عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-08, 09:34 PM   رقم المشاركة : 3
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road


(العاشر) قوله: "ودلت الآية أيضاً على أنه لا فرق في الجائي بين أن يكن مجيئه بسفر أو غير سفر، لوقوع "جاءوك" في حيز الشرط الدال على العموم.

قلت: هذا ذكره ابن حجر المكي في الجوهر المنظم، وهو فاسد. بيانه أن عموم الفل الواقع في حيز الشرط ليس إلا عموم النكرة في موضع الشرط. قال الإمام المحلى في شرحه على جمع الجوامع: لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر. وقال السعد في حاشيته على العضدي: والمحققون من النحاة على أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد الذي يسبك منها نكرة، وعموم الفعل المنفي ليس من جهة تنكيره بل من جهة ما يتضمنه من المصدر نكرة، فمعنى "لا يستوي زيد وعمرو" لا يثبت استواء بينهما. اه‍.
وعموم النكرة في موضع الشرط ليس إلا عموم النكرة في موضع النفي، قال السعد في التلويح: يريد أن الشرط في مثل "إن فعلت فعبده حر أو امرأته طالق، لليمين على تحقق نقيض الشرط إن كان الشرط فيها مثل "إن ضربت رجلاً فكذا" فهو يمين للمنع، بمنزلة قولك "والله لأضربن رجلاً"، وإن كان منفياً مثل "إن لم أضرب رجلاً فكذا" فهو يمين للحمل بمنزلة قولك "والله لأضربن رجلاً"، ولا شك أن النكرة في الشرك المثبت خاص يفيد الإيجاب الجزئي فيجب أن يكون في جانب النقيض للعموم والسلب الكلي، والنكرة المنفية عام يفيد السلب الكلي فيجب أن يكون في جانب النقيض للخصوص والإيجاب الجزئي، فظهر أن عموم النكرة في موضع الشرط ليس إلا عموم النكرة في موضع النفي. اه‍.

فتحصل من هذا أن عموم الفعل في سياق الشرط لا يكون إلا في موضع يحصل فيه نكرة في سياق النفي، وهذا لا يحصل إلا في مثل شرط يكون لليمين التي للمنع، ولذا قال السعد في حاشيته على العضدي: قوله "أو في معناه" يعني النكرة الواقعة في الشرط المستعمل موضع اليمين التي للمنع، مثل "إن أكلت فأنت طالق" فإنه للمنع عن الأكل، إذ انتفاء الطلاق مطلوب وذلك بانتفاء الأكل، فهو في معنى لا آكل البتة، وهذا معنى قوله: "إذا ينتفي الطلاق بأن لا يأكل". اه‍.

وقال في التوضيح: والنكرة في موضع الشرط إذا كان مثبتاً عام في طرف النفي، وإنما قيد بقوله إذا كان الشرط مثبتاً، حتى لو كان الشرط منفياً لا يكون عاماً كقوله إن لم أضرب رجلاً فعبدي حر، فمعناه أضرب رجلاً، فشرط البر ضرب واحد من الرجال، فيكون للإيجاب الجزئي. اه‍.

وفي الآية الكريمة كون الشرط لليمين التي للمنع غير مسلم، وأيضاً قد علم أن في قوله "إن لم أضرب رجلاً فعبدي حر" الفعل واقع في سياق الشرط مع أنه ليس عاماً، فالقول بعموم الفعل الواقع ف سياق الشرط عموماً فاسد.

(الحادي عشر) : أن جميع الأمة عصاة مذنبون، وخطّاء ظالمون، ورد في الحديث القدسي "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار"ز رواه مسلم من حديث أبي ذر، وفيه "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته". وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي، وعن ابن عباس في قوله تعالى:  إلا اللمم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن تغفر اللهم تغفر جما = وأي عبد لك لا ألما " ؟

رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وفي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم مذنب إلا من عافيت". رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وفي حديث ابن مسعود قال: "لما نزلت:  الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم . شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذاك، إنما هو الشرك". رواه البخاري ومسلم.

