عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-15, 12:11 AM   رقم المشاركة : 5
مهذب
عضو ماسي






مهذب غير متصل

مهذب is on a distinguished road


.

قراءة في فتاوى وشبهات الحادي عشر من سبتمبر


7 ديسمبر, 2010

1- ما إن وقعت أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر الشهير، إلا وتكون أول قطرة من مطر السوء الذي جاء به ذلك السعار الكبير الذي أصاب أولئك المفتونين من أتباع تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه في الهجوم على علماء الإسلام وأئمة الدين؛ الذين كان موقفهم واضحا وجليا وثابتا في شجب تلك الأحداث وإنكارها، وتبرئة الإسلام من نسبتها إليه، واعتبارها ضربا من الانحراف في فهم الإسلام وفقه الشريعة، وخروجا على جماعة المسلمين، وافتئاتا على ولاة أمرهم بنوعيهم العلماء والأمراء .

اشتدت هجمة أولئك المسعورين بالفتن على أهل العلم والفضل، وشنعوا عليهم، وطعنوا في نياتهم، ووصفوهم بأسوأ الأوصاف وأقبحها وفسقوهم، بل منهم من كفرهم وأخرجهم عن دائرة الإسلام بالكلية .

أصدر تنظيم القاعدة والمتعاطفون معه عشرات البيانات والنشرات والإصدارات المختلفة، بأسماء صريحة ومستعارة في محاولات للإشادة بتلك الأحداث، وإلباسها لبوس الشرعية، ووصفها بالجهاد في سبيل الله حتى جاوزوا بها اصطلاح المؤرخين وأهل السير، فلم يطب لهم أن يسموها معارك كما هي معارك المسلمين على مر التاريخ الإسلامي، ووصفوها بالغزوات مساواة لها بغزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى وصل الأمر بأحد كتابهم أن يدبج مقالة بعنوان (أسامة بن لادن -صلى الله عليه وسلم-؟؟).

وحين أَعْيَتِ الأدلة وفتاوى أهل العلم الراسخين تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه، وعجزوا عن مقاومتها والصمود أمامها، فزعوا إلى خرافات الدجالين والموسوسين عن طريق الرؤى والمنامات والكرامات والتنبؤات والأحاديث الضعيفة والمنكرة، كحديث الرايات السود وغيره، ليخدعوا بها عوام المسلمين، ويلبسوا عليهم بها وخاصة الشباب الصغار الذين استطاعوا تجنيد كثير منهم بهذه الأساليب .

ركب المنتمون إلى القاعدة مركب التحريف كما ركبه الخوارج من قبل، وضاربوا نصوص الشرع ببعضها، وجعلوا الغاية تبرر الوسيلة تحت شُبَهٍ متعددة، فأجازوا لأتباعهم حلق اللحى والتزوير بشبهة أن الحرب خدعة، وعقوق الوالدين بشبهة أن الجهاد فرض عين، وترك الجماعة والجمع بحجة الحماية الأمنية، واستحلال دماء المسلمين والأبرياء بشبهة مسألة التترس، وقتل النساء والأطفال بشبهة أنهم تابعون لغيرهم، وقتل المعاهدين والمستأمنين بشبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب، والطعن في العلماء والدعاة إلى الله بشبهة فضح المنافقين، وقتل أنفسهم بشبهة طلب الشهادة، وتكفير المسلمين والدول الإسلامية والسعي في تقويض أمنها بحجة إقامة الخلافة الإسلامية، إلى غير ذلك من الشبه الكثيرة .

انخدع بهذه الشبهات كثير من شباب المسلمين، بل وبعض الحماسيين من طلبة العلم الذين ينقصهم الفقه في مثل هذه المسائل الكبار، والذين جرفتهم العاطفة ودفعتهم الغيرة إلى التفاعل مع هذه الأطروحات وهذه الشبهات القاعدية، فأخذوا يتلمسون لها الأدلة ويطوعون لها النصوص الشرعية ويسقطونها إسقاطا منحرفا على غير واقعها، فصدرت الفتاوى والبيانات الشاذة في تأييد ما تقوم به القاعدة من فساد وإفساد، فطار بها المفتونون كل مطار فما تركوا بيت مدر ولا وبر إلا أوصلوها إليه!! وكان من أهم أسباب هذا الجنوح الفكري والانحراف الديني عند هؤلاء الغلاة اعتمادهم على هذه الفتاوى المنحرفة وخروجهم عن منهج علماء الإسلام المعتبرين الثقات .

وهذا الأمر هو ما أشار إليه علماء المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003م، حيث نظر في موضوع: (التفجيرات والتهديدات الإرهابية: أسبابها– آثارها– حكمها الشرعي– وسائل الوقاية منها) وذكر أن من أبرز أسبابها: (اتباع الفتاوى الشاذة والأقوال الضعيفة والواهية، وأخذ الفتاوى والتوجيهات ممن لا يوثق بعلمه أو دينه، والتعصب لها، مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن وشيوع الفوضى، وتوهين أمر السلطان الذي به قوام أمر الناس وصلاح أمور معاشهم وحفظ دينهم).
وقد أدرك بعض منظري هذا الفكر الضال خطورة تلك الفتاوى الشاذة التي كان يصدرها هو ومن كان معه وذلك بعد أن استبان له المنهج الحق ورجوعه إليه وهو ناصر الفهد حيث قال في تراجعه ونصيحته للشباب: (إنه يجب أن يكف عن الفتاوى التي تتعلق بالقضايا المهمة المصيرية، وأمر العامة، وأمر الدماء والأموال، وأن تعاد إلى صاحب المرجعية وهيئة كبار العلماء وأن هذا من فوائد التجارب التي مر بها لا سيما التضارب في الفتاوى والإقدام عليها بدون نظر ولا مراعاة للمصالح العامة للأمة).

