عرض مشاركة واحدة
قديم 21-11-13, 07:19 PM   رقم المشاركة : 7
أبو فراس السليماني
عضو ماسي








أبو فراس السليماني غير متصل

أبو فراس السليماني is on a distinguished road


الوقفة السادسة:
الخطأ في معنى قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}



كثيرًا ما يُردِّدون قولَ الحقِّ سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، مستشهدين به على أنَّ الله قد تكفَّل بهداية المجاهدين للحقِّ والصَّواب؛ وعليه: فالحقُّ ما قالوه، والباطل ما رَفضوه، وإنْ خالفوا بذلك كِبارَ أهل العلم.



وهذا الفَهم للآية غيرُ صحيح؛ فالآية ذات شِقَّين: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}؛ فما معنى الجهاد في الله، وما معنى الهداية إلى سُبلِه؟



والكلام عن الشِّق الأوَّل منها كالتالي:



أولًا: ليعلم أنَّ هذه الآية مكيَّة، نزلت قبل فرْض الجهاد.

وثانيًا: الجهاد المقصود هنا هو مجاهدةُ النَّفس، وهو أعمُّ من القِتال، والقتال بلا شكٍّ داخلٌ فيه دخولًا أوليًّا؛ قال البغويُّ في تفسيره: (الذين جاهدوا المشركِين لنُصرة دِيننا).



وقال ابن القيِّم في ((الفوائد)) (ص: 59):
(قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} علَّق سبحانه الهدايةَ بالجهاد، فأكْملُ الناس هدايةً أعظمُهم جهادًا، وأفرضُ الجهاد جهادُ النَّفْس، وجهادُ الهوى، وجهادُ الشَّيطان، وجهادُ الدُّنيا؛ فمَن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سُبُل رِضاه الموصلة إلى جنَّته، ومَن ترَك الجهاد، فاتَه من الهُدى بحسَب ما عطَّل من الجهاد، قال الجُنيد: والذين جاهدوا أهواءَهم فينا بالتوبة، لنهدينهم سُبُلَ الإخلاص. ولا يتمكَّن من جهاد عدوِّه في الظاهر إلَّا مَن جاهَد هذه الأعداءَ باطنًا، فمَن نُصِر عليها، نُصِر على عدوِّه، ومَن نُصِرت عليه، نُصِر عليه عدوُّه).



وقال ابنُ عطيَّة في تفسيره:
(هي قبل الجهاد العُرفي، وإنَّما هو جهادٌ عامٌّ في دِين الله وطلبِ مرضاته).



وقال: (قال أبو سُليمان الدارانيُّ:
ليس الجهادُ في هذه الآية قتالَ العدوِّ فقط، بل هو نصرُ الدِّين، والردُّ على المبطِلين، وقمْعُ الظالمين، وأعظمُه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، ومنه مجاهدة النُّفوس في طاعة الله عزَّ وجلَّ).





أمَّا الشِّق الثاني من الآية: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فلا علاقةَ له بالحقِّ والصَّواب في مسائل الدِّين من حيثُ العلمُ الشرعيُّ؛ ولم يقُل أحدٌ من المفسِّرين ذلك، فقد يكون المجاهدُ جاهلًا بالدِّين، لكن وقَع في قلْبه من حبِّ الله ورسولِه والجهادِ في سبيله ما جعَلَه يُضحِّي بنفْسه من أجْل دِينه، وهذا مُجمَلُ أقوال كبار المفسرِّين للآية:



قال الطبريُّ في تفسيره:
(لنوفِّقنهم لإصابة الطَّريق المستقيمة، وذلك إصابةُ دِين الله الذي هو الإسلام، الذي بَعث اللهُ به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم).



وقال البغويُّ في تفسيره:
(لنثبتنَّهم على ما قاتلوا عليه) وقال: (قيل: المجاهدةُ هي الصَّبر على الطاعات؛ قال الحسن: أفضلُ الجِهاد مخالفةُ الهوى.
وقال الفُضيل بن عِياض: والذين جاهدوا في طلَب العلم، لنهدينَّهم سُبُلَ العمل به. وقال سَهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في إقامة السُّنَّة، لنهدينَّهم سُبُلَ الجَنَّة. ورُوي عن ابن عبَّاس: والذين جاهدوا في طاعتِنا، لنهدينَّهم سُبُلَ ثوابنا).



وقال ابن تيميَّة في ((جامع الرسائل والمسائل)) (6/82):
({وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} قال معاذ بن جبل: والبحثُ في العِلم جهاد).



وقال ابن كثير في تفسيره: (لنبصِّرنهم سُبُلنا، أي: طُرُقنا في الدُّنيا والآخرة).

وقال السعديُّ في تفسيره: (أي: الطُّرق الموصلة إلينا).

وقال الشنقيطيُّ في تفسيره: (يَهديهم إلى سُبل الخير والرَّشاد).




فليس في الآية أنَّ أهلَ الجهاد إذا اختلفوا مع غيرِهم من العلماء، فالحقُّ والصواب معهم، وأنَّ الجهاد سببٌ للبصيرة في العِلم، ومعرفة الراجِح من المرجوح. وليس كونُ المرء مجاهدًا بحجَّةٍ على المخالِف لا في باب الجهاد ولا في غيره من مسائل العِلم؛ كما هو مقتضى كلامِ أكابر المفسِّرين، فمسائلُ الجهاد بابٌ من أبواب الفقه الشرعيِّ، الذي مردُّه ومرجعه العلماء.




والخلاصة:
أنَّ الله وعد المجاهدين بالهداية لسبيلِه،
غير أنَّ الهدايةَ لا تستلزم الصوابَ في كلِّ مسألة،
ولا العصمةَ من الخطأ.







من مواضيعي في المنتدى
»» التربية الذليلة في الصوفية وأثرها في إضعاف الأجيال المسلمة
»» الجامع الكبير لمقالات فضيلة الشيخ لُطف الله بن مُلا عبد العظيم خوجه
»» الصوفية عبدة أضرحة !!
»» من فظائع الصوفية .. وأقوال علماء الإسلام فيهم
»» النعامة الصوفية