عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-11, 01:38 AM   رقم المشاركة : 1
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


الاحتلال البرتغالي لجنوب الخليج و طرد اليعاربة لهم

الاحتلال البرتغالي لجنوب الخليج

كتبه الدكتور

عبد المحسن الصاعدي

ـــــــــــــــ

دهم العدوان الصليبي البرتغالي الغاشم جنوب الخليج، وضرب العالم الإسلامي في سواحله الشرقية، كان العالم الإسلامي وقتها موزعًا تحت ثلاثة دول كبرى؛ الدولة العثمانية في آسيا الصغرى وما حولها في أوروبا وآسيا الوسطى، والدولة
المملوكية في مصر والشام والحجاز، والدولة الصفوية في الهضبة الإيرانية وما حولها، وقد مر بنا ذكر موقف الصفويين، أما العثمانيين فقد كانوا بعيدين نسبيًا عن مناطق الصراع، فبقي عبء مواجهة الصليبيين البرتغاليين من نصيب المماليك وحدهم في هذه المرحلة.
كانت الدولة المملوكية وقت نزول البرتغاليين بساحة العالم الإسلامي تعاني من تراجع شامل ووهن مزمن على كافة المستويات، والدولة في طور الأفول بسبب الفساد الإداري والسياسي والأخلاقي لسلاطين المماليك، وبسبب البعد عن
منهج الصلاح والرشاد والمنافسة على الحكم والسلطة، وأيضًا بسبب التدهور الاقتصادي الذي أصاب مالية المماليك جراء تحويل طريق التجارة إلى رأس الرجاء الصالح، ناهيك عن المشاكل الحدودية بين المماليك والعثمانيين في
الأناضول وديار بكر والعدوان المستمر من جانب جماعة فرسان المعبد في شرق البحر المتوسط والمتمثل في قيامهم باحتلال برقة وبعض جزر البحر مثل كريت وجربة.
لهذه الأسباب كلها لم يستطع المماليك فعل شيء لنجدة جنوب الخليج من العدوان البرتغالي سوى إرسال عدة كتائب من الجند إلى اليمن وذلك لمنع
البرتغاليين من السيطرة على باب المندب، والعجيب أن مؤرخي اليمن قد أطلوا اسم «الغز» على تلك الكتائب، وكان حسين الكردي قائد تلك الكتائب، وواحد من أشهر قادة المماليك في قتال البرتغاليين.
ظل المماليك مشغولين بمشاكلهم الخاصة حتى نما إلى علمهم في عهد السلطان قنصوة الغوري أن البرتغاليين يخططون لاقتحام الأماكن المقدسة فشعروا بالغيرة والمسئولية وأرسلوا أسطولاً قويًا لضرب قواعد البرتغاليين في الهند وذلك لقطع
خطوط الإمداد والتمويل للحملات الصليبية على جنوب الخليج، وبالفعل نجح القائد حسين الكردي في هزيمة البرتغاليين بقيادة «الونز دي ميدا» عند جزيرة «شول» سنة 914هـ، فاستدعى البرتغاليون قائدهم الأشهر «البوكيرك»
وجاءتهم مساعدات قوية من البرتغال، فهزم المماليك في معركة جزيرة «ديو» الشهيرة سنة 915هـ، وهي المعركة التي قضت نهائيًا على القوة البحرية للمماليك، مما جعلهم ينسحبون من الساحة تاركين جنوب الخليج يواجه العدوان الصليبي وحده.
غير أن المماليك لم ينسوا واجبهم تجاه الأماكن المقدسة، فانتقل حسين الكردي بعد هزيمة «ديو» إلى مدينة وميناء «جدة» حيث بدأ في تحصينها حتى لا يستولي عليها الصليبيون البرتغاليون، ومنها يغيرون على مكة والمدينة، وبالفعل نجحت خطة الكردي في ردع البرتغاليين عن الإغارة على الأماكن المقدسة.
ومع الفشل المتكرر للبرتغاليين في اقتحام عدن تشجع السلطان قنصوة الغوري سنة 919هـ وأرسل أسطولاً جديدًا إلى جنوب البحر الأحمر تحت قيادة الريس سليمان الذي انطلق إلى جدة وهناك انضم إليه القائد حسين الكردي،
وانطلقت الحملة نحو الجنوب وطردت البرتغاليين من مدينة زيلع الصومالية ثم استقرت الحملة في جزر «قمران» بعد طرد البرتغاليين منها سنة 921هـ، بعد أن دخل المماليك في حربهم الطويلة ضد العثمانيين والتي انتهت بسقوط الدولة المملوكية سنة 923هـ.
البرتغاليون والعثمانيون

على الرغم من البعد النسبي جغرافيًا للدولة العثمانية عن مناطق الصراع في جنوب وشرق الخليج العربي، إلا إن سلاطين الدولة العثمانية كانوا يتابعون
باهتمام وتوجس النمو المطرد للقوة البحرية البرتغالية، وآثاره المتمثلة في العدوان البرتغالي المتكرر على سواحل المغرب في أصيلا والعرايش ومليلة، ثم الوثبة الكبرى إلى ظهر العالم الإسلامي في الخليج والهند.
كما كان البرتغاليون في نفس الوقت ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها زعيمة العالم الإسلامي المقبلة بعد أن تهاوت قوة الدولة المملوكية، وأنها مصدر القوة
والتهديد الحقيقي لخطط البرتغال التوسعية والتنصيرية في أرجاء المعمورة، ناهيك عن العداوة التاريخية والراكزة في قلب كل صليبي أوروبا ضد الدولة العثمانية التي فتحت القسطنطينية وأسقطت الدولة البيزنطية.
كان السلطان بايزيد الثاني والمشهور بمحاولاته المتكررة لنجدة مسلمي الأندلس أول السلاطين العثمانيين عملاً ضد العدوان البرتغالي، وذلك سنة 916هـ
عندما أرسل عدة سفن مشحونة بالسلاح والذخيرة والأموال لمساعدة المماليك ضد البرتغاليين، ولكن هذه المساعدة لم يكتب لها الوصول سالمة؛ ذلك لأن فرسان مالطة أو فرسان القديس يوحنا قد أغاروا عليها ونهبوها.
وبعد سقوط المماليك سنة 923هـ، أصبح العثمانيون خلفاءهم في المنطقة في مواجهة مباشرة مع الصليبيين البرتغاليين، وإن كانت هذه المواجهة قد تأخرت قليلاً لانشغال العثمانيين بعدة ثورات داخلية وتمردات في بداية حكم السلطان سليمان القانوني [927هـ ـ 974هـ] ثم الحروب المتتالية التي وقعت على الجبهة الأوروبية.
في سنة 958هـ أرسل السلطان سليمان القانوني حملة بحرية بقيادة الريس محيي الدين بيري وهذا الرجل من أقدر القادة البحريين وله خرائط جغرافية ومساحية
في غاية الدقة أبهرت علماء العصر الحديث، ولكنه كان مهتمًا بالتجارة ومصالحه الخاصة، فلم يهتم كثيرًا بشئون الحملة وبالتالي فشلت في تحقيق أهدافها وكان جزاؤه الإعدام على تقصيره.
أرسل العثمانيون حملة أخرى سنة 960هـ ولكنها هزمت أمام البرتغاليين، فلم ييأس العثمانيون وأرسلوا حملة أخرى سنة 962هـ بقيادة الريس حسين، فتقابلت مع الأسطول البرتغالي عند خليج «ليمة» قرب رأس مسندم.
وانتصر العثمانيون انتصارًا رائعًا على الرغم من كون الأسطول البرتغالي ثلاثة أضعاف الأسطول العثماني، واصل العثمانيون ملاحقتهم للبرتغاليين، ودارت
معركة أخرى قريبًا من مسقط، وانتصر العثمانيون مرة أخرى غير أن عاصفة بحرية قوية أفسدت فرحة الانتصار ومنعت العثمانيين من مواصلة المطاردة.
في سنة 988هـ أرسل والي اليمن سنان باشا أيام السلطان مراد الثالث حملة بحرية انطلقت من اليمن بقيادة الريس أمير علي، فحاصر مسقط ثم انتصر على البرتغاليين في هرمز، وفتح مسقط ومنها انطلق إلى ساحل إفريقيا الشرقي وهاجم المراكز البرتغالية هناك في ممباسا ومالندي ومقديشو.
وظل يقارع البرتغاليين طيلة عشر سنوات كاملة حتى رزقه الله عز وجل الشهادة على ما نحتسبه، حيث وقع في الأسر سنة 998هـ، وأرسل إلى لشبونة عاصمة البرتغال وتفننوا في التنكيل به وتعذيبه حتى مات رحمه الله.
وبالجملة نجح العثمانيون في تحجيم الخطر البرتغالي الصليبي في المنطقة، وتأمين البحر المتوسط من غاراتهم البحرية المخربة، وحماية الأماكن المقدسة من الأهداف الإجرامية التي كان يسعى لها البرتغاليون منذ أيام طاغيتهم (البوكيرك).
وانحصر الاحتلال البرتغالي في جنوب الخليج في عدة نقاط صغيرة بقيت في أيديهم من أجل الأغراض التجارية والاقتصادية المحضة، ثم ما لبثت القوة

البرتغالية في التداعي من جراء الصراع الشديد بين قوى الاحتلال العالمية على مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية، حتى وقعت البرتغال نفسها في الاحتلال الإسباني لأراضيها وذاق أهلها من نفس الكأس الذي أذاقوه لكثير من المسلمين في الهند والخليج.

===============

الصراع العثماني البرتغالي

المصدر كتاب ((الدولة العثمانية عوامل النهوض و أسباب السقوط)) بتصرف

قامت دولة البرتغال في عام 1514م بتحريك حملة على المغرب الأقصى يتزعمها الأمير هنري الملاح واستطاعت تلك الحملة أن تحتل ميناء سبتة المغربي، وكان ذلك بداية لسلسلة من الأعمال العدوانية المتتالية ثم واصلت البرتغال حملاتها على الشمال الأفريقي حتى تمكنت من الاستيلاء على اصيل، والعرائش ثم طنجة في عام 1471 للميلاد. وواصلت بعد ذلك أطماعها في مراكز هامة جداً مثل ميناء "أسفى وأغادير، وأزمورة، وماسة".
وأما عن توجه البرتغال الى المحيط الأطلسي ومحاولتهم الإلتفاف حول العالم الاسلامي فقد كان العمل مدفوعاً بالدرجة الاولى بدوافع صليبية شرسة ضد المسلمين ، حيث اعتبرت البرتغال انها نصيرة المسيحية وراعيتها ضد المسلمين ، حيث اعتبرت قتال المسلمين ضرورة ماسة وصارمة ورأت الاسلام هو العدو اللدود الذي لابد من قتاله في كل مكان.
وكان الأمير هنري الملاح شديد التعصب للنصرانية عظيم الحقد على المسلمين وقد تحصل هذا الأمير من البابا نيقولا الخامس حقاً في جميع كشوفه حتى بلاد الهند، حيث قال : (إن سرورنا العظيم إذ نعلم أن ولدنا هنري أمير البرتغال، إذ يترسم خُطى والده العظيم الملك يوحنا، وإذ تلهمه الغيرة التي تملك الأنفس كجندي باسل من جنود المسيح، قد دفع باسم الله الى آقاصي البلاد وأبعادها عن مجال علمنا كما أدخل بين أحضان الكاثوليكية الغادرين من أعداء الله وأعداء المسيح مثل العرب والكفرة...).

