عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-11, 12:59 AM   رقم المشاركة : 10
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


بيان أقوال أهل العلم والمجامع الفقهية ومجالس الإفتاء في التحذير منها وتحريمها
الاربعاء 26 اكتوبر 2011



من خطبة المدينة:

في المدينة المنورة أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ أهمية التزام المسلمين بالمنهج الشرعي في أداء فريضة الحج والسير على الهدي النبوي وأداء الحج بمعانيه السامية وغاياته العظيمة ومقاصده الكبيرة وتحقيق السجايا الحميدة والشمائل النبيلة والمثل العالية.
وقال في خطبة الجمعة: (إن المسلمين يعيشون مواسم عظيمة وأشهرًا جليلة ألا وهي أشهر الحج الذي فرضه الله جل وعلا على عباده ليرفع لهم به الدرجات ويكفر به السيئات).
وحذر إمام وخطيب المسجد النبوي من أذية ضيوف الرحمن والإضرار بهم بقول أو بفعل في بدن أو مال أو عرض، فالله جل وعلا يقول {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
فتاوى الشيخ ابن باز:
قال رحمه الله: (القيام بالمسيرات في مواسم الحج في مكة المكرمة باسم البراءة من المشركين: بدعة لا أصل لها، فإن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت.
وأنزل في ذلك قولَه سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
وأنزل في ذلك سبحانه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم: قوله عز وجل: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ...} [التوبة: 1] الآيات.
وَصَحَّت الأحاديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه بعث الصِّدِّيقَ رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيمَ للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين، ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه؛ ليبلغ الناس ذلك.
وبعثَ الصديقُ رضي اللَّهُ عنه مؤذنين مع علي رضي الله عنه ينادون في الناس بكلمات أربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض؛ كما قال عز وجل: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ...} [التوبة: 2] الآية.
وبعدها أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين إذا لم يُسلموا؛ كما قال الله عز وجل في سورة التوبة: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] (يعني: الأربعة التي أَجَّلها لهم عليه الصلاة والسلام ـ في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية ـ)؛ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].
هذا هو المشروع في أمر البراءة، وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبَيَّنه علماء التفسير في أول تفسير سورة براءة (التوبة).
أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في مواسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها؛ لإعلان البراءة من المشركين: فذلك بدعة، لا أصل لها، ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم.
فالواجب على كُل مَن كَان يفعله تركُه.
والواجب على الدولة ـ وفقها الله ـ مَنْعُه; لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج وغيرهم.
واللهُ سبحانه يقول في كتابه الكريم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...} [آل عمران: 31] الآية، ولم يكن هذا العمل من سيرته عليه الصلاة والسلام، ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
وقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه: فهو رد) [متفق عليه].
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: عن جابر رضي الله عنه في خطبة الجمعة: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) [أخرجه مسلم في صحيحه].
وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) [أخرجه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم)، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع.
وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم؛ فيكون إحداث ذلك في موسم الحج: من البدع في الدين التي حذر منها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي فعله عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة التوبة: هو بَعثُ الـمُنَادِين في عام تسعة من الهجرة؛ ليبلغوا الناس أنه لا يحج بعد هذا العام (يعني عام تسع): مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مع نبذ العهود التي للمشركين بعد أربعة أشهر؛ إلا من كان له عهد أكثر من ذلك؛ فهو إلى مدته.
ولم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا التأذين في حجة الوداع؛ لحصول المقصود بما أمر به من التأذين في عام تسع، والخيرُ كلُّه، والسعادة في الدنيا والآخرة: في اتباعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والسيرِ على سنته، وسلوكِ مسلك أصحابِه رضي الله عنهم; لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، هُم وأتباعهم بإحسان، كما قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
واللَّه المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع، والعملِ الصالح، والفقهِ في الدين، والسيرِ على منهج سيد المرسلين وأصحابِه المرضيين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأن يُعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ومِن البدع في الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه) [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (8/ 166-170)، جمع د. الشويعر].
وفي محاضرة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، بعنوان: (بيان حرمة مكة، ومكانةِ البيت العتيق، وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار)، قال ـ بعد أن استفاض في ذكر الأدلة من الكتاب والسنة ـ: (فالواجب على كل مسلم من هذه الأُمة أن يتأَسَّى بنبيِّه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.
