عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-13, 06:56 PM   رقم المشاركة : 7
مسلم 70
عضو ماسي






مسلم 70 غير متصل

مسلم 70 is on a distinguished road




من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق إلى الله _تعالى_، فهـو: «حقيقــة العبــودية ولبُّها»(1). قال الله ـ تعالى ـ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْـحَمِيدُ" [فاطر: 15]، وقال ـ تعالى ـ فـي قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ" [القصص: 24].

عرَّفه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله: "حقيقة الفقر: ألا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر"، ثم قال: "الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة مـن ذراتــه الظاهـرة والباطنـة فاقـة تامـة إلى الله ـ تعالى ـ من كل وجه"(2).

فالافتقار إلى الله ـ تعالى ـ أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه ـ عـز وجل ـ متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته، قال الله ـ تعالى ـ: "قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ" [الأنعام: 162 ـ 163].

قال يحيى بن معاذ: "النسك هو: العناية بالسرائر، وإخراج ما سوى الله ـ عز وجل ـ من القلب"(3).
والمتأمل في جميع أنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هي الصفة الجامعة لها، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة، وحسبك أن تتأمل في الصلاة أعظم الأركان العملية، فالعبد المؤمن يقف بين يدي ربه في سكينة، خاشعاً متذللاً، خافضاً رأسه، ينظر إلى موضع سجوده، يفتتحها بالتكبير، وفي ذلك دلالة جليَّة على تعظيم الله ـ تعالى ـ وحده، وترك ما سواه من الأحوال والديار والمناصب، وأرفع مقامات الذلة والافتقار أن يطأطئ العبد رأسه بالركوع، ويعفِّر جبهته بالتراب مستجيراً بالله منيباً إليه، ولهذا كان الركوع مكان تعظيم الله _تعالى_، وكان السجود مكان السؤال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب _عز وجل_ وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم"(4).

ولهذا كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- في ركوعه: "اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي"(5).
قال الحافظ ابن رجب: "إشارة إلى أن خشوعه في ركوعه قد حصل لجميع جوار