عرض مشاركة واحدة
قديم 25-09-17, 09:13 PM   رقم المشاركة : 4
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


سمات الوسطية :

– السماحة ورفع الحرج :

فالوسطية والاعتدال هي سمة الشريعة الإسلامية بنص القرآن ، فهذه الشريعة متسمة بأنها شريعة السماحة ورفع الحرج ، قال الله – جل وعلا – : ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [ الحج : 78 ] وقال أيضا : ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ﴾ [ المائدة : 6 ] .

– العدل :

ومن سماتها أنها شريعة العدل في الأحكام والتصرفات ؛ ولذلك كانت وسطًا . فالعدل في الأحكام والتصرفات يوجب الوسطية لأن غير ذي الوسط لا بد أن يكون في سلوكه إما إلى تفريط وإما إلى إفراط .

– موافقة العقل السليم :

من سمات المنهج الوسطي الذي هو منهج الشريعة أن هذا المنهج موافق للشرع ، ثم إن هذا المنهج موافق للعقل السليم . فالشرع الصحيح بنصوصه وقواعده واجتهادات العلماء فيه يدعو إلى الوسطية والاعتدال وينهى عن الغلو والمبالغة . وكذلك مقتضيات العقل السليم فإن حياة الناس لا تستقيم إلا بهذه الوسطية ، فإن الانحراف عن الجادة بغلو أو جفاء لا يكون معه العيش مستمرًا وَفْق مصالح الناس . فمصالح الناس تقتضي عقلاً ومنطقًا أن يكون هناك منهج متوسط يجتمعون عليه ، ويدافعون عنه لأن كلا طرفي الأمور ذميم كما قال الشاعر :

وَلَا تَغْلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ وَاقْتَصِدْ . . . كِلاَ طَـرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُـورِ ذَمِيـمُ( [1] )

– الاعتماد على العلم والبعد عن الأهواء :

من سماتها أيضًا أن الوسطية والاعتدال يبرآن من الهوى ويعتمدان على العلم الراسخ . والعلم إما أن يكون نصًا من كتاب أو سنة ، أو يكون قولاً لصحابي فيما لم يرد فيه النص ، أو يكون من اجتهادات أهل العلم الراسخين في ذلك . فاعتماد الوسطية على العلم الراسخ الصحيح مظهر من مظاهرها وسمة من سماتها .

– مراعاة القدرات والإمكانات :

من سمات الوسطية أنها تراعي القدرات والإمكانات ، فليس صاحب الوسطية مُعجِّزًا للناس في طلباته ، أو ذاهبًا إلى خيالات في آرائه وتنظيراته .

كثير من الناس أصحاب تنظيرات ، وأصحاب خيالات ، وهؤلاء يبتعدون عن الوسطية المرادة ، لأن الوسطية والاعتدال تؤثر في حياة الناس واقعًا ملموسًا ، وهذا يعني أن تراعى في ذلك القدرات والإمكانات ، سواء كانت قدرات الأفراد أو قدرات المجتمع أو قدرات الدولة الخاصة بالبلد ، أم القدرات المتعلقة بالأوضاع العالمية .

– مراعاة الزمان والمكان وطبيعة الناس :

كذلك من سمات الوسطية والاعتدال مراعاة الزمن والناس ، فالزمن يتغير ، والناس أيضًا يحتاجون إلى تجدد باعتبار الزمن وباعتبار التغير ، فمحافظتهم على المنهج الوسطي يقتضي أن يكون هناك مراعاة لاختلاف الأزمنة ولاختلاف الأمكنة ولاختلاف الناس .

ولهذا نص أهل العلم على أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والوقائع والأحوال والناس .

أسباب اختيار منهج الوسطية والاعتدال :

لماذا نذهب إلى الوسطية ؟ هل لعلاج مشكلة قامت أم لإيجاد حلول لمشكلات أم لغير ذلك ؟

نختار الوسطية والاعتدال ؛ لأن الله – جل وعلا – أمر بها . كما أمر بها رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، فهي مأمور بها . ويجب على الناس أن يمتثلوا المأمور وأن يجتنبوا ما لم يؤمر به في المناهج والأفكار .

ثم لأن الوسطية حق ، ولأن غيرها باطل ، ولأن الوسطية – وهذا هو العامل الثالث – بريئة من الأهواء ، فغالبًا ما يكون طرفا الجهتين إما الغلو وإما الجفاء ، إما التفريط وإما الإفراط ، فيكون ثم هوى يحركه . أما الوسط والاعتدال المبني على العدل والحق ، فإنه يبرأ من الهوى ، ونحن مأمورون أن نبرأ من الهوى ، وأن نسعى في تجنب أثره على النفس في الفكر والحكم والتحاكم قال الله – جل وعلا – : ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [ الفرقان : 43 ] .

ونلجأ إلى الوسطية أيضًا لكون الوسطية موصلة إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الدين والدنيا ، ومعلوم أننا نحتاج لتحقيق الشريعة أن نرعى مقاصد الشريعة ، وأن نحقق مقاصد الشريعة في الناس ، فالشريعة جاءت لتحكم في الناس ، ولتكون حياة الناس على ضوئها ، ولم تأت الشريعة لتكون نظريات يُباهَى بها ، أو تكون خيالات يفتخر الناس بها دون أن تكون تطبيقًا لواقع ، تطبيقًا في الواقع بأحكامها ومُثُلها وعقائدها . لذلك فالوسطية والاعتدال – على نحو ما ذكرنا – موصلة إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الدين والدنيا معًا .

ونختار الوسطية أيضًا لأن الوسطية أبعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن . فالفتن في تاريخ الإسلام منذ أن نبع وظهر المعترض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوله : « اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ » فرد عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله : « وَيْلَكَ ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ » ( [2] ) .

وهذه الوسطية منذ ذلك الحين مرورًا بخروج الخوارج والفرق الضالة إلى أن وصلنا إلى هذا الوقت بما فيه إلى أن حصلت التفجيرات الأخيرة وما فيها من أفكار وما فيها من غلو وتكفير وجفاء لهذا كله نختار الوسطية ، ولأنها مبعدة عن الفتن ما ظهر منها وما بطن .