فمِن الواجب على ولاة الأمور من العلماء: أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسئولين: أن يُنَفِّذُوا حُكْم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم، كائنا مَن كان، مِن الْحُجَّاج أو من غير الحجاج، مِن السُكّان أو من غير السكان ... مِن جميع أجناس الناس، يَجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف: أن يصونوه، وأن يحفظوه، وأن يَحمُوه مِن كل أذى؛ كما أوجب الله ذلك، وأوجب نبيُّه ورسوله محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
ومِن ذلك يُعلم: أن ما حدث في العام الماضي، عام 1407ﻫ، مِن بعض حُجَّاجِ إيران مِن الأذى: أَمْرٌ منكر، وأمرٌ شَنِيع، لا تُقِرُّه شريعةٌ ولا يُقِرُّه ذُو عقل سليم.
بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك، وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه: مِن وجوب احترام هذا البيت، وتطهيرِه من كل أذى، وحمايتِه من كل معصية، ومِن كل ظلم، ووجوبِ تسهيل أمر الحجيج والعُمّار، وإعانتِهم على الخير، وكفِّ الأذى عنهم.
وأنه لا يجوز لأحد أبدًا، لا من إيران ولا من غير إيران: أن يُؤذوا أحدًا من الناس: لا بكلام، ولا بفعال، ولا بمظاهرات، ولا بمسيرات جماعية؛ تؤذي الناس وتصدُّهم عن مناسك حجِهم وعمرَتِهم.
بل يجب على الحاج: أن يكون كإخوانه المسلمين: في العناية بالهدوء، والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير، والبعد عن كل أذى.
هكذا يجب على الحجيج: مِن كل جنس، ومِن كل مكان؛ طاعةً لله عز وجل، وتعظيمًا لبيتِه العتيق، وإظهارًا لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة، وتنفيذًا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرًا على منهج رسوله، ومنهج أصحابِه رضي الله عنهم.
هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر ـ بحمد الله ـ واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق: مَن لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو مَن يَجهل أحكام الله، أو يقصد ظلم العباد؛ فيكون عليه من الوزر ما يستحقُ بسبب إيذائه وظلمه.
وأمَّا مَن آمن بالله واليوم الآخر، إيمانًا صحيحًا؛ فإن إيمانه يردعُه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره؛ فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.
والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما، ودفع الأذى عنهما وعن سكانِهما، وعَمَّن يقصدهما مِن العُمَّارِ والحجَّاج والزوار؛ طاعةً لله ولرسوله، وتعظيمًا لأمر الله عز وجل وأمرِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وعونًا للجميع على طاعة الله ورسولِه، وتأمينًا لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه اللَّهُ عليهم، أو يَقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم.
والله يقول سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].
فلابد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون علي البر والتقوى، في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظمُ من غيره، وأفضلُ من غيره.
فإن مكة المكرمة: هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله، وأفضلُ مكانِ وأعظمُ مكان.
ثم يليها المدينة المنورة، ثم المسجد الأقصى، هذه هي المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، وهي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية، وأعظم ذلك: هذا البيت العتيق؛ الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا.
وواجب على أهله والوافدين إليه: أن يعرفوا قَدْره، وأن يعرفوا فضله؛ حتى لا يقعوا فيما حرم الله، وهذا واجب الجميع: من المقيم، والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه: أن يعرفوا قدره، وأن يُعَظّمُوه، وأن يَحذروا مَا حرمَ اللَّهُ فيه.
فإذا كان المريد فيه بذنب: له عذاب أليم؛ فكيف بالفاعل؟! وليس الوارد إليه: هو المخاطب بهذا الأمر؛ إذ المقيم أولى وأولى؛ لأنه دائم فيه، والواجب عليه أن يَعلمَ ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله، وأن يكون عونًا لإخوانه في مكة، وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشدًا لهم في الخير.
وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم، ويُوجهوهم إلى الخير، ويُرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قَول أو فعل، وأن يكونوا دعاةً للحق، هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين.
ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقيَ الله، وأن يُعظِّمَ حُرُماتِه، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل.
ويجب على ولاة الأمور: الضرب بيد من حديد على كل من خالف أمرَ الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده؛ طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين مِن الحجاج والعمار والزوار وغيرِهم، واحترامًا لهذا البلد العظيم وهذا البلد الأمين؛ أن تُنتهَك فيه حرمات الله، أو يُتعدى فيه على حدود الله، أو يُؤمن فيه مَن لا يَخاف اللَّهَ ويُراقِبُه على إيذاء عبادِه وتعكيِر صفوِ حَجِّهم وأمنِهم بفعلٍ سَيّئ أو بقول سيئ.
ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يوفق المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه، وأن يُصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداءَ حقه، والبعدَ عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يُوفِّق ولاةَ أمرِنَا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يُعينَهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينةِ رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى ومِن كل سوء.
وأن يكبتَ أعداءَ الإسلامِ أينما كانوا، وأن يَشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عبادِه، وأن يَجعل تدمَيرهم في تدبِيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شَرَّهم؛ إنه جل وعلا جواد كريم، وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (3/ 383- 387)، جمع د.الشويعر، ضمن محاضرة ألقاها في النادي الثقافي الأدبي، في مكة المكرمة، مساء الأحد 26/11/1408ﻫ].
وفي محاضرة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، بعنوان: (من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين)، قال في ختام المحاضرة: (ولا شك أن الواجب على الـحُجاج أن يبتعدوا عن كل ما يُسبب الأذى والتشويش من سائر الأعمال: كالمظاهرات، والهتافات، والدعوات المضللة، والمسيرات التي تضايق الحجاج وتؤذيهم ... إلى غير ذلك من أنواع الأذى التي يجب أن يَحذَرها الحجاج.
وسبق أن أوضحنا الواجب على الحاج: بأن يكون كل واحد منهم حريصًا على نفع أخيه، وتيسير أدائِه مناسِكَه، وأن لا يؤذيَه: لا في طريق، ولا في غيره.
كما أسأله أن يوفق الحكومة وأن يُعينها على كل ما فيه نفع الحجيج وتسهيل أداء مناسكِهم، وأن يبارك في جهودِها وأعمالِها، وأن يوفق القائمين على شئون الحجِ لِكل ما فيه تيسير أمور الحجيج، ولكل ما فيه إعانتهم على أداء مناسكِهم على خير حال.
كما أسأله عز وجل أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم وأن يصلح لهم البطانة، وأن يُعينَهم على تحكيم شريعة الله في عباد الله، وأن يُعيذَنا وإياهم من اتّبَاع الهوى ومن مضلات الفتن، إنه جل وعلا جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان).

أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي:

تحريم الخروج في المظاهرات في مكة البلد الحرام بدعوى البراءة من أهل الكفر والإجرام، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: (فالواجب على كل مسلم أن يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه، وأن يعمل الصالحات التي ترضي ربَّه عزَّ وجلَّ، وأن يبتعد عما يغضب الله.
فإن الخير لا يرجى إلا من الله، والرزق لا يطلب إلا من الله {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17].
ولا يجوز لعاقل أن يطلب ما عند الله بما حرمه الله، وأغلظ عقوبة فاعله، وإن مما يغضب الله، ويعرض فاعله للمقت واللعنة ما ابتدعه بعض من ينتسب إلى التشيع من عمل المظاهرات في البلد الأمين مكة المكرمة بدعوى إعلان البراءة من الأمريكان وجميع الكفار، منتهكين بذلك حرمة مكة المكرمة انتهاكًا صارخًا لا يقبله من في قلبه ذرة إيمان.
يقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96-97]، فقد أمرَ الله عزَّ وجلَّ بتأمين بيته الحرام.
وهي خبر بمعنى الأمر أي: أمِّنوا من دخَلَهُ.
وقال الإمام ابن كثير رحمهُ اللهُ في تفسيره (1/385): (وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا} يعني: حرم مكة، إذا دخله الخائف يأمنُ مِنْ كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة، ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يُهَيِّجُهُ، حتى يخرج).
