عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-13, 03:49 PM   رقم المشاركة : 6
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road







المهدوية في إيران المعاصرة، أحمدي نجاد والإمام الغائب

08 يونيو ،2011 رشيد يلوح

يتحدث الباحثون عن تداخل دقيق بين العامليْن العقدي والسياسي في أداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأمام مستجدّ الحراك المهدوي الأخير في إيران تقترح هذه الورقة نظرة إلى الحدث من الزاويتين المذكورتين.

وتحاول الورقة رصْد تطور الفكر السياسي الإيراني في علاقته بعقيدة الإمام المهدي، ثم دورهذه العقيدة في قيام نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتنتقل بعد هذه المعالجة إلى تتبع تجليّات المهدوية في خطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، وارتباط ذلك بالحراك الذي تعرفه إيران منذ انطلاق الثورات العربية الأخيرة.

وتفترض الورقة البحثية أنّ الحراك المهدوي المتفاعل في الساحة الإيرانية هذه الأيام هو امتداد لنقاش مذهبي صاحب تطور الفكر السياسي الإثني عشري، كما تفترض وجود وجهات نظر متباينة لموضوع المهدوية عند الفاعلين في نظام الجمهورية الإسلامية، وأنّ خطاب أحمدي نجاد المهدوي هو وسيلة اعتمدها لتحقيق برنامجه داخليًّا وخارجيًّا.

مقـدمـة
المهدوية وأثرها في الفكر السياسي الإيراني
المهدوية والجمهورية الإسلامية الإيرانية
المهدوية في خطاب الرئيس أحمدي نجاد
المهدوية الإيرانية والثورات العربية
المهدوية والدور العالمي المنتظر
المهدوية في قلب التجاذب بين خامنئي ونجاد
اسـتنتـاج
مقـدمة

تشهد إيران منذ بداية آذار/ مارس 2011 نقاشًا في شأن موضوع خروج الإمام المهدي[1] ومايتصل به من قضايا مذهبية وفكرية، وذلك عقب توزيع مؤسسة "مبشران ظهور" مئات الآلاف من نسخ قرص مضغوط بعنوان: "الخروجُ قريب جدا"، تتنبّأ فيه بأنّ العالم على مشارف وقت خروج الإمام الثاني عشر المهدي بن الحسن العسكري، وعلامة ذلك برأي معدِّي القرص هي بروز القادة الممهّدين لخروجه، والذين وردت أسماؤُهم وصفاتهم في روايات منسوبة للأئمة من آل البيت النبوي، ومن هؤلاء مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية سيد علي خامنئي الذي اعتبره أصحاب المادّة الإعلامية القائد السيد الخراساني، ومساعده القائد العسكري شعيب بن صالح الذي هو في اعتقادهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في حين أنّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو السيد اليماني، واعتبروا العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين هو السفياني، والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز هو آخر ملوك الحجاز الذي سيكون موته دليلاً على بداية علامات خروج المهدي المنتظر. أمّا النفس الزكيّة التي ورد ذكرها في روايات العقيدة المهدوية بأنها ستقتل في العراق قبل الخروج، فقد اعتبرها مفسّرو مؤسّسة "مبشران ظهور" شخصيّة المرجع العراقي باقر الحكيم الذي قُتل في انفجار عام 2003.

ليست هذه أوّل مرة يشهد فيها التاريخ الإسلامي عامّة وتاريخ المذهب الشيعي الإثني عشري[2] خاصّةً مثل هذه الإسقاطات لروايات خروج الإمام المهدي، فقد سبقتها قراءات بعضها لم يترك أثرًا، بينما كان للبعض الآخر تأثير سياسي واجتماعي كبير في التاريخ الإسلامي.

1) المهدوية وأثرها في الفكر السياسي الإيراني:

"
تميزت العلاقة بين الفقهاء والملوك في العصر الصفوي باقتسام سلطة النيابة، مما ساهم في ولادة اتجاهين في المدرسة الإثني عشرية: الأول عرف بالاتجاه الإخباري التقليدي، وهو الذي حذر من ممارسة شؤون الحكم، وقال بضرورة الانتظار حتى خروج الإمام المهدي "صاحب الدولة الشرعية". أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الأصولي التجديدي الذي حاول إيجاد حلول لواقع الانتظار الذي حرم الشيعة من الفعل التاريخي لقرون، وذلك من خلال البحث انطلاقا من أدلة نقلية وعقلية تؤكد على ضرورة وجود أمير وحاكم يقوم بقيادة الناس.
"
تشكّل شخصية الإمام الثاني عشر المهدي بن الحسن العسكري وحياته حجر الزاوية في معتقدات المذهب الشيعي الإثني عشري، سواء في جانبها المرتبط بولادته أوغيبتيه الصغرى والكبرى، أوانتظار خروجه. وإذا كان حضور هذه المفردات المذهبية مؤثّرا في السلوك الشخصي والحياة الاجتماعية للمجتمعات الشيعية الإثني عشرية في مرحلة مبكرة من تاريخ المذهب، فإنها أصبحت ذات تأثير حاسم في الحياة السياسية عبر المراحل اللاحقة من تشكّل معالم المنظومة الشيعية.

اهتم فقهاء المذهب الشيعي الإثني عشري ورواته بإثبات قضيتيْ ولادة الإمام المهدي بن الحسن وغيبتيه، فحاولوا الدفاع عن ذلك أمام حيرة أتباع المذهب ونفْي باقي الفرق والمذاهب الأخرى. وحشد الإثنا عشريون من أجل ذلك مجموعة من الأحاديث والروايات، وبناءً عليها، يقول روّاد المذهب أنّ المهدي بن الحسن العسكري هو تاسع الأئمة من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، والثاني عشر في ترتيب أئمة المذهب، وأنه غاب عن الأنظار لأوّل مرة مدة 74 عاماً وناب عنه سفراؤه الأربعة: عثمان بن سعيد العمري (توفي سنة 265 هجرية)، فمحمد بن عثمان بن سعيد العمري (توفي سنة 305 هجرية)، ثم الحسين بن روح النوبختي (توفي سنة 326 هجرية)، وأخيرا أبو الحسن علي بن محمد السمري (توفي سنة 329 هجرية).

وبعد وفاة السفير الأخير عام 329 هجرية، ولأن الإثني عشرية يعتقدون بضرورة اتّصاف الإمام بالعصمة وأنّ ذلك منصوصٌ عليه من الله، ولإيمانهم بغيبة المعصوم المعيّن من قبل الله، بقيت النيابة عن الإمام المهدي في فقهاء المذهب بشكل مؤقّت (أو بالإنابة) شرط عدم الخوض في أي نشاط سياسي ثوري أوحكومي إلا تحت قيادة الإمام المنتظر.

تعرّضت هذه الرواية وما بُني عليها من رؤى مذهبية لانتقادات قديماً وحديثاً، من داخل المذهب وخارجه. ويقول الباحث في قضايا المذهب الشيعي الإثني عشري الأستاذ أحمد الكاتب:

"عندما اختلف أهل البيت في القرن الثاني الهجري، بين عباسيين وطالبيين وعلويين وكيسانيين وحسنيين وحسينيين وإسماعيليين وموسويين، نشأ من الشيعة فريق يؤمن بحق خط معين منهم، هو الخط العلوي الحسيني الموسوي بالإمامة والخلافة إلى يوم القيامة. ولكن هذه النظرية وصلت إلى طريق مسدود مع وفاة الإمام الحسن العسكري سنة 260 للهجرة دون خلف يرثه في الإمامة [...] وكان من المحتمل جدا، أن يطوي التاريخ حديث التيار الإمامي الموسوي، لولا مبادرة بعض أركانه إلى اختلاق قصة وجود ولد مستور وغائب للإمام العسكري، وتأليف النظرية الإثنى عشرية في القرن الرابع الهجري، مما سمح لها بالبقاء في أذهان فريق من الشيعة، ظل ينتظر خروج ذلك الإمام أكثر من ألف عام، ولم يجنِ ذلك الفريق من انتظاره للإمام الغائب، سوى العزلة والتلاشي والانكفاء والغيبة عن مسرح الحياة"[3].

وفي العصر البويهي (932م-1055م)، بدأ الفقهاء الشيعة التأسيس الفقهي المذهبي لدور الفقيه على يد فقهاء مؤسسين أمثال: الكليني والشيخ المفيد والسيد المرتضى والطوسي[4].

واستمرّت لدى الشيعة فكرة انتظار خروج الإمام الغائب، صاحب "الدولة الشرعية"، إلا أن ذلك لم يمنعهم من البحث عن مخرج لمسألة النيابة في زمن الغيبة، وظهرت نظرية النيابة العامّة للفقهاء، بمعنى أن كلّ فقيه هو نائب عن الإمام المهدي حتى ولو لم يُعَينه شخصيا، وفي ظلّ هذه الأجواء برزت المرجعية الدينية الشيعية.

ولأن انتظار الإمام الشرعي الغائب أصبح هدفًا بعينه، فقد عاش الإثنا عشريون مايشبه حالة توقّف سياسي دامت قروناً من الزمن، وهو الموقف الذي انتبه إليه بعض فقهاء الشيعة، فبدأ التفكير في اتجاه إيجاد حلول مناسبة تعيد المذهب إلى معترك الحياة السياسية.

وفي هذا السياق يسجّل الباحث وجيه كوثراني أنّ ارتباط فكرة "نائب الإمام" بمشروع سلطة أوسلطان، أي تأسيس دولة، أمر مختلف فيه وليس ثابتًا من ثوابت التاريخ، وإن حصل فإنه يعبّر عن حالة من الحالات، ولايعبّر عن الحال السائدة في التاريخ[5].

قامت الحركة الصفوية[6] في تبريز في مطلع القرن العاشر الهجري سنة 907 هجرية، واتّجهت نحو جمع الشيعة تحت لواء واحد، لكنها إذ وجدت أنّ نظرية الانتظار تشكّل حاجزا دون تأسيس دولة شيعية، أجاز فقهاؤها لزعمائهم غير المعصومين ولا المنصوص عليهم من الله القيام بمهام الإمامة.

بذل الشاه إسماعيل الصفوي في مرحلة لاحقة جهودًا لتجاوز فكر التقيّة والانتظار، ثم حشد القزلباشية وحاصر جامع تبريز ذات جمعة وأعلن سيادة المذهب الإثني عشري، وقيام الدولة الصفوية، استنادًا إلى حجّتين، أولاها الوكالة الخاصّة عن الإمام المهدي، والثانية رؤية الإمام علي في المنام.

