عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-08, 04:49 AM   رقم المشاركة : 6
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


استقلت السنة بتأسيسها : "وهذا القسم هو محل النزاع بين العلماء0 فمن قائل : إن الأحاديث التى تشرع تشريعات لا ذكر لها فى القرآن
ترفض، ومن قائل : إنها تقبل"( )0
وعلى عادته لم يسم لنا مَنْ مِنَ العلماء المعتد بهم الذى قال أن التشريعات التى لا ذكر لها فى القرآن ترفض0

ثم يفترى كذباً بنسبة ذلك الرفض، والخلاف إلى الفقهاء بقوله : "إن الأحاديث المستقلة بتشريع عن القرآن هى محل نظر، وبحث، وأخذ، ورد،
بين الفقهاء، وهى التى ميزت المذاهب الفقهية عن بعضها، ووسعت دائرة الخلاف بين المسلمين، ويجب على علماء المسلمين أن يقبلوا من
السنة : (أ) النوع المفسر، (ب) النوع الموافق0 وذلك لتقيل الخلافات بين المسلمين( )0
ولم يسم لنا من هم المسلمون الذين اختلفوا؟
ونفس هذا الكذب ردده فى كتابه (دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى) إذ يقول : "إذا كانت الآية القرآنية تدل على حكم0 ووجد فى الأحاديث :
أ- حديث موافق للآيـة0
ب- وحديث غير موافق0
ففى هذه الحالة يجب على الفقيه أن يأخذ بالحديث الموافق للآية، ويترك الحديث غير الموافق للآية، وإن كان صحيح السند من
رواية مسلم بن الحجاج"( )0
وهو فى كل هذا الذى يزعمه كذباً يتمسح بكلام الإمام الشاطبى فى الموافقات، موهماً بأن الإمام الشاطبى يقول بكذبه( )0
تمسح دعاة الفتنة وأدعياء العلم بإيمانهم بالسنة البيانية
وبيان مرادهم وهدفهم من ذلك

التمسح بالإيمان بالسنة البيانية بالمفهوم الذى قال به أحمد حجازى السقا ردده (دعاة على أبواب جهنم) ممن هم من جلدتنا،
ويتكلمون بلغتنا، وينتسبون إلى أمتنا الإسلامية0 مثل إسماعيل منصور إذ يقول : "إن السنة الحقة هى سنة واحدة، سنة الله ، وليست هناك
سنة أخرى غيرها، وإنما للرسول ، بيان نبوى للقرآن الكريم "نرفعه على العين والرأس متى ثبت تحقيقاً، لا يخالف - بأى حال - أحكام
ومدلولات القرآن الكريم( ) فنقبله كبيان فحسب وليس تشريعاً مستقلاً"( )0

ثم يصف قيمة السنة البيانية بقوله: "إنها للاستئناس لا للاستدلال، وللبيان لا للإثبات، الأمر الذى يجعل الآخذين بها والرافضين
لها -أمام الشرع-على حدٍ سواء0 فلا إلزام لأى طرف منهما على قبول رأى الآخر،فالآخذ بها فعله مقبول،والرافض لها فعله مقبول كذلك"( )

ويقول الرافضى صالح الوردانى : "القرآن هو المصدر الوحيد الذى نمسك به بين أيدينا وليس محل خلاف، وما دونه من المصادر
هى محل خلاف بين المسلمين، وعلى رأسها مصدر السنة أو الأحاديث، وحيث إن السنة هى تبيين للقرآن فإن هذا التبيين إنما يكون فى حدود
القرآن ولا يتجاوزه، وإذا ما تبين لنا أن مهمة الرسول  هى تبليغ ما يوحى إليه من ربه فلا يجوز للرسول أن يضيف أحكاماً فوق أحكام
القرآن، فمهمته تنحصر فى تبليغ القرآن، وتبيينه للناس، وتنتهى هذه المهمة بوفاته"( )0

ويقول أيضاً : "إن الرسول إنما كان يدعوا دائماً إلى التمسك بهدى القرآن وحكمه، لا بهديه وحكمه هو0 فهو وظيفته التبيين والتبليغ فقط"(
)0 ثم أخذ يجحد ما استقلت بتأسيسه السنة من أحكام0

مثل تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وحد الردة، ونكاح المتعة، وغير ذلك الكثير مما استقلت به السنة( )0

وللمنكرين حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام نقول لهم ما قاله العلامة الشوكانى : "إن ثبوت حجية السنة واستقلالها بتشريع
الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف فى ذلك إلا من لاحظ له فى دين الإسلام"( )0

نماذج من الأحاديث التى استقلت السنة النبوية بتشريعها

أسهب الإمام ابن قيم الجوزية-رحمه الله-فى أعلام الموقعين، فى ذكر الأحكام المستقلة الثبوت بالسنة( )، وقال : "أحكام السنة
التى ليست فى القرآن إن لم تكن أكثر منها، لم تنقص عنها، فلو ساغ لنا رد كل سنة زائدة كانت على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله 
كلها إلا سنة دل عليها القرآن، وهذا هو الذى أخبر النبى  بأنه سيقع ولابد من وقوع خبره"( )0

ومن أمثلة ما استقلت السنة المطهرة بتشريعه، وأنكره أعداء الإسلام، والسنة المطهرة :
1- تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها( )، وتحريم الحمر الأهلية( ) وكل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من
الطير( )، وأنـه يحـرم مـن الرضاعـة

ما يحرم من النسب"( ) وأنه لا يقتل مسلم بكافر( )، وحد شارب الخمر( )، وحد الرجم( )، وحد الردة( )، والنهى عن زواج المتعة( )0
وغير ذلك الكثير والكثير، مما استقلت السنة المطهرة بتشريعة، وجاء متواتراً( )0

مـاذا قـال الإمـام الشاطبـى فـى الأحكـام
التى استقلت السنة بتأسيسها؟

أحب هنا أن نذكر كلام الإمام الشاطبى فى بعض الأحاديث السابقة، وكيف أقر بتأسيس السنة أحكاماً زائدة على ما فى القرآن
الكريم، ولكنه لم يسم ذلك استقلالاً كما سماه الجمهور، وإنما سماه بياناً، وأدخله تحت قواعد القرآن الكريم وأقر بحجيته، ووجوب العمل به،
وهو ما نازع فيه من استشهد بكلامه0 مما يؤكد ما سبق أن ذكرناه أن بعض علمائنا الأجلاء أساء فهم كلام الإمام الشاطبى، كما اتخذ بعض
أعداء السنة المطهرة كلامه ستاراً للتشكيك فى حجية السنة، ومكانتها التشريعية0

يقول الإمام الشاطبى - رحمه الله - : "إن الله تعالى حرم الجمع بين الأم وابنتها فى النكاح، وبين الأختين، وجاء فى القرآن : 
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ( ) فجاء نهيه  عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس، لأن المعنى الذى لأجله ذم الجمع بين أولئك
موجود هنا : وقد روى فى هذا الحديث : "فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" والتعليل بشعر بوجه القياس"( )0

ويقول أيضاً فى كتابه الاعتصام باب بيان معنى الصراط المستقيم الذى انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد
البيان0 قولهم( ) : "إن الحديث جاء بأن المرأة لا تنكح على عمتها، ولا على خالتها، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والله
تعالى لما ذكر المحرمات لم يذكر من الرضاع إلا الأم والأخت، ومن الجمع إلا الجمع بين الأختين، وقال بعد ذلك : وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ (
) فاقتضى أن المرأة تنكح على عمتها وعلى خالتها، وإن كان رضاع سوى الأم والأخت حلالاً0
وهذه الأشياء من باب تخصيص العموم لا تعارض فيه على كل حال"( )0

فتأمل كيف سمى ذلك الحكم الزائد فى السنة تخصيصاً لعموم القرآن الكريم، ولم يسمه استقلالاً كما سماه جمهور العلماء؛ فكان الخلاف لفظياً0

وانظر كيف أخذ بهذا الحكم الزائد، ولم يأخذ به من استشهد بكلامه موهماً أنه لا يأخذ به، فأساء فى فهم كلام الإمام،
وأساء فى النقل عنه كما مر0

وعن الأحكام الزائد فى السنة المطهرة، مثل تحريم الحمر الأهلية، وكل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير0

قال عن الأحكام السابقة : "إن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، وبقى بين هذين الأصليين أشياء يمكن لحاقها بأحدهما، فبين( ) عليه
الصلاة والسلام، فى ذلك ما اتضح به الأمر، فنهى عن أكل كل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر
الأهلية، وقال إنها رجس( ) : وسئل ابن عمر عن القنفد فتلا قوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ( ) فقال له شيخ عنده سمعت أبا هريرة: يقول ذكر عند النبى :فقال:"خبيثة من الخبائث" فقال ابن عمر :
إن كان قال رسول الله  هذا فهو كما قال مَا لَمْ نَدْرِ"( )0

وعن حديث على بن أبى طالب مرفوعاً "لا يقتل مسلم بكافر" يقول الإمام الشاطبى: "وأما أن لا يقتل مسلم بكافر" فقد انتزعها
العلماء من الكتاب، كقوله تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ( ) … ويمكن أن يؤخذ حكم المسألة مأخذ القياس، لأن الله
تعالى قال : الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ( ) فلم يقده من الحر للعبد، والعبوديةُ من آثار الكفر فأولى أن لا يُقاد من المسلم للكافر"( )0
فانظر كيف أخذ بالسنة الزائدة على أنها بيانية على قاعدته ومصطلحه0
ورغم ذلك وجد من يطعن فى الحديث( ) بحجة مخالفته للقرآن : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ( )0

ويقول الإمام الشاطبى فى حد الرجم : "قولهم( ) : هذا مخالف لكتاب الله ، لأنه قضى بالرجم والتغريب، وليس للرجم ولا للتغريب فى كتاب
الله ذكر، فإن كان الحديث باطلاً فهو ما أردنا، وإن كان حقاً فقد ناقض كتاب الله بزيادة الرجم والتغريب0

يقول الإمام الشاطبى رداً على دعوى المخالفة : فهذا اتباع للمتشابه، لأن الكتاب فى كلام العرب، وفى الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم،
والفرض كقوله تعالى : كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ( )، وقال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ( ) وقال تعالى : وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ ( )،
فكان المعنى : لأقضين بينكما بكتاب الله، أى بحكم الله الذى شرع لنا، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم فى القرآن، كما أن الكتاب يطلق على
القرآن، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل، من غير دليل اتباع لما تشابه من الأدلة"( )0

ثم قال الإمام الشاطبى : "وقول من زعم( ) أن قوله تعالى فى الإماء : فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ( ) لا يعقل مع ما جاء فى الحديث أن النبى  رجم، ورجمت الأئمة بعده؛ لأنه يقتضى أن الرجم ينتصف، وهذا غير معقول، فكيف يكون
نصفه على الإماء؟

هذا ذهاباً منهم إلى أن المحصنات هن ذوات الأزواج، وليس كذلك، بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر، بدليل قوله أول الآية : وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ( ) وليس المراد هنا إلا الحرائر؛ لأن ذوات الأزواج
لا تنكح"( ) أ0هـ0

وبعـد
إن الأحكام التى انفردت بها السنة كثيرة0 وكلها تعطى الدليل الأكيد على أن السنة لها صلاحية تأسيس الأحكام على سبيل الاستقلال - فهى فى
ذلك مثل القرآن الكريم، وما شرعته السنة حجة يجب العمل به مثل القرآن الكريم تماماً، وعلى هذا انعقد إجماع من يعتد به من علماء الأمة
قديماً وحديثاً0

والذى يقبل عن رسول الله  فإنما يقبل أيضاً عن الله تعالى لأن الله تعالى؛ هو الذى أوجب طاعة رسوله  حيث قال سبحانه :
وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ( )0
يقول الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعى -فى كتابه الرائع الرسالة بأسلوبه الفصيح البليغ : "وما سن رسول الله فيما ليس
لله فيه حكم : فبحكم الله سنه0وكذلك أخبرنا الله فى قوله : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)صِرَاطِ اللَّهِ( ) وقد سن رسول الله مع كتاب
الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سن فقد ألزمنا اتباعه"( )،والانتهاء إلى حكمه0 فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل"( )
أ0هـ0

مضـار إنكـار السنـة النبويـة

إن الاعتداء على السنة النبوية بإنكارها والتشكيك فى حجيتها يفتح أبواب شر تقوض بنيان الإسلام وذلك لما يلى :
أولاً : أن الأحكام الشرعية العلمية الأصولية "العقائد" يتوقف بنيانها وتفاصيلها على السنة النبوية بعد، ومع القرآن الكريم، فإنكار السنة النبوية
يهدد العقائد بالبتر والإبهام، فيمس ما يتعلق بالإلهيات، والنبوات، والسمعيات، وما سوى ذلك من مسائل العقائد…، فهل يقام دين على عقائد
مبتورة مبهمة؟
ثانياً : القضاء على أصول الأحكام الشرعية العملية "أصول الفقه الإسلامى" لأن هذا العلم يتصدى للأدلة التى تبنى عليها الأحكام، وقد أجمع
الأصوليون على أن السنة النبوية المصدر الثانى للتشريع الإسلامى، وعلى هذا فإنكار السنة النبوية يجعل الفقه الإسلامى فى مهب الرياح لعدم
ارتكازه على أدلة ولافتقاره إلى أسس0
ثالثاً : تحطيم فقه الفروع (المذهبى والمقارن)؛ لأن جل المسائل الفقهية والوقائع تستند إلى السنة النبوية إما بالبيان والإيضاح كمواقيت وأعداد
وهيآت الصلوات المفروضة0 وإما بالاستقلال مثل كفارة من أفسد صوم رمضان، وعقوبتى شارب المسكر والمرتد، وأسس الجهاد، والآداب
والسلوكيات وفضائل الأعمال وغير ذلك مما سبق ذكره0
رابعاً : تشويه علوم القرآن الكريم لاستنادها فى كثير من قضاياها على السنة النبوية، وتهديد علم التفسير لارتكازه فى جل ما يعرض له على
السنة النبوية وهكذا : بإنكار السنة النبوية تمسى الأمة بغير تشريع واضح المعالم قوى الدلالة، فقد تعرض أصول التشريع، وفروعه للاهتراء
وللاجتراء0
إن إنكار السنة النبوية يمهد السبل للتشكيك فى القرآن نفسه، وتعطيل الآيات التى تحث وتحض على اتباع رسول الله  واتخاذه
قدوة وتحكيمه والرضا بحكمه وإيثار طاعته على ما سواه"( )0
إن الطعن فى السنة النبوية هدم للإسلام فى عقائده، وعباداته، ونظمه، وأخلاقه، وهدم لوحدته وسبب فى تخلف المسلمين عن
ركب الحضارة "0

