عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-10, 08:34 AM   رقم المشاركة : 2
العصار1
موقوف







العصار1 غير متصل

العصار1 is on a distinguished road


إنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم ، والمتسالم عليه بينهم ، هو القول بعدم التحريف في القرآن الكريم ، وقد نصّوا على أنّ الذي بين الدفّتين هو جميع القرآن المُنْزَل على النبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم دون زيادة أو نقصان ، ومن الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدةٍ أو قولٍ إلى طائفةٍ من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وباعتماد مصادرها المعتبرة ، وفيما يلي نقدّم نماذج من أقوال أئمة الشيعة الاِمامية منذ القرون الاُولى وإلى الآن ، لتتّضح عقيدتهم في هذه المسألة بشكل جلي :
1 ـ يقول الاِمام الشيخ الصدوق ، محمّد بن علي بن بابويه القمي ، المتوفّى سنة (381 هـ) في كتاب (الاعتقادات) : «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم هو مابين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب» (1).
2 ـ ويقول الاِمام الشيخ المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، المتوفّى سنة (413 هـ) في (أوائل المقالات) : «قال جماعة من أهل الاِمامة : إنّه لم ينقص من كَلِمة ولا من آية ولا من سورة ، ولكن حُذِف ما كان مثبتاً في
____________
(1) الاعتقادات : 93 .
( 24 )
مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وعندي أنّ هذا القول أشبه ـ أي أقرب في النظر ـ مِن مقال من أدّعى نقصان كَلِمٍ من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل» (1) .
وفي (أجوبة المسائل السروية) ، قال : «فان قال قائل : كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولانقصان ، وأنتم تروون عن الاَئمّة عليهم السلام أنّهم قرأوا «كنتم خير أئمّة أُخرجت للناس» ، «وكذلك جعلناكم أئمّة وسطاً» . وقرأوا «يسألونك الاَنفال» . وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟
قيل له : إنّ الاَخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لايُقْطَع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ، ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر ، على ما أُمِرنا به (2)حسب مابيّناه مع أنّه لايُنْكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين ، أحدهما : ما تضمّنه المصحف ، والثاني : ما جاء به الخبر، كما يعترف به مخالفونا من نزول القرآن على أوجهٍ شتّى» (3).
3 ـ ويقول الاِمام الشريف المرتضى ، عليّ بن الحسين الموسوي ، المتوفّى سنة (436 هـ) في (المسائل الطرابلسيات) : «إنّ العلم بصحّة نقل القرآن ، كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام ، والكتب
____________
(1) أوائل المقالات : 55 .
(2) روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : «اقرءوا كما عُلّمتم...» ، وقال عليه السلام : «اقرءُوا كما يقرأ الناس».
(3) المسائل السروية : 83 تحقيق الاستاذ صائب عبدالحميد .
( 25 )
المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يَبْلُغه في ما ذكرناه ‎؛ لاَنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والاَحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟!
وقال أيضاً : إنّ العلم بتفضيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ماعُلِم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها مايعلمونه من جملتها ، حتّى لو أنّ مُدْخِلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً ليس من الكتاب لُعرِف ومُيّز ، وعُلِم أنّه مُلْحَقٌ وليس من أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلومٌ أنّ العناية بنقل القرآن وضبطهِ أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء» .
وذكر : «أنّ من خالف في ذلك من الاِمامية والحشوية لايعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضافٌ إلى قومٍ من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لايرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته»(1)
وذكر ابن حزم أنّ الشريف المرتضى كان يُنكر من زعم أنّ القرآن بُدّل ، أو زيد فيه ، أو نُقِص منه ، ويكفّر من قاله ، وكذلك صاحباه أبو يعلى
____________
(1) مجمع البيان 1 : 83 .
( 26 )
الطوسي وأبو القاسم الرازي (1).