وقال البوكيرك في خطابه الذي ألقاه على جنده بعد وصوله الى "ملقا" مانصه: (إن ابعاد العرب عن تجارة الأفاوية هي الوسيلة التي يرجو بها البرتغاليون إضعاف قوة الاسلام).
وفي نفس الخطبة قال الخدمة الجليلة التي سنقدمها لله بطردنا العرب من هذه البلاد وبإطفاءنا شعلة شيعة محمد بحيث لا يندفع لها هنا بعد ذلك لهيب وذلك لأني على يقين أننا لو انتزعنا تجارة "ملقا" هذه من أيديهم (يقصد المسلمين) لاصبحت كل من القاهرة ومكة أثراً بعد عين ولامتنعت عن البندقية كل تجارة التوابل مالم يذهب تجارها الى البرتغال لشرائها من هناك).
وقال في يومياته: (كان هدفنا الوصول الى الأماكن المقدسة للمسلمين واقتحام المسجد النبوي وأخذ رفاة النبي محمد رهينة لنساوم عليها العرب من اجل استرداد القدس.
وقال ملك البرتغال عمانويل الأول معلناً أهداف الحملات البرتغالية: إن الغرض من اكتشاف الطريق البحري الى الهند هو نشر النصرانية والحصول على ثروات الشرق.
وهكذا يظهر للباحث المنصف أن الدافع الديني للكشوف البرتغالية كان من أهم العوامل التي دفعت البرتغال لارتياد البحار والإلتفاف حول العالم الاسلامي، فصدرت المراسيم والأوامر، ورسم الصليب والمدفع كشعار للحملات، وكان القصد من ذلك أن على المسلمين اعتناق المسيحية وإلا عليهم مواجهة المدفع.
وكان الدافع الاقتصادي في الدرجة الثانية كعامل مؤثر في سير الكشوف الجغرافية البرتغالية، فقد سهل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في عام 904هـ/1497م بواسطة فاسكو دي جاما مهمة وصول منتجات الشرق الاقصى للأسواق الأوروبية دون الحاجة الى مرورها عن طريق مصر، ولهذا ساعد تحويل الخط التجاري عن مناطق العبور العربية والاسلامية -ساعد- على تحقيق الهدف الديني وذلك لما للمجال الاقتصادي من اثر فعال في إضعاف القوة الاسلامية التي كان لها ابلغ الأثر في زعزعة أوروبا خلال عدة قرون، فضلاً عن الركود الاقتصادي الذي مُنيت به الدولة المملوكية بسبب هذا التحول المفاجئ.
ومما يجدر ذكره أن البرتغاليين استعانوا في حملاتهم باليهود الذين استخدموا كجواسيس ، وقد ساعدهم في ذلك معرفتهم باللغة العربية، وعلى سبيل المثال فقد ارسل ملك البرتغال يوحنا الثاني خادمه الخاص ومعه رفيق آخر يهودي الى مصر والهند والحبشة وكان من نتائج رحلتها تقديمها تقرير يتضمن بعض الخرائط العربية عن المحيط الهندي.
وذكر ابن اياس إنه في زمن الشريف بركات أمير مكة تسلل ثلاثة أشخاص الى مكة وكانوا يحومون حول المسجد الحرام وعليهم لباس عثماني ويتحدثون العربية والتركية، فأمر بالقبض عليهم وبالكشف على اجسامهم اتضح أنهم مسيحيون لأنهم كانوا بغير ختان، وبعد التحقيق معهم ظهر أنهم جواسيس، ارسلوا للعمل كأدلاء للجيش البرتغالي الصليبي عند دخوله لمكة، وتم بعد ذلك إرسالهم الى السلطان قانصوه الغوري.
ولتحقيق الأهداف البرتغالية رأى رواد الكشوف وساستهم ضرورة التحكم في مضيقي "هرمز" و "باب المندب" لكي يحكم أعداء الاسلام غزوهم للعالم الاسلامي من الخلف ودق عصب الإقتصاد في المناطق العربية والاسلامية ثم بالتالي نشر المسيحية في كل موقع يصلون إليه.
ونجح البرتغاليون في خططهم وتمكنوا من السيطرة على معابر التجارة في الساحل الأفريقي والخليج العربي وبحر العرب، وقاموا بمنع وصول المنتجات الشرقية الى أوروبا عن طريقها، وقد ساعدهم في تحقيق ذلك عدم وجود منافس بحري لهم، مما سهل لهم السيطرة على المراكز الهامة بيسر وسهولة، ثم لم يتورع البرتغاليون بعد ذلك عن استخدام العنف فشهدت المناطق التي وصلوا إليها واحتلوها الكثير من المجازر وإشعال النيران والتدمير، والاعتداء على حرمات الناس ومنع المسلمين من الذهاب الى الحج وهدم المساجد عليهم.
إما عن موقف المسلمين من هذا الغزو الغاشم فقد كان المماليك آنذاك في موقف لايحسدون عليه حيث اصابهم الوهن الاقتصادي والسياسي وانشغل السلاطين بمشاكلهم الداخلية ومجابهة الدولة العثمانية وقمع نشاط الفرسان الإسبتارية (فرسان القديس يوحنا) في شرق البحر الأبيض المتوسط(كانو في رودس يقومون بالتعاون مع مملكة قبرص الصليبية بهجمات على الموانئ الاسلامية والسفن التجارية المتاجرة معها لضرب التجارة التي كانت تمر بدولة المماليك عبر البحر الأحمر من الهند الى الدويلات الايطالية كالبندقية وكان الهدف ضرب ذلك الطريق التجاري المار من الدول الاسلامية واشغال المماليك عن الخطر البرتغالي في الجنوب الذي كان يهدف لفتح طريق تجاري آخر ولذلك قام المماليك أولا بمهاجمة قبرص ونجحو بعد 3 حملات في فتحها عام 1426 في عهد الأشرف برسباي ثم حاولو فتح رودس في عهد السلطان جقمق عبر 3 حملات في عام 1440 و 1443 و 1444 ولكنها لم تنجح في فتحها وبقيت رودس مستعصية الى أن تحقق فتحها للعثمانيين عام 1522) ولهذا واجه السكان في الساحل الأفريقي والخليج واليمن مصيرهم بأنفسهم، فهاجموا الحاميات البرتغالية في كل مكان، في شرق أفريقيا وفي مسقط والبحرين وقريات وعدن ، ولكن دون جدوى لاختلاف ميزان القوى.
ثم ان المماليك شعروا بالمسؤولية على الرغم من المشاكل التي كانت تعيشها دولتهم ، وبذلوا مافي استطاعتهم للحد من وصول البرتغاليين الى الأماكن المقدسة، فقام السلطان قانصوه الغوري بإرسال حملة بحرية مكونة من ثلاثة عشرة سفينة عليه ألف وخمسائة رجل بقيادة حسين الكردي الذي وصل الى جزيرة "ديو" ثم "شول" وألتقى مع الأسطول البرتغالي بقيادة "الونز دي الميدا" وذلك في عام 914هـ/1508م فكان النصر حليفه، ثم ان البرتغال عززوا قواتهم وأعادوا الكرة مرة أخرى مما أدى الى هزيمة الاسطول الاسلامي سنة 915هـ/1509م في معركة "ديو الأولى" المشهورة في التاريخ.
أما عن الدولة العثمانية فكانت في البداية بعيدة عن ساحة المعركة ويفصل بينها وبين البرتغال دولة المماليك والدولة الصفوية ومع ذلك لبى السلطان بايزيد الثاني طلب السلطان الغوري مساعدته ضد البرتغال فأرسل قطعا بحرية عثمانية بقيادة سليمان باشا الخادم او سليمان الرومي شاركت المماليك في معركة ديو الأولى، كما أرسل في شهر شوال سنة 916هـ/ 1511م عدة سفن محملة بالمكاحل والأسهم وأربعين قنطاراً من البارود وغير ذلك من المستلزمات العسكرية والأموال اللازمة. ولكن هذه المساعدة لم يكتب لها الوصول سالمة بسبب تعرضها لقرصنة فرسان القديس يوحنا.
وبعد أن ضم العثمانيون بلاد مصر والشام ودخلت البلاد العربية تحت نطاق الحكم العثماني ، واجهت الدولة العثمانية البرتغاليين بشجاعة نادرة فكان أول عمل واجهوه هو صد حملة برتغالية على جدة عام 1516 تحت قيادة لوبو سوارس ولكن الحملة فشلت(يدعى البرتغاليين أن سبب فشلها هو هبوب عاصفة حطمت سفنهم بمساعدة الصخور المرجانية في البحر الأحمر مما أدى بها الى الانسحاب) وقد قام سليمان باشا بمطاردتهم حتى عند ميناء اللحية شمالي اليمن قُبيل جزيرة كمران، واسر إحدى سفنهم وكان على ظهرها 17 برتغاليا أخذهم معه إلى جدة ووضعهم في السجن بصفتهم أسرى حرب، ثم أرسلهم إلى القاهرة، ومن هناك أرسلهم إلى السلطان العثماني في اسطنبول.
ثم انتقل العثمانيون للهجوم فتمكنو من استرداد بعض الموانئ الاسلامية في البحر الأحمر مثل: مصوع وزيلع، كما تمكنو من إرسال قوة بحرية بقيادة مير علي بك الى الساحل الأفريقي فتم تحرير مقديشو وممبسة ومُنيت الجيوش البرتغالية بخسائر عظيمة.