يقول الأستاذ محمد أسد : "لقد كانت السنة مفتاحاً لفهم النهضة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، فلماذا لا تكون مفتاحاً لفهم انحلالنا
الحاضر؟ إن العمل بسنة رسول الله  هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام( )، وهذا ما يخطط له
أعداء الإسلام سواء الظاهرون العداوة له المتظاهرون عليه أو اللابسون عباءته بهتاناً وزوراً! أ0هـ0
حكـم منكـر السنـة النبويـة

يقول الإمام محمد بن الحسين الآجرى( ) فى كتابه الشريعة : "جميع فرائض الله  التى فرضها الله جل وعلا فى كتابه، لا يعلم
الحكم فيها، إلا بسنن رسول الله  هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام، ودخل فى ملة الملحدين"( )0

وقال الإمام ابن حزم : "ولو أن امرءاً قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا فى القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما
بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو : أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر فى ذلك0 وقائل هذا أو نحوه
كافر مشرك، حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم( )0
وقال الحافظ السيوطى : "فاعلموا رحمكم الله أن من ينكر كون حديث رسول الله ، قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف فى
الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء من فرق الكفرة( ) أ0هـ0

والله تبـارك وتعالـى
أعلى وأعلم



المبحث الثاني

شبهات بُنْيَت على أحاديث من السنة النبوية

ويشتمل على تمهيد وثلاثة مطالب :
1 - المطلب الأول : شبهة عرض السنة على القرآن الكريم والرد عليها .
2_ المطلب الثـــاني : شبهة عرض السنة النبوية على العقل والرد عليها .
3_ المطلب الثـالث : وفيه الشبه الآتية:
1_ شبهة النهي عن كتابة السنة والرد عليها .
2_ شبهة التأخر في تدوين السنة والرد عليها .
3_ شبهة رواية الحديث بالمعنى والرد عليها .
4_ شبهة كثرة الوضاعين للحديث والرد عليها .




تمهيد :
بعد أن تحايل أعداء السنة المطهرة على بعض آيات من القرآن الكريم ليحوروا معانيها، ويستدلوا بهذا التحوير على صحة الاحتجاج بالسنة
النبوية، نجدهم هنا باسم السنة ونصوصها يستشهدون بها أيضًا على إنكار حجيتها، ويتظاهرون بحرصهم على السنة، بل هم بإنكارهم حجيتها
أشد حرصًا على السنة من المؤمنين بحجيتها(1) .
وهكذا عكس المشاغبون القضية ، ونظروا في السنة النبوية المطهرة، فما وافق دعواهم منها قبلوه ، واعترضوا به على منازعيهم واحتجوا به
مع وضعه أو ضعفه سندًا ودلالة، وهذا العمل مع جهالته أخطر منطق عكسي في التدليل على فساد الشيء بمادته، نصًّا وأسلوبًا ؛ لأنه إذا كان
من الخطأ والخطل(2) والخطر قبول الأحاديث الباطلة والموضوعة، وعزوها إلى رسول الله e ، فمثله في البطلان رد الأحاديث الصحاح الثابتة
بالهوى والعجب والتعالم على الله ورسوله، وسوء الظن بالأمة وعلمائها وأئمتها في أفضل أجيالها ، وخير قرونها .
إن قبول الأحاديث المكذوبة يدخل في الدين ما ليس منه ، أما رد الأحاديث الصحيحة، فيخرج من الدين ما هو منه ، ولا ريب أن كليهما
مرفوض مذموم: قبول الباطل ورد الحق(4) .
ولأعداء السنة المطهرة شبهات على عدم حجية السنة بنوها على أحاديث مكذوبة، وضعيفة، وأخرى صحيحة مع ضعف دلالتها على ما احتجوا
به . وسوف نذكر تلك الشبهات في ثلاثة مطالب :



المطلب الأول

l واستدل بالحديث الأول قديمًا الشيعة الإثنى عشرية كما رواه الكليني في الكافي(1). والرافضة منهم ، والزنادقة كما حكاه الحافظ السيوطي في
مفتاح الجنة(2)، والطائفة التى ردت الأخبار كلها وناظر الإمام الشافعي واحدًا من أتباعها(3)، وأهل الرأي كما حكاه أحمد أمين في فجر
الإسلام(1). والمعتزلة وهو أحد الأصوب الخمسة عند الإمام القاسم بن إسماعيل الرسي كما سبق في أصول المعتزلة(2)وحديثًا استدل به
الدكتور توفيق صدقي(3) ، ويحيي كامل أحمد(4) .
l واستدل بالحديث الثاني الدكتور توفيق صدقي(5) ، والأستاذ جمال البنا(6) .
l واستدل بالحديث الثالث الدكتور توفيق صدقي(7) .
l واستدل بالحديث الرابع الأستاذ جمال البنا(8) ، كما استدل بحديث $عبد الله بن أبي أوفى#(9) في وصية النبي e في مــرض موته
بالاقتصــار على كتاب الله U(10)، ونقل كلام الحافظ ابن حجر مبتورًا ، وسبق بيان ذلك كما سبق بيان المراد من الأحاديث المرفوعة
والموقوفة بالاقتصار على كتاب الله وحده(11) .
وحجة المنكرين لحجية السنة النبوية من الروايات السابقة: أنها تفيد عرض السنة على القرآن فما وافق القرآن ؛ فهو من السنة، وتكون
السنة في هذه الحالة لمحض التأكيد، والحجة هو القرآن فقط، وما خالف القرآن بإثبات حكم شرعي جديد؛ فهو ليس من السنة ، ولم يقله النبي
e ولا حجة فيه .
يقول محمد نجيب : $فإذا كانت سنة الرسول وحديثه متفقة مع سنة الله وحديثه فاتباعها حكم من متبعها أنها أحسن من سنة الله، وأنها حديث
خير من حديث الله، وليس في هذا إلا تكذيب لله القائل : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم}(1)
وهذا يحتم عدم الأخذ بسنة غير الله، وحديث غير الله، ولو كان متفقًا مع كلام الله فاتباعه خلط لدين الإنسان ، وخروج عن الدين الخالص لله
وحده إذ بذلك يكون الدين خليطًا .
أما إذا كانت السنة والحديث غير متفقة مع كلام الله، وحديث الله، وسنة الله، فلا يمكن أن يعمل بها مسلم، أو أن يقبلها(2) .
يقول الدكتور أحمد صبحي منصور : $..... مع أهمية المناقشة بالقرآن لكل ما جاء في التراث من أحكام فقهية وروايات خرافية(3) .
ويقول الأستاذ جمال البنا : $هناك أحاديث جاءت بما لم يأت به القرآن ، نحن نحكم عليها في ضوء القرآن ، فما لا يخالف القرآن يقبل، وما
يخالفه يستبعد، فتحريم زواج المرأة على عمتها وخالتها . وتحريم لحم الحمر الأهلية، أمور لانرى مانعًا فيها ، ونجد فيها قياسًا سليمًا(4) .
وهكذا اتخذ أعداء السنة من منهج عرض السنة على القرآن الكريم قاعدة ينطلقون منها للتشكيك في حجية السنة المطهرة وهدمها . وهم
يصرحون بتلك الحقيقة وأهدافها .
ومن قاعدة عرض السنة على كتاب الله U ، انطلق أعداء الإسلام من الرافضة والزنادقة يشككون في حجية السنة المطهرة وتابعهم دعاة الفتنة
وأدعياء العلم؛ أمثال الدكتور أحمد صبحي منصور(4)، وإسماعيل منصور(5) ، ومحمود أبو رية(6) ، ومحمد نجيب(7) ، وقاسم أحمد(8)
وغيرهم ممن سبق ذكرهم وفيما يلي الجواب عن شبهتهم هذه.
وتكلم العلماء عن هذا الحديث كلامًا يستلزم أن يكون من أشد الموضوعات أو الضعيف المردود ونختار من أقوالهم ما يأتي :
قال الإمام الشافعي : $ما روي هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر .. وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل
هذه الرواية في شيء(5) .
ويعلق الأستاذ أحمد شاكر(6) في تحقيقه لكتاب الرسالة على هذا الحديث فيقول: $هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل وردت فيه
ألفاظ كثيرة، كلها موضـوع، أو بالغ الغاية في الضعف، حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد(7) .
وقال الإمام بن عبد البر(6) : $ وقد أمر الله U بطاعته واتباعه أمرًا مطلقًا مجملاً لم يقيد بشئ، كما أمرنا باتباع كتاب الله، ولم يقل وافق كتاب
الله كما قال بعض أهل الزيغ، قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث ... وهذه الألفاظ لاتصح عنه e عند أهل العلم
بصحيح النقل من سقيمه، وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم، وقالوا : نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء، ونعتمد
على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا يقبل من حديث رسول الله e إلا ما وافق كتاب الله،
بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسى به ، والأمر بطاعته، ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال#(1) أ. هـ .
وقال فضيلة الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف معقبًا على تقوية ابن عراق للحديث(2)، تبعًا للسيوطى(3) : $الحديث باطل منكر جدًا، كما قال
العقيلي وغيره، ومحاولة المؤلف تبعًا للسيوطي تقويته غلط، فإن الحديث من وضع بعض الزنادقة للتلاعب بالسنة، وغفل السيوطي، ثم المؤلف
_ رحمهما الله _ عن هذا المقصد الخبيث#(4).
أما الحـديث الثاني : إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ... إلخ فأخرجه الشافعي(5)، والبيهقي(6) ، ومن من طريق طاووس(7) ، وقال
الإمام الشافعي: هذا منقطع، وكذلك صنع e ، وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه، ونشهد أن قد اتبعه e وما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله
في الوحي اتباع سنته، فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله قال تعالى :{وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(1) .
قال البيهقي : وقوله في الحديث : $في كتابه# إن صحت هذه اللفظة فإنما أراد فيما أوحى إليه، ثــم ما أوحى إليه نوعان؛ أحــدهما وحي
يتلى، والآخر وحي لا يتلى(2).
ويشهد لما قاله البيهقي في أن المراد بكلمة $في كتابه# أعم من القرآن ، ويشمل الوحي بنوعيه، المتلو ، وغير المتلو . قوله e لوالد الزاني
بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : $والذي نفسي بيه لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد. وعلى ابنك جلد مائة ، وتغريب
عام#(3) قال الحافظ ابن حجر: المراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده، ويؤيده رواية القرآن وهو المتبادر. وقال ابن دقيق العيد(4) :
الأول أولى ؛ لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله، قيل وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون المراد ما
تضمنه قوله تعالى:{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} (5) فبين النبي e أن السبيل جلد البكر ونفيه، وجلد الثيب ورجمه، فيما رواه الإمام مسلم عن
عبادة بن الصامت t(6) قال: قال رسول الله e :$خذوا عنى . خذوا عنى. قد جعل الله لهن سبيلا . البكر بالبكر جلد مائة جلة مائة ونفى سنة،
والثيب بالثيب. جلد مائة والرجم#(1) .
قال الحافظ ابن حجر قلت: وهذا أيضًا بواسطة التبيين#(2) .
وقلت : حتى لو صحت هذه اللفظة $في كتابه# وحملت على المتبادر منها وهو القرآن الكريم. فلا حجة في الحديث للمنكرين لحجية السنة،
فالحديث عليهم لا لهم؛ لأن ما يحرمه أو يحله الرسول e ، هو حرام أو حلال في كتاب الله U الذي أمر بطاعته، ونهى عن مخالفته e . ويؤيد
ذلك ما ثبت في صحيح السنة من حديث المقدام بن معد يكرب الكندى(3) t ؛ أن رسول e قال: $يوشك الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث
من حديثي ، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله U، فما وجدنا من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله e مثل
ما حرم الله U(4) .
قال الإمام الشافعي معقبًا : فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا أمره بفرض الله عليهم اتباع أمره(5) وقال الإمام البيهقي: وهذا خبر من
رسول الله e عما يكون بعده من رد المبتدعة حديثه فوجد تصديقه فيما بعدهe(6) .
أما قول الدكتور توفيق صدقي: $فهذا الحديث صح أو لم يصح فالعقل يشهد له ويوافق عليه، وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لايحيدون
عنه#(1) فسيأتى الرد على ذلك في المطلب الثاني (شبهة عرض السنة على العقل) .

