عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-09, 08:17 AM   رقم المشاركة : 10
ديار
موقوف





ديار غير متصل

ديار is on a distinguished road


الحلقة الثالثة

توصل بعض الكاتبين في الإعجاز العددي إلى فهم جديد للآيات
تعالج هذه الحلقة موضوعا في غاية الأهمية، ويعد مأخذا كبيرا على المؤلفين في ما يسمى الإعجاز العددي في القرآن الكريم، وهو أن كثيرا منهم يفترض أسسا ويتوهمها ثم يبني عليها نتائج، ويظن بعضهم أنه يصحح للمفسرين السابقين أخطاءهم في فهم الآيات من خلال معادلاته وأوهامه.
وكثر من المؤلفين فيما يسمى الإعجاز العددي التعبير عن بحوثهم أنها كشف لأسرار القرآن، وحل لرموزه وألغازه، وكأن كتاب الله تعالى كتاب أسرار ورموز، ونسب عدد من هؤلاء لنفسه الفضل المطلق في كشف هذا السر أو ذاك أو حل الشيفرة القرآنية وألغاز القرآن وخفاياه التي بقيت سرا مكنونا حتى وفقه الله لكشف سرها وبيان حقيقتها، وأن ما توصل إليه يعد كشفا لسر بقي طي الكتمان مذ نزل القرآن إلى أن أماط هو لثامه وكشف سره[1].
وقاد هذا الادعاء إلى نتائج خطيرة، في تفسير بعض الآيات، أو تبيين وجه الارتباط بين أمرين أو مجموعة أمور، ومن النتائج الخطيرة التي توصل إليها بعضهم:
1- زعم العلم بوقت قيام الساعة: حيث زعم رشاد خليفة أنه من خلال بحثه في الأرقام القرآنية توصله إلى موعد قيام الساعة، وحدد السنة التي ستقوم فيها الساعة حسب وهمه[2]، ولا يخفى خطورة هذا الادعاء والتجرؤ فيه على الأمر الذي فيه: (قل إنما علمها عند ربي) [الأعراف:187]
2- الزعم بأن أصحاب الكهف لبثوا في كهفهم إحدى عشرة سنة فقط، وليس ثلاث مئة وتسع سنوات، ويرى صاحب هذا القول أن الإعجاز فيه أظهر لأن معظم معاصري الفتية كان ما يزال حيا فلا يمكن تكذيبهم، ومما استدل به لتأكيد رأيه أن الآية التي ذكرت الضرب على آذانهم وهي قوله تعالى: (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً) [الكهف:11] رقمها11، وهو وموافق لمدة لبثهم، وعدد كلماتها سبعة، وهو موافق لعددهم، أما قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا) [الكهف:25] فهو ليس تحديدا لمدة نومهم بدليل قوله تعالى بعده: (قل الله أعلم بما لبثوا)[3] [ الكهف:26].
3- أن المدة التي قضاها نوح عليه السلام في دعوة قومه ليست تسع مئة وخمسين عاما ولكنها سبعة عشر عاما فقط، واستدل على هذا الاكتشاف بأمور[4].
4- زعم معرفة معنى الآية أو تحديد المبهم فيها باستخدام حساب الجمل، وأن الآية تفسر بجملة تساويها في حساب الجمل، أو بما يتوصل إليه من خلال هذا الحساب، ومن الأمثلة على هذا الزعم أن أحدهم حسب جمل قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) [آل عمران:34] ووجده مساويا لجملة: "ذرية نبي الله من فاطمة وأمير المؤمنين وهم أحد عشر منهم مهديهم القائم بالحق" وزن كل منهما ثلاثة آلاف ومئة وسبعة وخمسون[5]، فتكون العبارة تفسيرا للآية، وتوصل إلى أن حساب جمل قوله تعالى: (ولكل قوم هاد) [الرعد:7] تساوي حساب عبارة: "علي وولده بعده" ومجموع كل منهما 242[6]، فالهادي علي وولده من بعده،
5- زعم إمكان دمج بعض السور معا، للوصول إلى النتيجة التي يريدها الكاتب، ومن ذلك ما فعله أحدهم حين احتاج إلى أن تكون السور التي تبدأ بالحروف المقطعة 28 سورة، فنسب لبعض الباحثين رأيا أن سورة آل عمران تعد مكملة لسورة البقرة وبذلك يصبح عدد هذه السور 28[7].