وتميّزت العلاقة بين الفقهاء والملوك في العصر الصفوي باقتسام سلطة النيابة، مع تجاذبها أحيانًا، حيث أطلق الملك طهماسب بن إسماعيل على الفقيه الشيعي نور الدين الكركي (1466م-1534م) اسم نائب الإمام المهدي، بينما ادّعى الشاه إسماعيل بن طهماسب فيما بعد وظيفة النيابة عن المهدي، في حين عمد الشاه عباس الكبير (1641م-1664م) إلى تقليص نفوذ الفقهاء في مؤسّسات الدولة.

وميَّز هذا الوضع بوضوح بين اتّجاهين في المدرسة الإثني عشرية. عرف الأوّل بالاتجاه الإخباري التقليدي، وهو الذي أسّس موقفه على ضرورة الانتظار حتى خروج الإمام المهدي، وحذّر من ممارسة شؤون الحكم باعتبارها حقًّا شرعيًّا موقوفًا على الأئمّة المعصومين من أهل البيت. أمّا الاتجاه الثاني فهو الاتّجاه الأصولي التجديدي الذي حاول إيجاد حلول لواقع الانتظار الذي حرم الشيعة من الاجتهاد والفعل التاريخي قروناً من الزمن، فقام فقهاء هذا الاتجاه بالبحث والتفكير انطلاقًا من أدلّة نقليّة وعقلية تؤكّد على ضرورة وجود أمير وحاكم يقود الناس.

وشهدت بداية القرن الحادي عشر الهجري محاولات جادّة من الأصوليين لتجسيد اجتهاداتهم، منها مبادرة محمد باقر السبزواري الذي دعا إلى تأسيس نظام سياسي، حيث قال:" إذا لم يوجد سلطان عادل وقوي يدير العالم ويحكمه في هذه الدورة من الغيبة، فإنّ الأمور ستنتهي إلى الفوضى والهرج والمرج، وتصبح الحياة غير قابلة للعيش لكلّ شخص، فلا بد للناس من الخضوع تحت سيطرة ملك يحكم بالعدل ويتبع سيرة وسنة الإمام"[7].

وقد رفض أحمد بن محمد مهدي النراقي (توفي سنة 1245هـجرية) فكرة الانتظار، مقدِّمًا مقترحاً نظريا بعنوان "ولاية الفقيه"، ومشدّدًا على ضرورة استمرار الإمامة في زمن الغيبة. ولمّا كان العثور على "الإمام المعصوم المعين من قبل الله" مستحيلاً، تخلى النراقي عن اشتراط العصمة والنص والسلالة العلوية في الإمام، واكتفى بشرط الفقه والعدل.

وهكذا، أصبحت أدبيات المذهب الشيعي الإثني عشري ناضجة بما فيه الكفاية للمزاوجة بين عقيدة انتظار خروج الإمام المهدي والنيابة عنه في تسيير شؤون البلاد والعباد، وهي النيابة التي توضع بيد فقيه جامع للشروط.

المهدوية والجمهورية الإسلامية الإيرانية:

منح فقهاء العصر الصفوي للملوك الإجازة باعتبارهم نوّاب الإمام المهدي، فيما حصلوا نظير ذلك على امتيازات واسعة في العصر القاجاري نظرًا لحاجة ملوك هذه الدولة إلى الدعم، لافتقارهم إلى الشرعية التي تمتّع بها الصفويون عندما أعلنوا انتسابهم إلى أهل البيت النبوي، كما اعتمد هؤلاء الملوك على الفقهاء في حشد الناس لمواجهة التهديد الروسي لإيران.

استمرّ النقاش الشّيعي في شأن الولاية والحكم على مرّ القرون، وفي نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، شارك مجموعة من الفقهاء والمراجع في ماعرفتْه إيران من تحوّلات، خاصّة ما تعلّق بالمطلب الدستوري وما يتّصل بشروط الدولة الحديثة. ومرّةً أخرى، تمايز خطاب المدرستين الإخبارية والأصولية في هذا الحراك، بناءً على مواقفهما من قضيّة الحكم. يتحدّث الإخباريون عن مطلب الدولة "المستبدّة الشرعية"، فيما يرفع الأصوليون شعار دولة "المشروطة". وتجلّى هذا التمايز في مفهوميْ "الملكية الدستورية الشّرعية" عند الإخباريّين، و"الملكية الدستورية" عند الأصوليّين.

ويقصد الأصوليون بمفهوم "الملكية الدستورية" ذلك النظام الذي يوازي بين الشّرعية الإلهية للملك وشرعيته الشعبية، فالولاية عندهم مشروطة بخدمة الشعب ورعاية مصالحه. وكان من أبرز فقهاء هذا الاتّجاه محمد حسين النائيني (1860م-1936م). أمّا الإخباريون، فيعتقدون أنّ "الملكية الدستورية الشرعية" هي التعبير الصحيح عن الطبيعة الإلهية للسلطة السياسية، والتي ينبغي لها أن تظلّ تحت مراقبة الفقهاء. وعبَّر هؤلاء عن تخوّفهم من سيطرة النمط الغربي المخالف للإسلام على حياة المجتمع الإيراني. ومن أبرز ممثلي هذا التيار فضل الله نوري (توفي 1909م)[8].

وقد شهد النقاش في شأن الولاية نوعًا من الجمود في بداية العصر البهلوي منذ سنة 1924م إلى غاية سنة 1963م، حيث سيطر الاتجاه الإخباري مرةً أخرى، وبرز مع دعوات فقهاء أمثال آية الله حائري الذي قال بضرورة ابتعاد الفقيه عن السياسة[9].

واستطاع فقهاء المدرسة الأصولية تجاوز هذه العقبة أيضا والدفع باجتهاداتهم نحو أفق تثبيت ولاية الفقهاء والحكم نيابة عن الإمام المهدي، ليبرز الاتجاه مرةً أخرى مع جهود روح الله الخميني الذي قاد الثورة في ما بعد على النظام الملكي عام 1979.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ساحة الجدل شهدت في هذه المرحلة جهودًا للإخباريين أيضًا بقيادة آية الله البروجردي، إضافةً إلى تيّار جديد حاول التوفيق بين الاتّجاهين، وقاده كلٌّ من آية الله الكلبايكاني وآية الله كاظم شريعتمداري[10]. وركّز هذا التيار على تفعيل دور العلماء في الرقابة على الدولة.

شجّع امتداد زمن انتظار الإمام المهدي وتعقّد الظروف الدولية روح الله الخميني على تعميق التفكير في نظرية "ولاية الفقيه"، والتأكيد على ضرورة الإمامة في عصر الغيبة كما فعل النراقي من قبله، حيث قدّم هذه النظرية على أنّها الحلّ الأمثل لقضيّة انتظار الإمام الغائب، فهي لا تشترط العصمة ولا النصّ، ولا السّلالة العلوية الحسينية في الإمام، وتكتفي بالفقه والعدل. ويرى باحثون أنّ الخميني جعل من هذه النظرية وسيلةً لإخراج المذهب الشيعي الإثني عشري من عزلته، وأرضيّة لقيام نظام "الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ألقى روح الله الخميني دروسًا في النجف عام 1969م، جُمعت فيما بعد في كتاب تحت عنوان (الحكومة الإسلامية)، ودافع في هذه الدروس عن رؤيته للولاية قائلا:

"إن ضرورة تنفيذ الأحكام لم تكن خاصة بعصر النبي (ص) بل هي مستمرة [..] والاعتقاد أن الإسلام قد جاء لفترة محدودة أو لمكان محدود يخالف ضروريات العقيدة الإسلامية، وبما أن تنفيذ الأحكام بعد الرسول (ص) وإلى الأبد من ضروريات الحياة، كان وجود حكومة تتوفر على مزايا السلطة المنفذة المدبرة ضروريا، إذ لولا ذلك لساد الهرج والمرج، فقد ثبت بضرورة الشرع والعقل أن ما كان ضروريا أيام الرسول (ص) وفي عهد الإمام أمير المؤمنين (ع) من وجود الحكومة لا يزال ضروريا إلى يومنا هذا. ولتوضيح ذلك أتوجه إليكم بالسؤال التالي: لقد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر عليه ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، فهل تبقى أحكام الإسلام معطلة طيلة هذه المدة المديدة، يفعل الناس في أثنائها ما يشاؤون؟.. ألا يعني ذلك الهرج والمرج؟ وهل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام؟ هل ينبغي أن يخسر الإسلام بعد الغيبة الصغرى كل شيء؟"[11].

"
تأكيد الخميني على وظيفة نظام الجمهورية الإسلامية المتمثلة في التمهيد لثورة الإمام الغائب ولحكومته الإسلامية، هيأت الظروف بعد وفاته لظهور تيار سياسي وفكري يرى أن مشروع الثورة الإسلامية هو حقيقة مقدسة وجاهزة لأداء واجبات الاتصال بالإمام المهدي، قابله تيار آخر من داخل النظام يعتقد بنسبية الثورة الإسلامية وبشريتها، وضرورة خضوعها لمشرح النقد وآلية المراجعة..
"
وخاطب الخميني الملتزمين بنظرية "الانتظار" قائلاً:" لا تقولوا: لندع إقامة الحدود والدفاع عن الثغور وجمع حقوق الفقراء حتى ظهور الحجة (الإمام المهدي)، فهلاّ تركتم الصلاة بانتظار الحجة؟!". ثم واجه بالأدلة العقلية الأحاديث التي كانت تحرّم العمل السياسي في ظلّ "الغيبة"، ولم يعبأ بها. وحاجج بضرورة الإمامة في عصر الغيبة، قائلاً:"إنّ ما هو دليل الإمامة هو بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة وليّ الأمر(ع)"[12].

بعد انتصار الثورة عام 1979 نَزَّل الخميني (ولاية الفقيه) إلى ميدان التطبيق بوضع دستور جديد يقوم عليها، حيث يصبح الولي الفقيه أعلى سلطة دستورية في البلاد. وجاء في الأصل الخامس من الدستور الإيراني: "في زمن غيبة حضرة ولي العصر (عجّل الله فرجه)، تكون ولاية الأمر وإمامة الأمّة في الجمهورية الإسلامية بعهدة فقيهٍ عادلٍ وتقيّ، مطّلع بزمانه، شجاع، مدير ومدبّر".

وبعد ثماني سنوات من الممارسة تقريبًا ، نقل مرشد الثورة روح الله الخميني ولاية الفقيه من وضعها المقيّد في الدستور إلى شكل مطلق مشابه لصلاحيّات الرسول (ص) والأئمّة بحسب المعتقد الإثني عشري، وهو دَمجٌ لولاية الفقيه مع النّيابة العامة عن الإمام المهدي.

