[مريهان الاحمد]

شموخ وعظمة في ذكر النكبة

قلم / أماني اسماعيل - غزة



كثيراً ما يراودني تعبير الشموخ ، أحاول جاهدة أن أضعه كعنوان لكل ما أكتب كما وأحب أن يكون رمزاً لي في كل حدب وصوب سألني أحدهم مرة عن سبب هذه الكلمة وتاريخها معي فعجبت من سؤاله أكثر مما أعجب من أي سؤال آخر ، قلت له إنني فلسطينية أقطن في قطاع غزة أو بالأحرى مهجرة من بلدتي إلى غزة ....أتجد أحداً تعز عليه نفسه بل وتشمخ أكثر من فلاح الأرض .. فأنا تلك الفلاحة التي سلبت منها أرضها ، لربما تضحك لأني لم أبلغ من العمر عتيا ....لكن حكايا جدتي عن بلدتي تدفعني في كل مرة لأن أشمخ وأعتز بها أكثر من ذي قبل ، حاورتها وفي كل مرة كانت تسابق دمعتي بسمتي في حديثها عن الوطن المسلوب، كان حلمي أن أتنقل بين حقول القمح وأصعد الروابي الخضر وأن أتناول خبز الطابون الذي تصنعه جدتي الممزوج برائحة الحطب ، وكنت أستمع إليها بكل جوارحي إلى أن إنتقلت حقاً إلى تلك القرى الساحرة ....فتلك اللغة البسيطة التي تحمل بين طياتها حرف الكاف تعبيراً عن كدح الفلاح وعناءه ليخرج الحقل بأحسن صورة ، عاينت نفسي بأرض كالمشكاة ....كلها نور على نور .... لقد كان كل لون فيها يحكي قصة .. كنت ذات يوم في ندوة لأحد المؤرخين وتحدث عن التاريخ المبكر لنكبة فلسطين ...فقد ذكر تواريخ لم تكن بحسباننا وكيف لها أن تكون كذلك ونحن لم ندرسها في مدارسنا ولم يذكرها لنا أحد ...عجبت من تلك التواريخ كثيراً ...تأملت فيها وأصبحت لا أدري كيف لي أن أنساها ...لطالما كرهت مادة التاريخ في المدرسة ولكنني حينما استمعت لهذه المحاضرة غيرت نظرتي عن التاريخ لأنني علمت أن التاريخ الواجب علي أن أعلمه هو تاريخ عزة وشموخ لوطني السليب .. فذاك كروموبل وعد اليهود بأرض فلسطين منذ 1655 م أي قبل وعد بلفور بمئات السنين وهذا ما لم اسمع عنه من ذي قبل ولا حتى في المدارس والجامعات.
عندما أراد ذلك المؤرخ اختبار معلوماتنا حول التاريخ الفلسطيني المتعلق بالنكبة خيم الصمت على المكان .. المشكلة أننا ما إن نسأل عن جنسياتنا إلا ونقول بملء أفواهنا أنا فلسطينيين ... سحقاً لنا إن كنا نسمي أنفسنا فلسطينيين ونحن نهتم لأخبار وتاريخ كرة القدم أكثر مما نهتم بقضيتنا كفلسطينيين .. المهم أني خجلت من نفسي بعد هذه المحاضرة فقررت أن أجوب الشوارع والطرقات باحثة عن نساء مخضرمات عشن واقع النكبة وما قبل النكبة ليروين لي كل حكاية كانت ولا زالت ترتل في الصباح والمساء على ألسنتهن .....لتغرس حب الوطن في كل تفاصيل حياتنا لتجسدها واقعاً ملموساً من المقاومة والنضال يسموا به الشباب قبل الشيوخ .
جلست إليها كانت ترتدي ثوبها المطرز بالخيوط الزاهية ذاك الثوب الذي ما إن أنظر إليه إلا وأعلم أن الفلسطينية كانت ولازالت صابرة محتسبة ، فتحدثنا كثيرا بلكنتها القروية البسيطة والتي تشعر من يسمعها بطيبة القلب ، طلبت منها أن تحدثني عن بلدتها وطفولتها .... أأأأأأه أنا من السوافير الشمالي ....السوافير ثلاث قرى شمالية وشرقية وغربية ... كنا واحنا صغار نلعب ونمرح في الحقول والبساتين ...كان الأولاد يذهبون إلى مدارس في القرية ويتعلمون لصف الرابع ويلي بده يدرس بعد هيك كان يذهب للمدرسة بحيفا ... ثم انتقلت لتتحدث عن عرسها وكيف أنها كانت جميلة جداً بثوبها المزركش وكيف أنها كانت تعزم هي وزوجها في القرى المجاورة على ولائم ودبكة وميجنا ...ثم تحدثت عندما مات والدها ووالد زوجها ...ومن خلال حديثها استطعت تجسيد صورة عن وقائع الهجرة التي عاشتها وكيف أنها ذهبت لبيت أهلها في دير البلح وهم قد انتقلوا إلى هناك قبل الهجرة وذلك لأنها كانت بانتظار مولودها الجديد وكيف أن أهالي القرية قد لحقوا بها بعيد ثلاثة أيام .

ربابا وزجل شعبي
وجدته يداعب ربابته التي هي كل ما تبقى من عبق الديار جلست إليه فكان اللقاء مختلفاً ، فمن كان يجيب هو صوت ربابته ... سأسرد لكم حديثنا بمجمله ....
السلام عليكم
يا ريح سلم عليهم كثر ما هبيت **** وأكثر سلامي على إلي زارتنا بالبيت
كيف حالك يا حج
رجال مسكين مالي للهوى فاضي ****أهلي بعيدين غادي ضربة القاضي
حدثنا عن بلدتك يا حج ....
يا حسرتي في المقابر من يخرفني **** هالوا علي الرمل عقدو اعني
الرزعة والمربوعة

أنا من عشيرة النصيرات من بئر السبع عاصمة النقب كنا نرعي الغنم والنياق .... وخذلنا الجيش العربي الي اجى يحررنا ، لو تركونا لحررناها لحالنا.
· احكيلنا يا حج عن أفراحكم كيف كانت وشو أهم الأغاني إلي كنتم تغنوها فيها
من غناوينا يا الرجال "الرزعة" إلي انتو بتسموها "السامر" زي لما نقول
بزرع زرايع من قلبي وانا قاعد ....كله كرامات للي لابس الجاعد
يا هذا خَبر حُكامك وحِنَّا ما نسمع كلامك..........ما يَنفَع كلام الشوارب...غِير توقف على الجبهة وِتحارِب
يا بنت وطلي على الوجعان وشوفيه ....وأمه تبكي وخياته تهديه
يا بنت قولي لأهلك شايب غريب بلاد ...ويقطع العمر صايم ما يذوق الزاد

ولسان حال جميع الفلسطينيين بين لسان العجوز وربابة الشيخ يقولون : يا ريتنا متنا قبل هذيك الأيام ....قبل ما تهجم غربان البين و تاخد الأوطان ...ومن يومها سكرنا ذاكرتنا عهذيك الذكريات وعيونا ما بتشوف إلا صورة الثوار ...لما بسرحوا بفرسهم ويحملوا بواريدهم ...بتحدوا الدوريات ...ولما بمسكوا المحاريث وبيسعوا للأرض وبيسحبوا البقرات وذاني ما تسمع إلا دقات المهباش لما تطحن القهوة يا حليلها من دقات ....وصوت شبابه الراعي تيجمع الغنمات ...ولا غناوي الصبايا عند البير وتمايل الجرات والي تتذكر ثوب عرسها الي طرزته بايدها بألوان زاهيات ولا مفتاح البيت إلي عالصدر زينة وكوشان الأرض إلي متربسة علي بالترباس والي توصفلي القمباز الي كان جدي يلبسو والي تلبس وقاية أم السبع عصمليات ولا غناوي العتابا والميجنا والدلعونا وكمان ظريف الطول والذيب أبو السبع لفات
.ومني ومن كل صبايا وشباب فلسطين نهتف ونقول أن ذاك الحق مهما طالت السنين سيبقى حقنا المقدس والذي لن نهنأ إلا بعودتنا إلى ديارنا لنعيد أمجاد الماضي ونزرع الحقول ونعيد أغاني الدلعونا والميجنا ونقرع الطبول وإلى ذلك اليوم .... تصبحون على وطن فيه كل النور