عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-17, 09:28 AM   رقم المشاركة : 7
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


عمدة أدلة أصحاب العصمة اللاهوتية :

قالوا: ان وقوع الخطأ من النبي يناقض عصمة الشريعة وحفظها، من حيث ان قول النبي وفعله تشريع، فإذا جاز الخطأ في قوله وفعله جاز الخطأ على الشريعة فلم تكن محفوظة.
ونقول: ان هذا الاعتراض لا يصح الا بشرط هو إقرار الوحي وعدم التنبيه .. فعند ذلك فقط يجوز الخطأ على الشريعة. وهذا الشرط معدوم فلزم من عدمه عدم لازمه وهو جواز الخطأ على الشريعة، اذ ثبت بالنصوص الشرعية القطعية أن الوحي –عند وقوع النبي فيما لا ينبغي- ينزل من دون تأخير فيصحح للنبي ما وقع فيه من خطأ فيستقر الحكم الشرعي على مراد الله تعالى، وتبقى الشريعة معصومة لم يؤثر فيها ما بدر من النبي لأن الوحي صحح له ذلك انتهاء.
فانتقضت هذه الشبهة والحمد لله.

واحتجوا على عدم جواز وقوع الذنب بشبهتين:

الأُولى : قالوا: ان الله أمر باتباع الرسل والتأسي بهم. وذلـك يستلزم أن تكون اعتقادات الرسول وأفعاله جميعاً طاعات. فإنه لو جاز وقوع الذنب منه لحصل تناقض في واقع الحال. اذ يقتضي هذا ان يجتمع النهي عن الذنب مع الامر بفعله من حيث أن الذنب فعل، وفعل النبي مأمور به. ولكن الذنب -في الوقت نفسه- منهي عنه فاجتمع الأمر والنهي في قضية واحدة وهذا محال: إذ كيف يأمر الله بشيء وينهى عنه في وقت واحد؟ والذنوب كذلك تمنع التأسي وتدعو الى التنفير.

ونحن نقول : ان قولهم لا يصح أيضاً الا بشرط هو بقاء الذنب خافياً غير ظاهر، بحيث تختلط علينا الطاعة والمعصية. وهذا الشرط معدوم فانعدم الاعتراض بانعدام شرطه،. فإن الله ينبه أنبياءه الى ما بدر منهم من مخالفة ويوفقهم الى التوبة منها دون تأخير. فالتنبيه يمنع الأمر بالمعصية مع كونها منهياً عنها. ومسارعة النبي الى التوبة من غير تسويف يفيدنا التأسي بهم في حالة وقوعنا في المعصية وذلك بالإسراع بالتوبة والاستغفار وعدم التأخير لأننا مأمورون بالتأسي بهم، وهو هنا يكون منصباً على المبادرة الى التوبة لا على الوقوع في المعصية، فلم يعد الذنب داعياً للتنفير ومانعاً من التأسي-هكذا قال العلماء الأثبات- .

والشبهة الثانية: ان هؤلاء توهموا أن الذنوب هذه تنافي الكمال، وأنها تكون نقصاً وإن تاب العبد منها. وهذا غير صحيح. فإن التوبة تغفر الذنب ولا تنافي الكمال ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم. بل ان العبد في كثير من الأحيان – وهذا حال الأنبياء الكـرام عليهم السلام – يكون بعد توبته خيراً منه قبل معصيته. وذلك لما يكون في قلبه من الندم والخشية، ولما يجهد به نفسه من الاستغفار والدعاء، ولما يقوم به من صالح الأعمال يرجو بذلك أن تمحو الصالحاتُ السيئات كما قال بعض العلماء: كان داود عليه السلام بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة. وهكذا كان آدم عليه السلام.

وفي الكتاب الكريم: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة /222.
ومعلوم انه لم يقع من نبي ذنب إلا وسارع إلى التوبة والاستغفار. يدلنا على ذلك أن القرآن الكريم لم يذكر ذنباً لنبي الا وذكر ذلك عنه: فآدم (عليه السلام) لما عصى بادر -هو وزوجه- إلى التوبة قائلين: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الأعراف/23. وموسى (عليه السلام) لما قتل القبطي سارع طالباً المغفرة قائلاً: قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ القصص16. وداود (عليه السلام) ما كاد يشعر بخطيئته حتى اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ ص/24.
فالأنبياء (عليهم السلام) لا يُقَرون على ذنب، ولا يؤخرون التوبة. وهم بعد التوبة أكمل منهم قبلها.

