العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى عقيدة أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-03-15, 02:21 PM   رقم المشاركة : 1
ابوغنام
عضو نشيط






ابوغنام غير متصل

ابوغنام is on a distinguished road


تسعير التنور بالمسعري وعباد القبور ( الفرق بين الرب والإله وكشف شبهاتهم )

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

فهذا نقل مهم من كتاب (جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية )للدكتور شمس الدين الافغاني رحمه الله ورفع درجته
وهو من أقوى الكتب وأجمعها في الرد على القبورية

وقد اخترت الجزء الذي يلبس به المسعري وأتباعه ويسرقون شبهاتهم فيه من كتب إبليس وابن جرجيس وأخوانهم الروافض وغيرهم وهو شبهاتهم في أن لفظ الرب والإله واحد وهم يستدلون بأدلة تبطلها قاعد واحدة وهي قاعدة (إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا) وقاعدة( الاتحاد في الصدق لايستلزم الاتحاد في المفهوم فضلا عن التساوي) وسيأتي البيان إن شاءالله

وقبل النقل أذكر بأن أصل الخلاف هو أن القبورية يزعمون أن المشكرين في الجاهلية كانوا كلهم يعتقدون الربوبية الجزئية أو الكاملة لمن يدعونهم من دون الله
وهذا يبطله قوله تعالى(قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولايجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله)
فالآية أثبتت أن هناك من المشكرين من يعتقد أن ملك كل شيء كاملا لله وحده فلم يبق ملك خاص مستقل للأرباب الأخرى
وكذلك هو يجير ولايجار عليه فإن الشفعاء الذين يتخذهم هؤلاء المشركين لايعتقدون فيهم أن يشفعون رغما عن الله كما يزعم المسعري وهذا نص الآية الصريح أنهم يعترفون انه لايجير على الله أحد

وزعم المسعري أن المشركين في البحر لم يوحدوا الله فهم فقط يعتقدون أن الله هو كبير الآلهة وأن غيره له ربوبية لكنه لايقدر على الأمر الكبير
فيقال له فلماذا إذن وصفهم الله بانهم أخلصوا الدين؟هل يصف الله من يقول(ياكبير الآلهة انقذني)بأنه مخلص الدين؟
ولماذا قال(فلمانجاهم إلى البر إذا هم يشركون) و(إذا) الفجائية تفيد الامر غير المتوقع فهم بعد مانجوا أشركوا فدل أنهم في البحر أخلصوا

وكذلك ثبت في صحيح مسلم وأخرج الطبري وأبوعوانة والبيهقي والطبراني في الكبير والاوسط عن ابن عباس أن تلبية المشركين كانت(لبيك لاشريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وماملك)

والآن قبل أن ننقل كلام الشيخ في التفريق بين الرب والإله نذكر ان الله فرق بين اللفظين في سورة الناس فمن قال معناهما واحد لزمه أن يقول إن القرآن فيه حشو وتكرار

وهذا النقل من كتاب جهود علماء الحنفية وبالله التوفيق:

الشبهة الأولى : شبهة ((برهان التمانع)) :
وإنما سمي به : لأنه مبني على فرض التمانع ؛ لأنه يتبين فيه تمانع كل واحد من الصانعين الآخر عن الصنع ، أي أن هذا يمنع ذاك وذاك يمنع هذا عن تنفيذ إرادته .
وتقرير برهان التمانع الدال على وحدانية الصانع الخالق هو : (أنه لوأمكن إلهان لأمكن بينهما تمانع ، بأن يريد أحدهما حركة زيد والآخر سكونه ...؛ وحينئذ إما أن يحصل الأمران ؛ فيجتمع الضدان ؛ أو لا ؛ فيلزم عجز أحدهما ) .
أي : يبطل أحد الإلهين ويبقى الآخر حقا ، فثبت توحيد الصانع .
وهذا البرهان أشهر براهين المتكلمين في إثبات وحدانية الصانع ؛ ومع ذلك قد طعن فيه بعض المتكلمين والمتفلسفين : كأبي هاشم عبد السلام بن محمد الحنفي إمام الهاشمية من المعتزلة (321هـ) ، وأبي نصر الفارابي الضال الكافر (339هـ) ، والتفتازاني الحنفي فيلسوف الماتريدية (792هـ) ، وغيرهم .
ولكن لقوة هذا الدليل عند المتكلمين وشهرته عندهم قد كفر بعضهم التفتازاني وأبا هاشم لطعنهما فيه .
والحق أن هذا الدليل حجة عقلية قاطعة صحيحة لا مطعن فيها ؛كما صرح بذلك شيخ الإسلام .
ولكن القبورية كدأب إخوانهم المعطلة المتكلمين من الماتريدية والأشعرية ؛ جعلوا برهان التمانع دليلًا على اتحاد الرب والإله ؛ فكلهم قد حملوا قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22] ؛ على برهان التمانع بين الصانعين .
أما المتكلمون : من الماتريدية والأشعرية فأمرهم أوضح في استخدام برهان التمانع وجعله دليلًا على وحدانية الصانع ؛ وزعمهم أن هذه الآية الكريمة تفيد وحدانية الصانع على طريقة برهان التمانع ، وجعلهم ((الإله)) في هذه الآية بمعنى الخالق الصانع .
وأما القبورية : فيقول ابن جرجيس (1299هـ) ، والقضاعي (1376هـ) ، واللفظ للأول :
(ويدل أيضًا على أن ((الإله)) هو ((الرب)) الآيات الدالة على التمانع ، وهو نفي الشريك ؛ فإن الله تعالى علم المؤمنين ورد على الكافرين المشركين ؛ كقوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } ؛ أي لو كان في السماوات والأرض أرباب غير الله لفسدتا ؛ لأن كل رب يريد ما لا يريد

