أبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان ، وابن عباس وأبي ذر وأبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهم
ما صحة حديث: ( إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً ، اتخذوا دين الله دغلاً ، وماله دولاً ، وعباده خولاً ) ؟
حديث باطل
حديث باطلٌ .
وقد ورد من حديث أبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان ، وابن عباس وأبي ذر وأبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهم ، وهاك تخريج أحاديثهم باختصار :
أمَّا حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه البيهقي في ( دلائل النبوة ) (6 / 507) من طريق أبي بكر بن أبي أويس ، قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، وقد خولف سليمان بن بلال في رفعه ، خالفه إسماعيلُ بن جعفرٍ ، قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره موقوفًا .
أخرجه أبو يعلى في ( المسند ) ( ج11 / رقم 6523) ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، وأخرجه الخطابي في ( غريب الحديث ) (2 / 436) من طريق علي بن حُجْر قالا : ثنا إسماعيل به .
وهذه الرواية أصحُّ ، ورفع هذا الحديث عندي منكرٌ ، وأبو بكر بن أبي أويس اسمه عبد الحميد بن عبد الله ، وهو ثقةٌ ، ولكن قال فيه النسائي : ( ضعيف ) ، فلعلَّ هذا منه ، وربما كان ذلك من العلاء ، والله أعلم .
أما حديث معاوية وابن عباس ، رضي الله عنهم ؛ فأخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) (316) ، قال : حدثنا رشدين . وأخرجه البيهقي في ( الدلائل ) (6 / 507 ، 508) من طريق كامل بن طلحة كلاهما عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن ابن مَوْهب أن معاوية بينما هو جالسٌ وعنده ابنُ عباس ، إذ دخل عليهم مروان بن الحكم في حاجةٍ ، فلما أدبر قال معاوية لابن عباس : أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً ، اتخذوا مال الله تعالى بينهم دولاً ، وعباده خولاً ، وكتابه دغلاً ) .
قال ابن عباس : اللهم نعم ! ثم إن مروان ردَّ عبد الملك إلى معاوية في حاجته ، فلما أدبر عبدُ الملك قال معاوية : أنشدك بالله يابن عباس ! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا فقال : ( أبو الجبابرة الأربعة ) ! قال ابنُ عباس : اللهم نعم .
قُلْتُ : وهذا منكرٌ جدًّا ، كأنه موضوع ، فلعلَّ أحدًا كذبه وأدخله على ابن لهيعة ، وليس بغريب أن يحدث مثله لابن لهيعة مع شدة غفلته في آخر عمره ، رحمه الله .
وقد ذكر الحافظ ابنُ كثير هذه الرواية في ( البداية والنهاية ) (6 / 242) ، ثم قال : ( وفيه غرابةٌ ونكارة شديدةٌ ) .
أمَّا حديث أبي ذرٍ ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) (314) ، والحاكم في ( المستدرك ) (4 / 479 ، 480) من طريقين واهيين عن أبي ذر .
قال الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) عن أحدهما : ( على ضعف رواته منقطعٌ ) .
وقال ابن كثير في ( البداية ) (6 / 242) : ( منقطع بين راشد بن سعد وأبي ذر ) .
أمَّا حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه أبو يعلى في ( المسند ) (2 / 383 ، 384) ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( ج16 / ق 254) ، وأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ( 7785) ، قال : حدثنا محمود بن محمد الواسطي قالا : ثنا زكريا بن يحيى بن المعروف بـ ( زحمويه ) ، قال : ثنا صالح بن عمر ، عن مطرف بن طريف ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا ، فذكر مثله .
وأخرجه أحمد ( 3 / 80) ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده ) ، كما في ( البداية ) (6 / 242) لابن كثير ، والبزار (1620) ، والبيهقي في ( الدلائل ) (6 / 507) من طريق جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد مرفوعًا مثله .
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلا أبو سعيد ، ولا عنه إلا عطية ) .
وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن مطرف ، إلا صالح بن عمر ، تفرد به : زحمويه ) .
قُلْتُ : أمَّا قول البزار فمتعقبٌ بما ذكرتُهُ قبل ذلك من أحاديث الصحابة الكرام ، وأما قول الطبراني فمتعقبٌ بأن زحمويه لم يتفرد به ، فتابعه سعدويه ، واسمه سعيد بن سليمان الواسطي قال : ثنا صالح بن عمر بسنده سواء .
أخرجه البزار في ( مسنده ) (1621 - كشف الأستار ) ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، ثنا سعيد بن سليمان بسنده سواء .
وسند هذا الحديث ضعيفٌ على أي حال ، وعطية العوفي ضعَفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل والنسائي وأبو حاتم والدارقطني ، ولينه أبو زرعة ، ومشاه آخرون .
والحديث باطلٌ على كل حال . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
http://www.alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=1063