الموضع الثامن : قال شيخ الإسلام :
( فإن جاز لرافضي أن يقدح فيهما يقول : بأي وجه تلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر بها ، مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر بأمرها ويطيعها ، ولم يكن إخراجها لمظان الفاحشة -
كان لناصبي أن يقول : بأي وجه يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه حتى عقروا بها بعيرها ، وسقطت من هودجها ، وأعداؤها حولها يطوفون بها كالمسبية التي أحاط بها من يقصد سباءها ؟
........
ومعلوم أن هذا مظنة الإهانة لأهل الرجل وهتكها و سبائها وتسليط الأجانب على قهرها وإذلالها وسبها وامتهانها ،
أعظم من إخراجها من منزلها
بمنزلة الملكة العظيمة المبجلة التي لا يأتي إليها أحد إلا بإذنها ،
ولا يهتك أحد سترها ، ولا ينظر في خدرها .
ولم يكن
طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها ،
بل كان في العسكر من محارمها ،
مثل عبدالله بن الزبير ابن أختها ،
وخلوة ابن الزبير
بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع ،
وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها
جائز بالكتاب والسنة والإجماع ،
وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها .
وأما العسكر الذين قاتلوها ، فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب ، ولهذا دعت عائشة رضي الله عنها على من مد يده إليها قالت : يد من هذه ؟ أحرقها الله بالنار . فقال : أي أخية في الدنيا قبل الآخرة . فقالت : في الدنيا قبل الآخرة فأحرق بالنار بمصر .
ولو قال المشنع : أنتم تقولون :إن آل الحسين سبوا لما قتل الحسين ولم يفعل بهم إلا من جنس ما فعل بعائشة حيث استولى عليها ، وردت إلى بيتها ، وأعطيت نفقتها . وكذلك آل الحسين استولى عليهم ، وردوا إلى أهليهم ، وأعطوا نفقة ، فإن كان هذا سبياً واستحلالاً للحرمة النبوية ،
فعائشة قد سبيت واستحلت
حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهم يشنعون ويزعمون أن بعض أهل الشام طلب أن يسترق فاطمة بنت الحسين ، وأنها قالت : لا هاً لله حتى تكفر بديننا .
وهذا إن كان وقع
فالذين طلبوا من
علي رضي الله عنه
أن يسبي من قاتلهم من أهل الجمل وصفين ويغنموا أموالهم ، أعظم جرماً من هؤلاء ،
وكان في ذلك لو سبوا عائشة وغيرها .
ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من
علي
كانوا متدينين به مصرين عليه ،
إلى أن خرجوا على علي وقاتلهم على ذلك .
وذلك الذي طلب استرقاقفاطمة بنت الحسين
واحد مجهول لا شوكة له ولا حجة ،
ولا فعل هذا تديناً ، ولما منعه سلطان من ذلك امتنع ،
فكان المستحلون
لدماء المؤمنين وحرمهم وأموالهم
وحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في عسكرعلي
أعظم منهم فيعسكر بني أمية ،
وهذا متفق عليه بين الناس ،
فإن الخوارج الذين مرقوا من عسكر علي رضي الله عنه
هم شر من شرار عسكر معاوية رضي الله عنه .
ولهذا أمر النبي صلى الله علية وسلم
بقتالهم
وأجمع الصحابة والعلماء
على قتالهم
والرافضة أكذب منهم وأظلم وأجهل ،
وأقرب إلى الكفر والنفاق ،
لكنهم أعجز منهم وأذل ،
وكلا الطائفتين من عسكر علي ،
وبهذا وأمثاله ضعف علي وعجز
عن مقاومة من كان يإزائه .
والمقصود هذا
أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير
ينقلب بما هو أعظم منه في حق علي ،
فإن أجابوا عن ذلك بأن علياً
كان مجتهداً فيما فعل ،
وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير .
قيل : نعم ، وطلحة والزبير كانا مجتهدين ،
وعلي - وإن كان أفضل منهما -
لكن لم يبلغ فعلهما بعائشة رضي الله عنها ما بلغ فعل علي ،
فعلي
أعظم قدراً منهما ،
ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً ،
ففعل علي أعظم ذنباً ،
فتقاوم كبر القدر وعظم الذنب .
فإن قالوا :
هما أحوجاعلياً إلى ذلك ،
لأنهما أتيا بها ، فما فعله علي مضاف إليهما لا إلى علي .
قيل : هكذا معاوية لما قيل له : قد قتل عمار ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " تقتلك الفئة الباغية " قال : أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا .
فإن كانت هذه الحجة مردودة ،
فحجة من احتج بأن طلحة و والزبير هما فعلا بعائشة ما جرى عليها من إهانة عسكر علي لها ، واستيلائهم عليها -
مردودة أيضاً .
وإن قبلت
هذه الحجة قبلت حجة معاوية رضي الله عنه .