الآخر ؛ فيلزم فساد هذا النظام الموجود ؛ فلما لم تفسد ؛ دل أن الرب لهذا الوجود واحد في ربوبيته ) .
قلت : هذا النص مشتمل على أمور :
الأول : أن المراد من ((الإله)) هو الرب الخالق الصانع ، وأن ((الإله)) هو بعينه الرب والخالق والصانع .
والثاني : أن هذه الآية فيها حجة تسمى ببرهان التمانع .
والثالث : أن المراد من الفساد في هذه الآية هو الفساد بمعنى التدمير والهدم الظاهري .
الجواب :
لقد صرح علماء الحنفية الرادين على أهل الكلام وعلى القبورية بأن هذه المقدمات كلها فاسدة ؛ فإن ((الإله)) في هذه الآية ليس المراد منه هو الرب الخالق الصانع ؛ لأن هذه الآية سيقت للرد على المشركين الذين لم يعتقدوا صانعين أو أكثر للعالم ؛ بل اتخذوا آلهة يعبدونها من دون الله ؛ ولم يعتقدوا فيها أنها خالقة أرباب صانعة ؛ بل اعتقدوا فيها أنها عباد مقربون عند الله ويشفعون لهم عند الله . إذن حمل الآية على برهان التمانع صار باطلًا أيضًا ، كما أن المراد من ((الفساد)) التخريب والهدم الظاهر أيضًا باطل هاهنا ؛ لأنه لو كان الأمر على برهان التمانع لقال الله تعالى : ((لم تخلقا)) ، ولم يقل : ((لفسدتا)) ؛ لأن برهان التمانع يقتضي أن لا توجد السماوات والأرض إن فرض وجود صانعين فأكثر ؛ لا أن تفسدا بعد خلقهما . بل المراد من ((الفساد)) في الآية : الفساد بمعنى الظلم والعدوان ؛ لأن التوحيد أعدل العدل ، والشرك أظلم الظلم .
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي أحد أئمة الحنفية رحمه الله (792هـ) ، وتبعه العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) ، واللفظ للأول ؛ مبطلًا جميع هذه المقدمات ، ومزيفًا استدلالهم بهذه الآية على جعل توحيد الألوهية عينًا لتوحيد الربوبية ؛ وجعل هذه الآية مشتملة على برهان التمانع :
(وكثير من أهل النظر يزعمون : أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22] ؛ لاعتقادهم : أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن ؛ ودعت إليه الرسل عليهم السلام ؛ وليس الأمر كذلك ؛ بل التوحيد الذي دعت إليه الرسل ، ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية ؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له ؛ فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ، وأن خالق السماوات والأرض واحد ؛ كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [لقمان : 25 ] ، { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [ المؤمنون : 84-85] ؛ ومثل هذا كثير في القرآن ؛ ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام : أنها مشاركة لله في خلق العالم ؛ بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من الهند والترك والبربر ، وغيرهم ؛ تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين ، ويتخذونهم شفعاء ، ويتوسلون بهم إلى الله ؛ وهذا أصل شرك العرب ....) .
وقال رحمه الله تعالى أيضًا بعد ذكر قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22] :
(وقد ظن طوائف : أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره : وهو أنه لو كان للعالم صانعان إلخ ، وغفلوا عن مضمون الآية ؛ فإنه سبحانه أخبر : أنه لو كان فيهما آلهة غيره ؛ ولم يقل : ((أرباب)) ؛ وأيضًا ؛ فإن هذا إنما هو بعد وجودهما ، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا ؛ وأيضًا ؛ فإنه قال : ((لفسدتا)) ، وهذا فساد بعد الوجود ؛ ولم يقل لم يوجدا ؛ ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة ؛ بل لا يكون الإله إلا واحدًا ؛ وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى ؛ وأن فساد السماوات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة ؛ ومن كون الإله الواحد غير الله ، وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره ؛ فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله ؛ فإن قيامه إنما هو بالعدل ؛ وبه قامت السماوات والأرض ؛ وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك ؛ وأعدل العدل التوحيد ؛ وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية ؛ دون العكس ....) .
قلت : الحاصل : أن استدلال القبورية وكذا إخوانهم المعطلة المتكلمة بهذه الآية على جعل توحيد العبادة عينًا لتوحيد الربوبية باطل أي بطلان ، ولله الحمد .
الشبهة الثانية : تشبثهم بقوله تعالى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى }
[الأعراف : 172] .
قالوا : ((لم يقل ألست بإلهكم فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية . ومن المعلوم أن من أقر لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية إذ ليس الرب غير الإله ، بل هو بعينه)) .
الشبهة الثالثة : تشبثهم بقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ... [ فصلت : 30 ، الأحقاف : 13] .
قالوا : لم يقل ((إلهنا)) ؛ فهذا يدل على أن توحيد الربوبية كاف في النجاة والفوز لاستلزامه توحيد الألوهية ، فهذا دليل على أن القول بأحد التوحيدين قول بالآخر .
الشبهة الرابعة : استدلالهم بحديث سؤال الملكين في القبر : « من ربك » .
قالوا : لم يقولا له : ((من إلهك)) ، فدل على أن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية .
وقال الدجوي : (وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه لأنهم [لا] يفرقون بين الرب والإله ؛ فإنهم ليسوا تيميين ولامتخبطين ، وكان الواجب على مذهب هؤلاء أن يقولوا للميت ((من إلهك)) لا « من ربك » ، أو يسألوه عن هذا وذلك)) .
وقال القضاعي أحد أئمة القبورية : (ولا يقولان له : إنما اعترفت بتوحيد الربوبية ، وليس توحيد الربوبية كافيًا في الإيمان) .
الشبهة الخامسة : استدلالهم بحديث : « قل ربي الله ثم استقم » .
استدل به عدة من القبورية .
وتقرير استدلالهم مر في الشبهة الثالثة .
الجواب عن هذه الشبه الأربع :
لقد تصدى العلامة السهسواني (1326هـ) لجواب هذه الشبه بذكر تمهيد طويل وجواب مختصر فقال :
(أقول : لا مرية أننا مأمورون باعتقاد أن الله وحده ربنا ليس لنا رب غيره ، وباعتقاد أن الله وحده هو معبودنا ، ليس لنا معبود غيره ، ولا نعبد إلا إياه .
والأمر الأول : هو الذي يقال : ((توحيد الربوبية )) .
والأمر الثاني : هو الذي يقال : ((توحيد الألوهية)) .
والإشراك في الأول : يسمى ((الإشراك في الربوبية )) .
والإشراك في الثاني : يسمى ((الإشراك في الألوهية)) .
والآيات الدالة على الأمر الأول كثيرة) .
ثم ذكر كثيرًا منها ، ثم قال :
(وأما الآيات الدالة على الأمر الثاني ((يعني توحيد الألوهية )) فأكثر من أن تحصى) .
ثم ذكر كثيرًا منها ، ثم قال :
(ولا أظنك شاكا في أن مفهوم ((الرب)) ومفهوم ((الإله)) متغايران ، وإن كان مصداقهما في نفس الأمر وفي اعتقاد المسلمين المخلصين واحد .
وذلك يقتضي تغاير مفهومي التوحيدين ، فيمكن أن يعتقد أحد من الضالين ((توحيد الرب)) ولا يعتقد ((توحيد الإله)) ، وأن يشرك واحد من المبطلين في ((الألوهية)) ، ولا يشرك في ((الربوبية)) وإن كان هذا باطل في نفس الأمر . ألا ترى أن مصداق ((الرازق)) ومالك السمع والأبصار ، والمحيي ، والمميت ، ومدبر الأمر ، ورب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، ومن بيده ملكوت كل شيء ، والخالق ، ومسخر الشمس والقمر ، منزل الماء من السماء ، ومصداق ((الإله)) واحد . ومع ذلك كان مشركو العرب يقرون بتوحيد الرازق ومالك السمع والأبصار وغيرهما ، ويشركون في ((الألوهية)) و ((العبادة)) ) .
ثم ذكر عدة آيات دالة على هذا المطلب ، ثم قال :
(فكذلك عباد القبور الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا اسمه ، يقرون بتوحيد الرازق والمحيي والمميت والخالق والمؤثر والمدبر والرب . ومع ذلك يدعون غير الله من الأموات خوفًا وطمعًا ، ويذبحون لهم ويطوفون بهم ويحلقون لهم ويخرجون من أموالهم جزءًا لهم . وكون مصداق ((الرب)) عين مصداق ((الإله)) في نفس الأمر وعند المسلمين المخلصين لا يقتضي اتحاد مفهوم توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، واتحاد مصداق الرب والإله عندالمشركين من الأمم الماضية وهذه الأمة) .
ثم قال :
(الاحتمال الثالث : أن المراد بـ ((الرب)) ((المعبود)) ..... قال القرطبي : ((والرب المعبود)) ....) .
ثم ذكر عدة من النصوص أفادت أن المراد بالرب في هذه الآيات هو المعبود .
وقال في الجواب عن شبهات أخرى :
( ((الوجه الثاني)) أنه يحتمل أن يكون المراد بالرب في الآيات المذكورة ((المعبود)) ، وقد عرفت بما تقدم أن ((الرب)) ربما يجيء بمعنى ((المعبود)) ) .
قلت :
حاصل الجواب : أنه لا شك في تغاير مفهومي ((الرب)) و ((الإله)) ولا ريب أيضًا أن ((توحيد الربوبية )) غير توحيد الألوهية ، وأن الشرك في الأول غيره في الثاني . كما لا يرتاب ذو عقل سليم خبير بأحوال المشركين أنهم كانوا معترفين بالأول دون الثاني ، ولكن لا يمنع ذلك أن تأتي كلمة ((الرب)) في بعض النصوص ويراد بها ((الإله)) ، فكلمة ((الرب)) في هذه النصوص التي تشبثت بها القبورية هي بمعنى ((الإله)) . فالمعنى : ((ألست بمعبودكم)) ، و ((إن الذين قالوا معبودنا)) ، و ((من معبودك)) ؛ لأن كثيرًا من الكلمات مع اختلاف معانيها قد تأتي إحداهما بمعنى ((الأخرى)) في بعض
السياق، ومع ذلك لا يدل على أنهما شيء واحد ؛ لأن الاتحاد في الصدق لا يستلزم الاتحاد في المفهوم فضلًا عن التساوي ، كما صرح به العلامة محمود شكري الآلوسي .
وقد أوضح هذا المطلوب المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب (1206هـ) ، وأرى أن أذكر كلامه توضيحًا لكلام العلامتين السهسواني والآلوسي ؛ قال رحمه الله :
(اعلم أن ((الربوبية)) و ((الألوهية)) يجتمعان ويفترقان . كما في قوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ } [الناس : 1-3 ] ، وكما يقال ((رب العالمين)) ، و ((إله المرسلين)) . وعند الإفراد يجتمعان ، كما في قول القائل : ((من ربك)) . مثاله : الفقير والمسكين نوعان في قوله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } [ التوبة : 60] . ونوع واحد في قوله صلى الله عليه وسلم : « افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم » . إذا ثبت هذا ؛ فقول الملكين للرجل في القبر : من ربك ، معناه : من إلهك ؛ لأن توحيد الربوبية التي أقر بها المشركون ما يمتحن أحد بها ، وكذلك قوله : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } [ الحج : 40] ، وقوله : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا } [الأنعام : 164 ] ، وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } [ فصلت : 30] . فالربوبية في هذا هي ((الألوهية)) ليست قسيمة لها كماتكون قسيمة لها عند الافتراق ، فينبغي التفطن لهذه المسألة) .
قلت :
نظير هذه المسألة : مسألة اتحاد الإيمان والإسلام وافتراقهما ؛ فهما إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، أي إذا ذكر الإيمان والإسلام في سياق واحد يكون المراد من الإيمان عقد القلب ، ويكون المراد من الإسلام الإقرار باللسان ، والعمل بالأركان ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [ الأحزاب : 35] ، وقوله تعالى : { مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ } [ التحريم : 5] ، وكما في حديث جبريل الذي فيه بيان أركان الإسلام الخمسة ، وأركان الإيمان الستة .
وإذا ذكر الإيمان دون الإسلام ، يكون الإيمان شاملًا للإسلام ، كما في قوله تعالى : { لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 28] ، وقوله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ... [التوبة : 71 ] .
وإذا ذكر الإسلام دون الإيمان يكون الإسلام شاملًا للإيمان ، كما في قوله تعالى : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 102 ] ، وقوله تعالى : { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام : 163 ] .
ولقد حقق هذه القاعدة ؛ قاعدة الافتراق والاجتماع وبسط القول فيها ، وذكر لها نظائر كثيرة الإمام ابن أبي العز الحنفي ، وقبله شيخ الإسلام فراجعها
الإسلام ؛ فراجعها .
الحاصل : أن مفهوم ((الربوبية)) غير مفهوم ((الألوهية)) بلا ريب ؛ فهما مفهومان متغايران ، أمران مستقلان اثنان ، لكن قد يذكر أحدهما ويراد به الآخر في بعض السياق أحيانًا ، فهذا لا يدل على اتحادهما .
فكلمة ((الرب)) الواردة في النصوص التي تشبث بها هؤلاء القبورية لإثبات الاتحاد بين ((الربوبية)) و ((الألوهية)) معناها ((المعبود)) فلا يصح استدلالهم بها على اتحاد مفهومها .
ولذا نرى العلامة محمود شكري الآلوسي (ت 1342هـ) بعد بحث طويل في معنى الربوبية والألوهية ، وأن الأول اعترف به المشركون ، وأن المعركة كانت في الألوهية فقط ، وأن الأول دليل على الثاني - ، أجاب عن شبهة إمام القبورية ابن جرجيس ((من أن الرب والإله متحدان في المفهوم )) قائلًا :
(ثم إن العراقي - عامله الله بعدله - كأنه لم يشم رائحة العلم ولا قرأ مقدماته حتى حكم باتحاد الرب والإله في المفهوم توهمًا منه : أن الاتحاد في [الصدق] يستلزم الاتحاد في المفهوم ، وأن الترادف [يعني إطلاق ((الرب)) على ((الإله)) في بعض المواضع] يستلزم التساوي . وهذا جهل بالنسب بين الألفاظ . وما كفاه هذا الخبط العظيم حتى أخذ يتكلم على أهل الحق بكلام لا يصدق إلا عليه ولا يثبت صفته المذمومة لغيره . فتبًالشيبته الضالة ، وسحقًا له من رجل لم تحنكه التجارب) .
الشبهة السادسة : استدلالهم بقوله تعالى : { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا } [آل عمران : 80 ] .
قال الدجوي أحد أئمة القبورية مستدلًا بهذه الآية الكريمة على اتحاد الرب والإله :
(فصرح بتعدد الأرباب عندهم ، وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنهم جعلوا الملائكة أربابًا يقول ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب : إنهم موحدون توحيد الربوبية ، وليس عندهم إلا رب واحد ، وإنما أشركوا في توحيد الألوهية) .
الجواب :
لقد ذكر هذه الشبهة العلامة السهسواني مع شبهات أخرى ، ثم قال :
(قلت جوابه لوجوه :
الأول : أنه ليس في شيء من الآيات المذكورة أن مشركًا قال في حق غير الله إنه رب [أي إنه خالق ومدبر الكون ونحوه] ....، وإنما في بعضها اتخاذ الأرباب ، وهذا ليس نصا على أنهم مقرون بربوبيتهم [وخالقيتهم ونحوها] ؛ بل يحتمل أن يكون اتخاذهم الأرباب بمعنى صرف شيء من العبادة إليهم أو بمعنى اتباع ما شرعوا لهم من تحريم الحلال وتحليل الحرام .. ) .
قلت : حاصل هذا الجواب : أنه ليس المراد من لفظة ((الرب)) في مثل هذا السياق ((الخالق الرازق مدبر الكون)) حتى يلزم ما زعمته القبورية ، بل المراد من ((الرب)) في مثل هذا السياق هو ((المعبود)) .
وقد يرد في بعض السياق ((الرب)) ويراد منه ((المعبود)) ، كما تقدم ذلك على لسان علماء الحنفية .
فلفظة ((الرب )) في هذه الآية بمعنى ((المعبود)) .
وأقول : يدل عليه أيضًا ما ذكره المفسرون من علماء الحنفية سببين لنزول هذه الآية :
الأول : أن بعض اليهود والنصارى قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « معاذ الله أن نعبد غيره ، أو أن نأمر بعبادة غيره ، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني » ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
والثاني : أن رجلًا قال : « يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ؟ أفلا نسجد لك ؟ قال : لا ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله ، فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله تعالى » ، فنزلت .
فالحاصل :
أنه ليس في الآية إشارة ولا صراحة أن المشركين كانوا يشركون بالله في الخالقية والرازقية وتدبير الكون ، فانهار استدلال القبورية .