وحذر ناصر الفهد: (الشباب من خطر الفتيا والإقدام عليها، وأن الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم خير البشر بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا يتدافعون الفتيا، وكان يتدافعها العشرة والعشرين كل رجل يريد أن يتحمل أخوه عنه هذه الفتيا، ثم هناك مرجعية للفتيا وهم أهل العلم الكبار المعروفين وهذا يكفينا ولله الحمد ).

وهذا الذي أشار إليه الفهد في تراجعه قد نبه إليه أهل العلم قديما وحديثا يقول معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ عن خطورة الفتوى: (كان الناس من قديم من عهد الصحابة فمن بعدهم يتورّعون عن الفتوى وينزوون عنها، ويحرص المرء إذا أفتى أن لا يسمع بفتواه إلا الواحد وإلا الاثنان؛ لأجل أنه تعظم التَّبعة بعظم انتشار الفتوى؛ لأن المفتي موقع عن رب العالمين). ويقول: (ومن يرى في هذا الزمان يجد أن الناس تسارعوا وأسرعوا في الفتيا، حتى أصبح الأمر مختلطا أعظم الاختلاط، من جهة المفتين في العالَم، ومن جهة المستفتين أيضا في عدم مراعاة آداب الاستفتاء، وما يُنجي المستفتي أمام ربه -جل وعلا- في استفتائه) . ثم قال: (وهذا يبيّن أن الأمر جدُّ خطير، إذا ظلّ الناس على هذا فإنه يأتي قوم يتسارعون أكثر وأكثر، فحينئذ يُحَلُّ الحرام ويُحَرَّمُ الحلال والعياذ بالله).

فضبط الفتوى وحماية الناس من تلك النشرات والبيانات والفتاوى الضالة من أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها، من أجل تجفيف منابع الانحراف، وقطع الطريق على المندسين بين المسلمين، ممن لا هَمَّ لهم إلا إثارة الفتن والتغرير بشباب المسلمين .

وقد قامت الهيئات العلمية والمؤسسات الدعوية في المملكة وغيرها، وكذلك العلماء والدعاة والمثقفون بدور كبير في التصدي لهذا الانحراف الفكري، وكشف ضلاله، والرد على شبهاته، مما كان سببا رئيسا بعد الله –تعالى- في تراجع كثير من المُغَرَّرِ بهم إلى جادة الصواب ومنهج الحق .

وكما تصدى أهل العلم لهذا الفكر المتطرف يمينا، فتصدوا كذلك للمتطرفين يسارا ممن يريدون استغلال الأعمال الإجرامية التي تلصق بالإسلام من قبل الإرهابيين، فيطعنون في سياسة المملكة، ومناهجها التعليمية، ومؤسساتها العلمية، ومراكزها الثقافية، وجمعياتها الخيرية، وكذلك مراكز تحفيظ القرآن الكريم فيها، وأنها السبب الرئيس الذي ولد الإرهاب وأنتجه، ووصل الغلو ببعض هؤلاء إلى اتهام القرآن الكريم ونبي الرحمة ودين الإسلام بأنه دين الإرهاب والدماء، واتهام الدعوات الإصلاحية المتمثلة لدعوة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- تعالى، والتي يلمزونها بالوهابية وأنها تحث على الإرهاب وتربي عليه .

جاء في بيان لهيئة كبار العلماء ما نصه: (وإن المجلس ليستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب، من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية، كما يستنكر استغلال هذه الأحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة، القائمة على عقيدة السلف الصالح، والنيل من الدعوة الإصلاحية التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-).

يقول الشيخ الدكتور صالح الفوزان -حفظه الله-: (وبعض المنافقين أو الجهال يزعم أن مدارس المسلمين هي التي علمتهم هذا الفكر، وأن مناهج التدريس تتضمن هذا الفكر المنحرف، ويطالبون بتغيير مناهج التعليم. ونقول: إن أصحاب هذا الفكر لم يتخرجوا من مدارس المسلمين، ولم يأخذوا العلم عن علماء المسلمين، لأنهم يحرمون الدراسة في المدارس والمعاهد والكليات، ويحتقرون علماء المسلمين، ويُجَهِّلونهم، ويصفونهم بالعمالة للسلاطين، ويتعلمون عند أصحاب الفكر المنحرف، وعند حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام من أمثالهم).

والقاري في فكر القاعدة، وأدبيات المتعاطفين معها، والفتاوى والبيانات الصادرة عنهم، يجد أنها تعتمد على بعض الشبهات المتهافتة في إثبات شرعية ما تقوم به من أعمال إرهابية في أنحاء متفرقة من العالم، حيث يَلْوُونَ أعناق النصوص للاستدلال بها على ضلالهم، وقد تصدى أهل العلم لهذه الشبهات وكشفوا زيفها وبينوا بطلانها ومخالفتها لدين الإسلام من وجوه كثيرة، وسوف نعرض لقراءة أبرز الشبهات التي استدلوا بها على أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهير ثم نَذْكُرُ جواب العلماء عنها .


