عرض مشاركة واحدة
قديم 25-01-12, 03:15 PM   رقم المشاركة : 9
الفاروق اليامي
عضو نشيط






الفاروق اليامي غير متصل

الفاروق اليامي is on a distinguished road


الحلقة التاسعه
درة الفاروق تفرض الأسوة الحسنة على أهله وعلى ولده وعلى نفسه




كان الفاروق عمرُ مترفعا عن الأموال العامة، ومنع أقرباءه وأهله من الاستفادة من سلطانه ومكانته، ولو أن عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا ولرتع من بعدهم وكانوا أسوة لمن خلفهم، والمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة اتسع الفتق على الراتق واختل بيت المال، أو قل: وزارة المالية وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح وتفشت الخيانة وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس زاهداً في حقوقهم دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه، وإذا كان حاكما أحبوه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم من أنفسهم، وهذا الذي حدث بين المسلمين وبين خليفتهم الفاروق..


عندما تولى الفاروق رضي الله عنه الخلافة بدأ مع اهله وولده وحذرهم من محاسبته لأن الناس سينظرون إلى آل عمر وما يفعله آل عمر، وتعهد بأن يكون العقاب مع أهل بيته صارما، ومن خلال حياته مع أسرته وأقربائه ظهر لنا مَعْلمٌ من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة وهي القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا)، وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس وتصديق الخاصة والعامة له.


عاتكة ووزن الطيب:
قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تَزِنُ لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلمّ أزن لك، قال: لا، قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا وأدخل أصابعه في صدغيه – وتمسحي به عنقك، فأصيب فضلاً على المسلمين، فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئاً من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وفرقان يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل،


أم كلثوم وهدية ملكة الروم:
يذكر المؤرخون لما ترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه وسير إليه عمر الرسل مع البريد بعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب ومشارب وأحناش من أحناش النساء ودسته إلى البريد فأبلغه لها فأخذ منه وجاءت امرأة قيصر وجمعت نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وأهدت لها وفيما أهدت لها عقدا فاخرا، فلما انتهى به البريد إليه أمر بإمساكه ودعا الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين وقال: إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري. قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم فقال قائلون: هو له بالذي لها: وليست امرأة الملك بذمة فتصانع به ولا تحت يديك فتبقيك. وقال آخرون قد كنا نهدي الثياب لنستثيب ونبعث بها لتباع ولنصيب شيئاً، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال ورد عليها بقدر نفقتها.)


وفي شرح نهج البلاغة:
(وجه عمر إلى ملك الروم بريداً فاشترت أم كلثوم امرأة عمر طيباً بدنانير وجعلته في قارورتين وأهدتهما إلى امرأة ملك الروم، فرجع البريد إليها ومعه ملء القارورتين جواهر، فدخل عليها عمر، وقد صبت الجواهر في حجرها، فقال: من أين لك هذا؛ فأخبرته، فقبض عليه، وقال: هذا للمسلمين، قالت: كيف وهو عوض هديتي! قال: بيني وبينك أبوك، فقال علي عليه السلام لك منه بقيمة دينارك، والباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله.)
ص 2059 ش نهج البلاغة، نسخة الكترونية


أم سليط أحق به:
عن ثعلبة بن أبي مالك أنه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيد فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك – يريدون أم كلثوم بنت علي – فقال عمر: أم سليط أحق به - وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد، فما رضي عمرُ أن يعطي امرأته مرطا أفضل من مرط نساء المسلمين، وما ساء هذا التصرفُ أمَّ كلثوم وإنما سرها فعل زوجها عمر.


هذا هو عمر الخليفة الراشد العادل الذي بلغ الذروة في القدوة الحسنة كما رباه رسول الإسلام، فملأ الإيمان بالله شغاف قلبه، إنه الإيمان العميق، الذي صنع منه قدوة للأجيال، ويبقى الإيمان بالله والتربية على تعاليم هذا الدين سبباً عظيماً في جعل الحاكم قدوة، فمن يشبه الفاروق في عدله وقوته ورحمته وقدوته وبره وورعه وتقواه؟!..




يقول الشاعر العراقي الشيعي المنصف الدكتور عباس الجنابي






ما منْ حديث ٍ به المُخْتـار يفْتخـرُ
الاّ وكُنْت الـذي يعْنيـه يـا عُمـرُ
والسابقينَ من الأصحاب، ما نقضوا
عَهْدا، ولا خالفوا أمْراً بـه أ ُمـروا
كواكبٌ في سمـاء المجـدِ لامِعَـة ٌ
جباهُـهُـمْ تنحَـنـي لله والـغُـررُ
يا راشداً هَـزَّتْ الأجيـال سيرَتُـهُ
وبالميامين حصرا ً تشْمَـخُ السِيَـرُ
في روضةِ الدين أنهارٌ فضائلُكَ الـ
كُبرى بها الدهرُ والأزمـانُ تنغمـرُ
ضجّتْ قُريشٌ وقدْ سفّهْتَ في علـن ٍ
أصنامَهـا وبـدا يعْتامُهـا الخطـرُ
أقبلْت أذ أدبروا،،أقدمـت إذ ذُعـروا
وفّيْتَ إذ غدروا،، آمنْـت إذ كفَـروا
لك السوابقُ لا يحظـى بهـا أحـدٌ
ولمْ يَحُـز ْ مثلَهـا جـنُّ ولا بشـرُ
فحينَ جفّتْ ضروعُ الغيم قُلتَ لهُـمْ:
صلّوا سيَنْزلُ مـنْ عليائـه المَطَـرُ
سَنَنْتَهـا سُنّـة ً بالخيـر عامـرة ً
ففي الصلاة ِ ضلال ِ الشّر ِ ينْحسـرُ
عام الرمادة ِ أشبعتَ الجيـاع َ ولـمْ
تُسْرفْ، وقد نعموا بالخير ِ وازدهروا
وَقَفْـتَ تـدْرأ ُ نَهـاّزا ً ومُنْتفـعـاً
فمـا تطـاولَ طمّـاعٌ ومُحْتـكـرُ
تجسَدَ العدْلُ في أمْر ٍ نهضـتَ بـه
ولم يزل عطرُهُ في النـاس ينتشـرُ
لك الكرامـاتُ بحْـرٌ لا قـرار لـهُ
وأنت كـلُ عظيـم فيـك يُختصـرُ
كمْ قلتَ رأيا حصيفا ً وانتفضتَ لـهُ
ووافقتْـكَ بـه الآيـاتُ والـسُـوَرُ
وكمْ زرَعْتَ مفاهيما شمَخـتَ بهـا
ما زال ينضجُ في أشجارهـا الثمَـرُ
يفِرّ ُ عن درْبك الشيطـانُ مُتّخـذا ً
درباً سواهُ فيمضـي مـا لـهُ أثَـرُ
وتستغيـثُ بـك الأخـلاقُ مُؤْمنـة ً
بـأنّ وجهـكَ فـي أفلاكهـا قمَـرُ
عسسْتَ والناسُ تأوي في مضاجعِها
وكُنْت تسهرُ حتّـى يطلِـعَ الّسحـرُ
القولُ والفعلُ في شخص اذا اجتمَعَـا
تجَسّدَ الحقّ ُ واهتزّتْ لـهُ العُصُـرُ



يتبع:
سلمان الفارسي بشجاعة وقوة يحاكم الفاروق في ثوب خَلِق، ولا يحاكمه فيما هو أعظم، فكيف؟