عرض مشاركة واحدة
قديم 06-11-07, 09:39 AM   رقم المشاركة : 7
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road


أدلة المؤلف من الأحاديث الشريفة وآثار الصحابة

قال المؤلف : (( ونبدأ بذكر الأدلة على التوسل والاستغاثة بالأحياء )) [ ص 94 ] ، فأقول مسألة التوسل والاستغاثة بالأحياء فلدينا فيها تفصيل ، وهي توسل به أعني بدعائه أو استغثت به ما يقدر عليه فلا نختلف في مثل هذه ، ولكن نختلف أن يستغاث بالرجل الحي بما لا يقدر عليه مثل أن يرزقه الولد أو يجلب له الرزق أو ينقذ من الغرق ، والمستغاث به في وسط الجزيرة على سبيل المثال ، ولكن المؤلف لا يعلم حقيقة الخلاف أو يعلمه ويتجاهله ، وسنبين إن شاء الله بأن الأدلة التي جاء بها تؤيد ما ذهبنا إليه لا إلى ما يدعو إليه المصنف .

الدليل الأول :

قال المؤلف : ((1- عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني فقال: إن شئت صبرت وهو خير لك قال فادعه وفي رواية : ليس لي قائد وقد شق علي فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي لتقضى لي اللهم شفعه في وزاد البيهقي فقام وقد أبصر وفي رواية اللهم شفعه في وشفعني في نفسي ، فقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك.. توسل وقوله : يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي.. استغاثة فها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض ان يدعو له هو بنفسه بل أمره أن يتوسل إلى الله به بل ويناديه حال غيابه عنه قائلا: يا محمد وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر بما فيه طعن في العقيدة أو يرضى به أصلا وهذا توسل ظاهر واستغاثة صريحة بذاته وجاهه صلى الله عليه وآله وسلم عليه وقد اعتمدها علماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة حاثين الأمة عليها )) [ ص 94 ] .

قلت : هذا الدليل الذي ذكره يدل على جواز التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا بذاته كما يريد أن يفهمنا المؤلف ، وهو واضح الدلالة على ما نقول ، فتأمل يا أخي الكريم بداية الحديث قال : (( أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني )) فنقول : ما الذي نفهمه من هذه العبارة ؟ الذي نفهمه أن الضرير رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من الدعاء له بالشفاء ، وهذا عين ما ندندن عليه وهو جواز التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أو بدعاء الرجل الصالح ، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن شئت صبرت وهو خير لك )) أي إن شئتَ دعوت لك وإن شئتَ صبرت فنلت الأجر ، فماذا كان جواب الضرير رضي الله عنه قال : (( فادعه )) ، ولا يمكن أن يخيره ثم لا يدعوا له ، وهذا واضح جدا أن الضرير أراد التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يختلف فيه اثنان . ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقدم العمل الصالح قبل أن يدعو له الله عز وجل وقبل أن يدعو الضرير الله عز وجل ليقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك أمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين لله تعالى . وأمره صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء : (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة )) ودعاء لله عز وجل أن يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وهناك كلمة ضمن السياق مقدرة وهي : (( وأتوجه إليك بدعاء نبيك )) وهذا التقدير ليس تخرصا بل مفهوم من السياق العام للحديث وبدلالة تكلمة دعاء الضرير رضي الله عنه حيث يقول : (( اللهم شفعه في )) .

وقول المؤلف : ((فقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك.. توسل )) نعم هو توسل ، ولكن بدعائه صلى الله عليه وسلم وليس بذاته كما فهم المؤلف ، وقوله : (( وقوله : يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي.. استغاثة )) بل هو طلب من النبي صلى الله عليه سلم أن يدعو له فإذا كان هذا الفعل استغاثة فهو من الأمر المتفق عليه لأنه أمر يستطيعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء ، وقوله المؤلف : (( فها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض ان يدعو له هو بنفسه بل أمره أن يتوسل إلى الله به بل ويناديه حال غيابه عنه )) ، وهذا دعوى من المؤلف تحتاج إلى دليل فمن أين له أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في حال غيابه ؟؟ وقول المؤلف : ((وهذا توسل ظاهر واستغاثة صريحة بذاته وجاهه صلى الله عليه وآله وسلم عليه )) قد مر بيان ذلك ، أنه ليس في الحديث ما ذهب إليه المؤلف ، وقوله : (( وقد اعتمدها علماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة حاثين الأمة عليها )) وهذا يؤكد الأصل الأصيل عند الصوفية وهو مجرد ذكر الحديث يعني أنه صحيح وأنه يدل ما يفهم الصوفي من الحديث ، وإلا أين هذه الدعوى في كتب المحدثين أنه حثوا الأمة على التوسل والاستغاثة بذات النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ؟؟!!