واعتمد آخر قولا غريبا وهو إمكان جعل سورتي الأنفال والتوبة سورة واحدة، وبنى عليه عددا من النتائج التي كان حريصا على الوصول إليها[8].
وما ذكره هذان وما يمكن أن يذكره غيرهما من افتراضات دمج السور ببعضها أمر مخالف للتواتر ولإجماع الأمة أن عدد سور القرآن الحكيم مئة وأربع عشرة سورة، ولا يدمج بين سورتين منها لتكوين سورة واحدة كما لا تقطع إحداها لتشكل سورتين أو أكثر.
6- زعم العلم بموعد زوال دولة ما يسمى "إسرائيل": افترض أحدهم عدة افتراضات ومعادلات مبنية على أرقام ومعلومات ظنية، أوصلته بمجموعها إلى نتيجة أحسن صنعا حين لم يجزم بها وجعلها محتملة، وهي أن دولة ما يسمى بإسرائيل ستزول وتنتهي عام 2022م، وذلك بناء على حسابات وربط ببعض الأحداث والتواريخ غير القطعية.
7- زعم إشارة القرآن إلى انهيار برجي التجارة العالمي: زعم بعضهم إشارة القرآن الكريم إلى حدث 11/9/2001 وهو انهيار برجي التجارة العالمية في نيويورك بسبب اصطدام طائرتين بهما، وتهدم جزء من مبنى وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن بسبب سقوط طائرة عليه، والزعمُ بأن قوله تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) [التوبة:109] يشير إلى الحادثة من خلال عدة أمور، فسورة التوبة هي التاسعة في الترتيب والحدث في شهر أيلول وهو الشهر التاسع، والآية في الجزء الحادي عشر، والحدث في اليوم الحادي عشر، ورقم الآية 109 وعدد طوابق المبنيين المنهارين 109[9]، وزاد غيره أن عدد الكلمات من أول السورة إلى هذه الآية 2001، والسنة هي 2001، وأن اسم الشارع التي كان فيه البرجان يسمى: "كرف هير" وهي كلمة تشبه : (جرف هار)[10] ، والرد على هذه الدعوى الباطلة من عدة جوانب، أولها: أن الآية تتحدث عن المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار، والزعم بإشارتها إلى هذا الحدث يخرجها من سياقها، ويحرفها عن معناها، وثانيها: أن تاريخ الحدث 11/9/2001 حسب التقويم الشمسي الميلادي، وتاريخ الحدث بالتقويم الهجري يختلف عنه ولا تتناسب أرقامه مع الآية كالتاريخ الشمسي، وثالثها: أن تقسيم المصحف إلى أجزاء عمل اجتهادي، وقد قُسّم القرآن إلى أجزاء أكثر وأقل، وإلى أحزاب، والآية في الحزب 21، فلماذا يُعتمد هذا التقسيم دون غيره؟ ورابعها: أن رقم الآية 109 غير مجمع عليه بين علماء العدد، وخامسها: أن عدد الكلمات من أول السورة إلى هذه الآية يزيد عن 2001 بكثير، وأن اسم الشارع الذي كان فيه المبنى ليس كما زعموا، فهذه دعوى باطلة فيها تكلف ظاهر، وقد ينتج عنها إساءة إلى الإسلام بدلا من الدعوة إليه.
8- الزعم بعلم موعد مفترض لعذاب أهل هذا العصر: من النتائج التي توصل إليها أحدهم أن يوم الجمعة 1/1/1999م الموافق 14/9/1419هـ يشكل بدء فترة العد التنازلي لجحيم الدنيا أي لموعد عذاب أهل العصر الذي سيعم الكافرين وينجو منه المؤمنون[11]، فهو رقم فيه إعجاز وتناسق عددي عظيم، فالرقم 1 تكرر فيه 3 مرات، وهو أصغر الأرقام، والرقم 9 تكرر فيه 3 مرات، وهو أكبر الأرقام، والعدد 19 تكرر فيه 3 مرات، ويلتقي العام الهجري 1419 والميلادي 1999 في العدد 19، وذكر حسابات وأدلة أخرى تؤكد ما زعمه.
