ثانيا :
أما الولاية في عرف التصوف البدعي فلها معنى آخر يختلف عما عند أهل السنة ،
فولي الله عندهم من اختاره الله ، ولو لم يكن فيه من مواصفات الصلاح والتقوى ما يؤهله لحب الله له ،
إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب ، وبغير حكمة ،
لذلك كانوا يعتقدون في بعض الظلمة والفسقة والمجانين وأهل الفجور أنهم من الأولياء
بمجرد أن يظهر على أيديهم من خوارق العادات ،
مثل : ضرب الجسم بالسكاكين ، واللعب بالحيات والنار وأمثال ذلك ،
حتى عَدُّوا في أوليائهم من يشرب الخمر ويزني ،
ويقولون : الولي الصادق لا تضره معصية أبدا .
ولم يكتفوا بهذا في تعريف الولاية ،
بل يقررون أن الولي يتصرف في الأكوان ،
ويقول للشيء كن فيكون ،
وكل ولي عندهم قد وكَّله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق ،
فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة ،
ويسمون الأوتاد ،
وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع ،
ويسمون الأبدال
( لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله ) ،
وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم ،
في مصر ثلاثون أو أربعون ، وفي الشام كذلك ، والعراق وهكذا ،
وكل واحد منهم قد أوكل إليه التصريف في شيء ما ،
وفوقهم جميعا ولي واحد يسمى القطب الأكبر أو الغوث ،
وهو الذي يدبر شأن الملك كله ،
وهكذا أسسوا لهم دولة في الباطن
تحكم وتنفذ وتتحكم في شؤون الناس على منوال الدولة السياسية ،
وهذه الدولة يترأسها القطب أو الغوث ،
يليه الإمامان ( وهما الوزيران ) ،
ثم الأوتاد الأربعة ، ثم الأبدال السبعة .
هذه هي الولاية الصوفية ،
وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية ،
فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه
وسار في مرضاة ربه حسب شريعته ،
وهو يخشى على نفسه من النفاق وسوء العاقبة ،
ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا ،
وأما الولي الصوفي
فقد أعطوه من خصائص الربوبية ما يتصرف به في جانب من جوانب الكون ،
ولا يلتزم بما شاء من شريعة الله ،
ويدخل الملائكة تحت مشيئته .
وأصل فكرة الولاية الصوفية مأخوذة من الفلسفة الإغريقية القديمة التي تقوم على فكرة تعدد الآلهة ،
وكان أول من وضع فكرة الولاية الصوفية في أواخر القرن الثالث الهجري هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي ،
الذي يسمونه ( الحكيم ) -
وهو غير الإمام صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي -
ثم بعد ذلك اشتهرت أقوالهم ،
وأصبحت كتب أئمتهم مليئة بهذه الأفكار والمصطلحات ،
ولو ذهبنا ننقل أقوالهم وأباطيلهم لطال بنا المقام ،
وحتى لا يظن أحد أننا نتجنى عليهم ،
فهذه أسماء بعض مراجعهم ،
وستجد أن ما ذكرناه أقل بكثير من شناعة أفكارهم ،
انظر "الفتوحات المكية" لابن عربي (2/537،455) ،
كتاب "اليواقيت والجواهر" لعبد الوهاب الشعراني (2/79) ،
"المعجم الصوفي" لسعاد الحكيم (189-191، 909-913) ،
وانظر من مراجع أهل السنة
"الفكر الصوفي" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
(343-383)