والرافضة وأمثالهم
من أهل الجهل والظلم
يحتجون بالحجة التي تستلزم
فساد قولهم وتناقضهم ،
فإنه إن احتج بنظيرها عليهم
فسد قولهم المنقوض بنظيرها ،
وإن لم يحتج بنظيرها
بطلت هي في نفسها ،
لأنه لا بد من التسوية بين المتماثلين ،
ولكن منتهاهم مجرد الهوى الذي لا علم معه ،
ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ،
أن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وجماهير أهل السنة
متفقون على أن علياً أفضل من طلحة والزبير ،
فضلاً عن معاوية وغيره ،
ويقولون : إن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته وطائفة قاتلت معه ، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق "
فهؤلاء هم الخوارج المارقون
الذين مرقوا فقتلهم علي وأصحابه ،
فعلم أنهم كانوا أولى بالحق من معاوية رضي الله عنه وأصحابه . لكن أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ،
ويعطون كل ذي حق حقه .
تعليق
في هذا الموضع يقابل شيخ الإسلام
بين حجج الرافضة في ذم طلحة والزبير - رضي الله عنهما - وحجج النواصب في ذم علي -رضي الله عنه -
ويبين أنه ما من شبهة يقيمها الروافض
على ذم طلحة والزبير إلا و للنواصب أشد منها ،
وهذا من قبيل ( الحجج المحرجة ) كما سبق .
وليس من قبيل التنقص ،
وإنما ساق الشيخ ( هذيان ) النواصب
لدفع (هذيان ) الروافض .
وتأمل ما خط بالأسود مما يدل على
مقدار محبته وتعظيمه لعلي - رضي الله عنه -
وإنزاله في منزلته التي أرادها الله له .
ثم تأمل قوله في الأخير :
( أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ويعطون كل ذي حق حقه ) .
الموضع التاسع : قال شيخ الإسلام :
( قالوا
ومعاوية أيضاً كان خيراً من كثير
ممن استنابه علي ،
فلم يكن يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة ،
فإن علياً استناب زياد بن أبيه ،
وقد أشاروا على علي بتولية معاوية .
قالوا : يا أمير المؤمنين توليه شهراً واعزله دهراً .
ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة ، إما لا استحقاقه وإما لتأليفه واستعطافه ،
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي ،
وولى أبا سفيان ، ومعاوية خير منه ،
فولى من هو خير من علي من هو دون معاوية .
فإذا قيل : إن علياً كان مجتهداً في ذلك .
قيل : وعثمان كان مجتهداً فيما فعل .
وأين الاجتهاد في تخصيص
بعض الناس بولاية أو إمارة أو مال ،
من الاجتهاد
في سفك المسلمين بعضهم دماء بعض ،
حتى ذل المؤمنين وعجزوا عن مقاومة الكفار ،
حتى طمعوا فيهم وفي الاستيلاء عليهم ؟
ولا ريب أنه لو لم يكن قتال ،
بل كان معاوية مقيماً على سياسة رعيته ،
وعلي مقيماً على سياسة رعيته ،
لم يكن في ذلك من الشر أعظم مما حصل بالاقتتال ،
فإنه بالاقتتال لم تزل هذه الفرقة ولم يجتمعوا على إمام ،
بل سفكت الدماء ،
وقويت العداوة والبغضاء ،
وضعفت الطائفة التي كانت أقرب إلى الحق ،
وهي طائفة علي ،
وصاروا يطلبون من الطائفة الأخرى من
المسالمة ما كانت تطلبه ابتداء .
ومعلوم
أن الفعل الذي تكون مصلحته راجحة على مفسدته ،
يحصل به من الخير أعظم مما يحصل بعدمه ،
وهنا لم يحصل بالاقتتال مصلحة ،
بل كان الأمر مع عدم القتال خيراً وأصلح منه بعد القتال ،
وكان علي وعسكره أكثر وأقوى ،
ومعاوية وأصحابه أقرب إلى موافقته ومسالمته ومصالحته ،
فإذا كان مثل هذا الاجتهاد مغفوراً لصاحبه ،
فاجتهادعثمانأن يكون مغفوراً أولى وأحرى .
وأما معاوية وأعوانه فيقولون :
إنما قاتلنا علياً قتال دفع عن أنفسنا وبلادنا ،
فإنه بدأنا بالقتال فدفعناه بالقتال
ولم نبتدئه بذلك
ولا اعتدينا عليه .
فإذا قيل لهم : هو الإمام الذي كانت تجب طاعته عليكم
ومبايعته وأن لا تشقوا عصا المسلمين .
قالوا ما نعلم أنه إمام تجب طاعته ،
لأن ذلك عند الشيعة إنما يعلم بالنص ،
ولم يبلغنا عن
النبي صلى الله عليه وسلم
نص بإمامته ووجوب طاعته .