(1) انظر : السنة ودورها في الفقه الجديد للأستاذ جمال البنا خاتمة الكتاب (نخن أحرص على السنة منكم) ص 267 .
(2) السنة الإسلامية للدكتور رءوف شلبي ص 33 .
(3) الخطل : المنطق الفاسد المضطرب وقد $خطَِلَ# في كلامه من باب طَرِب و (أخطَلَ) أي أفحش .
انظر : مختار الصحاح ص 181 ، والقاموس المحيط 3 / 357 .
(4) مؤتمر السنة ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة بحث الدكتور يوسف القرضاوي 2 / 795 ، 796 .
(1) أخرجه الكليني في الكافي كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب 1 / 69 رقم 5 عن أبي عبد الله y، وانظر : الشيعة هم أهل
السنة للدكتور محمد التيجاني ص 244.
(2) مفتاح الجنة ص 13 ، 14 .
(3) الرسالة 225.
(1) فجر الإسلام ص 224 ، وانظر: البحر المحيط للزركشي عزاه إلى أكثر المتكلمين 4 / 351.
(2) راجع : إن شئت ما سبق في أصول المعتزلة وموقفهم من السنة ص 105،110 ، وانظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 84 .
(3) مجلة المنار المجلد 9 / 523 .
(4) تطبيق الشريعة بين الحقيقة وشعارات الفتنة ص 12 .
(5) مجلة المنار المجلد 9 / 907 .
(6) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246 .
(7) مجلة المنار المجلد 9 / 907 .
(8) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246 .
(9) عبد الله بن أبي أوفى : صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 3 / 870 رقم 1478 ، واسد الغابة 3 / 181 رقم 2830 ، وتاريخ
الصحابة ص 155 رقم 742 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 62 رقم 320، وتجريد أسماء الصحابة 1 / 299 ، والإصابة 2 / 274 رقم
4573 .
(10) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الوصايا، باب الوصايا، وقول النبي e (وصية الرجل مكتوبة عنده) 5 /420 رقم 2740 ،
ومسلم (بشرح النووي) كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه 6/ 98 رقم 1634 .
(11) راجع : إن شئت ص 201 ، 202 .
(1) الآية 23 من سورة الزمر .
(2) انظر: الصلاة ص 278 ، 279 .
(3) انظر: مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 36 ، وانظر : البحث في مصادر التاريخ الديني لأحمد صبحي منصور ص 40 ، 287.
(4) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 254، وسيأتي الرد على ذلك وأنه غير مخالف للقرآن في مبحث أدلة حجية السنة ص 533 .
(5) يعني معيار عرض السنة على القرآن بمفهوم أعداء السنة .
(1) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 7 .
(2) المصدر السابق ص 248 .
(3) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 265 .
(4) مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 35 .
(5) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 18 _ 20 .
(6) أضواء على السنة ص 19 ، 391 _ 395.
(7) الصلاة ص 279 .
(8) إعادة تقييم الحديث ص 136 .
(1) الحديث والمحدثون ص 211 .
(2) حديث علي t أخرجه الدارقطني في السنن كتاب في الأقضية والأحكام ، باب كتاب عمر t إلى أبي موسى الأشعرى 4 / 208 رقم 20
وقال الدارقطني : والصواب عن عاصم عن زيد عن علي بن الحسين مرسلاً ، عن النبيe. وقال العلامة العظيم آبادى في التعليق المغنى على
الدارقطني 4 / 208 ، 209 الحديث فيه جبارة بن المغلس ضعفه ابن معين، وقال البخاري مضطرب الحديث وقال السخاوي، وقد سئل شيخنا _
يعنى ابن حجر _ عغن هذا الحديث فقال: إنه جاء من طرق لا تخلو عن مقال، وانظر: في ترجمة جبارة الضعفاء والمتروكين للنسائي ص 72
رقم 103 ، والمجروحين لابن جبان 1 / 221 .
(3) حديث أبي هريرة رواه الدارقطني أيضًا في نفس الأماكن السابقة برقم 17 وقال الدارقطني عقبة فيه $صالح بن مةسي# ضعيف لايحتج
بحديثه .
(4) حديثا بن عمر، وثوبان أخرجهما الطبراني في الكبير 12 / 316 رقم 13224 ، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 170 حديث
بن عمر فيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه وهو منكر الحديث . وحديث ثوبان فيه $لايزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث، انظر: مجمع
الزوائد 1 / 170، والموضوعات لابن الجوزي 1 / 258 .
(5) الرسالة للشافعي ص 225 .
(6) أحمد شاكر : هو العلامة محمد شاكر، يكني: أبا الأشبال محدث ومحقق، وقاضي شرعي، وعضو المحكمة الشرعية العليا $سابقًا# من
مؤلفاته الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ونظام الطلاق في الإسلام، وغير ذلك . مات سنة 1377هـ . انظر: ترجمته في كتابه
كلمة الحق بقلم الأستاذ محمود محمد شاكر .
(7) الرسالة للشافعي ص 224 .
(1) الآية 7 من سورة الحشر .
(2) الآية 80 من سورة النساء .
(3) الآية 105 من سورة النساء .
(4) الإمام البيهقي: هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر، كان أوحد أهل زمانه في الإتقان والحفظ والفقه والتصنيف، كان فقهيًا وأصوليًا
وإمامًا من أئمة الحديث، من مصنفاته: السنن الكبرى ، ودلائل النبوة، توفي سنة 458هـ . له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 3 / 1132 رقم
1014 ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 433 رقم 979، ووفيات الأعيان 1 / 75 رقم 28، طبقات الشافعية لابن السبكي 4 /8 رقم 50 ،
والبداية والنهاية 12/ 94، وشذرات الذهب 3 / 304 .
(5) دلائل النبوة 1 / 27 .
(6) الإمام ابن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، أبو عمر، كان حافظ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته،
وكان أولاً ظاهريًا ثم صار مالكيًا، فقيهًا حافظًا مكثرًا عالمًا بالقراءات والحديث والرجال، والخلاف ، كثير الميل إلى أقوال الشافعي، من
مصنفاته. التمهيد شرح الموطأ ، والاستذكار مختصره، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، وجامع بيان العلم وفضله. وغير ذلك مات سنة
463هـ . له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 3/ 1128 رقم 1013، وطبقات للسيوطي ص 431، 432 رقم 978 ، والديباج المذهب لابن
فرحون ص440 رقم 626، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 / 458 رقم 23، والرسالة المستطرفة ص 15، وشجرة النور الزكية 1
/ 119 رقم 337 .
(1) جامع بيان العلم وفضله 2 / 190، 191، وانظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 291، وإرشاد الفحول 1/ 157 ،
158 ، وكشف الخفاء للعجلوني 1 / 76 ، رقم 220 ، 2 / 386 .
(2) تنزيه الشريعة 1 / 264، 265 ، وانظر : الموضوعات لابن الجوزي 1 / 258 .
(3) اللآلئ المصنوعة 1 / 195 ، والنكت البديعات على الموضوعات ص 48 ، 49 رقم 23 .
(4) تنزيه الشريعة 1 / 265 هامش . وفيما سبق رد على الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ في تقويته للحديث في كتابه (
لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ) ص 29 ، 30 . وفيما سبق أيضًا رد على إدعاء جولدتسهير بأن المحدثين يقررون احتجاجًا بهذا
الحديث، انظر: العقيدة والشريعة في الإسلام ص 55، وأعجب من إدعاء جولدتسهير ، إدعاء أحد أدعياء العلم وهو يحيى كامل أحمد الذي
وصف الذين حكموا بوضع هذا الحديث بأنهم ملاحدة قائلا : [إن بعض الملاحدة زعموا أن هذا الحديث (فيما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب
الله ..) من وضع الزنادقة ، ليبيحوا لأنفسهم عدم التقيد بآيات القرآن، للتقول في أمور الدين بما يشاءون.. فيرددون الأباطيل والإسرائيليات
والخرافات بدعوى أنها أحاديث للرسول e على حين أن القرآن يسقطها ، ويثبت كذبها بتعارضها مع آياته الكريمة] أ. هـ . انظر تطبيق
الشريعة بين الحقيقة وشعارات الفتنة ص 12 ، 13، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجاني ص 251 ، 252 .
(5) الأم كتاب جماع العلم، باب الصوم 7 / 288، وفي كتاب الصلاة، باب صلاة المريض 1 /80، 81 .
(6) المدخل إلى السنن والآثار كتاب السير، باب الرجل يموت في أرض العدو قبل الغنيمة 13/ 155 رقم 17742.
(7) طاووس: هو طاووس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن، يقال اسمه ذكوان، وطاووس لقب، من أكابر التابعين تفقها في الدين ورواية
للحديث وتقشفًا في العيش، وجرأة على وعظ الخلفاء والملوك، أصله من الفرس، ولكنه ولد في اليمن، متفق على توثيقه مات سنة 106هـ
له ترجمة في : صفة الصفوة لابن الجوزي 2 / 284 رقم 243 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 150 رقم 955، والثقات لابن حبان 4 /
391 ، الثقات للعجلي ص 234، رقم 720، والثقات لابن شاهين ص 182رقم 587 ، وتقريب التهذيب 1 / 448 رقم 3020 ، والكاشف 1
/ 512 رقم 2461، ووفيات الأعيان 2/ 509 رقم 306 .
(1) جزء من الآية 7 من سورة الحشر.
(2) مفتاح الجنة ص 42،43.
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا 12/ 140 رقم 6827 ،
6828. وأخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6/ 214 رقم 1697 ، 1698 واللفظ له .
(4) ابن دقيق العيد :هو محمد بن على وهب المنفلوطي ، تقى الدين أبو الفتح، إمام حافظ فقيه، كان من أذكياء زمانه ، وقل أن ترى العيون
مثله، وله يد طولى في الأصول والمعقول، ولي قضاء الديار المصرية وتخرج به أئمة ، من مصنفاته: الاقتراح في علوم الحديث، وشرح
العمدة، مات سنة 702هـ له ترجمة في : طبقات الحفاظ للسيوطي 516 رقم 1134 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 / 1481 رقم 1168 ،
والرسالة المستطرقة للكتابي ص 180 ، والديباج المذهب لابن فرحون ص 411 رقم 566 ، والدرر الكامنة 4/ 91 رقم 256، والبداية
والنهاية 14/ 27، وشذرات الذهب 6/ 5 ، والوافي بالوفيات 4/ 193 .
(5) الآية 15 من سورة النساء.
(6) عبادة بن الصامت: صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 2/ 807 رقم 1372 ، واسد الغابة 3/ 158 رقم 2891، وتاريخ الصحابة
ص 190 رقم 1004 ، والإصابة 2/ 268 رقم 4515، ومشاهير علماء الأمصار ص66 رقم 334 .

(1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب حد الزني 6/ 240 رقم 1690.
(2) انظر : فتح الباري 12/ 142 _ 144 رقمي 6827 ، 6828.
(3) المقدام بن معد يكرب: صاحبي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 4/ 1482 رقم 2562، واسد الغابة 5/ 244 رقم 5077، وتاريخ
الصاحبة ص 240 رقم 1317 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 69 رقم 365، والإصابة 3/ 455 رقم 8202.
(4) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب في لزوم السنة 4/ 200 رقم 4604 ، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن
يقال عند حديث النبي e5/ 36 رقم 2664 وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه بن ماجة في سننه المقدمة، باب تعظيم حديث
رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 12، واللفظ له وابن جبان في صحيحه (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان)، باب الاعتصام
بالسنة وما يتعلق بها نقلا وأمرًا وزجرًا 1/ 107 رقم 12، والحاكم في المستدرك 1/ 191 رقم 371 ، وسكوت عنه الحاكم والذهبي،
وصححه أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي ص 90، 91 .
(5) الرسالة للشافعي ص 226 .
(6) دلائل النبوة للبيهقي 1/ 25 .
(1) انظر : الأم كتاب جماع العلم، باب الصوم 7/ 288 ، وفي كتاب الصلاة ، باب صلاة المريض 1/ 80، 81.
(2) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 212 .
(3) الآيتان 3،4 من سورة النجم .
(4) انظر: الإحكام لابن حزم 2/ 212 .
(5) السنة ومكانتها في التشريع للدكتور السباعي ص 164 .
(6) انظر : نيل الأوطار 1/ 187 .
(7) ثوبان : هو ثوبان بن بجدر أبو عبد الله مولى رسول الله e صاحبي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 2/ 218 رقم 282، واسد الغابة 1/
480رقم 624، وتاريخ الصحابة ص 56 رقم 174، ومشاهير علماء الأمصار ص64 رقم 324 ، والإصابة 1/ 204 رقم 969 .
(8) الدارقطني كتاب الطهارة ، باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقئ والحجامة ونحوه 1/ 151 رقم 41 .
(1) انظر: مجلة المنار المجلد 9/ 515 رقم 913 .
(2) الدارمي في سنته المقدمة ، باب السنة قاضية على كتاب الله 1/ 153، 154 رقم 589 بلفظ : $السنة سنتان: سنة الأخذ بها فريضة:
وتركها كفر، وسنة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غيره حرج) .
(3) مكحول : هو مكحول الشامي، أبو عبد الله ، ثقة، فقيه كثير الإرسال مات سنة 113هـ. له ترجمة في : تقريب التهذيب 2 / 211 رقم
6899 ، والكاشف 2 / 291 رقم 5620 ، وحاشية بن العجمي هامش على الكاشف 2/ 291 _ 293 ، والثقات للعجلي ص 439 رقم
1628، والثقات لابن حبان 5/ 446، ومشاهير علماء الأمصار ص 141 رقم 870 .
(4) الطبراني في الأوسط 4 / 392 رقم 4011 ، وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن محمد إلا عيسى تفرد به عبد الله ، وعزاه الهيثمي
في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي سلمة إلا عيسى بن واقد تفرد به عبد الله بن الرومي، ولم أر من ترجمة .
انظر: مجمع الزوائد 1/ 172، وانظر مجمع البحرين في زوائد المجمعين الصغير والأوسط للطبراني 1/ 233 رقم 256.
(5) انظر : ميزان الاعتدال 2/ 422 رقم 4317 ، ولسان الميزان 3/ 286 رقم 1208 .
(6) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 127 ، وإرشاد الفحول للشوكاني 1/ 155 ، وأصول الفقه للخضري ص 250، 251.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة t : البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الوضوء، باب لاتقبل صلاة بغير طهور 1/282 رقم 135 ،
ومسلم (بشرح النووي) كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة 1/ 104 رقم 225 واللفظ له .
(2) أخرجه الترمذي في سننه كتاب أبواب الصلاة ، باب ما جاء في المنى والمذي 1/ 193 رقم 114، وقال هذا حديث حسن .
(3) عمران بن حصين: صاحبي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 3/ 1208 رقم 1969 ، واسد الغابة 4/ 269 رقم 4048 ، وتاريخ
الصحابة ص 183 رقم 949 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 48 رقم 218، والإصابة 3/26 رقم 6024 .
(4) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب التميم باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء 1 / 533 رقم 344 ، وأخرجه مسلم
(بشرح النووي) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة 300/ 199 رقم 682 .
(5) الآية 6 من سورة المائدة .
(1) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعرى t البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الفتن، باب قول النبي e : $ من حمل علينا السلاح فليس
منا# 13/ 26 رقم 7071 ومسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان باب قول النبي e من $حمل علينا السلاح فليس منا# 1 رقم 100 .
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن 6/ 479 رقم 1848.
(3) الآية 33 من سورة المائدة .
(4) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعور رضى الله عنه، البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الديات، بال قول الله تعالى $النفس بالنفس
والعين بالعين# 12/ 209 رقم 6878، ومسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة ، باب ما يباح به دم المسلم 6/ 179 رقم 1676.
(5) الآية 217 من سورة البقرة .
(6) منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص 499 ، وانظر: الموافقات للشاطبي 4/ 9 _ 14 .
(7) الآية 7 من سورة الحشر .