زعمهم : أن المشركين كانوا مشركين آلهتهم بالله في الخالقية والمالكية والربوبية والرازقية ونحوها:

الشبهة الأولى : تشبث القبورية بقوله تعالى : { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } [ الجاثية : 24] .
قالت القبورية مستدلين بهذه الآية : إن المشركين كانوا دهرية منكرين للخالق .
قلت :
لقد أجاب علماء الحنفية عن هذا الاستدلال بجوابين :
الأول : أن هذه الآية ليس فيها إنكار مشركي العرب للخالق ، بل الآية سيقت لبيان اعتقادهم وغلوهم في إنكار البعث ، وإنكار قبض ملك الموت أرواحهم بإذن الله ، فأنكروا البعث وقالوا : إن الدهر يهلكنا لا ملك الموت .
فالحصر هاهنا في الآية حصر بالنسبة لملك الموت ، لا أنهم ينكرون وجود الله تعالى .
ومع ذلك كان فيهم من يثبت نوعًا من التصرف للدهر .
قال الزمخشري (538هـ) والنسفي (710هـ) والعمادي (983هـ) والآلوسي (1270هـ) واللفظ له :
(وإسنادهم الإهلاك إلى الدهر إنكار منهم لملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله عز وجل ، وكانوا يسندون الحوادث مطلقًا إليه لجهلهم أنها مقدرة من عند الله ، وأشعارهم لذلك مملوءة من شكوى الدهر ، وهؤلاء معترفون بوجود الله فهم غير الدهرية ؛ فإنهم - أي الدهرية - مع إسنادهم الحوادث إلى الدهر لا يقولون بوجود الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ، والكل يقول باستقلال الدهر بالتأثير) .
الجواب الثاني : أن هذا اعتقاد بعض الجاهلية الذين كانوا زنادقة .
قلت : لا شك أن الزنادقة لا دين لهم فهم إن أنكروا خالقية الله تعالى وربوبيته ونسبوا الحوادث إلى الدهر ، فهذا منهم مكابرة وعناد .
فهذه الآية لا تناقض ما حكى الله عنهم من اعترافهم بتوحيد الربوبية ، فهم يقولون ذلك بالألسنة مع أن قلوبهم تشهد بخلاف ذلك .
الشبهة الثانية : تشبثهم بقول الشاعر :
أشاب الصغير وأفنى الكبي ... ر كر الغداة ومر العشي
قالوا : هل يعقل أن يقول عاقل : إن أصحاب هذا الكفر كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ؟ .
والجواب : أن هذه الشبهة في غاية من الحماقة والبلادة ؛ لأن هذا الشاعر كان مسلمًا ؛ فكيف يتصور أنه كان ملحدًا دهريا زنديقًا منكرًا لخالق الكائنات ورب البريات ؟ .
والظاهر أنه عنى : أن البلايا في الدهر أشابت الصغير وأفنت الكبير .
ولا يعبد أن يكون قوله هذا في شدة تلك المصائب ، مثل ما في قوله تعالى : { يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا } [ المزمل : 17] ، ولو سلم أنه كان كافرًا فجوابه ما سبق في الجواب عن الشبهة السابقة وبالله التوفيق .
الشبهة الثالثة : تشبثهم بقوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ } .... [البقرة : 28 ] ، وقوله تعالى : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } [الرعد : 30 ] ،وقوله تعالى : { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9] .
قالوا : هذه الآيات صريحة في إنكار المشركين للخالق سبحانه وتعالى ، فدل أنهم كانوا مشركين في خالقية الله تعالى .
وأجاب الحنفية بأجوبة ثلاثة :
الأول : أن المراد من الكفر في هذه الآيات كفر النعمة ، والمعنى : كيف تكفرون نعم الله ؟ .
والثاني : أن المراد من كفرهم بالله هو كفرهم بكتاب الله ؛ فعبر عن ذلك بكفرهم بالله .
والجواب الثالث : أن المراد من الكفر بالله كفرهم بتوحيد الله ، فمعنى { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ } : كيف تعبدون معه غيره . فكفرهم بالله اتخاذ الأنداد والشركاء له سبحانه . ولذا قال الآلوسي في بيان الربط بين الجملتين في قوله تعالى : { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا } - : (لأن الأولى متحدة بقوله تعالى { تَكْفُرُونَ } بمنزلة إعادتها) .
الشبهة الرابعة : تشبثهم بقوله تعالى : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } [الرعد : 30] . قالوا : فلم يجعلوه ربًا .
بل هو صريح في أنهم كانوا منكرين للخالق سبحانه وتعالى .
أقول : إن الحنفية قد أجابوا عن هذه الشبهة بأجوبة ثلاثة :
الجواب الأول : ما مر في الجواب عن الشبهة الثانية .
أن المراد بالكفر بالرحمن هاهنا هو الكفر بتوحيده .
قال العلامة الجاجروي :
(قال ابن جرير : يقول : وهم يجحدون وحدانية الله ويكذبون بها) .
والجواب الثاني : ما مر أيضًا في الأجوبة عن الشبهة الثالثة من أن المراد كفر النعمة ، وهي إرسال الرسول وإنزال القرآن لهدايتهم .
قال الآلوسي :
(فلم يشكروا نعمة الله سبحانه لا سيما ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرآن الذي هو مدار المنافع الدينية والدنيوية عليهم ، بل قابلوا رحمته ونعمه بالكفر) .
الجواب الثالث : أن المراد أنهم أنكروا هذا الاسم لله تعالى كما ورد ذلك في سبب نزول هذه الآية ، فأنكروا تسمية الله بالرحمن ، لا أنهم أنكروا الله تعالى ؛ وهذا نوع من الإلحاد في توحيد الأسماء والصفات . وكثير من المشركين لا يعرفون الله تعالى باسمه (( الرحمن )) ؛ كما روي أن سهيل بن عمرو قال يوم صلح الحديبية : لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة .
وروي « أن أبا جهل سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا الله يا رحمن .
فقال : إن محمدًا ينهانا عن عبادة الآلهة ، وهو يدعو إلهين ، فنزلت هذه الآية » .
قلت : الجواب الصحيح هو الأول : ولذا ضعف الآلوسي الجواب الثاني .
والحاصل : أن الآية ليس فيها ما يدل على أن المشركين كانوا منكرين لوجود الله تعالى وخالقيته ، فبطلت شبهة القبورية .
الشبهة الخامسة : تشبثهم بقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } [ الفرقان : 10] .
قالوا : (فلم يكن مشركو العرب مؤمنين بالأحدية والربوبية) .
وقالوا : ((فهل نرى صاحب هذا الكلام موحدًا أو معترفا)) .
الجواب :
لقد أجاب المفسرون من الحنفية بأن قصد المشركين إنكار تسمية الله تعالى ((الرحمن)) ولم يكن قصدهم إنكار مسماه ، وهو الخالق الرازق الرب ؛ لأنهم لا يعرفون الله باسمه ((الرحمن)) .
وذكر الآلوسي :
(وقيل سألوا عن ذلك لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله كما يطلقون الرحيم والرحوم والراحم عليه ، أو لأنهم ظنوا أن المراد غيره عز وجل ، فقد شاع فيما بينهم تسمية مسيلمة برحمن اليمامة ) .
وكانوا ينكرون أن يسمى الله تعالى باسمه ((الرحمن)) كما أنكروا ذلك يوم الحديبية .
الشبهة السادسة : تشبث القبورية بقوله تعالى : { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [الشعراء : 98] .
قال الدجوي (1365هـ) : انظر إلى قولهم ، فهم سووا آلهتهم بالله في جعلهم أربابًا كما هو ظاهر لغير المتعسف .
الجواب : أنه قد صرح علماء الحنفية في تفسير هذه الآية : أن المراد من التسوية هاهنا عند الكفار التسوية في العبادة واستحقاقها .
ولا شك أن من عبد غيره تعالى فقد جعله ندا لله سبحانه ، وسواه به تعالى في العبادة ، وليس المراد من التسوية هاهنا تسويتهم لآلهتهم بالله تعالى في الخلق والإيجاد والربوبية والخالقية والرازقية والتصرف في الكون والمالكية ، لما سبق تحقيقه مرارًا وتكرارًا على لسان الحنفية : من أن المشركين كافة لم يكونوا يعتقدون في آلهتهم ذلك بل كانوا يعتقدون : أن آلهتهم عباد معظمون عند الله مملوكون له محترمون عنده وهم شفعاؤهم عند الله تعالى .
ولا تنس ما ذكره الحنفية من تلبيتهم : ((لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك)) . وقد سبق تخريجها وتفسير علماء الحنفية لها .
وأقول : إن هذه الآية بمثابة آية أخرى : { بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [الأنعام : 1 ، 150] ، مع قوله تعالى : { أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة : 165] .
فهذه الآية الأخيرة مفسرة لهاتين الآيتين ، وتبين المراد بأنهم كانوا مشبهة يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة والتعظيم والخضوع والمحبة ، وأن المراد التسوية والعدل في المحبة والطاعة والتعظيم والعبادة ، لا في الخالقية والمالكية والرازقية والتصرف في الكون ونحوها .
الشبهة السابعة : استدلال القبورية بقوله تعالى : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 22 ] .
قال الطباطبائي أحد أئمة القبورية مستدلًا بهذه الآية :
(ثم إنه سبحانه حكم بشركهم لاتخاذهم تلك الأصنام شريكًا لله في الخلق وتدبير العالم وجوزوا عبادتها خلافًا لله تعالى ...) .
ثم تشبث بهذه الآية ثم قال :
(وأين هذا ممن لا يعتقد في الأنبياء والصلحاء الخلق والتدبير ولا يعتقد عبادتهم ) .
قلت : منشأ الشبهة في هذه الآية هو أن الله تعالى نهاهم عن جعل الأنداد لله ، والأنداد جمع ند ، وند الشيء مشارك له في جوهره ، فهو أخص من المثل ؛ فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت ؛ فكل ند مثل ، وليس كل مثل ندا .
وفرق آخر بينهما : هو أن الند هو المثل المخالف .
فدلت الآية على أن المشركين كانوا يعتقدون في آلهتهم أنها مساوية
لله في الربوبية ، كما قالوا ذلك في الشبهة التي قبلها .
ولكن أجاب المفسرون من علماء الحنفية بأن المشركين لم يعتقدوا في آلهتهم أنها مساوية لله أو مشاركة له في الربوبية والخالقية ؛ لأن الآية خرجت مخرج التهكم والسخرية منهم ، يدل عليه قوله تعالى في آخر الآية : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
قال الزمخشري (538هـ) والعمادي (983هـ) والآلوسي (1270هـ) ما حاصل كلامهم :
فإن قلت : كيف سموا آلهتهم التي كانوا يعبدونها أندادًا ؟ مع أنهم لم يكونوا يزعمون أنها تخالف الله أو تساويه أو تماثله في ذاته تعالى وفي صفاته ولا أنها تخالفه في أفعاله ، وإنما عبدوها لتقربهم إلى الله زلفى .