وأود أن أنبه على نقطة وهي أن المؤلف لم يورد هذا الدليل على جواز التوسل أو الاستغاثة المتفق عليها بل يريد بجواز التوسل والاستغاثة بالحي الغايب كما يدل عليه قوله : ((لم يرض ان يدعو له هو بنفسه بل أمره أن يتوسل إلى الله به بل ويناديه حال غيابه عنه )) فالمؤلف يديدن على هذه القضية وهي سؤال غير الله عز وجل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .


ومما يدل على أن العلماء الذين خرجوا هذا الحديث لم يفهموا منه أنه توسل أو استغاثة بالذات إنما هو طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم وأن شفاء الضرير كان بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا التوسل بذاته هو اكتب والأبواب التي يدرجون هذا الحديث تحتها :

1. الترمذي أورده في (( كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ))

2. الحاكم أورده في باب ((كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر )) ، وفي باب : (( كتاب صلاة التطوع ))

3. أما البيهقي فقد أخرجه في كتاب ((جماع أبواب دعوات نبينا صلى الله عليه وسلم المستجابة في الأطعمة والأشربة ، وبركاته التي ظهرت فيما دعا فيه ، وغير ذلك من دعواته على طريق الاختصار فلا سبيل إلى نقل جميعها لما فيه من الإكثار )) من كتابه الدلائل .

أقوال بعض أهل العلم :

1. قال تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( ... فإن في الحديث، أن الأعمى سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، وأنه علم الأعمى أن يدعو وأمره في الدعاء أن يقول: "اللهم فشفعه فيَّ". وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - داعياً شافعاً له بخلاف من لم يكن كذلك، فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس في محياه في الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم .... الخ )) [ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 114 ] .

وقال أيضا : (( وذلك أن قبول دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا هو من كرامة الرسول على ربه، ولهذا عد هذا من آياته ودلائل نبوته، فهو كشفاعته يوم القيامة في الخلق، ولهذا أمر طالب الدعاء أن يقول: "فشفعه في وشفعني فيه". بخلاف قوله: "وشفعني في نفسي". فإن هذا اللفظ لم يروه أحد إلا من هذا الطريق الغريب. وقوله: "وشفعني فيه". رواه عن شعبة رجلان جليلان: عثمان بن عمر، وروح بن عبادة. وشعبة أجل من روى هذا الحديث، ومن طريق عثمان بن عمر، عن شعبة رواه الثلاثة: الترمذي والنسائي وابن ماجه. رواه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن عثمان بن عمر، عن شعبة. ورواه ابن ماجه، عن أحمد بن يسار، عن عثمان بن عمر. وقد رواه أحمد في "المسند"عن روح بن عبادة، عن شعبة، فكان هؤلاء أحفظ للفظ الحديث. مع أن قوله: "وشفعني في نفسي"، إن كان محفوظاً مثل ماذكرناه، وهو أنه طلب أن يكون شفيعاً لنفسه، مع دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يدع له النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سائلاً مجرداً كسائر السائلين )) [ نفس المصدر ص 115 ] .


2. قال الشيخ المباركفوري رحمه الله في كتابه شرح سنن الترمذي المسمى بـ تحفة الأحوذي بشرح هذا الحديث قال : (( ( اللهم إني أسألك ) أي أطلبك مقصودي فالمفعول مقدر ( وأتوجه إليك بنبيك ) الباء للتعدية ( محمد نبي الرحمة ) أي المبعوث رحمة للعالمين ( إني توجهت بك ) أي استشفعت بك والخطاب للنبي ففي رواية بن ماجه يا محمد إني قد توجهت بك ( لتقضي لي ) بصيغة المجهول أي لتقضي لي حاجتي بشفاعتك ( فشفعه ) بتشديد الفاء أي اقبل شفاعته ( في ) أي في حقي )) [ ص 24 / 10 ] .