عنه كقوله تعالى : {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(1) .
ومثال السنة المحرمة : قوله e $ لايجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها(2) فأصل ذلك التحريم في الجمع بين المرأة وعمتها
والمرأة وخالتها، قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَف}(3).
وهذا استدلال من لا يرى استقلال السنة بالتشريع، وقد عرفت مما سبق استدلال من يرى استقلالها.
فأمثال هذه السنة سواء كانت (واجبة أو محرمة) الأخذ بها هدى وتركها بعدم فعلها إذا كانت واجبة، وفعلها إذا كانت محرمة (ضلالة) كما في
الحديث، وهو ما يتمشى مع تعريف الواجب والحرام عند الأصوليين .
فالواجب: مرادف للفرض عند الجمهور، هو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم بحيث يأثم تاركه وقال الآمدى : $والحق في ذلك أن يقال :
الوجوب الشرعي عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سببًا للذم شرعًا في حالة ما#(4) .
أما الحرام فهو ضد الواجب: قال الآمدى : والحق فيه أن يقال: هو ما ينتهض فعله سببًا للذم شرعًا بوجه ما من حيث هو فعل له(5) .
أما قوله e في الحديث : $ وسنة في غير فريضة# ؛ فالمراد بذلك السنة المباحة والمندوبة وقوله : $الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة#
أي في فعلها ثواب، وليس في تركها عقاب، وهذا هو $المباح والمندوب# عند أهل الأصول .
فالمندوب: هو ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، أو هو ما طلب الشارع فعله طلبًا غير حتم(6) . وقال الآمدي: فالواجب أن يقال : هو المطلوب
فعله شرعًا من غير ذم على تركه مطلقًا(1) ومن ومن أسمائه : النافلة، والسنة، والمستحب، والتطوع وذلك عند الجمهور(2) .
ومثاله : الرواتب مع الفرائض، وصلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف، وصدقة التطوع... إلخ والأصل في ذلك حديث الأعرابي الذي علمه
النبي e شرائع الإسلام وفرائضه ، وأنه ليس عليه غيرها إلا أن التطوع $فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله على
شيئًا ، فقال رسول الله e : $أفلح أن صدق. أو دخل الجنة إن صدق#(3) .
والمباح : هو ما خير الشارع المكلف فيه بين فعله وتركه من غير مدح ولا ذم(4) . وقال الأمدى : والأقرب في ذلك أن يقال : هو ما دل
الدليل السمعى على خطاب الشارع بالتخيير فيه الفعل والترك من غير بدل(5) .
ومن أسمائه : الحلال، والمطلق، والجائز(6) ، ومثاله قوله تعالى :{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَة}(7) . وقوله : $لحمزة بن
عمرو الأسلمي(8) لما سأله عن الصيام في السفر : $إن شئت فصم وإن شئت فأفطر#(9) .
فأمثال هذه السنن المباحة والمندوبة الأخذ بها فضيلة ويثاب ويمدح الإنسان على فعلها، وإن تركها لم يكن مخطئًا ، ولا عقاب ولا لوم عليه .
وأصل هذه السنن في كتاب الله قوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(1) .
فهذا هو معنى الحديث على فرض صحته، فأين الدلالة فيه على عدم حجية السنة ووجوب عرضها على كتاب الله؟!!
وبعد
هذا ما قاله أهل العلم في أحاديث عرض السنة المطهرة على القرآن الكريم، التى أسس عليها أعداء الإسلام منهجًا خاصًا بهم في الحكم على
صحة السنة بوجوب عرضها عل الكتاب .
فما وافقه؛ فهو حجة، وما خالفه ولو مخالفة ظاهرة يمكن الجمع بينهما؛ فباطل مردود ليس من السنة .
وهذا منهج باطل، مردود، عماده الكذب والخديعة: لأنه يفضي إلى نفي حجية السنة النبوية التى لها دور في بيان الكتاب وتفسيره، أو التى أفادت
حكمًا مستقلاً : لأن كلاً من النوعين غير موجود فيه، فتكون وظيفة السنة مقصورة على تأكيد القرآن فقط، وبالتالى الحجة فيه وحده، ولا حجة
في السنة على أي حكم شرعي بذاتها؛ لأنها لو كانت حجة على شئ لما توقف ذلك على ثبوت الشئ بحجة أخرى، وهذا كلام باطل لا يصح؛ لأن
أحاديث العرض عند عرضها على كتاب الله وجدناها مخالفة لما فيه؛ لأنه لا يوجد في كتاب الله أن لا يقبل من حديث رسول الله e إلا ما وافق
كتاب الله بل يوجد في كتاب الله إطلاق التأسى به، والأمر بطاعته مطلقة من غير تقييد، والتحذير من مخالفة أمره جملة على كل حال .
وكما سبق من قول الأئمة : البيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم(2) ومن ثم فقد رجعت أحاديث العرض على نفسها بالبطلان، ثم إنه ورد في
بعض طرقها عن أبى هريرة t قال : قال رسول الله e : $ إنه سيأتيكم منى أحاديث مختلفة، فما أتاكم موافقًا لكتــاب الله وسنتى فهــو
مني، وما أتاكم مخالفًا لكتاب الله وسنتى فليس مني#(3). قال البيهقي : تفـرد به صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف لا يحتج بحديثه(1) .
قال السيوطي: قلت: ومع ذلك فالحديث لنا لا علينا : ألا ترى إلى قوله : $موافقًا لكتاب الله وسنتى#(2) .
ومع أن أحاديث عرض السنة على القرآن الكريم لا وزن لها سندًا عند أهل العلم كما سبق، إلا أن معناها صحيح وعمل بها المحدثون في
نقدهم للأحاديث متنًا فجعلوا من علامات وضع الحديث مخالفته لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل .
إلا أنهم وضعوا لذلك قيدًا وهو استحالة إمكان الجمع والتأويل، فإذا أمكن الجمع بين ما ظاهره التعارض من الكتاب أو السنة أو العقل _ جمعًا
لا تعسف فيه يصار إلى الجمع والقول معًا ولا تعارض حينئذ ، وإن كان وجه الجمع ضعيفًا باتفاق النظار، فالجمع عندهم أولى(3) .
وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها ، وإلا فلنتعرف على الناسخ والمنسوخ فنصير إلى الناسخ ونترك المنسوخ، وإلا نرجح بأحد وجوه
الترجيحات المفصلة في كتب الأصول وعلوم الحديث(4) ، والعمل بالأرجح حينئذ متعين، وهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأسًا ، جهلاً به
أو عنادًا كما قال الشاطبي(5) .
وإن لم يتمكن العالم من ذلك للتعادل الذهني فاختلفوا على مذاهب منها:
1_ التخيير 2_ تساقط الدليلين والرجوع إلى البراءة الأصيلة
3_ الأخذ بالأغلظ 4_ التوقف .
ومعلوم بأن التوقف هنا حتى يمكن الجمع أو التأويل أو الترجيح . وكل ما سبق قال به من المعتزلة صاحب المعتمد في أصول الفقه في باب
الأخبار المعارضة، وباب ما يترجح به أحد الخبرين على الآخر#(1) .
قال الحافظ ابن حجر: $فصار ما ظاهرة التعارض واقعًا على هذا الترتيب الجمع إن أمكن ، فاعتبار الناسخ والمنسوخ، والترجيح إن تعين، ثم
التوقف عن العمل بأحد الحديثين ، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر، إنما هو بالنسبة للمعتبر
في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه وفوق كل ذي علم عليم#(2) .
ولا أعلم نقلاً عن أحد من العلماء برفض ورود الحديث بمجرد المخالفة الظاهرية مع القرآن الكريم ، أو السنة ، أو العقل مع إمكان الجمع، أو
التأويل، أو الترجيح ، حتى من نقل عنهم الأصوليون إنكار الترجيح وردوا عليهم إنكارهم ، قالوا عند التعارض: يلزم التخيير أو الوقف(3) .
نعم لم ينقل رد السنة وجحدها بمجرد المخالفة الظاهرية إلا عن أهل البدع والأهواء كما حكاه عنهم الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام(4) ،
وتابعهم ذيولهم في العصر الحديث من أصحاب المذاهب اللادينية .
وقصاري القول : إن أهل العلم مجمعون على أن السنة الصحيحة لا تخالف كتاب الله U ، ولا تخالف سنة أخرى صحيحة مثلها، ولا تخالف
العقل، وما يبدوا حينًا من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع، كما قال فضيلة الشيخ محمد الغزالي _ رحمه الله تعالى _ : لا
يتعارض حديث مع كتاب الله أبدًا ، وما يبدو من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع #(5) .
وعن دعوى تعارض الأحاديث مع بعضها يقول الحافظ ابن خزيمة : $لا أعرف أنه روى عن النبي e حديثان بإسنادين صحيحن متضادين، فمن
كان عنده فليأتي به لأؤلف بينهما #(1) .
قال الإمام ابن حزم: ليس في الحديث الذي صح شيء يخالف القرآن الكريم ولا سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلاً ، وكل
خبر شريعة فهو إما مضاف إلى ما في القرآن ومعطوف عليه ومفسر لجملته، وإما مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث. فإن احتجوا
بأحاديث محرمة أشياء ليست في القرآن قلنا لهم: قد قال الله U { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(2) فكل ما حرمة رسول الله e مثل
الحمار الأهلي، وسباع الطير، وذوات الأنياب(3) ، وغير ذلك؛ فهو من الخبائث، وهو مذكور في الجملة المتلوه في القرآن ومفسر لها،
والمعترض بها يسأل: أيحرم أكل عذرته أم يحلها؟ فإن أحلها خرج عن إجماع الأمة وكفر، وإن حرمها؛ فقد حرم ما لم ينص الله تعالى على
اسمه في القرآن، فإن قال هي من الخبائث قيل له : وكل ما حرم عليه السلام؛ فهو كالخنزير، وكل ذلك من الخبائث . فإن قال قد صح الإجماع
على تحريمها ، قيل له : قد أقررت بأن الأمة مجمعة على إضافة ما جاء عن النبي e من السنن إلى القرآن الكريم ، مع ما صح عنه e قال :
$ لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه #(4) . فهذا حديث
صحيح بالنهى عما تعلل به هؤلاء الجهال(1) .
ويقول ابن حزم في موضع آخر : $إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يظن من لا يعلم، ففرض على كل مسلم استعمال
كل ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى
مثلها، وكل من عند الله U ، وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق#(2) .
ويتأيد ما قاله ابن حزم بما قال الإمام الشاطبي عند كلامه على حديث العرض: $ما أتاكم عنى فاعرضوه على كتاب الله _ الحديث# قال : $إن
الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول _ عليه الصلاة والسلام _ معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة، وعلى كلا التقديرين
لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله ؛ لأنه _ عليه الصلاة والسلام _ ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أ. هـ .

والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم








المطلب الثـــاني
شبهة عرض السنة النبوية على العقل والرد عليها

لم يكتف أهل الزيغ والهوى بعرض السنة المطهرة على القرآن الكريم للحكم عليها قبولاً أو رفضًا ، وإنما سلكوا مسلكًا آخر في الحكم عليها
والتشكيك فيها بعرضها على العقل (الصريح) ، فما وافقه قبل ولو كان آحادًا _ صح أو لم يصح _ وما لم يوافقه _ حتى ولو مع إمكان التأويل
_ ردوه ولو كان متواترًا صحيحًا .
وهذا المسلك والمنهج (عرض السنة على العقل بالمفهوم السابق من أصول أهل الكفر والبدع والأهواء كما حكاه عنهم الأئمة : ابن قيم
الجوزية ، وابن أبي العز، وابن قتيبة، والشاطبي .
يقول ابن قيم الجوزرية: وبالجملة فمعارضة أمر الرسل أو خبرهم بالمعقولات إنما هي طريقة الكفار#(1) .
ويقول ابن أبي العز(2) : $كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته، وما ظنه معقولاً ، فما وفقه قال: إنه محكم، وقبله ، واحتج
به ، وما خالفه قال: إنه متشابه، ثم رده، وسمى رده تقويضًا ، أو حرفه وسمى تحريفه تأويلاً(3) .
ويقول الشاطبي في باب ( مأخذ أهل البدع بالاستدلال) : $ردهم للأحاديث التى جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة
للعقول، وغير جارية على مقتضى الدليل، فيجب ردها، ولما ردوها بتحكم العقول كان الكلام معهم راجعًا إلى أصل التحسين والتقبيح العقليين،
فإن محصول مذهبهم تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول التى بنى عليها أهل الابتداع في الدين، بحيث أن الشرع إن وافق
آراءهم قبلوه، وإلا ردوه(1) .
وبهذه الشبهــة قال أهل الزيغ والهوى حديثًا : مثل محمود أبو رية(2) ، وقاسم أحمد(3)، وسعيد العشماوي(4)، ومحمـد شحرور(5) ،
وإسماعيل منصور(6)، وجمال البنا(7)، ونصر أبو زيد وغيره .
ومن الأحاديث التى يستشهد بها خصوم السنة المطهرة في وجوب عرضها على العقل، ما روي عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e :$ إذا
حدثتم عني بحديث تعرفونه ولاتنكرونه، قلته أو لم أقله، فصدقوا به، وإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني بحديث تنكرون، لا تعرفونه،
فكذبوا به، فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف#(9) .
وهذا الحديث استدل به قديمًا: الطائفة التى ردت الأخبار كلها، وناظر الإمام الشافعي واحدًا من أتباعها كما حكاه الإمام الشافعي عنهم(10).
واستدل به حديثًا ؛ الدكتور توفيق صدقي(11) ، والأستاذ جمال البنا(12) ، وغيرهم ممن سبقوا .
ووجه استدلالهم من هذا الحديث: أنه يفيد في نظرهم وجوب عرض ما نسب إلي النبي e على المستحسن المعروف عن الناس _ حتى ولو
كانوا أهل زيغ وضلالة _ فما وافق عقول هؤلاء الناس؛ فهو من السنة حتى ولو لم يقله النبي e فعلاً ، وما خالف تلك العقول، فكذب ليس من
سنة النبي e ، ولم يقله حتى ولو جاء متواترًا صحيحًا فالحجة عندهم في تلك العقول لا في السنة النبوية المطهرة .
الجواب عن الحديث:
هذا الحديث الذي استشهد به خصوم السنة المطهرة روي من طرق مختلفة كلها ضعيفة لا يصلح شيء منها، بل ولا بمجموعها للاحتجاج
والاستشهاد. وكشف عن ذلك علماء الحديث .
فقال الإمام البيهقي : $قال ابن خزيمة: في صحة هذا الحديث مقال، لم نر في شرق الأرض ولا غربها أحدًا يعرف خبر ابن أبي ذئب(1) من غير
رواية يحيي بن آدم(2) ، ولا رأيت أحدًا من علماء الحديث يثبت هذا عن أبي هريرة . وهو مختلف على يحيي بن آدم في إسناده ومتنه اختلافًا
كثيرًا يوجب الاضطراب، منهم من ينكر أبا هريرة، ومنهم من لا يذكر ويرسل الحديث، ومنهم من يقول في متنه : $إذا رويتم الحديث عنى
فاعرضوه على كتاب الله#(3) .
وقال البخاري في تاريخه: وقال يحيى بن آدم عن أبى هريرة وهو وهم، ليس فيه أبو هريرة(4) ، وفي علل ابن أبي حاتم قال : قال أبي : هذا
حديث منكر، الثقات لا يرفعونه(5) . أى لا يرفعون في إسناده فوق المقبري، ليوافق قول البخاري .
وقال العقيلي في الضعفاء: ليس له إسناد يصح(6) والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات(1) ، وتعقبه في حكمه الحافظ السيوطي في
كتابيه النكت البديعات على الموضوعات(2) ، واللآلئ المصنوعة(3) مقويا الحديث بشواهده، ووافقه على ذلك ابن عراق في تنزيه الشريعة(4)
، وتعقب السيوطي، وابن عراق في تقوية الحديث بشواهده الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف _ رحمه الله تعالى _ وسبق قوله في حديث عرض
السنة على القرآن(5) .
كما تعقب الأستاذ المعلمي اليماني الإمام السيوطى في شواهد الحديث بروايتي أحمد وابن ماجة .
فالشاهد الأول $ رواية أحمد# بين فيه وهمه؛ بأنه ذكرها بسند متن آخر وهو: $المؤمن القوي خير وأفضل ... إلخ(6) ، والمتن الشاهد في
رواية أحمد في سنده أبو معشر(7) : وهو نجيح السندي، كان أول أمره ضعيفًا ، ثم اختلط اختلاطًا شديدًا، وجاء بأحاديث منكرة، ولا سيما في
روايته عن سعيد المقبري، وهو الذي روى عنه هذا الحديث الشاهد(8) ، مع أن سعيدًا نفسه اختلط أيضًا(9) ، قال الحـــــافظ
الهيثمـي(10): أبو معشر نجيح ضعفه أحمد وغيره وقد وثق(11) .
كما تعقب المعلمي اليماني الإمام السيوطي في الشاهد الثاني رواية ابن ماجة؛ بأن في سندها المقبري(1) . وهو عبد الله بن سعيد أبي سعيد،
متروك ساقط البتة(2) .
وأمثل شاهد روي في هذا المعنى، واستشهد به الحافظ السيوطي ما أخرجه أحمد والبزار عن أبى حميد وأبى أسيد مرفوعًا : $ إذا سمعتم
الحديث عنى تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب؛ فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عنى تنكره قلوبكم وتنفر
أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد؛ فأنا أبعدكم منه#(3) .
والحديث أخرجه البخاري في تاريخه بلفظ: $ إذا جاءكم الحديث عني يلين قلوبكم، فأنا أمرتكم به # ، ثم أخرج من طريق عباس بن سهل عن
أبى بن كعب قال:$ إذا بلغكم عن النبي e ما يعرف ويلين الجلد، فقد يقول النبي e الخير، ولا يقول إلا الخير .
قال البخاري: هذا أشبه وأصح(4). قال البيهقي؛ يعني أصح من رواية من رواه عن أبي حميد، أو أبي أسيد وقد رواه ابن لهيعة، عن بكير بن
الأشج، عن عبد الملك بن سعيد عن القاسم بن سهــل، عن أبى بن كعب قال ذلك بمعناه، فصار الحديث المسند معلولاً(5) .
وهذا ما رجحه المعلمي من أربعة أوجه في تحقيقه للحديث في الفوائد المجموعة(6) .
وبالجملة : فالحديث بطرقه وشواهده لايصلح للاحتجاج والاستشهاد.
يقول الإمام الشوكاني : $فهذا الحديث بشواهده لم تسكن إليه نفسي، وإني أظن أن ابن الجوزي قد وفق للصواب بذكره في موضوعاته#(1) .
ويشهد لبطلان الحديث ما فيه من إباحة الكذب على النبي e :$قلته أو لم أقله فصدقوا به# . وفي لفظ: $ما بلغكم عنى من قول حسن لم أقله
فأنا قلته# .
قال ابن حزم :$ وهذا هو نسبة الكذب إلى رسول الله e ؛ لأنه حكى عنه أنه قال : $ لم أقـله فأنا قلته# فكيف ما لم يقله أيستجيز هذا إلا
كذاب زنديق كافر أحمق(2)؟.
قلت : وفي هذا رد على ما زعمه كذبًا جولدتسيهر من أن المحدثين يقررون $احتجاجًا# مثل حديث $ما قيل من قول حسن فأنا قلته#(3) .
وحسبنا بهذه الطائفة المستشهدة بهذا الحديث أنهم مقرون على أنفسهم، بأنهم كاذبون، وقد صح عن رسول الله e أنه قال : $ من حدث عنى
بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين#(4) أ . هـ .
وعلى فرض صحة الحديث، فلا دلالة فيه على عدم حجية السنة النبوية، فكل ما يدل عليه أنه من أدلة صدق الحديث أن يكون وفق ما جاءت
به الشريعة من المحاسن، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على كذبه، ونحن نقول بذلك على ما هو مقرر عند المحدثين من علامات وضع
الحديث ، تكذيب الحسن له(5) .
ويقول الحكيم الترمذي(6) في تأويل الحديث: $ قوله e : $ إذا حدثتم عنى بحديث تعرفونه، ولا تنكرونه# فنقول من تكلم بعد الرسول e بشئ
من الحق، وعلى سبيل الهدي؛ فالرسول e سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن قد تكلم بذلك اللفظ الذي أتى به من بعده ، فقد أتى الرسول e
بأصله مجملاً كما ثبت في صحيح السنة من حديث ابن مسعور e ؛ أن رسول الله e قال : $ ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ،
ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه#(1) .
فلذلك قال: $ فصدقوا به قلته أو لم أقله# ، أي إن لم أقله بذلك اللفظ الذي يحدث به عنى فقد قلته بالأصل والأصل مؤد عن الفرع، فجاء
الرسول e بالأصل ، ثم تكلم أصحابه والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين من بعده بالفروع، فإذا كان الكلام معروفًا عن المحققين غير منكر؛
فهو قول الرسول e قاله أو لم يقله ، يجب علينا تصديقه _ وخاصة إذا لم يكن مما يقال من قبل الرأي ولم يرفعوه؛ لأن الأصل قد قاله الرسول
e وأعطاه لنا، وإنما قال ذلك لأصحابه الذين عرفهم بالحق، فإنما يعرف الحق المحق بهم، وهم أولوا الألباب والبصائر(2) رضوان الله عليهم
أجمعين .
أما الشواهد لهذا الحديث وهو متن : $إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم ... إلخ# .
فعلى فرض صحته فلا دلالة فيه على وجوب عرض السنة على العقل، فكل ما يدل عليه التثبيت عند سماع الحديث وخاصة إذا كانت فيه ظلمة
وركاكة ومجازفات باردة لا يقول مثلها النبي وهذا ما قرره المحدثون، وجعلوه من دلائل الوضع في الحديث وإن صح سنده(3) .
وفي ذلك يقول ابن الجوزي : $واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه في الغالب# وروى عن الربيع بن خثيم(4)
قال : $إن للحديث ضوءًا كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكرة#(1) .
يقول الأستاذ يحيي المعلمي اليماني : $وعلى فرض صحة الخبر، فلا سبيل إلى أن يفهم منه ما تدفعه القواطع، فمن المقطوع به، أن معارف
الناس وآراءهم وأهواءهم تختلف اختلافًا شديدًا ، وأن هناك أحاديث كثيرة، تقبلها قلوب، وتنكرها قلوب. وبهذا يعلم أن ما يعرض للسامع من
قبول واستبشار، أو نفور واستنكار. قد يكون حيث ينبغي ، وقد يكون حيث لاينبغي ، وأنما هذا _ والله أعلم _ إرشاد إلى ما يستقبل به الخير
عند سماعه، وقد يكون منشأ ذلك: أن المنافقين كانوا يرجفون بالمدينة ويشيعون الباطل، فقد يشيعون ما إذا سمعه المسملون، وظنوا صدقه
ارتابوا في الدين، أو ظنوا السوء برسول الله ، فأرشدوا إلى ما يدفع عنهم بادرة الارتياب، وظن السوء ، ومع العلم بأن بادى الظن ليس بحجة
شرعية، عليهم النظر والتدبر، والأخذ بالحجج المعروفة(2) .
وبعـــد
فهذا قول أهل العلم في حديث: $إذا حدثتم عني بحديث تعرفونه ولا تنكرونه ... إلخ# وشواهده وتبين لنا أنه لا حجة فيه لأعداء السنة وفي
منهجهم بعرض السنة على العقل حيث الحكم عليها بالقبول أو الرفض .
ونقول أيضًا في بيان تهافت وبطلان شبهة: $عرض السنة على العقل# سائلين القائلين بها :
l أيهما الحاكم على الآخر النقل أم العقل ؟
l ما أراد بالعقل الصريح الذي ترددونه؟ وما حدوده؟ وما مدى الاتفاق عليه؟
l وهل يتعارض النقل مع العقل؟ وإذا تعرضا فأيهما أحق التقديم؟
وأخيرًا هل أهمل المحدثون _ حقًا _ العقل في قبولهم للحديث وتصحيحه كما تدعون؟
الجــــواب
إننا إذا نظرنا في كتب الأصول نجد الإجابة على السؤال الأول أيهما الحاكم على الآخر النقل أم العقل ؟
فعند أهل الأصول العلم بالأحكام (الحكم ، والحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم فيه) هو القطب الأول من الأقطاب الأربعة التى تندرج تحتها أصول
الفقه، من هنا كان لابد من تعريف الحكم حيث له تعلق بالحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم فيه .
فنقول : الحكم لغة : المنع والصرف، ومنه الحكمة للحديدة التى في اللجام، وبمعنى الإحكام ، ومنه الحكيم في صفاته سبحانه(1) .
وفي الاصطلاح : على المختار من قول الآمدي قال هو : $خطاب الشارع المفيد فائدة شرعية#(2) وإذا تبين أن الحكم (خطاب الشارع) علم أنه
لا حاكم على المكلفين سوى الله U ولا حكم إلا ما حكم به U {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}(3) وهذا بإجماع الأمة سوى من شذ
من المعتزلة ، حيث حكموا العقل وجعلوه حاكمًا .
وأنكر ذلك شارح مسلم الثبوت وقال :$ إن هذا مما لايجترئ عليه أحد ممن يدعى الإسلام، بل إنما يقولون : $إن العقل معرف لبعض الأحكام
الإلهية سواء ورد به الشرع أم لا . وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضًا(4) .
والجمهور من الأصوليين، والمحدثين، والفقهاء، على خلاف ما ذهب إليه العلامة ابن عبد الشكور(5) ؛ حيث أثبتوا أن المعتزلة حكموا
عقولهم، وجعلوها حاكمة لا محكومة بحكم خالقها .
ولهذا فرع علماء الأصول على مسئلة ( أنه لا حاكم سوى الله، ولا حكم إلا ما حكم به) فرعوا على ذلك خلافًا للمعتزلة : $أن العقل لايحسن
ولايقبح ، ولا يوجب شكر المنعم، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع#(1) .
ثم إن الله U جعل العقول في إدراكها حدًا تنتهى إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبيلا إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع
الباري U في إدراك جميع ما كان ، وما يكون، وما لايكون، إذا لو كان كيف يكون .
فمعلومات الله لا تنتاهي ، ومعلومات العبد متناهية، والمتناهي لا يساوى ما لايتناهي، وهذا قول ابن خلدون(2) : $واعلم أن الشارع أعرف
بمصالح ديننا وطرق سعادتنا ؛ لاطلاعه على ما وراء الحس، والعقل يقف عاجزًا عن إدراك عالم ما وراء الطبيعة ، ولا تثقن بما يزعم لك
الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها، والوقوف على تفصيل الوجود كله، وسفه رأيه في ذلك ، وأعلم أن الوجود منحصر في
مداركه لايعدوها(3) .
ويقول الشاطبي مبطلا زعم من قال : إن مصالح الدنيا تدرك بالعقل في قوله : $إن مصالح الدار الآخرة ومفاسدها لا تعرف إلا بالشرع . وأما
الدنيوية فتعرف بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات# .
ويقول الشاطبي ردًا : $أما إن ما يتعلق بالآخرة لا يعرف إلا بالشرع فكما قال، وأما ما قال في الدنيوية فليس كما قال من كل وجه، بل ذلك من
