عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-05, 01:28 AM   رقم المشاركة : 1
محمد المصراتى
عضو







محمد المصراتى غير متصل

محمد المصراتى is on a distinguished road


مناقشة الهادي المختار في ذَبِّه عن الصُّوفية الحلقة 2

مناقشة الهادي المختار في ذَبِّه عن الصُّوفية

( الحلقة2)


للتحميل يرجى زيارة الصفحة
http://www.rabee.net/show_page.aspx?...=0&Cat=columns


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :

فقد اطلعت على مقال بعنوان " أتمنى أن تقرأ التاريخ لتجد بنفسك حضور أهل التصوف " بتاريخ - الجمعة 2 جمادى الآخرة 1426 هـ - للمسمى بالهادي المختار نشرته جريدة المدينة في ملحقها : "الرسالة " يتضمن أقوالاً باطلة يدافع بها عن التصوف والغلاة فيه فرأيت لزاماً أن أفند تلك الأقوال وأن أبدأ بالعنوان .

فأقول وبالله التوفيق :



- أولاً : أفيدك أنني لي عناية بالتاريخ من صغري وأني أعرف الصوفية وتاريخها معرفة جيدة وأعرف مخابئها ومقاتلها وعندي كتب كثيرة من مؤلفات الصوفية وكتب كثيرة في نقدها وعندي عدد من مؤلفات الطائفة التيجانية مثل :

1 - جواهر المعاني في فيض أبي العباس التجاني : تأليف علي حرازم التجاني

2 - الفوز والنجاة : تأليف محمد السيد التجاني

3 – الخلاصة الوافية الظريفة في شرح الأوراد اللازمة والوظيفة للطريقة التجانية الشريفة

4 – أقوى الأدلة والبراهين على أن سيدي أحمد محمد التجاني خاتم للأقطاب المحمديين بيقين .

وفي هذه الكتب من الضلال ولا سيما القول بوحدة الوجود والحلول ووحدة الأديان ومن الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما يخجل منه شياطين الجن والأنس ولاسيما ما يتعلق بفضائل صلاة الفاتح واعتقاد التجانية أن هذه الطريقة تلقاها أحمد التجاني كلها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظةً وأن رسول الله أخبره بفضل صلاة الفاتح أولاً أن المرة الواحدة منها تعدل القرآن ست مرات ، ثم أخبره ثانياً: أن المرة الواحدة تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرة ، لأنه من الأذكار .

وعندهم صلاة المرة الواحدة منها بسبعين ألف ختمة ( جواهر المعاني ص / 135 - 136).

ولهم أكاذيب أخرى حول هذه الصلاة المفتراة على رسول الله لا يتسع المقام لذكرها تعتبر أضعاف أضعاف هذه الأكاذيب ارجع إليها في المقال الأول .

- ثانياً :

1- قال الهادي المختار : " ذكر الدكتور المدخلي أنني تجاهلت الأئمة الذين اعتمد على أقوالهم في نقد الصوفية وأخشى أن يكون هذا التجاهل مما عمت به البلوى فازعم أن الدكتور, وفقه الله ,تجاهل هو أيضا كثيرا مما أوردت عن أئمة وعلماء ودعاة أنصفوا التصوف وتجاهل ما ذكرته من أعمال أهل التصوف في نشر الدعوة والإسلام في أنحاء المعمورة ويمكن للدكتور أن يراجع خريطة العالم الإسلامي ويقرأ التاريخ ليجد بنفسه حجم حضور أهل التصوف .

تجاهل الدكتور كل ذلك و اقتصر المسألة برمتها بوصفها بأنها عبارات لابن تيمية وابن القيم والذهبي في بعض أفراد الصوفية ,ومن رجع إلى كتب هؤلاء الأئمة وغيرهم سيجد, إن كان منصفا وينظر بتجرد, أن المسالة ليست عبارات في آحاد بل هي تقييم موضوعي لمنهج بأكمله .

والحقيقة أن كتب العلماء مليئة بمدح الصوفية ونقدهم النقد البنَّاء المجرد عن التعصب أمَّا من تعصب ضدَّهم أو تتبع الأخطاء فسيجد ما يكتب ويقول لأنه لا أحد منهم يدَّعي العصمة " اهـ.

- الجواب :

الأئمة الذين احتجت بأقوالهم فيها نقد علمي يحذر الناس من أباطيل وضلالات الصوفية ويربط الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

والذين تعلقت أنت بكلامهم ما بين مغموص عليه في دينه كالقرضاوي وإبراهيم نياس زعيم التيجانية في هذا العصر وما بين مجهول لا يعرف ولعله من الصوفية وما بين من لا يُعَدُّ من العلماء .

فكلامهم لا يصلح لمعارضة كلام الإمام أحمد وأبي زرعة والذهبي وغيرهم ممن طعن في الصوفية ومنهجهم وكتبهم فليرجع المنصف إلى الكتب التي ذكرها الذهبي وابن الجوزي ليعرف صحة نقد العلماء الذين احتججت بأقوالهم وأنهم ناصحون للأمة وليعرف على الأقل خطأ من عارضت بأقوالهم أقوال هؤلاء الأئمة العالمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم .

2- قال : " ذكر الدكتور أن علماء المغرب قاموا بإحراق كتاب الإحياء ولئن كان كتاب الإحياء قد أحرق بسبب فتنة معروفة فذلك حصل أيضا مع كتب ابن حزم ولسبب يختلف عن سبب إحراق الإحياء والمسألة كانت اجتهاداً ممن أقدم على ذلك لكنها لم تؤثر على انتشار الكتاب وقبوله بين المسلمين مشرقا ومغربا.

ولئن كان كتاب الإحياء قد احرق فإن كثيرا من أهل العلم لم تحترق بصائرهم فأنصفوا الغزالي ,يقول الإمام الذهبي عن الغزالي : '' الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدِّين أبو حامد صاحب التصانيف والذكاء المفرط '' .

- أقول : وللذهبي في الغزالي نقد لاذع فلماذا لم تشر إليه ولم تنقل منه شيئاً وقد نقل نقده عن عدد من العلماء منهم المازري وابن العربي والقاضي عياض والطرطوشي وقاضي الجماعة محمد بن حمدين القرطبي ومما نقله عن ابن العربي قوله : " شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع " السير (19/327) .

وذكر المازري عن أحد أصحاب الغزالي أن الغزالي كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا التي ألفها ابن سينا وهي خمسون رسالة (19/341) وأنه عول في التصوف على أبي حيان التوحيدي ومعلوم زندقة ابن سيناء وأبي حيان التوحيدي ,ماذا يستفيد الغزالي من العكوف على رسائل إخوان الصفا وكتابات التوحيدي ولقد ظهرت آثارها عليه في فلسفته التي بلعها وفي تصوفه الذي سيطر عليه .

3- وقال الهادي : ويقول الإمام ابن الجوزي : ''صنف الكتب الحسان في الأصول والفروع التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها و تحقيق الكلام فيها '' .

- أقول : قال الذهبي في السير (19/342) :

" قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية وقد رد ابن الجوزي على أبي حامد في كتاب الإحياء وبين خطأه في مجلدات سماه كتاب الأحياء "

4- قال الهادي : " وقد أثنى العلماء على كتاب الإحياء فنظروا إليه بموضوعية وإنصاف قال ابن السبكي : " وهو من الكتب التي ينبغي الاعتناء بها وإشاعتها ليهتدي بها كثير من الخلق " .

وقال: ولو لم يكن للناس في الكتب التي صنفها أهل العلم إلا الإحياء لكفاهم(1) "

وقال الهادي : قال ابن كثير : " وصنف في هذه المدة كتابه إحياء علوم الدين وهو كتاب عجيب يشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات وممزوج بأشياء لطيفة من التصوف وأعمال القلوب ,لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب ومنكرات وموضوعات كما يوجد في غيره من كتب الفروع " .

- أقول : لماذا لم تذكر ما نقله ابن كثير في هذا الموضوع نفسه من تشنيع العلماء على الغزالي وكتابه الإحياء ؟!!