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67]، وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 2-3].
قال ابن كثير رحمه الله: (وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها، وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها، وقلع حشيشها كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعًا وموقوفًا) ثُمَّ ذكر بعض تلك الأحاديث منها:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا).
وقال يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها) فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: (إلا الإذخر) [متفق عليه واللفظ لمسلم].
عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولًا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه: (حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا له: إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب) فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بخربة. [متفق عليه واللفظ لمسلم].
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة) [رواه مسلم].
هذا ما يتعلق بمكة، وأما ما يتعلق بالمدينة النبويَّة:
عن زيدِ بنِ أسلمَ رحمه الله عن جابرِ بن عبد الله رضي اللهُ عنهما: أن أميرًا من أمراء الفتنةِ قدِمَ المدينةَ، وكان قد ذهب بصرُ جابر، فقيلَ لجابرٍ: لو تَنَحَّيْتَ عنهُ، فخرجَ يمشي بينَ ابنَيْهِ، فنُكِبَ [أي: أصابته حجارة]، فقال: تَعِسَ منْ أخافَ رسولَ الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال ابناه ـ أو أحدُهما ـ: يا أبتِ، وكيف أخافَ رسولَ الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقد ماتَ؟
قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: (مَنْ أخافَ أهلَ المدينةِ فقدْ أخافَ ما بين جَنْبَيَّ) رواه الإمام أحمد في المسند (23/121ـ الرسالة) والطيالسي (1760)، والبزار في مسنده(3805 ـ كشف الأستار) وغيرهم. وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3433).
والتَّعاسة ضد السعادة، وفي ذلك دعاء على من أراد أهل المدينة بسوء بالتَّعاسة والشقاء؛ لأن إخافتهم كإخافة رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ومعلوم أن الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أفضل الخلق وأكرمهم فحرمته أعظم الحرمات، وفي ذلك فضل عظيم لأهل المدينة، وتعظيم لحرمتهم.
وقال صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء) [رواه مسلم في صحيحه]، وفي رواية (ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النبر ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)، هذا هو ما أمر به دين الإسلام.
والعجب أن يدعو شيعة إيران أتباعهم لمظاهرة لإعلان البراءة من الكفار في الوقت الذي يعلنون فيه على منابرهم في إيران بكفر معظم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكفير الشيخين الجليلين، والوزيرين الكبيرين لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واللذين تمنى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يلقى الله بمثل عملهم: الصديق أبي بكر، وعمر الفاروق.
ويدعون إعلان البراءة من الكفار في الوقت الذي يتولى فيه شيعة إيران أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سموه "بابا شجاع الدين" وبنوا على قبره مقامًا لعبادته وزيارته!
ولا ينقضي العجب من هؤلاء الروافض حين يعلم أنهم يقررون في كتبهم دعوة الأئمة والاستغاثة بهم في الشدائد والملمات، ويعطونهم من أخص خصائص الربوبية والألوهية الشيء الكثير، فأئمتهم ـ بزعمهم ـ يعلمون الغيب! وبيدهم الغلبة والنصر! وبيدهم الجنة والنار! وهم يسيرون الأفلاك! ويديرون الأملاك!
فإذا كانت كتبهم تنضح بالكفر، وشيخهم النوري الطبرسي يكتب كتابًا يدعي فيه تحريف كتاب رب الأرباب، ويقولون في أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما قولًا عظيمًا، وإمامهم الخميني يجعل رتبة الأئمة فوق رتبة الأنبياء ونحو ذلك مما عندهم من الكفر الصراح، والعقيدة التي زادت على كفر اليهود والنصارى فالواجب عليهم البراءة مما اشتمل عليه مذهب الرافضة من الكفر الصريح، والشرك القبيح لا إشغال العامة والسفهاء بأذية المسلمين، وانتهاك حرمة البلد الأمين الذي جعله الله مفاءة للناس وأمنًا.
قال تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا} أي: أمِّنوا من دخله، فالواجب على جميع العقلاء أن يعرفوا حرمة البيت الحرام، ومكة البلد الحرام، وأن ينتبهوا إلى مكر المجوس، وما يريده من ينتسب إلى التشيع من إشاعة للفتنة والفوضى.