كرّس موقف الخميني دور الفقهاء في الجمهوريّة الإسلامية، ليعمّق بعد ذلك التقليد الشّمولي في أوساط المجتمع الإيراني، ممّا دفع بالعقل الشيعي الإثني عشري إلى البحث مرّةً أخرى عن مخارجَ جديدة تعطي فسحة أكبر للعقل والمبادرة الإنسانية، فرجع الكثير من المثقفين إلى المفكّر علي شريعتي[13] ومؤلفاته المناهضة لثقافة التقليد وامتداداتها السياسية.

يوضّح الباحث عادل رؤوف مأزق التقليد وتأثيره بقوله: "لقد أصبحت إرادة الأمّة إرادةً مرتهنة دينيًّا..يوجّهونها (المرجعيات الدينية) عبر رباط التقليد كيفما شاؤوا، وأصبح أبناء هذه الأمّة منقادين 'طوعًا' عبر التقليد لـ'الشخصانية القيادية الفقهية الدينية'، وأصبحوا ينظرون إلى دورهم الديني من خلال هذه 'الشخصانية' المتعالية"[14].

أعطى مفهوم ولاية الفقيه المطلقة للنظام الإيراني هويّةَ مهدويةً عالمية، لأنه ربط بشكل مباشر بين مشروع الجمهورية وإرادة الإمام المهدي وأهدافه الشاملة، إذ ستتوجّه في ما بعد كلّ جهود الدولة وبرامجها وإمكانيات البلاد وثرواتها نحو التمهيد لخروج الإمام.

ويشير وجيه كوثراني في مقدمة كتابه (الفقيه والسلطان) إلى أنّ ماقام به روح الله الخميني يقترب كثيرًا من تجربة "الإخوان المسلمين" و"حزب التحرير"، حيث تبدو صلاحيات الولي الفقيه متطابقة مع صلاحيات الخليفة، كما تترادف "ولاية الفقيه العامة" مع "الحاكمية الإلهية"[15].

وقد بيّن المرشد روح الله الخميني -بما يكفي- التوجه العالمي لمفهوم المهدوية في الكثير من رسائله وخطبه وأحاديثه، ومنها قوله: "عليكم أن تدركوا بحقّ أنّ أعمالكم تحت المراقبة.. إنّ صحائف أعمالنا تُعرض مرّتين في الأسبوع على إمام العصر (عجّل الله فرجه الشريف)[*] ، فلنكنْ حريصين على ألاّ يصدر منّي ومنكم ومن جميع محبّي الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) عملٌ سلبيّ يوجب استياء إمام زماننا (عليه السلام)"[16]. وقال موضّحًا طبيعة الانتظار في الجمهورية الإسلامية: "الانتظار والاستعداد من الأمور المستحبّة، بمعنى أنه ينبغي للمؤمنين التسلّح في زمن الانتظار، أن تكون أسلحتهم جاهزة، لا أن يضعوا أسلحتهم جانبًا وينتظروا، بل يجب عليهم حيازة الأسلحة لمواجهة الظلم، لأنّ النهي عن المنكر تكليف للجميع، أي علينا جميعًا مواجهة الأجهزة الظالمة المناوئة..(للإسلام)"[17].

وعن تجربة الشعب الإيراني في هذا المجال، قال الخميني: "حقّق الشعب الإيراني المسلم أول خطوة في اتجاه حاكمية الإسلام وتقريب الشعوب الإسلامية من مرحلة خروج المهدي الموعود (عج)، وهذه الحقيقة واضحة في الإنجازات الكبيرة التي حقّقتها الجمهورية الإسلامية، وهي شيء مؤلم لأعداء الإسلام، ونحن نعتبر هذه الإنجازات من معجزات الإسلام"[18].

وقبل وفاته بثلاثة أشهر تقريبًا، أبرز مؤسّس الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور الثورة في التمهيد لحكومة الإمام الغائب قائلاً: "يجب على المسؤولين أنّ يعلموا أنّ ثورتنا ليست خاصّة بإيران، إنّ ثورة الشعب الإيراني هي نقطة انطلاق الثورة الإسلامية الكبرى للعالم الإسلامي تحت لواء حضرة الحجّة (أرواحنا فداه)، والذي امتنّ به الله تعالى على المسلمين والعالمين أجمع، وجعل خروجه وفرجه في عصرنا الحاضر. ويجب على دولة الجمهورية الإسلامية أن تبذل جهدها وإمكاناتها في خدمة الناس، لكن ليس بمعنى صرفهم عن الهدف العظيم للثورة، وهو تحقيق الحكومة الإسلامية العالمية"[19].

تأكيد مرشد الثورة آية الله الخميني على وظيفة نظام الجمهورية الإسلامية المتمثلة في التمهيد لثورة الإمام الغائب ولحكومته الإسلامية العالمية، هيّأ الظروف بعد وفاته لظهور تيّار سياسي وفكري يرى أنّ مشروع الثورة الإسلامية هو حقيقة مقدّسة وجاهزة لأداء واجبات الاتّصال بالإمام المهدي، وقابله بروز تيّار آخر من داخل النظام نفسه يعتقد بنسبية الثورة الإسلامية وبشريّتها، وضرورة خضوعها لمشرح النقد وآليّة المراجعة.

المهدوية في خطاب الرئيس أحمدي نجاد:

منذ تولّيه منصب رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في آب/ أغسطس2005، لم يفتأ الرئيس محمود أحمدي نجاد يُذكِّر في مناسبات شتّى بأنّ حكومته تعمل بتوجيهٍ من الإمام المهدي.

وعقب عودته من الولايات المتحدة حيث ألقى خطابه أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، في أيلول/ سبتمبر 2005، روى أحمدي نجاد للمرجع الشيعي آية الله جواد آملي أنّ أحد الحاضرين هناك أخبره بأنه كان محاطًا بهالة نورانيّة طوال فترة إلقاء خطابه. وأثار هذا الحديث موجةً من الانتقادات في إيران بعد أن انتشرت روايته على الشبكة العنكبوتية، واعتبره المراقبون حينها دليلاً على طبيعة الرؤية التي ستحكم أداء نجاد وحكومته في سنوات رئاسته المقبلة.

ومن خلال إيمانه بنظريّة ولاية الفقيه الممهّدة للإمام الغائب، يعتقد الرئيس الإيراني أنّ الوظيفة الوحيدة للجمهورية الإسلامية هي التمهيد لإقامة الحكومة العالمية. وفي قراءة صوفيّة لتصرف الإمام الغائب وتأثيره يقول أحمدي نجاد: "نحن لا نملك القدرة على الاستفادة من كلّ فيوض الإمام، لقد تجلّت كلّ محاسن هذا العالم وجمالياته بوساطة وجود إمام العصر (عج)، وإذا حدث أنْ وقعت في قلبك نيّة خير فهي بفعل وجود حضرته (عج)"[20].

وقد عرفت الضفّة الشيعية العربية في هذه المرحلة ترويجًا للفكرة نفسها، خاصّةً في لبنان حيث نجد لها أثرًا في كتاب (أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة) لصاحبه شادي الفقيه عام 2006 عن دار العلم في بيروت، وتم توزيعه بشكل كبير في لبنان.

وخلال زيارته لمحافظة مشهد في السادس من أيار/ مايو 2008، ألقى محمود أحمدي نجاد خطابًا أمام أساتذة الحوزة العلمية وطلبتها ، قال فيه إنّ الإمام المهدي يدعم أداءه الرئاسي ويدير برامجه الحكومية، فكان هذا التصريح كافيًا لانطلاق موْجة أخرى من الانتقادات من داخل التيار الإصلاحي والتيار المحافظ، إضافةً إلى استنكار بعض الفقهاء لهذا التصريح.

واجه زعماء التيار الإصلاحي ومثقفوه الخطاب المهدوي عند أحمدي نجاد بصرامة بالغة، حيث اتهمه البعض بالانحراف العقدي وتخطّي الخطوط الحمراء للمذهب الشيعي، واستخدام الخرافة للتأثير في البسطاء، بينما قال عنه آخرون إنه يوظّف عقيدة خروج المهدي المنتظر لتغطية فشله الاقتصادي. وفي هذا السياق، كتب القيادي الإصلاحي في حزب (اعتماد ملي) رسول منتجب نيا مقالاً طالب فيه نجاد بالتوضيح والردّ على ماينقل عنه من كلام، مثل "ماقيل عن تساؤل أحد مساعديه في شأن مصدر الملايير التي يعد بها كل محافظة يزورها، فأجابه أحمدي نجاد: لاتقلق بعد سنتين سيخرج إمام الزمان (عج) وستحل كل المشاكل"[21].

أمّا الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي فقد دعا الرئيس إلى الابتعاد عن أسلوبه الذي سيلحق ضررًا بالغًا بصورة الإمام الغائب في أذهان الناس، خاصّةً الناشئة، ثم تساءل: "هل سينسب الناس تضاعف أسعار السكن وغلاء المعيشة والتضخم إلى إدارة إمام الزمان (عج) [...] كان أفضل لك لو نسبت هذه المشاكل إلى الجفاف أو أميركا أوالحكومات السابقة..."[22].

وقال وزير الثقافة الإيراني الأسبق عطاء الله مهاجراني: إن نجاد يستخدم الإمام الشيعي الثاني عشر للتغطية على فشله في كبح جماح التضخم في إيران[23].

بدوره، استنكر المرجع الديني آية الله مهدوي كني[24] أقوال أحمدي نجاد، متسائلاً: "لوكان مايجري الآن بإدارة من الإمام، لماذا لايستطيع أن يقضي على العصابات؟ ثم هل سعر كيلوغرام من الأرز هو أيضا من تدبيره؟"[25].

"
واجه زعماء التيار الإصلاحي ومثقفوه الخطاب المهدوي عند نجاد بصرامة بالغة، اتهمه البعض بالانحراف العقدي وتخطي الخطوط الحمراء للمذهب الشيعي، واستخدام الخرافة للتأثير على البسطاء والتغطية على الفشل الاقتصادي، بينما دعا أنصار المرشد علي خامنئي إلى محاصرة مقربيه في مربع الرئاسة لما يشكلونه من خطر على مستقبل النظام. ووصفوهم ب"الفتنة القادمة" و"الأصولية المنحرفة".
"
وفي مقابلة تلفزيونية أجراها مع قناة "سيما 2" الإيرانية الرسمية في العام 2008، أوضح هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام أنه لن يستطيع تأكيد فكرة ارتباط خروج الإمام المهدي بثورة ما، لأنّ الثورات برأيه يمكن أن تأتي ثم تذهب لتأتي ثورات أخرى، لذلك فهو لا يستطيع التكهن على هذا المستوى، ويرى أنّ أصحاب هذا المعتقد مخطئون[26].