2- من أبرز الشُّبَهِ التي تُرَدِّدُهَا القاعدة والقائمون عليها دائما أن أمريكا دولة كافرة، وقد جاءت النصوص بوجوب قتال الكفار حتى يدخلوا الإسلام، أو يدفعوا الجزية وهم صاغرون،

جاء في كتاب لأحد المنظرين لأحداث أمريكا عنوانه: (التأصيل الشرعي لأحداث أمريكا غزوتي نيويورك وواشنطن) ما نصه: (فإنّ الأصل الشرعي فيهم –أي: الأمريكان– أنهم محاربون والكافر الحربي حلال الدم والمال والعرض، ففي الصحيحين عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»(1).
هذه الشبهة التي يتناقلها المتعاطفون مع القاعدة ظنا أنها تمثل غاية الغيرة على الدِّين والانتصار له وغاية التعبير عن عقيدة البراءة من الكفار حيث يجب قتالهم مطلقا دون التفريق بين المسالمين منهم والمحاربي؟

وأطلق الكاتب وجوب قتال الكفار عموما كما أطلقت الخوارج بعض النصوص وكفرت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقاتلتهم، وإذا ما تم عرض هذه الشبهة على كلام أهل العلم ونصوصهم، رأينا أنهم يؤكدون على بطلان هذه الشبهة وينصون على أن الواجب هو الجمع بين النصوص الشرعية، وعدم أخذ بعضها وترك البعض الآخر كما هي طريقة أهل البدع من الخوارج وغيرهم، فالكفار ليسوا في منزلة واحدة، ولم يعاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم- معاملة واحدة، بل هم على أقسام، منهم: المسالم الذي بينه وبين المسلمين عهد وميثاق، ومنهم: المحارب، ولكل قسم أحكامه الخاصة به.

يقول الشيخ ابن جبرين: (وقد ذكر العلماء أن للكفار مع المؤمنين أربع حالات:

الأولـى: أن يكونوا من أهل الذمة إذا بذلوا الجزية.
والثانية: أن يكون له عهد، كما عاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا.
الثالثـة: أن يدخلوا بأمان، لقوله –تعالى-:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].
الرابعة: المحاربون، فيصح الأمان للكافر، ويكون الذي يؤمنه من المسلمين حتى ولو امرأة، لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»(2)، وقوله –صلى الله عليه وسلم-: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ»(3).

ويقول وقد شهد الكفار للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يغدر، وقد أمره الله -تعالى- بالوفاء للذين عاهدوا، كما في قوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4]، وقد أكد النبي-صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين احترام أهل العهد حتى قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ»(4)، وسواء كان هؤلاء المعاهدون من اليهود أو النصارى أو غيرهم من أصناف الكفار، فإنه يجب الوفاء لهم وعدم إيذائهم).

وحين سئل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- عمَّن أفتى بجواز قتل الأمريكان في جميع بلدان العالم وقال أنهم حربيون !!!
أجاب بقوله : (هذا المفتي جاهل، لأن هذا فيه تفصيل، فالذين تعاهدنا وإياهم ودخلوا بلادنا بالعهد أو بالأمان أو استقدمناهم بأعمالٍ يقيمون بها نحن بحاجة إليها، هؤلاء هم تحت عهدنا وذمتنا، لا يجوز أن نغدر بهم ولا أن نقتلهم، فالدول التي بيننا وبينهم عهدٌ وتمثيل دبلوماسي، لا يجوز الغدر بهم، والكفار الذين دخلوا بلانا بإذننا، لا يجوز الغدر بهم، قال -تعالى- : {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة : 6]، فلا يجوز الغدر الذين دخلوا في بلاد المسلمين بإذن المسلمين، أو المسلمين استقدموهم، فلا يجوز مثل هذا الكلام، إنما الذي ليس بيننا وبينه عهد ولا أمان ، هذا هو الحربي).

فتبين من كلام أهل العلم أن الكفار المعاهدين وهم الذين بيننا وبينهم عهد، كالذين دخلوا بلادنا بعهد أو صالحناهم، وبيننا وبينهم علاقات دبلوماسية وتبادل سفارات، فهؤلاء لا يجوز الاعتداء عليهم أو مقاتلتهم لأن العهد قد عصم دماءهم حتى ينتقض عهدهم.

يقول الشيخ ابن جبرين: (والعهد هو: أن يتعهد المسلم أو المسلمون لغيرهم من مسلمين أو كفار على عدم الحرب، وعدم القتل).

وقتال المعاهدين هو تشويه لسمعة المسلمين ودينهم وأنه دين لا يحترم العهود والمواثيق مع أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ويقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].

ولذا استنكر علماء المملكة تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر وبينوا أنها ليست من الإسلام في شيء، حتى لا يساء الظن بدين الله –تعالى-، وليقطعوا الطريق على أعداء الإسلام في استغلال هذه الأحداث بتشويه الدين الإسلامي ويصدوا الناس عنه بغير حق .

يقول سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ: (إن هذه الأحداث التي وقعت في الولايات المتحدة، وما كان من جنسها من خطف لطائرات أو ترويع لآمنين أو قتل أنفس بغير حق، ما هي إلا ضرب من الظلم والجور والبغي الذي لا تقره شريعة الإسلام، بل هو محرم فيها، ومن كبائر الذنوب).

ويقول أيضا: (على وسائل الإعلام ومن يقف وراءها، ممن يلصق التهم بالمسلمين، ويسعى في الطعن في هذا الدين القويم، ويصمه بما هو منه براء، سعيا لإشاعة الفتنة، وتشويه سمعة الإسلام والمسلمين، وتأليب القلوب، وإيغار الصدور، يجب عليه أن يكف عن غيه، وأن يعلم أن كل منصف عاقل يعرف تعاليم الإسلام لا يمكن أن يصفه بهذه الصفات، ولا أن يلصق به مثل هذه التهم، لأنه على مر التاريخ لم تعرف الأمم من المتبعين لهذا الدين الملتزمين به إلا رعاية الحقوق وعدم التعدي والظلم).

ويقول الشيخ صالح اللحيدان عن تلك الأحداث أيضا: (إن هذه المناظر المرعبة التي شوهدت من آثار ذلك الإجرام، مناظر لا يقرها عقل مسلم، ولا يعتد بفعل من فعلها، ولو كان نابتا منبتا إسلاميا في بلد إسلامي، العبرة بما يقوله أهل العلم والعبرة بما تقرر في أحكام الشريعة الإسلامية وأن لأمثال هذه الجرائم من الجرائم الخطيرة، والمملكة العربية السعودية عندما نظرت في يوم من الأيام أمر اختطاف الطائرات قبل أن يختطف للسعودية أي طائرة، قرر علماؤها تحريم هذا العمل ولم يفرقوا بين اختطاف طائرة ركابها مسلمون وبين طائرة ركابها غير مسلمين، بل رأوا أن الظلم أمر محرم، وأن العدوان على الناس وإرهابهم بغير حق من أعظم الفواحش في الأرض والفساد فيها).