قلت : لما تقربوا إليها وعظموها وسموها آلهة أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها ذوات واجبة بالذات مثله قادرة على مخالفته ومضادته ، قادرة على أن تدفع عنهم بأس الله عز وجل ، وتمنحهم ما لم يرد الله تعالى لهم من خير . فقيل لهم ذلك على سبيل التهكم ؛ فتهكم بهم وتشنع عليهم بأن جعلوا أندادًا لمن يستحيل أن يكون له ند واحد فضلًا عن أنداد كثيرة على سبيل الاستعارة التهكمية ؛ حيث استعير النظير للمناسب المقرب ؛ كما استعير التبشير للإنذار ، والأسد للجبان ، فإن المشركين جعلوا آلهتهم بحسب أفعالهم وأحوالهم مماثلة له تعالى في العبادة ، وهي صفة شنعاء وصفة حمقاء ، في ذكرها ما يستلزم تحميقهم والتهكم بهم .
ولله در موحد الفترة ؛ زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه حيث يقول في ذلك :
أربًا واحدًا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
تركت اللات والعزى جميعًا ... كذلك يفعل الرجل البصير
وقوله تعالى في آخر هذه الآية : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } حال عن ضمير ( لا تجعلوا ) ؛ أي والحال أنكم تعلمون أن آلهتكم لا تماثل الله تعالى ، وأنها لا تفعل مثل أفعاله تعالى ، ولا تقدر على مثل ما يفعل سبحانه ، كما قال تعالى : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ } [ الروم : 40 ] .
وقال العلامة محمود شكري الآلوسي (ت 1342) :
( فالمشركون كانوا مشبهة يشبهون آلهتهم بالله تعالى في الإلهية ؛ حيث غلوا في تعظيمهم وحبهم ، وإن لم يشبهوهم بالله تعالى في كل وجه ؛ فكل مشرك مشبه . وهذا التشبيه هو أصل عبادة الأصنام المشركين المشبهين العادلين بالله غيره . قال تعالى : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ، وقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } ، فهؤلاء جعلوا المخلوق مثلًا للخالق . والند : الشبه ؛ يقال : فلان ند فلان ، وند ونده أي شبهه ومثله . ومنه قول حسان :
أتهجوه ولست له بند ... فشركما لخيركما الفداء
وقال جرير :
أين ما تجعلون إلي ندا ... وما يتم لذي حسب نديد
فتبين أن المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة والتعظيم والخضوع والحلف به والنذر له والسجود له والعكوف عند بيته وحلق الرأس له والاستعانة به والتشريك بينه وبين الله تعالى في قولهم :
ليس إلا الله وأنت ، وأنا متكل على الله وعليك ، وأنا في حسب الله وحسبك ، وما شاء الله وشئت ، وهذا لله ولك ، وأمثال ذلك ، فهؤلاء هم المشبهة . فمن تدبر هذا الفصل حق التدبر تبين له كيف وقعت الفتنة في الأرض بعبادة الأصنام ، وتبين له سر القرآن في الإنكار على هؤلاء المشبهة الممثلة) .
الشبهة الثامنة : تشبثهم بقوله تعالى : { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الأنعام : 136 ] .
استدل الدجوي (1365هـ) بهذه الآية على بطلان الفرق بين توحيدي الربوبية والألوهية ، وعلى أن المشركين لم يكونوا مقرين بتوحيد الربوبية .
وقال المالكي مستدلًا بهذه الآية على أن المشركين لم يعترفوا بربوبية الله تعالى ، بل جعلوا الله أقل منزلة من أصنامهم :
(فلولا أن الله تعالى في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها
عليه هذا الترجيح الذي تحكيه هذه الآية ....) .
الجواب :
أقول : تسمية هذا المالكي القبوري آلهة المشركين بـ ((الأحجار)) غفلة فاحشة وكذب مكشوف ؛ لأن المشركين كانوا يعبدون الأنبياء والصالحين ، ولم يكونوا يعبدون الأحجار ، غير أنهم جعلوا صور الأنبياء والصالحين قبلة لعبادتهم كما تقدم .
وأما صنيعهم الذي ذمهم الله به في الآية ، فلا شك أنهم في ذلك على ضلال ، إذ لا شك أنهم رجحوا ما نذروه لآلهتهم على ما نذروه لله تعالى ، ولكن هذا ليس لأجل أنهم كانوا يعتقدون أن آلهتهم أرفع مكانة من الله ، وليس فيه أنهم جعلوا آلهتهم شركاء لله في الخلق وتدبير العالم ، غاية ما في الأمر أن المشركين كانوا ينذرون لله تعالى ، وينذرون لآلهتهم الباطلة أيضًا ، فما نذروه لآلهتهم لا ينفقونه على المساكين وأبناء السبيل والضيوف وغيرهم من الوجوه ، وما نذروه لله ينفقونه على آلهتهم ، وسدنتها وعاكفيها ، ويعللون صنيعهم هذا بأن الله تعالى غني غير محتاج ، وإنما ذلك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها .
صرح بذلك جمع من المفسرين الحنفيين .
وقال الإمام أبو الليث السمرقندي (375هـ) أحد أئمة الحنفية :
(روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كانوا يسمون لله جزءًا من
الحرث ، ولآلهتهم جزءًا ، فما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه ، وما ذهبت به الريح من الجزء الذي سموه لله إلى جزء أوثانهم تركوه ، وقالوا إن الله غني عن هذا) .
وقال السدي :
(ما خرج عن نصيب الأصنام أنفقوه عليها ، وما خرج عن نصيب الله تصدقوا به ، فإذا هلك الذي لشركائهم وكثر الذي لله قالوا لا بد من النفقة ، فأخذوا الذي لله وأنفقوه على الأصنام ، وإذا هلك الذي لله وكثر الذي للأصنام قالوا : لو شاء الله لأزكى له ، فلا يزيدون عليه شيئا . فذلك قوله تعالى : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } ... ) .
وقال القاضي الباني بتي أحد كبار الحنفية (1225هـ) في تفسير هذه الآية :
(حيث كانوا يتمون ما جعلوه للأوثان مما جعلوه له دون العكس . قال قتادة : كانوا إذا أصابتهم سنة استعانوا بما جعلوه لله وأكلوا منه ووفروا ولم يأكلوا ما جعلوه للأوثان) .
وقال الإمام ولي الله إمام الحنفية (1176هـ) :
(كانوا ينفقون ما نذروه لله على المساكين والضعفاء ، وينفقون ما نذروه لآلهتهم على سدنتها وعاكفيها ، ولكن إذا اختلط بنذر آلهتهم شيء من نذر الله ضموه إلى نذر آلهتهم دون العكس ، وقالوا : إن الله غني لا يحتاج إليه وآلهتنا في حاجة إلى ذلك) .
وكانوا يرجحون جانب نذر آلهتهم على جانب نذور الله تعالى خوفًا من آلهتهم لئلا تصيبهم بلية لو قصروا في حقهم .
قلت : ونظير صنيع هؤلاء المشركين صنيع كثير من فسقة القبورية ، فترى أحدهم لا يؤتي الزكاة المكتوبة ، ولكن يهتم اهتمامًا بالغًا بإخراج ما ينذره لأهل القبور خوفًا من أن تصيبه بلية في ماله أو نفسه أو أهله أو ولده .
الحاصل :
أنه ليست أية إشارة في هذه الآية إلى أن المشركين كانوا بصنيعهم الفاحش هذا منكرين لخالقية الله ومشركين به آلهتهم في الخالقية والرازقية والربوبية ، بل كانوا يعبدون الله وغيره من آلهتهم ؛ فلا يصح التمسك بها .
وهكذا ترى القبورية إذا أحاطت بهم بلية في البر أو البحر يدعون أهل القبور ولا يكادون يدعون الله حتى في تلك الحالة بخلاف مشركي العرب ، فإنهم كانوا يخلصون في دعاء الله تعالى وينسون ما كانوا يعبدونهم من دون الله كما سيأتي تفصيله على لسان علماء الحنفية .
بل تجاوز بعض القبورية إلى حد صار شركهم أشنع من شرك مشركي العرب ، حيث يزعمون أن الولي أسرع إجابة من الله تعالى ....
انظر إلى هذا النتن والغلو والإسراف .
فإن كان صنيع مشركي العرب يقتضي الإشراك بالله في الخالقية
والرازقية والربوبية ، فالقبورية أيضًا أشركوا بالله في الربوبية بالطريق الأولى .
ولهذا قال الآلوسي ردا على القبورية وكشفًا لعوراتهم في تفسير قوله تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45] :
(وقد رأينا كثيرًا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله تعالى بها المشركين ، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم توافق هواهم واعتقادهم فيهم ، ويعظمون من يحكي لهم ذلك وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده ، ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل ، وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله ، وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة ، وينسبونه إلى ما يكره ، وقد قلت يومًا لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات ، وينادي يا فلان أغثني . فقلت له : قل يا الله ، فقد قال سبحانه : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] ، فغضب وبلغني أنه قال : فلان منكر على الأولياء . وسمعت عن بعضهم أنه قال : الولي أسرع إجابة من الله عز وجل . وهذا من الكفر بمكان نسأل الله أن يعصمنا من الزيغ والطغيان) .
الشبهة التاسعة : تشبثهم بقوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم } [ الأنعام : 108 ] .
فقد استدل بعض أئمة القبورية بهذه الآية على بطلان تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية ، وعلى بطلان أن المشركين كانوا يعترفون بربوبية الله تعالى .
فقد قال الدجوي (أحد أئمة القبورية) (1365هـ) :
(هذه الآية أدل الأدلة على هذا ، فهل ترى للمشركين توحيدًا بعد ذلك . أما التيميون فيقولون بعد هذا كله : إنهم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ) .
وقال المالكي أحد رؤساء القبورية في صدد أن المشركين لم يعترفوا بأن الله هو الخالق وحده ، وإثبات أن المشركين أشركوا آلهتهم في خالقية الله تعالى مستدلًا بهذه الآية :
(وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون الله تعالى غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعبدونها يعتقدون أنها تنفع وتضر ، فيرمون الله بالنقائص . وهذا واضح جدا في أن الله تعالى أقل منزلة في نفوسهم من تلك الأحجار التي كانوا يعبدونها . ولو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى هو الخالق وحده ، وأن أصنامهم لا تخلق لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الأحجار) .
أقول : هذه الآية لا تدل بحال على أن المشركين كانوا ينكرون خالقية الله وربوبيته أو أنهم كانوا يشركون آلهتهم بالله في الخالقية والرازقية والربوبية ، بل لا تدل أيضًا على أنهم كانوا يسبون الله تعالى تدينًا غيرة على آلهتهم .
فقد أجاب عن هذه الشبهة علماء الحنفية جوابين :
حاصل الأول : أن المراد من سبهم الله سبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث
يفضي سبهم إلى الله من دون قصد وعلم ، يدل عليه قوله تعالى في الآية نفسها : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } ؛ لأنهم كانوا يقرون بعظمة الله ، وإنما عبدوا آلهتهم لتكون شفعاء لهم عنده .