وفي عهد السلطان سليمان القانوني 927-974هـ/1520-1566م تمكنت الدولة العثمانية من إبعاد البرتغاليين عن البحر الأحمر ومهاجمتهم في المراكز التي استقروا بها في الخليج العربي.
لقد ادرك السلطان سليمان أن مسؤولية الدفاع عن الأماكن المقدسة هي مسؤولية الدولة العثمانية، فبادر بعقد اتفاق مع حاكمي "قاليقوط" و"كامباي" وهما الحاكمان الهنديان اللذان تأثرا من الغزو البرتغالي وكان ذلك الاتفاق ينص على العمل المشترك ضد البرتغال، ثم أعقب ذلك الإتفاق إصداره مرسوماً الى سليمان باشا الخادم والي مصر هذا نصه: (عليك يابيك البكوات بمصر سليمان باشا، أن تقوم فور تسلمك أوامرنا هذه ، بتجهيز حقيبتك وحاجتك، وإعداد العدة بالسويس للجهاد في سبيل الله، حتى إذا تهيأ لك إعداد أسطول وتزويده بالعتاد والميرة والذخيرة وجمع جيش كافٍ، فعليك أن تخرج الى الهند وتستولي وتحافظ على تلك الأجزاء، فإنك اذا قطعت الطريق وحاصرت السبل المؤدية الى مكة المكرمة تجنبت سوء ما فعل البرتغاليون وأزلت رايتهم من البحر).
وقام سليمان الخادم بتنفيذ أوامر السلطان العثماني ، ووصل بعد سبعة أيام الى جدة ثم اتجه الى كمران وبعد ذلك سيطر على عدن وعيّن عليها أحد ضباطه وزودها بحامية بلغ عدد جنودها ستمائة جندي ، ثم واصل سيره الى الهند، وعند وصوله الى ديو لم يتمكن من الإستيلاء عليها وانسحب عائداً بعد ان فقد حوالي اربعمائة من رجاله، وحاول مرة اخرى الاستيلاء على القلاع الأمامية حتى استسلمت إحداها وتم أسر ثمانيين برتغالياً ، ولولا الإمدادات الجديدة للجيش البرتغالي لاستسلمت جميع القلاع، وتمّ طرد البرتغاليين من الهند ولخضعت قلعة ديو للعثمانيين خضوعاً تاماً وهذه المعركة هي معركة ديو الثانية.

وهكذا تمكن العثمانيون من صد البرتغال وإيقافهم بعيداً عن الممالك الاسلامية والحد من نشاطهم ، كما نجحت الدولة العثمانية في تأمين البحر الأحمر وحماية الأماكن المقدسة من التوسع البرتغالي المبني على أهداف استعمارية وغايات دنيئة ومحاولات للتأثير على الاسلام والمسلمين بطرق مختلفة.
إن النجاح الذي حققته الدولة العثمانية في درء الخطر البرتغالي على العالم الاسلامي يستحق كل تقدير وثناء، فدولة المماليك كانت على وشك الانهيار، ورغم أنها واجهت البرتغاليين بقدر ما تستطيع وحققت بعض النتائج الا أنها لم تكن على مستوى من القوة يكفل لها الوقوف طويلا أمام الغزو البرتغالي وبتلك القوة التي واجه بها العثمانيون البرتغاليين فتحملت الدولة العثمانية أعباء الدفاع عن حقوق المسلمين وممتلكاتهم، ونجحت أيما نجاح في الحد من مطامع الغزاة ووصولهم الى الأماكن المقدسة كما كانوا يرغبون.
أما عن الدولة الصفوية فقد تخلت عن مساعدة سكان المناطق التي وصل إليها الغزو البرتغالي، فتركت مدن الخليج العربي تواجه مصيرها بنفسها، وزادت على ذلك أن سارت الدولة الصفوية في فلك الأعداء ولبت رغباتهم خاصة وأنها على عداء وخلاف مذهبي مع المماليك والدولة العثمانية ولذلك نجد البوكيرك القائد البرتغالي يستغل هذا الموقف ويرسل في عام 915هـ/1509م مبعوثه "روى جومير" ومعه رسالة ذكر فيها: (اني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، واعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة ، وسيجدني الشاة بجانبه على امتداد الساحل الفارسي ، وسأنفذ له كل مايريد).
وقد صادف هذا العرض أو هذا الموقف الفترة التي كانت القوات العثمانية تتوجه فيها لمجابهة الصفويين على الحدود، حيث كانت بعد ذلك معركة جالديران سنة 920هـ/1514م التي انهزم فيها الفرس هزيمة ساحقة أمام الجيش العثماني، مما جعلهم - أي الفرس- أكثر استعداداً للتحالف مع البرتغاليين ضد العثمانيين، فكانت فرصة البرتغال التي لاتعوض لاسيما وأنهم يدركون مدى الخطر الذي يُهددهم ويقلق أمنهم من قبل الدولة العثمانية ، فاستغلوا احتلالهم لهرمز عام 921هـ/1515م وارتبطوا بعد ذلك مباشرة مع الصفويين بمعاهدة كان من أهم بنودها؛ تقديم البرتغال أسطولها لمساعدة الشاة في حملته على البحرين والقطيف مقابل اعتراف الشاة بالحماية البرتغالية على هرمز، وتوحيد القوتين وفي حالة المواجهة مع الدولة العثمانية عدوهما المشترك .
ويظهر أن البرتغال رأوا في تحالفهم مع الصفويين وسيلة تحقق عدم الوفاق بين الدول الاسلامية التي فيما لو اتحدت ضدها لما تمكنت من السيطرة على مقدرات الشعوب في مناطق الخليج والبحر الأحمر وعدن وغير ذلك من الاماكن التي خضعت للسيطرة البرتغالية؛ ومن جهة اخرى فإن التحالف الصفوي البرتغالي والوضع السياسي والاقتصادي المتدهور لدى دولة المماليك، كل ذلك جعل الدولة العثمانية تتحمل المسؤولية كاملة في الدفاع عن الأماكن الاسلامية في كل موقع حاول البرتغاليون الوصول إليه والسيطرة عليه .
لقد كان من نتائج الصراع العثماني البرتغالي:
1- احتفظ العثمانيون بالاماكن المقدسة وطريق الحج.
2- حماية الحدود البرية من هجمات البرتغاليين طيلة القرن السادس عشر.
3- اعاد العثمانيون نسبيا فتح الطرق التجارية التي تربط الهند واندونيسيا بالشرق الادنى عبر الخليج العربي والبحر الأحمر وحصلت بعض عمليات تبادل البضائع الهندية مع تجار أوروبا في أسواق حلب، والقاهرة واسطنبول ففي سنة 1554م اشترى البندقيون وحدهم ستة آلاف قنطار من التوابل وفي الوقت نفسه كانت تصل الى ميناء جدة عشرين سفينة محملة بالبضائع الهندية (توابل ، أصباغ، أنسجة) ولكن مع ذلك لم يستطيعوا القضاء على الطريق الجديد الذي اكتشفه البرتغاليون في رأس الرجاء الصالح بسبب فشلهم في الاستيلاء على ديو وهو الطريق الذي استمر البرتغاليون برعايته وشجعو بذلك دول بحر الشمال على التطلع الى تلك المنطقة فحل محلهم الهولنديون بعد ذلك بقرن ثم الانجليز وفي محاولة من الدولة العثمانية لاعادة نفس القوة الى الطريق القديم قامو بتشجيع الدول الأوروبية عبر نظام الامتيازات الممنوحة للدول الأوروبية وكان للفرنسيين منها في البداية نصيب الأسد ولكن كان لتلك الامتيازات فيما بعد تاثير سلبي ساهم في فترات ضعف الدولة العثمانية في زيادة تدخل الأجانب في داخلها.

============

هناك جزء ناقص

العمانيون لهم دور كبير في صد هذا العدوان ....
البرتغاليون وصلو للبحرين ولكن لم يتمكنوا من بسط سيطرتهم عليها
بالأضافه هناك أبيات من الشعر قالها أحد حكام البحرين آل خليفه ينتقد فيها الشيعه البحرينيين وأنهم تخاذلوا عن الدفاع عن البلاد ضد العدوان البرتغالي وأضطرت الحكومة للأستعانه بقبائل العرب من الجزيرة للدفاع عن البحرين.
سأحاول أحضارها حتى تعرفوا كيف أن الخيانه متجذرة في النفسية الشيعية ...


===========

شعر
محمد أحمد آل خليفة عن خذلان الشيعة و جبنهم



وش عندهم عيال شبر ومرهون ضجيجهم عالي بليا سبايب
في كل يوم بالقرايا يحرقون ومحد من الشرطة ولا الحكم هايب
ان كان هم للحكم ياشيخ يبغون تراها علينا من كبار المصايب
الحكم ما يصلح لهم لو يصرخون نحاربهم في حزة الضيق نايب
عشنا معاهم طيلة اعوام وقرون ما ساعدونا في الوغى والنوايب
جيوشنا من خارج الدار ياتون ويآزرونا بالسفن والركايب
وعيال شبر مانرى منهم العون والظن فيهم طيلة العمر خايب

ترهم الى جات الصعايب يخافون مافيهم اللي ينتخي للحرايب
رحنا الى بعيد العرب نطلب العون وعلمنا معاشرهم ولوهم قرايب
العجم داسوهم وهم يستذلون ومحد رفع لهم صوت بالطلايب
والبرتغال خلاّ نِساهم يحملون من السِّفاح وصيدهم في الخرايب
ولازالوا حتى اليوم بالعار يمشون عيونهم (خضرا) لذيك السبايب
واللي عليه العار يركع مع الهون ويعيش في الدنيا ذليل وخايب
رووهم الشدة ابد لا تغفلون بلادكم لا تجعلوها نهايب
أشوفهم للقتل في الناس يسعون ... اما ترى يا شيخ هذي عجايب
كلهم من الجشة اتونا يسبحون ومن القطيف ومن جميع الخرايب
كلهم اجانب عقبنا جاو يلفون دار العتوب اهل الصخا والوهايب


سبحان الله الشيعي خائن لايمكن الوثوق فيه حتى للدفاع عن بلدة
هذة القصيدة سجلت وصمة عار سيحملها الشيعه على مدى التاريخ
واليوم يتكرر المشهد ويتكرر طلب الحكومة البحرينية للجيوش من الجزيرة العربية
بالفعل الشعر تاريخ العرب


=============

اليعاربة (1624 – 1743م) توحيد البلاد وطرد البرتغاليين

اليعاربة (1624 – 1743م)

توحيد البلاد وطرد البرتغاليين

السيطرة البرتغالية :

كان اكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م و وصولهم الى الهند سنة 1498م بداية عصر جديد في تاريخ العالم بعامة والعرب بخاصة, ذلك لان البرتغاليين منذ وصولهم إلى الهند قد شرعوا يفرضون سيطرتهم علىالمحيط الهندي واحتكارهم للتجارة الشرقية, وعملوا على تدمير السفن العربية التي كانت تقوم بنقل هذه التجارة من الهند الى الخليج العربي أو البحر الأحمر.
وحتى يحكم البرتغاليون سيطرتهم على هذه الطرق الملاحية قاموا سنة 1506م باحتلال جزيرة سوقطرة وجزر الحلانيات (كوريا – موريا) ثم اتجهوا نحو ساحل عمان فاستولوا على قلهات وقريات واحرقوا السفن الموجودة فيهما, ثم قاموا بحصار مسقط فسقطت بعد مقاومة باسلة فاشعلوا فيها النيران واحرقوا السفن الراسية في الميناء, اما بالنسبة لسكان المدينة فقد قتل البرتغاليون اعداد كبيرة منهم, وكان هدف البرتغاليين من ذلك ارهاب سكان المنطقة حتى لا يفكروا في مقاومتهم(1)

وعقب سقوط مسقط استولى البرتغاليون على صحار ومنها اتجهوا الى خور فكان فاستولوا عليها بعد
المدن العمانية التي تعرضت للغزو البرتغالي
مقاومة شديدة وفعلوا بها وبسكانها ما فعلوه بمسقط وسكانها.
وفي السنة التالية قام البرتغاليون بحصار مدينة هرمز والاستيلاء عليها بعد معركة بحرية كبيرة واجبروا حاكمها على توقيع اتفاق ينص على :
(1) دفع غرامة حربية باهظة واتاواة سنوية كبيرة.
(2) اعفاء البضائع البرتغالية من الرسوم الجمركية.