حيث قال ابن كثير -رحمه الله- : " وقد شنع عليه أبو الفرج ابن الجوزي ثم ابن الصلاح في ذلك تشنيعا كثيرا . وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين وكذلك غيره من المغاربة وقالوا هذا كتاب إحياء علوم دينه ,وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما قد حكيت ذلك في ترجمته في الطبقات .وقد زيف ابن شكر مواضع إحياء علوم الدين وبين زيفها في مصنف مفيد وقد كان الغزالي يقول أنا مزجي البضاعة في الحديث ويقال إنه مال آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفظ للصحيحين وقد صنف ابن الجوزي كتابا على الإحياء وسماه علوم الأحياء بأغاليط الإحياء قال ابن الجوزي ثم ألزمه بعض الوزراء بالخروج إلى نيسابور فدرس بنظاميتها ثم عاد إلى بلده طوس فأقام بها وابتنى رباطا واتخذ دارا حسنة وغرس فيها بستانا أنيقا وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الأحاديث الصحاح وكانت وفاته في يوم الإثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بطوس رحمه الله تعالى وقد سأله بعض أصحابه وهو في السياق فقال أوصني فقال عليك بالإخلاص ولم يزل يكررها حتى مات رحمه الله " اهـ.

وقد رأيت ما نقله ابن كثير من نقد وتشنيع لما في كتاب الإحياء من عدد من العلماء الناصحين -رحمهم الله وجزاهم الله أحسن الجزاء على نصحهم للإسلام والمسلمين- .



- وأقول : فإن صحَّت توبته فأسأل الله أن يتقبلها -وليس اعتراضنا واعتراض العلماء على توبته- وإنَّما على كتبه وما دوَّنه في كتابه "الإحياء" وغيره من الضلالات الصوفية من الحلول ووحدة الوجود والفلسفة وكذا الأحاديث الموضوعة والضعيفة .

5- قال الهادي المختار : " وغير ذلك كثير من أقوال أهل العلم فيه مثل الحافظ العراقي ومن المعاصرين الشيخ يوسف القرضاوي ... يرجع إليه في مواقعه وخصوصا كتاب " الإمام الغزالي حجة الإسلام ومجدد المائة الخامسة لصالح أحمد الشامي " " اهـ .

- أقول : تقدَّم لك بطلان دعواه على العلماء ثمَّ إن كان هناك من يمدح الغزالي وكتبه فإنَّ القاعدة عند أئمة الحديث والفقه أنَّ الجرح المفسَّر مقدَّمٌ على التعديل وأمَّا القرضاوي فلا يحتج به إلاَّ مُفلسٌ من الحقِّ والحجج .

والذي يعتبر الغزالي مجدد المائة الخامسة فقد ظلم نفسه ولم ينصح للإسلام ولا للمسلمين .

- وأقول : جزى الله خيراً من أحرقوا الإحياء لما فيه من الضلالات ولو لم يكن فيه إلا وحدة الوجود والأحاديث الموضوعة لكَفَى ذلك مُوجِباً لإحراقه دع عنك الأباطيل الأخرى .

أما رواجه بعد ذلك فلا حجة في رواجه ولا في أقوال وأفعال مروجيه فهذا وذاك ليس فيهما دليل على أنه حق ولا أن مروجيه على الحق بل هم على الباطل وبعيدون عن النصح للأمة وأعتقد أن الله سوف يحاسبهم على ترويجهم لهذا الكتاب وفيه ما فيه .

ومن المناسب أن أذكر هنا ما يتعلق بوحدة الوجود .

- قال الغزالي :

فإن قلت : كيف يتصوّر أن لا يشاهد إلا واحداً وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهى كثيرة, فكيف يكون الكثير واحداً ؟ فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات . وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب؛ فقد قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر ,ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة, نعم ذِكْر ما يكسر سورة استبعادك ممكن: وهو أن الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار, ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار, وهذا كما أنّ الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأَحشائه, وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول إنه إنسان واحد؛ فهو بالإِضافة إلى الإنسانية واحد, وكم من شخص يشاهد إنساناً ولا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأَطرافه وتفصيل روحه وجسده وأعضائه, والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق وكأنه في عين الجمع, والملتفت إلى الكثرة في تفرقة, فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة, فهو باعتبار واحد من الاعتبارات واحد, وباعتبارات أخر سواه كثير, وبعضها أشدّ كثرة من بعض, ومثاله الإنسان وإن كان لا يطابق الغرض ولكنه ينبه في الجملة على كيفية مصير الكثرة في حكم المشاهدة واحداً, ويستبين بهذا الكلام ترك الإنكار والجحود لمقام لم تبلغه وتؤمن به إيمان تصديق, فيكون لك من حيث إنك مؤمن بهذا التوحيد نصيب وإن لم يكن ما آمنت به صفتك كما أنك إذا آمنت بالنبوّة وإن لم تكن نبياً كان لك نصيب منه بقدر قوّة إيمانك, وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إلا الواحد الحق تارة تدوم وتارة تطرأ كالبرق الخاطف وهو الأكثر, والدوام نادر عزيز, وإلى هذا أشار الحسين بن منصور الحلاج حيث رأى الخوّاص يدور في الأسفار فقال :

فيما ذا أنت ؟فقال: أدور في الأسفار لأصحح حالتي في التوكل وقد كان من المتوكلين؛ فقال الحسين: قد أفنيت عُمُرك في عمرانِ باطنك, فأين الفناء في التوحيد ؟ فكأن الخوّاص كان في تصحيح المقام الثالث في التوحيد, فطالبه بالمقام الرابع؛ فهذه مقامات الموحدين في التوحيد على سبيل الإجمال " الإحياء (4/ 306 – 307 ) .

فانظر كيف يقرر وحدة الوجود بهذا الأسلوب ويضرب الأمثال ليقنع الواقف على كلامه بهذه العقيدة وأكد ذلك باستشهاده بقول الحلاج الذي أفتى علماء الإسلام بقتله بعد تأكدهم من إلحاده وزندقته .

وللغزالي كتب أخرى مثل " الكتب المضنون بها على غير أهلها " سلك فيها مسلك الملاحدة في معنى الشفاعة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص37-39) :

" وقد أحدث قوم من ملاحدة الفلاسفة الدهرية للشرك شيئاً آخر ذكروه في زيارة القبور كما ذكر ذلك ابن سينا ومن أخذ عنه كصاحب الكتب المضنون بها وغيرها(2) ذكروا معنى الشفاعة على أصلهم فإنهم لا يقرون، بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولا أنه يعلم الجزئيات ويسمع أصوات عباده ويجيب دعاءهم، فشفاعة الأنبياء والصالحين على أصلهم ليست كما يعرفه أهل الإيمان من أنها دعاء يدعو به الرجل الصالح فيستجيب الله دعاءه. كما أن ما يكون من إنزال المطر باستسقائهم ليس سببه عندهم إجابة دعائهم، بل هم يزعمون أن المؤثر في حوادث العالم هو قوى النفس أو الحركات الفلكية أو القوى الطبيعية. فيقولون: إن الإنسان إذا أحب رجلاً صالحاً قد مات لا سيما إن زار قبره فإنه يحصل لروحه اتصال بروح ذلك الميت فيما يفيض على تلك الروح المفارقة من العقل الفعّال عندهم أو النفس الفلكية، يفيض على هذه الروح الزائرة المستشفعة من غير أن يعلم الله بشيء من ذلك - بل وقد لا تعلم الروح المستشفع بها بذلك - ومثلوا ذلك بالشمس إذا قابلها مرآة فإنه يفيض على المرآة من شعاع الشمس، ثم إذا قابل المرآة مرآة أخرى فاض عليها من تلك المرآة، وإن قابل تلك المرآة حائط أو ماء فاض عليه من شعاع تلك المرآة، فهكذا الشفاعة عندهم، وعلى هذا الوجه ينتفع الزائر عندهم. وفي هذا القول من أنواع الكفر مالا يخفى على من تدبره، ولا ريب أن الأوثان يحصل عندها من الشياطين وخطابهم وتصرفهم ما هو من أسباب ضلال بني آدم، وجعل القبور أوثانًا هو أول الشرك. ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطاب يسمعه وشخص يراه وتصرف عجيب ما يظن أنه من الميت وقد يكون من الجن والشياطين؛ مثل أن يرى القبر قد انشق وخرج منه الميت وكلمه وعانقه، وهذا يرى عند قبور الأنبياء وغيرهم، وإنما هو شيطان؛ فإن الشيطان يتصور بصور الإنس ويدعي أحدهم أنه النبي فلان أو الشيخ فلان ويكون كاذبًا في ذلك " اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص 168-171) : " فالحديث لو كان ثابتاً (3) كان معناه أنه خاطب العقل في أول أوقات خلقه وأنه خلق قبله غيره، وأنه تحصل به هذه الأمور الأربعة لا كل المصنوعات. و "العقل" في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً، ويراد به القوة التي بها يُعقل. وعلوم وأعمال تحصل بذلك، لا يراد بها قط في لغة جوهر قائم بنفسه فلا يمكن أن يراد هذا المعنى بلفظ العقل.

