عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-11, 03:49 AM   رقم المشاركة : 1
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


ملف تحليل الشخصية الايرانية / الفارسية / الشيعية الاثنى عشرية

طبيعة الشخصية الإيرانية وعلاقتها بترسيخ الثيوقراطية في إيران ج 1

كَتَبَ: سمير عبيد


2010/02/11

في إيران... أصبحت السلطة غاية، والثورة ذريعة يتم تجديدها عند الحاجة.
انه استعمال جديد لشعار ليون تروتسكي القائد البلشفي الذي قاد المذبحة ضد العمال في "كرونشطاد" وهو ميناء روسي شهد قمع أول تحرّك عمالي عام 1921 بعد انتصار ثورة العمال على روسيا القيصرية وتأسيس الاتحاد السوفييتي.

"تجديد الثورة من أجل ترسيخ السلطة" ليؤول الأمر الذي يرفع من شأن اللادولة في النهاية، ويتجاوز الإطار المذهبي الشيعي، إلى الإطار القومي الفارسي، متمثلا في ـ ولاية الفقيه والراديكالية الدينية / العسكرية. ففي إيران هناك مزاوجة بين الراديكالية وعسكرها من أجل حماية ولاية الفقيه.

إن تركيز النظام الإيراني على الثورة ضد الاستبداد الامبريالي وقوى الاستكبار، ورفع شعارات نصرة المستضعفين في الشرق والغرب والعالم، ودعم الحركات التحررية في العالم من خلال "تصدير الثورة"، ونصرة القضية الفلسطينية، في حقيقة الأمر برمته تكتيكا ذكيا يعطي للنظام الإيراني صفة الأممية والثورة من أجل إسعاد المستضعفين وتطوير ظروفهم وبدون مقابل، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فالإستراتيجية الحقيقية هي إقرار مبدأ "ولاية الفقيه" وعلى مراحل في دول الجوار، والتوسع لحلم تحقيق إمبراطورية إيران العظمى من خلال زرع الخلايا النائمة وإذكاء الفتنة الطائفية، وتقويض التعايش السلمي بين المذاهب، ودعم حركات التمرد والتنظيمات السرية ضد الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، وأن من يدير ويوجه هذا ليس بالضرورة أن يكون المرشد أو الشيخ رفسنجاني أو مراجع حوزة قم، ففي إيران هناك مرجعيات سياسية وعسكرية ودينية متداخلة ببعضها البعض، ولكل مرجعية دوائرها الخاصة، والتي تعمل من أجل تحقيق ( الحلم الإمبراطوري) ومن خلال كافة الأساليب، مع الاتفاق على حماية المصالح الإيرانية العليا، وهي كالطريقة في إسرائيل، بحيث تجد الخلافات والتشابك بين أجهزتها والجدل بين ساستها ولكن هناك أتفاق متفق عليه وهو حماية إسرائيل والعمل من أجلها.

انقلاب النظام والثورة على نفسيهما

فاليوم هناك تحالف بين السلطة العسكرية متمثلة في الحرس الثوري، والباسيج، والفرق الانتحارية من جهة، والنظام الثيوقراطي (حكم رجال الدين) في إيران من جهة أخرى، فالحرس الثوري أقصى الإصلاحيين والمحافظين معا، وزحف على البنوك ودوائر الاقتصاد والبورصة وهيمن على أغلب أركانها، ثم زحف إلى الدبلوماسية (وزارة الخارجية) وأندس فيها بشكل كبير، ومن ثم سرّح عشرة آلاف كادر من البيروقراط والتكنوقراط المشكوك في ولائهم للحكم أي للنظام، وزحف من خلال المؤسسة العسكرية وتأييد رجال الدين في طهران وحوزة قم وعلى رأسهم آية الله مُتَّقي مصباح يزدي، واستكمل سيطرته على السلطة، ولكنه اضطر الإبقاء على "الفقيه" كرمز لولاية الفقيه، وكذلك كرمز لهوية النظام، ومن ثم كي لا يُقال بأن هذا الزحف بالضد من ولاية الفقيه ولب الثورة، والغرض هنا هو استعادة زخم الثورة في عهد الأمام الخميني في الداخل، واستئناف تصديرها إلى الخارج، فما حصل ويحصل هو عملية انقلاب النظام والثورة على نفسيهما من أجل زيادة أصوليتهما وراديكاليتهما!