بعض الوجوه دون بعض . ولذلك لما جاء الشرع بعد زمان فترة ، تبين به ما كان عليه أهل الفترة من انحراف الأحوال عن الاستقامة،
وخروجهم عن مقتضى العدل في الأحكام ومن أجل(1) الآية 7 من سورة الحشر .
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة t : البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب النكاح، باب لاتنكح المرأة على عمتها 9/ 64 رقم 5109،
ومسلم (بشرح النووي) كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح 5/ 205 رقم 1408.
(3) الآية 23 من سورة النساء .
(4) البحر المحيط للزركشي 1/ 181 _ 184 ، والإحكام للآمدي 1/ 92 ، وأصول الفقه للخضري ص 39 .
(5) الإحكام للآمدي 1/ 106 .
(6) أصول الفقه للخضري ص 54، وانظر: أصول الفقه للشيخ خلاف ص 111.
(1) الإحكام للآمدي 1/ 111 .
(2) البحر المحيط للزركشي 1/ 284 .
(3) متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله t البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإٍلام 1/ 130رقم 46، ومسلم (
بشرح النووى) كتاب الإيمان ، باب بيان الصلوات التى هي أحد أركان الإسلام 1/ 198 رقم 11 .
(4) أصول الفقه الحضرى ص 60، وانظر : أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص 115 .
(5) الإحكام للآمدى 1/ 115.
(6) البحر المحيط للزركشى 1 / 276.
(7) الآية 101 من سورة النساء .
(8) حمزة بن عمر الأسلمى : صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 1/ 375 رقم 542 ، واسد الغابة 2/ 71 رقم 1252 ، وتاريخ
الصحابة ص 67 رقم 233 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 22 رقم 51، والإصابة 1/ 354 رقم 1837 .
(9) متفق عليه من حديث عائشة _ رضى الله عنها _ البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الصوم، باب الصوم في السفر والإفطار 4/ 211 رقم
1943 ، ومسلم (بشرح النووي) كتاب الصوم، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر 4/ 253 رقم 1121 .
(1) الآية 21 من سورة الأحزاب ، وانظر : التعريفات للجرجاني ص 161 ، 162 .
(2) راجع : ص 224، 225.
(3) أخرجه الخطيب في الكفاية ص 603، وانظر : مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص 38 .
(1) انظر: تقريب التهذيب 1/ 433 رقم 2902، والكاشف 1/ 499 رقم 2364، والمجروحين 1/ 369، والضعفاء والمتروكين للنسائي ص
136 رقم 314 ، والضعفاء لأبي زرعة الرازي 2/ 627 رقم 154، وخلاصة تهذيب الكمال ص 172 .
(2) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص 39 .
(3) قال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول : $والدليل القاطع ضربان : عقلي، وسمعي فإن كان المعارض عقليًا نظرنا فإن كان خبر
الواحد قابلاً للتأويل كيف كان أولناه فلم نحكم بردة # انظر: المحصول في أصول الفقه 2/ 210 .
(4) انظر: إرشاد الفحول 2/ 369 _ 408 ، والمحصول في أصول الفقه 2/ 434 _ 488، والإحكام للآمدي 4/ 206 ، والموافقات للشاطبي
4/ 640 ، والمستصفى للغزالي 2/ 392 ، والإبهاج في شرح المنهاج 3/ 208 ، والبحر المحيط 6/ 108 _ 194 ، والمعتمد في أصول
الفقه 2/ 176 _ 178، وأصول السرخسي 2/ 145، 249، وفتح المغيث للعراقي ص 337 _ 339 ، وتدريب الراوي 2/ 198 _ 203 ،
والاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 59 _ 90، وانظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 172، 173 .
(5) الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1/ 200 ، 201، وانظر : الإحكام لابن حزم 1/ 161 .
(1) المعتمد في أصول الفقه 2/ 176، 188، وانظر : الإحكام للآمدي 4/ 221، والبحر المحيط 6/ 115، والمسودة في أصول الفقه لآل
تيمية ص 449 .
(2) نزهة النظر ص 35 ، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 3/ 73 ، وتدريب الراوي 2/ 202 .
(3) الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 209، وفتح المغيث السخاوي 3/ 73، وانظر: المصادر السابقة نفس الأماكن.
(4) الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1/ 199 .
(5) مائة سؤال في الإسلام 1/ 244، وانظر: المكانة العلمية لعبد الرازق في الحديث النبوي لفضيلة الأستاذ= =الدكتور إسماعيل الدفتار 2/
626 مبحث (حقيقة التعارض إنما هي في الفهم) . ومختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين للدكتور نافذ حسين حماد ص 125 _ 188 .
(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص 173، وتدريب الراوي 2/ 196، وفتح المغيث للعراقي ص 336، وفتح المغيث للسخاوي 3/ 71 .
(2) الآية 157 من سورة الأعراف .
(3) سيأتى تخريجه ص 451، وانظر: أمثلة أخرى عل ما اعترضوا عليه من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها في نظرهم القرآن الكريم، ولا
مخالفة في الحقيقة في الباب الثالث، حديث رؤية الله U .
(4) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/ 200 رقم 4605 ، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال
عند حديث النبي e 5/ 36 رقم 2663 ، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله e
والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 13 من حديث أبى رافع t .
(1) انظر: الإحكام في أصول الأحكام 2/ 215، 216 بتصرف، وانظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي فصل $الأحاديث النبوية وربطها
بالقرآن# 2/127 .
(2) الإحكام في أصول الأحكام 1/ 161 .
(1) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 121 .
(2) ابن أبى العز: هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم السلمي الشافعي أبو محمد، أحد الأئمة الأعلام، الملقب بسلطان العلماء، من
مصنفاته : قواعد الأحكام في مصالح الأنام، والإلمام في أدلة الأحكام ، والتفسير الكبير، مات سنة 660هـ . له ترجمة في : طبقات المفسرين
للداودي 1/ 315 رقم 288 ، والبداية والنهاية 13 / 335 ، شذرات الذهب 5/ 301، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2/ 873 رقم
10، وذيل طبقات الفقهاء للشافعيين للعبّادي ص 36.
(3) شرح العقيدة الطحاوية 2/ 80 .
(1) الاعتصام 1/ 186، 187، 2/ 589.
(2) أضواء على السنة ص 19، 143 .
(3) إعادة تقييم الحديث ص 59 .
(4) حقيقة الحجاب وحجية الحديث ص 91 ، 92.
(5) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 726 .
(6) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 659 .
(7) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 86، 161، وانظر: كتابه الإسلام والعقلانية ص 38 وما بعدها .
(8) نقد الخطاب الديني ص 101 ، 103، 131، 132، وانظر له مفهوم النص ص 28.
(9) أخرجه الدارقطني في سننه كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك باب، كتاب عمر t إلى أبى موسى الأشعري 4/ 208 رقمي 18، 19،
والحكيم الترمذي في نوادر الأصول الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث 1/ 357 واللفظ له . وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير
1/ 32، 33 رقم 14، والخطيب في تاريخه 11/ 311 رقم 6268 ، والبخاري في تاريخه 3/ 473 رقم 1585 .
(10) الأم كتاب سير الأوزاعي ، باب سهم الفارس الراجل وتفضيل الخيل 7/ 339 .
(11) مجلة المنار المجلد 9/ 522 .
(12) الأصلان العظيمان ص 231 .
(1) هو : محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبى ذئب القرشي العامري، أبو الحارث ، المدني، أحد الأعلام، ثقة فقيه فاضل. مات 158هـ .
وقيل 159 هـ . له ترجمة في: تقريب التهذيب 2/ 105 رقم 6102، والكاشف 2/ 194 رقم 5001 والثقات لابن شاهين ص 278 رقم
1140، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 2/ 444 رقم 1695.
(2) هو : يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا ، مولى بني أمية، أحد أعلام ثقة حافظ فاضل مات سنة 203هـ . له ترجمة في :
تقريب التهذيب 2/ 296 رقم 7523 ، والكاشف 2/ 360 رقم 6124، والثقات للعجلي 468 رقم 1789 ، والتعريف برواة مسند الشاميين
للدكتور على جماز ص 463 رقم 874.
(3) انظر: مفتاج الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 39 .
(4) التاريخ الكبير 3/ 474 رقم 1585 ترجمة سعيد المقبري .
(5) العلل لابن أبى حاتم 2/ 310 .
(6) الضعفاء الكبير 1/ 32 ، 33 رقم 14 .
(1) الموضوعات 1/ 257، 258 .
(2) النكت البديعات على الموضوعات ص 48 رقم 23 .
(3) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/ 213 .
(4) تنزيه الشريعة 1/ 264 .
(5) راجع : ص 221 .
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/ 366 .
(7) المصدر السابق 2/ 367، 483 .
(8) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة 279 هامش؛ والكاشف 2/ 317 رقم 5802، والتقريب 2/ 241 رقم 7126، وتهذيب
التهذيب 10/ 419 رقم 758، ولسان الميزان 7/ 409 رقم 5015 وميزان الاعتدال 4/ 246 رقم 9017 ، والجرح والتعديل 8/ 493 رقم
2263 ، والمغنى 2/ 694 ، والضعفاء لابن نعيم ص 153 رقم 254، والضعفاء والمتروكين ص 235 رقم 618.
(9) نهاية الاغتباط بمن رمى من الرواة بالاختلاط ص 132 رقم 40 .
(10) الحافظ الهيثمي هو : على بن أبى بكر بن سليمان، نور الدين أبو الحسن ، إمام حافظ، رافق الحافظ العراقي في السماع، سمع جميع ما
سمعه، من مصنفاته مجمع الزوائد، وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، وغير ذلك، مات سنة 807هـ . له ترجمة في :طبقات الحافظ
للسيوطي ص 545 رقم 1178، وأنباء الغمر 2/ 307، وشذرات الذهب 7/ 70، والأعلام 4/ 266.
(11) مجمع الزوائد 1/ 154 .
(1) اخرجه ابن ماجة في سننه المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/ 23 رقم 21.
(2) الفوائد المجموعة ص 279 هامش، وانظر: في ترجمة عبد الله المقبري، الكاشف 1/ 558 رقم 2752، والتقريب 1/ 497 رقم 3367
، وتهذيب التهذيب 5/ 237 رقم 412، وميزان الاعتدال 2/ 429 رقم 4353، ولسان الميزان 7/ 263 رقم 3532 ، والجرح والتعديل 5/
71 رقم 336، والمغنى 1/ 340، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 199، والضعفاء والمتروكين ص 152 رقم 360.
(3) أخرجه أحمد في مسنده 33/ 497، 5/ 425 ، وأخرجه البزار (كشف الأستار) 1/ 105 ، وقال البزار لا نعلمه يروى من وجه أحسن من
هذا، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 149، 150، رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح .
(4) التاريخ الكبير 5/ 514 رقم 1349 .
(5) مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة ص 41.
(6) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ص 281، 282 هامش .
(1) المصدر السابق ص 281 .
(2) أخرجه ابن حزم في الإحكام 2/ 213 بسند فيه اشعث بن بزار، وقال فيه: كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه، وبسند آخر فيه الحارث والعرزمي
وعبد الله بن سعيد، وضعف الأولين وقال في الثالث كذاب مشهور. وانظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 39 ، 40 .
(3) العقيدة والشريعة في الإسلام ص 55.
(4) سبق تخريجه ص 40 .
(5) المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزرية ص 51، وانظر: السنة ومكانتها في التشريع للدكتور السباعي ص 164 .
(6) الحكيم الترمذي هو : الإمام أبو عبد الله محمد بن على بن الحسن، الزاهد، الواعظ، المؤذن، صاحب التصانيف النافعة، منها نوادر الأصول
في معرفة أحاديث الرسول ، والرد على المعطلة ، وختم الأولياء عاش إلى= =حدود 320هـ . له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 2/ 645 رقم
668، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 286 رقم 642، ولسان الميزان لابن حجر 5/ 308، رقم 1033، وطبقات الشافعية لابن السبكي 2/
145، وتاريخ بغداد 11/ 373رقم 6226.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب البيوع 2/ 5 رقم 2136، وسكت عنه هو والذهبي، وأخرجه من حديث جابر، وصححه على شرط
الشيخين وأقره الذهبي، ومن وجه آخر عن جابر وصححه الذهبي على شرط مسلم.
(2) نوادر الأصول ، الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث 1/ 360، 361.
(3) المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية ص 50 رقم 53 .
(4) الربيع بن خثيم: بضم المعجمة وفتح المثلثة، ابن عائد بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد مخضرم= =رباني حجة، قال له ابن
مسعود: لو رآك رسول الله e لأحبك ، مات سنة 63هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 294 رقم 1893، والكاشف 1/ 391 رقم
1529، والثقات لابن حبان 4/ 224، والثقات للعجلي ص 154 رقم 419 والثقات لابن شاهين ص 126 رقم 339، ومشاهير علماء
الأمصار ص 125 رقم 737 .
(1) الموضوعات لابن الجوزي 1/ 103 ، والكفاية ص 605 .
(2) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ص 282 هامش .
(1) البحر المحيط للزركشي 1/ 117 .
(2) الإحكام للآمدي 1/ 90 .
(3) الآية 50 من سورة المائدة .
(4) لفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/ 25 .
(5) ابن عبد الشكور: هو محب الله بن عبد الشكور البهاري الهندي، الفقيه الحفنى الأصولى المنطقي، توفي سنة 1119هـ . له ترجمة في
الفتح المبين عبد الله المراغي 3/ 122، وأصول الفقه تاريخه ورجاله للدكتور شعبان إسماعيل ص 507 ، 508 .
(1) انظر: تفصيل ذلك في المستصفى للغزالي 1/ 8 ، والإحكام للآمدى 1/ 76 _ 90 ، والإبهاج في شرح المنهاج 1/ 43 ، 135، وإرشاد
الفحول 1/ 56 ، وأصول الفقه للخضري ص 23، 24 .
(2) ابن خلدون : هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون، أبو زيد، الفيلسوف المؤرخ العالم البحاثة، ولي قضاء المالكية بمصر، اشتهر
بكتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر# مات سنة 808هـ . له ترجمة في : الضوء اللامع 4/ 145 رقم 378
، والأعلام 3/ 330.
(3) المقدمة الفصل العاشر في علم الكلام ص 508، وانظر: الإسلام على مفترق الطرق الأستاذ محمد أسد ص 100 وما بعدها .


