقول للقاري: لقد عُرِفَ الجفري بأنه يدعو إلى الشرك الصريح ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقص القصص الخرافي ويدعو إلى التعلق بالموتى ويطعن في أهل التوحيد والسنة ويسخر منهم .

وفي موقعه الالكتروني يقول :"إنه بعد البحث والتدقيق تبين لي أن الولي يستطيع أن يخلق طفلاً بلا أب ولكننا لا نستطيع أن نقول هذا أمام العامة حتى لا تدعي الزانية أن ما في بطنها من خلق الولي".

فهذا تصحيحه وتجديده , إنَّه الجد في إنعاش التصوف في الجزيرة العربية بعد أن كاد أن ينتهي وتخمد ناره , وعنده من البلايا والطوام المخزية ما عرف به أهل السنة خطره فدفعهم إلى التحذير منه ,وأما الروافض والصوفية فقد أفرحهم وأما عوام الناس فقد فتنوا به بعد أن خدعهم .

ومن أذكاره التي يرقص فيها على الطريقة الصوفية:

(حي ...حي )و(هو ...هو ) و( أح ...أح ) فهذه هي ثقافة الجفري!!

فهل يرجو عاقل من أمثال هذا الصوفي المحترق أن يقوم بتصحيح التصوف المزعوم له أنه صحيح الجذور .

أيا عبدالعزيز قاري أين النصيحة وبيان المنهج السلفي على حقيقته والتفصيل فيه، وبيان حقيقة التصوف من بداياته إلى اليوم؟.

فهل لي أن أقول: فيك: إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن لك عُذراً ألا وهو الضعف الشديد بمعرفة منهج السلف، والضعف الشديد بمعرفة الصوفية وعقائدها ومناهجها وآثارها المدمرة على الأمة الإسلامية؟.

وهذا أحسن شيء أعتذر به لك، فإن كنت أصبتُ الحقيقة في هذا الاعتذار، أو قاربت، فأرجو منك التحرك للدراسة الجادة للمذهبين: مذهب أهل السنة ومذاهب الصوفية.

وستجد الفروق الهائلة بين المذهبين بحيث يتبين لك ولكل دارس منصف أنه لا يجوز أن يقال: إن التصوف هو عين التوحيد كما لايجوز أن يُقال أنَّ الصوفية من أهل السنة بحال من الأحوال .

وإنه يجب أن يَسعى كل من عنده علم وغيرة على الإسلام والمسلمين إلى تطهير المجتمعات الإسلامية من عقائد التصوف ومناهجه وآثاره، وذلك لا يحصل إلا بالجهود المتواصلة في نشر العلم الصحيح، والتوحيد الذي جاء به جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ولا تبرأ ذمة العلماء والدعاة الصادقين إلا بالنهوض الجاد المخلص في نشر التوحيد وما قام عليه من علوم وأعمال.

وأن يتجنبوا مثل هذا الأسلوب الميت الذي لا يحق حقاً، ولا يُبطل باطلاً، ولا يُنقذ غريقاً.

وأنصحك لوجه الله وأمثالك ولست – والله – متعالياً عليك أن تسلك طريق الأنبياء والمصلحين في بيان الحق والصدع به بالعلم والحجة والبرهان، مع الحكمة والصبر على الأذى، مع اعتقاد بأنك ستحاسب وتُسأل أمام الله عن الأمانة التي حملتها فأنصحك بالبُعد عن المجاملات السياسية وطلب السلامة، وطلب رضى الناس وتقديمه على رضى الله.

وأنصح كل من آتاه الله علماً بمثل ما نصحتُك به، وأسأل الله أن يهيئ لهذه النصيحة آذاناً صاغية وقلوباً واعية بعيدة عن سوء الظن بالناصحين وغمطهم .

إن ربي لسميع الدعاء

وصلى الله على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه

وسلم.

وكتب : ربيع بن هادي بن عمير المدخلي

23/ربيع الأوَّل/1426هـ.






التوقيع :
السلام عليكم .....
من مواضيعي في المنتدى
»» التصوف من صور الجاهلية
»» من درر عقيدة السلف
»» سخافة عقول الصوفية ؟
»» من صور مكانة المرأة المرموقة فى الأسلام
»» احذروا هذه الفتنة
 
قديم 07-08-05, 02:48 AM   رقم المشاركة : 5
محمد المصراتى
عضو







محمد المصراتى غير متصل

محمد المصراتى is on a distinguished road


تنبيه الدكتور عبد العزيز القاري إلى خطورة قوله : ( إنَّ التصوف الصحيح هو عين التوحيد وإنَّه من مذاهب أهل السنَّة والجماعة )!