4 ـ ويقول الاِمام الشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن ، المعروف بشيخ الطائفة ، المتوفّى سنة (460 هـ) في مقدمة تفسيره (التبيان) : «المقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لاَنّ الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الاَليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى رحمه الله ، وهو الظاهر من الروايات ، غير أنّه رُويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيءٍ من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لاتُوجِب علماً ولا عملاً ، والاَولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها ، لاَنّه يمكن تأويلها ، ولو صَحّت لماكان ذلك طعناً على ماهو موجودٌ بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلومٌ صحّته لايعترضه أحدٌ من الاَُمّة ولا يدفعه» (2).
5 ـ ويقول الاِمام الشيخ الطبرسي ، أبو علي الفضل بن الحسن المتوفى سنة (548 هـ )، في مقدمة تفسيره (مجمع البيان) : «ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فانّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمعٌ على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ؛ والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى ، واستوفى الكلام فيه غاية
____________
(1) الفصل في الملل والنحل 4 : 182 .
(2) التبيان 1 : 3 .
( 27 )
«الاستيفاء»(1) .
6 ـ ويقول الاِمام العلاّمة الحلي ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر ، المتوفّى( سنة 726 هـ) في (أجوبة المسائل المهناوية) حيثُ سُئل ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز ، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيءٌ ، أو زِيد فيه ، أو غُيِّر ترتيبه ، أم لم يصحّ عندهم شيءٌ من ذلك ؟
فأجاب : «الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعْتَقَد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنّه يُوجِب التطرّق إلى معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المنقولة بالتواتر» (2).
7 ـ ويقول الاِمام الشيخ البهائي ، محمد بن الحسين الحارثي العاملي ، المتوفّى سنة 1030 هـ ، كما نقل عنه البلاغي في (آلاء الرحمن) : «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظٌ عن التحريف ، زيادةً كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع ، مثل قوله تعالى (يا أيُّها الرسولُ بَلّغ ما أُنْزِل إليكَ ـ في عليّ ـ ) وغير ذلك ، فهو غير معتبرٍ عند العلماء» (3).
8 ـ ويقول الاِمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفّى سنة (1228 هـ ) في (كشف الغطاء) : «لا ريب في أنّ القرآن محفوظٌ من النقصان بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح الفرقان ، واجماع العلماء في جميع
____________
(1) مجمع البيان 1 : 83 .
(2) أجوبة المسائل المهناوية : 121 .
(3) آلاء الرحمن 1 : 26 .
( 28 )
الاَزمان ، ولاعبرة بالنادر ، وما ورد في أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولاسيّما مافيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه ، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفّر الدواعي عليه ، ولا تّخذه غير أهل الاِسلام من أعظم المطاعن على الاِسلام وأهله ، ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه» (1).
9 ـ ويقول الاِمام المجاهد السيد محمد الطباطبائي ، المتوفّى سنة (1242 هـ) في (مفاتيح الاُصول) : «لاخلاف أنّ كل ماهو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه ، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه فكذلك عند محقّقي أهل السنة ، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لاَنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم ، والصراط المستقيم ، ممّا توفّرت الدواعي على نقل جمله وتفاصيله ، فما نقل آحاداً ولم يتواتر ، يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً» (2).
10 ـ ويقول الاِمام الشيخ محمد جواد البلاغي ، المتوفّى سنة (1352 هـ ) في (آلاء الرحمن) : «ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تُقِم لتلك الروايات وزناً ، وقلَّ ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في مروياتها الواهية من الوهن، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شَبَه به»(3).

