عرض مشاركة واحدة
قديم 27-12-09, 08:03 PM   رقم المشاركة : 7
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الفصل السابع‏:‏ في تذكير الأمة بحقوق الراعي والرعية


ومن المناسب ههنا تذكير الأمة جمعاء بحقوق الراعي والرعية في كل بلد إسلامي ، إذ أن الخلل في القيام بهذه الحقوق ، لا بد أن ينتج منه آثار سيئة غير مرضية ، وأمراض فكرية تظهر في حياة الفرد والجماعة فأقول ‏:‏


من ولى شيئا من أمور المسلمين فان أعظم ما يجب عليه أن يسوس الرعية بالكتاب والسنة وينشر التوحيد من مِشْكاتِهما ويزيل ما يناقضه من مظاهر الشرك والوثنية ويحكم بين الناس بهما إقامة للعدل بينهم ولا أحكم ولا أعدل ولا أصلح للناس من شريعة ربهم ، ففيها العدل والرحمة والشفاء لما في الصدور كما قال الله جل وعلا ‏(‏يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ‏)‏ يونس/57 ‏.‏

وقال سبحانه ‏(‏ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‏)‏ المائدة/50 ‏.‏ وقال تعالى ‏(‏ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ‏)‏ الجاثية /18 ‏.‏


وان تحكيم شرع الله تعالى من أعظم الواجبات قال سبحانه ‏(‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما‏)‏ النساء/65 ‏.‏

وهو أيضا من أجل أنواع العبادة قال الله تعالى ‏(‏إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏)‏ يوسف/40 ‏.‏


وقال كل رسول لقومه ‏:‏ ‏(‏ اعبدوا الله ما لكم من اله غيره‏)‏الأعراف/36 ‏.‏وجعل الله سبحانه الحكم بغير ما أنزله شركا في عبادته وشركا في حكمه فقال تعالى ‏(‏ولا يشرك في حكمه أحدا‏)‏ الكهف/26 ‏.‏


وقال عز من قائل ‏(‏أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ‏)‏ الشورى/21 ‏.‏


وقال سبحانه ‏(‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا‏)‏ الكهف /110‏.‏


كما يجب على كل وال السعي فيما يصلح رعيته ويدفع المضار عنهم ويطهر مجتمعاتهم من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ومن سائر الموبقات والمحرمات كالخمر والبغاء والربا والقمار وغيرها قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ‏)‏ متفق على صحته ‏.‏


ومما يجب التنبه له والتحذير والحذر منه ‏:‏ أن على من بسط الله يده ، أن يكف عن المسلمين تلك السموم التي تقذف بها بعض القنوات الإعلامية في بعض البلاد ‍‍‍‍‍‍‍‍‏!‏‏!‏ وعلى وجه الخصوص ذلك التركيز الخبيث على تغريب المجتمعات المسلمة في أخلاقهم ولباسهم وغدوهم ورواحهم وبخاصة إخراج المرأة من عفتها وطهارتها وحجابها إلى أحط دركات السفالة ، والتبذل والحيوانية في شتى وجوه ‏(‏الإباحية‏)‏ ‏.‏


وتعمل تلك القنوات جاهدة على التشكيك في الاعتقاد الإسلامي الحق والاعتراض على أحكام الله المحكمة ، والسخرية بالله وآياته ورسوله ، والدعوة للإباحية والانسلاخ من الدين ، وتمكين المنافقين بإعلان ما يحيك في صدورهم ومجاهرة المضلين بمقالات الكفر والتشكيك والردة عن الدين كل ذلك باسم ‏:‏ حرية الفكر ‏!‏‏!‏ المناظرات المحايدة‏!‏‏!‏ معرفة الرأي الأخر ‏!‏‏!‏ قاتلهم الله أني يؤفكون ‏.‏


ألا فليعلم أولئك إن كان لهم عقول ويحبون لأنفسهم النجاة أن من فتح ذلك الباب ، أو أعان عليه أو رضي به فله نصيب من قول الله تعالى ‏:‏ ‏(‏قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد أيمانكم ‏)‏ التوبة/65-66‏.‏


وقول الله جل شأنه ‏(‏وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ‏)‏النساء/140 ‏.