(7)

هذا القصور في تلك العقول وقع الإعذار والإنذار كما قال U : {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُـــــونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(1).
ولو كان الأمر على ما قال بإطلاق ، لم يحتج في الشرع إلا إلى بث مصالح الدار الآخرة، خاصة وذلك لم يكن، وإنما جاء بما يقيم أمر الدنيا
والآخرة معًا ، وإن كان قصده بإقامة الدنيا والآخرة، فليس بخارج عن كونه قاصدًا لإقامة مصالح الدنيا، حتى يتأتى فيها سلوك طريق الآخرة،
وقد بث في ذلك من التصرفات ، وحسم من أوجه الفساد التى كانت جارية، ما لا مزيد عليه .
فالعادة تحيل استقلال العقول في الدنيا بإدراك مصالحها ومفاسدها على التفصيل، اللهم إلا أن يريد هذا القائل أن المعرفة بها تحصل بالتجارب
وغيرها، بعد وضع الشرع أصولها فذلك لا نزاع فيه#(2) .
ومن هنا وجب أن يقدم ما حقه التقديم _ وهو الشرع _ ويؤخر ما حقه التأخير وهو نظر العقل؛ لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكمًا على الكامل؛
ولأنه خلاف المعقول والمنقول ، ولذلك قال : اجعل الشرع في يمينك والعقل في يسارك، تنبيها على تقدم الشرع على العقل(3) .
ومن قدم العقل على الشرع لزمه القدح في العقل نفسه؛ لأن العقل قد شهد للشرع والوحي بأنه أعلم منه، فلو قدم عليه؛ لكان ذلك قدحًا في
شهادته، وإذا بطلت شهادته؛ بطل قبول قوله، بل إن من قدم العقل على الشرع؛ لزمه القدح في الشرع أيضًا .
يقول الإمام الشاطبي :
أولاً : $إنه لو جاز للعقل تخطي مأخذ النقل، لم يكن الحد الذي حده النقل فائدة، لأن الفرض أنه حد له حدًا ، فإذا جاز تعديه صار الحد غير مفيد،
وذلك في الشريعة باطل، فما أدى إليه مثله .
ثانيًا: ما تبين في علم الكلام والأصول، من أن العقل لايحسن ولا يقبح، ولو فرضناه متعديًا لماحده الشرع، ولكان محسنًا ومقبحًا ، وهذا خلف .
ثالثًا : أنه لو قدم العقل على النقل؛ لجاز إبطال الشريعة بالعقل، وهذا محال باطل.
وبيان ذلك : أن معنى الشريعة أنها تحد للمكلفين حدودًا في أفعالهم ، وأقوالهم، واعتقاداتهم وهو جملة ما تضمنته. فإن جاز للعقل تعدى حد
واحد، جاز له تعدى جميع الحدود؛ لأن ما ثبت للشيء ثبت لمثله ، وتعدى حد واحد هو بمعنى إبطاله ، أي ليس هذا الحد بصحيح، وإن جاز
إبطال واحد، جاز إبطال السائر، وهذا لايقول به أحد، لظهور محاله#(1) فكان تقديم العقل على النقل _ لا لشئ إلا لأنه عقل _ يتضمن القدح في
العقل والنقل _ كما مر وهذا ظاهر لا خفاء فيه .
ويقول الدكتور السباعي _ رحمه الله تعالى _ : ولننظر إلى المسألة من ناحة أخرى. ولنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب ، فنحن
نسأل: أي عقل هذا الذي تريدون أن تحكموه؟
أعقل الفلاسفة ؟ إنهم مختلفون، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه.
أعقل الأدباء؟ إنه ليس من شأنهم ، فإن عنايتهم _ عفا الله عنهم _ بالنوادر والحكايات .
أعقل علماء الطب، أم الهندسة ، أم الرياضيات ؟ مالهم ولهذا؟
أعقل المحدثين؟ إنه لم يعجبكم ، بل إنكم تهمونه بالغباوة والبساطة .
أعقل الفقهاء؟ إنهم مذاهب متعددة، وعقليتهم _ في رأيكم _ لعقلية المحدثين .
أعقل الملحدين؟ إنهم يرون أن إيمانكم بوجود الله ، جهل منكم وخرافة .
أعقل المؤمنين بوجود الله ؟ فنحن نسألكم : عقل أي مذهب من مذاهبهم ترتضون؟
أعقل أهل السنة والجماعة؟ هذا لا يرضى الشيعة، ولا المعتزلة .
أم عقل المعتزلة ؟ إنه لا يرضى جمهور طوائف المسلمين فأي عقل ترتضون(2) ؟
فمجرد الاتفاق على طبيعة العقل الحاكم غير واردة .
يقول ابن قيم الجوزية: $فإن قالوا : إنما تقدم العقل الصريح الذي لم يختلف فيه اثنان على نصوص الأنبياء فقد رموا الأنبياء بما هم أبعد الخلق
منه، وهو أنهم جاءوا بما يخالف العقل الصريح هذا وقد شهد الله وكفى بالله شهيدا، وشهد بشهادته الملائكة وأولوا العلم؛ أن طريقة الرسول e
هي الطريقة البرهانية للحكمة كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُم}(1) . وقال تعالى : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم}(2) فالطريقة البرهانية هي الواردة بالوحي كتابًا وسنة معظمة للرشد داعية إلي الخير ، والطريقة العقلية _ التقليدية
التخمينية هي المأخوذة من رجل _ من يونان _ وضع بعقله قانونا من مقدمتين ونتيجة _ يصحح بزعمه علوم الخلائق وعقولهم، فلم يستفد به
عاقل تصحيح مسألة واحدة في شئ من علوم بنى آدم، بل ما وزن به علم إلا أفسده، وما برع فيه أحد إلا انسلخ من حقائق الإيمان كانسلاخ
القميص عن الإنسان(3) .
ونقول لمن حكموا عقولهم في شرع الله U ، وقدموها عليه: إن تحكيم العقل وهو مخلوق في خالقه بحيث يقولون : يجب عليه بعثه الرسل،
ويجب عليه الصلاح والأصلح، ويجب عليه اللطف، ويجب عليه كذا، وكيف يجوز هذا في حق الله U مما ورد في صفاته وأسمائه جل جلاله _
في كتابه العزيز وسنة نبيه المطهرة؟ وكيف المعجزة؟ وكيف اليوم الآخر ، وما فيه من حساب، وعقاب، وجنة، ونار، وميزان، وصراط،
وشفاعة...؟ إلى آخر ما ينطق به في تلك الأشياء (الإلهيات والنبوات والمعجزات للأنبياء والسمعيات الغيبية) .
نقول: إن قولكم بعقولكم في تلك الأمور _ اعتراضًا _ هذا يجب، هذا يستحيل، كيف هذا . هذا منكم اجتراء على الله U ، وعلى عظمته جل
جلاله ، واعتراض على حكمه وشرعه الحكيم، وتقديم بين يدي الله ورسوله، ومن أجل البارى وعظمه وعظم حكمه وشرعه، لم يجترئ على
ذلك، فلله U الحجة البالغة والحكمة الكاملة، ولا معقب لحكمه ؛ فوجب الوقوف مع قوله تعالى : {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ
أَجْمَعِين}(1) . وقوله تعالى : {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون}(2) . وقوله تعالى : {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِه}(3). ويكفيك في فساد عقل
معارض الوحي قرآنًا وسنة اجتراءه على عصمة ربه U .
فكيف نجعل العقل حاكمًا على شرعه $كتابًا وسنة# ، ونقدمه عليه بعد كل هذا، وكيف نتصور أن الشارع الحكيم يشرع شيئًا يتناقض مع
العقول المحكومة بشرعه الحنيف.
يقول الدكتور السباعي : $من المقرر في الإسلام أنه ليس فيه ما يرفضه العقل، ويحكم باستحالته ولكن فيه _ كما في كل رسالة سماوية _
أمور قد $يستغربها# العقل ولا يستطيع أن يتصورها(4) في (الإلهيات والنبوات والمعجزات والسمعيات) فتلك الأمور فوق نطاق العقل وإدراكه،
وقد يحصل الغلط في فهمها فيفهم منها ما يخالف صريح العقل، فيقع التعارض بين ما فهم من النقل وبين ما اقتضاه صريح العقل، فهذا
لايدفع(5) .
يقول ابن خلدون :$ لأن هذه العقائد متلقاة من الشريعة كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا تعديل عليه ...، فإذا هدانا الشارع
إلى مدرك؛ فينبغي أن نقدمه على مداركنا، ونثق به دونها ، ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه، بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادًا
وعلمًا ، عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلى الشارع، ونعزل العقل عنه#(6) .
ويقول في موضع آخر: $وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح؛ فأحكامه يقينية، لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن
به أمور التوحيد والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الإلهية ، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال... ، ومن يقدم العقل على السمع في
أمثال هذا القضايا، فذلك لقصور في فهمه، واضمحلال رأيه، وقد تبين لك الحق من ذلك#(1) .
وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية : $ إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء؛ لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة . ومن تأمل ذلك
فيما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار؛ وجد ما خالف النصوص الصريحة الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت
نقيضها . فتأمل ذلك في مسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد؛ تجد ما يدل عليه صريح العقل، ونحن نعلم قطعا أن الرسل
لايخبرون بمحالات العقول، وإن أخبروا بمجازات العقول فلا يخبرون بما يحيله العقل(2) .
ونختم قضية التعارض بين العقل والنقل بسؤال افترضه الإمام يحيي بن الحسين القاسم الرسي العلم الثاني من علمى الأئمة الزيدية (ت 298
هـ) قال : $فإن قيل: هل يجوز أن تتضاد حجج الله وتختلف، فما تثبته حجة العقل تبطلها حجة الكتاب والسنة، وما تثبته حجة الكتاب والسنة
تبطلها حجة العقل؟
فإن قال : نعم .ويكون ذلك ويوجد، استغنى عن مناظرته بجهله، واستدل على كفره بذلك، وخالف الخلق أجمعين، وقال بما لم يقل به أحد من
العالمين، وافتضح عند نفسه فلا عن غيره ؛ لأنه يزعم أن حجج الله تتناقض وتتضاد، وما تناقض وتضاد فليس بحجة الله على العباد ....، ولو
تناقضت حججه، لبطلت فرائضه ، ولو بطلت فرائضه ؛ لبطل معنى إرساله للرسل....، فبان بحمد الله، لكل ذي عقل وفهم وتمميز أن من قال
بتناقض حجج الرحمن غير عارف به ولا مقر به، ومن لم يعرف الله جل جلاله فلم يعبده، ومن لم يعبده فقد عبد غيره ومن عبد غيره؛ فهو من
الكافرين، ومن كان الكافرين فقد خرج بحمد الله من حد المؤمنين، فنعوذ بالله من الجهل والعمى ونسأله الزيادة في الرحمة والهدي#(3) .
يقول الإمام البيهقي : $ وعلى الأحوال كلها حديث رسول الله e الثابت عنه : قريب من العقول موافق للأصول، لا ينكره عقل من عقل عن الله
الموضع الذي وضع به رسول الله e ، من دينه، وما افترض على الناس من طاعته، ولا ينفر منه قلب من اعتقد بتصديقه فيما قال واتباعه
فيماحكم به، وكما هو جميل حسن من حيث الشرع، جميل في الأخلاق حسن عند أولى الألباب(1) .
وأخيرًا هل أهمل المتحدثون _ حقًا _ العقل في قبولهم للحديث وتصحيحه كما زعم أعداء السنة النبوية المطهرة؟
هذا السؤال أجاب عنه الشيخ عبد الرحمن المعلمي _ رحمه الله تعالى _ في كتابه الأنوار الكاشفة بقوله : $كلا ، راعوا ذلك في أربعة مواطن
: أولاً: عند السماع ، ثانيًا : عند التحديث ، ثالثًا : عند الحكم على الرواة، رابعًا: عند الحكم على الحديث.
أولاً : أما مراعاة المحدثين للعقل في قبول الحديث ورده عند السماع: فيبدو ذلك واضحًا في اعتمادهم صحة سماع الصبي متى كان مميزًا فاهمًا
للخطاب ورد الجواب، سواء كان ابن خمس، أو أقل، وروى ذلك بعد بلوغه الحلم، ومتى لم يكن العقل فهم الخطاب ، ورد الجواب لم يصح
سماعه حتى قال ابن الصلاح(2): وإن كان ابن خمسين سنة(3) .
ويقول المعلمي في شرح ذلك $فالمثبتون إذا سمعوا خبرًا تمتنع صحته أو تبعد ، لم يكتبوه ولم يحفظوه ، فإذا حفظوه لم يحدثوا به ، فإن ظهرت
مصلحة لذكرة، ذكروه مع القدح فيه وفي الرواي الذي عليه تبعته(4) .
ويقول الأستاذ أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ : المراد بمراعاة العقل عند السماع، فحص التلميذ الواعي وانتباهه لحال الشيخ الرواي، الذي يريد
أن يتلقى عنه، قبل سماعه منه، فإذا وجه سيئ الحفظ ، أو مضطربًا في الحديث أو شديد التدليس عند التحديث ، أو يروى الواهيات، أو
المنكرات، أو يسوق الموضوعات والخرافات، أو يقلب الأسانيد أو المتون ، أو صاحب بدعة تتصل بحديثه، أو لا تتصل: أعرض عن التحمل
عنه، والسماع منه . وكانوا يوغلون ، ويدققون جدًا في البحث عن الشيخ والكشف عن حاله قبل الأخذ عنه، حتى يقال لهم: أتريدون أن
تزوجوه؟ روى الخطيب في الكفاية بسنده إلى : $شاذان الأسود بن عامر _ قال : سمعت الحسن بن صالح يقول : كنا إذا أردنا أن نكتب عن
الرجل سألنا عنه حتى يقال لنا : أتريدون أن تزوجوة؟ #(1) .
وكثير من طلبة الحديث كانوا لايكتبون عن أحد حتى يسألوه عنه أئمة الشأن الذين يعرفون الرواة ، ومن يجوز أن يكتب عنه ، ومن لا يحل
كتب حديثه للاحتجاج أو الاعتبار، فعن أبى العباس بن باذام قال : قال لي والوليد بن مسلم القرشي : وكنت إذا أردت أن آتي الشيخ أسمع منه
شيئًا ، سألت عنه قبل أن آيته الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز، فإذا رأيًا أن أتيه أتيته#(2) ونحو ذلك كثير منتشر في أخبار الراوة
والمحدثين.
وكثيرًا ما كان بعض الطلبة يمتحنون الشيوخ قبل التلقى عنهم، فيقلبون لهم بعض الأسانيد في بعض الأحاديث، ويركبون عليها المتون،
ويسألهم عنها على أنها من أحاديثهم وروايتهم، يفعلون هذا عمدًا: امتحانًا للشيخ قبل السماع منه ، فإن انتبه عرفوا ضبطه ومتانة حفظه
وشدة يقظته ودقة وعيه، وأخذوا عنه، وإن تلقن وأقر : الحديث المقلوب والمغلوط تركوا الرواية عنه .
ومن نماذج مراعاتهم للعقل في قبول الحديث ورده عند السماع.
1_ ما رواه الدارقطنى في سننه عن سفيان بن عيينة قال : دخلت على الحجاج بن أرطاة(3) ، وسمعت كلامه ، فذكر شيئًا أنكرته ، فلم أحمل
عنه شيئًا . وقال يحيى بن سعيد القطان: رأيت الحجاج بن أرطاة بمكة ، فلم أحمل عنه شيئًا #(1) .
2_ وروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله المبارك(2) ، قال : لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله محرر الجزري
الرمى(3) قاضى الرقة _ لاخترت أن ألقاه ، ثم أدخل الجنة ، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلى منه#(4) .
ثانيًا : وأما مراعاة المحدثين للعقل في قبول الحديث ورده عند الحديث _ لا عند السماع والتحمل، فيبدو ذلك واضحًا في اشتراطهم العدالة،
والضبط في صحة قبولهم للحديث، وتصحيحه .
ومن شروط العدالة بعد الإسلام : البلوغ والعقل ، فلا يقبل حديث غير البالغ على الصحيح(5)، ولا المجنون سواء المطبق والمنقطع إذا أثر في
الإفاقة(6) .
وأما الضبط فيعرف بمدى موافقته لأهل الحفظ، فإن وافقهم غالبًا ، ولو أتى بأنقص لا يتغير به المعنى ، أو في المعنى ؛ فهو ضابط محتج
بحديثه، وإن وافقهم نادرًا ، وكثرت مخالفته لهم والزيادة عليهم فيما أتى به؛ فهو مخطئ مغفل، عديم الضبط، لا يحتج بحديثه، وإلى ذلك أشار
الإمام الشافعي _ رحمه الله تعالى _ فيمن تقوم به الحجة؛ فقال: $إذا شارك أهل الحفظ وافق حديثهم#(1) .
ويقول أيضًا : $ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يستدل على
الصدق والكذب فيه، بأن الحديث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالة بالصدق منه#(2) .
وقال الخطيب في الكفاية:$باب وجــوب اطراح المنكر والمستحيل من الأحاديث#(3) يقول الأستاذ عبد الرحمن المعلمي: وفي الرواة جماعة
يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثًا بين البطلان، إلا وجدت في سنده واحدًا أو أثنين أو
جماعة قد جرحهم الأئمة(4) .
يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ : $إن المحدثين الحفاظ المتوسعين في جمع الحديث جرت عادتهم على سماع ما يحدث
به من الأحاديث وما لا يحدث به، لأنه ينفع في وجوه كثيرة من علوم الحديث، ولذلك قالوا وقرروا هذا القاعدة، التى عبر عنها الحفاظ يحيى ين
معين بقوله : $إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش# أى عند تحمل الحديث وتلقيه عن شيوخ الرواية، يجمعون منه ما استطاعوا عن كل شيخ،
ولكن عند تحديثهم يفتشون فيما تحملوه من الأسانيد والمتون، فلا يحدثون إلا بالأسانيد المتصلة بالعدول الثقات الضابطين عن مثلهم، والمتون
الخالية من الشذوذ والعلة .
وما تبين لهم من كذب أو وهم أو بلايا للرواة في الأسانيد، أو الشذوذ ، أو علة في المتنون يمكسون عن التحديث بها، ولا يذكرونها إلا مع
البيان لما في تلك الأسانيد أو المتنون من ضعف وشذوذ، وربما يحرقون هذه الكتب ويقطعونها، وكل هذا تجده مذكورًا في تراجم طائفة كبيرة
من الرواة المجروحين .
ونسوق هنا نموذج من ذلك : جاء في الميزان، وتهذيب التهذيب في ترجمة $خالد بن يزيد بن أبى مالك الدمشقي $قال ابن أبى الحواري#(1) :
سمعت يحيى بن معين يقول: بالشام كتاب ينبغي أن يدفن : $كتاب الديات# لخالد بن يزيد بن أبى مالك . لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب
على الصحابة. قال أحمد بن أبى الحواري. قد كنت سمعت هذا الكتاب من خالد بن يزيد، ثم أعطيته لابن عبدوس العطار، فقطعه وأعطى للناس
فيه الحوائج#(2) .
ثالثًا : وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على الرواة: فهذا يظهر كثيرًا في كتب التراجم، فالأئمة كثيرًا ما يجرحون الراوى بخبر واحد منكر
جاء به فضلاً عن خبرين أو أكثر ، ويقولون : للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد : $منكر# أو $باطل# ، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء،
وكتب العلل والموضوعات والمتثبتون لا يوثقون الراوى حتى يستعرضوا حديثه، وينقدوه حديثًا حديثًا(3) .
رابعًا : وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على متون الأحاديث فهذا واضح في جعلهم من دلائل الوضع في الحديث مخالفته لبدهيات
العقل(4) ، إلا أن ذلك مقيدٌ بعدم إمكان التأويل والمقصود بالتأويل هنا : محاولة التوفيق بين ما ظاهره التعارض بين المنقصول والمعقلو
وبشرط :$ألا يسرح العقل في مجال النظر والتأويل _ وهو يوفق _ إلا بقدر ما يسرحه النقل#(5) .
كما أن العقل مقيد بالمستنير بكتاب الله U ، وسنة نبيه e الثابتة .
وفي ذلك يقول الحكيم الترمذي : $وإنما تعرف، وتنكر العقول التى لها إلى الله سبيل يصل إلى الله ونور الله سراجه والعقل بصيرته ، والحق
خبئته والسكينة طابعه فرجع إلى خلقه والحق عنده أبلج يضئ في قلبه كضوء السراج يقينًا وعلمًا به كما قال ربيع بن خُيثم : $ إن على الحق
نورًا وضوءًا كضوء النهار نعرفه، وإن على الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرة# .
فالمحققون هكذا صفتهم يعرفون الحق والباطل وكذلك وعد الله تعالى المتقين فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا }(1) .
أما العقل المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عقله عن الله U فليس هو المغنى بهذا؛ لأن صدره مظلم، فكيف يعرف الحق؟ وإنما شرط
رسول الله e فقال : $إذا جاءكم عنى حديث تعرفونه، ولا تنكرونه#(2) .
قلت : ومما سبق يتبين لنا أن $قاعدة عرض السنة على العقل# في الحكم على السنة النبوية المطهرة، قاعدة مقررة عند المحدثين والفقهاء،
وطبقوها فعلاً في قبولهم للأحاديث وتصحيحها، إلا أنها مقيدة باستحالة التأويل بالجمع بين ما ظاهره التعارض بين النقل وما استغربه العقل
الواقف عند الحدود التى وضعها له خالقه، فلا يحسن إلا ما حسنه الشرع، ولا يقبح إلا ما قبحه الشرع، ولا يقدم حكمه على حكم رب العباد U
.
وأخيرًا : صدق الفاروق عمر t قال : $ ألا إن أصحاب الرأى أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوا فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا، ألا وإنا
نقتدى ولا نبتدى، ونتبع ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر# وفي رواية قال : $إياكم ومجالسة أصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنة، أعيتهم
السنة أن يحفظوها ، ونسوا الأحاديث أن يعوها، وسئلوا عما لا يعلمون، فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم، فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا كثيرًا، وضلوا
عن سواء السبيل، إن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه الله بالوحي عن الرأي، ولو كــان الرأي أولى من السنة، لكان باطن الخفين أولى
بالمسح من ظاهرهما#(3) .
وقال الحافظ ابن عبد البر : $ومن أعف نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره؛ فهو ضال
مضل، ومن جهل كذلك كله أيضًا وتقحم في الفتوى بلا علم ؛ فهو أشد عمى وأضل سبيلاً ... واعلم يا أخي : أن القرآن والسنة هما أصل الرأى
... ومن جهل الأصل لم يصل الفرع أبدًا#(1) أ. هـ .
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم











































