عرض مشاركة واحدة
قديم 15-07-08, 04:34 AM   رقم المشاركة : 4
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


قال شيخ الإسلام رحمه الله في معرض كلامه في تفسير سورة ( الكافرون )

(( فالمقصود بالسورة أن المؤمن يتبرأ منهم و يخبرهم أنهم برآء منه و تبريه منهم إنشاء ينشئه كما ينشيء المتكلم بالشهادتين و هذا يزيد و ينقص و يقوى و يضعف


و أما هم فهو يخبر ببراءتهم منه فى هذه الحال لا ينشيء شيئا لم يكن فيهم فخطاب المؤمن عن حالهم خبر عن حالهم و الخبر مطابق للمخبر عنه فلم يتغير لفظ خبره عنهم إذا كانوا فى كل و قت من أوقات عبادته لله لا يعبدون ما يعبد


فهذا اللفظ الخبري مطابق لحالهم في جميع الأقات زادوا أو نقصوا ))

كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 16، صفحة 559.


وقال رحمه الله


(( فقوله ( لا أعبد ما تعبدون و لا أنتم عابدون ما أعبد )


يقتضى تنزيهه عن كل موصوف بأنه معبودهم لأن كل ما عبده الكافر و جبت البراءة منه لأن كل من كان كافرا لا يكون معبوده الإله الذي يعبده المؤمن إذ لو كان هو معبوده لكان مؤمنا لا كافرا

و ذلك يتضمن أمورا


أحدها أن ذلك يستلزم براءته من أعيان من يعبدونهم من دون الله


الثاني أنهم إذا عبدوا الله و غيره فمعبودهم المجموع و هو لا يعبد المجموع لا يعبد إلا الله و حده فيعبده على و جه إخلاص الدين له لا على و جه الشرك بينه و بين غيره



و بهذا يظهر الفرق بين هذا و بين قول الخليل ( إنني برآء مما تعبدون إلا الذي فطرني (


و قوله ( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم و آباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) بأن يقال هنا نفي عبادة المجموع و ذلك لا ينفى عبادة الواحد الذي هو الله و الخليل تبرأ من المجموع و ذلك يقتضي البراءة من كل و احد فاستثنى أو يقال الخليل تبرأ من جميع المعبودين من الجميع فوجب أن يستثنى رب العالمين و لهذا لما و قع مستثنى فى أول الكلام فى قوله ( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم و الذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم و مما تعبدون من دون الله )
لم يحتج إلى إستثناء آخر


و أما هذه السورة فإن فيها التبري من عبادة ما يعبدون لا من نفس ما يعبدون و هو بريء منهم و من عبادتهم و مما يعبدون فإن ذلك كله باطل


كما ثبت في الصحيح عن النبى صلى الله عليه و سلم يقول الله ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء و هو كله للذي أشرك )


فعبادة المشرك كلها باطلة لا يقال نصيب الله منها حق و الباقي باطل بخلاف معبودهم فإن الله إله حق و ما سواه آلهة باطلة



فلما تبرأ الخليل من المعبودين إحتاج إلى إستثناء رب العالمين و لما كان في هذه تبرؤه من أن يعبد ما يعبدون فكان المنفي هو العبادة تبرأ من عبادة المجموع الذين يعبدهم الكافرون


الثالث إن كان النفي عن الموصوف بأنه معبودهم لا عن عينه فهو لا يعبد شيئا من حيث هو معبودهم لأنه من حيث هو معبودهم هم مشركون به فوجبت البراءة من عبادته على ذلك الوجه و لو قال ( من تعبدون ) لكان يقال إلا رب العالمين لأن النفي و اقع على عين المعبود و ليس إذا لم يعبد ما يعبدون متبرئا منه و معاديا له حتى يحتاج إلى الإستثناء بل هو تارك لعبادة ما يعبدون


و هذا يتبين بالوجه الرابع و هو قوله ( و لا أنتم عابدون ما أعبد )

نفى عنهم عبادة معبوده فهم إذا عبدوا الله مشركين به لم يكونوا عابدين معبوده و كذلك هو إذا عبده مخلصا له الدين لم يكن عابدا معبودهم



الوجه الخامس أنهم لو عينوا الله بما ليس هو الله و قصدوا عبادة الله معتقدين أن هذا هو الله كالذين عبدوا العجل و الذين عبدوا المسيح و الذين يعبدون الدجال و الذين يعبدون ما يعبدون من دنياهم و هواهم و من عبد من هذه الأمة فهم عند نفوسهم إنما يعبدون الله لكن هذا المعبود الذي لهم ليس هو الله


فإذا قال ( لا أعبد ما تعبدون ) كان متبرئا من هؤلاء المعبودين و إن كان مقصود العابدين هو الله



الوجه السادس أنهم إذا و صفوا الله بما هو بريء منه كالصاحبة و الولد و الشريك و أنه فقير أو بخيل أو غير ذلك و عبدوه كذلك فهو بريء من المعبود الذي لهؤلاء فإن هذا ليس هو الله



كما قال النبىصلى الله عليه و سلم ( ألا ترون كيف يصرف الله عني سب قريش يسبون مذمما و أنا محمد ( فهم و إن قصدوا عينه لكن لما و صفوه بأنه مذمم كان سبهم و اقعا على من هو مذمم


و هو محمد صلى الله عليه و سلم


و ذاك ليس هو الله فالمؤمنون برآء مما يعبد هؤلاء


الوجه السابع أن كل من لم يؤمن بما و صف به الرسول ربه فهو فى الحقيقة لم يعبد ما عبده الرسول من تلك الجهة


و قس على هذا فلتتأمل هذه المعاني و تلخص و تهذب و الله تعالى أعلم ))


كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 16، صفحة 601.