أي ببساطة شديدة هناك في إيران عودة إلى الوراء، أي العودة إلى السنوات التي تلت نجاح الثورة عام 1979 وعلى أساس هذه العودة تم رسم السياسات الداخلية والخارجية، وهذا بحد ذاته يُحتم وجود عدو محتمل ومهدد لإيران، ويدور حوله أعداء آخرين، والكل يُخطط لتدمير النظام والوطن والشعب في إيران، وهذا ما يريد تصديره النظام نحو الداخل الإيراني، والهدف الأصلي من هذا هو توحيد الشعب الإيراني ضد هذا الخطر وخلف النظام، لأن الشخصية الإيرانية وعلى مر التاريخ تتميز بحالة من التوجس المستمر على الصعيدين الداخلي والخارجي، ففي الداخل ثمة توجس من القوميات المنافسة، ومن السلطة السياسية، ومن السلطة الدينية، وفي الخارج توجس من أخطار خارجية مستمرة حقيقية حينا، وموهومة أحيانا أخرى، وهذا التوجس خلق في تلك الشخصية حالة الانغلاق والانكفاء الذاتي على قيم ومفاهيم تلامس حقب سالفة.

إستراتجية تأليه وتقديس الحاكم

أتسمت الشخصية الإيرانية بميل شديد نحو تاليه الحاكم، وخلق حالة من القدسية والمجد حوله، وهذا ما أنتقل أخيرا نحو العراق، والسبب لأن معظم القادة العراقيين، ورجال الدين الذي دخلوا العملية السياسية في العراق نهلوا فكرهم وثقافتهم وطباعهم من البيئة الإيرانية نتيجة الهجرة والمصاهرة والانغماس في ثقافتها ومدارسها وحوزاتها، والسبب في هذا لأن تركيب إيران القومي المتنوع وبيئاتها المتباينة دفعت بالمؤسسة الحاكمة ـ دينية أم سياسية ـ إلى إضفاء صفات مطلقة على الحاكم المركزي لإيران، ليكون رمزا لوحدتها يعلو على ذلك التنوع، ومطمحا لآمالها يتجاوز ذلك الواقع المتباين.

ومن هنا نرى الالتفاف الفظيع حول المرشد والذي يمثل الولي الفقيه ليكون فوق حالة التباين، ومن ثم يكون لولبا ورمزا للشعب والحكم والنظام، وبالتالي لا يوجد شيء يعلو على الفقيه، ولقد قالوها علنا أثناء المظاهرات ضد نظام الرئيس نجاد، بأن التعرض لـ "المرشد الفقيه" هو التعرض إلى الله تعالى.

إن النظام الإيراني نظام عقائدي يعتبر الشعب مجموعة من الأتباع المطيعين، وبالتالي فالتخلف والفقر من الروافد المهمة في استمرار النظام وقوته، لأن الإدراك والتعلم يقود الإنسان للبحث والسؤال، وبالتالي يقود لعدم الرغبة في الإطاعة العمياء وهذا يُهدد النظام ويُفرغ أيادي هؤلاء من ملايين المطيعين. وهذا ما نهجته بعض الأطراف السياسية والدينية في العراق، وتحديدا بعد سقوط النظام عام 2003 وهو العمل من خلال الحيل والتقاعس ليتم انتشار التخلف والأمية والفقر في العراق وتحديدا في منطقة الفرات الاوسط والجنوب وبغداد، لكي يصنع هؤلاء بيئة مناسبة تتحرك بها الملايين المطيعة لهؤلاء، وهي عملية استنساخ للتجارب الإيرانية.

