بسم الله الرحمن الرحيم و صل اللهم على سيد الخلق أجمعين و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
إن كل واحد من الناس أصبح عالما جهبذا يحكم على الناس و يستخرج الأحكام و يطبق الآيات على الأشخاص و الجماعات و يصدر أحكامه بالكمال أو النقصان على من شاء و كيف شاء
و ليس هذا بجديد أو عجيب فالأمر مكتوب و مقدر أن يأتي على الأمة زمان يتكلم فيه كل من له لسان بما لا يعرف و لا يتقن و لا حتى يدرك ما يقول فيسمع له الناس لقوله و يقدم على من هم للأمر أهل و به اعلم
ذلك هو انقلاب الموازين فالأمر أصبح يرجع الحكم فيه للهوى و ما ألفته الآذان و الأعين كل يرى الغير وفق ما سمع و رأى و ليس وفق ما يجب من البحث عن الحيثيات و إدراك المخفيات أو التحقق من المعلومات و المعطيات بل يكفي أن تكون كلمة واحدة ليصدر الحكم على السريع.
أصبحنا جاهزين لتولي القضاء دون أن نكتسب لا فقهه و لا علما بقوانينه و لا حتى أهدافه فالمهم ليس تولي القضاء للعدل في الأحكام و رفع المظالم أو دفع المفاسد و جلب المصالح بل المهم أن نكون أول المتكلمين و الناطقين بالحكم و لو كان من الناس من يؤيدنا و يرى في حكمنا الصواب فقد نلنا السبق و التقدير و المدح و التعظيم لأنا قلنا جديدا و كأننا نتسابق على أن نكون من الأولين و الله مدح السابقين الأولين بالتزامهم و تسليمهم للدين بينما نحن ليس همنا التسليم بل همنا قول كل ما هو جديد و يصدم به الأسماع أو يشكك في المعلوم أو يرفع الاختلاف إلى أعلى المراتب فيسقط من عليائه ما كان معتبرا أو يرفع به من عرف أن مكانه إلى القعر أنسب و أولى
من قبل قال عادل إمام أن الصهاينة ليسوا متهمين بل البراءة لا بد إليهم تؤول إذ المودة منهم إلينا أقرب و حبهم لنا أولى و أنسب يحبوننا رغم سواد العيون فعلا صوته و نشرته الصحف و القنوات و زمر له من زمر و استهجنه من استهجن فالمزمر له معلوم طبعه و غايته و أهدافه و المستهجن قد أعطاه أكثر من حقه فلا القول و لا قائله أهل لأن يسمع أو يشهر به أو يعلن له لكن هي الموازين انقلبت و أصبح كل ناعق يقول ما يصدم الناس أو يقول جديدا غير مألوف مرحبا به معترف به و أنه إما أعلم من علماء أو أذكى من أذكياء
ثم جاء أمر إخواننا في تونس فهلل البعض و تفاءل آخرون و تشاءم غيرهم و كل أصبح يرى الأمور من منظار نفسه بدون إدراك لواقع أو معرفة بما يحاك و لا خوف على ما تؤول إليه الأمور و ما شدني ليس امر تونس فالقضية معلومة للخاص و العام ظالمها و مظلومها فالظالم و المظلوم كلاهما يعرف بوجود الظلم المستشري و أكل الحقوق و هضمها و سرقة الأموال و الفساد و القضية الآن أن ندعو لإخواننا هناك بإصلاح الأمور و تفشي الأمن و الأمان و عودة الحقوق للناس و لو بعضها لتهدأ النفوس و نسأل الله أن يمكن لخيار التونسيين بتولي الأمور و إعادة البلاد لما فيه خيرها و صلاحها و أن يستفيد التونسيون من تلك التضحيات و أن لا يستغلها أعداؤهم بنشر الفتنة أو تغيير مسار ما ثاروا لأجله و الكل اصبح على تونس حريص فهذا ساركوزي و غيره يتناقشون كيف يستغلون الأمر بينما بالأمس كانوا للطغاة حماة و داعمين فكيف يكونون على تونس حريصين أو لمصالحهم داعمين؟؟؟؟
فالذي شدني هو استقبال السعودية لبن علي لديها و ليس قبولي للأمر من عدمه هو المقصود فليس مقصودي تبرير ما فعلت السعودية أو ذمها فلست بالسياسة عليم و لا بخبايا الأمور ملم و لست أتعدى قدر نفسي لكن الذي يشد الانتباه أن البعض أصبح يلوم السعودية على استقبال بن علي عندها و البل يطعن فيها فراشد الغنوشي الذي قال يوما أن من حق النساء السياحة عاريات على شواطئ تونس ليزيل الخوف عن أعداء الدين من تشد الدين (هكذا يرى حقدهم على الدين) يقول لنا اليوم لا نريد قبلة فيها بن علي أي لا تلطخوا القبلة ببن علي فيها و كأني به يجعل للقضية منحى شرعي أو مفسدة عظيمة و ليت الأمر توقف عند هذا بل يأتينا هنا من يلوم السعوددية محاولا الطعن فيها لقرارها ذلك و يسوغ لنفسه أن يتهمها بأن السعودية تحاجج الله فيهم و تتوعدها بمن يحاجج يوم القيامة و بعضها يعد السعودية بنيل مآل الظالمين.