ويؤخذ على كثير من المؤلفين في ما يسمى الإعجاز العددي عدم السير على قاعدة واحدة ومبدأ محدد في العد، فتجد أحدهم يعمد إلى انتقاء كلمة أو كلمات معينة من السورة يقيم عليها دراسته وبحثه دون أن يعلل سبب انتقاء ما انتقاه وترك ما تركه[12]، وقد يسقط أحدهم من السياق حرفا أو أكثر ليتوافق العدد الباقي مع النتيجة المطلوب الوصول إليها، ومن ذلك أن أحدهم حين عد الحروف في قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) [آل عمران:19] أسقط منها (إن) ليبقى عدد حروف العبارة 19 حرفا، وليكون متناسبا مع رقم الآية[13]، وبهذا الحذف سيبقى لفظ (الدين) منصوبا بلا ناصب، أو سيغير حركته إلى الرفع فيحصُل في الآية تغييران، كل هذا ليصبح عدد حروف العبارة 19 حرفا فيتفق مع رقم الآية، فإذا علمنا أن رقم الآية مختلف فيه بين علماء العدد، وأنها الآية 18 في العدد الشامي[14] ستختل الموازنة التي أرادها المؤلف، كما أن العبارة التي عدّ المؤلف حروفها وأسقط منها (إن) تشكل جزءا من الآية 19، فما موجب عدّ بعض الآية وترك بعضها؟
ووصل الأمر ببعضهم إلى انتقاء آيات معينة دون غيرها، أو اختيار موضع ما دون غيره، وذلك لأن ما انتقاه يتناسب مع ما يريد إثباته من نتيجة سبق له افتراضها، ولذا فلا بد من الانتقاء لإثباتها، وهذا ما فعله أحدهم حين ذكر أن قصة سليمان ذكرت في سورة ص من الآية 34 إلى 40 وعدد كلمات هذه الآيات 53 كلمة، تقابل 53 سنة التي عاشها عليه السلام، وأن قصة صالح ذكرت في سورة الشعراء من الآية 141 إلى 152 وعدد كلماتها 58 كلمة، وكل كلمة منها تقابل سنة من سني حياة صالح عليه السلام[15]، والانتقاء في هذا المثال ظاهر جدا، فقصة صالح وردت في سور أخرى منها الأعراف وهود والقمر والشمس، والآيات التي أحصى كلماتها لا تشكل كل القصة فما زال أمامنا سبع آيات لنهاية القصة، والكلام نفسه يقال بالنسبة لسليمان عليه السلام إذ وردت قصته في سور أخرى كالأنبياء والبقرة والنمل، وقصته في سورة ص تبدأ من الآية 30 وليس 34، وهذا الاجتزاء منه في الموضعين للوصول إلى النتيجة المعلومة عنده سلفا وهي التوافق مع مدة عمر كل منهما، وهي معلومة مختلف فيها، فلم يثبت يقينا العمر الذي ذكره لهما[16].
ومن الأمثلة على الانتقاء عند أحدهم عدّ ألفاظ معينة من الآية، وترك ألفاظ أخرى منها، ومن ذلك أنه عد حروف (يا أيها الرسول) وحروف (يعصمك من الناس) [المائدة:67] فبلغ كل منهما 12 حرفا، وعدّ حروف عبارة: "علي بن أبي طالب" فبلغت 12 حرفا، وحكى إجماع الشيعة[17] أن هذه الآية نزلت في ولاية علي ...[18]، وكأنه يريد تأكيد هذا المعنى من خلال مجموع حروف العبارات الثلاث، والغريب أنه عد (يعصمك من الناس) وهي جملة خبرية دون أن يعد المبتدأ معها، وهو لفظ الجلالة (والله)، كما أنه لم يعد بقية ألفاظ الآية، وكان يمكنه أن يأتي بالعديد من العبارات المكونة من 12 حرفا يفسر بها الآية مثل: "بقدرته وعظمته" أو: "فلا يصلوا إليك"، ولكنه أراد تثبيت القول الذي يرجحه في تفسير الآية، وهو خلاف ما قال به كثير من المفسرين[19] .

[1] من هذه العبارات:
أ- "دراسة الحروف المقطعة كشفت أن القرآن الكريم مرمز (مشفَّر)، كيفية اكتشاف التراميز القرآنية الثلاث" عاطف صليبي، أسرع الحاسبين، غلاف الكتاب الخلفي.
ب- "إنها إشارات عظيمة لأمور هامة إنها تخفي في حروفها إعجازا وأسرارا كثيرة" د. مأمون أبو خضر، بدأ العد التنازلي، ج1، ص60.