ويعتبر هذا موقفًا صادمًا من أحد رموز الثورة ومخالفًا للمشهور من أدبيات النظام التي تقول إنّ الثورة الإسلامية هي تمهيد لحدث خروج المهدي المنتظر، وهو بالطبع رأيٌ ينسف خطاب أحمدي نجاد القائل باستمداد العوْن والتوجيه من المهدي الغائب.

وفي نظرة تاريخية لظاهرة المهدوية يوضّح رفسنجاني في المقابلة التلفزيونية: "في زمان حضرة علي (ع) اعتقد البعض بأن محمد بن الحنفية هو المهدي الموعود، وقال آخرون بأنه مختبئ في الجبل الرضوي وسيخرج في المستقبل، بينما اعتقدت فرقة أخرى بأن زيدا هو المهدي الموعود. وفي زمن الإمام الصادق قالت مجموعة أخرى بأنه المهدي، هذا في الماضي، أمّا في زماننا الحاضر فنجد أنّ البهائيين قد أحدثوا فتنة كبيرة داخل العالم الاسلامي، وكذلك فرقة الشيخية...ونرى في السودان كل يوم فتنة ادّعاء المهدوية، وفي العراق أيضا هناك أشخاص يدّعون الاتصال بالإمام المهدي ويريدون هدْم حوزة النجف، وفي إيران لدينا الكثير من هذه الأحداث".

وفي ردٍّ مباشر على ادّعاء الاتصال بالمهدي، يقول رفسنجاني: "يقول بعضهم أن لديه اتصالاً مع حضرة الإمام، ويحاول من خلال ذلك خداع الناس، هذا الأمر موجود باستمرار، واليوم نراه رائجًا بقوّة في إيران".

ويضيف رفسنجاني قائلا: "ليس هناك أيّ حجة على تلك الادّعاءات، سواء عند القائل بها أوعند من يَتَّبِعه، أمّا مايقوم به فقهاء مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور والعلماء والمراجع فيستند إلى الأدلّة الشرعية، لأنهم يأخذون من القرآن والسنّة الصحيحة وإجماع العلماء السّابقين، أويعتمدون على الدليل العقلي القائم على هذه الأسس، أمّا الذين يدّعون بأنهم مكلفون من خلال الغيب فليست لديهم أيّ حجة أوسند"[27].

وفي سياق مواجهة خطاب أحمدي نجاد المهدوي قال مرشد الثورة آية الله علي خامنئي في إحدى خطبه: "إنّ ادّعاء البعض أشياء غير واقعية، وبطرق خرافية مثل رؤية الإمام المهدي والتشرف بلقائه، والصلاة وراءه، هي برأيي ادعاءات مخجلة وبدع باطلة تهدف إلى زعزعة هذه الحقيقة المضيئة في قلوب المؤمنين، لذلك لاينبغي إهمال التعامل معها، ويجب على الناس أن يعلموا أن ادّعاء الاتصال بحضرة الإمام وأخذ الأوامر منه أمر باطل وغير قابل للتصديق"[28].

وأضاف خامنئي قائلا: "يمكن لإنسان سعيد أن تحظى عينه وقلبه بهذا الشّرف، وتقرّ عينه بذلك الجمال المبارك، لكنه وأمثاله ليسوا من المُدّعين الدّاعين لأنفسهم، أمّا غيرهم فهم بلاشكّ كذّابون ومفْترون"[29].

يؤكّد هذا الانتقاد الصريح من مرشد الثورة الإيرانية من جهة وعْي خامنئي بالخطّ العقدي والسياسي الذي ينتهجه رئيس الجمهورية، ويُنبئ من جهة أخرى بحدوث شرخ في العلاقة بين الرجليْن مستقبلا، وسيؤجّله على الأرجح التحدّي الراهن الذي يوحّدهما وهو تهديد التيار الإصلاحي الذي عزم على العودة إلى الساحة السياسية بقوّة منذ انتخابات 2009.

فهِم محمود أحمدي نجاد فوزه في انتخابات 2009 [30]على أنه نصْرٌ ربّاني كبير يضاف إلى انتصاره أمام الغرب بفرْض الاختيار النووي الإيراني، لذلك لم يلتفت إلى الانتقادات والتحذيرات التي وُجّهت إليه بخصوص توظيفه لشخصية الإمام الغائب، حيث شهدت فترته الرئاسية الثانية[31] مواقفَ وتصريحاتٍ عدة أصرّ فيها على وجود نوع من الاتصال بين حكومته وشخصية الإمام المهدي.

دفع تمسّك أحمدي نجاد بفكرة اتّصال حكومته بالإمام الغائب مجموعةً من المفكّرين والمتخصّصين إلى تشديد حملاتهم هذه لكشف بطلان ادّعائه، ومن هؤلاء علي‌ أكبر آشتياني الذي وجّه أسئلة بطريقة تهكّمية للرئيس، ورد فيها: "إذا كان لديك اتّصال بإمام الزمان (عج) فخذ منه أجوبة لهذه الأسئلة: اسألْه أوّلاً لمن الصورة الموجودة في منزلي والتي أحبها، واسأل حضرته ثانيا عن ماهيّة علاقة الحادث بالقديم (وهي مسألة فلسفية)، واسأل حضرته أيضًا أين يوجد شيء أضعته وأنا أبحث عنه منذ مدة طويلة؟"[32].

الكاتب والمحلّل السياسي سحاب فاطمي انتقد بدوره هذا الخطاب المهدوي القائم برأيه على الكذب، إذ قال: "لانشكّ في كون الثورة الإسلامية هي محطّ ألطاف إمام الزمان (عج)، وفي أنّ نفْع هذا الأمر يصل إلى البلاد والعباد، لكن ليس لأحد الحقّ في استغلال مفهوم الانتظار والركوب عليه لتحقيق مآربه الخاصة، خاصّةً وأنّ مرشد الثورة المعظم أوضح أنّ الانتظار يعني الاستعداد الشّامل الفردي والجماعي، والتحرّك في اتّجاه تحقيق العدالة، لذلك ينبغي للناس الوقوف أمام الكذّابين وادّعاءاتهم المخجلة، مثل الاتّصال بإمام الزمان، وترويج الخرافات التي تساهم في تقبيح وجه النظام"[33].

ويشدّد الكثير من الفقهاء والمتخصّصين في شؤون المهدوية على خطورة الخطاب المهدوي الذي اعتمدت عليه حكومة نجاد، إذ اعتبر الدكتور نقي بور الأستاذ في الحوزة الدينية والأكاديمي الجامعي أنّ ادّعاء الاتصال بالإمام المهدي علنيًّا والترويج له وسط الناس بهدف حشدهم هو كذب محض، وجريمة بحسب طبيعة الأفعال التي استُغلّ فيها ذلك الادّعاء[34].

وعندما سُئل نقي بور: هل يجوز في ديننا أن يتّخذ مدير الدولة الإسلامية قراراتٍ بناءً على اتّصاله بالغيب وماوراء الطبيعة ؟ أجاب: ينبغي للمدراء حلّ المشاكل واتّخاذ القرارات على أساس الموازين والمعايير الشرعية، وإذا برز أنّ هناك اتصالاً مع معصوم ما، فالأصل أنّ هذا الأخير يُرشد وفقًا لتعاليم القرآن والروايات.."[35].

تأسس الخطاب المهدوي عند الرئيس محمود أحمدي نجاد على عقيدة مذهبية سياسية تؤكد الدورالتمهيدي الذي يؤدّيه نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحدث خروج الإمام المهدي المنتظر، وهو في ذلك يستند إلى أدبيات الثورة، خاصّةً ماكتبه وصرّح به مُرشِدَاها الأوّل روح الله الخميني وخلفه علي خامنئي.

وعرفت الولاية الثانية لرئاسة أحمدي نجاد تركيزًا أكبر لهذا الخطاب في معظم أحاديثه وتصريحاته، إذ على خلاف الرؤساء السابقين يُصرّ نجاد على افتتاح كلّ خطاباته وأحاديثه الرسمية بدعاء التعجيل بخروج الإمام الغائب، وممّا يوضّح نفوذ عقيدة المهدوية في خطاب محمود أحمدي نجاد السّياسي أنه يربط كلّ ما يعتقده نجاحًا في أدائه بمساندة الإمام المهدي وتأييده ، خاصّةً:

فوزه على التيار الإصلاحي وإخراج زعمائه من الساحة السياسية.
برنامجه الاقتصادي خاصةً مايتعلق منه بترشيد دعم المواد الاستهلاكية.
خطاباته أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، والتي يعتبرها فتحًا عالميًّا.
تطوّرات الملف النووي ومواجهة الحصار والضّغوط الغربية.
ويشكّل وجود شخصية اسفنديار رحيم مشائي[36] إلى جوار نجاد عاملاً محوريًّا في الجدل الدائر في شأن عقيدة فريق الرئيس، إذ تساءل الكثير من المراقبين والمحلّلين في شأن علاقة مشائي برواج الخطاب المهدوي وقوّته في الحكومتين الإيرانيّتين التّاسعة والعاشرة.

وصف أحمدي نجاد صديقه رحيم مشائي في أكثر من مناسبة بالشخصية الشّفافة والمتفرّدة والمتسامية، والمتخصّص الكبير في الدراسات الإسلامية، في حين اتّهم الرجل من قبل فقهاء ومثقّفين وناشطين من مختلف الاتّجاهات بتهم شتّى، كان أهمّها ما وَصَفَ به المرجع آية الله محمد تقيّ مصباح اليزدي[37] تيّار مشائي بأنه يمثّل "أكبر خطر عرفه الإسلام حتى الآن"، كما اتّهم بتزعّم جماعة سرّية منحرفة باسم (طريق الحقيقة)[38] الشبيهة بالتنظيم الشيعي (الحجتية)، إضافةً إلى اتّهامه بالترويج لنظريّة الإسلام الإيراني[39].