و أزيد ملاحظة هامة ففي أحد المواضيع نقلت صورة من قناة الجزيرة مكتوب عاجل : السعودية ترحب ببن علي
فقد يقول قائل و ما الضير و ما الخطأ في نقل الخبر فقد استقبلت السعودية بن علي و نشرت هي بنفسها ذلك. لكن من يلاحظ يجد الخبث في الكلمات فالترحاب يكون للمدعو و ليس للمستجير و السائل فالمعلوم أن طائرة بن علي جابت البلدان تسأل و تطلب اللجوء و قد رفضها الكثير و زادت باريس الأمر بأن ابناءه و عائلت الذين كانوا من قبل موجودين لم يعودوا مرحبا بهم لديها. فالترحيب يكون بعد دعوة فهل دعت السعودية بن علي للإقامة عندها أم أنه استجار بها فشرطت له شروطا كثيرة معلومة بعدم المشاركة في أي نشاط سياسي أوليس بن علي هو من سأل السعودية بعد وصد كل الأبواب دونه أو ليس هو من شدد في الطلب لذلك فكيف نقول بعد هذا السعودية ترحب به أو لم تقل السعودية أنها تقبل ما اختاره التونسيون أو ليس ذلك كافيا لبيان موقفها ثم ل فرشت له البساط الأحمر و استقبلته استقبال الزعماء أو الرؤساء أو حتى الشخصيات؟؟؟ هل بعد هذا لا تكون الجزيرة خبيثة بقولها بالترحيب و طعن البعض في السعودية لقرارها ذلك؟؟؟
و إن الأمر المشترك بين المتكلمين بغير علم و لا سلطان مبين أن كل واحد له غاية أو مراد فهذا يريد تزلفا و تملقا و هذا يريد إثباتا للنفس بين الآخرين ليكون له صيت مسموع و إسم مرفوع فمهما كان قوله زائغا و باطلا لا يهمه إذا اثبت به نفسه و لو بالنشوز و الشذوذ و قول ما لا يعقل أو يقبل و إن البعض لهم من جانب السعودية بالذات حسابات غير الشرع أو الدين بل لهدم الدين و إسقاط كل رمز للخير و لسنا نقول بعصمتها من قبل و لا بعصمتها باتخاذها قرار استقبال ذلك الطاغية لكن أن تستغل الأمر فتعطيه جانبا دينيا للطعن فإن الغاية ليست سوية و لا حب الخير للمسلمين مبتغاة بل هو أن تكون السعودية في أسفل سافلين كما يفعل الروافض الملاعين فرغم كل الأخطاء أو الزلات للعودية فإن محاولة إسقاطها ليس غرضه التصحيح أو النصح أو النقد للبناء و إنما لزعزعة سورة بلد الحرمين و كل الخير الذي فيها فتصبح كلبنان أو العراق أو اليمن و ليس حرب السعودية مع الحوثيين عنا ببعيد فهلا يتعظ من لا يدري ما يقول و لا ما يصبوا إليه من يريد إقناعه بذلك التضليل و أذكركم بالبعض الذين يحاولون فضح كل ما هو سعودي هنا و ليس قصده النصح أو بيان الخطر بل مثله مثل ذلك الدكتور الذي زار بعض الرافضة الملاعين فجعل زنا المحارم عند السعوديين 80 بالمائة و اين؟؟ ليس في أماكن تواجد الروافض بل المقصودون هم أهل السنة بالذات و ليس يعني ذلك عدم وجود معاصي أو كبائر فقد اقيم الحد على زانية في أفضل العصور و شارب خمر و غيره لكن أن نجعل ذلك مدخلا للتهويل و نشر الأقاويل و تعظيم الأرقام لإسقاط كل خير و طاعة هناك فهذا مما يراد و يبتغى بنشر تلك الأقاويل فلينتبه من لا يعلم بتلك الغايات و ليرعوي من كان غرضه حب انتشار الفواحش و المنكرات بين المسلمين و ليته ينظر فقط هل تحاسب السعودية كباقي الدول أم أن كل من سواها مهما فعل مجتهد و أما منها فذلك ظلم و خيانة و خروج عن الدين
اتقوا الله في بلد الحرمين و لا تتبعوا خطوات الشياطين فلو علمتم ما يراد بكم إن كنتم الحق تبتغون و نشر الخير ترومون لانتهيتم و الله من وراء القصد و الله المستعان عما يصفون