فلو كانت الآية تعم كل ظالم سواء كان مؤمناً أو كافراً أو منافقاً، وسواء كانت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مدة سفر أو لم تكن، وسواء كان يدعي أو لا يدع، وسواء كان مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو إلى قبره بعد وافته كما زعم صاحب الرسالة(21) يلزم أن يكون مجيء كل أحد من أمته بعد كل ظلم ومعصية صغيرة كانت أو كبيرة إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده قربة مطلوبة بالكتاب، وهذا مما لم يقل به أحد من المسلمين، ولا يطيقه أحد، وأيضاً يلزم أن يكون جميع مسلمي زمانه صلى الله عليه وسلم الذين لم يجيئوا إليه صلى الله عليه وسلم بعد كل ظلم تاركين لهذه القربة، وأيضاً يلزم أن لا يكون المجيء إلى القبر مرة كافياً، بل يكون المجيء بمرات غير محصورة على قدر ذنوبهم قربة مطلوبة، كيف وذنوبنا غير محصورة ولا واقفة عند حد، وأيضاً يلزم مزية زيارة القبر على الحج، فإن حج بيت الله فرض في العمر مرة وتكون زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم قربة في كل سنة بل في كل شهر بل في كل أسبوع بل في كل ساعة بل في كل لمحة، فإنا لا نخلو في لمحة من اللمحات من الذنوب، بل يلزم سكنى المدينة فيلزم أن يكون جميع الأكابر الذين لم يقيموا في المدينة من السلف والخلف تاركين لهذه القربة، وأيضاً يلزم أن يكون الزاد والراحلة غير مشروط في الزيارة مع أنهما شرطان في الحج، وهذه المفاسد مما لا يلتزمها إلا جاهل غبي.

(الثاني عشر) أن في الآية تقبيحاً لضرب من المجيء، أي إتيانهم حالفين بالله حلفاً كاذباً كما جاء المنافقون، وتحسيناً لضرب آخر منه وهو أن يجيء مستغفراً فالمقصود الحث على تقدير المجيء على المجيء مستغفراً، فالثابت منها أنه على تقدير المجيء الإتيان مستغفراً قربة، لا أن نفس المجيء مع الاستغفار قربة، والمطلوب الثاني لا الأول فلا يتم التقريب.

(الثالث عشر) أنه لو صح الاستدلال المذكور بالآية المذكورة لصح بالأولى الاستدلال بالآية الواقعة في سورة الحجرات: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . على عدم كون زيارة القبر المعهودة في زماننا قربة الذي هو نقيض مطلوب صاحب الرسالة(22) فإن الآية دلت على ذم نداء النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، وهذا لا ينقطع بموته صلى الله عليه وسلم تعظيماً له كما قال الخصم في تقرير الآية بل هو أولى، فإن النداء من وراء الحجرات بعد الموت بيارسول الله وغيره من الألفاظ فرد من أفراد نداء النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات بلا ريب ولا شبهة، بخلاف المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم، فإن كونه فرداً من أفراد المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسد كما تقدم، ودلت أيضاً على تعليق ثبوت الخيرية لهم بالصبر على النداء من وراء الحجرات، والآية الكريمة وإن وردت في قوم معينين ف حال الحياة تعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في حال الحياة وبعد الممات كما قرر الخصم في الآية، بل عمومه أولى بالنسبة إلى الآية التي استدل بها الخصم فإن في هذه الآية  الذين  لفظ موصول وهو من الألفاظ العامة، بخلاف الآية المتقدمة فإن فيها ضميراً وهو ليس من العموم في شيء، ولذلك فهم العلماء منها العموم للمنادين.

قال القاضي عياض في الشفا: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال:  {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ }. ومدح قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ } الآية، وذم قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ } . وبأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان له أبو جعفر اه‍. وهذه الرواية وإن كان فيها مقال كثير ولكنها من مسلمات الخصم.

وأيضاً قال القاضي فيه: ولما كثر على مالك الناس قيل له: لو جعلت مستملياً يسمعهم، فقال: قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } . وحرمته حياً وميتاً سواء. اه‍.

وقال القطسلاني في المواهب: روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: إنه لا ينبغي رفع الصوت على نبي حياً ولا ميتاً، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وما عمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مصراعي داره إلا بالمناصع توقياً لذلك، نقله ابن زبالة. اه‍.

ودلت الآية أيضاً على أنه لا فرق في الصابر بين أن يكون صبره بحيث تكون بينه وبين قبر النبي صلى الله عليه وسلم مدة سفر أو لا لوقوع "صبروا" في حيز الشرط الدال على العموم كما قرر الخصم، على أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم المعهودة في زماننا هل يرفع فيها الصوت ويجهر له بالقول أم لا ؟ والأول منهي عنه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }. وعن أبي هريرة قال: لما نزلت: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله . قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار(23) حتى ألقى الله، أخرجه عبد بن حميد والحاكم وصححه، وفي صحيح البخاري: قال ابن الزبير فما كان عمر يُسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر. قال القسطلاني: وإن أكابر الصحب ما كانوا يخاطبونه إلا كأخي السرار. اه‍.