3. قال العلامة الألوسي في هذه المسألة قال : (( ..... دليله في ذلك ما رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله تعالى أن يعافيني فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ، قال : فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء " اللهم إني أسألك وأتوجه بنبيك صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا رسول الله إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه في " ، ونقل عن أحمد مثل ذلك . ومن الناس من منع التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه مطلقاً وهو الذي يرشح به كلام المجد ابن تيمية؛ ونقله عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام ، وأجاب عن الحديث بأنه على حذف مضاف أي بدعاء أو شفاعة نبيك صلى الله عليه وسلم ، ففيه جعل الدعاء وسيلة وهو جائز بل مندوب ، والدليل على هذا التقدير قوله في آخر الحديث : «اللهم فشفعه في» بل في أوله أيضاً ما يدل على ذلك ، وقد شنع التاج السبكي كما هو عادته على المجد ، فقال : ويحسن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف والخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم وصار بين الأنام مثلة انتهى .

وأنت تعلم أن الأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين وغيرهم من الأئمة ليس فيها التوسل بالذات المكرمة صلى الله عليه وسلم ، ولو فرضنا وجود ما ظاهره ذلك فمؤل بتقدير مضاف كما سمعت؛ أو نحو ذلك كما تسمع إن شاء الله تعالى ومن ادعى النص فعليه البيان ، وما رواه أبو داود في «سننه» وغيره من " أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا نستشفع بك إلى الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك ، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤي ذلك في وجوه أصحابه ، فقال : ويحك أتدري ما الله تعالى؟ إن الله تعالى لا يشفع به على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك " لا يصلح دليلاً على ما نحن فيه حيث أنكر عليه قوله : «إنا نستشفع بالله تعالى عليك» ولم ينكر عليه الصلاة والسلام قوله : «نستشفع بك إلى الله تعالى» لأن معنى الاستشفاع به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه ، وليس معناه الإقسام به على الله تعالى ، ولو كان الإقسام معنى للاستشفاع فلم أنكر النبي صلى الله عليه وسلم مضمون الجملة الثانية دون الأولى؟ وعلى هذا لا يصلح الخبر ولا ما قبله دليلاً لمن ادعى جواز الإقسام بذاته صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً ، وكذا بذات غيره من الأرواح المقدسة مطلقاً قياساً عليه عليه الصلاة والسلام بجامع الكرامة وإن تفاوت قوة وضعفاً ، وذلك لأن ما في الخبر الثاني استشفاع لا إقسام ، وما في الخبر الأول ليس نصاً في محل النزاع ، وعلى تقدير التسليم ليس فيه إلا الإقسام بالحي والتوسل به ، وتساوي حالتي حياته ووفاته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن يحتاج إلى نص ، ولعل النص على خلافه ، ففي «صحيح البخاري» عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس رضي الله تعالى عنه ، فقال : «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون» فإنه لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار لما عدلوا إلى غيره ، بل كانوا يقولون : اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فاسقنا ، وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس ، وهم يجدون أدني مساغ لذلك ، فعدولهم هذا مع أنهم السابقون الأولون ، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع ، وهم في وقت ضرورة ومخمصة يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير ، وإنزال الغيث بكل طريق دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره
)) [روح المعاني ص 125 – 126 / 6 ] .

4. وقال الألباني في كتاب التوسل : (( وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعائه للأعمى الذي وعده به بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه ليكون الأمر مكتملا من جميع نواحيه وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون ))

وقال أيضا في نفس الكتاب : (( سادسا : إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب . وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات فإنه بدعائه صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ولذلك رواه المصنفون في ( دلائل النبوة ) كالبيهقي وغيره فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده أنه لو كان السر هو في دعاء الأعمى وحده دون دعائه صلى الله عليه وسلم لكان كل من دعا به من العميان مخلصا إليه تعالى منيبا إليه قد عوفي بل على الأقل لعوفي واحد منهم وهذا ما لم يكن ولعله لا يكون أبدا كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم .... الخ ))

