عرض مشاركة واحدة
قديم 14-04-11, 06:03 PM   رقم المشاركة : 5
محب المهاجرين و الأنصار
عضو نشيط








محب المهاجرين و الأنصار غير متصل

محب المهاجرين و الأنصار is on a distinguished road


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.



الحركة الإسلامية تبدأ من القاعدة

أعود الآن إلى سرد الحوادث وفق الخط الزمني التاريخي، وأوجه النظر إلى أهمية الفقرات التالية؛ بوصفها قاعدة للتنظيم الجديد الذي تقوم عليه القضية الجديدة.

لقد امتلأت نفسي بضرورة وجود حركة إسلامية كحركة الإخوان المسلمين في هذه المنطقة وضرورة عدم توقفها بحال من الأحوال... الصهيونية والصليبية الاستعمارية تكره هذه الحركة وتريد تدميرها... ومخططاتها الواضحة من كتبها ومن إجراءاتها ومن تقريراتها ومن دسائسها تقوم كلها على أساس أضعاف العقيدة الإسلامية، ومحو الأخلاق الإسلامية، وإبعاد الإسلام عن أن يكون هو قاعدة التشريع والتوجيه وذلك للوصول إلى تدمير العقائد والأخلاق، وبالتالي تدمير المقومات الأساسية للمجتمع في هذه المنطقة وإحداث انهيار يسهل معه تنفيذ تلك المخططات... ووقف نشاط الإخوان حقق الكثير من هذه المخططات، وساعد على نشر الأفكار الإلحادية والانحلال الأخلاقي.

الإخوان المسلمون تدبر لهم المذابح في "حادث المنشية" وحادث "طرة"...

"جمعية الفلاح" عن طريق أعضائها القريبين من رجال الثورة؛ تشحن الجو بالتوتر والمخاوف وتعمل على توسيع الهوة وتعميقها...

التعذيب والقتل والتشريد؛ ينال الألوف من العناصر المتدينة المتماسكة الأخلاق، الأمينة المخلصة، وبيوتهم وأطفالهم ونساءهم... إلى آخر هذه الصورة المزعة الكئيبة...

هذه هي الحصيلة التي تجمعت لدي فيما بين سنة 1954 وسنة 1962، ليس معنى ذلك أنه لم تكن هناك أخطاء إطلاقاً في حركة الإخوان، ولكنها إلى جانب تلك الحصيلة تعد ضئيلة.

إن الحركة الإسلامية يجب أن تستمر، إن القضاء عليها في مثل تلك الأحوال يعد عملاً فظيعاً جداً يصل إلى حد الجريمة، إن الأخطاء الحركية يمكن أن تستبعد، ويمكن الاستفادة من التجربة في تجنبها.

وبعد مذبحة "طرة" لم يعد في "الليمان" أحد من الإخوان معي إلا الأخ محمد يوسف هواش، والأخ محمد زهدي سلمان، وهذا الأخير - بحكم ثقافته المحدودة - لا يتمكن من المشاركة في أي تفكير من هذا النوع، فلم يبق معي إلا هواش.

وبعد مراجعة ودراسة طويلة لحركة الإخوان المسلمين ومقارنتها بالحركة الإسلامية الأولى للإسلام؛ اصبح واضحاً في تفكيري - وفي تفكيره كذلك - أن الحركة الإسلامية اليوم تواجه حالة شبيهة بالحالة التي كانت عليها المجتمعات البشرية يوم جاء الإسلام أول مرة، من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة الإسلامية، والبعد عن القيم والأخلاق الإسلامية - وليس فقطا لبعد عن النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية - وفي الوقت نفسه توجد معسكرات صهيونية وصليبية استعمارية قوية؛ تحارب كل محاولة للدعوة الإسلامية وتعمل على تدميرها عن طريق الأنظمة والأجهزة المحلية، بتدبير الدسائس والتوجيهات المؤدية لهذا الغرض، ذلك بينما الحركات الإسلامية تشغل نفسها في أحيان كثيرة بالاستغراق في الحركات السياسية المحدودة المحلية، كمحاربة معاهدة أو اتفاقية، وكمحاربة حزب أو تأليب خصم في الانتخابات عليه.

