عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-13, 05:18 AM   رقم المشاركة : 1
تقي الدين السني
عَامَلَهُ الْلَّهُ بِلُطْفِه








تقي الدين السني غير متصل

تقي الدين السني is on a distinguished road


دراسة علمية لحديث [ توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مبين الحق ومجليه، فاضح زيغ أهل الضلالة ومخزيه.. وأصلي وأسلم على الهادي البشير، والمبلغ النذير، من مهد طريق الحق وأعلامه، ورسم منهج البيضاء وأبانه. ثم أما بعد..

فإنه وفي أثناء تصفحي لبعض المواضيع في الشبكة العنكبوتية؛ قد وقفت على كلامٍ صادرٍ من بعض عباد القبور والأموات، من يوصفون في أهل الزيغ والضلال بالغلاة، أخذ يسطر فيه متبجحاً بلا علمٍ ولا حياءٍ من جهلٍ شبهة روج فيها جواز الاستغاثة والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

مستدلاً على شبهته هذه بما ورد عن نبي الله آدم عليه السلام في توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم , وسيأتي بيان هذه الشبهة الهالكة بإذن الله تعالى , في معرض الكلام حول الرواية التي إستدل بها القبورية وأهل البدع لأثبات التوسل بذوات الأموات , والله تعالى المستعان فكيف يتوسل آدم بمن لم يخلق بعد وصلي اللهم وسلم على النبي محمد وعلى أله وصحبه .

ولم يكتف بنشر هذه الشبهة وحسب؛ بل أخذ ينافح عنها بصفيق القول والكلام، وواهي الدليل وناقص الإحكام.. فأحببت أن أكشف باطله وزيفه، وأن أجلي شبهته التي أطلقها ووقفت عليها منه ومن غيره ممن هو على شاكلته؛ فأقول وبالله التوفيق، ومنه أستمد العون والتأييد:

استدل هذا القبوري عابد الأموات على شبهته هذه بما ورد عن حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقى الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالوا أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث قال حدثنا أبو الحسن على بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال ناظرا أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) الآية ، ومدح قوما فقال ( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ) الآية ، وذم قوما فقال ( إن الذين ينادونك ) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله قال الله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) الآية . الشفا بتعريف حقوق المصطفى (ج2 / ص40 / 41) .

* قلتُ وهذه القصة لا تصح بل لا يمكن التعويل عليها للإستدلال ببدعة التوسل بالأموات , وقد أسهب العلماء في التعليق على هذه الرواية وبيان ضعفها فالأصل فيها الضعف , ولعلنا نبين أقوال العلماء في هذه القصة , وقد نقدها شيخ الإسلام إبن تيمية من وجوهٍ كثيرة وسأعتمدُ على كلامه رضي الله عنه , في التعليق على هذه القصة والله تعالى الموفق والمعين .

* إثبات ضعف الخبر من ناحية السند .

قال في " الفتاوى " (1/228) :
فَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً بِإِسْنَادِ غَرِيبٍ مُنْقَطِعٍ رَوَاهَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إجَازَةً ... فذكرها بسندها عن القاضي عياض ، ثم قال : قُلْت : وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ مُنْقَطِعَةٌ ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حميد الرَّازِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مَالِكًا ، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَتُوُفِّيَ مَالِكٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ . وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرازي سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ حِينَ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، كَذَّبَهُ أَبُو زُرْعَةَ ، وَابْنُ وارة ، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأسدي : مَا رَأَيْت أَحَدًا أَجْرَأَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ وَأَحْذَقَ بِالْكَذِبِ مِنْهُ . وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبِيبَةَ : كَثِيرُ الْمَنَاكِيرِ . وَقَالَ النسائي : لَيْسَ بِثِقَةِ . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : يَنْفَرِدُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَقْلُوبَاتِ . وَآخِرُ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأَ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَبُو مُصْعَبٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ . وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَفِي الْإِسْنَادِ أَيْضًا مَنْ لَا تُعْرَفُ حَالُهُ .ا.هـ.

وقال أيضا في " الفتاوى " (1/225) :
وَكَذَلِكَ مَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَوَّزَ سُؤَالَ الرَّسُولِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ أَوْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ - غَيْرِ مَالِكٍ - كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنْ بَعْضُ الْجُهَّالِ يَنْقُلُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ، وَيَسْتَنِدُ إلَى حِكَايَةٍ مَكْذُوبَةٍ عَنْ مَالِكٍ ... وَأَصْلُهَا ضَعِيفٌ .ا.هـ.