وهناك لفظ لم يذكره المؤلف ولكن ذكره الألباني في كتابه التوسل فأسوقه كما هو قال : (( واعلم أنه وقع في بعض الطرق الأخرى لحديث الضرير السابق زيادتان لا بد من بيان شذوذهما وضعفهما ، حتى يكون القارئ على بينة من أمرهما ، فلا يغتر بقول من احتج بهما على خلاف الحق والصواب
الزيادة الأولى :

زيادة حماد بن سلمة قال : حدثنا أبو جعفر الخطمي . . فساق إسناده مثل رواية شعبة وكذلك المتن إلا أنه اختصره بعض الشيء ، وزاد في آخره بعد قوله : وشفع نبيي في رد بصري : ( وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) . رواه أبو بكر بن أبي خثيمة في تاريخه فقال : حدثنا مسلم بن إبراهيم : حدثنا حماد بن سلمة به وقد أعل هذه الزيادة شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " ( ص 102 ) بتفرد حماد بن سلمة بها ومخالفته لرواية شعبة ، وهو أجل من روى هذا الحديث ، وهذا إعلال يتفق مع القواعد الحديثية ، ولا يخالفها البتة ، وقول الغماري في : " المصباح " ( ص 30 ) بأن حمادا ثقة من رجال الصحيح وزيادة الثقة مقبولة - غفلة منه أو تغافل عما تقرر في المصطلح ، أن القبول مشروط بما إذا لم يخالف الراوي من هو أوثق منه قال الحافظ في ( نخبة الفكر ) : " والزيادة مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابلة الشاذ "

قلت : وهذا الشرط مفقود هنا ؛ فإن حماد بن سلمة وإن كان من رجال مسلم ، فهو بلا شك دون شعبة في الحفظ ، ويتبين لك ذلك بمراجعة ترجمة الرجلين في كتب القوم فالأول أورده الذهبي في ( الميزان ) وهو إنما يورد فيه من تكلم فيه ووصفه بأنه " ثقة له أوهام " بينما لم يورد فيه شعبة مطلقا ، ويظهر لك الفرق بينهما بالتأمل في ترجمة الحافظ لهما ، فقال في ( التقريب ) : " حماد بن سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه بآخره " ثم قال : " شعبة بن الحجاج ثقة حافظ متقن كان الثوري يقول : هو أمر المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا " .

قلت : إذا تبين لك هذا عرفت أن مخالفة حماد لشعبة في هذا الحديث بزيادته عليه تلك الزيادة غير مقبولة ؛ لأنها منافية لمن هو أوثق منه فهي زيادة شاذة كما يشير إليه كلام الحافظ السابق في ( النخبة ) ولعل حمادا روى هذا الحديث حين تغير حفظه ، فوقع في الخطأ ، وكأن الإمام أحمد أشار إلى شذوذ هذه الزيادة ، فإنه أخرج الحديث من طريق مؤمل ( وهو ابن إسماعيل ) عن حماد - عقب رواية شعبة المتقدمة - إلا أنه لم يسق لفظ الحديث ، بل أحال به على لفظ حديث شعبة ، فقال : " فذكر الحديث " ويحتمل أن الزيادة لم تقع في رواية مؤمل عن حماد لذلك لم يشر إليها الإمام أحمد كما هي عادة الحفاظ إذا أحالوا في رواية على أخرى بينوا ما في الرواية المحالة من الزيادة على الأولى ، وخلاصة القول : إن الزيادة لا تصح لشذوذها ، ولو صحت لم تكن دليلا على جواز التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم ، لاحتمال أن يكون معنى قوله : " فافعل مثل ذلك " يعني من إتيانه صلى الله عليه وسلم في حال حياته ، وطلب الدعاء منه والتوسل به ، والتوضؤ والصلاة ، والدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو به ، والله أعلم
)) [ ص 81 – 83 ] .

الدليل الثاني :

قال المؤلف : (( 2- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك» .