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:

فقد اطلعت على مقال نشر في ملحق جريدة المدينة المسمى بـ "الرسالة" للدكتور/ عبد العزيز قاري، بتاريخ الجمعة 20/ربيع الأول عام 1426هـ، الموافق 29/إبريل 2005م، تحت عنوان: د/عبدالعزيز قاري الصوفية مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة والتصوف الصحيح عين التوحيد .

قال المحرر ياسر عامر:

" اعتبر إمام مسجد قباء السابق بالمدينة المنورة وأستاذ علم الحديث الشيخ عبد العزيز قاري أن الصوفية مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة، ودعا عقلاء الصوفية والجيل الجديد منهم إلى نهج التصحيح لا التبرير ".

أقول :

1- أنا كنت أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية المدرسين في كلية الحديث ورئيس قسم السنة سابقاً في هذه الجامعة وما علمت أن الدكتور عبد العزيز قاري كان أستاذ علم الحديث وما أظنه يدَّعي هذا ولعل هذا خطأ من المحرر.

2- إن مذهب أهل السنة والجماعة مذهب واحد فقط لا مذاهب، فأهل السنة والجماعة يقال لهم: أهل السنة والجماعة، ويقال: لهم أهل الحديث، ويقال لهم: السلفيون أو أتباع مذهب السلف، ولا يدخل فيهم الصوفية لا سابقاً ولا لاحقاً.

وقد حمل أئمة الإسلام حديث الطائفة المنصورة وحديث الفرقة الناجية على أهل الحديث وعلمائهم لا على الصوفية ولا على غيرها، ولا سيما بعد تشعب الصوفية إلى فرق كثيرة جداً كلها قائمة على عقائد ضالة ومناهج خرافية تصادم الكتاب والسنة وما عليه أهل السنة والجماعة .

ومن عقائدها: الحلول، ووحدة الوجود، وتقديس الأولياء، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وأنَّ فيهم أقطاباً وأوتاداً، ويدعون هؤلاء ويستغيثون بهم في الشدائد من دون الله، وأفضلهم من يقرر هذه الأفعال الخطيرة ولا ينكرها، والخصومة بينهم وبين أهل السنة قديمة ومستمرة إلى يومنا هذا فكيف يقال: إنهم من أهل السنة والجماعة؟!.

3- قوله: "ودعا عقلاء الصوفية إلى التصحيح لا التبرير".

أقول:

أ - هذا كلام مجمل لا يستفيد منه أحد لا صوفية ولا غيرهم، فمن النصيحة لهم أن يبين لهم القاري الجوانب التي تحتاج إلى التصحيح بياناً واضحاً.

ب – إن دعوتهم إلى التصحيح تدل أنهم شيء آخر غير أهل السنة .

ج – إن هذه الطريق غير طريق الأنبياء والمصلحين فإنهم ما كانوا يدعون الكافرين والمنحرفين إلى أن يصححوا ما عندهم من الضلال بأنفسهم وإنما يأتي التصحيح من الله ويُبلِّغ ذلك الأنبياء ثمَّ ورَّاثهم.

اقتباس:
[B]د – قد صحَّح علماء أهل السنة والجماعة كل ما فسد من دين الصوفية عقيدة وعبادة ومنهجاً، لأنهم يدركون أنهم لا رغبة لهم في التصحيح ولا قدرة لغلبة الجهل عليهم ولبعدهم وبُعد عقائدهم ومناهجهم عن الكتاب والسنة ومذهب أهل السنة والجماعة، فلم يقبلوا هذا التصحيح بل حاربوا أهل السنة الذين صححوا ونصحوا لهم، فهل بعد كل هذا سيسارعون إلى التصحيح الذي دعاهم إليه القاري؟!.[/B

]وأنا أطلب من القاري – إن كان يعتقد فيهم أنهم سيسرعون إلى تنفيذ نصيحته – أن يساعدهم بما يعينهم ويشجعهم على التصحيح الذي يرضي الله ويدخلهم في عداد أهل السنة والجماعة.

ونرجواأن يتحقق ما يصبو إليه القاري بل يصبو إليه أهل السنة والجماعة، ونرجو مرة أخرى أن يدخل القاري في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".

4- قال المحرر: "وقال فضيلته في كلمته التي ألقاها في منتدى بجدة وحضرتها (الرسالة): إن أكثر من كتب في التصوف ارتكز على روايات المتأخرين من أحوال الزهاد والعُبَّاد، كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، ولم يرتكز على روايات القرون الأولى المفضلة.

وأكَّد فضيلته على ضرورة ربط التصوف بالرعيل الأول من السلف، والسلف في نظر الشيخ القاري هم الصحابة".

أقول :

إنَّ إبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض يُعدَّان من أهل القرون المفضَّلة فكلاهما من طبقة متوسطي أتباع التابعين ,وهما ليسا من الصوفية ,وإنما هما من أهل الدِّين والورع والزهد المشروع .