مع أنا قد بينا في مواضع أخر فساد ما ذكروه من جهة العقل الصريح، وأن ما ذكروه من المجردات والمفارقات ينتهي أمرهم فيه إلى إثبات النفس التي تفارق البدن بالموت، وإلى إثبات ما تجرده النفس من المعقولات القائمة بها، فهذا منتهى ما يثبتونه من الحق في هذا الباب.

والمقصود هنا أن كثيراً من كلام الله ورسوله يتكلم به من يسلك مسلكهم ويريد مرادهم لا مراد الله ورسوله، كما يوجد في كلام صاحب الكتب المضنون بها وغيره.

مثل ما ذكره في "اللوح المحفوظ" حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ "القلم" حيث جعله العقل الأول.

قلت أنا ربيع وقريب من هذا ما قاله الغزالي في "الرسالة اللدنية" في (1/114 – 115) من القصور العوالي: " الطريق الثاني وهو التعليم الرباني على وجهين :

الوجه الأول، إلقاء الوحي، وهو أن النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص، والأمل في الفانية، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها، وتتمسك بجود مبدعها، وتعتمد على إفادته، وفيض نوره. والله تعالى بحسن رعايته يقبل على تلك النفس إقبالاً كلياً، وينظر إليها نظراً إلاهياً، ويتخذ منها لوحاً، ومن النفس الكلي قلما، وينقش فيها جميع علومه، ويصير العقل الكلي كالمعلم، والنفس القدسية كالمتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس، وينتقش فيها جميع الصور من غير تعلم وتفكر".

ويقول عن الإلهام (1/116) في القصور: "والذي يحصل عن الإلهام يسمى علماً لدنياً، والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري، وإنما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صافٍ فارغ لطيف، وذلك أن العلوم كلها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى الذي هو في الجواهر المفارقة الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم عليه السلام، وقد بين أن العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من النفس الكلية، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات، فمن إفاضة العقل الكلي يتولد الإلهام، ومن إشراق النفس الكلية بتولد الإلهام، فالوحي حلية الأنبياء، والإلهام زينة الأولياء".

إلى أن يقول في (ص 117): "وفرق بين الرسالة والنبوة؛ فالنبوة قبول النفس القدسية حقائق المعلومات والمعقولات عن جوهر العقل الأول".

والرسالة تبليغ تلك المعلومات والمعقولات إلى المستفيدين والقابلين.

إلى أن يقول: فإذا أراد الله تعالى بعبد خيراً، رفع الحجاب بين نفسه وبين النفس التي هي اللوح، فيظهر فيها أسرار بعض المكنونات وانتقش فيها معاني تلك المكنونات، فتعتبر النفس عنها كما تشاء لمن يشاء من عباده".

ولفظ "الملكوت" و"الجبروت" و "الملك" حيث جعل ذلك عبارة عن النفس والعقل، ولفظ "الشفاعة" حيث جعل ذلك فيضاً يفيض من الشفيع على المستشفع وإن كان الشفيع قد لا يدري، وسلك في هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا كما قد بسط في موضع آخر " .

قال الغزالي في المضنون به (2/151): "وأما شفاعة الأنبياء والأولياء، فالشفاعة عبارة عن نور يشرق من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة، وينتشر منها إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع جوهر النبوة؛ لشدة المحبة وكثرة المواظبة على السنن وكثرة الذكر بالصلاة عليه صلَّى الله عليه وسلَّم ،ومثاله نور الشمس إذا وقع على الماء ،فإنه ينعكس منه إلى موضع مخصوص من الحائط ،لا إلى جميع المواضع، وإنما اختص ذلك الموضع لمناسبة بينه وبين الماء في الموضع، وتلك المناسبة مسلوبة على سائر أجزاء الحائط ،وذلك الموضع هو الذي إذا خرج منه خط إلى موضع النور من الماء حصلت منه زاوية إلى الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس ،بحيث لا يكون أوسع منه ولا أضيق. مثال ذلك لائح، وهذا لا يمكن إلا في موضع مخصوص من الجدار، فكما أن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور، فالمناسبات المعنوية العقلية أيضاً تقتضي ذلك في الجواهر المعنوية ،ومن استولى عليه التوحيد فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية ،فأشرق عليه النور من غير واسطة ،ومن استولت عليه السنن والاقتداء بالرسول ومحبة أتباعه ،ولم ترسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة فافتقر إلى واسطة في اقتباس النار، كما يفتقر الحائط الذي ليس مكشوفاً للشمس إلى واسطة الماء المكشوف للشمس ،إلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا، فالوزير الممكن في قلب الملك المخصوص بالعناية قد يغضي الملك عن هفوات أصحاب الوزير يعفو عنهم لا لمناسبة بين الملك وأصحاب الوزير، لكن لأنهم يناسبون الوزير المناسب للملك، ففاضت العناية عليهم بواسطة الوزير لا بأنفسهم، ولو ارتفعت الواسطة لم تشملهم العناية أصلاً؛ لأن الملك لا يعرف أصحاب الوزير واختصاصهم به إلا بتعريف الوزير وإظهاره الرغبة في العفو عنهم..."

بَرَّأ الله الإسلام من هذا الضَّلال الذي دونه ضلال الجاهلية.

ومثل القصور العوالي ,يقول في معراج السالكين من القصور العوالي (3/159) : " وقد أخبر الشارع عليه السلام أن الخير من الملائكة ،والشر من الشيطان ،فلا بد من أثر يحصل على الملائكة ،ولما كانت النفس روحانية قبلت عن الروحاني، وتأثرت عنه، فلولا العقول المعبر عنها بالملائكة الممدة للنفوس من خارج لما عقلت معقولاً البتة ".

وأما تعلقك بعبارات قالها الذهبي وإغفالك لنقده للغزالي وكذلك إغفالك لنقد العلماء الذين انتقدوه بحق ونقله عنهم الذهبي (4) فهذه أمور غريبة بعيدة عن النصح للإسلام والمسلمين وفيها تغرير بالجهال والمغفلين .

- ثالثاً : قال : " ابتلاءات بعض أئمة التصوف :

أورد الدكتور المدخلي نماذج من أئمة التصوف ذكر منهم أبا يزيد البسطامي وذا النون المصري والجنيد والحكيم الترمذي وذكر أنهم تعرضوا للنفي أو غيره وعزا ذلك إلى الشعراني في طبقاته.

والمأخذ عندي على هذا الكلام من وجهين :

الأول : أخشى أن يكون الدكتور قد جانب إتباع الأمانة العلمية لأنه نقل كلاما عن الشعراني كان قصده منه أن يظهر أن أهل التصوف كانوا دائما يتعرضون للابتلاء وساق كلامه لمدحهم فوظف الدكتور الكلام الذي جاء لمدح الصوفية ليذمهم به و هذا لا يستقيم و لا ينهض و الدكتور يعرف معنى البحث العلمي وبهذا يكون الدكتور قد خدمهم بغير قصد.

الوجه الآخر أن الدكتور استخدم هذا الكلام لحاجة في نفس يعقوب وأضاف - من عنده - أن علماء الإسلام هم الذين عملوا هذا لأئمة التصوف لكن كلام الأئمة والعلماء في هؤلاء الأئمة لا يسند موقف الدكتور ربيع .

وتعريض الدكتور بفتنة بعض مشايخ التصوف يجعلنا نتساءل كيف سيكون موقف الدكتور مما حصل لسيدنا الحسين بن على رضي الله عنهما ومن بعده الأئمة مالك واحمد والبخاري والقاضي عياض والعز بن عبد السلام, سلطان العلماء, بل وابن تيمية وغيرهم فهل الابتلاء ذم أم اختبار يرفع الله به درجات العلماء والصالحين؟ بغض النظر عن تفاصيل كل حالة.

- أقول :

1- وقولك : " ابتلاءات الصوفية " هل تريد بهذا أنها من جنس ابتلاءات الأنبياء والمصلحين فكلا بل إنها من جنس مطاردة ونفي أهل الضلال لأن الذين فعلوا بهم هذا من علماء أهل السنة وليسوا بمشركين ولا مبتدعين حتى يعاملوهم هذه المعاملة من أجل دينهم وتمسكهم بالكتاب والسنة وإنما من أجل الضلال والزندقة التي أخذت من كلامهم .

2- وما قولك أخشى أن يكون قد جانب الأمانة العلمية لأنه نقل كلاماً عن الشعراني كان قصده منه أن الصوفية كانوا دائماً يتعرضون للابتلاء وساق كلامه لمدحهم فوظف الدكتور الكلام الذي جاء لمدح الصوفية ليذمهم به وهذا لا يستقيم ولا ينهض والدكتور يعرف معنى البحث العلمي وبهذا يكون قد خدمهم بغير قصد .