وحاصل الجواب الثاني : أنهم كانوا يسبون الله صريحًا وقت الغضب فالحمية الجاهلية تحملهم على ذلك لا لأجل التدين والاعتقاد ، ومثل هذا قد يحدث عن المسلم أيضًا ، فتحمله شدة الغيظ على التكلم بالكفر . فمثل هذا إن صدر عن شخص لا يصدر منه تدينًا واعتقادًا ، بل فسقًا وحمية وغضبًا .
قال الإمام الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) والعلامة حسين علي (1362هـ) ، واللفظ للأول :
( ومعنى سبهم لله عز وجل إفضاء كلامهم إليه كشتمهم له صلى الله عليه وسلم ولمن يأمره . وقد فسر { بِغَيْرِ عِلْمٍ } بذلك أي فيسبوا الله تعالى بغير علم أنهم يسبونه ، وإلا فالقوم كانوا يقرون بالله وعظمته وأن آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء لهم عنده سبحانه فكيف يسبونه ؟ ويحتمل أن يراد سبهم له عز اسمه صريحًا ولا إشكال بناء على أن الغضب والغيظ قد يحملهم على ذلك . ألا ترى أن المسلم قد تحمله شدة غيظه على التكلم بالكفر . ومما شاهدناه أن بعض جهلة العوام ، أكثر الرافضة سب الشيخين - رضي الله تعالى عنهما - عنده فغاظه ذلك جدا ، فسب عليا - كرم الله تعالى وجهه - ، فسئل عن ذلك فقال : ما أردت إلا إغاظتهم ، ولم أر شيئًا يغيظهم مثل ذلك . فاستتيب عن هذا الجهل العظيم .
وقال الراغب : إن سبهم لله تعالى ليس أنهم يسبونه جل شأنه صريحًا ، ولكن يخوضون في ذكره تعالى ويتمادون في ذلك بالمجادلة
ويزداون في وصفه سبحانه بما ينزه تقدس اسمه عنه . وقد يجعل الإصرار على الكفر والعناد سبا ، وهو سب فعلي . قال الشاعر :
وما كان ذنب بني مالك ... بأن سب منهم غلام فسب
بأبيض ذي شطب قاطع ... يقد العظام ويبري العصب
ونبه به على ما قاله الآخر :
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم
وقيل : المراد بسب الله سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونظير ذلك من وجه قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } [ الفتح : 10] .
قلت : احتمال سبهم الله لأجل الغضب والانتقام والحمية دون التدين والاعتقاد واضح يدل عليه قوله تعالى في الآية نفسها : { عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } .
قال الإمام بيان الحق أحد كبار علماء الحنفية (ت 555هـ) :
(العدو والعدوء والعدوان والعداء والاعتداء واحد) .
أقول : وعلى هذا مشى الأستاذ المودودي رحمه الله (1979م) .
قلت : لقد شاهدنا كثيرًا من فسقة المسلمين إذا غضبوا يسبون الله ورسوله والإسلام والقرآن ، نعوذ بالله من كيد الشيطان ، فليس معنى ذلك أنهم ينكرون وجود الله أو يسوون غيره به تعالى في الخالقية والمالكية
والرازقية والربوبية .
الحاصل : أن هذه الآية لا تدل على أن المشركين كانوا منكرين لخالقية الله وربوبيته ، أو أنهم كانوا مشركين آلهتهم بالله في الخلق وتدبير الكون .
فسقط استدلال القبورية بهذه الآية على عدم الفرق بين توحيدي الربوبية والألوهية . والله المستعان ، وعليه التكلان .
الشبهة العاشرة : استدلالهم بقوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله } [التوبة : 31 ] .
قلت : لقد استدل القضاعي أحد أئمة القبورية (1376هـ) بهذه الآية على بطلان تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية ، وعلى أن المشركين كانوا مشركين آلهتهم بالله في الربوبية .
وقال الدجوي أحد أعناقهم (1365هـ) :
(وإني لأعجب لتفريقهم بين توحيد الألوهية والربوبية مع قوله تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } فكيف يقولون إن عندهم توحيد الربوبية) .
الجواب :
لقد فسر علماء الحنفية هذه الآية بأن المراد من ((الرب)) في هذه الآية ليس ((الرب)) بمعنى مالك الكون وما فيه وخالقه والمتصرف فيه كيف شاء ، بل إطلاق ((الرب)) في هذا السياق ونحوه يراد به ((المعبود)) ، وليس المراد به ((المعبود مطلقا)) أيضًا ، بل المراد ((المعبود المقيد)) الذي يعبد بطاعته في
التحليل والتحريم في الأحكام الشرعية .
وقد يعبد الشخص إمامه وشيخه ورئيسه بطاعته في التحريم والتحليل وهو لا يشعر أنه يعبده بهذه الطاعة .
فالآية لا دليل فيها على أن اليهود والنصارى اعتقدوا في أحبارهم ورهبانهم أنهم شركاء لله في خلق هذا الكون وتدبيره وترتيبه .
وإليكم بعض نصوص المفسرين من الحنفية في تفسير هذه الآية :
1 - قال الزمخشري (538هـ) :
(اتخاذهم أربابًا : أنهم أطاعوهم في الأمر بالمعاصي ، وتحليل ما حرم الله وتحريم ما حلله كما تطاع الأرباب في أوامرهم ونواهيهم) .
2 - وقال العمادي (983هـ) :
(اتخذ كل واحد من الفريقين علماء لهم لا الكل الكل { أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } ، بأن أطاعوهم في تحريم ما أحله الله تعالى وتحليل ما حرمه الله أو بالسجود لهم ونحوه ...) . ثم ذكر حديث عدي بن حاتم ) .
3 - وقال البروسوي (1137هـ) :
(والمعنى أطاعوا علماءهم وعبادهم فيما أمروهم به طاعة العبيد للأرباب فحرموا ما أحل الله وحللوا ما حرم الله . ومثاله : من اعتقد أن اللبس حرام يكون كمن اعتقد أن الخمر حلال . ومن اعتقد أن لحم الغنم حرام يكون كمن اعتقد أن لحم الخنزير حلال) .
4 - وقال الآلوسي (1270هـ) :
(والمراد في الآية : اتخذوا كل من الفريقين علماءهم لا الكل الكل { أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله تعالى ، وتحليل ما حرم سبحانه ، وهو التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى الشعبي وغيره عن عدي بن حاتم قال : « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : يا عدي اطرح عنك هذا الوثن ، وسمعته يقرأ في سورة براءة : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } ، فقلت له : يا رسول الله لم يكونوا يعبدونهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : أليسوا يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله فيستحلون . فقلت : بلى . قال : ذلك عبادتهم » .
ونظير ذلك قولهم : ((فلان يعبد فلان)) إذا أفرط في طاعته فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة . أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة وهي
طاعة مخصوصة على مطلقها . والأول أبلغ . وقيل : اتخاذهم أربابًا بالسجود لهم ونحوه مما لا يصلح إلا للرب عز وجل ، وحينئذ لا مجاز ، إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لكلام علمائهم ورؤسائهم ، والحق أحق بالاتباع ، فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه وإن أخطأ اجتهاد مقلده) .
5 - ولقد ساق العلامة السهسواني (1326هـ) هذه الشبهة ، ثم أجاب عنها بما حاصله :
أن هذه الآية ليس فيها أنهم كانوا يقولون في أحبارهم ورهبانهم أنهم أرباب من دون الله ، وإنما فيها أنهم اتخذوهم أربابًا .
ثم قال :
(وإنما في بعضها [أي بعض هذه الآيات] اتخاذ الأرباب ، وهذا ليس نصا على أنهم مقرون بربوبيتهم ؛ بل يحتمل أن يكون اتخاذهم الأرباب من صرف شيء من العبادة إليهم ، أو بمعنى اتباع ما شرعوا لهم من تحريم الحلال وتحليل الحرام ، لا أنهم كانوا يطلقون لفظ ((الرب)) عليهم) .
الحاصل : أن اليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله بمعنى أنهم خالقون لهذا الكون مدبرون له متصرفون فيه حيث
يشاءون بدون إذن من الله ، بل اتخذوهم أربابًا بمعنى أنهم كانوا يعبدونهم في التشريع من التحليل والتحريم .
ومثل هذا يوجد بكثرة كاثرة في هذه الأمة ، ولا سيما في المقلدة المتعصبة للأئمة الغلاة فيهم الذين رفعوا شأن الأئمة إلى منصب الرسالة بل إلى منزلة الألوهية ، فيقعون في عبادة الأئمة بسبب هذه الطاعة المطلقة في التحليل والتحريم ويشركون بالله تعالى هؤلاء الأئمة بسبب تقليدهم الشركي ، ويردون نصوص الكتاب الصريحة والسنة الصحيحة ؛ كأن الإمام نبي أرسل إليهم ، أو إله يعبدونه وهم لا يشعرون .
ولذلك نرى الإمام الشاه ولي الله الدهلوي إمام الحنفية في دهره (1176هـ) تصدى للرد على مثل هؤلاء المقلدة الغلاة ، وكشف الستار عن أسرارهم ، وجعلهم مصداق هذه الآية : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } ؛ حيث قال :
(فما ذهب إليه ابن حزم حيث قال : ((التقليد حرام .....)) .
إنما يتم فيمن له ضرب من الاجتهاد ولو في مسألة واحدة ، وفيمن ظهر عليه ظهورًا بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا ونهى عن كذا وأنه ليس بمنسوخ ...
فحينئذ لا سبب لمخالفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفاق خفي أو حمق جلي .
وهذا هو الذي أشار إليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث
قال : ((ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعًا ، وهو مع ذلك يقلده فيه ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جمودًا على تقليد إمامه ، بل يتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالًا عن مقلده)) .
وقال : ((لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقييد لمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين ، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين ؛ فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلدًا له فيما قال كأنه نبي أرسل )) .
وهذا نأي عن الحق ، وبعد عن الصواب ، لا يرضى به أحد من أولي الألباب ....
وفيمن يكون عاميا ويقلد رجلًا من الفقهاء بعينه يرى أنه يمتنع من مثله الخطأ ، وأن ما قاله هو الصواب ألبتة ، وأضمر في قلبه أن لا يترك تقليده ، وإن ظهر الدليل على خلافه ، وذلك ما رواه الترمذي عن عدي بن حاتم ؛ أنه قال : « سمعته - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقرأ : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } ، قال : إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه » .
وفيمن لا يجوز أن يستفتي الحنفي مثلًا فقيهًا شافعيا وبالعكس ، ولا يجوز أن يقتدي الحنفي بإمام شافعي مثلًا ، فإن هذا قد خالف إجماع القرون الأولى وناقض الصحابة والتابعين ...
فإن بلغنا حديث من الرسول المعصوم الذي فرض الله علينا طاعته بسند صالح يدل على خلاف مذهبه وتركنا حديثه واتبعنا ذلك التخمين ، فمن أظلم منا وما عذرنا يوم يقوم الناس لرب العالمين) .