وهذا حث ظاهر منه للصحابة على التوسل إلى الله تعالى بجاه ومنزلة السائلين عنده والسائلين جمع يشمل الأموات والأحياء ومن كان حاضرا ومن كان غائبا وفي الحديث دليل التوسل بالعمل الصالح وهو ممشى الرجل إلى المسجد لوجه الله فالشرع لم يفرق بين التوسل بالذوات الفاضلة وبين التوسل بالعمل الصالح بل لقائل أن يقول: كيف لا يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أشرف خلق الله ويجوز التوسل بصلاة العبد وصيامه وصدقته وكلا الأمرين خلق الله
)) [ ص 94 - 95 ] .

قلت : كما هي عادة الصوفية يضعون الأحاديث دون التأكد من صحتها ثم يبنون عليها الأحكام فهذا الحديث الذي يستدل به المؤلف قد ضعفه أهل العلم وقبل أن ذكر سبب ضعفه نذكر من خرجه .

فقد أخرجه ابن ماجه فقال : ((حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري ثنا الفضل بن الموفق أبو الجهم ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري )) مرفوعا [ سنن ابن ماجة ص 256/1 ، ح 778 ] . وجاء في مسند ابن الجعد : (( حدثني جدي نا يزيد بن هارون نا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال يزيد فقلت لفضيل رفعه قال أحسبه قد رفعه )) [ مسند ابن الجعد ص 299 ] . وجاء في مسند الإمام أحمد : (( ثنا يزيد أنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري فقلت لفضيل رفعه قال أحسبه قد رفعه )) [ ص 21/3 ] .

وأخرجه ابن أبي شيبة فقال : ((حدثنا وكيع عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد )) موقوفا [ مصنف ابن أبي شيبة ص 25/6 ، ح 290202 ] .

مما مر نعلم أنه تفرد به فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد . وفضيل هذا صدوق تكلم في روايته عن عطية فقد قال ابن حبان : (( كان يخطىء على الثقات ، و يروى عن عطية الموضوعات )) [ انظر ترجمته في تهذيب التهيب ] . وعطية العوفي ، ضعيف أيضا قد تكلموا فيه وعلى الرغم من ضعفه إلا أنه مدلس ، ولم يصرح بالحديث من أبي سعيد ، وكذلك اضطرب إسناده فتارة مرفوع وتارة موقوف ، ولو كان في الحديث علة واحد لكفى لرده فما بالك إذا اجتمعت كل هذه العلل ؟!

وقد تكلم على هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه التوسل فقال : (( رواه أحمد واللفظ له وابن ماجه وانظر تخريجه مفصلا في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 24 ) وإسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري وعطية ضعيف كما قال النووي في ( الأذكار ) وابن تيمية في ( القاعدة الجليلة ) والذهبي في ( الميزان ) بل قال في ( الضعفاء ) : ( مجمع على ضعفه ) . والحافظ الهيثمي في غير موضع من ( مجمع الزوائد ) منها وأورده أبو بكر بن المحب البعلبكي في ( الضعفاء والمتروكين ) والبوصيري كما يأتي وكذا الحافظ ابن حجر يقول فيه : ( صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا ) وقد أبان فيه عن سبب ضعفه وهو أمران :
الأول : ضعف حفظه بقوله : ( يخطئ كثيرا ) وهذا كقوله فيه في ( طبقات المدلسين ) : ( ضعيف الحفظ ) وأصرح منه قوله في ( تلخيص الحبير ) وقد ذكر حديثا آخر : ( وفيه عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف )
الثاني : تدليسه لكن كان على الحافظ أن يبين نوع تدليسه فإن التدليس عند المحدثين على أقسام كثيرة اشهرها ما يلي :
الأول : أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه كأن يقول : عن فلان أو قال فلان
الثاني : أن يأتي الراوي باسم شيخه أو لقبه على خلاف المشهور به تعمية لأمره وقد صرحوا بتحريم هذا النوع إذا كان شيخه غير ثقة فدلسه لئلا يعرف حاله أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته وهذا يعرف عندهم بتدليس الشيوخ
قلت : وتدليس عطية من هذا النوع المحرم كما كنت بينته في كتابي ( الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - 24 )
وخلاصة ذلك أن عطية هذا كان يروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فلما مات جالس أحد الكذابين المعروفين بالكذب في الحديث وهو الكلبي فكان عطية إذا روى عنه كناه أبا سعيد فيتوهم السامعون منه أنه يريد أبا سعيد الخدري وهذا وحده عندي يسقط عدالة عطية هذا فكيف إذا انضم إلى ذلك سوء حفظه ولهذا كنت أحب للحافظ رحمه الله أن ينبه على أن تدليس عطية من هذا النوع الفاحش ولو بالإشارة كما فعل في طبقات المدلسين إذ قال : ( مشهور بالتدليس القبيح ) كما سبق
ثم كأن الحافظ نسي أو هم - أو غير ذلك من الأسباب التي تعرض للبشر - فقال في تخريجه لهذا الحديث : إن عطية قال في رواية : حدثني أبو سعيد . قال : ( فأمن بذلك تدليس عطية ) كما نقله ابن علان عنه وقلده في ذلك بعض المعاصرين
قلت : والتصريح بالسماع إنما يفيد إذا كان التدليس من النوع الأول وتدليس عطية من النوع الآخر القبيح فلا يفيد فيه ذلك لأنه في هذه الرواية أيضا قال : ( حدثني أبو سعيد ) فهذا هو عين التدليس القبيح .
فتبين مما سبق أن عطية ضعيف لسوء حفظه وتدليسه الفاحش فكان حديثه هذا ضعيفا . وأما تحسين الحافظ له الذي اغتر به من لا علم عنده فهو بناء على سهوه السابق فتنبه ولا تكن من الغافلين . وفي الحديث علل أخر تكلمت عليها في الكتاب المشار إليه سابقا فلا حاجة للإعادة فليرجع من شاء الزيادة
)) [ ص 92 – 94 ] .