قوله : والمآخذ عندي على وجهين .....الخ

- أقول : إني قلت في مناقشة الهادي المختار :

- أولاً : ما ذكره الشعراني في كتاب الطبقات ( 1/13-14)، حيث ذكر:

1- أنهم نفوا أبا يزيد البسطامي من بلده سبع مرات .

2- وذكر أنه وقع لذي النون المصري مثل ذلك ، ويزعم الشعراني أنه وشوا به إلى بعض الحكام وحملوه من مصر إلى بغداد مغلولاً مقيداً , ويؤخذ من كلامه أنهم كانوا يعتقدون فيه أنه زنديق , والذين عاملوه هذه المعاملة هم علماء الأمة وفقهاؤها وإن طعن فيهم الشعراني.

3- ذكر أنهم قتلوا الحسين الحلاج وقطعوا يديه ورجليه.

وهو معروف بأنه زنديق يقول بالحلول ووحدة الوجود ومعروف بالسحر والشعوذة واتفقت عليه كلمة العلماء.

4- قال : وشهدوا على الجنيد أنه كان يقرِّر علم التوحيد، ثم إنه تستر بالفقه واختفى.

5- وذكر أنهم أخرجوا الحكيم الترمذي إلى بلخ حين صنَّف كتاب علل الشريعة وكتاب ختم الأولياء فأنكروا عليه بسبب هذين الكتابين , وقالوا: فضلت الأولياء على الأنبياء ، وأغلظوا عليه فجمع كتبه كلها وألقاها في البحر فابتلعتها سمكة ثم لفظتها بعد سنين . هكذا يقول الشعراني ) !

ويلاحظ القارئ أنَّني قلت :

1- ويزعم الشعراني أنه وشوا به إلى بعض الحكام ( أي بذي النون ) . وأريد أنَّ أبيّن بقولي: ( يزعم ) أن هذا القول: من الكذب ,لأن زعم مطية الكذب كما يقال .

2- إنني قلت : والذين عاملوه هذه المعاملة هم علماء الأمة وفقهاؤها وإن طعن فيهم الشعراني ، فالشعراني يطعن في العلماء والفقهاء من أجل صوفية الضلال ، فأين هي مجانبتي لاتباع الأمانة العلمية ؟ وأين هو توظيفي لكلام الشعراني الذي ساقه لمدح الصوفية فأوهمت الناس أن الشعراني ساق كلامه لذم الصوفية وقد طعنت فيه طعنتين ,وقلت : ( هكذا يقول الشعراني ) ؛لفتاً للنظر إلى تخريف الشعراني في قوله عن الحكيم الترمذي : (فجمع كتبه كلها وألقاها في البحر فابتلعتها سمكة ثم لفظتها بعد سنين ) كما ترى لماذا لأنه ساق قصص قتلهم ونفيهم للتباكي عليهم لأنه كما أعرف أنا ويعرف غيري أنه من غلاة الصوفية الخرافية ، فمن هو الخائن والمخون بالباطل والتجني ؟ .

3- وقوله : " والوجه الآخر أن الدكتور استخدم هذا الكلام لحاجة في نفس يعقوب ...الخ .

- أقول : أرجو أن يكون قصدي الحق ونصرة الإسلام ولي الشرف أن يشبه قصدي بقصد يعقوب نبي الله صلى الله عليه وسلم إن كان الهادي المختار يريد هذا وإلا فيكون قد أساء إلى نبي الله يعقوب عليه السلام من حيث لا يدري !

4- وقوله : " وأضاف من عنده أن علماء الإسلام هم الذين عملوا هذا لأئمة التصوف ، لكن كلام الأئمة والعلماء في هؤلاء الأئمة لا يُسند موقف الدكتور ربيع .

أقول : إن قوله : " وأضاف من عنده أن علماء الإسلام " هذا من نسج خيال المختار الصوفي وهاك ما يسند قولي والحمد لله :

قال الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس (ص154) : اتفق علماء العصر في إباحة دم الحلاج فأول من قال إنه حلال الدم أبو عمرو القاضي ووافقه العلماء .

- أقول : والحلاج من المعظمين عند الصوفية ومنهم الغزالي والشعراني وقبلهم من ذكرهم ابن الجوزي .

قال ابن الجوزي : " أخبرنا محمد بن عبد الباقي نا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري فأنكر عليه ذلك عبد الله بن عبد الحكم وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة " تلبيس إبليس (ص150) .

وقال الشعراني : " وتعصب مرة فقهاء إخميم على ذي النون المصري ونزلوا في زورق ليمضوا إلى السلطان بمصر ليشهدوا عليه بالكفر فأعلموه بذلك فقال اللهم إن كانوا كاذبين فغرقهم فانقلب الزورق والناس ينظرون فغرقوا حتى رئيس المركب " طبقات الشعراني (ص13) .

- أقول : أما أن الفقهاء قد طعنوا في ذي النون وأرادوا الشهادة عليه فنعم وأما أنهم كذبوا عليه فحاشاهم ويشهد لصدقهم ونصحهم موقف الإمام ابن عبد الحكم والعلماء الآخرون من ذي النون وأما دعوى أن ذا النون دعا عليهم فغرقوا فهذا من أساطير الصوفية التي أضافوها إلى القصة .

ولا أريد أن أستقصي كلام العلماء ومواقفهم وفيما نقلته ما يبطل قول الهادي المختار إن كلام العلماء لا يسند الشيخ ربيعاً ، وقوله إني أضفت ذلك من عندي وأقول إن التقول والمجازفات والتعلق بالباطل إنما هو من أساليب الصوفية وغيرهم من أهل الضلال وفي مقال لي سابق بينت شيئاً من تقولات الصوفية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سيما التيجاني وطائفته ومع الأسف لم ينشر هذا البيان في ملحق جريدة المدينة المسمى بالرسالة بل حذف من مقالي الذي ضمنته هذا البيان ولا أدري لماذا هذا التصرف الغريب وهناك مؤلفات عديدة في كشف حال الصوفية التي تتقول على الله ورسوله ودينه .

وقوله : " وتعريض الدكتور بفتنة بعض مشايخ التصوف يجعلنا نتساءل كيف سيكون موقف الدكتور مما حصل لسيدنا الحسين بن علي -رضي الله عنهما- ومن بعده من الأئمة مالك وأحمد والقاضي عياض والعز بن عبد السلام -سلطان العلماء- بل وابن تيمية وغيرهم , فهل الابتلاء ذم أم اختبار يرفع الله به درجات العلماء والصالحين ؟ بغض النظر عن تفاصيل كل حالة " .

- أقول : إن موقفي مما حصل للحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته هو موقف أئمة السنة من احترامه وحبه وأن الذي جنى عليه هم الشيعة حيث استخرجوه ثم خذلوه فأسلموه للفساق حتى قتلوه بل لعلَّ الشيعة شاركوا في قتله وأما الأئمة مالك ومن ذكر على تفاوتهم فما لقوه فهو من الابتلاء الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل "

كل بحسب حاله .

وأما ما لحق بزعماء التصوف الذين تباكى عليهم الشعراني وتبعه الصوفية ومنهم الهادي المختار فليس هو من هذا الباب بل هو من باب آخر وقياس زعماء الصوفية على مالك وأحمد وابن تيمية وأمثالهم قياس فاسد قائم على التمويه .

فهل يقاس الحلاج الحلولي الذي أجمع العلماء على قتله لزندقته على مالك وأحمد وأمثالهما ؟ .

وهل يقاس ذو النون الذي أدانه علماء السنة وفقهاؤهم بالضلال الكبير على هؤلاء الأئمة أعلام السنة وهداتها ؟ .

وهل يقاس عليهم أبو يزيد وحاله لا يقل عن حال ذي النون بل أشد ؟.

قال الذهبي -رحمه الله- : " وقد نقلوا عن أبي يزيد أشياء الشأن في صحتها عنه منها : سبحاني وما في الجبة إلا الله , ما النار لاستندن إليها غداً , وأقول اجعلني لأهلها فداء أو لأبلغنها (5) , ما الجنة ؟ لعبة صبيان , هب لي هؤلاء اليهود ما هؤلاء حتى تعذبهم ؟ .

ومن الناس من يصحح هذا عنه ويقول : قال هذا في حال سكره .