(3) منع السفن المحلية من القيام بالتجارة في الخليج الا بعد الحصول على اذن من البرتغاليين.
أسباب الغزو البرتغاليين لعمان :
وجد البرتغاليون ان العمانيين هم أكبر منافس لهم في تجارة الشرق, فقد كان العمانيون يسيطرون على هذه التجارة منذ زمن بعيد جدا, وحاول البرتغاليون القضاء على هذه المنافسة عن طريق التغلب على قوة العمانيين البحرية. وكان البرتغاليون, في الوقت نفسه, يحاولون إضعاف العمانيين العرب المسلمين, لان هدفهم كان محاربة الاسلام في كل مكان.
أرسل ملك البرتغالي حملة بحرية بقيادة السفاح البرتغالي الشهير البوكيرك لغزو سواحل الخليج العربي وخاصة عمان التي كانت تشكل أكبر قوة عربية في الخليج العربي, وحرمانها من التجارة مع الهند وشرقي أفريقيا. وقد استطاع البوكيرك أن يفاجىء السفن العمانية الراسية في الموانىء ويدمرها واحتل قلعة قلهات سنة 1507م ثم احتل قريات, ومسقط, وخورفكان وخربها بعد أن كانت مزدهرة. واحتل ايضا صحار, وارتكب فيها فظائع وحشية تدل على حقده على المسلمين, فقتل عددا كبيرا من السكان, ثم حاصر هرمز واحتلها سنة 1508م وأسس فيها أول قلعة برتغالية في الخليج, وكانت عمان قبل قدوم البرتغاليين تعيش في رخاء من الزراعة والتجارة, إلا أن الغزو البرتغالي قطع تجارة العمانيين وخرب المناطق الساحلية.
وكتب البوكيرك عن مسقط يقول : ” ان مسقط مدينة ضخمة كثيرة السكان .. وفيها بساتين وحدائق ومزارع للنخيل وبرك من الماء لريها بواسطة محركات خشبية, اما ميناؤها فصغير وله شكل حدوة الحصان, يوفر الوقاية من كل الرياح … كانت مسقط في الآونة الأخيرة سوقا لنقل الخيول والتمور. وهي مدينة على درجة كبيرة من الأناقة والجمال, ومنازلها بديعة جدا, تمون من المناطق الداخلية بكميات كبيرة من القمح والذرة والشعير والتمور, تكفي لتحميل كل السفن التي تأتي لابتياعها”.
لم يقبل العمانيون الخضوع للبرتغاليين فظلوا يغيرون على الحصون البرتغالية حتى ان البرتغاليين كانوا يخشون مغادرتها, وثاروا عليهم في هرمز ومسقط وقريات وصحار سنة 1521م. استمرت السيطرة البرتغالية على السواحل العمانية حوالي مائة عام. وقد حاول العثمانيون المسلمون طرد البرتغاليين من الخليج وبالرغم من عدم نجاحهم في ذلك, الا انهم تمكنوا من اضعافهم واخافتهم, فقام البرتغاليون ببناء حصنين جديدين هما قلعتا الميراني والجلالي في مسقط سنة 1588م.

القلعة الميراني القلعة الجلالي
___________________
(1) كان قائد البرتغاليين في هذا العدوان الاجرامي الاثم “الفونسو البوكيرك”.
قيام دولة اليعاربة في عمان :
كان البرتغاليون يحتلون الساحل العماني, وكانت عمان مقسمة إلى مدن و مناطق يدير كلا منها حاكم وكان هؤلاء يتنازعون فيما بينهم. اجتمع رجال العلم والدين وأهل الحل والعقد في الرستاق واختاروا ناصر بن مرشد اليعربي إماما على عمان عام 1624م, واقسموا أن يخلصوا له في حربه ضد البرتغاليين المستعمرين.

ينتمي الإمام ناصر بن مرشد إلى قبيلة يعرب التي كان مقرها في الرستاق, ويرجع اختياره إلى صفات شخصية كان يتحلى بها مثل الاستقامة والنزاهة والتدين, لذلك يعتبر الإمام ناصر بن مرشد من اعدل الأئمة الذين ظهروا في عمان.
قال بعض المؤرخين ” ان الامام ناصر بن مرشد جعل ” شمس الخلاص” تطلع على شعب عمان بعد ان ظل يعاني ردحا طويلا من الزمن”.
كان قيام دولة اليعاربة في عمان ممثلة بالإمام ناصر بن مرشد نقطة تحول في تاريخ عمان والخليج ومنطقة المحيط الهندي :
§ توحدت البلاد تحت حكم مركزي قوي.
§ تحررت البلاد من الاحتلال البرتغالي البغيض ومن ثم انتهى الوجود البرتغالي في المنطقة العربية كافة.
§ تحرر الساحل الشرقي لإفريقيا من الاحتلال البرتغالي و أصبح تابعا لحكم دولة اليعاربة.
§ تم إنشاء أول أسطول عربي تجاري وحربي نشر راية عمان في المياه العالمية.
§ اعتنى اليعاربة بنشر التجارة بين بلادهم وبلدان الخليج وبين العالم الخارجي.
§ اهتم اليعاربة بالزراعة وجلب المحاصيل الزراعية.
§ تم إنشاء الحصون والقلاع التاريخية الشهيرة في عمان والتي تشهد بروعة فن العمارة في القرن السابع عشر الميلادي.

2. توحيد عمان والجهاد ضد البرتغاليين على البر العماني في عهد الإمام ناصر بن مرشد 1624م – 1649م.
بدأ الإمام ناصر عهده بالعمل على استتباب الأمن وتوحيد البلاد في دولة مركزية قوية, حيث إن عمان كانت مقسمة إلى مدن ومناطق على كل منها حاكم, وبعد أن نجح في هذه المهمة, أصبح لديه جيش موحد قوي, فتوجه إلى مقارعة البرتغاليين.
اعد الإمام قوات كبيرة بقيادة الشيخ مسعود بن رمضان وذلك لمواجهة البرتغاليين في مسقط ومطرح وقد اتخذ الشيخ مسعود من منطقة مطرح مركزا لتجمع قواته. تقابل العمانيون والبرتغاليون في ” طوى الرولة ” حيث انتصرت قوات الإمام وهزمت البرتغاليين, وهدمت بعض الأبراج والمباني التي تحصنوا بها, ولكن مسقط لم تسقط في يد قوات الإمام, انتهت المعركة بعقد الصلح كانت شروطه في صالح العمانيين ومن هذه الشروط :
§ أن يتنازل البرتغاليون عن كل الأراضي والمباني التابعة لهم في منطقة صحار.
§ و أن يدفعوا الجزية كل عام
§ و أن يسمحوا للعمانيين بزيارة مسقط دون أية عقبات.

طلب الإمام ناصر من واليه ” حافظ بن سيف ” على منطقة ” لوى ” أن يستولي على صحار ويبني فيها قلعة, وقد تمكن حافظ بن سيف من هزيمة البرتغاليين في منطقة ” البدعة ” في صحار عام 1633م.
جهز الإمام جيشا كبيرا بقيادة القاضي خميس بن سعيد الشقصي وأمره بالتوجه لتأديب البرتغاليين في مسقط بحجة رفضهم مواصلة دفع الجزية. وعندما وصل الجيش إلى مطرح اضطر البرتغاليون إلى عقد اتفاق جديد تعهد البرتغاليون بموجبه بدفع الجزية وتسليم المناطق التي يسيطرون عليها وعدم تعرضهم لتجارة المسلمين.
كلف الإمام ابن عمه ” سلطان بن سيف ” بحرب البرتغاليين في كل من صور و قريات, وكان التوفيق حليفه في هذه الحروب حيث استولى عليها.
وهكذا, فعندما توفي الإمام ناصر بن مرشد عام 1649م دفن بنزوى ولم يعقب الا ابنة واحدة, لم يكن بيد البرتغاليين إلا مسقط.

3. تصفية الوجود البرتغالي الذي كان موجودا في مسقط في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول 1649 – 1680م.
وجه الإمام سلطان النداء لكل القبائل أن تلتقي به في ” سيح المرمل” عام 1650م واتخذ من امتناع البرتغاليين عن دفع الجزية ذريعة لاستئناف القتال ضدهم, ومن ” طوى الرولة ” اخذ الإمام سلطان يشن الهجمات ضد البرتغاليين الذين قاوموا الهجوم من حصون ” مسقط” وأبراجها وجبالها. وفي اليوم الموعود وعلى حين غرة وبعد أن صلى الإمام صلاة الفجر وصلاة الحرب تقدم بسرعة على رأس قواته حتى وصل إلى جبل الوادي الكبير في مسقط, حيث بدأ العمانيون اعنف هجوم على البرتغاليين, واندفعوا داخل الحصنين حيث دمروا الأبراج على من فيها من البرتغاليين. ولم يوقفهم احد لان البرتغاليين كانوا في غير وعيهم, وبذلك تمكن العمانيون من قتل أفراد الحامية البرتغالية بالسيوف والرماح.

هاجم العمانيون حصن مطرح, ولكن القائد البرتغالي وافق على التسليم, ولم يبق غير سفينتين برتغاليتين ترابط أحداهما حول
المقاومة الباسلة التي أبداها العمانيون ضد البرتغاليين
مطرح والأخرى أمام مسقط تطلقان نيرانهما على العمانيين.
أرسل الإمام عددا من المجاهدين البحريين العمانيين للغوص تحت الماء لإغراق هاتين السفينتين وقد نجحت مغامراتهم وتم اغراقهما.
خسر العمانيون نحو خمسة آلاف شهيد, وأما البرتغاليون فقد تم القضاء عليهم جميعا.
عين الإمام ابنه ” بلعرب ” واليا على مسقط وعاد هو إلى نزوى وقد أرسل نائب ملك البرتغال في الهند قوات من “جوا” لتخليص مسقط لكنها فشلت وانهزمت.
استقبل الإمام استقبال الأبطال في نزوى بعد هذا الانتصار العظيم, وصمم على أن يواصل الجهاد ضد البرتغاليين على امتداد شواطىء المحيط الهندي.
” يتفق المؤرخون عموما على ان الخطوط الدفاعية الحصينة في مسقط … انما سقطت بنتيجة خدعة حربية حرمت البرتغاليين من وصول المؤن اليهم ومكنت العمانيين من مهاجمة قلاعهم بنجاح. وعندما استسلم القائد البرتغالي في مطرح بعد ذلك للإمام كان استسلامه بمثابة خاتمة للنفوذ البرتغالي في عمان”

4. اليعاربة يكونون قوة بحرية عظيمة :
رأى الإمام سلطان بن سيف الأول 1649 – 1680م أن ينقل جهاده ضد البرتغاليين من البر إلى البحر فصمم على تكوين قوة بحرية عظيمة ولقد نجح في ذلك هو من جاء بعده وأصبح الأسطول العماني في عهد اليعاربة سيد المحيط الهندي والخليج العربي طيلة نهاية القرن السابع عشر و أوائل القرن الثامن عشر, وأصبح على درجة من القوة تخشاه فيها الأساطيل الإنجليزية والهولندية.