____________
(1) كشف الغطاء : 229 .
(2) البرهان للبروجردي : 120 .
(3) آلاء الرحمن 1 : 18 .
( 29 )
11 ـ ويقول الاِمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ، المتوفّى سنة( 1373 هـ) في (أصل الشيعة وأصولها) : «إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين ، هو الكتاب الذي أنزله الله إليه صلى الله عليه وآله وسلم للاعجاز والتحدّي ، ولتعليم الاَحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم ، أو من غيرهم من فرق المسلمين ، إلى وجود نقصٍ فيه أو تحريفٍ ، فهو مخطئ، يَرُدّهُ نص الكتاب العظيم ( إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر15: 9).
والاَخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ، ضعيفة شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فأمّا أن تُؤوّل بنحوٍ من الاعتبار أو يُضْرَب بها الجدار» (1).
12 ـ ويقول الاِمام السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة (1377 هـ) ، في (أجوبة مسائل جار الله) : «إنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم ، متواترٌ من طُرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام ، لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوهٌ ، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى ، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه . وظواهر القرآن الحكيم ، فضلاً عن نصوصه ، أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الاَولية من مذهب الاِمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترةٌ من طريق العِترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمتهم عليهم السلام .

____________
(1) أصل الشيعة وأُصولها : 101 ـ 102 ط15 .
( 30 )
وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ماهو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ ، ولا تقديمٍ ولا تأخيرٍ ، ولا تبديلٍ ولا تغيير» (1).
13 ـ ويقول الاِمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى سنة 1413 هـ ، في (البيان في تفسير القرآن) : «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأنَّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد صرح بذلك كثير من الاَعلام ، منهم رئيس المحدثين الشيخ الصدوق محمد بن بابويه ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الاِمامية» (2).

-----------------------------------------------------------
-فيما يلي نعرض بعض الشبهات التي روّجها البعض متشبثاً بها للدلالة على وقوع التحريف ، وسنبيّن وجوه اندفاعها :
الأَِولى : أنّه كان لاَمير المؤمنين عليّ عليه السلام مصحف غير المصحف الموجود ، وقد أتى به إلى القوم فلم يقبلوا منه ، وكان مصحفه مشتملاً على أبعاض ليست موجودة في القرآن الذي بين أيدينا ، ممّا يترتّب عليه أنّ المصحف الموجود ناقصٌ بالمقارنة مع مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا هو التحريف الذي وقع الكلام فيه .
نقول : نعم ، تفيد طائفةٌ من أحاديث الشيعة وأهل السنة أنّ علياً عليه السلام اعتزل الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليجمع القرآن العظيم ، وفي بعض الروايات : أنّ عمله ذاك كان بأمر الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأنّه عليه السلام قال : « لاأرتدي حتّى أجمعه » ، وروي أنّه لم يرتدِ إلاّ للصلاة حتّى جمعه (1).
ولكن أعلام الطائفة يذكرون بأنّ غاية ماتدلّ عليه الاَحاديث أنّ مصحف علي عليه السلام يمتاز عن المصحف الموجود بأنّه ، كان مرتّباً على حسب النزول ، وأنّه قدّم فيه المنسوخ على الناسخ ، وكتب فيه تأويل بعض الآيات وتفسيرها بالتفصيل على حقيقة تنزيلها ، أي كتب فيه التفاسير المنزلة تفسيراً من قبل الله سبحانه ، وأنّ فيه المحكم والمتشابه ،
____________
(1) أُنظر: شرح ابن أبي الحديد 1 : 27 ، الاتقان 1 : 204 ، أنساب الاشراف 1 : 587 ، الطبقات الكبرى 2 : 338 ، مناهل العرفان 1 : 247 ، كنز العمال 2 : 588 | 4792 .
( 48 )
وأنّ فيه أسماء أهل الحقّ والباطل ، وأنّه كان بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ علي عليه السلام ، وأنّ فيه فضائح قومٍ من المهاجرين والاَنصار ، وجميع هذه الاختلافات لا توجب تغايراً في أصل القرآن وحقيقته .
وأهمّ ما في هذه الاختلافات هو الزيادة التي كانت في مصحفه عليه السلام والتي يخلو عنها المصحف الموجود ، وهذه الزيادة قد تكون من جملة الاحاديث القدسية والتي هي وحي وليست بقرآن ، كما نصّ عليه الشيخ الصدوق في (الاعتقادات) (1). وقد تكون من جهة التأويل والتفسير وليست من أبعاض القرآن .
قال الشيخ المفيد رحمَهُ الله في (أوائل المقالات) : «ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان مثبتاً منزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى : (ولاتعْجَل بالقُرآنِ مِن قَبْل أن يُقْضى إليْكَ وَحْيُه وَقُلْ رَبِّ زِدْني عِلماً) (طه 20: 114) فيسمّى تأويل القرآن قرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف»(2).
وقال السيد الخوئي : «إنّ اشتمال قرآنه عليه السلام على زيادات ليست في القرآن الموجود ، وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّه لا دلالة في ذلك على أنّ هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أُسقطت منه بالتحريف ، بل الصحيح أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل ، وما يؤول إليه الكلام ، أو
____________
(1) الاعتقادات : 93 .
(2) أوائل المقالات : 55 .
( 49 )
بعنوان التنزيل من الله تعالى شرحاً للمراد» (1).
وخلاصة القول أنّ الادّعاء بوجود زيادات في مصحف عليّ عليه السلام هي من القرآن ادِّعاءٌ بلا دليل وهو باطل قطعاً ، ويدلّ على بطلانه جميع ماتقدم من الاَدلة القاطعة على عدم التحريف في القرآن .
الثانية : أنّ بعض الاَحاديث تفيد أنّ القرآن الكريم على عهد الاِمام المهدي عليه السلام يختلف عمّا هو عليه الآن ، ممّا يفضي إلى الشكّ في هذا القرآن الموجود ، ومن هذه الروايات :
1 ـ ما رواه الفتّال والشيخ المفيد ، عن أبي جعفر عليه السلام : « إذا قام القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضرب فساطيط لمن يُعلّم الناس القرآن على ما أنزله الله عزّ وجل ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ؛ لاَنّه يخالف فيه التأليف»(2)
وروى نحوه النعماني في الغيبة (3).
2 ـ ما رواه الكليني في (الكافي) عن سالم بن سلمة ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : « إذا قام القائم قرأ كتاب الله عزّ وجل على حدّه ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام » (4).