وضعت هذه المعطيات وغيرها (ممّا سيأتي ذكره) خطاب المهدوية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المحكّ، خاصّةً بعد انطلاق الثورات العربية، وبروز أصوات إيرانيّة ترى أنّ هذه الإنجازات العربية من ثمرات الثورة الإسلامية ونتائجها، وعلامات على قرب خروج الإمام الغائب، هي الرؤية التي كرّسها وثائقي "خروج المهدي قريب جدا"، فماهي إذنْ عناصر الحراك المهدوي الذي تعرفه إيران هذه الأيام وأبعاده ؟

2) المهدوية الإيرانية والثورات العربية:

المهدوية والدور العالمي المنتظر:

استقبلت إيران الحراك الثوري العربي بترحيب كبير، معتبرةً توسّعه إلى عدّة بلدان من الوطن العربي إيذانًا بمرحلة جديدة من تاريخ العالم، وتحقّقا لموعود مؤسّس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني بانتصار الثورة على أعدائها وقيام حكومة الإمام المهدي العالمية.

ووفقًا لهذا الاعتقاد أوضح حجّة الإسلام شيخ مصطفي باقري إمام جمعة بناب[40] أنّ الثورة التونسية هي من بركات الثورة الإسلاميّة الإيرانية، وأضاف أنها تَحقُّقٌ لموعود الإمام الراحل روح الله الخميني، مشيرًا إلى أنّ هذا التحوّل التاريخي من مقدّمات ظهور الإمام المهدي[41]. بينما قال إمام جُمعة مدينة قم حجّة الإسلام والمسلمين سيد محمد سعيدي: "نظرًا لافتقار الشعبين التونسي والمصري إلى مرشد مقتدر مثل مرشد الثّورة العظيم، فيجب عليهم إطاعته (خامنئي)، لأنّ الإمام خامنئي مرشد كلّ مسلمي العالم"[42].

وقد عبّر رئيس منظمة "البسيج المستضعفين" القائد محمد رضا نقدي عن هذه الرّؤية الشمولية بوضوح أكثر عندما صرّح قائلاً: "التحوّلات التي تعرفها المنطقة فرصةٌ ذهبية لتحرير البشرية من سلطة الطاغوت، وهذا الأمر يجعل واجبنا ثقيلاً جدا، لكن إذا استطعنا الاستفادة من الإمكانات العظيمة التي تمتلكها قوّات البسيج فسنتمكّن من فتح العالم"[43].

وانسجامًا مع العقيدة ذاتها، أكّد الرئيس أحمدي نجاد في أحد خطاباته أواخر شباط / فبراير 2001 أنّ المجتمعات تعرف في الشهرين الأخيرين تيارًا عظيمًا يتحرّك "باتجاه الخطّ الإلهي والإنساني الأصيل، وثورتنا تمثل مقدمة للحدث العظيم الذي وعد به الأنبياء، لقد بدأ ذلك الحدث الأخير الذي وعدوا به، ونحن في قلبه ووسطه، لقد امتلكنا فرصة الخدمة والمبادرة ويجب علينا معرفة قدر ذلك"[44].

إنّ هذا التقدير من الرئيس أحمدي نجاد يعكس بوضوح حساسية الثورة الإسلامية الإيرانية لعقيدة خروج الإمام المهدي، إذ بَشَّر الرئيس الشعب الإيراني بقرب خروج الإمام الغائب، مفسّرًا ماتعرفه الساحة الإقليمية والدولية من تحوّلات بإرهاصات هذا الحدث العظيم الذي ستكون إيران محوره وأداته الأساسية.

وإذا نظرنا في الروايات الإثني عشرية التي حشدها وثائقي "الخروج قريب جدا"، والتي تحدد علامات خروج المهدي المنتظر، سنجد أنّ منطلق العلامات الأولى هو إيران، حيث ستظهر شخصيّتا شعيب بن صالح (أحمدي نجاد)، والسيد الخراساني (علي خامنئي)، وتحرّك جيشاً كبيراً من خراسان لنصرة الإمام المهدي والقتال إلى جانبه ضدّ السفياني (الملك الأردني عبد الله).

إذنْ يمكن فهم ماقامت به مؤسّسة "مبشران ظهور" من توزيع مئات الآلاف من وثائقي "الظهور قريب جدا"، ضمن استجابة البعض للتحفيز الذي أحدثه الخطاب المهدوي عند أحمدي نجاد.

ويضمّ القرص المبشر بالخروج مادّةً إعلاميّةً على قدرٍ كبير من الاحترافية، ويقدّم قراءةً للواقع السياسي الدولي تطابق بين الفاعلين الحاليّين والشخصيات المذكورة في روايات خروج الإمام المهدي الغائب، مستنتجًا في النهاية أنّ المرحلة التي نعيشها قريبة جدًّا من لحظة خروجه، وهي من العلامات الكبرى ليوم القيامة.

قَدّرَ مراقبون عدد النسخ الموزّعة في المحافظات الإيرانية بثلاثة ملايين قرص، حيث وجدت تلك المضامين في التحوّل الكبير الذي أحدثته الثورات العربية فضاءً مناسبًا لانتعاش الخطاب المهدوي.

تأخّرت ردود الفعل على هذه المادّة الإعلامية، إذ بدأت من المواقع الالكترونية لتنتقل إلى الصحف، ثم إلى مركز دراسات المهدوية في مدينة قم، حيث اعتبر المتخصّصون ماقام به أصحاب العمل من تطبيق الروايات المذهبية على شخصيات بعينها، أمرًا خطيرًا وفاقدًا للاعتبار العلمي.

أمّا مواقف المراجع الفقهية والعلماء فيمكن رصدُها في ما عبّر عنه آية الله مكارم الشيرازي، وآية الله جواد آملي، وآية الله جعفر سبحاني، وآية الله أستاذي، والعلامة مصباح يزدي، وحجة الإسلام واعظ موسوي، وحجة الإسلام علي سعيدي، وحجة الإسلام والمسلمين مهدي طائب، بالإضافة إلى ما نقل عن آية الله السيستاني في العراق، وتراوحت هذه المواقف بين التصحيح والاستنكار والاتّهام بالانحراف وتهديد العقيدة والنظام.

يقول حجة الإسلام والمسلمين مهدي طائب رئيس المجلس المركزي لتنظيم "معسكرعمار"[45]: "لم تقدم لنا رواياتنا المتعلقة بالسيد الخراساني والسيد اليماني وشعيب بن صالح، توضيحات نستطيع تطبيقها على شخصيات بعينها، ولو وُصفت تلك الشخصيات في رواياتنا بالشكل الذي رأيناه في فيلم (الخروج قريب جدا)، لتمكّن الأعداء من الوصول إلى هذه الحقيقة قبلنا، لأن خروج حضرة الإمام (عج) يمثّل أكبر خطر على الأعداء، لذلك يستطيعون تشخيص زمن الخروج قبلنا من خلال الآيات والروايات. ثم لو كان العدو متيقنا بأن سيد حسن نصر الله هو السيد اليماني لفجّروا المنطقة التي يستقر فيها بواسطة السلاح النووي..".

وأضاف طائب: "ليس لأحد حقّ إبداء رأيه الشخصي في تعيين زمن الخروج، ولاينبغي الحديث في مسألة الخروج بطريقة يُفهم منها أنّ ذلك سيحدث هذا العام أو العام المقبل. نحن نستخدم في هذا الموضوع الرجاء فقط..وعلى هذا الأساس نرجو أن يكون خروج الإمام هذا العام، أمّا المؤكد فهو أننا لانعلم في أي زمن سيحدث ذلك"[46].

توالت ردود الفعل المستنكرة والداعية إلى ملاحقة مؤسسة "مبشران ظهور" ومن يقف وراءها، وتساءل بعض المثقّفين والكتّاب من التيار الإصلاحي عمّن يقف وراء هذه المؤسسة التي تعمل بميزانية وإمكانيات ضخمة، كما تساءل الجميع عن سبب صمت السلطات عمّا يجري في البلاد، ليعلن بعدها الناطق الرسمي باسم السلطة القضائية حجة الإسلام غلام حسين محسني أجي عن فتح تحقيق في شأن وثائقي "الخروج قريب جدا".

وفي المقابل استنكر مخرج هذه المادّة الإعلامية علي أصغر سيجاني الحملة ضدّ عمله، وحاول من خلال مؤتمر صحفي عقده في الخامس من نيسان/ أبريل 2011 أن يردّ على الاتّهامات الموجّهة ضدّه وضدّ مؤسسة (مبشران ظهور)، قائلاً: "في رأيي يقود وليّ أمر المسلمين (خامنئي) بنفسه تيار التبشير بخروج الإمام المهدي، إذ لازلتُ أذكر الجملة التاريخية التي صرّح بها عام 2008، حين قال: الدنيا اليوم مليئة بالظلم والجور، والعالم متعطّش للعدالة المهدوية".

"
عندما يتحدث أحمدي نجاد عن الإمام المهدي المنتظر، فهو بالضرورة لايقصد المهدي الذي يتحدث عنه خصومه في تيار المرشد، رغم أن مهدي الفريقين بحسب روايات المذهب رجل واحد. لكن الذي يحصل هو أن الإمام المهدي عند أحمدي نجاد رجل يدعم حكومته وبرنامجه الاقتصادي. الأمر الذي يستنكره الفريق الآخر ويعتبره توظيفا سياسيا للمهدوية، إضافة إلى أن هذا الخطاب يشكل تجاوزا للخطوط الحمراء العقدية، لأن الذي يفترض أن يتلقى دعما مباشرا من الإمام الغائب هو نائبه ولي الفقيه ومرشد الثورة آية الله علي خامنئي.
"
وأضاف سيجاني قائلاً: "لم تكن كلمة السيد (خامنئي) عاديّةً، إنّها أعطت لونًا وعَبَقًا لقرب خروج الإمام، وبعدها بحوالي شهر ونصف، أي بعد عيد الفطر قدّم السيد بشارةً أخرى، جاء فيها: الجيل الحالي هو من سيحرّر فلسطين والقدس الشريف. هذا يعني أنّ السيد بشّرنا منذ 2008 وبشكل غير مباشر بقرب خروج الإمام، وقبله بأيّام أيضًا أكّد السيد حسن نصر الله بشارة المرشد خامنئي السابقة عندما قال: الجيل الحالي من أبناء العالم الإسلامي هم من سيحرّر القدس الشريف".

ثم أشار علي سيجاني إلى أنّ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هو الآخر أكّد ذات المعنى بعد أيام من تصريح حسن نصر الله، يوم قال:"سيأتي إمامُ الزمان (عج) قريبا، إنه المحبوب الحقيقي للصّالحين والمستضعفين"[47].