فبصمة الشعب التابع من خلال صناديق الاقتراع، هي للتصويت فيما يراه الولي الفقيه فحسب، لأن حكمه ونظامه تمهيد لعودة الإمام الغائب، وإن هذه الراديكالية الدينية التي يستلهمها الولي الفقيه لقمع الشعب، وعلى الأقل من خلال إجباره على اختيار ما يريده الولي الفقيه، هي مجرد غطاء لإمبراطورية "الحرس الثوري" و"السلطة العسكرية" وإضفاء الشرعية الدينية على ممارساتهما ضد الشارع الإيراني.. بتخويل "إلهي"، وهذا ما تم استنساخه في العراق وتحديدا قبيل الانتخابات السابقة التي جرت عام 2005، ويراد أستنساخه مجددا في الانتخابات المقبلة ! .

صراع طبقي أباد الطبقة الوسطى

هناك صراع طبقي في إيران، وهو كالصراع الذي قد بدأ في العراق، بين الطبقة البرجوازية من رجال الدين والعسكريين والسياسيين، وبين فئات الشعب من الطبقة البلوريتارية المسحوقة أي العمال والفلاحين والمتقاعدين والعاطلين، وأن الخلاف القائم الآن يعكس حجم الانقسام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي العميق في إيران، بعد عقود من الصمت الظاهري أو الصمت الذي كان بفعل المسكنات، وما يجري الآن هو انتقام علمانية الشعب من الثيوقراطية والاستبداد الديني ـ العسكري في إيران، وهو الأمر الذي أصبح متناميا في العراق أخيرا ضد الثيوقراطية ورجالها في العراق، ولأجله صعد الثيوقراطيون في العراق ضد الأصوات والمجموعات الوطنية بحجة قربها من أفكار البعث.

إن الشعور بالإهانة هو أساس التعليم العسكري وبطريقة التسلق العشوائي من خلال الولاء والمحسوبية!، فأن استبداد جهاز "السافاك الشاهنشاهي" العلماني كان له ردة فعل، وهو الحرس الثوري واطلاعات، والباسيج، والمتطوعين، وجاء مساويا له في المقدار مضادا له في الاتجاه.

والحالة في العراق مماثلة تماما لما حصل في إيران وتحديدا بعد سقوط نظام الشاه، فسارع الجميع إلى الجيش والشرطة والأمن والمخابرات وتوزعت المناصب والرتب بطرق عشوائية ودون النظر للكفاءة والمهنية والتحصيل العلمي في أغلب الأحيان، بل حسب الولاء لهذا الحزب والحركة، ولذاك المرجع الديني والسياسي والقبلي.

والحقيقة هي عملية تعويض متسارعة وغير مدروسة، وكارثة على مستقبل العراق مثلما يحصل الآن في إيران، ولكنها ليست عشوائية من ناحية التخطيط الذي أنتهجه ـ بعض ـ الساسة في العراق، وتحديدا الذين كانوا في إيران، ولا زالت إيران تؤثر على نفسياتهم وأمزجتهم وتصرفاتهم وقراراتهم ومخططاتهم وطريقة تفكيرهم، وبالتالي نحن ذاهبون أي في العراق لولادة حرس ثوري، وأطلاعات، وباسيج، وانتحاريين، وأن ما يحدث من دس عشوائي في أجهزة المخابرات والاستخبارات والأمن في العراق لهو أمر يصب في هذا التوجه، وبالتالي نحن ذاهبون نحو تدمير الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي، مقابل انتشار التخلف والأمية، والإنعتاق في تأليه القادة السياسيين والدينيين في العراق، ومثلما حصل في إيران وعندما استولى الحرس الثوري ورجال الدين على السياسة والاقتصاد وجميع عصب الحياة والنظام والدولة في العراق!