3- من الشبهات التي تثيرها القاعدة والمتعاطفون معها:

أن العهود التي تمت مع الكفار عهود غير معتبرة شرعا، لأن القاعدة لا تعترف بها، فهي تكفر حكام المسلمين الذين أجروها مع الدول الكافرة، يقول صاحب كتاب ( كشف الشبهات عن أحكام الهجمات ) ما نصه: (العهد يحتاج إلى إثبات أين ومتى وقع؟ وهل وقع على وجه صحيح).

ويقول الفهد قبل توبته وتراجعه عن فكره المنحرف في فتوى له في هذا الموضوع: (أما العهد، فلا والله، ليس بيننا وبينهم عهد، بل هم حربيون أينما حلوا وأقاموا، ولو تعلقوا بأستار الكعبة، فليس العهد الذي قامت به الحكومات مع هؤلاء الصليبيين شرعيًا، بل هو بناء على مواثيق الأمم المتحدة الطاغوتية).

وتفيض أدبيات القاعدة والمنتمون لها بالتكفير لحكام المسلمين ودولهم ومجتمعاتهم، ويتذرعون لهذا التكفير بِلَيِّ أعناق النصوص وبتر كلام العلماء، ليروجوا لهذه الشبهات بكل ما استطاعوا من قوة !!

والمتأمل في هذه الشبهة الخطيرة يجد أنهم يركزون عليها كما ركز عليها الخوارج من قبل، لأنها أقرب الطرق لإسقاط شرعية الحكومات الإسلامية فإذا ما تحقق لهم ذلك استطاعوا أن يبرروا أي عمل يقومون به مما يؤدي إلى زعزعة هذه الحكومات وبث الفتن في البلاد الإسلامية، ومع ما في هذه الشبهة من انحراف خطير عن منهج الإسلام الحق، وبعد عن منطق التغيير والإصلاح المقبول إلا أنها تكاد أن تكون أصلا متفقا عليه بين الجماعات والفرق الغالية قديما وحديثا، وهي القاسم المشترك بين الجماعات المتطرفة في العصر الحاضر، كالجماعات المصرية والجزائرية والليبية الغالية، ومن قبل جماعة التكفير والهجرة وجماعة التوقف والتبين وغيرها من الجماعات الغالية الأخرى، حتى انصهرت في بوتقة واحدة واجتمعت سوآتها في تنظيم القاعدة، الذي استطاع استقطاب كثير من رموز تلك الجماعات المنحرفة تحت هذا التنظيم الإرهابي الخطير !!

والقارئ لأدبيات هذه الجماعات الغالية يجد أن اعتمادهم الكبير على بعض الجوانب الغالية من كتابات سيد قطب في مسائل التكفير والجاهلية والقتال، وكذلك كتابات أبي الأعلى المودودي مُنَظِّرِ الجماعة الإسلامية في باكستان، وقد كان لهذين الشخصيتين بصمات ظاهرة في بث أفكار التكفير في روع بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة .

وحاول داعية التكفير الأردني أبو محمد المقدسي وتلاميذه أن يُلَبِّسُوا على الناس، ليضفوا شيئا من الشرعية على تلك الأطروحات التكفيرية، من خلال بترهم لبعض النقول من مصنفات علماء الإسلام الموثوقين كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم، وحشدها في كتابات التكفيريين ورسائلهم المختلفة، لتضليل الناس بهذه النقول حتى انخدع بذلك بعض الناس ممن أحسنوا الظن بهذه النصوص ووثقوا بنقل هؤلاء المحرفين، فظنوا أن أولئك العلماء الكبار على منهج التكفير المنحرف .

واستغل بعض الحاقدين على الإسلام جناية هؤلاء في بتر نصوص الأئمة وسوء فهمها ليَصِمُوا علماءَ الإسلام الكبار وأتباعهم ودعواتهم الإسلامية المعتدلة بأنها دعوات تحرض على التكفير وقتل الناس بغير حق؛ كما نسمع بين الحين والآخر عن اتهامات خطيرة يلمز بها أئمة كبار، من مثل إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم من غير أهل العلم والإصلاح الذين تلقتهم الأمة بالقبول والاعتبار، مع أن مواقف هؤلاء الأئمة مواقف ثابتة وواضحة من قضايا الولاية.

وقد بَيَّنَ علماء الإسلام وفي مقدمتهم علماء المملكة خطورة تكفير المسلمين بغير حق، ونصوا على أنه مزلق خطير ينبغي التنبه له والحذر من الوقوع فيه، وأنه باب من أبواب الفتن والفساد، كما نصوا على انه ليس كل مخالفة للدين تعتبر كُفْرًا، وأنه لا يلزم من كفر الفعل كفر الفاعل، ووضعوا له شروطا وضوابط لا بد من رعايتها، وموانع يجب النظر فيها قبل التكفير، وأكدوا على أن التكفير من المسائل الكبيرة التي يجب أن لا يخوض فيها إلا من له أهلية وصلاحية وتخصص في ذلك كالقضاة ونحوهم .

يقول معالي الشيخ صالح آل الشيخ: (مسائل الشروط والموانع هذه هي التي فصل فيها علماء الدعوة السلفية بشكل خاص، وهم الذين بيَّنوا الكثير من الضوابط على أحكام الفقهاء.

ولهذا لا بد من الانتباه إلى أن ما ينسب إلى دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، والتي يسميها أعداؤها بالدعوة الوهابية، هذه الدعوة هي التي ضيقت ما هو موجود في كتب الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة ولم توسعه في مسائل التكفير، وإنما نظرت إلى ما هو متفق عليه بين أئمة المذاهب دون ما هو مختلف فيه، والشيخ محمد بن عبد الوهاب له رسالة في هذا الأمر، وكذلك الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب له رسالة، وعلماء الدعوة بشكل عام، شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهم الله تعالى- ورحم علماء المسلمين جميعا أيضا لهم تفاصيل في هذا الأمر.

فإذن هناك شرط وهناك موانع لابد من استيفائها، لا تكفير إلا بمجمع عليه، المتأول الذي له تأويل سائغ المقابل له يرى أن فعله أو قوله أو تصرفه أنه كفر، الآن الخوارج على شدة ما قاموا به قتلوا عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وقتلوا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وحاربوا المسلمين، وأحدثوا فتنة إلى اليوم، العلماء اختلفوا في تكفيرهم، للعلماء في تكفيرهم قولان، ولما سئل عنهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أكفار هم؟ قال: من الكفر فَرُّوا. يعني رأى التأويل الذي لديهم في هذه المسألة.

فهذه الشروط والموانع لا بد من وجودها لا بد من استيفاء الشروط للحكم التكفير وانتفاء الموانع، وهذه ليست لآحاد الناس، وإنما يقوم بها القاضي أو المفتي الذي ولي القضاء أو يصلح أن يلي القضاء ).

ودَرَسَ مجلس هيئة كبار العلماء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في دورته التاسعة والأربعين، المنعقدة بالطائف، ابتداءً من تاريخ (2/ 4/ 1419هـ) حول ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريب المنشآت وأصدروا بيانا بهذا الخصوص جاء فيه :

(ولما كان مَرَدُّ حكم التكفير إلى اللّه ورسوله؛ لم يَجُز أن نكفر إلا مَن دَل الكتاب والسُّنَّة على كفْرِه دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن، لِمَا يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تدْرَأ بالشبهات، مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يُدْرَأ بالشبهات؛ ولذلك حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ»(5). وقد يَرِد في الكتاب والسُّنَّة ما يُفْهَم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كُفْر، ولا يكفَّر مَن اتصف به، لوجود مانع يمنع من كفره.

والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيره مما يترتب على الرِّدَّة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يُقْدِم عليه لأدنى شبهة.

وإذا كان هذا في وُلاة الأمور كان أشد، لما يترتب عليه من التمرُّد عليهم وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد، ولهذا مَنَعَ النبي -صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم- مِن منابذتهم .

ما نَجَمَ عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة, وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، فهذه الأعمال وأمثالها محرَّمة شرعاً بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غِنى للناس في حياتهم عنها.

إن المجلس إذ يبيِّن حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب اللّه وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وخطورة إطلاق ذلك، لِمَا يترتب عليه من شرور وآثام، فإنه يُعْلِن للعالَم أن الإسلام بريء من هذا المُعْتَقَد الخاطئ، وأن ما يجري في بعض البلدان مِن سفك للدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة، وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي، والإسلام بريء منه، وهكذا كل مسلم يؤمن باللّه واليوم الآخر بريء منه، وإنما هو تصرُّف مِن صاحِب فكر منحرف، وعقيدة ضالَّة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسُّنَّة، المستمسكين بحبل اللّه المتين، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأْباه الشريعة والفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذِّرة من مصاحبة أهله.

قال اللّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204- 206]).

وقد وجه الشيخ محمد بن عثيمين نصيحة ثمينة إلى شباب المسلمين بخصوص قضية التكفير فقال: (وإني بهذه المناسبة أوجه نصيحتي للشباب ألا يكون أكبر همهم وأكثر خوضهم الكلام في تكفير الحكام أو غير الحكام؛ بل الواجب عليهم أن يجتهدوا في عبادة اللّه -عز وجل-، وفي معاملة الناس على الوجه المَرْضِيِّ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»(6)، وأما الاشتغال في مثل هذه الأمور من تكفير الناس واتباع الهوى في ذلك، فإنه غير محمود وفيه شغل القلب عما هو أهم منه).

ويرى د. صالح الفوزان أن العلاج الأمثل لانزلاق الشباب في قضايا التكفير والفتن هو تعليم أبناء المسلمين العقيدة الصحيحة ومنهج السلف الصالح ، وفضح المناهج المخالفة له وتهافتها، وبعدها عن شرع اللّه القويم، ودحض الشُّبَه التي يوردونها، ويجب كشف عوار الذين يعملون على التزهيد في منهج السلف وكتبهم، فيصفونها بالجفاف ويسعون في منع تدريسها في الكليات والمدارس، ليخلو الجو لهم ولأفكارهم المنحرفة المشتملة على التهييج والتهريج.


4- ومن الشُّبَهِ التي يحتج بها الغلاة في التنظير لأحداث الحادي عشر من سبتمبر قولهم:

إن أحداث واشنطن ونيويورك هي من باب جهاد الدفع، وذلك لأن أمريكا هي المعتدية على العالم الإسلامي، بل وغير الإسلامي، جاء في كتاب (التأصيل الشرعي لأحداث أمريكا): (إن اعتداءات أمريكا لا ينكرها أحد ولن يجهل أحد ما فعلته أمريكا أولاً بالمسلمين وبشعوب العالم قاطبة، حتّى أمم الكفر في آسيا وأمريكا الجنوبية لم يسلموا منها ومن ظلمها…، ولا ينكر أحد أيضا الانحياز الواضح للجانب الإسرائيلي ضد المسلمين في فلسطين وغير ذلك). وذهب كثيرون يعددون الاعتداءات الأمريكية قديما وحديثا وعد بعضهم الجرائم والاعتداءات الأمريكية غير العسكرية في مجالات الاقتصاد والاعلام والاخلاق وغيرها حتى قال أحدهم في كتاب له في التأصيل لما حدث في أمريكا من تدمير ما نصه: (إذا‍ً أصل الفساد العقدي والانحلال الأخلاقي والظلم الطاغوتي والعدوان السافر في كثير من المجتمعات الآن أمريكا ).
ومع أن هذه الشبهة تناقض شبهتهم الأولى، وهي قولهم: إن أحداث سبتمبر هي من قبيل جهاد الطلب، إذ أن أمريكا بلاد كفار، وقد أمر الله –تعالى- بقتال الكفار حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون!! وهنا يقولون: جهاد دفع لأن أمريكا هي المعتدية، وهذا التناقض في تكييف دوافعهم لهذه الأحداث أكبر دليل على غياب الهدف الواضح من هذه الأعمال سوى إثارة القلاقل وإشعال الحروب، الأمر الذي يعصف بمصالح المسلمين ويعرضهم للمزيد من الإذلال والاضطهاد، كما هو الحاصل بعد تلك الأحداث المؤسفة !!

نعم لا نشك أن السياسة الأمريكية لم تكن عادلة مع كثير من القضايا الإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية، كما لم تكن معتدلة أيضا في رد فعلها أيضا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الكيفية المناسبة لمقاومة هذا العدوان الأمريكي يجب أن تكون بالطرق الشرعية، وأن تكون من اختصاص ولاة أمر المسلمين وأهل الحل والعقد فيهم، إذ هم الأعلم بالأسلوب الأمثل لدفع العدوان وحماية حقوق المسلمين، وحتى لا يُزَالَ ضرر بضرر أعظم منه، فقد يكون الحفاظ على الوضع الراهن أصلح من تغييره بوضع أكثر سوءا وتعقيدا منه، ولذا قَبِلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلح الحديبية مع ما فيه من شروط جائرة على المسلمين مراعاة لحال المسلمين، الأمر الذي جعل بعض الصحابة الكرام يرى في مثل هذه الصلح إعطاءً للدَّنِيَّةِ في دين الإسلام، وكان النتيجة واضحة جلية في حكمة موقف الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فكان ذلك الصلح توطئة للفتح الأعظم والنصر الكبير بعد ذلك في فتح الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمكة المكرمة، حتى ذكر المفسرين أن الآيات القرآنية التي جاء فيها الحديث عن الفتح إنما يقصد بها صلح الحديبية .

ثم إن وصاية القاعدة على العالم الإسلامي، وتعديهم على ولاة أمره وعلمائه يعتبر تجاوزا خطيرا مخالفا للشريعة الإسلامية، وافتئاتا بغير حق، وتصرفا غير مسؤول، وإلا أصبح الأمر فوضى لا ضابط له، ولا يقول بذلك عاقل فضلا عن عالم بالدين الإسلامي ؟؟

والجهاد في سبيل الله لا يخرج عن بقية التشريعات الإسلامية في كونه يقوم على قاعدة مراعاة المصالح والمفاسد التي بُنِيَ عليها الدين الإسلامي، فإذا كانت مفاسده تربوا على مصالحه كان تركه هو الموافق للشرع .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-(7): (فمعلوم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أمرنا به، ولهذا قيل ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات، فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب، والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم المفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهى أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباده وليس عليه هداهم ).

ومن تأمل نتائج وآثار أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر السلبية على العالم الإسلامي وعلى الأقليات الإسلامية في الغرب، علم مدى عمق فقه علماء الإسلام في إنكار الحدث وعدم رضاهم به .

لقد ضاعف الحادي عشر من سبتمبر مآسي المسلمين، وزاد من معاناتهم، وكان سببا في زيادة فرقتهم واختلافهم، كما كان سببا في شن الحملات العسكرية والإعلامية والاقتصادية عليهم، بل اعتدي على الدين الإسلامي وشوهت صورته على أنه دين سفك للدماء وخفر بالعهود، واعتدي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى القرآن الكريم، وكانت أحداث سبتمبر سببا في سب الله –تعالى- وكتابه ودينه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

في بيان هيئة كبار العلماء ما نصه: (ثم ليعلم الجميع إن الأمة الإسلامية اليوم تعانى من تسلط الأعداء عليها من كل جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام وإذلالهم واستغلال خيراتهم، فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرًا لهم، فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم وهذا من أعظم الجرم).

جاء في بيان مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ما نصه: (إن أعمال الإرهاب عدوان على النفس والمال وقطع للطريق وترويع للآمنين، بل وعدوان على الدين، حيث تُصَوِّرُ الدين بأنه يستبيح حرمة الدماء والأموال، ويرفض الحوار، ولا يقبل حل المشكلات والنزاعات مع مخالفيه بالطرق السلمية، كما يصور المسلمين بأنهم دمويون ويشكلون خطرًا على الأمن والسلم الدوليين، وعلى القيم الحضارية وحقوق الإنسان، وهذا يؤدي إلى أضرار ومفاسد تنعكس على مصالح الأمة الإسلامية الأساسية، وتعوق دورها الرائد في نشر السلام والأمن وتبليغ رسالة الإسلام للناس، وحماية حقوق الإنسان، وتضر في نفس الوقت بعلاقات المسلمين السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية مع غيرهم من الشعوب، وتضيق على الأقليات الإسلامية التي تقيم في دول غير إسلامية وتعزلهم سياسيًا واجتماعيًا وتضر بهم اقتصاديًا، سواء أكان هؤلاء مواطنين في هذه الدول، أم وافدين إليها لدراسة أو تجارة أو سياحة أو سفارة أو مشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية).


5- ومن الشُّبَهِ التي يحتج بها الغلاة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيرها أيضا شبهة:

أن الالتزام بشروط القتال وضوابطه الشرعية التي يذكرها العلماء أمر يؤدي إلى تعطيل الجهاد في سبيل الله، وهذا لا يجوز لأن الجهاد شعيرة عظيمة لا يجوز تعطيلها كالصلاة والصيام وغيرها من بقية شعائر الإسلام، وهو باق إلى أن تقوم الساعة كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- !!

ومع وضوح تهافت هذه الشبهة وتناقضها كما سيتبن لنا، ولم يقل أحد من أهل العلم بأن الغاية تبرر الوسيلة، فحتى لا يتعطل الجهاد يجوز لنا أن نتجاوز حدود الشريعة وأُطُرَهَا في الأعمال الشرعية، فهذا قول غير صحيح، وشبهة ساقطة لا قيمة لها في ميزان الشرع والدِّين، ولو أنها تلامس الجانب العاطفي عند بعض الناس وخاصة الشباب وصغار السن منهم، وذلك لما للجهاد من منزلة عظيمة في الدِّين وكونه ذروة سنام الإسلام، وخاصة إذا أضيف إلى هذه الشبهة نصوص فضل الشهادة في سبيل الله –تعالى-، وما أعد للشهيد من فضائل خاصة عند الله –تعالى-، وزينت ببعض القصص التي يجزمون فيها بحصول شيء من هذه الفضائل والكرامات لفلان وفلان ممن يشاركون في العمليات الانتحارية، وجل اعتمادهم في ذلك على الأوهام والوساوس والمنامات، مع أن النصوص الشرعية تمنع الجزم في إطلاق الشهادة على أحد فلا يقال فلان شهيد، لأن الله تعالى أعلم بنيته؟؟

وتشبيه القتال بالصلاة والصيام من كل وجه تشبيه لا يقره علماء الإسلام إلا من جهة كون كل منهما عبادة لله تعالى وشعيرة من شعائر الإسلام فحسب، وإلا فلكل من الشعيرتين أحكام خاصة بها تميزها عن غيرها، فالصلاة عبادة مقصودة لذاتها والقتال مقصود لغيره وهو أن تكون كلمة الله هي العليا، فلا بد من اعتبار هذه الغاية المقصودة للشرع، فإذا كان القتال سببا في إضعاف الدِّين، وإذلال المسلمين وتسليط الكفار عليهم، فلن تكون حينئذ كلمة الله هي العليا التي شرع الجهاد من أجلها، بل ستكون كلمة الذي كفروا هي العليا، وستنعكس الغاية التي شرع من أجلها الجهاد في سبيل الله –تعالى-.

ومن تأمل السيرة النبوية وجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاتل تارة وسالم تارة، بحسب اقتضاء الحال، فلم يكن هديه القتال دائما ولا السلم دائما، بعكس الصلاة التي لم يدعها -صلى الله عليه وسلم- بحال، ولم يأذن لأحد من المكلفين بتركها حتى في أضيق الأحوال كحال القتال والمرض!! والصلاة فرض عين بإجماع المسلمين، بعكس الجهاد في سبيل الله فإن الأصل فيه أنه فرض كفاية على المسلمين إلا في مواضع خاصة ذكرها الفقهاء في مصنفاتهم !!
والقتال هو من الشؤون العامة التي يناط اتخاذ القرار فيها بولاة الأمر وقادة الأمة وأهل الحل والعقد، فاتخاذ القرار فيه أمر مصيري ليس من الأمر الهين البت فيه لتعلقه بمصالح الأمة العليا، ومن ثم روعي فيه إذن ولي الأمر ورأي أهل الحل والعقد، بعكس الصلاة التي لا تتوقف على إذن أحد أو رأي أحد.

ولذلك نجد أن نصوص الشرع تؤكد على وجوب لزوم الصبر وعدم الاستعجال، مع تبشيرها بأن العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين، كل ذلك مراعاة للشروط والغاية الشرعية من الجهاد في سبيل الله –تعالى-، وقد كان الصحابة الكرام خير مثال للالتزام بالشروط الشرعية والسمع والطاعة بالمعروف، وخير مثال في ضبط النفس والعاطفة بالشرع وتعظيمهم لأحكامه، وما كانوا يجدون غضاضة في مخالفة أهوائهم في مقابل الالتزام بأُطُرِ الدين وحدود الشريعة، وحين قَتَلَ أسامة بن زيد رجلا من المحاربين للإسلام بعد أن نطق بالشهادة ولامه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، لم يبرر لنفسه ذلك العمل مع ظهور تأويله ومنطقية تبريره في كونه ما قالها إلا متعوذا من الموت والقتل، لكنه تمنى -رضي الله عنه- أنه لم يسلم إلا يومها، مع ما له من الجهاد والفضل قبل ذلك، كل امتثالا للشرع وانقيادا له لأن الغاية لا تبرر الوسيلة في الشريعة الإسلامية .

ومن هنا جاءت بيانات وفتاوى علماء الإسلام الكبار بالتحذير من كل عمل يضر بالمسلمين ومصالحهم، ومن كل عمل لا ينضبط بالشروط الشرعية، وإن أظهر للناس بشعارات نصرة الدين والجهاد في سبيل الله.

وقد جاء في بيان لمجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في دورته التاسعة والخمسين التي انعقدت في مدينة الطائف ابتداء من تاريخ 11/6/1424هـ ما نصه: (إن القيام بأعمال التخريب والإفساد، من تفجير وقتل وتدمير للممتلكات، عمل إجرامي خطير، وعدوان على الأنفس المعصومة، وإتلاف للأموال المحترمة، فهو مقتض للعقوبات الشرعية الزاجرة الرادعة بنصوص الشريعة، ومقتضيات حفظ سلطانها، وتحريم الخروج على من تولى أمر الأمة، فيها يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»(8).

ومن زعم أن هذه التخريبات وما يراد من تفجير وقتل من الجهاد، فليست من الجهاد في سبيل الله في شيء.

ومما سبق فإنه قد ظهر وعُلِمَ أن ما قام به أولئك ومن وراءهم إنما هو من الإفساد والتخريب والضلال المبين، وعليهم تقوى الله -عز وجل-، والرجوع إليه، والتوبة، والتبصر في الأمور، وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة تُرْفَعُ لتفريق الأمة وحملها على الفساد، وليست في حقيقتها من الدِّين، وإنما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين).
وجاء في البيان نفسه: (يستنكر المجلس ما يصدر من فتاوى وآراء تُسَوِّغُ هذا الإجرام أو تشجع عليه، لكونه من أخطر الأمور وأشنعها، وقد عظَّم الله شأن الفتوى بغير علم، وحذر عباده منها، وبيَّن أنها من أمر الشيطان قال –تعالى- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 168، 169]، ويقول -سبحانه-: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117]، ويقول -جل وعلا-: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»(9).

وجاء في البيان أيضا: (وعلى من آتاه الله العلم التحذير من الأقاويل الباطلة، وبيان فسادها، وكشف زورها، ولا يخفى أن هذا من أهم الواجبات، وهو من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن وزرع الفتن والقلاقل، ومن القول في دين الله بالجهل والهوى، لأن ذلك استهداف للإغراء من الشباب ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى، والتدليس عليهم بحججها الواهية والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام ولا يرتضيه أحد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة وعقل أهدافها السامية ومقاصدها الكريمة، وعمل هؤلاء المتقولين على العلم من أعظم أسباب تفريق الأمة ونشر العداوات بينها(.

وجاء في بيان للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة ما نصه: (الأعمال الإرهابية التخريبية: من تفجير للمنشآت، والجسور، والمساكن الآهلة بسكانها الآمنين معصومي النفس والمال من مسلمين وغيرهم ممن أعطوا العهد والأمان من ولي الأمر بموجب مواثيق ومعاهدات دولية، وخطف الطائرات والقطارات وسائر وسائل النقل، وتهديد حياة مستخدميها، وترويعهم، وقطع الطرق عليهم، وإخافتهم وإفزاعهم، هذه الممارسات تشتمل على عدد من الجرائم المحرمة التي تعتبر في شرع الإسلام من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، وقد رَتَّبَ الشارع الحكيم على مرتكبيها المباشرين لها، والمشاركين فيها تخطيطًا ودعمًا ماليا وإمدادًا بالسلاح والعتاد، وترويجًا إعلاميًّا يزينها ويعتبرها من أعمال الجهاد وصور الاستشهاد، كل ذلك قد رتب الشارع عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم، والاقتصاص العادل منهم، وردع من تسول له نفسه سلوك مسلكهم، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].

وأكدوا في البيان على أهمية: (تحرير المصطلحات الشرعية وضبطها بضوابط واضحة، وذلك كمصطلح الجهاد، ودار الحرب، وولي الأمر، ما يجب له وما يجب عليه، والعهود: عقدها ونقضها).

ويوجه الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين نصيحة للشباب الذي يأخذهم الحماس وتدفعهم العاطفة إلى التهور في بعض الأعمال دون مراعاة للضوابط الشرعية ويوصيهم بالرفق فيقول: (ونصيحتنا لهؤلاء الشباب الذين معهم هذه الحماسة وهذه الغيرة نقول لهم: على رسلكم، أرْبِعُوا على أنفسكم، ولا تعجلوا، ولا يحملكم ما ترون أو تسمعون من أعمال الكفار على هذا الاعتداء والظلم، وتعريض إخوانكم وشباب المسلمين للتهم والأضرار والعذاب الشديد، وتفتحوا بابًا على عباد الله الصالحين باتهامهم واتهام كل صالح ومتمسك بأنهم متهورون، وأنهم غلاة ومتسرعون، فتعم التهمة للصالحين، وليس ذلك من مصلحة المسلمين، ونشير على شباب المسلمين أن يعلنوا البراءة من هذه الأعمال الشنيعة، مع إظهار بغضهم للكفار، ولأعمالهم الشنيعة مع المسلمين، ومع البراءة من موالاة الكفار ومحبتهم).


__________________________________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، رقم (25)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، رقم (22).
(2) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به، رقم (357)، ومسلم: كتاب الحيض، باب تستر المغتسل بثوب ونحوه، رقم (336).
(3) أخرجه أبو داود: كتاب الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر، رقم (4530)، والنسائي: كتاب القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، رقم (4734).
(4) أخرجه البخاري: كتاب الجزية، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم، رقم (3166).
(5) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، رقم (6104)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، رقم (60).
(6) أخرجه أحمد (5/153، رقم 21392)، والترمذي: كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، رقم (1978).
(7) مجموع الفتاوى (28/126).
(8) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر، رقم (1848).
(9) أخرجه أحمد (2/397، رقم 9149)، ومسلم: كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم (2674).



-- الفريق العلمي


رابط الموضوع :


http://www.assakina.com/shobhat/5842.html#ixzz3fKqnZZ00






التوقيع :

{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
[الإسراء: 53]


إن كانت الأحداث المعاصرة أصابتك بالحيرة ، فاقرأ هذا الكتاب فكأنه يتكلم عن اليوم :
مدارك النَّظر في السّياسة بين التطبيقات الشّرعية والانفعالات الحَمَاسية
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=174056

من مواضيعي في المنتدى
»» لو كنت أنت القاضي في هذه القضية ، فبماذا ستحكم ؟
»» كتاب: وجادلهم بالتي هي أحسن .. مناقشة علمية هادئة لـ 19 مسألة متعلقة بحكام المسلمين
»» سيرتي الذاتية تجارب وذكريات / للعلامة صالح بن فوزان الفوزان
»» الكلاب والخنازير آلهة للصوفية ... !!!!
»» حول مؤتمر الشيشان / مناظرة هدمت شيوخ الصوفية بالسودان مع أحمد داؤد والأسد مزمل فقيري