ثم ان الذنوب لم تقع منهم الا على وجه الندرة. وبهذا لا يحصل منع من التأسي بهم. بل العكس هو الحاصل. ولا تنفير منهم لأن التنفير قد يحصل مع الإصرار والإكثار. فاللمم الذي يتاب منه ويستغفر مما يعظم به الإنسان عند أولي الأبصار، هكذا قال المحققون من العلماء.
ثم إن القول بعدم صدور الذنب من الأنبياء مطلقاً يستلزم حرمانهم من عبادة الله بالتوبة والاستغفار، وسلبهم ما أعطاهم الله من الكمال وعلو الدرجات بحقيقة هذه العبادة، والانتقال من كمال الى ما هو أكمل منه. بل ذلك يستلزم تكذيب النصوص الكثيرة التي وردت بذلك وبتوبتهم واستغفارهم. ولا يتحصل ذلك الا بتحريف الكلم عن مواضعه، او التكلف في تفسير النصوص، والتمحل في تطويعها على قاعدة (يعتقدون.. ثم يستدلون).

الخطيئة مع التوبة الصحيحة كمال لا نقص فيه :

فإن التوبة إذا خلصت تمحو الذنب وتنقل العبد الى حال أكمل من الحال التي كان عليها قبله. وذلك لما يتولد في القلب من الندم والخشية والخوف والخجل والحياء من الله والانكسار بين يديه والتذلل له والتضرع اليه والعمل على تكفير الذنب ومحوه بالضد من جنسه من الأعمال. فما من عبد يفعل ذلك تائباً مؤمناً محتسباً الا ومحيت خطيئته بل استحالت سيئته وتبدلت حسنات. فماذا بقي منها؟ وعلى أي شيء يلام بعدها؟!
أما قال الله في مثل هذا: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان/70.
ولهذا فان الله تعالى يذكر ذنوب بعض أنبيائه الكرام بصيغـة المدح (1)
والمدح ليس على الذنب نفسه وإنما على الحالة بمجموعها. وهذا يعني ان الذنب الذي تعقبه التوبة الصادقة كمال يمدح عليه صاحبه لا نقص يعاب عليه او يتوجه بعده اللوم اليه.

تأمل كيف يمدح الله نبيه سليمان عليه السلام في معرض ذكره تأخيره الصلاة عن وقتها، ولا يوجه اليه أدنى لوم او عتاب! بل يشغل الموقف كله بالثناء عليه، والتأكيد على الصورة الرائعة للطريقة التي كفَّرَ بها عن ذنبه، فكأنه والحالة هذه لم يفعل شيئاً سوى الجميل الذي يستحق عليه الثناء، والإحسان الذي يستحق عليه الثواب، لأن التوبة محت الذنب و.. زيادة.
ألا ترى كيف ضحى بمحبوبه الذي أحبه ذلك الحب الذي أذهله عن صلاته وذكره لمحبوبه الحقيقي (الله جل وعلا) فنحر الخيل كلها تقرباً الى الله وطلباً لرضاه، فغفر الله له ورضي عنه الى الحد الذي صار ذلك الفعل حسنة يمدح عليها، فيقول: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ( ). ص/30-33.
وكذلك داود عليه السلام يذكر الله خطيئته ويعقب عليها مادحاً إياه قائلاً: وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ص24-25.

ــــ
( 1) روى ابن بابويه القمي عن جعفر الصادق (ع) أنه قال: إن سليمان بن داود عليه السلام عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب فقال للملائكة ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها -فقيه من لا يحضره الفقيه 1/129.







من مواضيعي في المنتدى
»» تهنئة بالعام الهجري 1439
»» إعادة اختطاف 3 أشقاء بعد استلام الفدية أثر اكتشاف معتقل سرّي لمليشيا "الحشد الشيعي"
»» الزملاء الرافضة صححوا ما فهمت / حديث الثقلين لا يلزمكم بالتمسك بالسنة النبوية
»» ثمرة العراق الجامع في المحافظات السنية مواكب اللطم ومركز منظمة بدر
»» ذبها براس عالم واطلع منها سالم / لماذا يقولها مقلدي المراجع ؟