العقد العِرقية والطائفية.. واغتيال التشيع العلوي

ففي إيران (الفارسية) هناك عقدة تعول كثيرا على التمركز العرقي لإثبات التمايز الحضاري عن العرب، وهي العقدة التي انتقلت لبعض الساسة العراقيين الذين كانوا يقيمون في إيران، عندما أخذوا بالتعويل على التمركز ـ الطائفي ـ لإثبات التمايز على طوائف الشعب العراقي الأخرى، وحتى على العرب العراقيين الذين هم من الطائفة الشيعية!.

فتتسم نظرة الفرد الإيراني إلى علاقاته بالعالم وبجيرانه بنظرة طائفية بحته تسقط أحداث الماضي على الحاضر، وتستلهم وقائعه بما يرسخ في نفسه من مشاعر أذكتها التربية الموجهة التي أشرنا لها!.

أن الطائفية لدى الفرد الإيراني ليست نوعا من المذهب أو طريقة لفهم الدين، وإنما الوجه الآخر لعقيدته السياسية نفسها، ومن هذا المنطلق تتغلف جميع الرؤى السياسية في إيران، وجميع الخطط الخاصة بالسياسة الخارجية بالطائفية، فولاية الفقيه تعمل على استدعاء تجريدي لشخصيات تاريخية تعيد تمثيل الأحداث بما تحلم به، وتتمناه أي هي عملية استحضار أشبه بالتنويم المغناطيسي !.

وان هذه السيكولوجية تقود إلى تزييف الوعي لدى الناس، وأن الاستغراق في تعظيم التاريخ القومي الروائي يؤدي إلى الاستعلاء العنصري، والذي يقود للانعزالية والانتقام من الآخر، فتتحول شخوصه وأحداثه إلى ــ أسطورة ـ يمتزج فيها الكمال المنشود بالخيال الطليق أو المطلق، وتصنع منه الأيديولوجيا الناعمة تارة والترهيبية تارة أخرى لتسيطر على الوعي الجماعي، فيما يشبه من بعض الوجوه (التنويم الإيحائي)، وهو ما يمكن أن نسميه بـ "التنويم الاجتماعي" أو الاسترخاء المستند على الروحانيات والقدر، وهذه هي مشكلة العرب الموالون لإيران مذهبيا.

فالمحرك التاريخي يؤثر تأثيرا بالغا في نحت ـ الشخصية القومية ـ الإيرانية الطامحة لإعادة مجد عريض قد تمزَّق لحظة تمزيق كسرى (عظيم الفرس) كتابَ (العربي الأُمِّي) محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، من خلال ما يعرف "بتصدير الثورة الإيرانية" للدول العربية كتكتيك وقتي لإستراتيجية عظمى هي المشروع القومي التوسعي الإيراني.

الشخصية الإيرانية تجتر الماضي الفارسي دوما، وبالتالي تعاني من الحرمان الطموح، فصنعت لنفسها سلالم تناغي عواطف الناس فجسدتها ـ طائفيا ـ في خلافة الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام (كرم الله وجهه)، وجسدت مظلومية الأمام الحسين (عليه السلام) مذهبيا، وجسدت ـ الاضطهاد القومي ـ من خلال تعظيم الظلم الأموي (العربي) الذي وقع على آل البيت عليهم السلام، وبهذا هم يريدون احتكار كل شيء عائد لأهل البيت لكي يصدرونه على طريقتهم، ولكن بشرط أن يخدم مشاريعهم القومية والسياسية، ومن هنا جاءت عمليات اغتيال "التشيع العلوي" وعلى مراحل، ومن خلال الأيدلوجية الثورية التي استغلت التشيع العلوي، وصنعت بجواره وعلى حسابه تشيعا بنسخة إيرانية، أي تشيع سياسي عابر للحدود، ومؤمن بالتمدد الجغرافي والسياسي ومهما كانت النتائج والأساليب، فأصبحت تفكر بعقلية الأقلية وتعمل عمل الأكثرية، وتنتقل إلى فضاء الإقليمية من ضيق المحلية، وتسعى جاهدة لتصدير نتاجها الفكري الأسطوري من البحر إلى البحر، ومن الصحراء إلى الصحراء!