فإن قيل : ما النكتة في إطلاق كلمة ((الرب)) على من يتخذ مطاعًا مطلقًا في التحليل والتحريم ؟
قلت : كلمة ((الرب)) تدل على السيادة والمالكية والتصرف في الملك ، فمن أطاع مخلوقًا طاعة مطلقة بدون أمر الله تعالى بطاعته وأذعن لتحليله وتحريمه فقد جعله متصرفًا في التشريع متصفًا بصفات الله معبودًا بطاعته المطلقة ، فصح إطلاق ((الرب)) عليه .
قال الإمام ولي الله مبينًا هذه النكتة اللطيفة :
(وسر ذلك أن التحليل والتحريم عبارة عن تكوين نافذ في الملكوت أن الشيء الفلاني يؤاخذ به أو لا يؤاخذ به ، فيكون هذا التكوين سببا للمؤاخذة وتركها ، وهذا في صفات الله تعالى ) .
قلت : لا شك أن من أطاع أحدًا دون الله تعالى طاعة مطلقة بدون أمر من الله تعالى بطاعته المطلقة وأذعن له في التحليل والتحريم وحد
الحدود وفرض الفرائض فقد أشركه بالله تعالى في التشريع وعبده ، كما قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [الشورى : 21 ] .
قال الأستاذ المودودي رحمه الله (1979م) في تفسير هذه الآية :
(ليس المراد من الشركاء في هذه الآية الشركاء الذين يدعونهم وينادونهم في الكربات وينذرون لهم في البليات ، بل المراد من الشركاء في هذه الآية المطاعون الذين جعلوا أفكارهم وعقائدهم وضوابطهم وطرقهم ومذاهبهم شريعة يطاعون فيها بدون إذن من الله تعالى ، فهذا العمل لا شك أنه شرك كما أن السجود لغير الله ودعاء غير الله شرك) .
قلت : مثل قول هؤلاء الأجلة من الحنفية صرح كثير من أئمة السنة بأن من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله ، لأن مثل هذه الطاعة المطلقة من أنواع العبادة .
وصرحوا أيضًا أن هذا النوع من الشرك موجود في هذه الأمة حيث إن كثيرًا من المقلدة المتعصبة يعبدون الأئمة باسم الفقه والعلم؛ لأن من أطاع مخلوقًا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحليل والتحريم فهو مشرك .
وقد سبق فتوى جمع من الحنفية بأن هذا النوع من المقلد مشرك كافر يستتاب وإلا قتل .
الشبهة الحادية عشرة : تشبثهم بقوله تعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام : { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } [ يوسف : 39] .
استدل بهذه الآية الدجوي أحد أئمة القبورية (1365هـ) على بطلان تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية ، وعلى أن المشركين كانوا مشركين بالله في الخالقية والمالكية والتدبير والربوبية ، ثم قال :
(فإذا ليس عند هؤلاء الكفار ((توحيد الربوبية)) كما قال ابن تيمية وما كان يوسف عليه السلام يدعوهم إلا إلى توحيد الربوبية ؛ لأنه ليس هناك شيء يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر توحيد الألوهية عند يوسف عليه السلام . فهل هم أعرف بالتوحيد منه أو يجعلونه مخطئًا في التعبير بالأرباب دون الآلهة) .
واستدل بها أيضًا القضاعي أحد رؤساء القبورية (1376هـ) حيث قال :
(وقول هؤلاء المغرورين \ يعني السلفيين \ : ((إن الكافرين الذين بعث لهم الرسول كانوا قائلين بتوحيد الربوبية وأن آلهتهم لا تستقل بنفع ولا ضر ، وإنما كان شركهم بتعظيمهم لغير الله بالسجود له والاستغاثة به والنداء له والذبح له)) :
إنما قول من لم يعرف التوحيد ولا الإشراك ولا المعقول ولا المنقول في كتاب الله وسنة رسوله ، ولا ألم بتاريخ الأمم قبل البعثة . ألم يحك الله
في كتابه عن يوسف عليه الصلاة والسلام قوله في إرشاد صاحبي السجن : { أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } ، هل يقال ذلك إلا لمن اعتقد أربابًا ؟ ألا يكون هذا كفرًا بتوحيد الربوبية ...) .
الجواب :
لقد وقف العلامة السهسواني لقمع هذه الشبهة بمرصاد فذكرها ثم جعلها كأن لم تغن بالأمس حيث قال :
(وهذا ليس فيه تصريح أنهما كانا يطلقان لفظ الأرباب على الأصنام حتى يلزم إنكار ((توحيد الربوبية)) ، بل يحتمل أن يكون المقصود بيان بطلان ما كانوا عليه من عبادة الأصنام بأن القول بالأرباب المتفرقة باطل قطعًا لا يتأتى إنكاره من أحد عند أهل العقل ، وما لا يصلح للربوبية لا يصلح للعبودية ، دل عليه قوله تعالى : { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ .... أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } ... ) .
قلت : لا يبعد أن يكون قول زيد بن عمرو بن نفيل :
أربًا واحدًا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعًا ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أزور
ولا غنمًا أدين وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير
من قبيل قول يوسف عليه الصلاة والسلام ؛ فيكون هذا وذاك حجة يعترف بها المشركون فيكون حجة عليهم حجة مفحمة مسكتة وملزمة لهم وتضطرهم إلى أن يعترفوا بتوحيد الألوهية .
الشبهة الثانية عشرة : استدلالهم بالبيت الآتي :
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب
على بطلان تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية ، وعلى أن المشركين كانوا مشركين بالله في الربوبية .
قال القضاعي أحد أعناق القبورية (1376هـ) مستدلا بهذا البيت :
(فانظر إلى قوله : ((أرب)) ، ولم يقل : أإله) .
الجواب :
أنه قد تقدم في كلام العلامة السهسواني (1326هـ) أن المراد من ((الرب )) في مثل هذا السياق هو ((الإله)) لا الخالق الرازق المدبر لهذا الكون .
فلا يصح تمسك القبورية بهذا البيت .
وقال الشيخ الرستمي :
(قال القرطبي : الرب بمعنى المالك والسيد والمصلح والمدبر والقائم والمعبود ، كما قال موحد الجاهلية) .
ثم ذكر البيت .
قلت : ولا يبعد أيضًا أن يكون هذا البيت لبيان ذكر الحجة على المشركين ، كما سبق في الجواب عن الشبهة السابقة .
الشبهة الثالثة عشرة : استدلالهم بقوله تعالى حكاية عن المشركين العاديين حيث قالوا لرسول الله هود عليه الصلاة والسلام : { إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } [هود : 54 ].
قال القضاعي أحد أئمة القبورية (1376هـ) مستدلا بهذه الآية :
(فهذا صحيح اعتقادهم باستقلالها بالضر والنفع) .
وقال الدجوي أحد أعناق القبورية (1365هـ) متشبثًا بهذه الآية :
(فكيف يقول ابن تيمية إنهم يعتقدون : ((أن الأصنام لا تضر ولا تنفع)) إلى آخر ما يقول) .
الجواب :
أن هؤلاء القبورية مفترون في تقرير استدلالهم بهذه الآية على الله تعالى وعلى كتابه وعلى شيخ الإسلام ابن تيمية ، وعلى المشركين من قوم هود عليه الصلاة والسلام ؛ فإن الله لم يشر إلى أنهم كانوا يعتقدون في آلهتهم الاستقلال بالضر والنفع فضلًا عن التصريح .
كما أن شيخ الإسلام لم يقل قط : إن المشركين كانوا يعتقدون أن آلهتهم لا تضر ولا تنفع .
غاية ما في هذه الآية أن المشركين كانوا يعتقدون في آلهتهم أنها تضر وتنفع .
ولكن تقدم عدة نصوص لعلماء الحنفية ، ولا سيما الإمام ولي الله دالة على أن المشركين كانوا معترفين بأن الله هو الخالق لهذا الكون المدبر للأمور العظام والرازق وحده . ولم يعتقدوا في آلهتهم أنها تنفع وتضر استقلالًا ، وإنما كانوا يعتقدون أن الله تعالى فوض إليهم تدبير أمورهم وجعلهم متصرفين في بعض الأمور الخاصة والجزئية في غير الأمور العظام .
فليس في هذه الآية أنهم كانوا يعتقدون في آلهتهم الاستقلال بالنفع والضر .
فلم يقل أحد من المفسرين ولا سيما الحنفية أنهم كانوا يعتقدون في آلهتهم الاستقلال بالنفع والضر والانتقام .
ومن هذا التصرف الجزئي عقيدة المشركين من عاد هذه وقولهم هذا لرسول الله هود عليه الصلاة والسلام .
ومثله عقيدة مشركي العرب من تخويفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تضره آلهتهم ، كما قال تعالى : { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } [الزمر : 36 ] مع اعترافهم بأن الله هو الخالق المدبر للكون وأن الله إذا أراد بأحد ضرا أو نفعًا فآلهتهم لا تكشف الضر ولا تمسك النفع .
ونظيره ما سمعنا ونسمع كثيرًا من القبورية يقولون في حق الموحدين : إن الولي الفلاني قد أصابهم بكذا وكذا .
وفي كلام العلامة محمود شكري الآلوسي إشارة إلى ذلك .
بل القبورية قد فاقوا المشركين السابقين وتجاوزوا حدهم في الإشراك بالله تعالى وإثبات التصرف لأهل القبور كما صرح بذلك علماء الحنفية .
الحاصل :
أن استدلال القبورية بهذه الآية على بطلان تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية منهار * لأنه مبني على شفا جرف هار* .
الشبهة الرابعة عشرة :
تشبثت القبورية بقول أبي سفيان يوم أحد : (اعل هبل) .
قال الدجوي أحد أئمة القبورية (1365هـ) مستدلا به :
(فانظر إلى هذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك التوحيد الذي ينسبه إليهم ابن تيمية ويقول : ((إنهم فيه مثل المسلمين سواءً بسواء ، وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية)) ) .
وزعم المالكي : أن المشركين كانوا يعتقدون في تلك الأحجار التي كانوا يعبدونها أنها شريكة لله تعالى في الخلق وأن الله ليس الخالق وحده عندهم ، وأنهم لم يكونوا جادين في قولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } ، كما لم يكونوا جادين في قولهم : إن الله هو الخالق وحده ، بل كان الله أقل منزلة عندهم من حجارتهم ....
ثم ذكر قول أبي سفيان هذا ، ثم قال :
(ينادي صنمهم المسمى بهبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم . هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله
رب العالمين ؛ فليعرف حق المعرفة ، فإن كثيرًا من الناس لا يفهمونه كذلك ويبنون عليه ما يبنون) .
الجواب عن هذه الشبهة :
أن هؤلاء القبورية كذابون أفاكون بهاتون في مزاعمهم هذه لوجوه :
أما الأول :
فهو أن شيخ الإسلام ابن تيمية ولا أحدًا غيره من أئمة الإسلام لم يقل : إن المشركين مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية . كيف ؟ والمشركون كانوا منكرين لرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كانوا كافرين بكتاب الله ، وكثير منهم بالبعث أيضًا .