كما أنها تشغل نفسها بمطالبة الحكومات بتطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية، بينما المجتمعات ذاتها بجملتها قد بعدت عن فهم مدلول العقيدة الإسلامية والغيرة عليها، وعن الأخلاق الإسلامية.

ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة؛ وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي، لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به.

وفي الوقت نفسه، ومع المضي في برنامج تربوي كهذا، لابد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج، وتدميرها ووقف نشاطها وتعذيب أفرادها، وتشريد بيوتهم وأطفالهم تحت تأثير مخططات ودسائس معادية، كالذي حدث للإخوان سنة 1948، ثم سنة 1954 وسنة 1957، وكالذي نسمع ونقرأ عنه مما يحدث للجماعات الأخرى، كالجماعة الإسلامية في باكستان، وهو يسير على نفس الخطة وينشأ عن نفس المخططات والدسائس العالمية.

وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريباً فدائياً بعد تمام تربيتها الإسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق... هذه المجموعات لا تبدأ هي اعتداء، ولا محاولة لقلب نظام الحكم، ولا مشاركة في الأحداث السياسية المحلية، وطالما الحركة آمنة ومستقرة في طريق التعليم والتفهيم والتربية والتقويم، وطالما الدعوة ممكنة بغير مصادرة لها بالقوة، وبغير تدمير لها بالقوة، وبغير تعذيب وتشريد وتذبيح وتقتيل، فإن هذه المجموعات لا تتدخل في الأحداث الجارية، ولكنها تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة لرد الاعتداء وضرب القوة المتعدية بالقدر الذي يسمح للحركة أن تستمر في طريقها.

إذ أن الوصول إلى تطبيق النظام الإسلامي والحكم بشريعة الله ليس هدفاً عاجلاً، لأنه لا يمكن تحقيقه إلا بعد نقل المجتمعات ذاتها، أو جملة صالحة منها ذات وزن وثقل في مجرى الحياة العامة؛ إلى فهم صحيح للعقيدة الإسلامية ثم للنظام الإسلامي، وإلى تربية إسلامية صحيحة على الخلق الإسلامي، مهما اقتضى ذلك من الزمن الطويل والمراحل البطيئة.

وأصبحت هذه الصورة للحركة الإسلامية واضحة في حسي تماماً - كما أصبحت واضحة في حس الأخ هواش - وبقيت مهمة نقلها إلى أفراد ومجموعات أخرى من الإخوان بأية وسيلة، لبدء حركة على أساسها، وفي سنة 1962 بدأت الحركة فعلاً.

* * *

بدأت بحضور أفراد من الإخوان المسجونين، أكثريتهم من "سجن القناطر" وأقليتهم من "سجن الواحات"، للعلاج في مستشفى ليمان طرة، أو مستشفى سجن مصر كذلك ثم "سجن طرة" حسب الإمكانيات العلاجية بهما، وإن كان الاتصال بهم في فترات الرياضة في فناء المستشفى وفي كل فرصة تسنح، وإن كان اتصالاً محدوداً وقصيراً من ناحية الزمن اليومي ومن ناحية زمن بقائهم بالمستشفى لعملية أو علاج ينتهي في فترة محدودة ويعودون إلى سجونهم، ما عدا أفراداً منهم مكثوا فترات طويلة - وسأذكر شأنهم معي تفصيلاً –

ولكن قبل ذلك لابد من تصوير الظروف التي تمت فيها هذه الاتصالات التي حاولت فيها نقل مفهوماتي لهؤلاء القادمين؛

أنا إلى ذلك الوقت في محيط الإخوان المسلمين؛ مجرد أخ مسلم... حقيقة أن له من نفوسهم قيمته ومكانته الشخصية بوصفه كاتباً مفكراً إسلامياً له خبرته وتجربته في المجالات العامة، وله شهرته ومكانته في العالم الإسلامي... ولكنه مع ذلك كله ليست له صفة حركية إدارية في الجماعة تعطي له الحق الشرعي في رسم خطة حركية ولا من توجيه الإخوان إليها، لأن هذا الحق لـ "مكتب الإرشاد"، وحده ولمن يكلفه بذلك، ولست من أعضاء المكتب ولا مكلفاً منه بشيء.