ويفيد كلام القاري أن أكثر مؤلفات الصوفية ارتكزت على روايات أناس جاءوا بعد القرون المفضلة، وإن الواقع ليؤكِّد ذلك، وهذا يدل على انفصام منهج الصوفية وعقيدتهم عن عقيدة ومنهج السلف الصالح: القرون المفضلة التي شهد لها رسول الله بأنها خير القرون " ثم يأتي بعدها قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمن.

أما أهل السنة والجماعة أهل الحديث فهم امتداد للقرون المفضلة عقيدة ومنهجاً "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله تبارك وتعالى".

وبداية الصوفية وإن كان في عهد الحسن البصري وابن سيرين -رحمهما الله- اللذين أنكراها عليهم .

بداية كتابات الصوفية -فيما أعلم- هي كتابات الحارث بن أسد المحاسبي أحد تلاميذ يزيد بن هارون الذي يُعدُّ في أتباع التابعين آخر القرون المفضلة، وكان الحارث من المعاصرين للإمام أحمد وإخوانه من أئمة الحديث والسنة.

ألَّف الحارث كتباً للصوفية فأنكرها أهل السنة ومنهم الإمام الحافظ أبو زرعة، قال الحافظ الذهبي : ( قال الحافظ سعيد بن عمرو البردعي : شهدت أبا زرعة وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجهد فيه ما يغ************ قيل له في هذه الكتب عبرة فقال من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة بلغكم أن سفيان ومالكا والأوزاعي صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس ما أسرع الناس إلى البدع مات الحارث سنة ثلاث وأربعين ومائتين وأين مثل الحارث فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كـ ( القوت) لأبي طالب وأين مثل القوت كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم , وحقائق التفسير للسلمي لطار لبه كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية بلى لما كان الحارث لسان القوم في ذاك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميسي وابن شحانة كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان(1) نسأل الله العفو والمسامحة آمين ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال (2/166) .

وقال ابن الجوزي وبالإسناد إلى أبي يعقوب إسحاق بن حية قال: "قال: سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات فقال : ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون , وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا.

وروينا عن أحمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي ، فقال لصاحب له لا أرى لك أن تجالسهم ، وقال ابن الجوزي : وقد ذكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال : حذروا من الحارث أشد التحذير , الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم ، ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام حارث بمنـزلة الأسد المرابط ينظر أي يوم يثب على الناس , تلبيس إبليس (ص151) .

ثم نقل ما ذكره الذهبي عن أبي زرعة قوله عن كتب الحارث إنها كتب بدع وضلالات .. إلخ " , تلبس إبليس ( ص/150) .

فهذا هو موقف أئمة الإسلام الناصحين من التصوف وأهله إدانة لمؤلفاتهم وتحذير من ضلالاتهم وشطحاتهم.

وأما إلحاح القاري على ربط الصوفية بالسلف الصالح ولا سيما الصحابة؛ فهذا الربط يجب أن يكون شاملاً لكل الفرق المنتمية إلى الإسلام بما فيها الأحزاب السياسية التي تتهاون في أمر الصوفية والروافض وغيرهم، ويجب على كل عالم ناصح وغيور أن يسعى جاداً في إرجاع المنحرفين عن صراط الله المستقيم والمتبعين لغير سبيل المؤمنين إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.

5- قال المحرر: (وطالب الشيخ القاري في محاضرته التي كانت بعنوان: "التصوف الصحيح هو عين التوحيد"، بأنه ينبغي عند النظر في شئون التصوف والمتصوفة التطرق إلى جانبين: الإنصاف من جهتنا، والتصحيح من جهتهم.

واعتبر أن الإنصاف هو من منهج أهل السنة والجماعة، قائلاً: لا بد من إنصاف مذهب التصوف بين صحيحه وسقيمه، فالتصوف في جذوره كان صحيحاً، وهذا من كلام أهل السنة والجماعة، كشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية، وهو مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرَّة قلم.

وفي الجهة المقابلة طالب الشيخ القاري بضرورة الإصلاح، وذلك بتنقية ممارسات المتصوفة الحاصلة اليوم قائلاً: "ممارسات أكثر المسلمين في العالم الإسلامي اليوم من التصوف تجدهم يمارسون ممارسات لا تمتُّ إلى الصوفية الأولى – الرعيل الأول – فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخالق وقطع العلائق".

وأضاف أن أخطر ما شوَّه التصوف هو دخول الفلسفة عليه).

أقول:

1- من سبقك من أئمة السنة إلى القول: بأن التصوف هو عين التوحيد، وحتى لو قالها أحد لردَّه واقع التصوف وعقائده ومناهجه، ولردَّه جهود أئمة الإسلام وأقوالهم في إدانته بالانحراف منذ ذرَّ قرنه.