وإنما قال شيخ الإسلام وغيره من أئمة الإسلام : إن المشركين كانوا معترفين بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ومدبر الكون والأمور العظام . وكانوا يقرون بتوحيد الربوبية إلى حد أكبر .
وهذا ما حكاه الله تعالى عنهم واحتج عليهم باعترافهم بذلك مع إشراكهم في توحيد الألوهية وبعض جزئيات توحيد الربوبية وبعض تفاصيله .
ومما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله :
(لكن المتكلمون إنما انتصبوا لإقامة المقاييس العقلية على توحيد الربوبية ، وهذا مما لم ينازع في أصله أحد من بني آدم ؛ وإنما نازعوا في بعض تفاصيله ....
وأما توحيد الإلهية فهو الشرك العام الغالب الذي دخل من أقر أنه لا خالق إلا الله ولا رب غيره من أصناف المشركين ، كما قال تعالى :
{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يوسف : 106] ، كما بسطنا هذا في غير هذا الموضع) .
أقول : تقدمت نصوص علماء الحنفية وخلاصتها :
من المعلوم بالاضطرار أن المشركين مع اعترافهم بأن الله هو الخالق المالك الرازق وحده المدبر لهذا الكون المتصرف فيه كيف يشاء كانوا يعتقدون في آلهتهم أن لهم بعضًا من القدرة على النفع والضر وشيئًا من التصرف والتدبير ، ولكن هذا كله بإذن الله تعالى ، فالله هو الذي خلع عليهم هذه الخلعة ، وأن الله قد فوض إليهم بعض التدبير ، وجعلهم متصرفين في بعض الأمور الخاصة الجزئية غير الأمور العظام ، ولم يعتقدوا قط في آلهتهم أنهم ينفعون أو يضرون أو يدبرون بالاستقلال من دون إذن من الله وبدون تفويض منه ، وليس على سبيل مغالبتهم لله وقهرهم له .
كما أنهم لم يعتقدوا فيهم أيضًا أنهم شركاء مع الله في خلق هذا الكون وتدبيره والتصرف فيه حيث يشاءون .
ومثل هذا الشرك موجود في القبورية بل شركهم أشنع وأبشع من شرك مشركي العرب .
وصرح به كثير من علماء الخنفية .
فالقبورية مشركون في توحيد الربوبية فضلًا عن توحيد الألوهية .
وأما الثاني :
فهو أن المشركين كانوا معترفين بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت وحده ؛ كما حكى الله ذلك عنهم في عدة مواضع من كتابه واحتج عليهم بسبب اعترافهم وإقرارهم هذا حيث أفحمهم وأسكتهم ، وقد كانوا يقولون : إن الله تعالى هو المالك لهم وهو المالك لآلهتهم وإن آلهتهم لا تملك شيئًا دون إذن من الله وتفويض منه ، دل على ذلك تلبيتهم : ((تملكه وما ملك)) .
وقد سقنا كثيرًا من نصوص علماء الحنفية في بيان اعتقاد المشركين في آلهتهم أنهم كانوا يعتقدون أن الله تعالى هو الذي خلع عليهم خلعة وفوض إليهم تدبير بعض الأمور الصغيرة الجزئية وجعلهم متصرفين في غير الأمور العظام . وبسبب ذلك كانوا يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى ، ويتوسلون بهم عند الله ، إلى آخر ما ذكرنا من نصوص علماء الحنفية التي فيها عبرة للقبورية .
فكيف يقول هذا المالكي إن المشركين لم يكونوا جادين في اعترافهم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت وحده دون تلك الأحجار ، ولم يكونوا جادين في قولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله وإنهم يقربونا إلى الله زلفى .
فتأويلات هذا المالكي ليست إلا تحريفات باطنية وتخريفات قرمطية .
وأما الثالث :
فهو أن هذا المالكي غير صادق في قوله : إن أبا سفيان إنما نادى صنمه هبلًا ليعلو رب السماوات ويقهره ، بل هو كذاب أفاك في كلامه هذا
مفتر متقول على المشركين ، مقول إياهم ما لم يقصدوا ؛ لأن أحدًا من المشركين لم يعتقد في صنمه أنه يقتدر أن يغالب الله تعالى أو يمانعه أو يستطيع أن يغلب رب السماوات والأرض ويعلوه ويقهره لا أبا سفيان ولا غيره ؛ كما سبق تحقيقه مرارًا وتكرارًا بنصوص علماء الحنفية الدامغة القامعة الساطعة القاطعة لأعناق القبورية ودابرهم .
بل المشركون كانوا يعتقدون أن الله تعالى خالق هذا الكون كله ومالكه ومدبره والمتصرف فيه حيث يشاء .
بل كانوا يعتقدون أن الله هو مالك آلهتهم وأن آلهتهم لا تملك شيئًا بالاستقلال بدون إذن من الله وتفويض منه ، وأن آلهتهم مملوكة لله تعالى وأن الله تعالى مالكها ، دل على ذلك قولهم في تلبيتهم المشهورة المعروفة : ((تملكه وما ملك)) ، وقد خرجناها وذكرنا تفسير علماء الحنفية في معناها .
وقد ذكر كبار علماء الحنفية : أن المشركين كانوا يقولون : إن الله تعالى مالك الآلهة ، ورب الأرباب ، وإله الآلهة ، وأن الله هو الإله الأكبر الأعظم ، وأن آلهتهم شفعاء لهم عند الله ويقربونهم إلى الله زلفى . وقالوا : نحن نتقرب إليهم ونتقرب إلى الله بهم .
وقد ذكر علماء الحنفية من أشعار المشركين ما يدل على اعتقادهم أن الله عندهم هو أكبر الآلهة . فقد قال أوس بن حجر يحلف باللات :
وباللات والعزى ومن دان دينها ... وبالله إن الله منهن أكبر
وهذه حقيقة اعترف بها كبار القبورية أيضًا :
فقد قال فضل رسول الحنفي القادري البدايوني أحد أئمة القبورية الهندية (1289هـ) في بيان عقائد مشركي العرب :
(إن المشركين قالوا : يجب عبادة المحبوب والشفيع لصيرورته إلهًا ، لا عبادة الله العلي الأكبر ، فإنها لا تعبد لكونه في غاية التعالي) .
ولذلك لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب عن قول أبي سفيان هذا : « قولوا : الله أعلى وأجل » سكت أبو سفيان ومن معه من المشركين ، وأفحموا ، فبهت الذي كفر * حيث ألقي في فيه الحجر * .
فهذا دليل قاطع قامع ساطع على أن أبا سفيان لم يكن يقصد بقوله ((اعل هبل)) أن هبلًا يغلب الله تعالى ويقهر رب السماوات والأرض أو يغالبه ويمانعه ؛ لأنهم كانوا يعترفون بأن الله هو رب الأرباب وإله الآلهة وأكبرها وأعلاها وأجلها ومالكها وهي مملوكة له سبحانه وتعالى ، فلا يتصور التمانع والتغالب عندهم بينها وبين الله .
هاهنا نكتة لطيفة عقلية أخرى يجب التنبيه لها ؛ - وتؤخذ من كلام الحنفية - :
وهي : أن هؤلاء المشركين كانوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على دين جديد باطل لا يرضاه الله تعالى ويرونهم خارجين عن الدين الحق
ولذا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم صابئًا ، والصحابة صباة وأنهم فقط على دين صحيح وأن عبادتهم لآلهتهم مما يرضاها الله تعالى وأن هذا من دين الله تعالى وأن آلهتهم تشفع لهم عند الله وتقربهم إلى الله زلفى وأن آلهتهم من محبوبي الله عز وجل والمقربين لديه كما سبق في نصوص علماء الحنفية .
فبظهور دينهم وغلبة جندهم يغلب دين الله ويغلب جند الله ، وبانهزام محمد وذهاب دينه ينتصر دينهم الذي هو دين الله في زعمهم الباطل لأنهم لم يعتقدوا صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صدقوا ذلك لما قاتلوه كما قال سهيل بن عمرو يوم الحديبية ، وإذا كان الأمر كذلك كيف يتصور أن أبا سفيان يقصد بقوله : ((اعل هبل)) أن هبلًا يغلب رب السماوات والأرض ويقهره ويعلو دينه دين الله عز وجل ؟
إذا لا يمكن عقلًا ولا نقلًا أن يقصد أبو سفيان التمانع والتغالب بين هبل وبين الله عز وجل ، بل كان قصد أبي سفيان أن ((هبلا)) رفع الله أمره وأعلى شأنه وأعز دينه وأظهره بهزيمة محمد وأصحابه .
صرح بذلك علماء الحنفية وغيرهم .
وإليك بعض نصوص علماء الحنفية في تفسير مقالة أبي سفيان هذه :
قال الإمام بدر الدين العيني إمام الحنفية في عصره (ت855) :
(قوله : ((اعل هبل)) ....، قال ابن إسحاق : معناه : ((ظهر دينك)) . قال السهيلي : ((معناه : زد علوا)) .
وفي التوضيح : ((أي ليرتفع أمرك ويعز دينك فقد غلبت)) .
قلت : كل هذا ليس معناه الحقيقي ولكن في الواقع يرجع معناه إلى هذه المعاني .
قال الكرماني : ما معنى : ((اعل ، ولا علو في هبل)) ؟ ثم أجاب بقوله : ((هو بمعنى : العلي ، أو المراد : أعلى من كل شيء)) انتهى .
قلت : ظن أنه ((أعلى هبل)) على وزن أفعل التفضيل ، فلذلك سأل بما سأل وأجاب بما أجاب . وهو واهم في هذا ، والصواب ما ذكرنا) . انتهى كلام العيني وما نقله عن غيره .
الحاصل : أن أبا سفيان بل ومن معه من صناديد الكفر والشرك والأعداء الألداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين لم يكونوا يقصدون بهذه المقالة ((اعل هبل)) المغالبة والتمانع بين هبل وبين الله .
ولا قصدوا بها أن معبودهم ((هبلا)) يقهر الله ويغلب رب السماوات والأرض بل كل هذا من ترخصات هذا المالكي الآفك الباهت الساقط المتهافت الذي يرتكب في تأويلات النصوص تحريفات قبورية وتخريفات باطنية لأجل تبرير شرك حزبه القبوري وعبادتهم للقبور وأهلها من دعائهم وندائهم والاستعانة منهم والاستغاثة بهم والنذر لهم وقت نزول النوازل وحلول القلاقل والزلازل ، واعتقاد التصرف في الكون وعلم الغيب فيهم ،
وغيرها من الطامات الشركية والخرافات القبورية .
وبالجملة : إن القبورية لا دليل لهم ولا شبه دليل يدل على بطلان تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية ، ولا على أن المشركين كانوا مشركين آلهتهم بالله في الخالقية والرازقية والمالكية وتدبير هذا الكون ، فإنهم لم يدعوا فيها أنها قادرة على النفع والضر بالاستقلال ، بل كانوا يعترفون ويقدرون بأن الله تعالى هو الخالق لهذا الكون والمدبر له والمتصرف فيه كيف يشاء وأنه المحيي المميت الرازق والمالك وحده .
غير أنهم غلوا في تعظيم بعض الصالحين الذين ظنوا أنهم وسائط بينهم وبين الله يصلون إلى الله بسببهم وشفاعتهم كالوزراء والندماء للملوك ، فعبدوهم بأنواع من العبادة كالنذر لهم والاستغاثة بهم وندائهم وقت الكربات والبليات ليشفعوا لهم عند الله ويقربوهم إلى الله زلفى .
واعتقدوا فيهم أن الله تعالى فوض إليهم تدبير بعض الأمور الخاصة وجعلهم متصرفين في بعض الجزئيات وأن الله مالكهم وأنهم لا يملكون شيئًا بدون إذن الله تعالى .
وهذه الوسيلة الشركية هي أصل شركهم ، والقبورية شاركوهم في ذلك حذو النعل بالنعل .
وأقول : وبهذه الأجوبة راحت شبهات القبورية أدراج الرياح فصارت كأمس الدابر والحمد لله رب العالمين .
وبعد هذا ننتقل إلى الفصل الآتي ، لنعرف العبادة وأركانها وأنواعها وشروط صحتها عند الحنفية ؛ وردهم على القبورية في ذلك كله .
****