وقال أيضا في " الفتاوى " (1/353) :
وَالْحِكَايَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَنْصُورِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ : " هُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ " كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ ، لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ . قلتُ : إذا فإن القصة لا تصح البتة سنداً ناهيك عن النكارة في المتن كما بين أهل العلم في ردهم على هذه القصة عندما وصلتهم , وكما قلت في بداية الأمر أن هذه ضعيفة وفي بيان أحوال رجالها قبل أن أنقل كلام شيخ الإسلام إبن تيمية فلم أعرف فيها بعض الرواة .

* نقض هذه القصة من جهة أصحاب الإمام مالك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1/228) :
وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِينَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حميد ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إذَا أَسْنَدَ ، فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَ حِكَايَةً لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ؟ هَذَا إنْ ثَبَتَ عَنْهُ ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِمِثْلِ هَذَا النَّقْلِ لَا يَثْبُتُ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ ؛ بَلْ إذَا رَوَى عَنْهُ الشَّامِيُّونَ كَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، وَمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطاطري ضَعَّفُوا رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَكَيْفَ بِحِكَايَةِ تُنَاقِضُ مَذْهَبَهُ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ رَوَاهَا وَاحِدٌ مِنْ الْخُراسانِيِّينَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ؟ .ا.هـ.

قال الشيخ الدمشقية في أحاديث يحتجُ بها الشيعة (1/540) .
وإسناد هذه الرواية مظلم، فإن فيه محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف كثير المناكير، قال البخاري: في حديثه نظر وقال الجوزجاني هو غير ثقة وقال النسائي ليس بثقة وقال الأسدي « ما رأيت أحدا أجرأ على الله منه وأحذق بالذنب منه» (سير الأعلام 11/ 503. تهذيب التهذيب 9/ 127 - 131 تاريخ بغداد 2/ 259 - 264 ميزان الاعتدال 3/530 المجروحين 2/303 أحوال الرجال رقم 382 الكامل (6/ 2277) وتناقض الكوثري فاتهم الحافظ بن عبد الهادي بإغفال من أثنى على الرازي (مقالات 392) غير أنه صرح في نفس الكتاب أن الرازي مختلف فيه وأنه كذبه كثيرون أشنع تكذيب ولا يحتج به عند كثيرين (مقالات 456 و 58).

أن السند في هذه الرواية منقطع، فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكا إذ توفي سنة 248 هـ، بينما توفي مالك سنة 179. واعتماد هؤلاء في العقائد على مثل هذه الرواية طعن في كونه من علماء الحديث ونكوص وارتداد عما اشترطه من قبل وهو أن لا يستدل في العقائد بالحديث الضعيف، وطعن في مدى نزاهته وتجرده للحديث وخدمته له، فإن خادم الحديث لا يصحح الضعيف من الروايات لمجرد موافقتها مذهبه.

أضف إلى ذلك مخالفة الرواية لما هو معروف في مذهب مالك من كراهية استقبال القبر عند الدعاء ولكن يستقبله عند السلام فقط. وإنما يستقبل القبلة عند الدعاء.وعجبا لأهل البدع: لقد حيرونا: أنستقبل السماء عند الدعاء أم القبلة أم القبر؟ ولم يكن مالك يرى فرقا بين حياة النبي ( وبين موته فيما يتعلق بتوقيره وحرمة رفع الصوت في مسجده حيا وميتا. ولكنه كان مع ذلك يفرق بين حياته ( وبين موته فيما يتعلق بمسألة التوسل به ( ومسألة زيارة قبره حتى قال «وأكره أن يقال زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم » . أهـ .

* سبب إيراد القاضي عياض لهذه القصة .

قال في " الفتاوى " (1/225 – 226) :
وَالْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ ؛ بَلْ ذَكَرَ هُنَاكَ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سِيَاقِ أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوْقِيرَهُ وَتَعْظِيمَهُ لَازِمٌ ؛ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَذِكْرِ حَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ وَسَمَاعِ اسْمِهِ .ا.هـ.

* الثابت عن الغمام مالك خلاف هذه القصة بالكلية .

قال في " الفتاوى " (1/353) :
وَهُوَ خِلَافُ الثَّابِتِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِأَسَانِيدِ الثِّقَاتِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِثْلَ مَا ذَكَرُوا عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَقْوَامٍ يُطِيلُونَ الْقِيَامَ مُسْتَقْبِلِي الْحُجْرَةِ يَدْعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَأَنْكَرَ مَالِكٌ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَقَالَ : لَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ ، فَإِنَّ الْآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِهِمْ وَعَادَتِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ اسْتِقْبَالُ الْحُجْرَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ مَشْرُوعًا لَكَانُوا هُمْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ ، وَكَانُوا أَسْبَقَ إلَيْهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَالدَّاعِي يَدْعُو اللَّهَ وَحْدَهُ .ا.هـ.