ولو كان هو عين التوحيد ؛فكيف يحاربه أئمة الإسلام؟!.

2- مطالبتك من ينظر في شئون التصوف بالإنصاف، فهل ترى أيها الرجل أنك أتقى وأورع من أئمة الإسلام والسنة وعلى رأسهم الإمام أحمد، وأبو زرعة، والشافعي، وابن الجوزي، وابن تيمية، والذهبي، وابن القيِّم،وابن عبد الهادي وابن عبد الوهاب، والشوكاني، والصنعاني، وأئمة الدعوة السلفية، وغيرهم وأنهم قد ظلموا الصوفية وعلى رأسهم الحلاج، وابن عربي، وابن سبعين، والشعراني، والنبهاني، ودحلان، وطوائفهم كالرفاعية وكالتيجانية، والمرغنية، والنقشبندية، والسهروردية، والجشتية ؟!

فقولك : الإنصاف من جهتنا، أظن أن أهل السنة لا يوافقونك على هذا الاعتراف الضمني بأنهم قد ظلموا الصوفية، بل يجب أن يقال: إن الصوفية قد ظلموا الإسلام والمسلمين بنشر تصوفهم الذي من ثماره وآثاره ما يراه الناس من آلاف المشاهد في بلدان المسلمين وحتى في المساجد تُدعى من دون الله ويستغاث بهم في الشدائد وتُشدُّ إليها الرحال، ويقام لها الاحتفالات والموالد، ويُقدَّم لها النذور والذبائح والأموال الطائلة التي لا تسخى نفوس كثير من مقدميها أن يقدِّموها لله وفي سبيله.

أترى أن أهل السنة لم ينصفوهم وهذا حالهم ؟ بل لا يعرف الناس عنهم إلا أنهم يضعون السدود والحواجز بين الناس وبين الحق والنور الذي يقدِّمه لهم علماء السنة الناصحون من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومن هدي السلف الصالح.

لماذا تريد أن يتعب أهل السنة في التفريق بين صحيح التصوف وسقيمه ؟!

فهل ألزم اللهُ تعالى الرسولَ r وأصحابه أن يذهبوا إلى التوراة والإنجيل وقد بُدِّلت نصوصهما مع أنَّ جذورهما صحيحة بل وحي من الله فهل ألزمهم بأن يقوموا بالتمييز بين الحق والباطل ؟! أو أنَّ الله تبارك وتعالى بيَّن ما عندهم من الضلال وكفى المؤمنين هذا التمييز.

لقد جرى أهل السنة في نقد الفرق ومنها الصوفية على طريقة الكتاب والسنة في بيان الباطل ليحذره الناس، ولم يقولوا إن ما عندكم من حق فهو باطل حتى يُقال إنهم قد ظلموهم.

ولهم الحق أن يحذِّروا من التصوف والرفض والتجهم والاعتزال وسائر أنواع الضلال وإن كان يوجد عندهم شيء من الحق، لكن هذا الحق قد غمس بالباطل، ومعظم الناس لا يستطيع التمييز بين الحق والباطل، فمن الإنصاف للمسلمين ومن الحكمة والنصح أن يحذِّر من التصوف والصوفية والرفض والروافض، لأن سلامة الناس ونجاتهم لا تتحقق إلا بهذا الأسلوب.

أرأيت كيف حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع وسماها شر الأمور؟!

أرأيت كيف ذمَّ رسول الله r الخوارج ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وقال: "اقتلوهم حيث وجدتموهم فإن لمن قتلهم أجراً عند الله"، مع أن عندهم من العبادة ما يجعل الصحابة -رضوان الله عليهم- يحقرون قراءتهم عند قراءتهم وصلاتهم عند صلاتهم، فهل كلَّف رسول الله الصحابة أن يذهبوا ليميِّزوا بين حق الخوارج وباطله حنى يكونوا منصفين؟!.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة الإسلام أتقى الناس لله وأخشاهم له وأشدهم ورعاً وإنصافاً ونصحاً، ومن إنصافهم للناس ونصحهم لهم أن حذَّروهم من بدع الخوارج والروافض والتصوف وسائر البدع وأهلها.

وقولك: (الإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة).

أقول: هذا حق، وقد ميَّزهم الله بذلك، ومنهجهم في نقد الصوفية هو الحق والمنهج الذي ترى أنه هو الإنصاف، لا أصل له في شريعة الإسلام، ولو كان من الإسلام لسبقونا إليه.