قال أبو عبد الرحمن السلمي : أنكر عليه أهل بسطام ونقلوا إلى الحسين بن عيسى البسطامي أنه يقول : لي معراج كما كان للنبي معراج فأخرجه من بسطام فحج ورجع إلى جرجان فلما مات الحسين رجع إلى بسطام ،قال الذهبي : قلت كان الحسين من أئمة الحديث وأبو يزيد من أهل ( الفرق )(6) فمسلم حاله له(7) والله يتولى السرائر ونتبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب والسنة مات أبو يزيد سنة إحدى وستين ومائتين " الميزان (2/346-347) .

وينظر بقية كلام أبي يزيد في ردي الثاني على الدكتور عبد العزيز القاري .



- رابعاً : قال الهادي المختار : " بعض أقوال أهل العلم في مسألة الاتحاد :

يقول السيوطي : والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول وهو كفر ويطلق على مقام الفناء (8) اصطلاحا -اصطلح عليه الصوفية- ولا مشاحة في الاصطلاح إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح لا محذور فيه شرعا ولو كان ذلك ممنوعا لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد وأنت تقول بيني وبين صاحبي زيدا اتحاد وكم استعمل المحدثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية.

وحيث وقع الاتحاد من محققي الصوفية إنما يريدون به معنى الفناء الذي هو صحو النفس وإثبات الأمر كله لله سبحانه لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد, وقد أشار إلى ذلك سيدي على بن وفاء فقال في قصيدة له :

يظنوا بي حلولا واتحادا *** وقلبي من سوى التوحيد خالي

فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول.

(حياة الإمام جلال الدين السيوطي لمحمود شبي ص 509.)

قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في كتاب معيد النعم ومبيد النقم :

" فالله الله في ألفاظ جرت من بعض سادات القوم لم يعنوا بها ظواهرها وإنما عنوا بها أمورا صحيحة .

ويقول في مواقع أخرى : فالواجب تسليم أحوال القوم وإنا لا نأخذ أحدا إلا بجريمة ظاهرة ومتى أمكننا تأويل كلامه وحمله على محمل حسن لا نعدل عن ذلك لا سيما من عرفناه من أهل الخير ولزوم الطريقة ثم برزت لفظة عن غلطة أو سقطة إنها لا تهدم ما مضى. (اجتماع الأولياء ص 246).

وقال اليافعي في كتاب الإسناد ما نقل ونسب إلى المشايخ رضي الله عنهم مما يخالف العلم الظاهر فله مجال :

الأول أن لا نسلم نسبته إليهم حتى يصح عنهم والثاني بعد الصحة يلتمس له تأويل عند أهل العلم الثالث صدور ذلك عنهم في حال السكر والغيبة والسكر إن كان مباحا غير مؤاخذ لأنه غير مكلف في ذلك الوقت فسوء الظن بهم بعد هذه المخارج من عدم التوفيق '' .

- أقول :

إن السيوطي -رحمه الله- مضطرب متناقض في مواقفه من أهل وحدة الوجود فهو يدين طائفة منها بالحلول ووحدة الوجود ويتأول وينقل التأويلات لطائفة أخرى لا تقل عنها في الضلال والوقوع في وحدة الوجود ,وما مرجع ذلك إلا إلى ما وقع فيه هو من التصوف فقد خُدِع بالطريقة الشاذلية فأحسن بها الظن ومدحها ومدح أهلها .

وهو يؤمن بخرافات الصوفية في الأبدال والأقطاب والأوتاد والنجباء وتصرفاتهم وأحوالهم وينقل في ذلك حكايات لا يقرها شرع ولا عقل . ( انظر الحاوي للفتاوي ص /441-447)

فتراه تارة ينقل عن بعض العلماء إدانة بعض الصوفية بالحلول ووحدة الوجود فيقول : ( 2 /ص 244 ) : " وقال صاحب كتاب (( منهج الرشاد , في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد )) :

حدثني الشيخ كمال الدين المراغي عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال له مرة : الكفار إنما انتشروا في بلادكم لانتشار الفلسفة هناك , وقلة اعتنائهم بالشريعة والكتاب والسنة , قال : فقلت له : في بلادكم ما هو شر من هذا , وهو قول الاتحادية , فقال : هذا لا يقوله عاقل ؛ فإن قول هؤلاء كل أحدٍ يعرف فساده " .

فترى أن العلامة ابن دقيق العيد لم يفرق بين أهل وحدة الوجود فلم يقل هؤلاء أهل وحدة الوجود وهؤلاء أهل فناء في ذات الله .. الخ كما يقول التفتازاني والسيوطي , تعالى الله عما يقول الصوفية علواً كبيرا .

ثم قال السيوطي في ( ص 245/ 246 ) :

" قال صاحب منهج الرشاد : " وما زال عباد الله الصالحون من أهل العلم والإيمان ينكرون حال هؤلاء الاتحادية , وإن كان بعض الناس قد يكون أعلم وأقدر وأحكم من بعض في ذلك " .

- وأقول : وإذن فما زال عباد الله الصالحون ينكرون حال أهل الاتحاد .

ثم قال : وقال الشيخ سعد الدين التفتازاني فى شرح المقاصد : وأما المنتمون إلى الإسلام فمنهم بعض غلاة الشيعة القائلون بأنه لا يمتنع ظهور الروحاني في الجسماني كجبريل في صورة دِحية الكلبي , وكبعض الجن أو الشياطين في صورة الأناسي, قالوا : فلا يبعد أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين , وأولى الناس بذلك عليّ وأولاده , تعالى الله عن ذلك علواًّ كبيراً .

قال : ومنهم بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك , وخاض معظم لجة الوصول , فربما يحل الله فيه - تعالى الله عما يقول الظالمون علواًّ كبيراً -كالنار في الجمر بحيث لا تمايز , أو يتحد به بحيث لا اُثنينية ولا تغاير , وصح أن يقول (( هو أنا , وأنا هو )) .

قال : وفساد الرأيين غنى عن البيان .

قال : وههنا مذهبان آخران يوهمان الحلول أو الاتحاد , وليسا منه في شيء ؛ الأول : أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله وفى الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان , بحيث تضمحل ذاتهُ في ذاتِهِ تعالى وصفاتُه في صفاته , وتغيب عن كل ما سواه , ولا يرى في الوجود إلا الله تعالى وهذا هو الذي يسمونه الفناء في التوحيد , وحينئذٍ ربما تصدر عنه عبارات تشعر بالحلول أو الاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال , وبعد الكشف عنها بالمقال , ونحن على ساحل التمني نغترف من بحر التوحيد بقدر الإمكان , ونعترف بأن طريق الفناء فيه العيان دون البرهان , والله الموفق .

ثم ذكر في المذهب الثاني – وهو القول بالوحدة المطلقة – وقال : إنه غير الحلول والاتحاد وإنه أيضاً خارج عن طريق العقل والشرع , وإنه باطل وضلال . وقد سقت بقية كلامه فيه في الكتاب الذي ألفته في ذم القول بالوحدة المطلقة فإنه به أجدر , وذكر السيد الجرجاني في شرح المواقف نحو ذلك , وقد سقت أيضاً عبارته في الكتاب المشار إليه .

أقول : والمذهب الأول باطل وضلال أيضاً .

فهل تجد في كتاب الله وفي سنة رسوله وفي كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفي كلام أئمة الهدى أن البشر ولو كانوا أنبياء تضمحل ذواتهم في ذات الله وصفاتهم في صفاته ويغيبون عن كل ما سواه ولا يرى في الوجود إلا الله هذه هي وحدة الوجود والحلول والاتحاد التي لم يأت بها إلا ملاحدة الباطنية الصوفية , وليس لنا إلا الظاهر , فإذا أطلق صوفي عبارات الحلول ووحدة الوجود مع الله وجب علينا أن ندينه بهذا المذهب ولا يجوز أن نتأول هذا التأويل الباطل الذي نقله السيوطي عن التفتازاني , وهل يجوز للتفتازاني أن يقول : أن الصوفي تضمحل ذاته في ذات الله وصفاته في صفات الله ؟ فهل هناك اتحاد أشد منه ؟ تعالى الله وتنـزه وتقدس عما يقوله غلاة الصوفية علواً كبيراً .

وأرى أن هذه الصورة التي يمدحها أسوأ من الصورة التي أنكرها وأبطلها لأن الأولى يدعي فيها الرافضي والصوفي أن الله حل فيه .

وهذه الصورة تفيد أن الصوفي والرافضي والباطني قد اضمحل وذاب في ذات الله وصفاته وليس لذلك معنى إلا أقوى صور الاتحاد , وما معنى لا يرى في الوجود إلا الله ؟ أليس هذا هو قول أهل وحدة الوجود ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .

والحاصل أن من دخل في التصوف وخصوصاً تصوف المتأخرين يأتي بمثل هذه العجائب والغرائب من التناقضات والتأويلات ,فلا يجوز أن يحتج بتأويلاته الفاسدة ومداهناته الباطلة التي تفرق بين المتماثلات .

وقد رفض مثل هذه التأويلات السخيفة فحول العلماء الناصحين وأجمعوا أنه لا يتأول إلا كلام المعصوم , وأدانوا من سلك طريقة الحلاج وابن عربي أمثالهما بالزندقة ودحضوا أباطيلهم وضلالاتهم بالشرع المحمدي والعقل الفطري .

أين ذهب السيوطي عن شيخه الحافظ ابن حجر وتلاميذه مثل البقاعي الذي ألف " تنبيه الغبي " وجمع أقوال كبار العلماء في إدانة أهل وحدة الوجود وحكى ما يشبه إجماع العلماء على أن التأويل لا يكون إلا لنصوص المعصوم ,وأن الأصل هو الأخذ بالظاهر من كلام الناس , واستشهد بقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : إن الناس كانوا يؤخذون بالوحي ...الأثر , وسيأتي .

والتفريق بين الحقيقة والشريعة طريق الباطنية , فلا يجوز للمسلم أن يسلك مسالك الباطنية في هذا التفريق , فإذا لجأنا إلى تأويل كلام بعض غلاة الصوفية بمثل تأويل التفتازاني قال الآخرون لماذا تفرقون بيننا وبين إخواننا وظاهر كلام الجميع واحد والحال واحد وكلنا صوفية ولم تطلعوا على ما في قلوبنا ولا على ما في قلوبهم .

بل يفتح الباب للباطنية الإسماعيلية وغيرها من فرق الإلحاد .

والله أمرنا أن نكون قوامين بالقسط , ولا يقوم القسط إلا على ما يظهر للناس والبواطن توكل إلى الله , وحساب الناس وما يكنونه إلى الله .

قال الهادي المختار : " قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في كتاب معيد النعم ومبيد النقم : " فالله الله في ألفاظ جرت من بعض سادات القوم لم يعنوا بها ظواهرها وإنما عنوا بها أمورا صحيحة " .

ويقول في مواقع أخرى : " فالواجب تسليم أحوال القوم وإنا لا نأخذ أحدا إلا بجريمة ظاهرة ومتى أمكننا تأويل كلامه وحمله على محمل حسن لا نعدل عن ذلك لا سيما من عرفناه من أهل الخير ولزوم الطريقة ثم برزت لفظة عن غلطة أو سقطة إنها لا تهدم ما مضى " (اجتماع الأولياء ص 246).

وقال اليافعي في كتاب " الإسناد " : " ما نقل ونسب إلى المشايخ رضي الله عنهم مما يخالف العلم الظاهر فله مجال :

- الأول : أنَّ لا نسلم نسبته إليهم حتى يصح عنهم .

- والثاني : بعد الصحة يلتمس له تأويل عند أهل العلم .

- الثالث : صدور ذلك عنهم في حال السكر والغيبة والسكر إن كان مباحا غير مؤاخذ لأنه غير مكلف في ذلك الوقت فسوء الظن بهم بعد هذه المخارج من عدم التوفيق" !

- أقول : إنَّ تاج الدِّين السبكي :

1- أشعري غال في تعطيل الصفات .

2- صوفي غال , يؤمن بخرافات الصوفية وإن شئت فانظر الجزء الثامن من كتابه " الطبقات " (ص 403-418) لتعرف غلوه في التصوف والخرافات .

3- فيه شدة زائدة على أهل السنة ولين زائد تجاه غلاة الصوفية كما رأيت بما فيهم أهل الحلول وحدة الوجود .

قال في ( طبقات الشافعية الكبرى5/191) : " أقول : للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات هل تمر على ظاهرها مع اعتقاد التنـزيه أو تؤول .

والقول بالإمرار مع اعتقاد التنـزيه هو المعزو إلى السلف وهو اختيار الإمام في الرسالة النظامية وفي مواضع من كلامه فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض ولا إنكار في هذا ولا في مقابله فإنها مسألة اجتهادية أعني مسألة التأويل أو التفويض مع اعتقاد التنـزيه إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد وأنه لا يستحيل على الباري فذلك قول المجسمة عباد الوثن الذين في قلوبهم زيغ يحملهم الزيغ على إتباع المتشابه ابتغاء الفتنة عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى ما أجرأهم على الكذب وأقل فهمهم للحقائق ) اهـ !!.

- أقول :

1- من قال : إن مذهب السلف هو التأويل أو التفويض ؟!.

2- إن مذهب السلف الصالح هو الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة وهو الإيمان بصفات الله وإثباتها له على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل .

3- وهذا المذهب تجده مقرراً في كتب السنة الصحاح والسنن وفي كتب التفسير وفي كتب العقائد التي دونت لإثبات عقيدة السلف وللرد على المعطلة الجهمية وعلى المشبهة من قبل أن يأتي مذهب الأشاعرة .

4- لقد قرر العلماء أنه لا اجتهاد مع النص ، ونصوص الصفات الصريحة في إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه في الكتاب والسنة تجاوزت العشرات ودان به السلف الصالح وردوا تحريف المعطلة وغلو المشبهة بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة وكذلك قرروا وجوب الإيمان بسائر صفاته على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل .

5- أنصح المغرورين بمذهب الأشاعرة أن يقرؤوا كتاب " الإبانة " وكتاب " مقالات الإسلاميين " وغيرهما من الكتب التي رجع فيها أبو الحسن إلى مذهب السلف ورد فيها على الجهمية المعطلة وغيرها . وأنصحهم بالرجوع إلى كتاب التوحيد من صحيح البخاري وخلق أفعال العباد للبخاري وإلى كتاب السنة من سنن أبي داود ومقدمة ابن ماجه لكتابه السنن وإلى مؤلفات أئمة السنة في بيان عقائد السلف بأدلتها .

وليرجع القاري إلى ما نقله الترمذي عن أئمة السلف :

قال -رحمه الله- في سننه (رقم 662) مُعلِّقاً على حديث : ( إنَّ الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتصير مثل أُحُد ) هذا حديث حسن صحيح .

- قال الترمذي : " وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد ثبتت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف . هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أَمِرُّوها بلا كيف .وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة . وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأوَّلت الجهمية هذه الآيات ففسَّروها على غير ما فسَّر أهل العلم وقالوا إنَّ الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إنَّ معنى اليد ها هنا القوة . وقال إسحاق بن إبراهيم : إنما يكون التشبيه إذا قال : (يد كيد ) أو مثل يد ) أو ( سمع كسمع ) أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه . وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيهاً وهو كما قال الله تعالى في كتابه : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) " اهـ.

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص408) عن الأوزاعي أنه قال :

( كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ,ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جلا وعلا ) .

وأثر مالك في ذلك مشهور لما سأله سائل عن الاستواء ,فقد أخرج البيهقي في الصفحة نفسها من الكتاب نفسه قول مالك رحمه الله : ( الاستواء غير مجهول ,والكيف غير معقول ,والإيمان به واجب ,والسؤال عنه بدعة ,وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يُخرج )

- أقول : وقد أخذ الأشعرية بنصيب من مذهب الجهمية فأوَّلوا الاستواء والنـزول واليد وسائر الصفات الخبرية ويزعمون -كما تزعم الجهمية- أنَّ إثبات هذه الصفات يقتضي التشبيه ويدَّعون مع ذلك أنَّهم على مذهب السلف !!.

6- وقول السبكي : " فالواجب تسليم أحوال القوم وإنا لا نأخذ أحدا إلا بجريمة ظاهرة ومتى أمكننا تأويل كلامه وحمله على محمل حسن لا نعدل عن ذلك لا سيما من عرفناه من أهل الخير ولزوم الطريقة ثم برزت لفظة عن غلطة أو سقطة إنها لا تهدم ما مضى " .

أ- وأي جريمة أشد من التفوه بالحلول ووحدة الوجود .

ب- الغلطة والسقطة تغتفر للمسلم إذا كانت عن غير قصد وتعمد أما أن يتفوه الصوفي بالحلول ووحدة الوجود فلا يقال فيها غلطة أو سقطة بل نقول إن هذه عقيدة توارثها غلاة الصوفية جيلاً عن جيل من قبل عهد الحلاج ومن عهده إلى يومنا هذا وأنكرها وشدد النكير على الصوفية علماء الإسلام منذ بدرت بوادر التصوف إلى يومنا هذا فمن تأول لهم لا يقبل تأويله لأنه يخالف النصوص النبوية وأقوال وتطبيقات الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام .

7- كيف يوجب السبكي على المسلمين التسليم بما ظاهره كفر وإلحاد ؟ .

بأي كتاب أو بأي سنة ؟

كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يَأخذُون ويُؤخَذُون بظاهر أقوالهم وأعمالهم ؟ وكذلك التابعون وتابعوهم بإحسان .

فمن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلَّم : ( إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم ) رواه البخاري (4/1581) .

وعن أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار فلا يأخذها ) رواه البخاري (2/952) ومسلم (3/1337) واللفظ له .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " إنَّ أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة " رواه البخاري (2/934) .

كيف تطبق هذه الأحكام على هذه الأمة كلها وعلى رأسهم الصحابة والتابعون ثم تسقط أحكام الشريعة المحمدية عن الصوفية ؟ لا يقبل هذا إلا أن يكون الصوفية مجانين أو أطفالاً.

7- يتعجب المسلم من دفاع السبكي عن أهل عقيدة الحلول ووحدة الوجود والتأدب معهم والدعوة إلى تأويل ضلالاتهم مع حملته الشعواء على أهل السنة والتوحيد والحديث وأئمتهم ووصفهم ظلماً بأنهم من أهل الزيغ ومجسمة عباد وثن ، وقوله عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى وما أدري هل يُدرك السبكي أن الصحابة والتابعين داخلون في هذا الطعن واللعن .

وإذا كان هذا حاله فكيف نقبل دفاعه عن الصوفية وتأويلاته لضلالهم ؟

والظاهر أنه لا يستثنى منهم أمثال ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض .

وهل يجوز للمسلم أن يقبل طعنه في أهل الحديث والسنَّة ولعنهم ؟!!

( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (البقرة:113)

وأما اليافعي فهو صوفي غال وعلى عقيدة ومنهج السبكي , بل قد يكون أسوأ حالاً منه فهو يعظم ابن عربي إمام وحدة الوجود ويبالغ في ذلك , انظر الدرر الكامنة (2/354) والبدر الطالع للشوكاني (1/372) ويعظم الحلاج وغيره من غلاة التصوف , وله منظومة يتوسل فيها بالأنبياء والأولياء وبالطور والتين والزيتون وبالضحى والتراويح وبالصفا والمروة وبأشياء أخر وفي هذه المنظومة يقول :

بحق سهل بسهل بابن خضرويه *** بابن الخفيف بممشاد مع هرم

بحق ذي النون بالدقاق إن لهم *** في الأولياء شيمة تعلو على الشيم

بابن أسباط بل شاه وشيمته **** وبالرفاعي والحلاج نجمعهم

إلى أن يقول آمراً بالاستغاثة بغير الله :

واهتف بيوسف مهما كنت منتظراً فنعم غوث لملهوف ومهتضم

ويقول قبلها :

بحق قطب وأبدال هم أملي وهم لدى الخطب بعد الله معتصمي

ويقول في هذه المنظومة :

وفي ظفار رجال يستغاث بهم ويستعان بهم بالدفع في النقم

بحق شيخي وأشياخ له فهم غوثي وعوني ومقصودي ومعتصمي

انظر مرآة الجنان , تأليفه (4/364-366)

فيلحق تأويله بتأويل السبكي .

وإني أنصح الهادي المختار وأمثاله أن يتركوا التعلق بالتصوف وأباطيله والتعلق بخيوط العنكبوت وأنصحهم بالتوبة إلى الله والاعتصام بالكتاب والسنة واتباع السلف الصالح في عقيدتهم ومنهجهم وهديهم وسائر شئونهم فإن ذلك هو طريق النجاة والسعادة , وما خالفه من طرق الضلال والهلاك .

قال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) وقال تعالى : ( وأن هذا صراطي مستتقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ومن شر السبل الطرق الصوفية لا سيما الطرق المعاصرة كالتيجانية والمرغانية والنقشبندية والسهروردية والقادرية والرفاعية والجشتية .

فليحذر المؤمن الناصح لنفسه وللإسلام والمسلمين من هذه الطرق وليحذر منها .



- خامساً : قال الهادي المختار : " إشكال ظاهر بعض النصوص :

أما إذا رجعنا إلى ظاهر بعض النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة فقد نجد نحن معشر العوام صعوبة في مدلولاتها فلعل الدكتور يساعدنا في فهمها ,من ذلك مثلا قوله تعالى '' هو الأوَّل والآخر والظَّاهر والباطن '' - الحديد 3.

قال في شرح العقيدة الواسطية : واسمه جل وعلا الباطن أوجب أن لا يكون شيء دونه فلا شيء دونه باعتبار بطونه وفي هذا اللفظ معنى القرب والبعد من وجه ومعنى الاحتجاب والاختفاء من وجه وقوله '' وانت الباطن فليس دونك شيء '' نفى ان يكون شيء دونه كما نفى أن يكون فوقه فلو قدر فوقه شيء لكان اكمل منه في العلو والبيان إذ هذا شان الظاهر ولو كان دونه شيء لكان أكمل منه في الدنو والاحتجاب وهذا شأن الباطن وهذا يوافق قوله : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ''

إلى أن يقول : فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه فأوليته سابقه لكل شيء وآخريته بقاؤه بعد كل شيء وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء ومعنى الظهور يقتضي العلو وظاهر الشيء ما علا منه وأحاط بباطنه وبطونه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه , هذا لون وهذا لون .

فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة وهي إحاطتان زمانية ومكانية '' .

فالزمانية في قوله ( هو الأول والآخر ) والمكانية في قوله (الظاهر والباطن).

( شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لخالد المصلح ص43-44).

فتأمل فضيلة الدكتور هذا الكلام بدقة , فهل نبقي النصوص على ظاهرها فيلتبس في الأذهان ما قد يفضي إلى الاتحاد فلا مفر عندئذ من التأويل الذي لا أظن أن الدكتور يقبله فما هو المخرج في هذه المسألة ؟ .

- أقول : أنا لا أعرف هذا "المصلح" ,ولكن أنقل لك كلام أهل العلم في المعية ثمَّ في القرب وكلاهما لا يقتضي الحلول في المخلوقات تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وهذا الذي دلَّ عليه كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في عشرات النصوص مثل :

قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) في سبعة مواضع من كتاب الله تعالى

ومثل قوله تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ُ) (فاطر:10) ومثل قوله تعالى : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (المعارج:4)

وقوله تعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (البقرة:255)

وقوله تعالى : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (الأنعام:18)

وقوله تعالى : ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) (الملك:16)

وأحاديث معراج الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ربه تبارك وتعالى .

وأدلة علو الله تعالى على عرشه كثيرة جدا حتَّى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "المجموع "(5/121): " قد وصف الله تعالى نفسه فى كتابه وعلى لسان رسوله بالعلو والاستواء على العرش والفوقية في كتابه فى آيات كثيرة حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أنَّ الله تعالى عالٍ على الخلق وأنه فوق عباده " اهـ.

وإليك كلام الأئمة -رحمهم الله- في القرب والمعية :

1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " العقيدة الواسطية " ص28-29 :

" وليس معنى قوله ( وهو معكم ) أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجبه اللغة وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته . وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله في السماء أن السماء تقله أو تظله وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان فإن الله قد وسع كرسيه السموات والأرض وهو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره .

فصل : وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب من خلقه مجيب كما جمع بين ذلك في قوله : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) الآية . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله شيء من جميع نعوته وهو علي في دنوه قريب في علوه " اهـ .

2- قال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين (2/265-267) :

( فصل : قال : الدرجة الثانية : حياء يتولد من النَّظر في علم القرب : فيدعوه إلى ركوب المحبة ويربطه بروح الأنس ويكره إليه ملابسة الخلق النظر في علم القرب تحقق القلب بالمعية الخاصة مع الله فإن المعية نوعان : عامة وهى معية العلم والإحاطة كقوله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم الحديد ) وقوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ) المجادلة 7

وخاصة وهى معية القرب كقوله تعالى : ( إنَّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) النحل 128 وقوله : ( إنَّ الله مع الصَّابرين ) البقرة 153 وقوله : ( وإنَّ الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69 ؛فهذه معية قرب تتضمن الموالاة والنصر والحفظ وكلا المعنيين مصاحبة منه للعبد لكن هذه مصاحبة اطلاع وإحاطة وهذه مصاحبة موالاة ونصر وإعانة ف مع في لغة العرب تفيد الصحبة اللائقة لا تشعر بامتزاج ولا اختلاط ولا مجاورة ولا مجانبة فمن ظن شيئا من هذا فمن سوء فهمه أتي وأما القرب فلا يقع في القرآن إلا خاصا وهو نوعان قربه من داعيه بالإجابة وقربه من عابده بالإثابة فالأول كقوله تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) البقرة 186 ؛ولهذا نزلت جوابا للصحابة رضي الله عنهم وقد سألوا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟

فأنزل الله تعالى هذه الآية .

