الموضوع: سفر برلك
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-09, 05:53 PM   رقم المشاركة : 5
الشريف الحنبلي
متى عيوني ترى عيون غاليها ؟





الشريف الحنبلي غير متصل

الشريف الحنبلي is on a distinguished road


حصار و مجاعة اهل المدينة
قبل ان نخوض في ما آلت إليه الأمور ، نذكر ما قام به فخري باشا الذي امر بإلصاق نشرات إعلانية على جدران شوارع و بيوت المدينة جاء فيها :

إن المدينة المنورة أصبحت خاضعة للإدارة العُرفية و أن كل من يتكلم عن الحركات العسكرية يعرض نفسه للعقوبات الشديدة .
و عين لذلك من قام بتخريب البيوت و نفي العائلات و صلب الرجال ، و وضع تحت اياديهم جواسيس من أجناس محتلفة ، و أول عمل صدر من الديوان العُرفي ، نفي 30 من علماء المدينة إلى دمشق ثم أرسلوا إلى ولاية اضنه .
بينما قام فخري باشا بمحاصرة حي العوالي (جنوب المدينة بالقرب من مسجد قباء) و دكها بالقنابل و لم يكتف بذلك بل قام جنوده بهمجية غريبة حيث قاموا بذبح الرجال علناً .
تحصن بعض اهل المدينة في بيوتهم و منهم من رحل قبل التسفير الإجباري إلى الحناكية و ينبع و العلا و تبوك و مكة و منهم من بقي و رفض الخروج فكانت لهم معاناة البقاء داخل منازلهم بقليل من الزاد مع اطفالهم و زوجاتهم و آبائهم كبار السن ..و لكن بعد شعورهم بإنتهاء الزاد بقليل بدأ البعض في الخروج للبحث عن لقمة عيش يسدون بها جوعهم ..و هنا كانت المفاجأة التي اعدها فخري باشا و جنوده .
خلال الإعلان الأول من فخري باشا لأهل المدينة كان له تفكير آخر و هو إيصال سكة الحديد من الإستصيون إلى باب السلام (لنقل موجودات المقصورة الشريفة) و كان الهدف الآخر هو الترحيل الإجباري لمن رفض الخروج من اهل المدينة .
الاســـم:	نقل موجودات الحجرة بالقطار.jpg
المشاهدات: 38076
الحجـــم:	114.4 كيلوبايت
القطار و به موجودات المقصورة الشريفة .
و فعلاً اوصل خط سكة الحديد مروراً بشارع العنبرية مروراً بالمناخة قريبة من باب السلام (حيث ذكر ممن قابلتهم و سجلت لهم انه اوصلها إلى طرف شارع العينية الشرقي).

وبعد أن اطمأن فخري على وصول موجودات المقصورة إلى إستانبول ، أمر جنوده بالقبض على كل من يخرج من بيته وإركابه القطار بالقوة الجبرية.. وجهز فخري لهذه المهمة 2000 جندي وبدأ الترحيل فالمرأة التي تخرج للبحث عن ولدها أو زوجها تُرحل والطفل الذي خرج يبحث عن أمه أو أبيه يُرحل والرجل يُرحل والشيخ يُرحل، عدة قطارات تحركت من المدينة مرورا بتبوك والأردن ثم سوريا والمحطة الأخيرة هي إسطنبول ومات من مات خلال رحلة القطار ومنهم من قفز من القطار في تبوك والأردن

ومن بعض العوائل التي لم تُرحل خلال الترحيل الجماعي: مصطفى صيرفي، عثمان حلمي، والشريف أفندي العيتاني ، وإبراهيم خياري، وألفا هاشم، وحسين بن يحيى عقبي، وجعفر فقيه، وبركات أنصاري، إبراهيم جراح، بيت الحلواني ، بيت المدني، بيت السيد البرزنجي، ذياب ناصر، بيت الخريجي، وبعض النساء من أهل المدينة

ومن بعض الأسر التي بقيت في المدينة
السيد أمين مدني، حسن سلكاوي، إبراهيم كعكي ، كما بقي بالمدينة المنورة الشيخ ألفا هاشم وجماعته . وهذه لها قصة عندما تقدم الشيخ ألفا هاشم إلى فخري بطلب بقائه في المدينة هو وجماعته ( الأفارقة) فوافق فخري على أن يقوم جماعة الشيخ والقادر منهم بالدفاع عن المدينة

ومن العوائل التي تم ترحيلها إجباريا إلى الشام وتركيا والأردن ، أسرة الشيخ عبدالحميد عنبر، أسرة علي بن حسين عزي, وعبدالحق نقشبندي، والسيد عمران وأخوه أسعد الحسيني، وأسرة السيد محمود أحمد، وعبدالحق رفاقت علي، وآل الطرابيشي، وبيت الإسكندراني، بيت الحواله؛ سليمان مراد، جعفر الكتاني، بيت جنيد ( جنيد بن فيض)، السيد عبدالله جمل الليل، هاشم خليفة، إسماعيل حفظي، السيد إدريس هاشم، والشيخ محمد الحبيب الجداوي الوهيبي وهو أحد مدرسي المسجد النبوي في الفقه المالكي، و الذي درس على يديه العديد من علماء المدينة المنورة وشيوخها .