هذا الظرف كان يحتم علي أن ابدأ مع كل شاب وأسير ببطء وحذر من ضرورة فهم العقيدة الإسلامية فهماً صحيحاً، قبل البحث عن تفصيلات النظام والتشريع الإسلامي، وضرورة عدم إنفاق الجهد في الحركات السياسية المحلية الحاضرة في البلاد الإسلامية للتوفر على التربية الإسلامية الصحيحة لأكبر عدد ممكن، وبعد ذلك تجئ الخطوات التالية بطبيعتها بحكم اقتناع وتربية قاعدة في المجتمع ذاته لأن المجتمعات البشرية اليوم - بما فيها المجتمعات في البلاد الإسلامية - قد صارت إلى حالة مشابهة كثيراً أو مماثلة لحالة المجتمعات الجاهلية يوم جاءها الإسلام، فبدا معها من العقيدة والخلق لا من الشريعة والنظام، واليوم يجب أن تبدأ الحركة والدعوة من نفس النقطة التي بدأ فيها الإسلام، وأن تسير في خطوات مشابهة مع مراعاة بعض الظروف المغايرة.

ولم يكن الزمن الذي يقضيه كل منهم يسمح بتكوين فهم كامل ولا واسع لهذا المنهج، ولكن فقط يفتح له نافذة للتفكير من جديد والقراءة في الكتب التي تساعده على هذا التصور والتي كنت أسمي له عدداً منها، وبعضها كان عندي في "الليمان" ومن مكتبته، فيقرأ منها ما يمكن ويكمل الباقي بعد عودته، أولاً في صورة فردية، وفيما بعد تكونت أسر في "سجن القناطر" لدراسة هذه الكتب بالإضافة إلى كتب أخرى اختاروها بأنفسهم هناك.

كانت أول مجموعة تكلمت معها في هذه المفهومات بتوسع - سنة 1962 على ما أذكر - مكونة من الأخوان؛ مصطفى كامل، وسيد عيد ويوسف كمال من "سجن القناطر" في فترة أقل من أسبوع، ولكنهم تحمسوا لهذه المفهومات وعادوا فتكلموا فيها مع بعض إخوانهم بحماسة كان لها رد فعل شديد في وسطهم، فبعضهم أخذ يتحمس لهذا الاتجاه من التفكير ويطلب منه المزيد، وبعضهم أخذ يتحمس ضده بشدة باعتبار أن فيه مخالفة للخط الحركي الذي سارت عليه الجماعة من قبل وتخطئه لها في بعض تحركاتها، وباعتبار آخر وهو أنه صادر عن جهة غير شرعية بالنسبة لهم.

وتوالى خلال هذه الفترة - من سنة 1962 إلى سنة 1964 - مجئ أفراد آخرين أذكر منهم من تعيه ذاكرتي على غير ترتيب زمني، ومن السهل معرفة الجميع سواء من أحد الإخوان الذين كانوا في "القناطر" أو من السجلات...

أذكر منهم؛ رفعت الصياد، عبد الحميد ماضي، سعيد منسي، عبده صالح، فوزي نجم، الحاج عبد الرزاق أمان الدين، مصطفى دياب، سيد دسوقي، موسى جاويش، صبري عنتر، محمود حامد، رشدي عفيفي، عبد السلام عماره، عبد الرؤوف كامل، سيد (…)، رجب (…)، سعد عفيفي، حسن عبد العظيم، صلاح الأنوار.