وما نسبته إلى أهل السنة ومنهم ابن تيمية من أن التصوف في جذوره كانت صحيحة؛ أرى أنه لا أساس له، وما رأينا منهم إلا النقد لجذوره وفروعه، وقد سبق تحذير أبي زُرعة وكلام الذهبي المتضمِّن لمغايرة أهل السنة للصوفية ومنابذتهم لهم من عهد أحمد ومن معه والمحاسبي ومن معه، فإن قلت: أنا أقصد المعاصرين، فنقول: بيِّن اختلاف المنهجين والظلم الذي ترتب على مخالفة المعاصرين من أهل السنة لمنهج أسلافهم، وإلا فليعلم الناس أنك تتكلم بغير علم وبغير حجج.

وقوله: (وهو مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم).

لا أدري أهذا وصف لشيخ الإسلام أم للتصوف ؟ وإذا كان وصفاً للتصوف؛ فمن قال من أهل السنة إنه يمكن إلغاؤه بجرة قلم، وكيف يقولون هذا وهم يعلمون ويدركون جهود أئمة الإسلام من فجر تاريخ التصوف إلى اليوم لم تلغه ، بل لعناد أساطين الصوفية ما يزداد على مرِّ الأيام والقرون إلا انتشاراً وتضخماً والعياذ بالله، والله يقول لرسوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)(الشورى: من الآية48)، ويقول تعالى لرسوله: ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22)، ويقوللَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)(البقرة:من الآية272)، ومع ذلك فرسول الله مكلَّف بالتبليغ والجهاد.

وأهل السنة ما عليهم إلا الدعوة والبلاغ والصبر على الأذى، ولا يجوزلهم السكوت عن باطل الصوفية ولا عن باطل غيرهم لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159).

وقوله: (وممارسات أكثر المسلمين في العالم الإسلامي اليوم من التصوف تجدهم يمارسون ممارسات لا تمتُّ إلى الصوفية الأولى – الرعيل الأول – فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخالق وقطع العلائق).

أقول:

في هذا الكلام حذر شديد من جرح مشاعر الصوفية وإيهام في الكلام لا يظهر منه فداحة ما عند الصوفية من البُعد السحيق عما كان عليه السلف من تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل جوانب الإسلام ومحاربة مظاهر الشرك ووسائله كلها.

وفي هذا الكلام إيهام الناس أن الرعيل الأول وهم الصحابة الكرام كانوا صوفية أعاذهم الله وأعاذ أتباعهم بحق من التصوف، وهذا باطل قطعاً، وأنكر ابن الجوزي على أبي نُعيم عدَّه بعض الصحابة من الصوفية حيث قال: وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسادات الصحابة رضي الله عنهم فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحاً القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل, وكذلك ذكر السلمي في طبقات الصوفية الفضيل وابراهيم بن أدهم ومعروفا الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما سيأتي ذكره). [تلبيس إبليس: ص/148].

ولقد حارب أئمة الإسلام التصوف وأهله وكتبه من أول ظهوره كما أسلفنا ذلك في هذا المقال.

وقال الشافعي: إذا دخل الرجل في التصوف أول النهار لا يأتي الليل إلا وقد ذهب عقله، أو كما قال.

وفيه: إيهام أن صوفية اليوم فقط هي التي خالفت الرعيل الأول، ويفيدنا هذا الكلام براءة صوفية ما قبل اليوم من هذه المخالفة.

وهذا فيه ما ينافي العهد الذي أخذه الله على أهل العلم وهو البيان، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)(آل عمران: من الآية187)، والرسول يقول: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قال الصحابة: لمن ؟، قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".



وقوله : (فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخلق وقطع العلائق بالخالق).

أقول : من قال هذا من الرعيل الأول أو من علماء الإسلام إنه كلام غامض هل يخص توحيد الربوبية أو يشمل أنواع التوحيد الثلاثة وغيرها من جوانب الإسلام ثم هل في القرآن والسنة أمر أو دعوة إلى قطع العلائق بالخالق كلا لقد قال تعالى : )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، إلى قوله: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).

وقال تعالى: )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء:36) ولا يقطع العلائق مع هؤلاء إلا عاق الوالدين وإلا كل مختال فخور .

وقال تعالى ذاكراً صفات أهل االنار ومنها : " )وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25)

وقال تعالى : )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)ْ) (محمد:22- 2).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ".

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة قاطع رحم " . صحيح مسلم كتاب البر حديث رقم ( 2555- 2656 ).

فإن قال قائل: لا يقصدون هذا .

قلنا : هذا ظاهر كلامهم وليس لنا إلا الظاهر ويمكن أن يلجأ الصوفية إلى قولهم لعلماء الشريعة : أنتم علماء الرسوم ونحن علماء الباطن أو إلى الفرق بين علماء الشريعة وبين علماء الحقيقة .