وقال تقي الدين ابن تيمية : (( وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد ، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم ، وقد روي من طريق آخر هو ضعيف أيضا ، ولفظه لا حجة فيه ، فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم ، وهو حق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم ، وبإيجابه على نفسه في أحد أقوالههم ، وقد تقدم بسط الكلام على ذلك ، وهذا بمنزلة الثلاثة الذي سألوه في الغار بأعمالهم ، فإنه سأله هذا ببره العظيم لوالديه ، وسأله هذا بعفته العظيمة عن الفاحشة ، وسأله هذا بأدائه العظيم للأمانة ، لأن هذه الأعمال أمر الله بها ووعد الجزاء لأصحابها فصار هذا كما حكاه عن المؤمنين بقوله : (( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ )) [آل عمران : 193] . وقال تعالى : ((إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ )) [المؤمنون : 109] ... الخ )) [ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 123 ] .

وقد تبين لك أنه لا يصح أخذ الأحكام من هذا الحديث لضعفه وانظرا يا رعاك الله كيف يستدل الصوفية بالأحاديث الضعيف ثم يؤصلون عليها فانظر ماذا قال المؤلف : (( وهذا حث ظاهر منه للصحابة على التوسل إلى الله تعالى بجاه )) ، وقوله : ((فالشرع لم يفرق بين التوسل بالذوات الفاضلة وبين التوسل بالعمل الصالح )) وقد قلنا ما بني على باطل في باطل فهذا الحكم بناه المؤلف على حديث ضعيف لا يحتج به إلا عند من يرون إخراج الحديث كاف لصحته والاعتماد عليه .

وقول المؤلف : (( بل لقائل أن يقول: كيف لا يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أشرف خلق الله ويجوز التوسل بصلاة العبد وصيامه وصدقته وكلا الأمرين خلق الله )) نقول الدين لا يأخذ بالعقل والقياسات ، فأين ذهب النصوص ؟ ألا يكفيك عمل الصحابة والتابعين لهم بإحسان حيث كانوا يتوسلون بالعمل الصالح ولا يتوسلون بالذوات ، والأدلة على التوسل بالعمل الصالح كثيرة فمنها قصة الثلاثة الذين أطبق عليه القار فقاموا يتوسلون إلى الله تعالى بصالح عمالهم ، وهذا الأمر واضح لا يحتاج إلى دليل .







التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» هؤلاء تركوا التصوف / الإمام ابن عقيل الحنبلي
»» شبهة خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية عند غلاة الصوفية
»» مجلس سماع جامع الترمذي من أوله إلى آخره ( دعوة للحضور )
»» حمل الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق
»» تواطؤ الصوفي عيسى الحميري ومحمود سعيد ممدوح على وضع الحديث