‏وقوله سبحانه ‏(‏إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة‏)‏ النور/19 ‏.‏


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في أثناء كلامه على هذه الآية ‏:‏0وهذا ذم لمن يحب ذلك وذلك يكون بالقلب فقط ، ويكون مع ذلك باللسان والجوارح ، وهو ذم لمن يتكلم بالفاحشة أو يخبر بها محبة لوقوعها في المؤمنين ‏:‏ إما حسدا أو بغضاً ، وإما محبة للفاحشة وإرادة لها ، وكلاهما محبة للفاحشة وبغضا للذين آمنوا ، فكل من أحب فعلها ذكرها ‏)‏ الفتاوى15/332


وقال أيضا مستنبطا من أسرار التنزيل ما يعز نظيره ‏:‏ ‏"‏ فكل عمل يتضمن محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخل في هذا ، بل يكون عذابه أشد فان الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وهذه المحبة قد لا يقترن بها قول ولا فعل فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل ‏؟‏ بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا ، ومن رضى عمل قوم حشر معهم كما حشرت امرأة لوط معهم ولم تكن تعمل فاحشة اللواط ، فان ذلك لا يقع من المرأة لكنها لما رضيت فعلهم عمها العذاب معهم ‏.‏


فمن هذا الباب قيل ‏:‏ من أعان على الفاحشة وإشاعتها ، مثل القَوَّاد الذي يقود النساء والصبيان إلى الفاحشة ، لأجل ما يحصل له من رياسة أو سُحتٍ يأكله ، وكذلك أهل الصناعات التي تنفق بذلك ‏:‏ مثل المغنين ، وشربة الخمر وضمان الجهات السلطانية وغيرها فانهم يحبون أن تشيع الفاحشة ليتمكنوا من دفع من ينكرها من المؤمنين ، خلاف ما إذا كانت قليلة خفيفة خفية ، ولا خلاف بين المسلمين أن ما يدعو إلى معصية الله وينهي عن طاعته منهي عنه محرم ، بخلاف عكسه فانه واجب ‏"‏ الفتاوى 15/344


كما يجب على الراعي أن يسوس رعيته بالرفق وللين ، وأن يجتهد في قضاء حوائجهم وإيصال الخير لهم بكل طريق فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ‏)‏ خرجه مسلم في صحيحه ‏.‏


كما يجب الاهتمام بمناهج التعليم السليمة في جميع أطواره على منهج الكتاب والسنة وما عليه صالح سلف هذه الأمة وإلزام الرعية بتعلم العقيدة الإسلامية الصافية من شوائب الانحراف وتعلم سائر أحكام الدين ، وتقوية مناهجها في جميع مراحل التعليم ‏.‏


كما أنه يجدر بحكام المسلمين اليوم أن يعيدوا لبيوت الله مجدها وعزها ووظيفتها في الإسلام ، فتقام فيها الصلوات ، وتفتح حلقات الوعظ والتعليم للعلماء المصلحين ، ليبثوا على الشريعة بين المسلمين فيتذكر الغافل ويتعلم الجاهل ويتعظ العاصي وتتهذب النفوس وتقبل على طاعة ربها ويحصل بذلك خير كثير للأمة طالما حرمته زمنا طويلا ‏.‏



تلك من الواجبات على الراعي لرعيته ‏.‏


أما الرعية فيجب عليها السمع والطاعة لمن قادها بكتاب ربها وسنة نبيها ، ما لم يأمر بمعصية فانه لا تجوز طاعته في تلك المعصية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف ‏)‏ متفق على صحته ‏.‏


وقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏‏(‏ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏)‏ رواه أحمد، والحاكم ، وغيرهما ‏.‏


ويجب النصح له والدعاء له والاجتهاد في جمع الكلمة معه تحت راية الإسلام فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏الدين النصيحة ‏)‏ قلنا ‏:‏ لمن ‏؟‏ قال ‏:‏ ‏"‏لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ‏"‏ خرجه مسلم في صحيحه ‏.‏


وثبت أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏(‏ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم ‏:‏ إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم الجماعة ، فان دعوتهم تحيط من وراءهم ‏)‏ رواة أحمد ، وغيره ‏.‏


وفي بعض روايات الصحيح لوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المشهورة في الصحيحين ، وغيرهما ، قوله ‏:‏ ‏(‏وأحسنوا مؤازرة من يلي أمركم ، وأعينوه ، وأدوا إليه الأمانة‏)‏ ‏.‏


وعلى الرعية ‏:‏ الصبر على الأثرة وقول كلمة الحق حسب القدرة والطاقة ، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال ‏(‏بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى ألا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالي فيه برهان ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم ‏"‏ متفق على صحته ‏.‏


هذه من الواجبات على الرعية للراعي ‏.‏


وعلى كل عبد مسلم من الرعاة والرعية ‏:‏ ملازمة تقوى الله ، وأن يكون مقصدهم الأعظم هو عبادة الله وحده ، والدعوة إليها ، وأن يحافظوا على ‏"‏رأس مالهم ‏"‏ جماعة المسلمين ، وأن لا يكون من عصيانهم وعدم تطبيقهم لشريعة ربهم وتنكبهم الصراط المستقيم ‏:‏ فتنة للكافرين في الإصرار على كفرهم ولْيَدْعُ كلُّ مسلم بدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه ‏(‏ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك أنت العزيز الحكيم ‏)‏ الممتحنة /5 ‏.‏


أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهم المسلمين رشدهم ويقيهم شر أنفسهم ويصلح حالهم أنه على كل شي قدير وبالإجابة جدير ‏.‏


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‏.‏