ودافع حجة الإسلام محسن آشتياني مدير مؤسسة (نگين سبز علوى) عن وثائقي "الخروج قريب جدا"، من خلال مناقشة ردود الرافضين لأطروحته، متّهمًا بعض المنتقدين بالتّشكيك في روايات المذهب الشيعي الإثني عشري برمّتها[48].

وعندما دافع الناشط المحافظ سيد مهدي طباطبائي عن "الخروج قريب جدا"، أرجع أسباب هجوم المنتقدين إلى خلفياتهم المذهبية وأهدافهم السياسية، فقال: "يعتبر الوثائقي من أهمّ البرامج الواقعيّة المستندة إلى الروايات اللازمة، وهو من إنجاز مجموعة من الباحثين الشباب المخلصين للإمام المهدي عليه السلام، أمّا المخالفون لهذا العمل التلقائي والمُبشر، فدافعهم ليس ضعف الأدلّة، بقدرما يعكس توجّه المدرسة الإخبارية غير الولائية، والمسيطرة على المناصب والمسؤوليات العلميّة والتنفيذيّة، إضافةً إلى الأهداف السياسية لخصوم الحكومة الإسلامية وشخصية رئيس الجمهورية الذي يعتبر من أهمّ مصاديق آخر الزمان وخروج الإمام المهدي"، وأضاف: " وبلا شكّ سيميز غربال آخر الزمان بين المنتظرين الحقيقيين للإمام الموعود والمنتظرين الكاذبين، فكلاهما يناقش موضوع خروج المهدي المنتظر، الأول من خلال الإيمان بالآيات والروايات السماوية والاتباع الكامل للولي الفقيه وسيد الخراساني الموعود، يرصد الأحداث لحظة بلحظة، والثاني يُعْرض عن الأحداث العالمية الساطعة، لاجئًا إلى كتب الحديث الصحيحة، لعلّه يجد فيها حكومة الإمام المهدي العالمية "[49].

المهدوية في قلب التجاذب بين خامنئي ونجاد:

فَتَحَ هذا الحدث مجدّدا وبشكل أعمق جدالاً مذهبيًّا وسياسيًّا في شأن مسألة المهدوية وتوظيفها للأغراض الحزبيّة والانتخابية، وتركّز الجدل هذه المرّة بين أنصار كلّ من المرشد علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد، إذ اتّجهت أصابع الاتّهام إلى هذا الأخير لأنه - حسب منتقديه - مافتئ يُشدّد منذ تولّيه منصب الرئاسة على فكرة مساندة الإمام المهدي لحكومته، كما تركّزت الشّكوك بقوّة في شأن محيطه الرئاسي، خاصّةً صهره (ومدير مكتبه السابق) اسفنديار رحيم مشائي الذي اتّهمه رئيس المجلس التّنسيقي لقوى حزب الله في إيران حسين الله كرم، أواسط كانون الثاني/ يناير 2011، بتَزعّم تنظيم سرّي منحرف اسمه "طريق الحقيقة"، وقال كرم إنّ هذا التنظيم يؤمن بقرب خروج المهدي المنتظر ويستعدّ له، وفي سياق ذلك يعتقد بضرورة توثيق العلاقات الإيرانية مع أربع دول عربية هي: مصر والأردن والسعودية واليمن.

وحدّد مدير وكالة الأنباء الإيرانية (فارس) حميد رضا مقدم ‌فر مبادئ ماسمّاه التيار المنحرف في حكومة أحمدي نجاد في 13 عنواناً هي: السّعي نحو السلطة، التمحور حول الذّات، التلفيق الفكري، استغلال المهدوية، التأكيد المتطرّف على القومية الفارسية، عدم الإيمان بولاية الفقيه في المرحلة القريبة من خروج الإمام الغائب، العمل على تهميش رجال الدين، الإيمان بمحورية الإنسان، الاعتقاد بالعدالة الاجتماعية استنادًا إلى مفهوم العدالة التوزيعية، ادّعاء العرفان، الإيمان بالمعنويات المخلوطة بالخرافة، التشكيك في التدبير الإلهي عند الأنبياء، الاعتقاد بالحداثة والتظاهر بالأصولية[50].

وبدوره حذّر شقيق الرئيس الإيراني داود أحمدي نجاد من خطر تنظيم "طريق الحقيقة" قائلا: إنه سيزلزل البلاد ويحدث الفتنة[51].

منذ أن استقدم أحمدي نجاد صديقه رحيم مشائي إلى طهران ليكلّفه بمهام ثقافية في بلدية طهران، والعلاقة بين الرجلين تسير في اتّجاه التوطيد، خاصةً بعد تتويجها برباط عائلي عندما تزوّج نجل أحمدي نجاد من ابنة مشائي، وعزّز ذلك من قرب مشائي إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتقلّد مناصب ومسؤوليات وصلت إلى أكثر من عشر مسؤوليات، منها منصب وزير السياحة ونائب الرئيس ومدير مكتب الرئيس وممثل ديبلوماسي ومستشار..

وبموازاة هذا الحضور القوي والمتزايد لرحيم مشائي، حاول الرئيس أن يفتح له أيضًا أبواب مواقع سيادية تعتبر خطوطًا حمراء في الجمهورية الإسلامية مثل وزارة الخارجية ووزارة المخابرات، حيث استطاع أن يحقّق في الموقع الأوّل انتصارًا بإزاحة وزير الخارجية السابق منوشهر متكي الذي كان يحظى بدعم من المرشد، بينما فشل في إزاحة المسؤول الأوّل عن "الصندوق الأسود" للنظام، إذ تدخّل خامنئي في الوقت المناسب ليلغي قرار إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي نهاية نيسان / أبريل 2011.

وممّا أثار استغراب مراقبين وشخصيّات إيرانية في مواقعَ مختلفة، هو دفاع أحمدي نجاد المستميت عن صهره رحيم مشائي وإعجابه الكبير بشخصيته، ممّا جعله تحت تأثير أفكار الرجل ورؤاه ، ولا أدلّ على ذلك من تماهيه مع نظريّة المدرسة الإيرانية التي يروّج لها مشائي، خاصّةً ماصرّح به في الحفل الأخير الذي أُقيم في مناسبة بدْء السنة الإيرانية الجديدة في طهران.

قدّم بعض المحلّلين الإيرانيين توصيفًا لهذه العلاقة بتلك التي تقوم عادةً بين المريد والشيخ، حيث يؤدّي أحمدي نجاد دور المريد بين يديْ مدير مكتبه السابق، في حين أكّد آخرون أنّ مشائي هو عقل الرئيس الباطن.

عُرف اسفنديار رحيم مشائي بتصريحاته المثيرة للجدل مثل قوله إنّ الشعب الإسرائيلي صديق للشّعب الإيراني، وانتقاد المنهج الرسمي في دعوة الناس للإسلام، ودعوته إلى اعتماد مدرسة الإسلام الإيراني التي تمزج بين عناصر القوميّة الفارسية وتعاليم المذهب الشيعي الإثني عشري، وادّعائه بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم إيراني الأصل..

أمّا الذين اتّهموا مشائي بإدارة تنظيم "طريق الحقيقة" فيقولون إنّ هذا التنظيم وُلد من رحم تنظيم "الحجتية" المنحرف، ويؤمن بتجاوز الصدام مع الغرب وتبنّي النموذج التركي سياسيًّا، ويهدف إلى إبعاد رجال الدين والمراجع عن التأثير في المجتمع الشيعي، ويرى أنّ الوصول إلى الحقيقة يمكن أن يتمّ من خلال الروح الإنسانية، وأنّ المحبّة هي وسيلة الإسلام في التعامل مع الآخرين، وأنه ينبغي استبعاد فكرة الجهاد من عقول المسلمين، وأنّ أقصر طريق للعدالة هي التأكيد على المحبّة الإنسانية والسّلام الداخلي[52].

أوجد هذا التوجّه وضعًا حسّاسًا وملتبسًا برز بقوّة في الداخل الإيراني، وفي الخارج مع تطوّرات الثورة العربية وتحوّلات المنطقة، ممّا دفع بشخصيات النظام الإيراني ورموزه إلى دقّ ناقوس الخطر، والمطالبة بمحاصرة التيار الذي يبدو أنه سيطر على موقع رئاسة الجمهورية، حيث وصفه المنتقدون بـ"الفتنة القادمة"، و"الأصولية المنحرفة"، و"الماسونية"، وفي هذا الصدد يقول سكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي: إنّ ولاية الفقيه ومؤسسة المرشد هما الجديران بمواجهة الانحراف الجديد[53] مشيرًا إلى هذا التيار، بينما صرّح مرتضي نبوي عضو المجمع ذاته قائلاً: "تميّزت حكومة أحمدي نجاد بمحاربة التيارات البورجوازية، لكن للأسف التفّ حول الرئيس مجموعة من المنحرفين الذين يعملون لتحقيق أهدافهم من خلال بثّ آرائهم الخاصة واستغلال اعتقاد الناس في المهدوية"، وأضاف: "في عالمنا المعاصر هناك بشر بصفات شيطانية يستطيعون التأثير في الأذهان، وربما هذا التيار المنحرف المحيط بالرئيس له علاقة بهذه الموجودات، واستطاع أعضاؤه التأثير في تفكير الرئيس"[54].

وقد أيّد ممثل خامنئي في الحرس الثوري حجة الإسلام ذو النور هذه المواقف في تصريح نقلته وكالة الأنباء الإيرانية (إيسنا)، قال فيه: "يتمسك أحمدي نجاد بحبل مشائي المهترئ، لأن لديه إرادة خاصة لمشائي، إذ سبق له أن وصفه بقوله: مشائي قمّة، وفي مكان آخر قال عنه: مشائي يدرك الأمور التي نعجز نحن عن إدراكها"، وأضاف: "هؤلاء الأشخاص ليس لديهم مقدار ذرّة من الإيمان بولاية الفقهاء، ويُروّجون لإسلام بلا فقهاء، واليوم مشائي هو رئيس الجمهورية الحقيقي، لأنه يتدخّل في شؤون كلّ الوزارات..أرجو من الله أن يحفظ الرئيس من شرّ هذا الإنسان"[55].

وفي الأسبوع الثاني من أيار/مايو 2011 وجّه عضو البرلمان حجّة الإسلام حسين إسلامي تحذيرًا واضحًا إلى الرئيس أحمدي نجاد يدعوه فيه إلى رفع الغطاء عن التيار "المنحرف" الذي يحيط به، فقال: "لقد حذّرنا رئيس الجمهورية بخصوص اتّساع نفوذ التيار المنحرف، لكنه للأسف لم يأخذ تحذيرنا على محمل الجدّ، لذلك ينبغي لأحمدي نجاد الذي نحبّه أن يعلم أنّ لصبر أعضاء البرلمان حدوداً"[56].