وقد كانت قوة الأسطول العماني زمن الإمام سلطان بن سيف الثاني 1711 – 1718م على النحو التالي :
تكون الأسطول العماني من عدد من السفن الحربية منها سفينة حربية واحدة مجهزة بحوالي أربعة وسبعين مدفعا, كما ضم سفينتين كل واحدة منهما مجهزة بحوالي ستين مدفعا, وسفينة ذات خمسين مدفعا وثماني عشرة سفينة مجهزة كل منها بمدافع يتراوح عددها بين اثني عشر إلى اثنين وثلاثين مدفعا كما يتبع هذا الأسطول عدد من السفن والقوارب المجهزة بأربعة إلى ثمانية مدافع صغيرة الحجم والمدى, كما أن الأسطول التجاري يشترك مع الأسطول الحربي في العمليات الحربية المختلفة.

5. الامتداد العماني في مناطق الخليج العربي والمحيط الهندي :
شهدت منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي منذ العصور القديمة سيطرة عمان على مياهها, لكن هذه السيطرة ضعفت بوصول البرتغاليين إلى المنطقة, ولم يستسلم العمانيون لتلك السيطرة فبعد تطهير الأرض العمانية عادت السيادة العمانية على مياه مناطق الخليج العربي والمحيط الهندي.

أ‌- أراد الإمام سلطان بن سيف الأول 1649 – 1680م استكمال طرد البرتغاليين فأرسل عدة حملات إلى
الإمام سلطان بن سيف يطارد البرتغاليين
المحيط الهندي ضد البرتغاليين وهي :
§ حملة إلى بمباي عام 1655م عادت بغنائم كثيرة.
§ حملة إلى جزيرة قشم التي كانت تابعة للبرتغاليين عام 1668م.
§ حملة إلى ديو في غرب الهند التي كانت تعتبر من اكبر مراكز البرتغاليين في الشرق وقد استولى في هذه الحملة على غنائم وثروات كبيرة, استطاع بها أن يبني قلعة ” نزوى” وقد استغرق بناء هذه القلعة 12 عاما وهي ذات ثمانية أضلاع متساوية وان كانت تبدو دائرية الشكل. ويوجد بها سراديب كانت تستخدم مخازن للأسلحة وفوق سطحها مجموعة من المدافع الثقيلة.


الإمام سيف بن سلطان الأول يواصل مد النفوذ العماني إلى مناطق الخليج العربي والمحيط الهندي

- شرق أفريقيا :
كما أرسل الإمام سلطان بن سيف الأول السفن العمانية أمام سواحل أفريقيا الشرقية أعوام 1650, 1652, 1655م وذلك لمهاجمة المستعمرات البرتغالية في زنجبار وبمبا فدمرتها وقتلت عددا من البرتغاليين و استولى المهاجمون على كل ما وقع تحت أيديهم كما حاصر ممباسا مدة خمس سنوات وقضى على البرتغاليين فيها.

ب‌- في عهد الإمام سيف بن سلطان الأول (1692 – 1711م)
هاجم الأسطول العماني بارسلور و مانجالور, وهما مدينتان هامتان على ساحل الهندي الغربي قرب بومباي, وعاد الأسطول بكثير من الغنائم, كما نجحت دولة اليعاربة في عهد الإمام سيف بن سلطان الأول في وضع حد للنفوذ البرتغالي في شرق أفريقيا حين نجح عام 1696م الأسطول العماني في تدمير الحاميات البرتغالية الموجودة في بمبا (قرب الساحل الأفريقي).

أهم المراكز البرتغالية والإسلامية في شرق أفريقيا
وتمكن بعد حصار ممباسا الذي استمر 33 شهرا من عام 1696 إلى عام 1698م من هزيمة البرتغاليين وطردهم من المدن والجزر على الساحل الشرقي لإفريقيا وتعيين ناصر بن عبدالله حاكما على ممباسا. وهكذا امتدت السيادة العمانية في شرق أفريقيا من رأس دلجاو جنوبا حتى مقديشو شمالا.
ت‌- في عهد الإمام سيف بن سلطان الثاني :
انتهز الإمام فرصة طلب المساعدة من سكان الساحل الشرقي لأفريقيا ضد البرتغاليين الذين عادوا لمراكزهم السابقة هناك, فبعث بأحد رجاله ويدعى محمد بن سعيد العمري ليكون نائبا عنه في حكم ممباسا بعد استعادتها من يد البرتغاليين الذين انتهت سيطرتهم, وأصبحت هذه البلاد منذ ذلك الحين تابعة لعمان وتقوم بدفع الجزية السنوية إليها.
وهكذا ما أن بدأ القرن الثامن عشر حتى كان اليعاربة يحكمون دولة يمتد نفوذها السياسي ليطغى منطقة الخليج وسواحل أفريقيا الشرقية.

6. نهاية دولة اليعاربة :
عندما تولى الإمام سيف بن سلطان الثاني, بدأ ضعف دولة اليعاربة نتيجة للخلافات الداخلية مما فتح المجال للتدخل الأجنبي في شؤون البلاد.
و إزاء هذا الموقف المتدهور اجتمع علماء عمان وشيوخها في مدينة “نخل” لإيجاد الحل المناسب للخروج من هذه الأزمة, وبايعوا للإمام سلطان بن مرشد اليعربي عام 1741م الذي تمكن من القضاء على الفتن الداخلية واتخذ الرستاق عاصمة له.
وفي هذه الأثناء أرسل ” نادر شاه ” ملك الفرس جيشا لغزوا عمان, واتجه قسم منه إلى مدينة مسقط والقسم الأخر إلى مدينة صحار. أما جيش مسقط فقد هزمه الإمام سلطان بنفسه حين صمد والي صحار ” أحمد بن سعيد ” في وجه الجيش الفارسي ودافع عن المدينة دفاع الأبطال, و أوقف تقدم القوات الفارسية. وهنا سارع الإمام سلطان بن مرشد لنجدة والي صحار, بعد أن جمع أعداد كبيرة من العمانيين.
عندما وصل الإمام سلطان بالقرب من صحار, وضع خطة حكيمة لتدمير القوات الفارسية و فك الحصار عن المدينة, فأتصل مع الوالي و عين ساعة الصفر, وبذلك تم الهجوم على الفرس و محاصرتهم حتى أصبحوا تحت رحمة القوات العمانية. وهكذا نجح العمانيون في اقتحام دفاعات العدو و تشتيت شملهم, غير أن الإمام ما كاد يصل إلى الحصن حتى أصيب بطلق ناري في صدره أصابه على أثره نزيف توفي بعده داخل حصن صحار.
و تعتبر وفاة الإمام سلطان بن مرشد علامة بارزة لنهاية دولة اليعاربة حيث قام اثنان من رجال اليعاربة هما : ” بلعرب بن حمير ” و ” ماجد بن سلطان” يطالبان بالإمامة. وهنا وقف الشعب العماني ممثلا في علمائه وشيوخه واجمعوا على المبايعة للوالي ” أحمد بن سعيد ” وذلك تقديرا لجهوده الجبارة و استبساله في الدفاع عن الوطن.
و بمبايعة ” أحمد بن سعيد ” إماما على عمان, يكون قد انتهى عهد اليعاربة وبداية عهد جديد دولة البوسعيد.
تميزت الفترة الأولى لدولة اليعاربة بإعتماد المنهج الإسلامي، حيث ألغيت الضرائب مثلا و أعتمدت الزكاة مكانها.
معالم الحضارة في زمن اليعاربة
لقد قام اليعاربة بعملين عظيمين وهما : توحيد عمان, وتحريرها من البرتغاليين وفي عهدهم أصبحت البلاد تنعم بالوحدة والاستقرار وعلى اثر ذلك تقدمت حضارة عمان في النواحي التالية
التجارة العمانية
لقد أدت الانتصارات التي أحرزها اليعاربة على البرتغاليين الى تحرير سواحل الخليج العربي وشرقي أفريقيا من النفوذ البرتغالي وتوطيد النفوذ العماني في تلك الأرجاء خاصة وان العمانيين سكنوا في سواحل شرقي أفريقيا منذ القدم. فازدهرت تجارة عمان مع شرقي أفريقيا والهند وأصبحت السفن العمانية تجوب البحار آمنة مطمئنة حاملة الخيرات الى عمان من جميع الجهات. كما استفادت المدن العمانية الساحلية فائدة كبيرة من الجمارك والرسوم التي كانت تحصلها على البضائع المارة بتلك الموانىء حتى بلغ دخل مسقط من هذه الرسوم أكثر من 300 ألف روبية0
الأسطول
أصبحت عمان في عهد اليعاربة قوة بحرية عالمية في البحار الشرقية تحسب حسابها الدول الأوروبية, والدليل على تلك القوة البحرية العمانية أنها تصدت للبرتغاليين الذين كانوا يعدون من أقوى الدول البحرية في العالم. وقد بدأ اهتمام اليعاربة بالأسطول منذ عهد مؤسس دولتهم الإمام ناصر بن مرشد, الا ان الفضل يعود الى الإمام سيف بن سلطان في انشاء أسطول عماني قوي جعل عمان سيدة على البحار الشرقية وكان في آخر عهده يتألف من 28 سفينة منها واحدة كبيرة اسمها الفلك مسلحة بثمانين مدفعا, والسفن الباقية مسلحة بمدافع يتراوح عددها بين 60 مدفعا و12 مدفعا, ومن عدد كبير من الزوارق الحربية تحمل من 4 – 8 مدافع واستطاعت عمان بفضل هذا الأسطول أن تقدم العون للبلاد العربية الأخرى التي استنجدت بها وخاصة في منطقة الخليج العربي وشرقي أفريقيا 0
الزراعة
عندما اصبحت البلاد تنعم بالوحدة والاستقلال وعندما اطمأن اليعاربة الى تأمين السواحل العمانية من الأطماع الأجنبية اخذوا يهتمون بالشؤون الداخلية فوجهوا اهتمامهم الى الزراعة, وشقوا القنوات والافلاج, كما فعل الامام سلطان بن سيف الذي شق قناة بين ازكي ونزوى, والامام سيف بن سلطان الذي بنى قنوات جديدة وأصلح عددا من القنوات القديمة اهمها قنوات الرستاق والحزم واليازلي في منطقة الظاهرة. وشجع زراعة أشجار النخيل وامتلك هو نفسه عددا كبيرا منها. وقد ادى هذا كله الى توفير المواد الغذائية واصبحت اسعارها رخيصة واصبحت عمان تنتج كميات كبيرة من التمر0
العلوم
اهتم الأئمة اليعاربة بالعلوم فقربوا اليهم الفقهاء والعلماء, وانشأ الإمام بلعرب بن سلطان مدرسة عالية للعلوم الشرعية تخرج فيها عدد كبير من العلماء الذين ساهموا في اتمام النهضة الحضارية في البلاد. وكان طلاب هذه المدرسة يتلقون علومهم مجانا وتصرف لهم رواتب لتغطية نفقات معيشتهم0
العمران والقلاع
كان من الطبيعي ان يهتم الأئمة اليعاربة بإنشاء القلاع وتجديد القلاع القديمة ليتمكنوا من مواجهة البرتغاليين, ومن اشهر هذه القلاع قلعة نزوى التي بناها الامام سلطان بن سيف, وقلعة جبرين التي انشأها الإمام بلعرب بن سلطان وقلعة الحزم التي انشأها الامام سلطان ابن سيف الثاني