وبما جاء في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت نائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما فقال: ممن أنتما، ومن أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن مالك قال: بنى عمر رحبة في ناحية المسجد تسمى البطحاء وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة. رواه في الموطأ، كذا في المشكاة، وعن أبي هريرة في حديث مرفوع في أشراط الساعة فيه "وظهرت الأصوات في المساجد"، وفي رواية "وارتفعت الأصوات في المساجد". وعن مكحول في حديث في أشراط الساعة "وأن تعلو أصوات الفسقة في المساجد". رواه ابن أبي الدنيا مرسلاً، هكذا في الترغيب والترهيب للمنذري. ففي هذا الشق يلزم ثلاث محذورات: (الأول) رفع الصوت في المسجد، و(الثاني) رفع الصوت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و(الثالث) رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال القسطلاني في المواهب: ومنها أنه حرم على الأمة نداءه باسمه، قال تعالى: { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً }. أي لا تجعلوا دعاءه وتسميته كدعاء بعضكم بعضاً باسمه ورفع الصوت به، والنداء وراء الحجرات، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، مع التوقير والتواضع وخفض الصوت. اه‍. قال الزرقاني بحرمة رفعه عليه، والظرف أي "بينكم" متعلق بتجعلوا لا حال من الرسول، لأنه يوهم أنه لا يحرم نداؤه باسمه بعد وفاته مع أن الحرمة ثابتة مطلقاً. اه‍.

وقال القسطلاني في المواهب أيضاً: ومنها أنه يحرم الجهر له بالقول، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }. اه‍، قال الزرقاني: أي خشية ذلك بالرفع والجهر المذكورين، روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر. لما قدم وفد بني تميم قال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ – قول قوله – عَظِيمٌ . قال ابن أبي مليكة عن ابن الزبير: فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر اه‍.

وقال القسطلاني في المواهب: وقال ابن عباس لما نزل قوله تعالى: { لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ }. كان أبو بكر لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار. اه‍.

وقال في المواهب: وينبغي للزائر أن يستحضر من الخشوع ما أمكنه، وليكن مقتصداً في سلامه بين الجهر والإسرار اه‍. وأيضاً في المواهب: ثم يقول الزائر بحضور قلب وغض طرف وسكون جوارح وإطراق: السلام عليك يا رسول الله .. الخ.

وقال ابن حجر في الجوهر المنظم: إذا وقت أو جلس ثم سلم لا يرفع صوته، بل يقتصد فيقول: السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته .. الخ. وقال السيوطي في (موجز اللبيب في خصائص الحبيب) : ويحرم التقدم بين يديه، ورفع الصوت فوق صوته،والجهر له بالقول، ونداؤه من وراء الحجرات، والصياح به من بعيد اه‍.

والشق الثاني أيضاً باطل، فإن السلام المشروع عند القبر سلام تحية لا سلام دعاء، وسلام التحية لابد فيه من أن يفعل بحيث يسمعه المسلم عليه حتى يرده على المسلم.
قال في المواهب وشرحه للزرقاني: ويكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرته الشريفة حيث يسمعه ويرد عليه، بان يقف بمكان قريب منه ويرفع صوته إلى حد لو كان حياً مخاطباً لسمعه عادة اه‍. وقال الزرقاني: والظاهر أن المراد بالعندية قرب القبر بحيث يصدق عليه عرفاً أنه عنده، وبالبعد ما عداه وإن كان بالمسجد اه‍. ولما سدت حجرة عائشة رضي الله عنها التي هي مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنيت على القبر حيطان مرتفعة مستديرة حوله ثم بنى عليه جدران من ركني القبر الشماليين تعذر الوصول إلى قرب القبر، فالزائرون اليوم إنما يسلمون من مسافة لو سلم على حي من تلك المسافة لما سمعه، فكيف يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عليه ولو سلم حياته صلى الله عليه وسلم في القبر ؟ فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الممات يمكن أن يزداد قوة سمعه فيسمع من تلك المسافة ؟ فيقال: أي دليل على هذا من كتاب وسنة ؟ ومجرد الإمكان العقلي لا يغني من شيء، على أنه هل لذلك تحديد أم لا ؟ على الثاني يستوي المسلم من بعيد والمسلم عند القبر، وهذا باطل عند من يقول بقربة الزيارة فإنهم فضلوا السلام عند القبر على السلام من بعيد كالسبكي وابن حجر المكي، وعلى الأول فلابد من بيانه بدليل شرعي، وأنى له ذلك ؟