والثاني قوله : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وأقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل ) فهذا قربه من أهل طاعته

وفى الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال : ( كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) فهذا قرب خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه واستواءه على عرشه بل يجامعه ويلازمه فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولكنه نوع آخر والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدا من محبوب بينه وبينه مفاوز تتقطع فيها أعناق المطي ويجده أقرب إليه من جليسه كما قيل :

ألا رُبَّ من يدنو ويزعم أنه *** يحبك والنائي أحب وأقرب

وأهل السنة أولياء رسول الله وورثته وأحباؤه الذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم وأحب إليهم منها يجدون نفوسهم أقرب إليه وهم في الأقطار النائية عنه من جيران حجرته في المدينة والمحبون المشتاقون للكعبة والبيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومن حولها هذا مع عدم تأتي القرب منها فكيف بمن يقرب من خلقه كيف يشاء وهو مستو على عرشه وأهل الذوق لا يلتفتون فى ذلك إلى شبهة معطل بعيد من الله خلى من محبته ومعرفته والقصد أن هذا القرب يدعو صاحبه إلى ركوب المحبة وكلما ازداد حبا ازداد قربا فالمحبة بين قربين قرب قبلها وقرب بعدها وبين معرفتين معرفة قبلها حملت عليها ودعت إليها ودلت عليها ومعرفة بعدها هي من نتائجها وآثارها ) اهـ.

3- قال العلامة الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن 4/427-428 "

متحدثاً عن كلمة ( مع ) وما تقتضيه من المعاني :

" ( مع ) للمصاحبة بين أمرين لا يقع بينهما مصاحبة واشتراك إلا في حكم يجمع بينهما "

وقسَّم المعية إلى قسمين : الأوَّل يكثر في أفعال الجوارح وضرب له أمثلة .

ثمَّ قال : " والثاني يكثر في الأفعال المعنوية نحو آمنت مع المؤمنين وتبت مع التائبين وفهمت المسألة مع من فهمها ومنه قوله تعالى : ( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) وقوله : ( وكونوا مع الصادقين ) ( وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) ( إنني معكما أسمع وأرى ) ( إن معي ربي سيهدين )

( لا تحزن إن الله معنا ) : أي بالعناية والحفظ .

( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) : يعني الذين شاركوه في الإيمان وهو الذي وقع فيه الاجتماع والاشتراك من الأحوال والمذاهب وقد ذكروا الاحتمالين المذكورين في قوله تعالى : ( واتبعوا النور الذي أنزل معه ) قيل إنه من باب المعية في الاشتراك فتمامه الاجتماع في الزمان على حذف مضاف إما إن يكون تقديره أنزل مع نبوته وإما إن يكون التقدير مع اتباعه . وقيل لأنه فيما وقع به الاشتراك دون الزمان وتقديره واتبعوا معه النور.

وقد تكون المصاحبة في الاشتراك بين المفعول وبين المضاف كقوله : شممت طيبا مع زيد . ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : ( قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) (الكهف:67)

نقل ذلك أبو الفتح القشيري في " شرح الإلمام " عن بعضهم ثم قال : " وقد ورد في الشعر استعمال (مع) في معنى ينبغي أن يتأمل ليلحق بأحد الأقسام وهو قوله :

يقوم مع الرمح الرديني قامة *** ويقصر عنه طول كل نجاد

وقال الراغب : (مع) تقتضي الاجتماع إما في المكان نحو هما معاً في الدار أو في الزمان نحو وُلِدَا معاً أو في المعنى كالمتضايفين ؛ نحو الأخ والأب فإنَّ أحدهما صار أخاً للآخر في حال ما صار الآخر أخاه ,وإمَّا في الشرف والرتبة نحو : هما معاً في العلو وتقتضي (مع) : النصرة ,والمضاف إليه لفظ (مع) هو المنصور نحو قوله تعالى : ( لا تحزن إنَّ الله معنا ) ( إنَّ الله مع الذين اتَّقوا ) ( وهو معكم أين ما كنتم ) ( واعلموا أنَّ الله مع المتقين ) ( إنَّ معي ربي سيهدين ) انتهى " اهـ.

- أقول : قوله " آمنت مع المؤمنين " : المعية هنا معنوية لا تقتضي اختلاطاً في مكان معيَّن أو زمن معيَّن فهي تتناول كل مؤمن من عهد آدم إلى قيام الساعة وقل مثله في قوله : " مع التائبين " إلخ

ومثله قوله تعالى : ( ..وكونوا مع الصادقين ) وهي تقتضي النَّصر والتأييد كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا )

وتقتضي الاطلاع والعلم والمشاهدة كما في قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم ) بالإجماع وهذه معاني هذه النُّصوص والسياقات تقتضيها وليست من التأويل في شيء .

إذا سلَّمتَ بأنَّ الله سبحانه وتعالى فوق سماواته مستوٍ على عرشه من غير تحريف ولا تعطيل ,ومن غير تفويضٍ ولا تمثيل وأنَّه منزَّهٌ أن يكون في شيئٍ من خلقه سَهُلَ عليك الإيمان بمعية الله العامَّة والخاصَّة ,وبقربه من عباده على الوجه اللائق به جلَّ وعلا الذي قرَّره السَّلف الصالح رضوان الله عليهم .وأدركتَ بطلان ما يُقرِّره المعطلة والمشبِّهة وأهل الحلول ووحدة الوجود .

وإذا كان الكون كلُّه في قبضة الله جلَّ وعلا -وله المثل الأعلى- كخردلةٍ في يد أحدنا سَهُل على المؤمن أن يُؤمن بأنَّ الله تعالى -مع كونه فوق عرشه بائنٌ من خلقه- مع مخلوقاته المعية العامة والخاصَّة وقربه من خلقه مع إجلاله وتنـزيهه أن يكون في شيءٍ من مخلوقاته تعالى الله عمَّا يقول أهل الحلول ووحدة الوجود علوًّا كبيراً . لأنَّ الله ليس كمثله شيءٌ : لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله .



وأسأل الله أن يهيئ لهذه الكلمات آذاناً صاغية وقلوباً واعية .



إنَّ ربي لسميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه

وسلم.



كتبه

ربيع بن هادي بن عمير المدخلي

28/ شعبان /1426هـ.





--------------------------------------------------------------------------------

(1) : إن صح هذا الكلام عن السبكي فوالله ماأنصف ولا نصح , وفي الإحياء من الضلالات الصوفية والفلسفية وكثرة الأحاديث الموضوعة ما يوجب ذم هذا الكتاب والتحذير منه وانظر إلى السبكي كيف لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى ما تضمنه كتاب الإحياء من المخاطر والمهالك لا سيما على ضعاف النفوس .

([2]) : يقصد به الغزالي انظر ص (167).

(3) : يعني حديث " أول ما خلق الله العقل , قال له: أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: وعزتي ما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منك، فبك آخذ، وبك أعطي، وبك الثواب، وبك العقاب" وهو حديث باطل في إسناده ثلاثة من الكذابين .

(4) : انظر (ص4) من هذا البحث .

(5) : هكذا وفي السير " لأبلعنها " بالعين المهملة .

(6) : قال في الهامش : " ليس في خ " .

(7) : علَّق المحقق في الهامش بقوله : أخطأ الذهبي في قوله : " يسلم له حاله " ما يسلم حاله إلا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , أقول : الصواب مع هذا المحقق إذ ليس لنا إلا الظاهر والله يتولى السرائر .

(8) : هل لفظ الفناء بهذا المعنى الصوفي الذي ذكره التفتازاني والسيوطي ورد في القرآن والسنة ؟

وهل إطلاق لفظ الاتحاد عليه إطلاق واصطلاح صحيح يشبه استعمال المحدثين والفقهاء بهذا اللفظ في معانٍ لا محذور فيها ؟ ! فهذه من مغالطات الصوفية .







التوقيع :
السلام عليكم .....
من مواضيعي في المنتدى
»» حمّل الآن كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته حوار مع الدكتور القاري وأنصاره
»» تنبيه الدكتور عبد العزيز القاريى إلى خطورة قوله إنَّ التصوف الصحيح هو عين التوحيد1 2
»» الشريعة والحقيقة عند الصوفية
»» انحرافات الصوفية بين الماضي والحاضر
»» شركيات وعقائد الصوفية للشيخ محمد بن عبد الله الإمام