سلوك الشخصية الإيرانية..!

يقول الدبلوماسي والباحث الأميركي جاك ميلوك، الباحث في جامعة الدفاع الوطني الأميركية، ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركية في فترة الرئيس رونالد ريغان، ورئيس البعثة الدبلوماسية الأميركية في طهران أيام الشاه الإيراني، في فصل "الشخصية الإيرانية ومكوناتها" ضمن كتاب "الثورة الإيرانية والتمدن الحديث": إن أهم ما يُمَيّز السلوك الإيراني تجاه الآخرين، هي: هيمنة المصالح الذاتية، وسوء الظن أو الارتياب، والقلق وعدم الاستقرار، والاستغلال الشخصي للأفراد بعضهم البعض؛ كما نقل في كتابه انطباع شاه إيران نفسه (محمد رضا بهلوي) عن الشخصية الإيرانية بأنها مُولعة بالنفاق والمراءات، وبعدم الرغبة في العمل الجماعي، وبعدم الإحساس بوجود الآخرين، فضلا عن تمتُّعها بضعف المبادئ.

ولقد درس كثير من المختصين الشخصية الإيرانية (عن قُرب ومعاشرة) فجفلوا لغموضها المستفز، وتلوُّنها المستمر، وطموحها المتوثب الذي لا يهدأ، ومن أقدم الكتابات المعاصرة كتاب "مغامرات حجي بابا الأصفهاني" للقنصل البريطاني العام في أصفهان جيمس جستنيان موريير (1820-1826م)، وكتاب الفرنسي أدور سابيليه "إيران مستودع البارود"؛ ومن العرب المؤرخ العراقي د. عماد عبدالسلام رؤوف في تقديمه لكتاب "الصراع العراقي الفارسي" والمفكر البحريني عادل علي عبدالله.

ويعتقد هؤلاء أن صورة الشخصية الإيرانية ترسمها دوافع نفسية كامنة مُحتقنة برؤية متفرِّدة عن الذات في الماضي والحاضر والمستقبل، وفي عالم الشهود وعالم الغيبة؛ وعبر تحليل الدوافع يمكن تسمية سلوكيات اختصت بتلك الشخصية، مع ملاحظة أن لكل قاعدة شواذ، فمنها:

أولا: الشعور المُزمِن بعدم الأمان، ما يجعل الإيراني ـ على الأغلب ـ مرتابا من كل ما حوله من أقوال وأفعال، فالأمور ليست بالبساطة التي تبدو عليها ظاهريا؛ وهذا ولَّد لديه خاصية سوء الظن.

ثانيا: وبسبب سوء ظنه وعدم ثقته بالآخرين، أي الفرد الإيراني ـ أيًّا كانوا ـ جعلته قليل القدرة على الامتزاج، فيضطر للبحث عن الأمان في الانعزال عن الناس، أو بواسطة توجيه ضربته الأولى كوسيلة دفاع؛ وهذا ولَّد لديه خاصية الغدر.

ثالثا: وسوء الظن والغدر إذا اجتمعا أفرزا نوعا من الجُرأة ــ كوسيلة دفاع عن النفس-ــ تظهر في شكل "وقاحة" قولا وفعلا، لا يتردد معها في سوء استعمال السلطة، أو إذلال أو تشويه السمعة والافتراء، كما لا يتردد ـ فيما لو طُردَ من أحد الأبواب ــ أن يدخل بابتسامة ساذجة من باب آخر، أو أن يظهر الوقاحة والغطرسة سويا مع الغباء المصطنع.