وفي هذا السياق يمكن فهم رغبة مرشد الثورة علي خامنئي في إبعاد رحيم مشائي عن مراكز القرار، خاصّةً بعد استقالته من منصب مدير مكتب الرئيس، التي قيل إنها كانت بإيعاز من المرشد، وترويج اتهامات بوقوفه وراء نشر قرص "الخروج قريب جدا"، واحتمال متابعة أحد مقرّبيه حجة الإسلام عباس أميري فر[57] السكرتير العام لـ"جامعة الوعاظ الولائيين"، ورئيس المجلس الثقافي في رئاسة الجمهورية وإمام المسجد بها، بالوقوف وراء إعداد الوثائقي المذكور ونشره . في حين نَفى رحيم مشائي أيّ علاقة له بتلك الاتهامات.

من الخطأ الاعتقاد بأنّ الأزمة القائمة بين فريقيْ الرئيس أحمدي نجاد والمرشد علي خامنئي وليدة حسابات مستجدّة، لأنّ الخلاف بين الطرفين يعود إلى سنوات مَضت، إلاّ أنّ المصالح المشتركة وأولويّات المرحلة أجّلت التصفية إلى هذه المرحلة. وقد أوضح حجة الإسلام والمسلمين مهدي طائب رئيس المجلس المركزي لتنظيم "معسكر عمار" هذه الحقيقة يوم السابع من أيار/ مايو 2011 بقوله: "إنّ أتباع آية الله خامنئي شعروا بخطر فريق أحمدي نجاد منذ ستّ سنوات، ويعتقدون أنّ مشائي ومهدي هاشمي[58] يجسّدان طرفي مقصّ يريد قصَّ النظام الإسلامي"[59].

ولاشك أنّ جذور الخلاف تمتدّ إلى رؤية الطرفين وفهمهما لمجموعة من المعتقدات والقضايا المذهبية، على رأسها عقيدة المهدوية والنموذج الإسلامي للدولة. فعندما يتحدث أحمدي نجاد مثلاً عن الإمام المهدي المنتظر، فهو لا يقصد بالضّرورة المهدي الذي يتحدّث عنه خصومه في تيار المرشد، رغم أنّ مهدي الفريقين بحسب روايات المذهب وأدبياته رجلٌ واحد. لكن الذي يحصل هو أنّ الإمام المهدي عند أحمدي نجاد رجل يبارك أعماله ويدعم حكومته وبرنامجه الاقتصادي، الأمر الذي يستنكره الفريق الآخر ويعتبره توظيفًا سياسيًّا للمهدوية، واستغلالاً لمشاعر البسطاء من الإيرانيّين، إضافةً إلى أنّ هذا الخطاب يشكّل تجاوزًا للخطوط الحمراء العقدية، لأنّ الذي يفترض أن يتلقّى دعمًا مباشرًا من الإمام الغائب هو نائبه الوليّ الفقيه ومرشد الثورة آية الله علي خامنئي، وليس شخصًا آخرَ في النظام.

أمّا حين يذكر أحمدي نجاد ومدير مكتبه السابق رحيم مشائي مصطلح الإسلام الإيراني، فإنّهما يثيران تخوّفات حرّاس نظام الجمهورية الإسلامية من تلك الغابة التي يخْفيها مصطلح "الإسلام الإيراني"، يقول أحمدي نجاد: "نحن نريد النموذج الإسلامي الإيراني، إسلامي بمعنى أن يكون هدفنا ونموذجنا إسلاميًّا، وإيراني بمعنى أن نبنيَ البلاد بالأساليب الإيرانية، وبالطبع هناك نقاشٌ آخر تحت عنوان (الإسلام الإيراني)، سأفتحه في مكان آخر"[60].

استـنتـاج:

يعتقد محلّلون أنّ الشّرخ الحاصل اليوم بين المرشد آية الله خامنئي والرئيس أحمدي نجاد لايعدو أن يكون صراع مواقع، بينما تكشف المعطيات التي سلّطنا عليها الضّوء في هذه الدراسة أنّ جذور مايجري اليوم من حراك داخل الجمهورية الإسلامية يمكن رصْد ملامحه في تاريخ المذهب، حيث لم يستطع الإثناعشريون التخلّص بعد من الجدل الذي صاحب قضيّة المهدوية طوال أكثر من ألف عام.

لاشكّ أنّ فهم التيار الإصلاحي لولاية الفقيه وخروج المهدي يختلف بدرجات عن فهم التيارالمحافظ لهذيْن الأمرين، كما أنّ التيار المحافظ ليس كتلة كاملة التجانس ففيه بالطبع قراءاتٌ متقاربة، لكنها ليست بالضّرورة متطابقة كما يظنّ البعض، ذلك أنّ الممارسة السياسية ساهمت في إبراز الاختلافات الفقهيّة بين الفاعلين.

إنّ إصرار أحمدي نجاد على فكرة اتّصال حكومته بإرادة الإمام المهدي المنتظر وتدبيره، قد يفسّر من جهة بنوع من الانجذاب الشّعوري، ومن جهة أخرى قد يعني تنزيلاً واقعيًّا لفهمه بخصوص دور المهدي وحضوره وأبعاد شخصيّته.

ومن الطبيعي أن تنسحب هذه التصوّرات على أداء أحمدي نجاد السياسي، وهنا أُذكّر بما سبق أنْ أوضحناه في بحث "لماذا أُقيل متكي ؟"[**]، من أنّ أحمدي نجاد "يرى نفسه رئيساً استثنائياً في أوضاع حاسمة.."، حيث أظهر حادث إقالة متكي أنّ الرئيس بدأ يستخدم أسلوبًا غير مسبوق في تاريخ رئاسة الجمهورية، وهو ما أثبته بعد ذلك قرار إقالته لحوالى 13 مستشارا، وبعدها قرار إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي، والذي أبطله خامنئي برسالة بعث بها إلى مصلحي، ثم ماصاحب هذا القرار من ردود أفعال كشفت أنّ رئاسة الجمهورية في إيران باتت بين يديْ تيّار لايرى بالضرورة نفسه تابعًا ومطيعًا لأوامر خامنئي.

ويذهب مراقبون وسياسيّون إيرانيون إلى القول إنّ أحمدي نجاد أصبح في قبضة تيار يتزعّمه مدير مكتبه السابق رحيم مشائي، والمتّهم بالانحراف العقدي واستغلال عقيدة المهدوية لأغراض سياسية، ممّا دفع أنصار خامنئي إلى المطالبة بمحاصرة هذا التيّار واقتلاعه من جذوره نظرًا لما يشكّله من خطر على مستقبل النّظام.

كما لايمكن غضّ الطرف هنا عن حضور البعد الإقليمي والدولي في الاختلاف بين التياريْن، فحين نتحدّث عن المهدوية فنحن بالضّرورة نتحدّث عن تحرّك إقليمي ودولي، وقد رأينا أحمدي نجاد يحاول إنشاء جهازٍ دبلوماسي في رئاسة الجمهورية موازٍ لوزارة الخارجية.

ربّما تكون هذه التطوّرات مقدّمة لأزمة جديدة في إيران، تتمايز عن سابقاتها في العناصر التالية:

أوّلاً: تحدث في دائرة المحافظين المؤثّرة في المؤسسات الكبرى للنظام؛ أي مؤسسة المرشد، رئاسة الجمهورية، البرلمان، الأجهزة الأمنية والعسكرية، الأجهزة الإعلامية؛ لأنّ للطرفين، تيار خامنئي وتيار أحمدي نجاد، حضوراً في هذه المؤسّسات.
ثانيا: جذورها العقدية والمذهبية.
ثالثا: تعالج مؤسسة المرشد الوضع وهي أقلّ قوةً وتماسكًا من أيّ وقت مضى، وذلك بعد تخلّي خامنئي عن رفيق عمره وسنده هاشمي رفسنجاني (ترك رئاسة مجلس الخبراء بضغوط من تيار خامنئي، وينتظر أن يتكرّر الأمر في مجمع تشخيص مصلحة النظام)، ثم انحياز خامنئي إلى التيار المحافظ بعد انتخابات 2009، وصمْته أمام مايجري من تحييد للتيار الإصلاحي من الساحة السياسية، ومايروّج عن مرضه مع غياب مرشح لمنصب المرشد يحرز حدًّا أدنى من القبول عند الجميع.
رابعا: تأتي هذه الأزمة ضمن متغيرات دولية وإقليمية حسّاسة ومتقلبة، خاصةً مايحدث في سوريا التي تعتبرحليفًا هامًّا للنّظام في طهران.
إنّ هذه الاعتبارات تدفعنا إلى توقّع مفاجآتٍ على مستوى دور المهدوية في الحراك السياسي الإيراني، وربما لن تخلو المرحلة المقبلة من مفاجآتٍ في تاريخ الصّراع السياسي المذهبي داخل هذا البلد، خاصّةً أننا أمام ثلاثة تيارات رئيسة[61] فيما يتعلق بفهم مسألة المهدوية ودورها السياسي:

التيار الأول، ويجمع التيار الإصلاحي المتدين والتيار البراغماتي بزعامة هاشمي رفسنجاني، ويرى هؤلاء في انتظار الإمام المهدي ووجوده قضية روحية فكرية محفّزة للفعل، وينفون وجود أيّ علاقة بين الإمام المهدي والثورة الإيرانية أو أيّ شخص في النظام، فالثورة الإسلامية في نظرهم تجربة بشريّة سياسية، والفاعلون فيها سياسيون متنافسون.

التيار الثاني، يلتقي فيه أنصار المرشد علي خامنئي بمن فيهم فقهاء ومراجع، هؤلاء يرون في خامنئي النائب الشرعي للمهدي المنتظر، وعليه فإن صلاحياته الدينية والدنيوية مطلقة، وتشمل كلّ صلاحيّات الغائب حتّى خروجه، ويعتبرون كلّ من يدّعي الاتّصال بالإمام المهدي كذابًا ودجّالاً يسعى إلى تحقيق أهدافه وراء ستار المهدوية، وفي داخل هذا التيار هناك أيضا من يعتقد بوجود اتّصال مباشر بين خامنئي والمهدي المنتظر.