ولا ريب أن عذرهم في هذا ظاهر
، فإنه لو قدر أن النص الجلي الذي تدعيه الإمامية حق ،
فإن هذا قد كتم وأخفى في زمن أبي بكر وأصحابه
مثل ذلك لو كان حقا ، فكيف إذا كان باطلاً ؟ )
تعليق
في هذا الموضع يمارس الشيخ رحمه الله موهبته في ضرب شبهات الروافض
بشبهات النواصب
لتسقط الشبهتان
ويبقي منهج أهل السنة المعتدل .
فهو يحرج الرافضة بأن جميع ما يقولونه
في عثمان أو معاوية هو لازم لعلي ، لا مناص من ذلك .
وكما سبق : ليس هذا من قبيل التنقص ، ولكن من قبيل إسقاط شبهات الطرفين ، ليبقى أهل الوسط وهم أهل السنة ظاهرين .
الموضع العاشر : قال شيخ الإسلام :
( ثم يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالتلكم النواصب :
علي قد استحل دماء المسلمين ،
وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر "
وقال : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "
فيكون علي كافراً لذلك -
لم تكن حجتكم أقوى من حجتهم ،
لأن الأحاديث التي احتجوا بها صحيحة .
وأيضاً فيقولون :
قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس
على طاعته كان مريداً للعلو في الأرض والفساد .
وهذا حال فرعون . والله تعالى يقول : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين ) ،
فمن أراد العلو في الأرض والفساد
لم يكن من أهل السعادة في الآخرة .
وليس هذا كقتال الصديق للمرتدين ولمانعي الزكاة ،
فإن الصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله ،
لا على طاعته . فإن الزكاة فرض عليهم ،
فقاتلهم على الإقرار بها ، وعلى أدائها ،
بخلاف من قاتل ليطاع هو).
( وفي الجملة فالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه
كانوا ممتنعين عن طاعة
رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقرار بما جاء به ،
فلهذا كانوا مرتدين ،
بخلاف من أقر بذلك
ولكن امتنع عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام ،
فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع
ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم :
يقيمون الصلاة ،
ويؤتون الزكاة ،
وقالوا : نحن نقوم بالواجبات
من غير دخول في طاعة علي رضي الله عنه ،
لما علينا في ذلك من الضرر ،
فأين هؤلاء من هؤلاء ؟ )
تعليق
هذا الموضع - أيضاً - هو من قبيل التضييق على الروافض
وأنهم إن طعنوا في أبي بكر - رضي الله عنه -
بشبهات لا غية فسيوجد غيرهم من النواصب ممن يطعن في علي - رضي الله عنه - بشبهات أخرى لا غية ،
فمهما ألصقوا بأبي بكر
تهمة من التهم
فسيندرج ذلك على علي أيضاً
ولن يستطيعوا أن يدفعوا ذلك عنه إلا بأن يدفعوا شبهاتهم عن أبي بكر ،
فهم في حرج وضيق يرتدعون معه
عن التعرض لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أدنى تعرض .
الموضع الحادي عشر : قال شيخ الإسلام :
( اجتماع الناس على مبايعة أبي بكر كانت على قولكم أكمل ، وأنتم وغيركم تقولون : إن علياً تخلف عنها مدة . فيلزم على قولكم أن يكون علي مستكبراً عن طاعة الله في نصب أبي بكر عليه إماماً ، فيلزم حينئذ كفر علي بمقتضى حجتكم ، أو بطلانها في نفسها . وكفر علي باطل ، فلزم بطلانها )
تعليق
الروافض يزعمون أن معاوية - رضي الله عنه -
قد استكبر عن طاعة علي رضي الله عنه ،
فلهذا هو شر من إبليس الذي استكبر على آدم
فيجيبهم شيخ الإسلام
دافعاً هذه الفرية عن معاوية
بأن هذا يلزم علياً كما يلزم معاوية ،
فإن علياً قد تأخر عن مبايعة أبي بكر بالخلافة عدة أشهر
فيلزم من هذا على قولكم أنه قد استكبر عن طاعته فيلزم من ذلك اللوازم الشنيعة التي ألزمتم بها معاوية .
فإذا لم تلتزموا ذلك ، فالحجة من أصلها باطلة ،
فإذا بطلت في حق علي
فهي باطلة في حق معاوية سواء بسواء ؟
فهذا الموضع يبين موهبة شيخ الإسلام في إفحام الخصوم وإحراجهم بالحجة المنعكسة
التي تجعلهم يقولون :
اللهم سلم ، سلم ؟
الموضع الثاني عشر : قال شيخ الإسلام :
( إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة
لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي ،
والأحاديث التي ذكره هذا
وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور ،
وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم ،
هو من أبين الكذب على علماء الجمهور ،
فإن هذه الأحاديث التي ذكرها
أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،
والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على إمامة علي ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر ،
بل وليست من خصائصه ،
بل هي فضائل شاركه فيها غيره ،
بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر ،
فإن كثير منها خصائص لهما ،
لا سيما فضائل أبي بكر ،
فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره .
وأما ما ذكره من المطاعن ، فلا يمكن أن يوجه على
الخلفاء الثلاثة من مطعن إلا وجه على علي ما هو مثله أو أعظم منه .
فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل ،
ونحن نبين ذلك تفصيلاً .
وأما قوله : " إنهم جعلوه إماماً لهم حيث نزهه المخالف والموافق ، وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته "
فيقال : هذا كذب بين ،
فإن علياً رضي الله عنه
لم ينزهه المخالفون ،
بل القادحون في علي طوائف متعددة ،
وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ،
والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه ،
فإن الخوارج متفقون على كفره ،
وهم عند المسلمين كلهم
خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته ،
بل هم - والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين -
خير عند جماهير المسلمين
من الرافضة الإثنى عشرية ، الذين اعتقدوه إماماً معصوماً .
وأبو بكر وعمر وعثمان
ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة ،
والخوارج المكفرون
لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما ،
و المروانية الذين ينسبون علياً إلى الظلم ،
ويقولون : إنه لم يكن خليفةيوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم
فكيف يقال مع هذا : إن علياً نزهه المؤالف والمخالف بخلافالخلفاء الثلاثة ؟
ومن المعلوم
أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل ،
وأن القادحين في علي
حتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة ،
وهم أعلم من الرافضة وأدين ،
والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً ،
فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها ،
ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم .
والذين قدحوا في علي رضي الله عنه
وجعلوه كافراً وظالماً
ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن الإسلام ،
بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة ،
كالغالية الذين يدعون إلهيته من النصيرية وغيرهم ، وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شر من النصيرية ،
وكالغالية الذين يدعون نبوته ،
فإن هؤلاء مرتدون كفرهم بالله ورسوله
ظاهر لا يخفى على عالم بدين الإسلام ،
فمن اعتقد في بشر الإلهية ،
أو اعتقد بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ،
أو أنه لم يكن نبياً بل كان علي هو النبي دونه وإنما غلط جبريل
، فهذه المقالات ونحوها مما
يظهر كفر أهلها
لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة .
بخلاف من يكفر علياً ويلعنه من الخوارج ،
وممن قاتله ولعنهمن أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم ، فإن هؤلاء كانوا مقرين بالإسلام وشرائعه :
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ،ويصومون رمضان ، ويحجون البيت العتيق ، ويحرمون ما حرم الله ورسوله ،
وليس فيهم كفر ظاهر ،
بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم ،
وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام ،
فكيف يدعى مع هذا أن جميع المخالفين نزهوه دون الثلاثة ؟
بل إذا اعتبر الذين
كانوا يبغضونه ويوالون
عثمان والذين كانوا يبغضون عثمان ويحبون علياً ،
وجد هؤلاء خيراً من أولئك من وجوه متعددة ،
فالمنزهون لعثمان القادحون في علي
أعظم وأدين وأفضل من المنزهين لعلي القادحين في عثمان كالزيدية مثلاً .
فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذموه من
الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين
من الذين يتولونه ويلعنون عثمان ،
ولو تخلى أهل السنة عن موالاة علي رضي الله عنه
وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته ،
لم يكن في المتولين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له
من الخوارج والأموية و المروانية ،
فإن هؤلاء طوائف كثيرة )
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على مقولة الرافضي
بأن علياً قد نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الراشدين الثلاثة ، فبين رحمه الله أن علياً
قد خالفه أقوام وطعنوا فيه ولم يتفقوا عليه كما يزعم الرافضي .
ثم عقد مقارنة
بين الذين غلوا فيه وبين الذين طعنوا فيه
ووضح أن الأخرين أفضل من الأولين
فمتابعتهم وتصديق شبهاتهم أولى
من متابعة وتصديق الروافض ،
ولكن الله نزه أهل السنة
وحماها من سلوك مسلك الطائفتين ،
فحفظتلعلي حقه وعرفت فضله ،
فلم تغل فيه أو تجف عنه .
وتأمل - أخي القارئ - ما خط بالأسود في نهاية الموضع تجد
أن شيخ الإسلام - بذكائه الواسع -
قد أخبرنا بأن أهل السنة
هم المدافعون حقاً عن علي رضي الله عنه أمام أعدائه ،
بخلاف الروافض
الذين سيعجزون عن مقاومة
النواصب الشانئين له ،
لأنه ما من مطعن للروافض على الخلفاء الثلاثة
إلا و النواصب أشد منه وأعظم في علي .
أما أهل السنة فإنهم يترضون عن الجميع
ويتعاملون كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
يتبع بأذن الله