رابعا: الارتياب وعدم الاطمئنان والتخفي طبيعة رسخها أعظم شعراء الفرس، كسعدي حين قال: "إن الكلمات التي تخدعك وتُضَلِّلُك، ولكنها تُسعد قلبك هي أغلى من الصدق، وتزيد في قيمتها عن الشيء الذي يجعلك حزينا ويُعَكِّرُ مزاجك"، والمثل الفارسي القائل: "احجب عن العيون ذهابك وذَهَبَك ومَذهَبَك"، وهذا غيض من فيوض التحذيرات الفولكلورية الفارسية، التي تُعد في قاموس الأخلاقيات غير الحقيقية، وهذا ولد لديه خاصية الكذب.

خامسا: ولكي تصمد الشخصية القومية أمام التحولات لابد من أن يكون لكل مقام لَبُوسُه، وقد طغت هذه الخصلة على الشخصية الإيرانية، فكانت مُتلونة –ـ من وجهة نظر الآخرين ـ لا تراهن إلا على الفَرَس السابق، وهذا جعل منها شخصية متملقة مداهنة.

سادسا: يلاحظ الأجانب في الإنسان الإيراني أنه مسلم يمارس شعائر دينه، لكنهم لا يجزمون بأنه من المؤمنين؛ بحكم أن الإيراني تعوَّد ألاَّ يُظهر معتقداته علنا، إلى درجة أنه من الصعوبة بمكان اليوم أن تعرف مَن مِنَ الإيرانيين مسلم ومن منهم يمارس طقوس قديمة أو خاصة مثلا، وهذا ما يُجعل من الإيراني شخصية مراوغة.

سابعا: والثنائية سمة واضحة في الشخصية الإيرانية، فهو شفاف جدا في عاطفته، وعنيف جدا في عقيدته، ربما يكون في بيته موسيقيا أو شاعرا أو رساما، ويقترف ما تقشعر منه الأبدان ـ ولكن لا يمكن تعميم هذا المنطق بشكل مطلق ـ، ؛ فالثنائية عند الإنسان هي صفة تاريخية تعود إلى ثنائية النور والظلمة، وهو ما ولد لديه ما يسميه الآخرون ازدواجية الأخلاقية.

ثامنا: تلك الخصال الوقائية مكَّنت الشخصية القومية من امتصاص آثار الغزوات المتكررة التي واجهت فارس عبر قرون، فغاصت بهويتها إلى القعر، ومنعت الانصهار الحضاري مع الغُزاة، وهذا ولد خاصية الشعور بالتفوق الاستثنائي.

تاسعا: كما ولَّدَ شعورُ التفوُّق الاستثنائي طبيعة الغطرسة واحتقار الآخر، وخاصة إذا اعتقد أنه يحاول إخضاعه وإذلاله، فلا يتردد في إظهار إعجابه بنفسه أمام شعوب الأرض.

الشخصية الإيرانية ـ على هذاــ تركيبة سيكولوجية وليس تركيبا أخلاقيا ــ من الواضح أنها شكَّلت درعا واقيا من الانصهار الحضاري، ترسَّخ مع مرور الزمن ليَنطَبع في مفردات التكوين الحضاري للشعب الإيراني.

لذلك على الشيعة العرب الحذر من الإسلام الطائفي الذي يروج بغطاء سياسي وعاطفي، وعدم الثقة بشعارات التبشير المذهبي التي تطلقها إيران للتمهيد لقيام مشروعها التوسعي القومي، ويجب إجبارهم على التوقف والجنوح نحو العلاقات المتزنة والمفيدة للشعب الإيراني ولشعوب المنطقة.

فالإصرار على تصدير الثورة هو الذي سيدمر إيران لأنها ستصطدم بمصالح عائدة لدول كبرى، وهي محرمة على القوى الصاعدة من وجهة نظر هذه الدول، ومن هذا المنطلق وفي حالة الإصرار الإيراني على تصدير هذا يعني هي تصر على ابتزاز الدول المجاورة، بل على تدميرها عندما يحدث الصدام بينها وبين القوى الكبرى التي أشرنا لها، وهذا ما جعل ويجعل الدول المجاورة لإيران تسعى للبحث عن مظلات تحميها من ثنائية الابتزاز والتدمير