===============

سيطرة البرتغاليين على موانئ عمان والبحرين

في القرن السادس عشر

?د. خالد سالم باوزير (é)

كان لحركة الكشوف الجغرافية أثر بارز في نمو وانتعاش اقتصاد القارة الأوروبية الذي انعكس على تطور التجارة الدولية مع العالم الخارجي وفتح أسواقاً جديدة لها ، علاوة على اكتشاف مناطق مجهولة وطريق جديد للوصول إلى الشرق . وينبغي أن نشير إلى أن حركة الكشوف الجغرافية كانت جزءاً من التطورات التي طرأت على المجتمع الأوروبي في إطار تحوله من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الرأسمالي([1]).
شهدت دول أوروبا منذ أواخر القرن الخامس عشر تغييرات اجتماعية وثقافية تمخضت عن سلسلة تحولات سياسية هزت دول أوروبا ونقلت هذه الدول إلى طور حضاري أكثر تقدما ([2]).
لقد تَبَنَّت أسبانيا والبرتغال حركة الكشوف الجغرافية منذ البداية وسيطرتا على التجارة ؛ فتولت أسبانيا النشاط التجاري مع العالم الجديد (القارة الأمريكية ) والثانية مع التجارة في قارة
آسيا([3]).
وكان اكتشاف الملاح البرتغالي فاسكوا ذي جاما رأس الرجاء الصالح في سنة 1498 م فاتحة لعصر جديد سيطرت فيه دولة البرتغال على التجارة في مناطق الشرق ؛ وكونت إمبراطورية امتدت من الخليج العربي غربا إلى موانئ الصين شرقا . واحتكرت التجارة الأوروبية مع قارة آسيا وسيطرت كذلك على تجارة آسيا الداخلية ومن ثم حولوا التجارة من طرقها التقليدية البرية عبر الشرق الأدنى إلى الطريق البحري عبر رأس الرجاء الصالح([4]).
لقد بدأ فاسكوا ذي حاما رحلته الشهيرة من ميناء ديستينوا في لشبونة في 8 يوليو 1497 ؛بعدد من السفن بلغ عددها من 4-5 سفن ومن البحارة بين 118-150 وبعد دورانه حول رأس الرجاء الصالح ومروره بالموانئ الواقعة على ساحل الشرق الإفريقي وصل فاسكوا بمعونة الملاح العربي أحمد بن ماجد ومرافقته إلى مدينة كاليكوت الهندية على ساحل ملبا رفي عشرين مايو1498. وعندما عاد إلى بلاده البرتغال وجد أن الأرباح قد تجاوزت تكاليف الرحلة بحوالي ست مرات([5]).
إن نجاح فاسكوا ذي جاما كان حافزا لملك البرتغال على الاستمرار في إرسال حملات أخرى لاتهدف الى كشف المجهول فحسب ، وإنما إلى السيطرة المصحوبة بوحشية كبيرة .
وتتابعت الحملات البرتغالية بعد رحلة فاسكوا والنجاحات التي تحققت، وفي عام 1505كانت الحملة التي قادها ( دالميدا) وهو أول من عين في منصب نائب ملك البرتغال في الهند1505-1509 م والذي اتخذ من مدينة لوشن مقرا دائما له، ومن هذا التاريخ عدت البرتغال أول حكومة استعمارية أوروبية أنشئت في بلاد الشرق لحماية المصالح الحيوية البرتغالية هناك ولتحقيق الاحتكار التجاري لسلع الشرق في السيطرة على مصادر إنتاجها في شبه القارة الهندية ([6]).
تواصلت الحملات البرتغالية بعد ذلك . والذي يعنينا من هذه الحملات حملة الفونسو البوكيرك عام 1506 لأنها كانت قد مهدت لتوسع البرتغاليين في شرق الجزيرة العربية وكانت الأوامر الصادرة الى الفونسو البوكيرك هي الاستيلاء على المؤانئ المطلة على خليج عدن وبحر العرب واحتلال جزيرة هرمز والمضيق ومن ثم إغلاق مدخل الخليج العربي ومن ثم التوجه إلى بلاد الهند لاحتلال مدينة كوا واتخاذها ميناء لتصدير البضائع وكذلك اتخاذها قاعدة عسكرية لغرض ضرب السفن العربية والهندية المحملة بالبضائع المتجهة إلى الموانئ العربية الإسلامية([7]).
لقد أبحر الفونسو البوكيرك على رأس أسطول يضم أربعين سفينة يساعده ذي كونها الذي كلف باحتلال جزيرة سقطرى اليمنية في بحر العرب . لاحتلالها واتخاذها قلعة وقاعدة بحرية لقطع الطرق وضرب السفن التجارية العربية المتجهة إلى مؤانئ خليج عدن ولقد فعلوا ذلك في عام 1507 م بعد معارك حامية الوطيس مع أهالي الجزيرة تكبد خلالها البرتغاليون خسائر جمة ([8]).
لقد كان احتلال جزيرة سقطرى([9])، بداية لدخول البرتغاليين منطقة الخليج العربي ، وتطبيقا عمليا للخطة العسكرية البرتغالية لاحتلال سقطرى ومن ثم الاتجاه نحو مؤانئ الساحل الحضرمي اليمني مثل ميناء الشحر الذي حاول البرتغاليون احتلاله إلا أن سكان الشحر قاوموا الاحتلال. وقدموا العديد من الشهداء . إلا أن البرتغاليين اتجهوا لاحتلال مضيق هرمز وموانئ الساحل العماني مثل ميناء مسقط ورأس الحد وقلهات وقريات وصور وخور فكان([10]). بعد أن واجهوا مقاومة شرسة من السكان العرب في هذه المؤاني إلا أن الفروق في التجهيزات والاستعدادات والتسليح وعدم صلاحية السفن العربية للمقاومة لأنها في مجملها سفن تجارية بحتة ومن هنا نجح الغزاة البرتغاليون في فرض السيطرة على هذه الموانئ العمانية وخاصة ميناء مسقط وصحار .
وبعد أن خضعت مؤانىء الساحل العماني توجهت القوات البرتغالية إلى موانئ الخليج العربي، وشنت القوات البرتغالية هجوما للسيطرة على جزيرة هرمز إلا أن سكان جزيرة هرمز أبدوا مقاومة كبيرة أمام القوة البرتغالية المحتلة التي لجأت إلى استخدام القوة فقصفت المدينة والميناء حتى يسهل اقتحام الجزيرة وبعد اقتحام المدينة استسلم المقاومون و اضطر حاكمها السيد سيف الدين إلى التقدم بطلب للبرتغاليين بتوقيع اتفاقية للتصالح معهم وكان ذلك في شهر سبتمبر سنة 1507 م([11]). وإذا سلمنا سقوط جزيرة هرمز بأيدي البرتغاليين فان الأسباب تكمن في الفروق الكبيرة بين الهرمزيين والغزاة من حيث الاستعدادات والفروق الكبيرة في التسلح ونوعية السفن فالعرب كانت سفنهم في مجملها سفناً تجارية وغير صالحة البتة للعمليات العسكرية .
بالرغم من أن مملكة هرمز حينها كانت من أقوى الكيانات السياسية في الخليج العربي إذ كانت تتحكم في معظم شئون مؤانيها وإدارة جزره في المنطقة الممتدة من حدود عمان إلى منطقة القطيف إلى جزر البحرين ، وكانت حلقة الوصل المباشرة والهامة في حركة التجارة العالمية بين منطقة الشرق والغرب .
وعلى ذلك كانت مملكة هرمز والموانئ التي تتبع لها من بين أهم الأهداف الرئيسية للبرتغاليين من بداية دخولهم هذه المنطقة عند العام 1507 م([12]). وتشير كافة الوثائق التاريخية أنه بين عامي 1507-1515 . نجح البرتغاليون في فرض السيطرة وإحكامها على مدخل الخليج العربي . ومن ثم يكملون مخططهم ليحتلوا بقية الموانئ العربية على جانبي الخليج هرمز ميناء مسقط وميناء البحرين في الجانب الغربي . ميناء هرمز على الجانب الشرقي .
وفي الخطة البرتغالية المرسومة فإن بداية الثلاثينيات من القرن السادس كانت مركزة لاحتلال موانئ البحرين لأنها كانت أهم قاعدة تجارية منذ عهود قديمة ارتبطت بعلاقات تجارية مع الموانئ الآسيوية في شبه القارة الهندية وإلى أبعد من ذلك ، كان اسم البحرين يطلق منذ القرن الثالث تقريبا وحتى القرن السادس عشر الميلادي على كل المنطقة الواقعة على الساحل الغربي من الخليج العربي أي المنطقة الممتدة من ميناء البصرة في العراق إلى عمان ، وتشمل في الوقت الحاضر دولة الكويت والإحساء والقطيف في السعودية وشبه جزيرة قطر وكافة جزر البحرين . وفي الوقت الراهن فان البحرين هي جزر مستطيلة الشكل تقع في خليج يطلق عليه اسم (بحر سلوى ) وهو بالقرب من الساحل الغربي للخليج العربي وتتكون من عدد من الجزر يتجاوز عددها أكثر من ثلاثين جزيرة([13]). إن جزر البحرين بموقعها الاستراتيجي تتمتع بمركز تجاري فهي حلقة وصل بين موانئ الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي وتتواجد فيها مصائد اللؤلؤ الشهيرة بالإضافة إلى تميزها بخصوبة التربة ووفرة المياه التي أسهمت في نجاح زراعة النخيل الشهيرة وقد أضفى عليها ذلك الموقع وهذه الثروة أهمية لمطامع الغزاة عبر العصور ومما تقدم نستنتج أن سبب الاهتمام بالبحرين يعود إلى غنى مياهها باللؤلؤ فالبرتغاليون صمموا على احتلالها نتيجة طبيعية لتوافر الثروة الكبيرة من اللؤلؤ في بحرها .
وعلى أية حال فان البحرين أرض غنية بسبب وفور صيد اللؤلؤ فيها ([14]) . وكان عدد القرى الواقعة في ضمن حدود البحرين قد بلغ في مستهل القرن الرابع عشر الميلادي حوالي ثلاثمائة قرية فأصبح تجار البحرين من أغنى تجار المنطقة نتيجة ممارسة العمل في التجارة والتبادل التجاري مع الأمم الأخرى([15]). ووفقا لهذه المعلومات المؤكد ة التي حصل عليها البرتغاليون قررت قياداتهم الميدانية الموجودة في موانئ ومياه الخليج العربي الاتجاه إلى جزر البحرين ، وجدير بالإشارة فقد كانت تجارة اللؤلؤ في جزر البحرين تنقل من ميناء هرمز ومنه على متن السفن إلى أوروبا وميناء سورات قي بلاد الهند وقد كانت قيمتها قدرت آنذاك في حدود ثلاثة ملايين جنيه إسترليني([16]).