وعجبًا لأناس يتركون متابعة أهل الذكر والعلم والهدى، ويتركون ما عليه مجتمعهم المسلم من المحافظة وحب الخير والمسارعة في طلب مرضاة الله، ثم يتابعون أناسًا معظمهم من الفرس أو من تشبه بهم قد ظهرت عليهم آثار غضب الله ومقته بدعوتهم للإثم والعدوان، وتلبسهم بكثير من عقائد المشركين، وتفضيل معتقد الروافض على معتقد أعل الإسلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم بمبررات واهية، تشبه ما قاله المنافق اللعين عبد الله بن أبي بن سلول لَمَّا شفع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قينقاع ليبقى له يد عندهم يستنصر بهم عند شدائده.
هذا وقد دعا الخميني ومن سلك سبيله من شيوخ الرافضة الحجاج للقيام بما يسمونه البراءة، وجعله تلك البراءة من أعمال الحج الهامة التي ابتدعها الخميني ومن ثم خليفته خامنئي واستحسن تلك البدعة رغم ما ظهر من فسادها، وما حصل بسببها من سفك الدماء، وترويع الآمنين، وحمل السلاح في البلد الأمين في أوجه حجاج بيت الله الحرام وقتلهم وطعنهم بالسكاكين.
فتلك البراءة الكاذبة، والمظاهرات الفاسدة مما يجلب لهم غضب الله وسخطه، وهو بيع دينهم بدنيا خامنئي وأشباهه ممن أضلهم الله وأشقاهم.
فالمظاهرات والخروج في مسيرات في مكة المكرمة أو المدينة النبوية استجابة لخامنئي من بيع الدين بالدنيا من وجوه شتى منها:
أولًا: أن في المظاهرات والمسيرات موالاة للمشركين، ومشابهة لأهل الكفر والشرك في أفعالهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن تشبه بقوم فهو منهم).
ودعوة من ينتسب إلى التشيع إلى مظاهرات لإعلان البراءة من المشركين تناقض ظاهر إذ كيف يتبرءون من الكفار بمشابهتهم والقيام بأفعالهم المحرمة؟!
ثانيًا: أن المظاهرات والمسيرات من البدع والمحدثات التي تخالف الشريعة، ومرتكبها يدعي أن الدين ناقص وأن الرسالة غير كاملة! والله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)، وفي رواية: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد).
وقال الإمام مالك رحمَهُ اللهُ: (من ابتدع في الدين بدعة فقد اتهم محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه قد خان الرسالة)، فمن يخرج في المظاهرات والمسيرات وخاصة في البلاد السعودية ـ حَرَسَهَا اللهُ ـ فهو مبتدع ضال.
ثالثًا: أن الخروج في مظاهرات ومسيرات في المملكة العربية السعودية ـ حَرَسَهَا اللهُ ـ فيه فساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، لما عرف من مفاسد هذه المظاهرات مما لا يخفى على كل ذي عينين.
قال الله تعالى عن قارون: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77]، وقال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 205].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمَهُ اللهُ في تفسيره: ({وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وإذا كان لا يحب الفساد فهو يبغض العبد المفسد في الأرض غاية البغض، وإن قال بلسانه قولًا حسنًا.
ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ليست دليلًا على صدق ولا كذب، ولا بر ولا فجور، حتى يوجد العمل المصدق لها المزكي لها، وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود، والمحق والمبطل من الناس بسبر أعمالهم، والنظر لقرائن أحوالهم، وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم.
ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله إذا أُمر بتقوى الله تكبَّر وأنِفَ و{أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} فيجمع بين العمل بالمعاصي والتكبر على الناصحين) انتهى كلامه رحمَهُ اللهُ.
سئل شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمَهُ اللهُ: (ما مدى شرعية ما يسمّونه بالاعتصام في المسـاجــد وهم ـ كما يزعمون ـ يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقًا أنها تجوز إن لم يكن فيها شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا؟
فأجاب رحمَهُ اللهُ: أما أنا، فما أكثر ما يُكْذَب عليَّ! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاّ يعود لمثلها، والعجب من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئًا؟ بالأمس تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا أربعين ألفًا! أربعون ألفًا! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى!
والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلها شرارة ثم تكون جحيمًا؛ لأن الناس إذا كره بعضُهم بعضًا وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح، فيحصل الشرّ والفوضى، وقد أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصبر، وقال: (من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية).
الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نظهر المبارزة والاحتجاجات عَلَنًا فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ما هي إلا مضرّة.
الخليفة المأمون قَتل من العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن، قتل جمعًا من العلماء وأجبر الناس على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أن أحدًا منهم اعتصم في أي مسجد أبدًا، ولا سمعنا أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية، ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيِّدها إطلاقًا، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور) [انظر: جريدة "المسلمون" عدد (540) ص(10)].
رابعًا: أن الواجب الحفاظ على الأمن والسكينة وخاصة في مكة البلد الحرام حيث البيت الحرام الذي جعله الله للناس قيامًا وأمنًا، قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 96-97].
وعن عَلِيٍّ رضي الله عنه قال: ما عِنْدَنَا شَيْءٌ إلا كِتَابُ اللَّهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ ما بين عَائِرٍ إلى كَذَا من أَحْدَثَ فيها حَدَثًا أو آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ)، وقال: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ).
خامسًا: أن الله قد افترض على المسلمين طاعة ولاة أمورهم بالمعروف، وحرم مخالفتهم ومعصيتهم، وأوجب توقيرهم واحترامهم وعدم خرم هيبتهم ومكانتهم.
وشيعة إيران من أعظم الناس مشاقة لأمر الله وأمر رسوله فيما يتعلق بهذا الأمر، فهم يلزمون أتباعهم من الشيعة في المملكة العربية السعودية بالطاعة المطلقة والولاء المطلق لمراجعهم حتى لو كانت أوامرهم مخالفة لولي أمرهم وولي أمر جميع السعوديين في المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه.
وإن مشايخ الشيعة في المملكة يزعمون أن طاعتهم لمراجعهم إنما هي في الأمور الفقهية دون السياسية وهذا الزعم مخالف للواقع، فمشايخ الشيعة يدَّعون أن مسألة البراءة دينية وليست سياسية، فحينئذ ينبذون طاعة ولي أمرهم ويطيعون مراجعهم الذين يلقون بأتباعهم إلى التهلكة، ويفتون بما فيه تفريق الأمة، وإشاعة الفوضى، ونشر الفرقة والفتنة.
بل من شدة مشاقة بعض شيوخ الرافضة ومعاندتهم دعوتهم الناس إلى تكفير الوهابية والبراءة منهم ووصف ولي أمرهم في المملكة بأنه وهابي ويجعلون ذلك سبيلًا لتكفيره والنيل من دعوة أهل السنة والجماعة، كل هذه المنكرات والمصائب باسم البراءة من الأمريكان!
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) [رواه مسلم].
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمع وأطع، في عُسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك) رواه الإمام أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه وابن أبي عاصم في السنة والديلمي في مسنده وسنده صحيح.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من التمس ذُلَّهُ ثَغَرَ ثَغْرَةً في الإسلام، ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت) [رواه ابن أبي عاصم في السنة وسنده صحيح].
فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر، والواجب على ولاة الأمور إن عرفوا من يدعو إلى هذا أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع الفتنة بين المسلمين) انتهى كلام الشيخ الإمام ابن باز رحمَهُ اللهُ.
ومن يخرج في هذه المظاهرات ويستجيب لداعي الشر والضلال فقد باع دينه بدنيا غيره،
وقد قيل لعبد الله بن المبارك رحمَهُ اللهُ: (من السفل؟) فقال رحمَهُ اللهُ: (من باع دينه بدنيا غيره).
قال العلامة شيخ المالكية سحنون رحمَهُ اللهُ: (أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره)، ويروى هذا الكلام عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فيا من يخاف الله ويرجوه، ويا أيها المسلم الذي سلَّم أمره لله، ويا أيها العاقل الحصيف، ويا أيها الفطن الأريب احرص على ما ينفعك في دينك ودنياك، وابذل الطرق الشرعية في النصيحة، وعليك بلزوم الجماعة ونبذ الفرقة، والحذر من دعاة السوء الذين يزينون الباطل ويحثون الناس على فعله.