التيار الثالث، يضم أحمدي نجاد وأتباعه والمقرّبين منه، ويعتقد هؤلاء أنّ أحمدي نجاد رجل مؤيَّد من المهدي، وأنّ حكومته تتلقّى الدعم من الغائب، وأنّ كل نجاحات الرئيس هي دليلٌ على هذا الأمر، وبحسب المعطيات المتوفّرة حتّى الآن، يُعتقد أن يكون هذا التيّار أو بعض المنتمين إليه وراء الحراك المهدوي ووثائقي "الخروج قريب جدا" الذي أشرنا إليه في بداية هذه الورقة.

-------------------------------

[1] - الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، هو الإمام الثاني عشر في سلسلة الأئمة المعصومين الذين يعتقد الشيعة الإثنى عشرية بتعيينهم من قبل الله، ويقولون بولادته في 255 هجرية بصورة سرية، واختفى في سرداب سامراء بعد وفاة والده الإمام العسكري سنة 260 للهجرة.
[2] - الإثني عشرية من أكبر طوائف الشيعة، يؤمنون بأن الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري هو إمامهم الثاني عشر وهو غائب عن الأنظار منذ أكثر من 1100 عام حتى يأذن الله له بالظهور. خرجت هذه الفرقة من الشيعة الإمامية التي ظهرت في القرن الثاني الهجري، وتؤمن بأنّ أئمة أهل البيت معصومون ومعينون من قبل الله، وأن الخلافة بحسب النص الديني يجب أن تكون من بعد علي في ولديه الحسن والحسين، وأن تستمر في بعض ذريّة الأخير حتى الإمام الأخير الثاني عشر.
[3] - انظر: أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، ج 2، الطبعة السادسة، (بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، 2008).
[4] - وجيه كوثراني، بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه- الدولة والمواطن، الطبعة الأولى، (بيروت: دار النهار للنشر، 2007)، ص 60.
[5] - المرجع نفسه، ص 61.
[6] - طريقة تركمانية صوفية ظهرت في الأناضول الشرقي بين القرنين 14 و15 الميلاديين، تحولت إلى حركة مذهبية شيعية بشكل تدريجي.
[7] - حميد عنايت، تفكر نفين سياسي إسلام، (تهران: نشر أمير كبير، 1362 هجري شمسي [1983م])، ص 239.
[8] - محسن كديور، نظريه هاى دولت درفقه شيعه، جلد أول، جاب 5، (تهران: نشر نى، 1380 هجرى شمسى)، ص 117.
[9] - جميله كديور، تحول كفتمان سياسي شيعه درايران، جاب اول، (تهران: نشر طرح نو، 1379 هجرى شمسى)، ص 357.
[10] - صنف بعض الباحثين الكلبايكاني وشريعتمداري ضمن المدرسة الأصولية التي قادها الخميني.
[11] - روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية، الطبعة الأولى، (بيروت: دار عمار للنشر والتوزيع، 1988)، ص 25.
[12] - المرجع نفسه، ص 26.
[13] - علي شريعتي (1933-1977م) عالم اجتماع إيراني ركز بحثه العلمي في المجال الإسلامي، يلقب في إيران بمعلم الثورة الإسلامية، كان له دور كبير في تعبئة الشباب وبلورة الفكر الثوري في الجامعات الإيرانية قبيل الثورة.
[14] - عادل رؤوف، صناعة العقول بين التقليد الفقهي وثقافة التقليد، الطبعة 3، (بغداد: المركز العراقي للإعلام والدراسات، 2007)، ص 566.
[15] - وجيه كوثراني، الفقيه والسلطان، الطبعة الثانية، (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2000)، ص21.[*] كما في النص الأصلي.
[16] - صحيفة الإمام، ج 8، ص 391.
[17] - http://www.pasokhgoo.ir/node/18639
[18] - http://www.hawzah.net/hawzah/Magazin...=4357&id=28854
[19] - صحيفه نور، ج 21، ص 107- 108، چاپ اول.
[20] - http://www.bfnews.ir/vdceb78fijh8e.9bj.html
[21] - http://www.aftabnews.ir/vdcjtmeuqyeaa.html
[22] - http://www.tabnak.ir/pages/?cid=10434
[23] - http://radiozamaaneh.com/news/2008/05/post_5022.html
[24] - آية الله مهدوي كني مرجع ديني انتخب بداية آذار/ مارس 2011 رئيسا لمجلس الخبراء خلفا لهاشمى رفسنجاني، عمل في حكومة الشهيد محمد علي رجائي وزيرا للداخلية وكذلك في حكومة الشهيد محمد جواد باهنر ثم تولى منصب رئاسة الوزراء بعد مقتل باهنر في انفجار في مكتب رئاسة الجمهورية.
[25] - http://www.tabnak.ir/pages/?cid=10480m
[26] - http://www.hashemirafsanjani.ir/?typ...ang=1&id=3751#
[27] - المرجع السابق.
[28] - ورد ضمن خطاب لخامنئي أمام جمهور من المواطنين في مناسبة منتصف شعبان 1429 هجرية (2008م).
[29] - http://www.hashemirafsanjani.ir/?typ...ang=1&id=3751#.
[30] - بدأت في 12 من حزيران/يونيو 2009 احتجاجات شعبية كبيرة اعترضت على نتائج هذه الانتخابات، واتهم الإصلاحيون الرئيس الفائز محمود أحمدي نجاد بتزوير النتائج.
[31] - تمتد هذه الفترة الرئاسية من صيف 2009 إلى صيف 2013.
[32] - پا به پاي آفتاب، ج 1، ص 254ـ255 (مصاحبه با علي ‌اكبر آشتياني).
[33] - http://www.alborznews.net/fa/pages/?cid=39940
[34] - http://alef.ir/1388/****************.../view/78459/83
[35] - المرجع السابق.
[36] - ولد اسفنديار رحيم مشايي عام 1960، وهو متخصص في الهندسة الالكترونية، وقد تدرج في تشكيلات البسيج منذ بداية شبابه. كان له دور فعال في جهاز المخابرات العسكرية، بعد ذلك اهتم بالعمل الثقافي. تربطه بأحمدي نجاد علاقة صداقة قديمة تحولت إلى مصاهرة، ليعينه بعد فوزه بالرئاسة عام 2009 نائبا له، إلا أن خامنئي رفض هذا التعيين، وعاد أحمدي نجاد بعدها ليعينه مديرا لمكتبه، قبل أن يستقيل من هذا المنصب بداية نيسان/أبريل 2011.
[37] - ولد آية الله محمد تقي مصباح اليزدي سنة 1934، وهو عضو في مجلس خبراء القيادة في إيران، وأحد أبرز علماء الدين الإيرانيين. كما يعد من تلامذة المفسر محمد حسين الطباطبائي، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي.
[38] - تعتقد هذه الجماعة بأن زمن خروج الإمام المهدي قد اقترب كثيرا، وتؤمن بمجموعة من الآراء تخص عقائد المذهب الشيعي الإثني عشري.
[39] - تعتمد نظرية الإسلام الإيراني على فكرة المزج بين عناصر القومية الفارسية والعقائد الإسلامية.
[40] - تقع مدينة بناب في محافظة أذربيجان الشرقية شمال إيران.
[41] - http://www.farsnews.net/newstext.php?nn=8911030890
[42] - http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=8911130263
[43] - http://www.iran-world.com/article.php?id=62118
[44] - http://www.aftabnews.ir/vdchzinzx23nizd.tft2.html
[45] - يعمل هذا التنظيم في المجال الثقافي والديني، تديره قيادات من داخل تيار المرشد علي خامنئي.
[46] - http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=9001250217
[47] - http://www.u313i.com/index.php?optio...04-03-20-24-30
[48] - http://www.u313i.com/index.php?optio...0&catid=3:main
[49] - http://tazohoor.ir/fa/index.php?opti...11-14-14-14-00
[50] - http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=9002210676
[51] - http://www.akharinnews.com/index.php...=view&id=23231
[52] - http://www.aftabnews.ir/vdch6wnzv23nzzd.tft2.html
[53] - http://www.rezaee.ir/vdci5qaz.t1azy2bcct.txt
[54] - http://aftabnews.ir/vdccoeqsp2bqii8.ala2.html
[55] - http://www.ayandenews.com/news/27302/
[56] - http://www.ammariyon.ir/fa/pages/?cid=10144
[57] - يقال إنه كان يمثل مقترح أحمدي نجاد لمنصب وزير المخابرات.
[58] - نجل هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، ويتهمه النظام الإيراني بالوقوف وراء احتجاجات الحركة الخضراء 2009.
[59] - http://www.iranianuk.com/article.php?id=63104
[60] - http://www.aftabnews.ir/vdchzinzx23nizd.tft2.html
[**] - http://www.dohainstitute.org/Home/De...3-251f41ab5a81
[61] - هذه التيارات تتشكل كلها من أبناء الثورة الإسلامية.

================

رشيد يلوح

يشغل الدكتور رشيد يلوح وظيفة باحث مساعد في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات، ويهتمّ في أبحاثه بالعلاقات العربيّة-الإيرانيّة والسّياسة الدّاخليّة الإيرانيّة. وعمل رشيد قبل انضمامه إلى المركز صحافيًّا متخصّصًا في الشّؤون الإيرانيّة، وله عدّة بحوث وترجمات بين اللّغتين الفارسيّة والعربيّة، ودراسات في الثّقافة والإعلام والدّراسات الإيرانيّة. وهو حاصل على شهادة الدّكتوراه في موضوع "التّداخل الثّقافيّ العربيّ-الفارسيّ" من جامعة محمد الخامس في الرّباط. وعلى درجة الماجستير في اللّغة والأدب الفارسيّين من جامعة "تربيت مدرس" في طهران. ونال شهادة الليسانس (البكالوريوس) في الأدب العربيّ من جامعة ابن زهر في أغادير-المغرب، وهو عضو بالجمعية المغربية للدراسات الشرقية.

المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات

http://www.dohainstitute.org/release...-3390624876a3#







التوقيع :
دعاء : اللهم أحسن خاتمتي
وأصرف عني ميتة السوء
ولا تقبض روحي إلا وأنت راض عنها .
#

#
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ

جامع ملفات ملف الردود على الشبهات

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83964
من مواضيعي في المنتدى
»» جعفر محمد أنفي نفي قاطع ما تم تداوله مؤخرا بأنني تسننت
»» الشيعة و خيانتهم اهل البيت قاسم العلوش
»» وفد يمني يزور الاسد من بينهم بعثي و معمم شيعي يمني
»» جواب بقرة تكلم ذئب يتكلم
»» عمالة و خيانة مراجع الشيعة لبريطانيا و اميركا و شهد شاهد منهم