وبالرغم من الأهمية التي أدركها البرتغاليون مند بداية دخولهم موانئ الخليج العربي ،إلا أنهم لم يتمكنوا من إخضاع البحرين إلا عام 1521 م بقيادة القائد انطونيو كوريا ولم يقف سكان جزر البحرين صامتين ولا مكتوفي الأيدي أمام الغزاة البرتغاليين فقد قرر حاكم الجزر البحرينية وأميرها مقرن بن زامل المقاومة([17]). وفي أثناء عمليات المقاومة القوية والبطولية للبحرينيين أمام الجيش البرتغالي جرح الأمير المقاوم الجبري بن مقرن جروحا بليغة على أثرها فارق الحياة ، ونتيجة لعدم تكافؤ القوة بين الطرفين خاصة وأن الفروق كانت كبيرة في نوعية الأسلحة والاستعدادات والسفن التي استخدمتها القوات البحرينية المدافعة التي كانت في مجملها سفناً تستخدم في النقل ألبضائعي التجاري وفي الأخير تمكن البرتغاليون من اقتحام البحرين واحتلالها في العام 1521م([18]).
وإذا قدر للبرتغاليين أن ينجحوا في احتلال البحرين وموانيه إلا أنهم فشلوا في تنفيذ هدفهم الأول وهو شل وتدمير الأسطول التجاري البحريني الذي تمكن ملاحوه من تهريب السفن إلى موانئ مجاورة حفاظا عليها من الغزاة البرتغاليين([19]). وتشير الوثائق التاريخية إلى المقاومة البطولية الوطنية ففي عام الاحتلال نفسه للبحرين قام أهالي البحرين بانتفاضة كان يقودها المواطن البحريني حسين بن سعد ونجحوا في قتل الحاكم البرتغالي المعتمد ومن ثم طرد القوة البرتغالية([20])المرابطة في البحرين . ومن البدهي أن نشير إلى أن انتفاضة سنة 1521 م التي اندلعت في البحرين ماهي إلا جزء من جملة الانتفاضات التي اندلعت في طول موانئ ساحل بحر العرب والساحل الخليجي وساحل عمان فقد انتفض سكان هرمز والإحساء القطيف وقلهات وطيوي وصحار وميناء مسقط وكانت نتيجة هذه الانتفاضات أن تكبد البرتغاليون خسائر فادحة في الأفراد والمعدات وأخيرا كانت القوة البرتغالية المرابطة في ميناء هرمز قد أجبرت أمير ميناءي هرمز بعقد معاهدة سميت في التاريخ بمعاهدة ميناب في الثالث والعشرين من شهر يوليو 1523وهي المعاهدة التي عقدها القائد دورات مير ، نائب ملك البرتغال في بلاد الهند مع أمير ميناء هرمز الصبي البالغ من العمر حينها ثلاثة عشر ربيعا([21]).
وعلى الرغم من ازدياد التسلط البرتغالي تجاه سكان المنطقة في ضوء معاهدة ميناب إلا أن عرب الخليج لم يستسلموا تماما للغزاة البرتغاليين فقد كان سكان موانئ البحرين قد اشتركوا مع سكان الموانئ الخليجية الأخرى في التصدي والمقاومة للغزو البرتغالي فكانت الانتفاضة الثانية للبحرينيين سنة 1529 ([22])تعبيرا عن المقاومة المستمرة والرفض للوجود البرتغالي الغاصب على أرض البحرين خلال القرن السادس عشر الميلادي .
ونشير إلى أن السبب المباشر لهذه الانتفاضة قيام حاكم المستعمرات البرتغالية في بلاد الهند (دوم نو نو دي كونها ابن تريستان دي كونها ) في أثناء زيارته ميناء هرمز والذي عزل الوزير شرف الدين ومن ثم نفاه إلى العاصمة البرتغالية لشبونة سنة 1528 م بحجة أنه يخطط لانتفاضة أخرى في موانئ الخليج العربي وقد أمر بفرض ضرائب كبيرة وجائرة مما عزا إلى أمير ميناء هرمز أن يفكر في ضرورة أن تفرض تلك الضرائب أيضا على سكان موانئ ومدن البحرين التي مامن شك أن يرفض حاكمها مثل تلك الضرائب وذلك بسبب سجن قريبه الوزير شرف الدين ومن ثم نفيه ، لذلك طلب أمير ميناء هرمز مرة أخرى من المحتلين البرتغاليين التدخل لجباية أموال الضرائب([23]).
وفي حينها قام نائب الملك في بلاد الهند( دي كونها) الذي كان موجودا في ميناء هرمز بتكليف (تافرز داسوسا ) أميراً جديداً لمفرزة البحرية البرتغالية مقدمة للهجوم على موانئ البحرين إلا أن القائد الجديد للبحرية البرتغالية يعتقد أنه غير متحمس للقيام بتلك الحملة وقد التمس عذرا لنائب الملك ليكلف بدلا عنه المسمى ، سيماو دا كونها ، أخو نائب الملك الذي خرج إلى موانئ هرمز ومعه خمس سفن عسكرية على متنها ما يقرب من خمسمائة جندي برتغالي . وفي سبتمبر من عام 1529 م توجهت الحملة باتجاه البحرين وموانيه وعلى الرغم من قوة آلة الحرب البرتغالية وخاصة سلاح المدفعية لم يتمكن البرتغاليون من إلحاق أضرارٍ بأسوار مدن الموانئ البحرينية ولم يدكوا الأسوار الحصينة حتى يمكن القول بان البرتغال قد الحقوا بالأسوار أضرارا يصعب على البحرينيين إصلاحها وقد نفدت الذخائر على الجيش المهاجم قبل وصول الإمدادات من موانئ هرمز ورغم ذلك انتشرت الأمراض بين الجنود البرتغاليين إلى درجة أرغمت القبطان البرتغالي في موانئ هرمز على الإسراع في إرسال أسطول خاص لاستعادة سفن الملة وعسكرها الذين قتل قائدهم وحوالي مائتي جندي وكانت أمراض الحمى قد قتلت أعداداً منهم ولم يتبق على قيد الحياة إلا في حدود خمسة وثلاثين جنديا وكان بإمكان أهالي البحريين القضاء عليهم بسرعة وسهولة إلا أن الأهالي تركوهم ليقصوا على البرتغاليين ما لاقوه . وبذلك كانت هذه الحملة كارثة على البرتغاليين ، ولم يهدأ البرتغاليون فكان تصميمهم هو فرض السيطرة على البحرين وبفضل الاستعدادات الكبيرة والتهيئة وتامين الإمدادات القادمة من ميناء كوا تمكن البرتغاليون من طرد حاكم البحرين وخلعه والذي ينتمي إلى عائلة الجبور وتولية شخص([24]) آخر يمكن أن يكون ألعوبة في يد البرتغاليين .
إن المقاومة البحرينية القوية في السنوات الأولى للغزو البرتغالي جعلتهم يعيدون النظر في كثير من سياساتهم الذي انتهجوها في الخليج العربي فقد خلفت معركة موانئ البحرين آثاراً سيئة على سيطرة البرتغاليين على كافة الموانئ العربية في الخليج ، وانعكس تأثيرها الإيجابي على طول موانئ الساحل الجنوبي لبحر العرب وهذا الأمر دفع البرتغاليين على الابتعاد عن إظهار حكمهم المباشر لهذه المناطق لما يترتب عليه من مشكلات ومزيد من الإنفاق ولذا فإنهم عمدوا إلى تسليم الجانب الأكبر من السلطة للحكام المحليين ، كما انتهجوا سياسة عدم التدخل في الأمور الداخلية التي تتعلق بالتقاليد والعرف ، طالما أنها لا تهدد السلطة ولا تتعارض مع مصالح البرتغاليين التجارية لا من قريب ولا من بعيد ([25]).
لقد صاحب هذه الانتفاضات تغيير مهم في أوضاع المنطقة ، لاسيما وأن الدولة العثمانية -على الرغم من مشاغلها المتعددة - كانت تراقب الوضع السياسي في الخليج العربي وكانت الدولة العثمانية تمر في طور قوتها ومجدها في عهد السلطان سليمان القانوني(1520-1566 ) الذي مد رقعة الدولة العثمانية إلى مناطق واسعة وجعلها مترامية الأطراف([26]).
وفي الحقيقة فقد ابتهج في البداية سكان موانئ الخليج بما فيهم سكان موانئ البحرين ، بوصول الأسطول العثماني إلى شمال الخليج وكان ذلك إشارة البداية لطرد البرتغاليين من هذه المنطقة ، خاصة بعد فشل المماليك في طرد الوجود البرتغالي في الربع الأول من القرن السادس عشر .
ولتحقيق هذه الغاية ، فقد بعث كل من أمير البحرين و أمير منطقة الإحساء رغم استقلاليتهم بوفد مشترك لتقديم واجب التهنئة للسلطان العثماني سليمان القانوني وإن كانا غير ملتزمين بأية تبعية أو ولاء للدولة العثمانية ([27]). أن نجحت القوات العثمانية في مواجهة قرية قشم وتدمير القوة البرتغالية المرابطة فيها ودخولهم ميناء مسقط إلا أنهم فشلوا في الاستيلاء على ميناء هرمز، باعتباره مفتاح بوابة الدخول للسيطرة على الخليج العربي والموانئ والجزر البحرينية ، هذا الفشل دفع العرب الخليجيين إلى ضرورة الاعتماد على أنفسهم لطرد البرتغاليين من الخليج([28]).
وتذكر المصادر أنه في سنة 1582 م تعاون سكان مرفأ نخيلا مع حاكم إيران لمحاصرة ميناء هرمز ، مما دفع البرتغاليين إلى شن حملة بحرية بقيادة الجنرال بيتر بير يرا كان عدد سفنها يتجاوز خمس عشرة سفينة حربية ، وعلى متنها أكثر من ستمائة جندي وقد تصدى أهالي نخيلوا للقوة البرتغالية وأوقعوا بهم هزيمة قوية ، وقد بلغ عدد القتلى أكثر من مائتين وخمسين رجلا فيما غرق أعداد منهم ولذلك فقد فشلت الحملة فشلا ذريعا ([29]).
أما البحرينيين فقد استطاعوا في سنة 1602 السيطرة على الحامية والقلعة ، ولما كان أمير شيراز قد أرسل قوة لمساندة الثوار سيطروا على الجزيرة باسم الشاه عباس الأول (1585 – 1626 ) ([30]).
وهكذا كانت البحرين من أوائل الموانئ في الخليج التي تحررت من سيطرة البرتغاليين . ومما تقدم يبدو واضحا أن الثورات العربية المستمرة ضد السيطرة البرتغالية في منطقة الخليج العربي قد أعطت نتائجها من خلال جلائهم بالقوة من موانئ البحرين ، ولكن في سنة 1604م ، غدا البرتغاليون - الذين كانوا لايسمحون للسفن مهما كان جنسيتها بالإبحار في مياه الخليج إلا بأمر منهم - مطرودين ، من عدة موانئ خليجية هي البحرين وريق ([31])وغيرها . وكان ذلك بداية كنس الوجود البرتغالي في موانئ الخليج العربي ، الموانئ العمانية في فترة حكم اليعاربة والبوسعيد وعلى الرغم من تصدي ومقاومة القوى الإقليمية لهذا الغزو منذ القرن السادس عشر ، إلا أن القبائل العربية وزعامتها هي التي حملت مشعل المقاومة المستمرة لهذا الغزو منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي .
ومما تقدم تتبين بأن أهالي البحرين لم يخضعوا للغزو البرتغالي منذ وصول موجاته الأولى وحتى مراحله اللاحقة فقد شهد القرن السادس عشر رغم تأسيس أكبر إمبراطورية بحرية في تاريخ منطقة الخليج والساحل العماني والمحيط الهندي ، مقاومة قوية ومستمرة من البحرينيين للتحرر من الاحتلال البرتغالي ولابد من الإشارة هنا بأن المقاومة البحرينية المستمرة للبرتغاليين ما هي إلا جزء لا يتجزًّأُ من مقاومة العرب العمانيين والخليجيين وتفاهمهم وتعاونهم غير المحدود لكنس جحافل الإمبراطورية البرتغالية الناشئة والدخيلة في الشرق العربي ، وإذا علمنا بأن المماليك والدولة العثمانية قد وقفوا في وجه هذا المد البرتغالي الغازي ولكنهم قد أخفقوا في نهاية الأمر، إلا أن الحقيقة تبين أنًّ من تصدى للبرتغاليين وأنهك قواهم هم السكان المحليون المقاومون من القبائل العربية الأصيلة في كافة موانئ سواحل بحر العرب أو الخليج العربي أو في غرب بلاد الهند أوفي سواحل القرن الأفريقي وشرقه([32]).
ومن الجدير بالذكر أن الصراع بين القوى السياسة الإقليمية في منطقة الخليج وعلى نحو خاص صراع الصفويين والمماليك والعثمانيين ، قد أسهم في ركاكة الموقف الإسلامي الثابت والموحد من هذا الغزو فقد أسهم تحالف الشاه إسماعيل الصفوي (1501-1524 ) مع البرتغال ضد الدولة العلية في تمكين البرتغاليين من السيطرة علي المنطقة فقد عقد الشاه إسماعيل الصفوي اتفاقية التعاون المشؤمة في عام 1514م وتظهر نصوص هذه الاتفاقية تجاهل إسماعيل الصفوي المصالح العليا للمسلمين والضرب بها عرض الحائط وخروجه عن وحدة الصف الإسلامي وتعاون الدولة الصفوية في عهدها الأول مع الأجنبي البرتغالي لأجندة خاصة بها تتمثل في تحقيق بعض الأطماع والمصالح الضيقة في مناطق شرق الجزيرة العربية وفي الحقيقة تبين الوثائق والمصادر تمكين هذا الاتفاق البرتغاليين من تثبيت وجودهم في المنطقة حتى أصبحت موانئ مضيق هرمز بعد سنة 1515 م قاعدة لارتكاز البرتغال وانطلاقهم([33]).
وقد تواصل التعاون في عهد خلفاء الشاه إسماعيل ، ثم استعاض الصفو يون حليفهم البرتغالي بالصديق الجديد والحليف القوي البريطانيين في عهد الشاه عباس الأول في الثلث الأول من القرن السابع عشر حيث قدم الشاه خدمات وتعاوناً كبيراً مع عمال وموظفي شركة الهند الشرقية البريطانية الموجودين في مياه بعض من موانئ الخليج العربي في المدة الممتدة من 1600 - 1858 م . ولقد أسفرت هذه الصداقة والتعاون في نهاية المطاف إلى طرد البرتغاليين من موانئ مضيق هرمز في سنة 1622 م .
ورغم كل تلك المواقف المتخاذلة التي قام بها الصفو يون إلا أن القوى العربية وسكان الجزر و الموانئ البحرينية استمروا في مقاومة البرتغاليين لطردهم نهائياً من الخليج مع بقية إخوانهم من عرب المنطقة حتى تمكن العرب اليعاربة والبوسعيد من تصفية ما بقي من الفلول البرتغالية في القرن السابع عشر ، إلى جانب ذلك فان عوامل داخلية تتمثل في خضوع البرتغال للعرش الأسباني في (1580-1640 ) أسهمت في إضعاف الوجود البرتغالي في الشرق إذ لم يكن لأسبانيا اهتمامات واسعة في الشرق بعد بناء المستعمرات الأسبانية في العالم الجديد (القارة أمريكا )