التوقيع :
إن الروافض ألأم الأقوامِ=وأضلهم عن ملة الإسلامِ
قذفوا النبي وعرضه وتظاهروا=بالحب والتبجيل والإكرامِ
الوالغون بعرض أشرف مرسلٍ=وأجل من يمشي على أقدامِ
تبا لهم لايستحون وكلهم=أبناء متعة عابدي الآصنام
أحفاد (مزدك)قد أباح فروجهم=وأباح تفخيذا بسن فطام
كيف الهداية والأئمة منهم=قد قسّموا الأخماس في الأقسامِ
أما علي فهو رابع عشرة=هم أعظم الأجيال والأقوامِ
إنا عليهم ظاهرون بحقنا=بالعلم والأعلام والأقلامِ
خالد بن غنام السهلي
من مواضيعي في المنتدى
»» نقض شبهات الخليلي حول رؤية الله ( لن تراني ) / 4
»» تسنن عائلتين إسماعيليتين بسبب مناهج أهل السنة
»» سيرة رابع الخلفاء على المستقلة(هل أحسن الهاشمي الإختيار)
»» إثبات صحة وضوء أهل السنة وبطلان وضوء الرافضة بالعلم الحديث
»» موقع لفضح حسن فرحان وتلميذه عدنان ابراهيم
 
قديم 17-03-18, 10:30 PM   رقم المشاركة : 2
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


بارك الله فيك







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:40 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "