قال الشيخ ابن باز:
إنما جاز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة ؛ لقدرته على ذلك ، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب ، أما في الدنيا فمعلوم ، وليس ذلك خاصا به ، بل هو عام له ولغيره ، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه : اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا ، بمعنى : ادع الله لي ، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه .
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه ، كما قال الله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (2)
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور ، لانقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع ، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع ، فلا يجوز إلحاقه بذلك ، لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء ، ولكنها ليست من جنس
حياته قبل الموت ، ولا من جنس حياته يوم القيامة ، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه ، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » (1) .
فدل ذلك على أنه ميت ، وعلى أن روحه قد فارقت جسده ، لكنها ترد عليه عند السلام ، والنصوص الدالة على موته صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة معلومة ، وهو أمر متفق عليه بين أهل العلم ، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية ، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } (2)
وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة ، لدعاء الحاجة إليه بسبب كثرة من يشبه في هذا الباب ، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله . فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل ما يخالف شرعه ، والله أعلم .