( باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل ) هو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل ، وقد تقدم نسبه في ترجمته . وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة ; وكان ممن طلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك ، لكنه مات قبل المبعث ، فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعةحليف بني عدي بن كعب قال : قال لي زيد بن عمرو : إني خالفت قومي ، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان ، وكانا يصليان إلى هذه القبلة ، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث ، ولا أراني أدركه ، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي ، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام . قالعامر : فلما أسلمت أعلمت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبره قال : فرد عليه السلام وترحم عليه ، قال : ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا .
وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال : " خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين ، حتى أتيا الشام ، فتنصر ورقة وامتنع زيد ، فأتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع " وذكر الحديث نحو حديث ابن عمر الآتي في ترجمته وفيه قال سعيد بن زيد : فسألت أناوعمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيد فقال : غفر الله له ورحمه ، فإنه مات على دين إبراهيم ، وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال : " بلغنا أن زيدا كان بالشام ، فبلغه مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يريده فقتل بمضيعة من أرض البلقاء " وقال ابن إسحاق :لما توسط بلاد لخم قتلوه ، وقيل : إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة .
قوله : ( بأسفل بلدح ) هو مكان في طريق التنعيم بفتح الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة ، ويقال هو واد .
قوله : ( فقدمت ) بضم القاف .
قوله : ( إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ) كذا للأكثر ، وفي رواية الجرجاني " فقدم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - سفرة " قال عياض :الصواب الأول ، قلت : رواية الإسماعيلي توافق رواية الجرجاني ، وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما ، وقال ابن بطال : كانت السفرةلقريش قدموها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يأكل منها فقدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها وقال مخاطبالقريش الذين قدموها أولا : " إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " انتهى . وما قاله محتمل ، لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك ، فإني لم أقف عليه في رواية أحد . وقد تبعهابن المنير في ذلك وفيه ما فيه .
قوله : ( على أنصابكم ) بالمهملة جمع نصب بضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام ، قال الخطابي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل مما يذبحون عليها للأصنام ، ويأكل ما عدا ذلك وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه ؛ لأن الشرع لم يكن نزل بعد ، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة . قلت : وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن بطال ، وعلى تقدير أن يكون حارثةذبح على الحجر المذكور فإنما يحمل على أنه إنما ذبح عليه لغير الأصنام ، وأما قوله تعالى : وما ذبح على النصب فالمراد به ما ذبح عليها للأصنام ، ثم قال الخطابي : وقيل : لم ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم ذلك شيء . قلت : وفيه نظر ؛ لأنه كان قبل المبعث فهو من تحصيل الحاصل : وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قدمته وهو عند أحمد وكان ابن زيد يقول : عذت بما عاذ به إبراهيم ، ثم يخر [ ص: 178 ] ساجداللكعبة ، قال : فمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال : يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب ، قال : فما رؤي النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك . وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما قال : " خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما من مكة وهو مردفي ، فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو "فذكر الحديث مطولا وفيه : " فقال زيد : إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه " قال الداودي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث يجانب المشركين في عاداتهم ، لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح ، وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم .
وقال السهيلي : فإن قيل : فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولى من زيد بهذه الفضيلة ، فالجواب أنه ليس في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل منها ، وعلى تقدير أن يكون أكل فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه ، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم ، وكان فيشرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام ، والأصح أن الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة ، مع أن الذبائح لها أصل في تحليل الشرع ، واستمر ذلك إلى نزول القرآن ، ولم ينقل أن أحدا بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزلت الآية . قلت : وقوله : إن زيدا فعل ذلك برأيه أولى من قول الداودي إنه تلقاه عن أهل الكتاب ، فإن حديث الباب بين فيما قال السهيلي ، وإن ذلك قاله زيدباجتهاد لا بنقل عن غيره ، ولا سيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل الكتابين . وقد قال القاضي عياض في الملة المشهورة فيعصمة الأنبياء قبل النبوة : إنها كالممتنع لأن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متعبدا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح ، فعلى هذا فالنواهي إذا لم تكن موجودة فهي معتبرة في حقه والله أعلم .
فإن فرعنا على القول الآخر فالجواب عن قوله : " ذبحنا شاة على بعض الأنصاب " يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة ، إنما هي من آلات الجزار التي يذبح عليها ، لأن النصب في الأصل حجر كبير ، فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام فيذبحون له وعلى اسمه ، ومنها ما لا يعبد بل يكون من آلات الذبح فيذبح الذابح عليه لا للصنم ، أو كان امتناع زيد منها حسما للمادة .
قوله : ( فإن زيد بن عمرو ) هو موصول بالإسناد المذكور .
http://www.islamweb.net/newlibrary/d..._no=52&ID=2162