(الرابع عشر) أنه لو صح الاستدلال بالآية المذكورة لجاز أن يستدل على جواز بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الموت، لقوله تعالى في سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وبقوله تعالى في سورة الفتح: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }. وهذا لا ينقطع بموته صلى الله عليه وسلم تعظيماً له صلى الله عليه وسلم كما قال الخصم، ودلت الآية على أنه لا فرق في الجائية بين أن يكون مجيئها بسفر أو غير سفر، لوقوع "جاءوك" في حيز الشرط الدال على العموم كما قال الخصم، ولكون "الذين" من الأسماء الموصولة وهي من ألفاظ العموم، مع أن أحداً من الأمة لم يقل بجواز بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الموت، ولم يفعلها أحد من السلف والخلف.

(الخامس عشر) أنه لو دلت الآية على كون زيارة القبر قربة، وعلى أنه شرع لكل مذهب أن يأتي إلى قبره ليستغفر له، لكان القبر أعظم أعياد المذنبين وأجلها، وهذه مضادة صريحة لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تجعلوا قبري عيداً".

(السادس عشر) أن أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه وهم سلف الأمة لم يفهم منهم أحد إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم، ولم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقثول يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، أفترى عطل الصحابة والتابعون – وهم خير القرون على الإطلاق – هذا الواجب الفرية التي ذم الله سبحانه من تخلف عنها وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق، ووفق له من لا يؤبه له من الناس، ولا يعد في أهل العلم(24). ويالله العجب ! أكان ظلم الأمة لأنفسها – ونبيها حي بين أظهرها – موجوداً وقد دعيت فيه إلى المجيء إليه ليستغفر لها وذم من تخلف عن المجيء، فلما توفي صلى الله عليه وسلم ارتفع ظلمها لأنفسها بحيث لا يحتاج أحد منهم إلى المجيء إليه ليستغفر له، وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل قطعاً، ولو كان حقاً لسبقونا إليه علماً وعملاً وإرشاداً ونصيحة، ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة(25). وهذان الوجهان الأخيران مأخوذان من الصارم.

------------
(21) أي المردود عليها وهو دحلان.
(22) أي دحلان.
(23) هي المسارَّ، أي كصاحب السرار أو كمثل المساررة، لخفض صوته، والكاف صفة مصدر محذوف. اه‍ مجمع البحار.
(24) زاد في الصارم المنكى هنا ما نصه: وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام، وهداة الأنام، من أهل الحديث والفقه و التفسير ومن لهم لسان صدق في الأمة، فلم يدعوا إليه، ولم يحضوا عليه، ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم البتة، بل المنقول الثابت عنهم ما قد عرف مما يسوء الغلاة فيما يكرهه وينهى عنه من الغلو والشرك، الجفاة عما يحبه ويأمر به من التوحيد والعبودية، ولما كان هذا المنقول شجي في حلوق البغاة، وقذى في عيونهم وريبة في قلوبهم، قابلوه بالتكذيب والطعن في الناقل، ومن استحيى منهم من أهل العلم بالآثار قابله بالتحريف والتبديل، ويأبى الله إلا أن يعلي منار الحق ويظهر أدلته ليهتدي المسترشد وتقوم الحجة على المعاند، فيعلي الله بالحق من يشاء، ويضع برده وبطره وغمص أهله من يشاء. اه‍.
(25) يعني أن أحكام العبادات العملية المنصوصة في القرآن لا يعقل أن يجهلها أو يترك العمل بها الصحابة والتابعون وسائر علماء السلف، ثم ينفرد بعملها وفهمهها مثل السبكي وابنحجر المكي بعدهم ببضعة قرون، وليس معناه أنه ليس لأحد بعد الصدر الأول أن يفهم من علوم القرآن وحكمه ما لم ينقل عنهم، فإن هذا باطل لم يقل به أحد، فعلوم القرآن وحكمه كدرر البحار لا تنفد، ولا تفتأ تتجدد، وكتبه محمد رشيد رضا.

المصدر منتدى التصوف العالم المجهول








التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» الاخ alsophee اتفق معك التكفير خطير ولكن لماذا مشايخ التصوف يكفرون الناس ؟؟
»» هدية العيد للصوفية كشف الخيانة العلمية لبعض المواقع الصوفية
»» شاهد حقائق يكشفها أحد الأقطاب الصوفية التائبين / طامات كبرى
»» إلا التوحيد يا دكتور ضمن ردود الافعال حول تبرير الطواف حول القبور
»» حوار للعلامة الالباني رحمه الله تعالى مع صوفي حول قصيدة البردة