ج- "حينئذ تنكشف أمامك الرسالة الخفية في القرآن الكريم بشكل واضح أصفى من الماء الزلال"، "سمح كتاب طلوع الشمس من مغربها علم للساعة بإلقاء الضوء على وجود رسالة خفية في القرآن وهذه الرسالة تؤكد بالدليل والحجة من خلال العودة إلى التأويل، وإلى المعنى العتيق على البشارة بعودة مهدي في آخر الزمان متفقة في ذلك مع مختلف الديانات"، " ظل اللغز الذي يحيط بهذه الرموز (فواتح السور) تاما منذ 14 قرنا، ولم يستطع أحد إعطاء ولو بداية تفسير، إن النبي محمدا r نفسه لم يعط تفصيلات دقيقة بهذا الشأن، وكان اهتمامه الرئيس هو تبليغ الوحي الإلهي بعناية بالغة، والواقع أن التأمل في رموز الحروف من حيث عددها وكيفية انتظامها واختلافاتها ..الخ يتطابق تماما مع البشارة الموجودة بالرسالة المضمنة في القرآن: عودة المسيح عليه السلام في آخر الزمان" فريد قبطني، طلوع الشمس من مغربها، المقدمة، ص245 و282.
د- " وسنسلط نحن الضوء في محاولتنا هذه على جانب من جوانب تميز القرآن الكريم عن غيره من سائر الكتب، ألا وهو جانب الحروف وما لها من دلالات من الناحية العددية، وربط بالأحداث وإشارة إلى معان ومضامين خفية، كل ذلك ضمن دائرة التوفيق الإلهي" رضوان سعيد فقيه، الكشوف، ص9.
[2] ادعى ذلك في مقابلة صحفية معه نقلها د. صلاح الخالدي في كتابه: البيان في إعجاز القرآن، ص 370.
[3]عاطف صليبي، أسرع الحاسبين، ص254-267.
[4] عاطف صليبي، أسرع الحاسبين، ص268 – 274، وتفصيل القول والرد عليه مذكور في البحث أصل هذا المقال، ص12.
[5]رضوان سعيد فقيه، الكشوف في الإعجاز القرآني وعلم الحروف، ص93.
[6]رضوان سعيد فقيه، الكشوف في الإعجاز القرآني وعلم الحروف، ص99.
[7]د. مأمون أبو خضر، بدأ العد التنازلي، ج1، ص51 و60.
[8]د. خالد العبيدي، المنظار الهندسي للقرآن الكريم، ص276 و418 و511.
[9] رضوان سعيد فقيه، الكشوف في الإعجاز القرآني وعلم الحروف، ص122.
[10] وردت هذه المعلومات في نشرة تزعم أن هذا مظهر إعجازي جديد، وزعت على نطاق واسع، وعندي منها نسخة.
[11]د. مأمون أبو خضر، بدأ العد التنازلي، ج2، ص53 و55 و56.
[12] ينظر: إدريس الخرشاف، يس مركز ثقل القرآن، 1404هـ - 1984م، (ط1) ص 30 و48-90، وعدنان الرفاعي، المعجزة، ص 38 و54 و97.
[13]عبد الرزاق نوفل، معجزة الأرقام والترقيم، ص83.
[14]المخللاتي، القول الوجيز، ص174 و175.
[15]عدنان الرفاعي، المعجزة، ص32.
[16]اختلف في عمر سليمان عليه السلام على أقوال منها أنه عاش اثنتين وخمسين سنة، أو ثلاثا وخمسين،أو نيفا وخمسين سنة، وقيل: قبض سليمان لأربعين سنة من ملكه وقيل لاثنتين وخمسين، فتكون وفاته عن أكثر من ثمانين سنة (ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ص168، وابن الأثير، علي بن محمد، الكامل في التاريخ، ج1، ص207، وابن كثير، البداية والنهاية، ج2، ص30، وابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر...، ج2، ص99) واختلف كذلك في عمر صالح عليه السلام فقيل إنه توفي عن ثمان وخمسين سنة، وقيل: 270، أو 280 سنة (أبو زيد أحمد بن سهل البلخي، البدء والتاريخ، ص230، وابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ص81، وابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم، ج1، ص146).
[17] انظر: محمد حسين الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص42-49، ومحمد حسين فضل الله، من وحي القرآن، ج8، ص260-271.
[18] رضوان سعيد فقيه، الكشوف، ص224 و225، والمراد بولاية علي ما روى ابن مردويه عن ابن مسعود قال: "كنا نقرأ على عهد رسول الله r : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" (الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، ج2، ص60).
[19] ينظر على سبيل المثال: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج6، ص242، والشوكاني، فتح القدير، ج2، ص60.