6- قال المحرر :

وأكد الشيخ ضرورة أن يقوم أهل التصوف الصحيح والجيل الجديد منهم بالمبادرة بالمحاولات الإصلاحية لا التبريرية، وعليهم أن ينقوا صورة التصوف وإعادته إلى وجهه الصحيح وجذوره الأولى حتى لا يتخلفوا عن الدائرة الكبرى دائرة أهل السنة و الجماعة وهم أصلاً منهم'' مضيفاً :'' دائرة أهل السنة والجماعة لا يبقى خارجها إلا بعض الطوائف - كما يقول الشيخ قاري- ويؤكد الشيخ من جهته أن هناك جهوداً بذلت في هذا السياق ودلل على تجربة بعض علماء المتصوفة في الهند إلى التصحيح، وشدد بقوله ان شيوخ التصوف الصحيح في القرون الأولى وحتى المتأخرة قاوموا التصوف المنحرف وهم - أي شيوخ المتصوفة- أكثر من دافع ضد الشيعة كالحارث المحاسبي. وحينما سئل د.قارئ عن الداعية علي زين العابدين الجفري ، لم يشنع عليه بل ما زاد عن قوله :'' هو شاب مثقف ويحاول أن يقدم التصوف بأسلوب ما، والمطلوب أكثر من ذلك وهو يعتبر من الجيل الجديد الذي نريد منه الإصلاح لا التبرير''.

أقول :

من هم أهل التصوف الصحيح؟

ومتى كان التصوف في يوم من الأيام صحيحاً ؟!!

ولقد قدمت للقارئ كلام الإمام أحمد وأبي زرعة في المحاسبي وكتبه وأضيف هنا قول ابن الجوزي في مصنفاتهم، قال رحمه الله – بعد أن ذكر كلام بعض من نُسب إلى التصوف وتعريفه للتصوف قال: "وعلى هذا كان أوائل القوم فلبس إبليس عليهم في أشياء ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم وشبهوا المال بالعقارب ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع , وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري .

ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة , ثم ما زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بواقعاتهم ويتفق بُعْدُهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر , ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به وهؤلاء بين الكفر والبدعة ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن وجمع لهم حقائق التفسير فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم وإنما حملوه على مذاهبهم والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن".

ثم نقل الطعن في عدالة أبي عبد الرحمن السلمي.

ثم قال: "وصنف لهم أبو نصر السراج كتابا سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ما سنذكر منه جملة إن شاء الله تعالى وصنف لهم أبو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد وردد فيه قول قال بعض المكاشفين ,وهذا كلام فارغ وذكر فيه عن بعض الصوفية أن الله عز وجل يتجلى في الدنيا لأوليائه".

ونقل عن الخطيب بإسناده "أن أبا طالب دخل إلى البصرة بعد وفاة أبي الحسين بن سالم فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ فخلط في كلامه فحفظ عنه أنه قال ليس على المخلوق أضر من الخالق".

قال: " وصنف لهم عبد الكريم بن هوزان القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء والقبض والبسط والوقت والحال والوجد والوجود والجمع والتفرقة والصحو والسكر والذوق والشرب والمحو والإثبات والتجلي والمحاضرة والمكاشفة واللوائح والطوالع واللوامع والتكوين والتمكين والشريعة والحقيقة إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه .

وجاء محمد بن ظاهر المقدسي فصنف لهم صفوة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها سنذكر منها ما يصلح ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى".

قال: " وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الإحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطله وهو لا يعلم بطلانها وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه ، وقال إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية , وقال في كتابه المفصح بالأحوال إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق".

ثم قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): " وكان السبب في تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء قلة علمهم بالسنن والإسلام والآثار وإقبالهم على ما استحسنوه من طريقة القوم".

إلى أن قال: " وقد كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين والأمراء فصاروا أصدقاء".

ثم قال: "فصل وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إلى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عن بعض ودونوها وقد سموها بالعلم الباطن" تلبيس إبليس (ص148-150) .

فهذه أصول الصوفية وجذورها: الجهل والوساوس والخطرات والعشق، - تعالى الله عما يقولون – وفساد العقائد بل الزندقة كالحلول ووحدة الوجود والورع القائم على الجهل والجرأة على تفسير كتاب الله بعقائدهم الباطلة ووساوسهم وخطراتهم إلى آخر ما عندهم من الضلال.

ثم جرأتهم على تفسير كتاب الله، فلا يرجعون إلى أصول أهل السنة في تفسير كتاب الله، كتفسير القرآن بالقرآن، وتفسيره بالسنة، وبفقه الصحابة الذين عرفوا مراد الله من جهة معرفتهم بأسباب النـزول ومعاصرتهم لنـزول الوحي، ومعاشرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيقه العملي لمعاني القرآن، وإنما يرجعون إلى أصولهم الفاسدة ومناهجهم الضالة.