إن هذه المظاهرات لن تغني عنك من الله شيئًا، ولن تحصل بها دنيا ولا دينًا بل هو إمداد للمجرمين في غيهم، ومساعدة لهم على البقاء في خزيهم وضلالهم.
فاتق الله وتمسك بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليك بالعقل السليم المبني على القواعد والأصول الصحيحة.
أسأل الله أن يرد كيد الكائدين في نحورهم، وأن يكفي المسلمين شرورهم.
وأسأل الله أن يديم على البلاد السعودية ـ حَرَسَهَا اللهُ ـ نعمة الأمن والأمان والإيمان.
وأسأله تعالى أن يوفق قادتها لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
والله الموفق لا رب سواه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد).

هيئة كبار العلماء:

بيان هيئة كبار العلماء حول أعمال الشغب التي قام بها بعض الحجاج الإيرانيين في موسم حج عام 1407هـ.
(الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتَّبع سنته إلى يوم الدين، وبعد:
فقد اطلع مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية على الأحداث المؤسفة التي قام بها بعض الحجاج الإيرانيين بعد صلاة العصر من يوم الجمعة السادس من شهر ذي الحجة لعام 1407هـ من تجمُّعات ومسيرة صاخبة، تعطَّل بسببها خروج المصلين إلى منازلهم ومصالحهم، وتعرقلت حركة المرور، وتوقَّف السير فجأة في الشوارع والطرقات.
مما أدى إلى تدخل الحجاج والمواطنين المحتجزين عن الحركة مع الحجاج الإيرانيين في محاولة لإقناعهم بإخلاء الشوارع، ورفض المسيرة إلا أنَّ الحجاج الإيرانيين أصروا على استكمال مسيرتهم الغوغائية رغم جميع المحاولات السلمية الهادئة التي بذلها الحجاج الآخرون على مختلف جنسياتهم وكذا المواطنون سقط خلالها المئات من القتلى والجرحى من النساء والرجال حجاجًا ومواطنين.
وإن المجلس ليستنكر هذا العمل ويشجبه، لِما فيه من إيذاء المسلمين من الحجاج وغيرهم في هذا البلد الحرام في الشهر الحرام، ولكونه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من قتل النفوس، ومضايقة الناس وغير ذلك من أنواع الأذى والظلم، كما يُحَمَّل الإيرانيين مسئولية ما نشأ عن عملهم هذا من مفاسد وفتن.
ولاشك أن هذا العمل مخالف لأمر الله سبحانه لمن أراد الحج بقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} والواجب على المسلم أن يلتزم بما أمر الله به، ورسوله صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم من الأخلاق الكريمة، والمعاملة الطيبة لإخوانه المسلمين.
ولقد عظَّم الله سبحانه وتعالى بيته الكريم، وجعل له من الخصائص ما ليس لغيره من الأمكنة والبقاع، فقال سبحانه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}، وتوعَّد من أراد الإلحاد فيه بالعذاب الأليم بقوله سبحانه: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الظلم هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من إساءة أو قتل، فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك.اهـ.
وقد حرم الله سبحانه إيذاء المؤمنين والمؤمنات في كتابه الكريم في كل مكان وفي كل زمان، فكيف بإيذائهم في البلد الأمين، وفي وقت أداء المناسك، لاشك أن هذا يكون أشد إثمًا، وأعظم جرمًا، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى مشروعية الحج ومنافعه بقوله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ إلى قوله سبحانه- فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ـ إلى قوله سبحانه ـ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 27-30]).
فهذه هي أوامر الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته لحجاج بيت الله الحرام: لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ولا استهانة بحرمات الله، ولا تلفظًا بقول الزور، بل ذكر الله وتعظيم لحرماته وشعائره.
وبذلك يعلم أن ما فعله بعض الحجاج الإيرانيين بأعمالهم الاستفزازية مخالف لأوامر الله وتوجيهاته التي وردت في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين.