ومن الذين هجروا إلى تركيا محمد سعيد مدرس، وأحمد عبدالله ثروت، وعائلة الطوله. وإلى الأردن يعقوب عفيفي، وبيت أبو عوف، وعبد الستار عاشور .

وعدة أسر خرجت من المدينة اختياريا بعيداً عن قطار الموت حيث رحل عباس رضوان إلى مصر، وبيت أبو خضير إلى جدة، وعمر طه إلى جدة. وممن سافر إلى ينبع محمد حسين زيدان، وبيت أبو طربوش، وإبراهيم حسوبه، وعبدالغني مشرف، وإلى مكة رحل بيت الشربيني، وعبدالقدوس الأنصاري، وبيت آل طاهر، والسيد أحمد صقر، وبيت شكري، وأسرة الصفرجي .

ومن الأشعار التي قيلت في الترحيل قال أعرابي
يا الله أسألك القبول لأهل المدينـــة العالية
فخري يسفر في الضعوف خلَّى المنازل خالية

وهنا قصيدة شكري البغدادي يصف فيها حال المدينة وأعمال فخري باشا
بشرى فقد اعطى الأقواس باريها و أسكن الدار بالأمان بانيها
و خائن الدين و لى خائفاً وجلاً و حل في بلدة المختار حاميها
الناس أخرجها والدور هدمها والخلق غادرها تشكو لباريها
قد جوع الجند من بخل ومن حمق ويظهر الفقر والأرزاق يخفيها
التمر صادره والمال جمعه والناس قاست جوعا كفا لايعطيها
كم عالم مات جوعا بعد أن حملت أكتافه من صخور جل باريها
كم حرة نقلت صخرا مبرقعة بقرص خبز من الآفات يعطيهـا
أفعاله السود قد أضحت بلا عدد فليس أوراق هذا العصر تحصيها
يا عباد الله إن الرب وفقكم إلى أمور عظام كـنـت أبغيها
لا يعرف الظلم إلا من يكابده ولا المجاعة إلا من يعانيها

وفي قصيدة للشيخ محمد العمري المدرس بالمسجد النبوي يصف حال المدينة خلال الترحيل
دار الهدى خف منك الأهل والوطن واستفرغت جهدها في ربعك المحن
عفا المصلى إلى سلع إلـى جشم والحرتان ومرأى أرضها الحسن
أقوى العقيق إلى الجمّا إلى أُحدٍ إلى قباء التي يحيا بها الشجن
منازل شب فيها الدين واكتملت آياته فاستعارت نورها الدن
لأي أرض يشد الرحل كاتبه يبغى المثوبة أو يشتاقـه عطن
أبعد روضتها الغنا وقبتها الخضراء يحلو بعيني مسلم وطـن

ويصف السيد أمين مدني المدينة وقد خلت من أهلها فيقول في مذكراته الخاصة : (خلت محلات المدينة وميادينها وأسواقها وأزقتها وأحواشها, وكل دار من دورها من سكانها فتبدل الضجيج بصمت رهيب , فكأن الدور وقد صف بعضها بجانب بعض , ككثبان الربع الخالي لا أنيس بها ولا مسافر, أو كأنها قمم جبل سلع, وأمست في ليلها كأنها مدينة الأشباح التي تبدو في ظلال الليل الحائر كتلا من الظلام على هيئة الجن والأبالسة التي تتحدث عنها العجائز تقفز من سطح إلى سطح , فيفزع إلى حضن أمه مرعوبا يسأل عن الأشباح وعن الصمت والظلام
ويضيف السيد أمين : وبقينا في البيت إلى أن خلت المدينة أو كادت من سكانها, وعند ذلك دعانا العمان السيد عبد الجليل والسيد عبد العزيز ، إلى الانتقال إلى دارهما في حي الشونة - البيت الكبير- وبقينا هناك, وكنا جميعا نطلع إلى بستان المغنية نقضي الصيف هناك, إلى أن دخل الأشراف المدينة, وجلا عنها الجيش العثماني, عدنا إلى دارنا التي في السوق, ولاقينا متاعب مالية عنيفة استمرت حتى بعد عودة الوصي علينا من دمشق وهو كما سبق السيد زين العابدين ، وأعتقد أن في الإشارة إلى عنف ما كنا نقاسيه من متاعب غنى عن تفصيلها ولا سيما في هذا المكان, وبالرغم من كل ذلك كانت الوالدة حريصة على الاحتفاظ بمظاهرنا الخارجية, وإحاطتها بضروب من الوجاهة وحسن البروز على نقيض الواقع الذي كنا نحياه. كان بيتنا مفتوحا للزوار ومجالسنا حافلة بكل ما تطلبه مجالس الأثرياء الموسرين, ولا نتأخر عن المآدب (العزائم) عند كل مناسبة ندعى إليها ولذلك ظن الكثيرون أننا نغترف من معين لا ينضب).
وفي فصول من تاريخ المدينة يذكر السيد علي حافظ أن أحد سكان المدينة باع بيته بكيس أرز , وأما العائلات التي هاجرت رغما عنها فقد أصيبت بالجوع والمرض والبرد وعانوا أشد المعاناة في الذهاب أو حين العودة إلى المدينة المنورة .

يتبع..