* نقض شيخ الإسلام إبن تيمية لبعض ما في هذه القصة .

وقف شيخ الإسلام مع بعض عباراتها بشيء من التفصيل والإيضاح ، فمن ذلك أنه قال (1/229 – 230) :
مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ " وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَوَسُّلِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا هُوَ التَّوَسُّلُ بِشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا حَقٌّ ؛ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ حِينَ تَأْتِي النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمَ لِيَشْفَعَ لَهُمْ فَيَرُدَّهُمْ آدَمَ إلَى نُوحٍ ثُمَّ يَرُدَّهُمْ نُوحٌ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ إلَى مُوسَى وَمُوسَى إلَى عِيسَى وَيَرُدَّهُمْ عِيسَى إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ " ، وَلَكِنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِ مِنْ وُجُوهٍ :

أَحَدُهَا : قَوْلُهُ " أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَدْعُو ؟ " فَقَالَ " وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ " فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَسَائِر السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الدَّاعِيَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ، وَيَدْعُو فِي مَسْجِدِهِ ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ ؛ بَلْ إنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ عِنْدَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ لَهُ .ا.هـ.

وقال أيضا (1/233) بعد تقرير طويل لمذهب مالك في المسألة :
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْحِكَايَةِ الْمُنْقَطِعَةِ مِنْ قَوْلِهِ : " اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ " كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَفْعَالِهِمْ الَّتِي يَفْعَلُهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَنَقَلَهَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ إذْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْقَبْرَ لِلدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ وَيَسْتَشْفِعَ بِهِ يَقُولُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ اشْفَعْ لِي أَوْ اُدْعُ لِي ، أَوْ يَشْتَكِي إلَيْهِ مَصَائِبَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، أَوْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَرَاهُمْ أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ ، أَوْ يَشْتَكِيَ إلَيْهِمْ الْمَصَائِبَ ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ مُبْتَدِعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؛ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ ، وَلَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ إذْ كَانَ يَسْمَعُ السَّلَامَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَرِيبِ وَيُبَلَّغُ سَلَامَ الْبَعِيدِ .ا.هـ.

وقال أيضا (1/239) :
وَمِمَّا يُوهِنُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا " وَلَمْ تَصْرِفْ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَوَسَّلُ النَّاسُ بِشَفَاعَتِهِ ، وَهَذَا حَقٌّ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ ، لَكِنْ إذَا كَانَ النَّاسُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَ أَصْحَابُهُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّمَا ذَاكَ طَلَبٌ لِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فَنَظِيرُ هَذَا - لَوْ كَانَتْ الْحِكَايَةُ صَحِيحَةً - أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ قَبْرِهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ ، وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا مَالِكٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَالِكٍ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ إلَّا جَاهِلٌ لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ ، وَلَا الْأَحْكَامَ الْمَعْلُومَةَ أَدِلَّتُهَا الشَّرْعِيَّةُ مَعَ عُلُوِّ قَدْرِ مَالِكٍ وَعِظَمِ فَضِيلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ ، وَتَمَامِ رَغْبَتِهِ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ ، وَذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا ؟ وَهَلْ يَأْمُرُ بِهَذَا أَوْ يَشْرَعُهُ إلَّا مُبْتَدِعٌ ؟ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ يُنَاقِضُ هَذَا لَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا .
ثُمَّ قَالَ فِي الْحِكَايَةِ : " اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعْك اللَّهُ " وَالِاسْتِشْفَاعُ بِهِ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ كَمَا يَسْتَشْفِعُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَمَا كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِ .ا.هـ. وبهذا إنتهى نقض شيخ الإسلام إبن تيمية رضي الله تعالى عنه لهذه القصة المنقولة عن الإمام مالك رحمه الله .






التوقيع :
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
«لوددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا يُنسبُ إلىَّ شيءٌ منه أبدا فأوجرُ عليه ولا يحمدوني!» تهذيب الأسماء واللغات(1/53)
من مواضيعي في المنتدى
»» أكان علي رضي الله عنهُ يعلمُ بإمامته ..؟
»» هل الموتى يسمعون يا رافضة ؟؟
»» الرافضة مشركون مبتدعون ليسوا من الإسلام في شيء هذا قول معصومهم
»» ( أكثر أحاديث الأصول في الكافي غير صحيحة ) وعدم إهتمام الرافضة بعلم الإسناد
»» بطلان استدلال الرافضة بحديث فاطمة بضعه مني من اغضبها فقد اغضبني