المطـــلب الثالث

وفيه الشبه الآتية :
أولاً : شبهة النهى عن كتابة السنة المطهرة والرد عليها .
ثانيًا : شبهة التأخر في تدوين السنة المطهرة والرد عليها.
ثالثًا : شبهة رواية الحديث بالمعنى والرد عليها .
رابعًا : شبهة أن الوضع وكثرة الوضاعين للحديث أضعفت الثقة بالسنة النبوية.
والرد عليها .







أولاً : شبهة النهى عن كتابة السنة المطهرة

وفيما ما يلى :
أ _ استعراض الشبهة وأصحابها والرد عليها بما يلي:
أولاً : ذكر نماذج من الأحاديث والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة النبوية .
ثانيًا : بيان درجة الأحاديث والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة النبوية .
ثالثًا : الجواب عن زعمهم بأن النهى يدل على عدم حجية السنة النبوية .
رابعًا : بيان علة النهى عن كتابة السنة كما وردت في الأحاديث والآثار التى استشهد بها خصوم السنة على شبهتهم .
ب _ بيان علة النهى عن كتابة السنة عند أعدائها والرد على مزاعمهم الآتية :
أولاً : أن النهى عن كتابة السنة المطهرة يدل على أن النبي e وأصحابه t أرادوا ألا يكون مع كتاب الله U كتاب آخر .
ثانيًا : أن النهى يدل على أن النبي e وأصحابه t أرادوا ألا تكون السنة دينًا عامًا دائمًا كالقرآن الكريم .
ثالثًا : أن النهى عن الإكثار من التحديث دليل على أن الصحابة t كانوا يجتهدون في مقابل السنة الشريفة ولا يأخذون بها .
رابعًا : أن النهى عن الإكثار من الرواية يدل على حجية السنة، واتهام على من أبى بكر وعمر t للصحابة بالكذب .






شبهـــة النهــــى عن كتــــابة الســــنة
استعراض الشبهة وأصحابها
تتخلص هذه الشبهة في زعم المستشرقين وذيولهم من أعداء السنة : أن السنة النبوية لو كانت حجة لأمر النبي e بكتابها ، ولعمل الصحابة
والتابعون t أجمعين من بعده على جمعها وتدوينها ، حتى يحصل القطع بثبوتها بكتابتها كما هو الشأن في القرآن الكريم، ولكن الثابت أن النبي
e _ نهى عن كتابتها، وأمر بمحو ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون، ولم يقتصر الأمر منهم على ذلك، بل امتنع بعضهم عن
التحديث ، أو قلل منه، ونهى الآخرون عن الإكثار منه .
واستدل بتلك الشبهة بعض غلاة الشيعة حيث ذهبوا إلى عدم صحة النهى عن كتابة السنة النبوية من النبي e ، وسقم قول من يقول بذلك
والذهاب إلى أن النهى عن كتابة السنة والمنع من التحديث بها كان نابعًا من موقف سياسى اتخذه الخليفة أبو بكر ، ثم عمر ، ومن بعده
الخلفاء للحد من نشر فضائل أهل البيت، وتخوفًا من اشتهار أحاديث الرسول e في فضل على وأبنائه ما دل على إمامتهم. مضافًا إلى مساس
هذا التحديث بأصل مشروعية خلافتهم .
وأن روايات منع الكتابة إنما اختلفت في وقت متأخر لتبرير منع الشيخين أبى بكر وعمر_ رضى الله عنهما _ ومن حذا حذوهما .
وعلى أساس هذه الشبهة بنى على الشهرستاني(1) كتابه $منع تدوين الحديث أسباب ونتائج#(2) ، وكذا مرتضى العسكري(3) في كتابه (
معالم المدرستين)(4) ، وزكريا عباس داود(5) في كتابه $تأملات في الحديث عند السنة والشيعة(6) ، ومروان خليفات(1) في كتابه (وركبت
السفينة)(2) وغيرهم من أعداء السنة(3) .
واتفق المستشرقون مع الشيعة في عدم صحة النهى عن كتابة السنة في أول الأمر في عهد النبوة المباركة، بناءً على رأيهم في السنة النبوية
بأنها وضعت على النبي e ونسبت إليه، مما هي إلا نتيجة للتطور الديني، والسياسي، والاجتماعي للمسلمين(4) .
وقد تزعم هذه الفرية صنمهم الأكبر $جولدتسيهر# ، والذي ذهب إلى أن الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة السنة، والأحاديث الأخرى التى
تحث على كتابتها ، ما هي إلا أثر من آثار تسابق أهل الحديث في جانب وأهل الرأى في جانب آخر، إلى وضع الأقوال المؤيدة لنزعيتهم
المتناقضتين . فأهل الحديث يذهبون إلى كتابة السنة؛ لتكون دليلاً على صحتها والاحتجاج بها . فيقول : $ إن الجميع متفقون على أنه لا يمكن
إنكار أن تدوين الأحاديث كان له خصوم، وهذه الكراهية للكتابة لم تكن موجودة منذ البداية، ولكنها نشأت بسبب التحامل الذي ظهر فيما بعد(5)
ويقول في موضع آخر: $ وفي هذا الموضوع هنالك مجموعتان من الآراء في حالة تناقض، ولكي نبين ذلك لابد لنا من الرجوع إلى حقب
زمنية مبكرة من هذا النزاع .
وللفريقين آراؤهما الخاصة، وقد سيقت في صورة أحاديث نبوية، فيروى أحد الفريقين قول النبي e : $لا تكتبوا عنى شيئًا سوى القرآن، ومن
كتب شيئًا فليمحه#(6) بينما يروى ابن جريج من الفريق الثاني حديثًا عن ابن عمرو؛ أنه سأل النبي e : $هل أقيد العلم؟# فوافقه النبي e على
ذلك، وعندما سئل عن معنى تقييده أجاب بأنها الكتابة(7)

.(1) الآية 165 من سورة النساء .
(2) الموافقات 2/ 360 وانظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام ابن عبد السلام 1/ 5 _ 10 .
(3) الاعتصام للشاطبي 2/ 568 .
(1) الموافقات 1/ 78 ، 79، وانظر : مختصر الصواعق المرسلة 1/ 110.
(2) السنة ومكانتها في التشريع 39 ، 40 .
(1) الآية 174 من سورة النساء .
(2) الآية 113 من سورة النساء.
(3) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 112 ، 113 بتصرف .
(1) الآية 149 من سورة الأنعام .
(2) الآية 23 من سورة الأنبياء.
(3) الآية 41 من سورة الرعد .
(4) السنة ومكانتها في التشريع ص 34 بتصرف يسير .
(5) انظر : أمثلة على ذلك مما رفضوه بعقولهم والرد عليهم في الباب الثالث حديث رؤية الله U 2/ 219-229، وحديث عذاب القبر ونعيمه
2/ 282-294 ، وانظر أيضًا :حديث الذباب 2 / 342-353.
(6) المقدمة لابن خلدون الفصل الحادي عشر، في علم الإلهيات ص 548 بتصرف يسير.
(1) المصدر السابق الفصل العاشر في علم الكلام، ص 509 بتصرف يسير.
(2) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 114 وما بعدها .
(3) رسائل العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة 2/ 301 _ 303 بتصرف . وانظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية 1/ 114 _
130 ، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 1/ 171، وانظر : ما سبق في الجواب عن شبهة عرض السنة على القرآن ص 236-239 .
(1) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 41 .
(2) ابن الصلاح : هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي، أبو عمرو، كان من أعلام الدين، وأحد