* * *

ملاحظة:

محاولة تذكر الأسماء تسبب لي إجهاداً شديداً، وتستغرق وقتاً طويلاً يمنعني عن المضي في التقرير للوصول إلى الوقائع الأخيرة، فقد استغرق تذكر هذه الأسماء حوالي ساعتين، ولا أهمية في الحقيقة لسردها هكذا، ويمكن الاستعانة بذاكرة الأخ هواش، أو بذاكرة الأخ الطوخي الذي لم يحضر ولكنه كان بين المسؤولين عن الإخوان في "القناطر"، أو بأي واحد من الذين حضروا... وذلك لكي أستطيع كتابة ما هو أهم، وهو نوع علاقة كل منهم بي، ثم تصرفاتهم وتصرفات المعارضين لهم من إخوانهم.

* * *

هؤلاء الذين حضروا من "القناطر" وسمعوا مني ما ينبغي أن يكون عليه منهج الحركة الإسلامية، وسمعوا المفهومات العقيدية الصحيحة، ومدى بعد المجتمعات الإنسانية اليوم عنها - بما فيها المجتمعات الإسلامية التقليدية ذاتها - ليسوا كلهم من سن واحدة ولا من ثقافة واحدة، فعدد منهم عمال، وعدد طلاب متفاوتو المستوى والاستعداد، كما أن بعضهم أقام أياماً لقيني ساعة أو ساعتين في المجموع، وبعضهم أقام أسابيع، وبعضهم أقام أشهر طويلة، لذلك كله اختلفت الصور التي نقلوها لإخوانهم في "القناطر"، وبعض هذه الصور كانت شوهة أو مبتورة، وبعضها كان كاملاً وصحيحاً، مما جعل المسؤولين عنهم في "القناطر" - وكانوا يختارون من بينهم مجموعة من خمسة أو أقل أو أكثر تشرف على شؤونهم فترة من الزمن حتى تتعب فيختارون غيرها - تطلب مني أسماء مجموعة من الكتب تكون مراجع لدراسة الإخوان، لأن الكتاب ينقل الفكرة نقلاً كاملاً صحيحاً.

فكتبت لهم أسماء نحو أربعين كتاباً، اختاروا هم من بينها بعضها، وأضافوا بعضاً آخر، وجعلوها برنامجاً ثقافياً تدرسه فيما بينها أسر بقدر ما يسمح نظام السجن، والأسرة عادة سكان زنزانة فيما أظن - ولا أعرف على وجه الدقة تفصيلات ذلك - ولكن هذا لم يضع حداً للمشكلة التي نشأت من رفض مجموعة منهم أن تتلقى أفكاراً أو تدرس برنامجاً لم يأت من الجهة الشرعية في الجماعة ومعي الباقون من أعضاء مكتب الإرشاد في السجون وكانوا إذ ذاك في الواحات.

وفي خلال الفترة من سنة 1962 إلى سنة 1964، انتهى الحال إلى أن تكون المجموعة التي في "القناطر" - وعددها حوالي المئة - مصنفة كالآتي؛ حوالي 35 اندمجوا في الدراسة، وأصبحت لهم مفهومات واضحة في العقيدة الإسلامية وفي منهج الحركة الإسلامية، وحوالي 23 آخرين يعارضون تماماً هذا الاتجاه، ويرفضون مبدأ السماع إلا من قيادة الجماعة في الواحة، وحوالي 50 يدرسون ولكنهم لم يصلوا إلى الوضوح الكافي وهم في الطريق... إلى أن انتهت مدة سجن الجميع وخرجوا خلال 1965.

وفي مقدمة الذين يعتبرون قد درسوا وفهموا؛ مصطفى كامل، ورفعت الصياد، سيد عيد، فوزي نجم، الطوخي، صبري عنتر، عبد الحميد ماضي، ولا أملك تذكر كل الأسماء، لأني أعتمد دائماً فيها على ذاكرة الآخرين، ويمكن الاستعانة بذاكرة الأخ هواش أو الأخ الطوخي أو الأخ فوزي نجم ليذكرني بهذه الأسماء فهم يعرفونها معي.