هذان الحديثان وسواهما ممّا اعتمده القائلون بهذه الشبهة جميعها
____________
(1) البيان في تفسير القرآن : 223 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 386 تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، روضة الواعظين : 265 .
(3) غيبة النعماني : 318 و 319 .
(4) الكافي 2 : 633 | 23 .
( 50 )
ضعيفة ، وإذا تجاوزنا النظر في أسانيدها نقول : لعلّ السرّ في تعليمه الناس القرآن هو مخالفة مصحفه عليه السلام للمصحف الموجود الآن من حيث التأليف، كما تدلّ عليه الرواية المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام ، أو مخالفته من حيث الخصائص والميزات المذكورة في مصحف علي عليه السلام كما تدلّ عليه الرواية الثانية ، فعندئذٍ يحتاج إلى تفسيره وتأويله على حقيقة تنزيله، فهذه الشبهة مبتنيةٌ إذن على الشبهة السابقة ، ومندفعةٌ باندفاعها ، إذ إنّ القرآن في عهده (صلوات الله عليه) لا يختلف عن هذا القرآن الموجود من حيث الاَلفاظ ، وإنمّا الاختلاف في الترتيب ، أو في الزيادات التفسيرية ، كما تقدّم بيانه في الشبهة الاَُولى .
الثالثة : أنّ التحريف قد وقع في التوراة والانجيل ، وقد ورد في الاَحاديث عن النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «يكون في هذه الاَُمّة كلّ ماكان في بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل ، وحذو القذّة بالقذّة» (1). ونتيجة ذلك أنّ التحريف لابدّ من وقوعه في القرآن الكريم كما وقع في العهدين ، وهذا يوجب الشكّ في القرآن الموجود بين المسلمين ، وإلاّلم يصحّ معنى هذه الاَحاديث .
وقد أجاب السيد الخوئي عن هذه الشبهة بوجوه ، منها :
1 ـ إنّ الروايات المشار إليها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً .
2 ـ إنّ هذا الدليل لو تمّ لكان دالاً على وقوع الزيادة في القرآن أيضاً ، كما وقعت في التوراة والانجيل ، ومن الواضح بطلان ذلك .

____________
(1) الفقيه 1 : 203 | 609 .
( 51 )
3 ـ إنّ كثيراً من الوقائع التي حدثت في الاَُمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الاَُمة ، كعبادة العجل ، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة ، وغرق فرعون وأصحابه ، وملك سليمان للانس والجنّ ، ورفع عيسى إلى السماء، وموت هارون وهو وصيّ موسى قبل موت موسى نفسه.. وغير ذلك ممّا لا يسعنا إحصاؤه ، وهذا أدلّ دليل على عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات ، فلابدّ من إرادة المشابهة في بعض الوجوه (1)، وبهذا الوجه اكتفى السيد الطباطبائي في تفسير الميزان (2).

____________
(1) البيان في تفسير القرآن : 221 .
(2) تفسير الميزان 12 : 120 .