...................
هذا مع العلم أن الكثير من الطرائق الصوفية السائدة حالياً
قد نأت بنفسها عن شطحاته، أو على الأقل عن البعض من مؤلفاته.
إلى هنا والأمر عادي جداً،
فلغة الرجل المميزة رغم تعقيدها وغزارة مؤلفاته
منحت له مكانة معينة ضمن رفّ معين، له بالتأكيد رواده ومحبوه.
لكن غير العادي إطلاقاً،
هو هذا الاهتمام الجديد بابن عربي من قبل تيار بعيد ليس عن التصوف فحسب،
بل عن الدين ككل، تيار ظل يدعي العقلانية بمفهومها الغربي الديكارتي
الذي لا يؤمن بغير التجربة ومعاييرها الواضحة،
لكنه فجأة صار حريصاً على ابن عربي وذوقياته
التي لا يمكن إخضاعها لأي معيار ومن أي نوع..
هذا الاستحضار الليبرالي-العلماني لابن عربي
تجلّى في كتابات لكُتَّاب ليبراليي التوجه
(هاشم صالح، وعبدالوهاب المؤدب، ونصر حامد أبو زيد، وسواهم)،
وهو استحضار لا يمكن أن يكون بريئاً البتة،
بمعنى أن ابن عربي يبدو هنا غريباً وشاطحاً حتى أكثر من ذي قبل،
فقبل كل شيء، فإن انتماء ابن عربي إلى منظومة التصوف،
ولو في طرف الغلو والشطط منها،
سيكون أمراً مفهوماً داخل هذه المنظومة ككل،
أما استحضاره داخل المنظومة الليبرالية،
فأمر يشبه إقسار «كارل ماركس» أو «سيغموند فرويد»
داخل منظومة الفكر الإسلامي..
والحقيقة أن (شطحات) ابن عربي التي كفّره من كفره من أجلها،
هي بالذات ما يريده هؤلاء الليبراليون من ابن عربي المستحضر ليبراليا،
أي إن موقفهم هنا لا يشبه موقف المدافعين التقليديين
الذين يعتذرون عن شطحاته بهذا العذر أو ذاك،
بل في الواقع هم حريصون
على (تكريس) هذه الشطحات وتأكيدها،
بل والتركيز عليها والدفاع عنها.