(é)أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك بجامعة حضر موت للعلوم والتكنولوجيا – باليمن .
([1]) محمود عبد الواحد د ، النشاط التجاري والسياسي لشركة الهند الشرقية الإنكليزية في الهند 1600- 1668 ،بيروت ، 2000 ، ص17 .

([2]) Marie Dass Hall . “Science . in : the New Cambridge Modern History . vol . 11 : Cambridge University press . 1971 . p . 453 .
([3]) F. Charles Danvers . the Porturguesenin India Being A History of the Rise and decline of their Eastern Empire . Vol . 1 . London . 1894 . pp . 1-xxx1x .
([4]) د. عبد الأمير محمد ، نظرة جديدة للإنجازات السياسية والعسكرية والتجارية البرتغالية في آسيا دراسة في عوامل تدهور وانحطاط الإمبراطورية البرتغالية ، أبحاث ندوة رأس الخيمةالتاريخية29 -31 أغسطس 1987 . الجزء الثاني ، العلاقة بين الخليج العربي وشرق إفريقيا ،رأس الخيمة ، ص165 .
([5]) د. حسام الخادم ، ابن ماجد دوره في اكتشاف طريق الهند البحري ومظاهر التفكير العلمي فيكتاباته ، في أبحاث ندوة رأس الخيمة المشار إليها سابقا ، ص 63- 74 .

([6]) نايف الحسن ، الموقف العربي والإقليمي من الهيمنة البرتغالية في الخليج العربي ، رسالة ماجستير غيرمنشورة مقدمة إلى كلية الآداب / جامعة بغداد ، 1988 ، ص 35- 38 ؛ الدكتورصالح العابد وآخرون، تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ، البصرة ، 1984 ، ص 16- 17 .
([7])نايف الحسن ، المصدر السابق ، ص 38-39 ؛ قدري قلعجي ، الخليج العربي ، بيروت ، 1965 ، ص 365- 367 .
([8]) R.B. Sergeant , the Portugues of the South Arabian Coast . Oxford . 1963. p . 136
([9]) S.B. Miles , the Countries and tribes of the Gulf , (N.p , 1966) , p .141
([10])نايف الحسن ، المصدر السابق ، ص 39- 40 .
([11])د. عصام سخنيني ، مملكة هرمز أسطورة الخليج التجارية 1300- 1622 ، دبي ، 1997 ، ص 77- 77.

([12]) إبراهيم خوري واحمد جلال ، سلطنة هرمز العربية ، المجلد الأول ، رأس الخيمة، 1999 ، ص 17- 19
([13]) إبراهيم خلف ، الحركة الوطنية في البحرين 1914- 1917 ، بغداد ، 1976 ، ص 19 .
([14]) د. فائق حمدي ، تاريخ البحرين السياسي 1783- 1870 ، الكويت ، 1983 ، ص 30 .

([15]) خضير نعمان ، البحرين من أمارات الخليج العربي ، ط1، بيروت ، 1969 ، ص 19- 20 . William Spencer , the Middle East , Connecticut , 1976 , p . 43.

([16]) Abbas Faroughy , the Bahrein islands , New York , 1951 , p . 62 .
([17])Ibid . , pp . 62-63 ; Arnold Wilson , the Arabian Gulf , London , 1954 , p .124 د. خالد العزي ، الخليج العربي في ماضيه وحاضره ، عمان ، 1972 ، ص 107 .

([18]) Abbas Faroughy , o p .cit ., p . 62 .
([19]) Ibid .
([20]) إبراهيم خلف ، المصدر السابق ، ص 22 .
([21])نايف الحسن ، المصدر السابق ، ص 116- 118 .

([22]) نفس المصدر ، ص118 .
([23]) نفس المصدر ، ص 118- 119 .
([24]) نفس المصدر ، ص 119- 120 .
([25]) د. طارق الحمداني ، دور عرب عمان إقصاء البرتغاليين عن الخليج العربي خلالالنصفالأول من القرن السابع عشر ، مجلة معهد البحوث والدراسات العربية ، بغداد ،العدد 13،1984، ص270
([26]) نايف الحسن ، المصدر السابق ، ص 120 .
([27])نفس المصدر ، ص 121 .
([28])نفس المصدر ونفس الصفحة .
([29]) R.B. Bathurst , the Y’arubi Dynasty of Oman . Oxford . 1961, p . 44 .
([30])W. G Belgrave , Narratine of a year’s Journey through Central and Eastern Arabia 1862 – 1863 , Vol III , London , 1965 , p . 9 .
([31]) نايف الحسن ، المصدر السابق ، ص ص 122 – 123 .
([32]) نفس المصدر ، ص 175 – 176 .
([33]) نفس المصدر ، ص 69 – 74 .