فكيف يصحُّ القول بأن الصوفية من أهل السنة، وأن جذور التصوف صحيحة؟!

لقد توصل كثير من الباحثين إلى أن التصوف تسرب إلى الإسلام من النصرانية والمجوسية والهندوكية .

ونسأل القاري من هم أهل التصوف الصحيح والجيل الجديد ؟!.

أهم الرفاعية والتيجانية، والمرغنية، أم البريلوية، أم النقشبندية، أم السهروردية، أم البرهانية، أم الشاذلية، وكلُّها تلتقي في ابن عربي وأمثاله من أهل وحدة الوجود.

وأذكر أنني في رحلتي إلى السودان عام (1392 هـ) جمعت كتباً للطرق الصوفية التي يعيش أهلها في دول أفريقيا ودرستها دراسة مقارنة بينها، فوجدتها كلها تشترك في عقيدة الحلول ووحدة الوجود، والخرافات، والغلو في الأولياء، والشرك , ولقد ذكر لي أحد علماء أهل الحديث من أهل الهند أنه درس الطرق الصوفية في الهند وباكستان فوجدها كلها تلتقي في الحلول ووحدة الوجود والشرك .

وأذكر أنه دار نقاش بيني وبين عالم صوفي أزهري حول التصوف وما فيه من الضلال، ومن حلول ووحدة وجود إلخ، فذكرت له ما أعرفه عن الطرق الصوفية وما فيها من البلاء المشار إليه، وهو يجادل بالباطل.

فقلت له: اختر لي أفضل هذه الطرق لأبين لك ما فيها مما ذكرته.

فقال: الطريقة الشاذلية، وأنا عليها.

فجئته في اليوم الثاني بكتاب من كتب الشاذلية، وأوقفته على ما في الكتاب من القول بالحلول ووحدة الوجود والشرك، فبُهت فطلب مني الكتاب عارية، فذهب به ولم يُعده إليَّ – مع الأسف – ولم يُظهِر تراجعه عن التصوف.

ولا شك عندي أنَّ هذا الرجل على علاته أعلم وأفضل عندي من صوفية الجيل الذين يطلب منهم القاري التصحيح، ومنهم: الجفري، الذي لم يُشنِّع عليه القاري، بل ما زاد على قوله: "هو شاب مثقف ويحاول أن يقدِّم التصوف بأسلوب ما والمطلوب أكثر من ذلك، وهو يعتبر من الجيل الجديد الذي نريد منه الإصلاح لا التبرير".

ونقول للقاري: لقد عُرِفَ الجفري بأنه يدعو إلى الشرك الصريح ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقص القصص الخرافي ويدعو إلى التعلق بالموتى ويطعن في أهل التوحيد والسنة ويسخر منهم .

وفي موقعه الالكتروني يقول :"إنه بعد البحث والتدقيق تبين لي أن الولي يستطيع أن يخلق طفلاً بلا أب ولكننا لا نستطيع أن نقول هذا أمام العامة حتى لا تدعي الزانية أن ما في بطنها من خلق الولي".

فهذا تصحيحه وتجديده , إنَّه الجد في إنعاش التصوف في الجزيرة العربية بعد أن كاد أن ينتهي وتخمد ناره , وعنده من البلايا والطوام المخزية ما عرف به أهل السنة خطره فدفعهم إلى التحذير منه ,وأما الروافض والصوفية فقد أفرحهم وأما عوام الناس فقد فتنوا به بعد أن خدعهم .

ومن أذكاره التي يرقص فيها على الطريقة الصوفية:

(حي ...حي )و(هو ...هو ) و( أح ...أح ) فهذه هي ثقافة الجفري!!

فهل يرجو عاقل من أمثال هذا الصوفي المحترق أن يقوم بتصحيح التصوف المزعوم له أنه صحيح الجذور .

أيا عبدالعزيز قاري أين النصيحة وبيان المنهج السلفي على حقيقته والتفصيل فيه، وبيان حقيقة التصوف من بداياته إلى اليوم؟.

فهل لي أن أقول: فيك: إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن لك عُذراً ألا وهو الضعف الشديد بمعرفة منهج السلف، والضعف الشديد بمعرفة الصوفية وعقائدها ومناهجها وآثارها المدمرة على الأمة الإسلامية؟.

وهذا أحسن شيء أعتذر به لك، فإن كنت أصبتُ الحقيقة في هذا الاعتذار، أو قاربت، فأرجو منك التحرك للدراسة الجادة للمذهبين: مذهب أهل السنة ومذاهب الصوفية.

وستجد الفروق الهائلة بين المذهبين بحيث يتبين لك ولكل دارس منصف أنه لا يجوز أن يقال: إن التصوف هو عين التوحيد كما لايجوز أن يُقال أنَّ الصوفية من أهل السنة بحال من الأحوال .