فالواجب على جميع علماء المسلمين وحكامهم وقادتهم إنكار ذلك وشجبه ليعلم كل أحد تحريم هذا العمل وبشاعته ومخالفته لشرع الله، وسوء ما يترتب عليه من العواقب الضارة بالمسلمين من الحجاج وغيرهم وعلى المتظاهرين أنفسهم.
وبذلك يعلم حكام إيران أن الواجب عليهم منع حجاجهم من هذا العمل السيئ، وعدم تشجيعهم عليه لما تقدم من الأدلة الشرعية، والمعاني المرعية، والعواقب السيئة المترتبة على ذلك.
كما يعلم أن الواجب على حكومة هذه البلاد وفقها الله منع مثل هذا العمل، وعدم التمكين منه بالطرق التي تراها كفيلة بذلك حماية لحجاج المسلمين وغيرهم من المواطنين من الأذى والظلم وغير ذلك مما يترتب على هذه الأعمال المخالفة للشرع ممن العواقب الوخيمة.
وبهذه المناسبة فإن المجلس حين يستنكر هذا الحادث ويشجبه يوصي جميع حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله وتعظيم حرماته، والتعاون على البر والتقوى، وعطف بعضهم على بعض، وإحسان بعضهم إلى البعض الآخر، والحذر من كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم، أو يشغلهم عن أداء مناسكهم على الوجه الذي شرعه الله، والله المسئول أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويصلح قادتهم، ويمنح الجميع الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يوفق ولاة أمر هذه البلاد لكل ما فيه صلاح الأمة وسعادتها، وتسهيل أمور الحج للمسلمين، وأن يضاعف مثوبتهم على ما قدموه من إحسان وتسهيل وأن يزيدهم من فضله، وينصر بهم الحق، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه).

هيئة كبار العلماء:

عبد الله خياط، عبد العزيز بن صالح، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، سليمان عبيد، عبد المجيد حسن، إبراهيم بن محمد آل الشيخ، صالح بن غصون، محمد جبير، صالح بن محمد اللحيدان، عبد الله بن غديان راشد بن خنين، عبد الله بن مني، حسن بن جعفر العتمي، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ محمد الصالح العثيمين، عبد الله البسام، صالح الفوزان.

قرار مجلس هيئة كبار العلماء حول حادث التخريب

(الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 18/1/1409 إلى 12/1/1409بناءً على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء، وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها، قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة، ومن ذلك:
نسف المساكن، وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة، ونسف الجسور والأنفاق، وتفجير الطائرات أو خطفها، وحيث لو حظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلاد القريبة والبعيدة، وبما إن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية، فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملًا تخريبيًّا، سواء كان موجهًا ضد المنشآت العامة والمصالح الحكومية، أو كان موجهًا لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن.
وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال.
وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد، ونشوء حالة الفوضى والاضطراب، وإخافة المسلمين وممتلكاتهم.
والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، ومما يوضح ذلك قوله سبحانه وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] الآية، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وغيرها على السواء، لقوله سبحانه: {وَيَسْعوْنً فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}، والله تعالى يقول: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}، وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضر بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد، فنهى تعالى عن ذلك) أ. هـ [تفسير ابن كثير(2/223)].
وقال القرطبي: (نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر فهو على العموم على الصحيح من الأقوال) أ. هـ. [تفسير القرطبي(7/226)].
وبناء على ما تقدم ولأن ما سبق إيضاحه يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة يطلبون حصولهم عليها من مال أو عرض، وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة، واجتثات عقيدتها، وتحويلها عن المنهج الرباني، فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
أولًا: من ثبت شرعًا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن، بالاعتداء على النفس والممتلكات الخاصة أو العامة، كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور، ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك فإن عقوبته القتل، لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة.
ثانيًا: أنَّه لابد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى، براءة للذمة واحتياطًا للأنفس، وإشعارًا بما عليه هذه البلاد من التَّقَيُّدِ بكافة الإجراءات اللازمة شرعًا لثبوت الجرائم وتقرير عقابها.
ثالثًا: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الأعلام.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه) [مجلس هيئة كبار العلماء، قرار رقم(148) الصادر في الدورة الثانية والثلاثين بتاريخ 12/1/1409 "مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثاني ص(181)].