وفي مقدمة الذين عارضوا بشدة وأقاموا ضجة؛ أمين صدقي وعبد الرحمن البنان، لطفي سليم، عبد العزيز جلال، والبقية يتذكرها الطوخي أو فوزي نجم أو مصطفى كامل.

وبعض هؤلاء أوصلوا إلى الأستاذ عبد العزيز عطية وغيره في الواحات صورة مضخمة ومشوهة عن الانقسامات الخطيرة التي وقعت في مجموعة "القناطر"، وصورة كذلك مشوهة عن أصل الأفكار والمنهج الذي يدور حوله الخلاف، مما جعلهم في الواحات ينزعجون انزعاجاً شديداً سواء من الفكرة ذاتها أو من الخلاف حولها.

وقد حضر من عندهم للعلاج في "طرة"؛ الأخ عبد الرؤوف أبو الوفا، فأبلغني خبر هذا الانزعاج من ناحية واتجاه المجموعة في "الواحة" إلى عدم تكفير الناس من ناحية أخرى!

وقد قلت له: (إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه، إنما نحن نقول؛ إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية، وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية... فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس!).

ولما عاد؛ أبلغهم الصورة الصحيحة، بقدر ما فهم منها، ولكن ظل الآخرون في "القناطر" يلحون عليهم بوجوب وقف ما أسموه بـ "الفتنة" في صفوف الجماعة، وظل الحال كذلك حتى نقل إلى مستشفى "طرة" الأستاذان عبد العزيز عطية وعمر التلمساني من أعضاء "مكتب الإرشاد" الباقين في السجون، والتقيا بي وأفهمتهما حقيقة المسألة فاستراحا لها.

ولما حضر أمين صدقي وعبد الرحمن البنان إلى مستشفى "طرة" - وكنت قد خرجت بعفو صحي بعد سوء حالة الذبحة الصدرية التي أصبت بها في السجن مع بقية أمراضي الأخرى - بلغني من الأخ هواش بعد خروجه - وكان حاضراً لقاء عضوي المكتب بالشابين الحاضرين من "القناطر" - إنهما حاولا إفهامها أن الأمر ليس كما فهموا، ولكنهما ظلا مصرين على موقفهما بعد عودتهما إلى "القناطر" هما والمجموعة التي معهم، وخرج هؤلاء وغيرهم على الصورة والتقسيم الذي أشرت إليه من قبل.

المهم؛ أن المجموعة الأولى التي تعتبر داعية للمفهوم الإسلامي الصحيح، جعل معظم أفرادها يزوروني بعد خروجهم، وإن كان قصر الفترة التي قضيتها في القاهرة، وكلها من الخروج إلى الاعتقال ثمانية أشهر بالضبط، جعل هذه الزيارات معدودة... فمصطفى كامل - مثلاً - رأيته مرة واحدة، ورفعت الصياد ربما خمس أو ست مرات، وسيد عيد أكثر من عشر مرات، وفوزي نجم ثلاث مرات، والطوخي ثلاث مرات سريعة، وسيد دسوقي ربما ثلاث مرات أو أربع، والباقون كذلك أو أقل وفيهم من رأيته مرة واحدة، وكذلك زارني أفراد من المجموعة الثانية التي لم تنضج، مرة واحدة أو مرتين.

وكانت علاقتي أكثر بالأخ هواش؛ باعتباره الرجل الذي عشت معه قرابة عشر سنوات، وفكرنا معاً في المنهج واتفقنا على تصورنا له كل الاتفاق والذي كنت أرشحه في نفسي لأن يتولى إكمال عملية التوعية سواء للمجموعة الثانية أو الأولى الخارجة من "سجن القناطر"، كما كنت أرشحه للاتصال بالتنظيم الجديد، ولكن ذلك لم يتم.

ولكن لم يقع أن وضعت تنظيماً لهؤلاء الخارجين من السجن ولا حتى للمجموعة الأولى المؤلفة من نحو 25 شاباً... لعدة أسباب:

1) إنها معتبرة كبقية الإخوان ضمن الجماعة في حالة سكون عن الحركة في الظروف الحاضرة، وليس لها وضع مستقل يربطها بي إلا نوع التفكير... ولم أكن أريد أن أدخل في أية إشكالات كالتي أثارتها المجموعة المعارضة في "القناطر".

2) إن الخارج من السجن بعد عشر سنوات يكون كالأعمى من ناحية الرؤية الاجتماعية، ولابد أن تترك له فرصة للتعرف إلى المجتمع، ولمعالجة أحواله وأوضاعه الاجتماعية، فضلاً على أن تحركاته مراقبة بشدة.

3) إن الجو في الخارج غيره في السجن، ففي السجن تكون الطاقة حبيسة ومتجمعة ومندفعة في الاتجاه الذي دخل صاحب العقيدة من أجله السجن... أما وهو في الخارج فستستغرقه مشاغل ومشكلات واهتمامات متنوعة، ولم يكن بد من تركهم فترة يتبين فيها من تستغرقه الحياة الدنيا، ممن تبقى فيه بقية لعقيدته ودعوته.

لذلك كله؛ كنت أؤجل الحديث في مسألة تنظيمهم، سواء إذا تحدث فيه أحد منهم، أو إذا سألني أحد من الشبان الخمسة المشرفين على التنظيم الجديد الذي وجد في غيبتي في السجن والتقيت به بعد خروجي - والذي هو الموضوع الأساسي للجزء التالي من هذا التقرير -: (ما رأيك في فلان من الخارجين من السجن؟ ولماذا لا ينضمون كلهم أو بعضهم إلى تنظيمنا؟).

ومرة قلت لهم: (إننا لابد أن نتركهم ستة أشهر على الأقل، وحتى لو عملنا لهم تنظيماً فسيبقى مستقلاً)، وإنني أفكر في أنه - عند ذلك - يشرف عليهم الأخ هواش وهو وحده يتصل بالتنظيم الجديد... إلا أن شيئاً من هذا كله لم يتم.

والذي حدث فقط؛ أنني استدعيت الأخ الطوخي لأعرف منه حقيقة كل واحد من الذين خرجوا، وتصنيف فئاتهم من ناحية الفهم والوعي... وذلك لأنه كان ملاصقاً لهم أكثر مني، وأنا أثق بحسن تقديره وصدق شهادته.

وقد تذكرت الآن أنه هو الزائر الذي ذكر الأخ علي عشماوي في أقواله؛ أنه حضر في أثناء اجتماعاتهم عندي، وأن أخي محمد قطب استدعاني لمقابلته، فجلست معه، ولما عدت قلت لهم: (إنني عجلت بمقابلته، لينصرف من عندي، لأنه في مركز حرج، أو حساس) - لا أتذكر - حسب ما ورد في أقواله، وهو ذاكرته أحسن.

والظروف التي كانت محيطة بالأخ الطوخي في ذلك الحين، أنه كان قد تسلم عملاً في الإسماعيلية، في مكتب التوكيلات فيما أظن، وكانت مباحث الإسماعيلية تراقب تحركاته بشدة، ربما نظراً لأنه كان فترة طويلة مسؤولاً عن إخوان "القناطر"، أو لأسباب أخرى لا أعلمها، وكان عليه أن يعود إلى الإسماعيلية ليلاً ليكون هناك في الصباح، ولم يكن يحب أن يراه أحد عندي أو يحس بوجوده حتى في القاهرة، وكنت في حاجة إليه لأسأله عن تصنيف الخارجين من "القناطر"، فحضر على عجل، وتحدث إلي فيما أردت، فأشرت إلى هذا الظرف بالإجمال للخمسة المجتمعين معي، بسبب أنني قمت سريعاً وتركتهم بمجرد أن محمد قطب ذكر لي اسمه في أذني وأنه يريد أن يراني سريعاً، وكنت على علم بظروفه هذه.

* * *

ملاحظة:

العادة المتبعة في بيتي؛ أنني إذا كنت مع ضيوف وأراد أي واحد - أخي أو أبناء أخي أو الخادم - استدعائي لأمر في الداخل، أو لزائر على الباب، أو في حجرة جلوس أخرى، أن يهمس في أذني ولا يجهر باستدعائي وسببه، وهو أدب عادي في البيت... ومحمد لم يكن يعرف الأخ الطوخي ولا المهمة التي جاء من أجلها، وقد لا يتذكر هذا الحادث.

وفيما عدا هذا الاستفهام من الأخ الطوخي عن أحوال الخارجين لم تقع مني خطوة أخرى لتنظيمهم مستقلين أو متصلين بالتنظيم الجديد، ولكني علمت من الأخ الطوخي أنهم - قبل خروجهم من السجن - كانوا قد كلفوا واحداً من كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر، لا يقيمون في مساكن متقاربة أن يتعهد الآخرين معه بالزيارة والسؤال عن أحوالهم دون أن يعرفوا هم ذلك ولا يشعروا بأن وراءه شيئاً، وذلك فقط كمجرد رابطة - ولا يزيد - وذلك في انتظار أية تعليمات أخرى إذا سمحت الظروف بإعادة تنظيمهم، فقلت له: (هذا يكفي).

ولم يزد الأمر على ذلك شيئاً فيما يختص بالخارجين من السجون، ولم يتسع الوقت لأعرف إن كان هذا الإجراء الذي اتفق عليه في "القناطر" بالنسبة للخارجين؛ إجراء محلياً فكروا فيه من أنفسهم، أو أنه تنبيه عام وارد لهم من جهة قيادتهم من أعضاء "المكتب"، فأنا لم أكن الآمر به، ولكني أرجح أنه إجراء ذاتي من عندهم، لأنه كما فهمت يتعلق فقط بالمجموعة الواعية والتالية، ولا يشمل جميع الخارجين، وقد رأيته أنا كافياً في الظروف الحاضرة، لأن موضوع تنظيم الخارجين من السجون كان مستبعداً مؤقتاً في تقديري، اكتفاء بالتنظيم الجديد الذي خرجت فوجدته قائماً واشتغلت معه واهتممت بتعديل وتحسين وتكوين عقليته ومفهوماته ومنهج حركته - كما سيأتي بالتفصيل –

وفي الوقت نفسه لم أخبر أحداً منهم بشيء عن التنظيم الجديد، وفيما عدا الأخ هواش الذي ذكرت له عموميات عنه وليس تفصيلات، فإن أحداً غيره لم يعلم مني شيئاً عن ذلك التنظيم، لا من الخارجين من السجون، ولا من الإخوان بصفة عامة، ولا من الناس على العموم.



يتبع بإذن الله....







التوقيع :
اللهُمَّ من شنَّ على المُجاهدينَ حرباً ، اللهُمَّ فأبطِل بأسه.ونكِّس رأسَه. واجعل الذُلَّ لِبَاسَه. وشرِّد بالخوفِ نُعاسَه. اللهُمَّ مَن كانَ عليهم عينا ًفافقأ عينيه. ومن كانَ عليهِم أُذُناً فصُمَّ أُذُنيه. ومن كانَ عليهِم يداً فشُلَّ يَديْه. ومن كانَ عليهِم رِجلاً فاقطع رِجليْه.ومن كانَ عليهم كُلاًّ فخُذهُ أخذَ عزيزٍ مُقتدرٍ يا ربَّ العالمين.
من مواضيعي في المنتدى
»» الشيخ وجدى غنيم: الإخوان فى تونس ضحوا بالدين وهنأوا العلمانيين "الكفار"
»» القولُ المسطورُ في نسفِ ما ورد عن " يَعْفُور "
»» الذكاء الاجتماعي والسحر الحلال!
»» هل تريد ان تعرف السر لجعل زوار موضوعاتك بالآلآف والردود بالعشرات
»» موالاة الكافرين