وإنه يجب أن يَسعى كل من عنده علم وغيرة على الإسلام والمسلمين إلى تطهير المجتمعات الإسلامية من عقائد التصوف ومناهجه وآثاره، وذلك لا يحصل إلا بالجهود المتواصلة في نشر العلم الصحيح، والتوحيد الذي جاء به جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ولا تبرأ ذمة العلماء والدعاة الصادقين إلا بالنهوض الجاد المخلص في نشر التوحيد وما قام عليه من علوم وأعمال.

وأن يتجنبوا مثل هذا الأسلوب الميت الذي لا يحق حقاً، ولا يُبطل باطلاً، ولا يُنقذ غريقاً.

وأنصحك لوجه الله وأمثالك ولست – والله – متعالياً عليك أن تسلك طريق الأنبياء والمصلحين في بيان الحق والصدع به بالعلم والحجة والبرهان، مع الحكمة والصبر على الأذى، مع اعتقاد بأنك ستحاسب وتُسأل أمام الله عن الأمانة التي حملتها فأنصحك بالبُعد عن المجاملات السياسية وطلب السلامة، وطلب رضى الناس وتقديمه على رضى الله.

وأنصح كل من آتاه الله علماً بمثل ما نصحتُك به، وأسأل الله أن يهيئ لهذه النصيحة آذاناً صاغية وقلوباً واعية بعيدة عن سوء الظن بالناصحين وغمطهم .

إن ربي لسميع الدعاء

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب : ربيع بن هادي بن عمير المدخلي

23/ربيع الأوَّل/1426هـ.






التوقيع :
السلام عليكم .....
من مواضيعي في المنتدى
»» من صور مكانة المرأة المرموقة فى الأسلام
»» من تعلق بغير الله خُذل قصة تحتاج إلى تأمل
»» تنبيه الدكتور عبد العزيز القاريإلى خطورة قوله إنَّ التصوف الصحيح هو عين التوحيد
»» كمال عقل / الصحابة
»» ذكرى للمسلمين عموماً ولعلمائهم وحكامهم خصوصاً
 
قديم 07-03-06, 08:19 PM   رقم المشاركة : 6
ابن القيم الجوزية
عضو فعال






ابن القيم الجوزية غير متصل

ابن القيم الجوزية is on a distinguished road


جزاه الله خيرا د.عبد العزيز القاري
لقد صدق فيما قال وهذا حل رائع لي تصحيح الافكار والطرق الصوفية
والعودة الى القرأن والسنة النبوية المطهرة
وجزاك الله خيرا اخي البيان على نقل الموضوع الذي ان شاء الله يهدي امة الصوفية والمتصوفة على نهج الصحيح

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأكرم وعلى آله وأصحابه أجمعين.







 
قديم 07-03-06, 08:20 PM   رقم المشاركة : 7
ابن القيم الجوزية
عضو فعال






ابن القيم الجوزية غير متصل

ابن القيم الجوزية is on a distinguished road


موضوع مكرر
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------







 
قديم 07-03-06, 09:51 PM   رقم المشاركة : 8
aL-Farooq
عضو







aL-Farooq غير متصل

aL-Farooq is on a distinguished road


جزاك الله خير اخي محمد المصراتى

على نقل رد سماحة شيخنا الدكتور ربيع المدخلي حفظه الله

فهو رد قيم وجليل







التوقيع :
يامن رأى عمر تكسوه بردته ... والزيت ادمن له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً ... من بأسه وملوك الروم تخشاه
من مواضيعي في المنتدى
»» أقرأ القران على شاشتك وكأنك تلمسه بيدك
»» الأبطحي يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحرش الجنسي بفاطمة الزهراء
»» يا اخوه عندي سؤال
»» المهدي بين أهل السُنَّة والروافض
»» سؤال لم اجد له اجابه عند الرافضه الى الان
 
قديم 27-05-06, 09:27 AM   رقم المشاركة : 9
ابن القيم الجوزية
عضو فعال






ابن القيم الجوزية غير متصل

ابن القيم الجوزية is on a distinguished road


جزاه الله خيرا د.عبد العزيز القاري
لقد صدق فيما قال وهذا حل رائع لي تصحيح الافكار والطرق الصوفية
والعودة الى القرأن والسنة النبوية المطهرة
وجزاك الله خيرا اخي البيان على نقل الموضوع الذي ان شاء الله يهدي امة الصوفية والمتصوفة على نهج الصحيح

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأكرم وعلى آله وأصحابه أجمعين.







 
قديم 10-01-08, 12:15 PM   رقم المشاركة : 10
أبو نسيبة
عضو ماسي







أبو نسيبة غير متصل

أبو نسيبة is on a distinguished road


الاخ محمد المصراتي

جزاك الله خيرا على النقل الطيب







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:00 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "