عرض مشاركة واحدة
قديم 24-07-12, 08:12 AM   رقم المشاركة : 2
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


الصنمية الذاتية

إن التفلت من منهج الله حذراً من نفرة الناس قد يعـبر عن جملة أمراض نفسية خفية. منها الصنمية الذاتية الكامنة في الأعماق والتي تجعل من صاحبها شخصاً يعتقد في نفسه أنه هو الصانع وهو الهادي. وقد يكون تعبيراً عن شك خفي في صلاحية المنهج القرآني لهداية الناس فهو يستبدل الذي هو خير- في اعتقاده- بالذي هو أدنى.

ضعف الإيمان بالقدر

وعلى كل حال فهو يعبر عن خلل في الإيمان بقدر الله القائل ]عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ(7)( الممتحنة. فالعداوة السابقة بسبب الثبات على الحق الصريح والدعوة إليه بلسان واضح فصيح لم تقم حاجزاً أمام المودة اللاحقة، لأنها عداوة لله وفي الله وعلى منهجه وهداه.وبما أن الله هو الهادي وهو القادر فينبغي أن نكل أمورنا كلها إليه ونطمئن إلى اختياره وحكمته وقدرته )وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)( الممتحنة. فالله (غني) عن الكثرة، و(حميد) لا يقبل إلا طيباً خالصاً ولو كان قليلاً. هل كان النبي r هو السبب في نفرة اليهود؟

والله يضل من يشاء لعلمه بعدم استحقاقه الهداية. وقد يكون هذا فرداً أو جماعة صغيرة أو تكبر حتى تكون أمة يكتب الله عليها الشقاء كاليهود الذين قال الله عنهم)أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)( البقرة. وقال )وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ (145)( البقرة. أفنقول إن سبب نفرتهم ما كان يواجههم به رسول الله r من آيات القرآن التي فضحت مخازيهم وكشفت زيفهم ومساويهم وشتمتهم حتى وصفتهم باخس الصفات وأحط صنف من الحيوانات كالقردة والخنازير والكلاب والحمير!

فلو أن القرآن كان قد لان معهم في خطابه لكان ربما اهتدوا؟! يمكن أن يقول هذا الكثيرون! ولكن من غير المسلمين، فإذا خلف من بعدهم خلوف مثلهم أو أسوأ منهم، أفتنقلب السنة في حقنا ويكون واجباً علينا أن نواجههم بالورد والياسمين ومخالفة منهج رب العالمين؟!

لماذا؟ حتى لا ننفرهم؟! لأن تنفيرهم مخالف لـ(حكمة) الدعوة. إذن طبقوا (حكمتكم) هذه على رسول الله r نفسه وانظروا ما حكمكم عليه؟ بل ما حكمه عليكم!

وعندها حكموا بالحكم نفسه على من اتبع سنته في دعوته وطبق منهجه في سيرته وحركته.

الابتلاء سنّة

وقد تكون نفرة الناس ابتلاءاً من الله يختبر فيه إيمان الصادقين وصحة عبوديتهم. فإن العبد لا يبلغ حقيقة العبودية حتى يطيع سيده فيما يرى وفيما لا يرى لكنه في الحالة الثانية يرضى ويسلم ويقول سيدي أعلم وأحكم )وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ (7)( آل عمران.

ثم قد يكون الفتح من بعد ذلك)عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ(7)( الممتحنة. والله حين كلفنا حمل دينه والتحرك بدعوته ما قال لنا إن الناس - ومن أول صيحة- سيستجيبون لنا ويأتون أفواجاً إنما قال)وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)( الأعراف. فضمن لنا العاقبة. فمن صحت بدايته صحت عاقبته ونهايته وقد تكون العاقبة في الآخرة وليس في الدنيا. وفي قوله r (ويأتي النبي وليس معه أحد) عبرة وأي عبرة!وقياس صحة المنهج في صحة الاتّباع، وليس في كثرة الأتباع.

والعبد الحقيقي في كل ذلك مسلم أمره إلى الله، صابر على الابتلاء إلى خط النهاية، مهما كانت النتائج ما دام يسير على منهج الله يريد وجهه ولو قل الناصر وكثر الخاذل وكره المبطلون.

شرعنا أم آراؤنا

وخلاصة القول أن نسأل هل الحكم في ديننا على أية مسألة إلى شرعنا أم إلى آرائنا وعقولنا؟

فإن كان إلى شرعنا –وليس من جواب غيره- فإن شرعنا واضح في منهجه وقد تركنا رسول الله r على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

أما من جنح إلى عقله ورأيه، وهواه وضعفه، وحملته الظروف وضغط الواقع على أن يجنح إلى ما يرى فليس يعدم آية من هنا وحديثاً من هناك، وحادثة مجتزأه، وقصة مزورة يدعم بها رأيه اتباعاً للمتشابهات. ولكن تبقى الحجة البالغة، والحقيقة الدامغة في شرع الله وحده وليست في الآراء والأهواء وإن زوقت وزخرفت.

الفصل الثاني

أسلوب الدعوة

بين كسب الفرد وتغيير المجتمع

قانون لتغيير الفرد وآخر لتغيير المجتمع

المنهج الترضوي لا يدرك الفرق بين القانون أو الأسلوب اللازم لتغيير الفرد أو مجموعة من الأفراد، وبين القانون أو الأسلوب اللازم لتغيير المجموع أو المجتمع، وهذا خلل كبير وخطير في المنهج يجعله مشلولاً وعاجزاً عن إحداث التغيير الاجتماعي.

نعم قد ينجح في استمالة بعض الأفراد ولكن على حساب خسارة المجتمع والتفريط به ككل.إن السكوت وعدم الإعلان بالحقيقة الصريحة في وسط المجتمع خشية أن نفقد عدة أشخاص تربطنا معهم علاقة من أي نوع، أو جاؤوا إلى المسجد القريب مثلاً يؤدي إلى أن يظل المجتمع سادراً في غيه، جاهلاً بحاله، مستمراً في ضلاله. لأنه لم يجد أو يسمع من يعرفه بالحق من الباطل.

إن مواجهة الخطر المحدق بنا بسبب إيران وذيولها وهم يرفعون شعار التشيع الفارسي لا تكون إلا بـ (فضحه ومصارحة الشعب والوقوف بصلابة بوجهه وعدم الليونة ورفض أية مساومة لأن الشعار جدي والعاملين على تطبيقه جديون، قد يناورون مثلما حاولوا أن يكسبوا السوريين والليبيين لكن لهذا خطاً لاحقاً يقع في العمق…فدعهم أولاً يحطمون الخطوط الأمامية،وعندما يصلون إلى سوريا سيكون الأمر هيناً عند ذاك،لأنهم حينئذ يتنصلون عن أي التزام… كيف نواجه هذا المخطط؟

نواجهه بمصارحة شعبنا ونعبئ إمكانياتنا، نتضامن ونرفض الألاعيب الإيرانية)([44])

بين الصدع بالحق للمجتمع والحوار الشخصي للأَفراد

قد يتغير الفرد بالحوار الشخصي والأساليب الفردية المحدودة. ولكن المجتمع سيظل في عزلة عن هذا التغيير. ولا يتأثر به إلى الحد الذي يمكن اعتباره كبيراً وشاملاً ما لم يحصل الصدع العلني بالحق ويستغرق زمناً قد يطول جيلاً أو جيلين تبعاً لتوفر العوامل والظروف المطلوبة.

إن العقل الجمعي للمجتمع لا يتغير قط إلا بهذا الأسلوب الذي يجعله يتأثر ويستجيب -بلا وعي، وشيئاً فشيئاً- لدواعي الحق الذي تتغلغل فقراته على مدى الزمن المطلوب حتى يأتي يوم يكون فيه مهيأً للضربة الأخيرة فيسقط الجدار وقد يكون سقوطه فجأة لطول ما تفاعلت فيه عوامل التغيير مثله كمثل بحيرة ماء تضرب أمواجها جداراً من طين، أو تحفر في ذراته شيئاً فشيئاً. إنه يتصدع -ولو ببطء- حتى يأتي يوم فينهار.

صحيح أن هذا الأسلوب يتسبب في نفرة المجتمع في بداية الأمر، وإثارة المشاكل كما حصل لرسول الله r. ولكن ذلك ليس دليلاً على عدم جدواه. وليس العلاج بالترك والنكوص. ومن قال بذلك فإنه لا يعرف مراحل العلاج أو محطات السير.

إن من العلاج ما يثير السخونة أو الشعور بالمرارة أولاً. وقد يسبب التقيؤ أو انقلاب المزاج. ولكن الطبيب يقول اصبر على هذه الآثار الجانبية وإلا لن يحصل الشفاء.فالعلاج إذن بالصبر والمصابرة والمرابطة.

المشكلة أن الكثيرين لا يريدون أن يتسببوا في مشكلة، ولا يتحملوا الآثار الجانبية للعلاج. ويجعلون من أي حالة عارضة غير مرغوبة دليلاً على الفشل، وهذه عقبة ما لم نقتحمها ونتجاوزها لنذوق حلاوة عاقبتها فلن نصل إلى الهدف أبدا.

إشكالية النصوص الشرعية

إن هذا يلزمنا بأن نفرق بوضوح بين أسلوب الإعلان بالدعوة خطاباً للمجتمع، وبين الحوار الفردي في الزوايا الضيقة أو اللقاءات الخاصة أو العلاقات الاجتماعية الفردية توصلاً إلى تغيير الفرد. وعندها سننـزل النصوص الشرعية التي تبدو مختلفة أو متعارضة منازلها.

إن المنهج الترضوي لا يدرك الفرق بين النصوص الموجهة لدعوة الفرد والنصوص الموجهة لدعوة المجتمع. إنَّهُ يأتي إلى قوله تعالى – مثلاً- )قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)( سبأ. فيجعل منه قاعدة متبعة في الحالتين ويغمض الطرف عن النصوص الأخرى مثل) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)…{ الكافرون. بينما تقضي الأصول بأن نوفق بين النصوص جميعها. وذلك بأن نحدد موارد النصوص التي تختلف بها بعضها عن بعض، فيختلف إعمال النصوص باختلاف مواردها. وهنا يزول الأشكال. لا أن نُعمِل بعضاً ونعطل بعضاً.

إن آية (سبأ) المارة الذكر أسلوب جدلي رفيع المستوى بين الداعي وبين فرد أو مجموعة أفراد يضعهم فيه وجهاً لوجه أمام المشكلة مفترضاً افتراضاً جدلياً احتمالية وجود الخطأ في أي طرف من الطرفين وكذلك الصواب. ويمكن للداعي أن يستعمل هذا الأسلوب من فوق المنبر أو أي وسيلة إعلان عامة مفترضاً في ذهنه حواراً جدلياً قائماً بينه وبين المجتمع المدعو، بشرط أن يستمر في هذا الحوار إلى نهايته التي يظهر فيها من الذي هو على الهدى ومن الذي هو على ضلال.

إن هذا الأسلوب لا يصلح أن يكون قاعدة عامة مطردة، أو عنوانا للإعلان عن دعوة تغييرية عظيمة شاملة تعرض على الملأ، وإلا ضاع الحق من الباطل وماعت الدعوة، وفقدت مبرر وجودها. لأن الداعي إذا كان يحتمل حقيقة –لا جدلاً- وجود الخطأ في ما يدعو إليه والصواب في القضية التي يريد تغييرها فقد الحجة التي يستند إليها في دعوته وإلزام المجتمع بها وما عاد هناك أي داع للضجيج والإنكار وفتنة الناس وتفريقهم، لأن الإلزام لا يكون بما هو ظني ومحتمل، إنما يكون بما هو حق جزما وقطعاً، فعلاً أو تركاً.

ولو عدنا إلى الآية وقرأناها بإمعان لظهر ذلك لنا بوضوح وظهر لنا معه بطلان شعار (لا فرق بيننا) الموضوع للمزايدة والاستهلاك فإن النص لم يقل (وَإِنَّا و إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، وإنما يقول)وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مبين( فجاء بحرف (أو) الذي يفيد التخيير، ولم يأت بـ(الواو) الذي هو للاشتراك.

ومعنى هذا أن واحداً من الفريقين فقط على هدى. وأما الآخر فعلى ضلال قطعاً. أما ان يكون كلاهما على هدى أو كلاهما على ضلال فكلا.إذن الآية واضحة منذ البداية في عدم قبول الحلول الوسطية الترضوية . فالافتراض موضوع للجدل لا أكثر من أجل إثارة الخصم باتجاه النقاش بأسلوب هادئ.

ومع هذا فالحوار ينتهي هكذا ]قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)( سبأ. أي ببيان انهم مشركون وأنهم على ضلال ودعوتهم مرفوضة بأشد أساليب الإنكار والرفض (كلا)!

وفي الآية دروس كثيرة منها أنه لا بأس في الحوار أن نقول إن ديننا واحد وقرآننا واحد ونبينا واحد وما شابه من الكلمات الهادئة اللينة على أن يكون ذلك مجرد نقطة عبور أو انطلاق مشتركة للوصول إلى نتيجة واحدة واضحة هي أن مفاهيم الخصم لا تستقيم مع هذه القواعد والمبادئ التي اتخذناها أساسا للرجوع والتفاهم.

ننطلق من المتفق عليه لنحسم المختلف فيه

ولو رجعنا إلى القرآن فإننا نجده يعلمنا في نقاشاتنا وحواراتنا أن ننطلق من القواعد والمفاهيم المشتركة المتفق عليها لبحث المختلف فيه وصولاً للاتفاق عليه طبقا إلى تلك القضايا المشتركة كما قال تعالى) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(64)(آل عمران. وكما تنص عليه آية سبأ نفسها قائلة) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ (24)( فكون الله هو الرزاق أمر مشترك متفق عليه .

وما لم نستثمر المتفق عليه من اجل حسم المختلف فيه المتعلق به، فإننا نظل نراوح فوق تلك الأرضية المشتركة ونقفز لنرجع إلى النقطة نفسها حتى نتعب أو ننهار! خشية أن نفقد من لا فائدة من التوقف معه عند هذه المرحلة الميتة.

أما المنهج الإلهي فيعلمنا أن أسلوب تغيير المجتمع يختلف عن أسلوب تغيير الفرد. فلكل أسلوبه وقانونه. والخلط بينهما يضيع علينا هذا أو هذا. فلا يجوز استعمال أي من القانونين في غير محله.

قانون تغيير المجتمع طبقا للمنهج القرآني

دار بيني وبين صديق لي الحوار الآتي

- لقد شتمت الخميني في محاضرتك! وهذا غير صحيح لأنه سينفّر من يحبه. ولقد أثار هذا ضجة في المنطقة التي حول المسجد.

- لا بأس بما تقول. ولكن قل لي إذا اختلفنا فالحكم إلى من؟ شرعنا أم آرائنا؟

- بل شرعنا.

- أحسنت وأصبت فاسمع مني إن في القرآن العظيم وكذلك السنة المطهرة وسيرة النبيr العطرة شتماً لرؤوس الكفر والباطل.

- نعم ، ولكنها قليلة.

- بل هي كثيرة جداً بحيث يصعب حصرها. وهي تشتم وتلعن هذه الرؤوس وبالأسماء أو بالصفات الواضحة المشخصة عينا.

خذ مثلاً أبا لهب وهو ليس شراً من الخميني ، بل هو أشرف منه نسباً. وخير خلقاً. وأخف كفراً وأقل شراً وضررا. لقد شتمه القرآن بقوله في سورة المسد) تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)…( الخ السورة. وخرج بها رسول الله r فألقاها في وجهه وأمام الملأ وهو عمه والعم في مقام الأب كما يقول النبي r (عم الرجل صنو أبيه)!

ولك أن تلاحظ أن السورة لم تكتف بشتم الرجل دون أن تقرن معه امرأته! وهذا أكثر إثارة لدى العربي ! إن أحداً يشتمك لا يسيء اليك كما يسيء حين يشتم زوجتك في وجهك.

والوليد بن المغيرة كم مرة شتمه القرآن! اقرأ -مثلاً- سورة (القلم) لتجد الأوصاف الشنيعة التي شتم بها) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ(11)مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)(

ونـزلت فيه آيات من سورة (المدثر) تلعنه وتتوعده) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا(12)وَبَنِينَ شُهُودًا(13)وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا(14)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(15)كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا(16)سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا(17)إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)(

(وظللت أسرد عليه أمثال هذه النصوص القرآنية العظيمة وهو ينظر الي كأنه يسمعها لأول مرة). ثم قال

- نعم. ولكن هذا مع الكفار.

(قلت في نفسي هذا هروب. وهو اعتراف غير مباشر بصحة الرد، فإن صرف الموضوع إلى جهة أخرى معناه اعتقاد صحته من حيث الأساس وانحصر الخلاف في التطبيق) ثم قلت

- من قال لك إن العلة هي الكفر؟ ولماذا لا يكون مناط الحكم الباطل عموماً، كفراً فما دونه فحيثما وجد أنكرته ولعنت رؤوسه؟

يقول تعالى) وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ(7)لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(8)(الأنفال. فقطع دابر الكافرين تفريع للقاعدة الكلية (إبطال الباطل) وتطبيق لها. وليس هو الصورة الوحيدة أو العلة التي أناط الله بها هذا الحكم.

والقرآن شتم المنافقين وفضحهم ولعن رؤوسهم كعبد الله بن أبي بن سلول. مع أن لهم حكم المسلمين، وظاهرهم مسلم يطالبون بما يطالب به المسلمون من أحكام، وتطبق عليهم الحدود الإسلامية، ويخاطبون بالخطاب نفسه الذي يخاطب به المسلمون (يا آيها الذي آمنوا).

ثم من حكم للخميني بالإسلام وشهد له بالإيمان؟! إنَّهُ أقذر صورة للنفاق والزندقة. بل الكفر الصريح! هو وكل العلماء الذين على شاكلته.

وعاد صديقي إلى نقطة البداية ليقول

- صحيح. ولكن هذا ينفر الناس. إن أحد هؤلاء كان في المسجد فخرج محتجا!

- وليكن، من قال لك إن نفرة النافرين حجة على صحة الدعوة ومقياس لخطئها من صوابها؟ ألم يقل الله تعالى) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ(49)كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50)فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ(51)( المدثر. فرد على نفرتهم بما يزيدهم عتواً ونفورا !

ماذا تريد أن نفعل للحمير إذا نفرت وضفنت([45]) ؟ أنقدم لها الحشيش ونمسح على ظهورها، ونرش العطور على وجوهها ؟!

- إن الدعوة التي لا ينفر منها الحمير ليست بدعوة لأنها ستمسي يوماً -ولا بد- مجمعاً لهؤلاء الحمير أو المستحمرين! وستكون أنت مسؤولاً عن دفع تكاليف الشعير. وإلا ستخلو الحظيرة أخيراً من (أهلها)، وتحصل على لقب (أفشل داعية) بجدارة! فماذا ستفعل؟!

بل أقول لك سرا من أسرار الدعوة والتغيير الاجتماعي أتدرى أن التغيير يبدأ من هنا؟! من الإثارة والنفرة وتحريك السواكن الجامدة والعقول الخامدة.إنه ما من دعوة من الدعوات نجحت إلا وبدأت هذه البداية

- كيف!

- سينفر المجتمع أولاً. وهذا لا ينبغي أن يجرك إلى أن تغير خطتك أو تنحرف عن خطك. بل استمر في سيرك ودعوتك وأعلِ من نبرتك وهذا سيؤدي إلى.. نفور أكثر!

- فاستمر على ما أنت عليه وسترى!

سيأتي يوم فيه يصمتون. عندها أعلم أنهم أصيبوا بالذهول وأن الصدمة قد بدأ مفعولها وأنهم بعد حين تتحرك خلايا أدمغتهم الجامدة المتحجرة وتتشكل من جديد لتبدأ بالانتباه بشيء من الجدية إلى ما تدعو إليه والتفكر فيه. ستقول لهم أنفسهم لولا أن ما يدعو إليه هذا الداع حق لما تمسك به هذا التمسك. فهل نحن حقا على باطل؟! وهذا أول علامات الوهن والانهيار في جدار الباطل. إنه الصمت والتأمل.

وهنا يتحول أهل الباطل من حالة الهجوم وإلقاء الشبهات والضجيج والمطالبة بعقد حلقات الجدل والنقاش إلى حالة أخرى تتمثل بالهروب وعدم المواجهة، والاكتفاء بحالة الدفاع عند الاضطرار، فاعلم أنك قد قطعت شوطا كبيرا في سيرك بالاتجاه الصحيح.

لقد انتهت مرحلة وبدأت مرحلة أخرى

انتهت مرحلة الهجوم وبدأت مرحلة الدفاع. عليك هنا أن تستثمر الحالة وتحول دفاعك إلى هجوم لتقضي على آخر سواتر المقاومة لخصم قد انهزم نفسيا وفقد الحماس في الدعوة إلى أفكاره المنحرفة التي بدأت تتزعزع ثقته بها حتى مع أبنائه وعائلته.

أي أن الجيل القادم سيكون ضعيف التعلق بباطله ويكون- هو والجيل الذي بعده- من حصة أهل الحق إن شاء الله.

إن الجيل الأول عموماً لا بد أن نقبل خسارته ونفرته - هذا على أسوأ الاحتمالات- ثمناً لربح الأجيال القادمة بشرط ان تتضافر الجهود للدعوة بهذا الأسلوب وأن لا يقف الترضويون حاجزاً أمامها يصدون ويوعدون مع أملنا بالمخلصين منهم أن يلتحقوا بالركب السائر في طريق الأنبياء.

على أن هذا لا يلزم منه أن لا تظل عصابة من الرافضة -لا سيما الرؤوس والمنتفعون والمغرضون- تثير الفتن وتحاول الكيد بشتى الوسائل والأساليب.و هكذا فعل رسول الله r.

وبغض النظر عن تفاصيل المراحل التي مرت بها دعوته -إذ لكل مرحلة ظرفها الذي يصنعها مما يؤدي إلى اختلاف أو تشابه المراحل بين الدعوات وقد تختلف في تفاصيلها تبعا لتشابه الظروف وتسلسلها -فإنه r صدع بالحق وجهر بالدعوة وسفه آراء المجتمع وضلل آباءهم وشتم كبراءهم وفضحهم وفضح أباطيلهم.

ولولا هذه الشدة وهذا الهجوم العنيف لما رضخ المشركون وجاؤوا إليه صاغرين يتوسلون -للوصول إليه- بالملك والمال والنساء، مقابل شيء واحد هو أن يدعهم وشأنهم. بل كانوا يطلبون إليه أحيانا أن يسكت مجرد سكوت عن تضليل آبائهم. ولكنه يصر -في مقابل ذلك كله- على ما هو عليه! فماذا كانت النتيجة؟

تقربوا إليه أكثر فعرضوا عليه حلاً وسطاً أن يعبدوا إلهه وحده فترة ويعبد آلهتهم مثلها. لكنه يجيبهم بصراحة وغلظة ويرمي بها في وجوههم) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)(الكافرون.

هذا هو المنهج. فمن وجد في نفسه القوة وعلو الهمة، فليمض على نوره وهداه وإلا فليدع الخلق وشأنهم.

هل رأيت كيف أذل هذا المنهج العزيز رؤوس الباطل فجعلهم يقدمون التنازلات تلو التنازلات؟ ورسول الله r ثابت على موقفه لا يتزعزع ولا يتزحزح قويا صريحا. رغم أنه لم يكن يملك سلاحا، ولم يشهر في وجوههم قنبلة ولا وجه عليهم مدفعا لينهاروا هذا الانهيار!

أرأيت قوة هذا المنهج وفاعليته في هزيمة الخصوم!

هذا ما نحتاجه. وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم كي نعيد الثقة إلى النفوس. فإنك ترى الأمر بالمقلوب!

أهل الباطل ثابتون على موقفهم لا يتزحزحون، معلنين بباطلهم لا يترددون، وأهل الحق يقدمون لهم التنازلات تلو التنازلات لعلهم يرضون أو يصفحون ثم هم لا يستجيبون!

ماذا تريد مني أن أفعل في زمان انهار الكثير من أهله أو كادوا في دينهم كما انهاروا في سياستهم -إلا من رحم- ؟!

ألا ترى الشبه واضحا بين التنازلات السياسية أمام اليهود طمعا في إرضائهم أو اتقاء شرهم، وبين التنازلات الدينية أمام الشعوبيين طمعا في إرضائهم أو اتقاء شرهم؟!

والنتيجة الملموسة أنَّهُ لا هؤلاء يرضون ولا هؤلاء يرضون! أليس العكس هو الذي يجب أن يكون؟!هل ترى في المنهج الترضوي قدرة على أداء هذا (الواجب) وإنجازه؟! قدرة على قلب هذه المعادلة الظالمة؟!

هذا هو المطلوب وهو واجب الوقت في بلدنا. فلنبحث عن منهج آخر.

(وصمت صديقي طويلا وراح في تفكير عميق ولم يرد علي) فقلت له

أقول لك -وبكل تواضع- إن لنا تجربة ميدانية منضبطة بنور الوحي أرجو أن تنتبهوا إليها وتستفيدوا منها قبل فوات الأوان.

الإسلام دعوة تغييرية جماعية اجتماعية ذات منهج تغييري جماعي اجتماعي وليس هو دعوة فردية

الإسلام دين جماعي جاء للجماعة قبل الفرد، والإسلام ليس علاقة قاصرة بين الفرد وربه مجردة عن المجتمع ومنعزلة عنه. نعم هو علاقة بين العبد أو الفرد وربه ولكن من خلال المجتمع.

إذن جاء الإسلام لتغيير المجتمع ككل، وليس لخطاب فرد أو مجموعة من الأفراد. فلا بد أن يكون له منهجه المناسب، وبرنامجه الخاص بهذا الهدف. أي منهج تغييري جماعي صالح لبلوغ الهدف المرسوم. لهذا اتجه الرسول r بدعوته إلى مجتمعه ولم تشغله دعوته الفردية عن هذه المهمة الاجتماعية. بل سخر الأولى في خدمة الثانية. ملخص القول أن الإسلام دعوة تغييرية جماعية قبل أن يكون دعوة فردية موجهة لإصلاح فرد أو مجموعة من الأفراد بمعزل عن المجتمع.

إن منهجه التغييري الجماعي يقوم أول ما يقوم على الإعلان الواضح بالدعوة والصدع بالحق وإنكار ما عليه المجتمع من باطل، دون الاكتفاء بطرح الأفكار في الزوايا الضيقة. ولو كان بالإمكان -طبقا لطبيعة البشر والقوانين الاجتماعية التي وضعها الله تعالى في خلقه- إحداث تغيير شمولي في أفكار المجتمع وأوضاعه بغير هذا الأسلوب لما اختاره الإسلام وطبقه الرسول لأنه دين التسامح والحنفية السمحة. وما خُيِّر رسول الله r بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وهو القائل (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نـزع من شيء إلا شانه).

إذن من غير الممكن بلوغ هذا الهدف العظيم ما لم يكن هناك وضوح في الفصل بين الحق والباطل، وصراحة في مواجهة المجتمع في إنكار هذا، والدعوة إلى ذاك.

أما مجاملة المجتمع علنا والاقتصار ببيان الحق من الباطل على الأفراد في المجالس الخاصة والأماكن المغلقة فلا يمكن –في يوم من الأيام ولم يحصل في التاريخ- أن يؤدي إلى التغيير الاجتماعي المطلوب الذي هو مهمة الإسلام الأولى، وينبغي أن يكون مهمة كل مسلم وداع إلى الإسلام بحق.

لا بد من (المشكلة) كمرحلة من مراحل التغيير

]قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(137)هذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(138)وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139)( آل عمران.

كل دعوة نجحت على مر التاريخ شكلت في زمانها مشكلة اجتماعية كبيرة في مجتمعها في أول مرحلة من مراحلها!

خذ الثورة العلمية الأوربية مثلاً –كما نوهت فيما سبق- كم عانى العلماء من الاضطهاد والتشريد والقتل والتحريق على يد الكنبسة! لو لم يشكل أولئك العلماء الأفذاذ المناضلون مشكلة كبيرة هددت الوجود الباطل لدى (رجال الدين) هل كان يحدث هذا؟ ولو لم تمر تلك الدعوة أو الثورة بهذه المرحلة أو المشكلة أكان بالإمكان أن يكتب لها النجاح؟

تصور! لو أن كل عالم أسر بما عنده لمن يثق به فقط، واقتصر بدعوته على مجالسه الخاصة. أما في العلن والمحافل والمنتديات فيجري تمجيد الخرافة على حساب العقل ومجاملة الجهل على حساب العلم، ومداهنة الكنيسة تجنباً للمشاكل –هل كان قد حصل التغيير المطلوب؟! على العكس. ستذهب دعواتهم هواءاً في شبك وصيحة في واد!

سقراط مثل آخر ما الذي ميع دعوته التوحيدية؟ إنها مجاملة تلميذه إفلاطون- الذي رأى كيف أعدم أستاذه بالسم- التي أنتجت وثنية أرسطو تلميذ افلاطون!

والأحناف الموحدون كانوا موجودين في المجتمع العربي. ولقد كانوا يتمنون الإصلاح ويقومون ببعض ما عليهم من بيان للتوحيد وإنكار للشرك ولكن..بـ(هدوء) ودون إثارة وبالقدر الذي لا يسبب (مشكلة).

فهل استطاعوا إصلاح المجتمع وإحداث التغيير المطلوب؟ كلا. لماذا؟

لأن الطبخة لم تنضج على نار (المشاكل) التي لا بد منها ليكون الطعام سائغ المذاق.لقد كانوا يدركون حجم ما يسببه لهم التغيير والإصلاح من مشاكل ما كان عندهم الاستعداد لمواجهتها وتحملها، فكانوا يتحاشونها لأنها كانت تمثل لديهم –كما لدينا اليوم- إشارة الخطر الحمراء التي لا بد عندها من تخفيف الضغط حتى ينـزل السهم أو الإشارة دونها.

هذا ورقة بن نوفلt يقول لرسول اللهr من أول يوم حين أتاه يستعلمه حقيقة ما رآه من أمر الوحي ويخبره قبل أن يعلم النبي نفسه بهذه الحقيقة الخطيرة والسنة التغيرية الاجتماعية أو العقبة التي لا بد من اقتحامها

(يا ليتني فيها جذعا إذ يخرجك قومك فأنصرك نصرا مؤزرا) فيسأله r مستغربا (أوَمخرجيَّ هم؟!) فيجيبه (ما جاء أحد قومه بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ وأوذي)

إن كثيراً من المشايخ اليوم والدعاة والمفكرين والمسؤولين يمثلون دور ورقة بن نوفل ونحن بأمس الحاجة إلى دور محمد بن عبد الله. ولعل بعضهم لا يريد أن يكون في واجهة المواجهة، فإذا تقدم الصفوف غيره كان من ورائه ينصره ويؤازره.

افترض أن الأحناف قد كثروا في تلك المجتمعات حتى صاروا يعدون بالمئات وظلوا عشرات السنين بل مئاتها يهمسون بدعوتهم هنا وهناك دون أن يرتقوا بها إلى مستوى (القضية)، ويبلغوا بها سطح الأحداث لتكون هي الأولى وهي (المشكلة)، هل كانوا يحققون هدفهم وأمنيتهم من التغيير المطلوب على مستوى المجتمع كله ما لم يخرج من بينهم (محمد)!

فما لنا نمجد محمدا بأقوالنا، ونصنع ما صنع ورقة بأفعالنا؟ في زمن هبت فيه الريح شديدة عاصفة لا يمكن أن يصمد في وجهها ورقة، ولو كثرت الأوراق وتجمعت وصارت بالآلاف.

سلعة الله غالية

جنوح الإنسان إلى المسالمة والدعة مغروس في فطرته، وتردده من تحمل التكاليف وارد وليس بمستغرب. ولكن سلعة الله غالية، والجنة لا تنال إلا بمخالفة دواعي الطبع ونوازع النفس التي لا تتلاءم مع الشرع. ومن هنا جاء الحث على الجهاد والترغيب فيه والترهيب من النكول عنه كما في قوله تعالى) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)( المائدة. والقرآن يخبرنا أن التردد راود كل نفس ولم يسلم منه حتى الأنبياء الكرام عليهم السلام وليس في ذلك من عيب ما لم يستسلم له الإنسان

]وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ…(37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا(38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) {الأحزاب.

وقبلها قال) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا(36)( الأحزاب.

لقد كان رسول الله r يحاول-مندفعاً بطبيعته البشرية-تجربة وسائل أخرى أكثر سلاسة، والسير في طرق أقل وعورة لعلها تكسب إلى دعوته أولئك النافرين المعرضين الذين يؤذيه إعراضهم وصدودهم أشد الأذى.أليس من وسيلة يتجنب بها هذا الإعراض والصدود والعداوة والبغضاء؟

إنهم يعدونه بالإيمان إن هو استجاب لمطالبهم في تحقيق بعض الخوارق مثل تفجير نهر في جزيرة العرب، أو إنـزال كتاب من السماء.

ويظهر أنَّهُ كان يسأل الله ذلك وقد يكون ألح في هذا السؤال فأنـزل الله تعالى ]وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ وَقَالُوا لَوْلا نـزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنـزلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(35){ الأنعام.

وقبلها مباشرة قال سبحانه ]قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (34){ الأنعام.

ونحن نعلم ذلك من إخواننا ونعطيهم بعض العذر كبشر وحسابهم على الله تعالى. ولكن لا نعذرهم في تطويع النصوص وتقطيعها لتجعل في خدمة الضعف البشري. ونطمع في ان يتجاوزوا ضعفهم ويطوعوا أنفسهم لتكون في خدمة (القضية).

لا تعارض مع التغيير الفردي

إن تطبيق المنهج القرآني من أجل إحداث التغيير الاجتماعي لا يتعارض أبدا مع الدعوة الفردية أو الحوار الخاص وتكوين العلاقات وعقد اللقاءات كما يبدو لمن ينظر إلى الأمر من خارجه. فلكل أسلوبه ومجاله.

وهكذا كان النبيr يجمع بين الأمرين بحيث لم يجعل من أحدهما سببا لإلغاء الآخر أو معارضته. ولم يقف إعلانه بالدعوة عائقا أمام تلك الحوارات واللقاءات.

على العكس فإن الصدع بالحق يحرك السواكن ويثير العقول ويدفع النفوس باتجاه النقاش والجدل والحوار الذي ينبغي أن نستثمره ونجعله -كما أوصى ربنا- بالحسنى وحسب الضوابط الشرعية. ويؤدي كذلك -وبقوة- إلى مراجعة الأفكار وإثارة الحوارات الذاتية والمثنوية مما يعطي للأفراد فرصة اكبر للوصول إلى الحقيقة مستقبلاً وتنشيط الدعوة الفردية.

فالمنهج القرآني يكسب الفرد والمجتمع، عكس المنهج الترضوي الذي يخسر المجتمع على وهم ربح الفرد. ولكن لا بد من مرور فترة زمنية يأخذ فيها التغيير مستحقه من النضج.

إن هذا- حتى يتم- يحتاج إلى تكامل دعوي يقترن فيه الصدع بالحق من قبل ما يكفي من الدعاة والكتاب والخطباء والمفكرين والمحاضرين الذين يتقدمون الصفوف، بالحركة من قبل الجمهور الواعي الساند الحامل لـ(القضية) بعد أن يكون قد أدرك أبعادها مسبقاً بواسطة أولئك المتقدمين. فالصدع بالحق لا بد أن يقترن بالحركة من قبل ذلك الجمهور متمثلة بالحوار الشخصي وتقديم الوسائل البيانية من الكتاب الهادف والشريط المناسب. إن هذا كله ينشط التغيير الفردي ويكسب باستمرار مزيدا من الأنصار الحقيقيين وليسوا أرقاما فارغة لا قيمة لها. وفي الوقت نفسه نكون قد قمنا بواجبنا تجاه المجتمع الذي نأمل أن يتغير باتجاه الهدف إذا تكاملت فيه عناصر التغيير ضمن الزمن المعين.

ومع هذا كله نقول لا بأس أن يخسر التاجر عشرة آلاف في زاوية لـ(يربح المليون) في الزاوية الأخرى. لقد حصلت الخسارة في زمن النبي r ولكن الربح تحقق من بعد وهو القائل (لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله)

نـزيد العدد أم نغير المجتمع؟

قد تؤدي المجاملة على حساب الحقائق المزعجة إلى كسب سريع لعدد من الأشخاص قلوا أم كثروا. هذا صحيح وواقع. وقد يغري هذا العدد البعض من (الدعاة) ويجعلهم يتوهمون النجاح دون أن ينتبهوا إلى أن الثمن المدفوع مقدما مقابل هذا النجاح الموهوم باهض جدا لا تعوضه كل الأرباح المتوهمة لأنه هو المجتمع نفسه! فنكون قد ضيعنا الكل مقابل جزء لا قيمة له لا من حيث الكمية ولا من حيث النوعية.

أما الكمية فما قيمة عشرة أشخاص أو مائة أو حتى ألف في هذا المجتمع المتلاطم؟. ومن باب الطرفة غير البعيدة عن الواقع نقول إن هذا العدد يمكن الحصول عليه بوسائل أخرى أكثر (هدوءاً) وأبعد عن حصول المشاكل مثل تشجيع الزواج المبكر وتعدد الزوجات دونما داع لهذه الجهود المضنية المزعجة.

وأما من حيث النوعية فإن أغلب هؤلاء الأفراد لم يتغيروا إلى المستوى المطلوب. بل لازالوا يعانون من رواسبهم القديمة التي يعجز المنهج الترضوي عن إزالتها. فهم معرضون للاهتزاز والارتكاس بمجرد أن يسمعوا كلمة الحق والحقيقة المزعجة. أفنظل نكتم عنهم هذه الكلمة؟! فما قيمة الاجتماع على الباطل؟!

نصف سني يساوي نصف رافضي

إن أنصاف المتغيرين هؤلاء يشكلون خطراً على الصف الداخلي. وذلك من عدة نواح منها تسلل المدسوسين فيما بينهم الذين يوفر لهم المنهج الترضوي جميع أسباب الحماية ومظلات التستر والاختفاء ليعملوا عملهم في تخريب الصف وكسب ما يستطيعون كسبه إلى جانبهم عن الطريق العلاقات الشخصية وإثارة الشكوك وإلقاء الشبهات في أوساط أهل السنة والتأثير عليهم بشتى الوسائل والحيل.

وهناك ناحية أخرى خطرة جداً قد لا ينتبه إليها ألا وهي أن هؤلاء الأنصاف –إذا لم تتوفر لهم فرصة التغيير المطلوب ولا بد أن البعض منهم لن تتوفر له هذه الفرصة فيظل كما هو – سيحسبون مستقبلا على الصف الداخلي ويكون منهم الخطيب والأستاذ والمحاضر والكاتب والمتدين العادي. ولا شك أن ما سوف يطرحونه سيكون مخلوطا وليس صافياً. وعندها -وبعد اكتسابهم للهوية بتأثير الزمن- سيستقبل الوسط هذا الخليط على أنه هو الحق.

فمن الكاسب في هذه الحالة و(لله الدين الخالص) والشيطان يقبل بأي تابع؟! ويمكن تصوير الخطر الناتج بالمثل التالي افترض أن رافضياً استطاع أن يغير سنيا إلى النصف فصار نصفه رافضياً ونصفه سنياً، وأن هذا الصنف –النصف قد كثر بيننا وصار يتكلم بألسنتنا ويبث أفكاره المشوشة المخلوطة فيما بيننا أليس في هذا خطرٌ علينا؟

والآن قل لي أليس السني الذي نصفه رافضي يساوي الرافضي الذي تغير فصار نصفه سنيا؟!

لماذا نرفض الأول ونرضى بالثاني؟! ما الفرق؟!

هذا ما أردت قوله لك. إن الصنف -نصف سني = الصنف– نصف رافضي.

وإن هؤلاء الأصناف- الأنصاف ما لم نقطع معهم الشوط إلى نهايته طبقا إلى المنهج القرآني لنغيرهم التغيير المطلوب فانهم يشكلون خطر مستقبلياً علينا لا يقل عن خطر الفرس حين دخلوا في الإسلام جملة واحدة واكتسبوا الهوية على عجرهم وبجرهم، فقاموا بأخطر الأدوار في هدم دولة الإسلام.

إن هؤلاء الأصناف-الأنصاف سيمارسون دورهم -بقصد أو بغير قصد- في تنصيف أهل السنة حتى يتغير وجه السنة الحقيقية ويبدو غريبا على أهلها وهي مرحلة متقدمة باتجاه التشيع الفارسي. إن المنهج الترضوي عاجز كل العجز عن إحداث التغيير المطلوب لهؤلاء الأصناف بل هو صالح جداً لإنتاج المزيد منهم. ولهذا أرى أن السير على هذا المنهج والاستمرار عليه ما هو إلا خطة غير واعية لتشييع أهل السنة فارسياً.

الاعتدال في وسط التطرف اعوجاج

وأخيراً اختم –بحمد الله- هذه الجولة الواسعة بكلام حكيم من حكماء الدعوة والتغيير في هذا العصر هو الدكتور حسن الترابي وهو يتحدث عن سنة من سنن التغيير الاجتماعي

قال –تحت عنوان الاعتدال أم الأقدام-

أن يكون الاتزان بين الثبات والتطور حكمة مطلوبة، فإن مخاطبة المجتمع المسلم الحاضر بمعاني المحافظة والحذر من التغيير بقدر مساو لمخاطبته بدواعي النهضة والحركة، إنما هو في مثل ظروفنا وضع للأمور في غير مواضعها وسبب لإضرار بالغ بالمجتمع ودينه. والخطاب المناسب لمجتمع نائم خامد قرونا طويلة أن نبادره بالمنبهات ودواعي الحركة الحرة. وأن نصيح له أن تيقظ! جاهد! اجتهد! حتى إذا جاد بالحركة وتباركت نهضته لدرجة نخشى عليه فيها الجنوح والفوضى عندئذ يجوز أن ندعوه لما هو الأسلم والأحوط…. وهذه الروح في تربيتنا الدينية لا بد من أن نتجاوزها الآن ولا نتواصى اليوم بالمحافظة بل لا ينبغي إطلاق الدعوة إلى الاعتدال لأننا لو اعتدلنا نكون قد ظلمنا ولو اقتصدنا نكون قد فرطنا.

أما وقع التجديد الديني من حيث اللطف أو العنف فإنه يأتي تبعاً لظروف التحول الاجتماعي. فحين تكون عهود الفترة قد تطاولت وآثار الجمود تراكمت لا يولد العهد التجديدي إلا بعسر شديد، ولا يتم إلا بمجاهدات عظيمة. ويمكن أن يسمى الأمر عندئذ بعثاً أو ثورة لعظم النقلة بين الموات القديم إلى الحياة المنبعثة وفور الحركة الطارئة على السكون القديم.

ولما كانت حدة المفارقة وشدة وقعها تستفز القديم المستقر وتزلزل قواعده الجامدة فإن التجديد يغلب أن يستصحب شيئاً من الحدة والشدة فتأتي لغته لاذعة صافعة وتأتي تدابير تنفيذه كثيفة عنيفة. وتؤدي المدافعة الجهادية إلى مجابهة بينة تنصب القديم وحلفاءه في وجه القائمين بالجديد.والأولى بالمسلمين بالطبع أن يرفقوا في الجدال فلا يقولوا إلا التي هي أحسن، وأن يتجنبوا الفتنة والقتال إلا إذا استحكم البغي وصار الجهر بالسوء والانتصار بالقوة ضرورة يقتضيها الواجب من الدين.

إن الجمود والثورة كليهما سبب فتنة في الدين، بل يغري أيهما بالآخر، ذلك أن الجمود يؤدي إلى أن يخلد الإنسان في مقامه بينما يقتضي الدين مقاماً جديداً فتزداد الشقة والغربة بينه وبين دينه، ويزداد بانسلابه من الدين تصلباً في أوهامه وأهوائه حتى لا يترك رجاء للإنابة الرفيقة، ويصبح الإصلاح العنيف لزاما ليكسر حدة المقاومة ويستدرك كل القصور المتراكم وتنبعث الثورة التي تقع عندئذ بقوة اندفاع هائل لتحقيق الإصلاح الشامل([46]).

إن هذا يذكرني بالرد الإلهي العنيف البعيد عن الوسطية على اليهود حين غلوا في شأن القبلة وجعلوا منها قضية ومشكلة اشغلوا بها المجتمع المدني حينا من الزمن، وأثاروا من ورائها غبارا كثيفا من التشكيك والبلبلة ملأ الجو كله. وكانت شبهات قوية كادت تزعزع الصف الداخلي حتى قال سبحانه) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(114)وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(115)(البقرة. لا سيما وقد جندوا اخوانهم المنافقين معهم في هذه المهمة الخطيرة والفتنة المستطيرة.

لقد ناقش القرآن هذا الأمر مطولاً. ومن خلال النقاش نرى أن اليهود قد غلوا في موضوع القبلة -لحاجة في أنفسهم- غلواً كبيراً. فكان الرد من جنس الفعل غلوا في التهوين من شأنها، حتى إن صيغة الخطاب القرآني جاءت تنفي في ظاهرها أن يكون التوجه إلى هذا الاتجاه أو ذاك من البر) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ..(177)(البقرة. مع أن التوجه إلى الكعبة ركن من أركان الصلاة لا تتم إلا به فكيف لا يكون من البر لولا أن الاعتدال والوسطية في وسط الجنوح والتطرف اعوجاج.

إن هذا يكشف لنا كشفاً واضحاً أن صيحات الوسطية لا تجدي مع الرافضة كثيراً. وأن علينا إعادة الحساب من جديد في كل ما قيل وطرح من أفكار أثبت الواقع فشلها. ومن القوانين الفيزياوية أن (القوة × ذراعها = المقاومة × ذراعها).وهذا يعني أنه إذا وقف الخصم في طرف المعادلة فليكن وقوفك أنت أو مكانك في الطرف الآخر مبتعداً عن نقطة الوسط بالقدر المكافئ لابتعاد الخصم وقوته حتى يحصل الاعتدال. وإلا فإن الوقوف أو الاستقرار والجمود في نقطة الوسط مع تطرف الخصم لا يحدث الموازنة مهما حاولت، ومهما أرسلت مع الريح رسائل الحب من جانب واحد. الأحد 18 محرم 1423مـ


--------------------------------------------------------------------------------

([1]) أبعاد غائبة عن فكر وممارسات الحركات الإسلامية المعاصرة ص17-18 الدكتور طه جابر العلواني- المعهد العالمي للفكر الإسلامي الطبعة الأولى 1417 هـ/1996م فيرندن- فيرجينيا- الولايات المتحدة الأمريكية.

([2]) الفتوى/العدد 88- ربيع الثاني 1421، تموز 2000.

قام الدكتور ابراهيم أمين عزيز الجاف بتحقيق الروايات المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة (رحمه الله) المتعلقة بالإفتاء بالخروج على الخلفاء، وأنه كان يناصر الخارجين على الخلافة الإسلامية مثل ابراهيم بن عبدالله بن الحسن،في رسالته (مناهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية) التي نال عنها شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز ، من مجلس معهد التاريخ العربي في بغداد. وتوصل إلى بطلان نسبتها إلى الإمام أبي حنيفة للأسباب الآتية

1.عدم صحة أسانيدها .

2. بطلان متونها . ومن ذلك أن ابراهيم حين خرج في الكوفة في أول رمضان عام 145 هـ كان أبو حنيفة حينها في بغداد منذ ثمانية أشهر تلبية لأمر الخليفة المنصور (رحمه الله) الذي اختاره ضمن اللجنة المؤلفة للإشراف على تخطيط مدينة بغداد وبنائها . وتقول الرواية إن الخليفة المنصور قد أرسل في طلب أبي حنيفة بعد خروج إبراهيم وقتله مباشرة ، فلما وصل بغداد بقي فيها سجيناً خمسة عشر يوماً ثم سقاه السم فمات ! في حين أن الثابت تأريخياً أن أبا حنيفة مات بعد مقتل ابراهيم المذكور بخمس سنين أي في عام 150 هـ !

3.تعارضها مع روايات أخرى جيدة الإسناد صادرة عن الإمام أبي حنيفة في وجوب طاعة الخلفاء وعدم جواز مخالفتهم فضلاً عن الخروج عليهم .

4. تعارضها مع القواعد الفقهية التي أقرها أبو حنيفة وعليها إجماع أئمة المذهب الحنفي وبقية الفقهاء في عدم جواز الخروج على السلطان إلا في حالة واحدة هي وقوع الكفر الصريح منه/ أنظر الرسالة المذكورة ص 363 ـ 368.

([3]) ولد جعفر عام 78هـ وقيل عام 80هـ وولد أبو حنيفة عام 80هـ .

([4]) ولد الشافعي عام 150هـ وتوفي جعفر عام 148 هـ.

([5]) يقصد النواميس الكسروية وطقوس الأمة المجوسية.

([6]) ص 93-95.

([7]) ص 122.

([8]) ص 173.

([9]) ص328.

([10]) أي أبي بكر وعمر رضوان الله تعالى عليهما.

([11]) ص99-ص100.

([12]) الصهاكي لا غيره هو الذي دك عرش كسرى ونكس رايته وأخمد ناره!.

([13]) ص107.

([14]) تأمل مداهنات أصحابنا غفر الله لهم وكيف يرمزون إلى أكاذيب الرافضة كأنهم يثبتونها دون أن يصرحوا! فلا هم صرحوا وصاروا رافضة ولا هم حافظوا على رزانتهم ومقامهم فلم يقتربوا من مباءة هذه السخافات التي منها ما لفقه الرافضة من رواية السفينة الغارقة التي صارت أشلاء كل شلو في لجة تلعب بها الأعاصير وقد غرق جميع من علق بها!

([15]) وصدق البهائي في وصفه لذلك المائع بـ(المخذول) وتشبيهه له بالبعير حين يهدر.

([16]) ص 146.

([17]) الفكر الإسلامي المعاصر والتحديات ص76-77، منير شفيق، دار البراق للنشر - تونس. الطبعة الثالثة 1411هـ-1991م، الناشر للطباعة والنشر بيروت - لبنان.

([18]) ص275 وما بعدها.

([19]) ص 280.

([20]) يظهر أن هذا الدعاء أو الوعد قد تحقق واستجيب ولكن بالمقلوب ! فقد سمعت ان هذا النيلي قد قتل بعد تسطيره لهذا الكلام بقليل أي في آخر عام 2000 وسلم احمد الكتاب ولازال حياً إلى اليوم.

ولا استبعد أن يكون الله تعالى قد انتقم لأصحاب نبيه r وأزواجه من هذا الأفاك القذر الذي تفوه على عرض النبي r بكلام لا يمكن أن يتفوه به إنسان عنده ذرة من الشرف!

([21]) ص23.

([22]) يظهر أن أبا بكر غدر بالروم أيضاً فغزاهم رغم حلفه السري معهم!

(4) من هذه الأمة؟ أمة اليهود أم النصارى أم أمة الإسلام!.

(5) من بطل هذه المعارضة؟.

([25]) أين نجد هذه (المعلومات الأخرى)؟! في أي سرداب؟

([26]) ص39-42.

([27]) ص44-45.

([28]) ص51. وكيف لا يكون -عند المجوس المبرقعين- من حطم إمبراطورية المجوس وأخمد نارها مانعاً (لرحمة الله ) من الدوام؟!.

([29]) ص95-100.

([30]) ص208.

([31]) ص209.

([32]) ص213.

([33]) وهم أساتذة جامعات يمارسون تخريب عقل الشباب العلمي العراقي.

([34]) د. حكمت الخفاجي.

([35]) د. قيس حمزة.

([36]) خضير ميري (فيلسوف عراقي).

([37]) د. حسين سرمد.

([38]) رياض الصالحين ص96-97 باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الطبعة العاشرة- دار المأمون للتراث-مكتبة المنار.

([39]) المصدر نفسه ص93.

([40]) المصدر نفسه ص96.

([41]) الوجيز في أصول الفقه ص389 الدكتور عبد الكريم زيدان الطبعة السادسة 1397هـ-1977م الدار العربية للطباعة-بغداد.

(2) المصدر نفسه.

([43]) خذ مثالاً على ذلك جريدة تصدر في مصر باسم (صوت أهل البيت)، تدعو إلى التشيع الفارسي بأسلوب هجومي شديد،من أول صفحة من صفحاتها الست عشرة إلى آخرها،رغم أنه لا يوجد في مصر شيعة، وإن وجدوا فأفراد قلائل لا يشكلون(أقلية) أو نسبة معتبرة!

ومع ذلك فإن القائمين عليها لا يجاملون ولا يترددون من ذكر ما يؤمنون به، بل يهاجمون أهل السنة، ومؤسساتهم،وجمعياتهم بكل وقاحة وصلافة!

بين يديّ العدد السادس عشر.محرم 1422-أبريل 2001،هذه نتف قليلة مما جاء في هذا العدد كأمثلة على ما قلت

((ما معنى أن يطلقوا على أنفسهم (الجماعة والسنة)؟! فهل كان الإمام علي(ع) منكراً لسنة النبي (ص)؟! وهل أنكر أنصار الإمام-شيعته-تلك السنة؟!!

إن سنة معاوية وشيعته-أنصاره- فقط كانت إصدار الأوامر إلى خطبائه للهجوم على آل بيت النبي (ص) فوق المنابر ولعنهم في مقدمة كل خطبة!! لعن من طهرهم الله سبحانه وتعالى من الرجس.هذه هي سنة الجماعة والسنة!!

يقيناً فإنه سوف يأتي اليوم الذي بشر به النبي(ص) بقدوم الإمام المهدي المنتظر(ع) وأعتقد أنه سيرفع شعارأعدموا المفسدين بأمعاء المبغضين!!على غرار الثورة الفرنسية أعدموا آخر نبيل بأمعاء آخر قسيس!! المجلس الأعلى يجدد مطالبته باستعادة الأزهر أو تغيير اسمه

تحت هذا العنوان جاء ما يلي جدد المجلس الأعلى لرعاية آل البيت مطالبته لزعامات السادة الأشراف بالعمل في اتجاه استعادة الأزهر الفاطمي أو تغيير اسمه لكي لا يكون سبة في جبين الفاطميين بعدما أصبح مرتعاً للوهابيين واليهود!! وقال المجلس في رسالة بعثها إلى زعامات آل البيتإن الصمت على حالة الأزهر وقد أصبح مصدراً لتزييف تاريخ الأجداد يعد جريمة لا يبرر سوءتها ادعاء أو مبرر. وأن قبول تحول الأزهر من حالته التي أسس من أجلها كي يكون منارة لبث إشعاعه إلى كل أرجاء الدنيا بالفكر النبوي الشريف إلى كونه أصبح بوقاً لقتلة آل البيت يمجد في معاوية قاتل الإمام الحسن(ع) والذي شق عصا الطاعة على أمير المؤمنين(ع) ويزيد ابنه قاتل الإمام الحسين(ع) وباقي الفئة الباغية وهو أمر لا يخدم إلا أعداء الإسلام واليهود بالذات.لماذا رفض الأزهر مسرحية الحسين ثائراً؟!

مما جاء تحت هذا العنوانيا سادة إن الأمر جد خطير وقضية الحسين سوف تفتح الطريق إلى تصحيح الدين لتنبذ وإلى الأبد أولئك الفئة الباغية المستترة خلف ما يسمى بالسلف الصالح وما هم سوى حملة لفكر قتلة آل البيت..آل البيت الذين كانوا أول اختبار لإسلام المسلمين فكان القتل فيهم والتشرد والتعذيب والسجون من أجل الحق . وعموماً فإن شيخ الأزهر الذي لطم مواطناً طالبه بإعلان الجهاد ضد الصهاينة ولم يراع حرمة المسجد سوف لا يضيف برأيه وموقفه شيئاً أكثر مما فعله الطغاة والمجرمين (كذا) ضد آل البيت .

ويا كل من تريدون موافقة الأزهر على مثل هذه الأعمال ننصحكم بألا تفعلوها فهم لا يريدون إلا يزيد عالماً أو معاوية بطلاً أو شارون صديقاً !!من أهداف آل البيت حقهم في تنظيم الحج بموكبهم من مصر ومعهم أبناء المغرب العربي للوصول إلى الأراضي الحجازية عبر درب الحجاج بأم الرشراش .

المطالبة بحق الأشراف في كافة الأقطار العربية في الحج بدون جواز سفر فقط تصدرها جهة مسؤولة عن آل البيت .

حقهم في إقامة مدينة كبيرة لهم بالأراضي الحجازية وحقهم في تنظيم ملتقيات شباب الأشراف من خلال مخيمات تسع آلاف (كذا) منهم للتعارف والتواصل .

حقهم في ممتلكاتهم وأوقافهم داخل الأراضي الحجازية وحقهم في الخمس الذي نص عليه القرآن والحقوق الأخرى .] تأمل عبارة (الأراضي الحجازية) دون (الأراضي المقدسة) !!ولو كانت كربلاء أو قم لقالوا (المقدسة) ولو كانت النجف لقالوا (الأشرف) [

إشكالية الغدير نموذجاً

تحت هذا العنوان جاء ما يلي … وذلك بالضبط ما حصل منذ السقيفة . حيث كان هم جميع الأطراف المتنازعة القبض على السلطة بأي ثمن وبأي وسيلة وخصوصاً بعد صدور إشارات واضحة تدل بما لا لبس فيه على أن من الأطراف ، أعني قريشاً وممثليها بشكل خاص ، لن يترددوا في حال حرمانهم من السلطة في ضرب المشروع الإسلامي من أساسه . ( العصيان العلني لأمر النبي المشدد بإرسال بعث أسامة ، وقولة إن النبي ليهجر) .

هكذا..فإنه عندما نكثت الأمة بما في عنقها من بيعة لإمامها وخليفة نبيها، فإن البيعة نفسها أصبحت غير قائمة كموجب سياسي على الإمام … فمن المعلوم أن الإمام ابتلي خلال فترة حكمه بثلاث حركات معارضة

أولاها تلك التي قادها . ذلك الرجل الذي لم يدخل الإسلام قلبه . ولكنه دخل في الإسلام حاملاً هماً واحداً هو الثأر من هذا الدين الذي انتزع من بيته زعامة قريش ومكة. والغريب المريب أنه منح ابتداءاً من الخليفة الثاني كل الفرصة لبناء دولة شبه مستقلة له في الشام …

أما ثانيتها فهي قريش ، سيدة شمال الجزيرة التي خسرت هي الأخرى موقعها المعنوي والمالي الممتاز بالإسلام ولم تجد سبباً للاعتراض على الخلفاء الثلاثة الأول لأسباب واضحة …

وأما ثالثتها فهم الخوارج … على الرغم من افتقار كل هذه الحركات للمصداقية الفكرية والأخلاقية والسياسية ، فإن الإمام تعامل معها بوصفها جماعات تتمتع بالحقوق الأساسية.فحاورها وحاول ردها إلى الطريق الصواب .

العبابدة يطالبون بتغيير اسم جامع عمرو بن العاص إلى جامع محمد بن أبو (كذا) بكر الصديق(رضي الله عنه ) ( وسبب ذلك كما جاء تحت هذا العنوان هو ) ما ارتكبه عمرو بن العاص في حق آل البيت خاصة وعموم المسلمين الصحابة عامة وتحديداً ما وقع على جدهم محمد بن أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه) على يد عمرو بن العاص الذي قتله ومثل بجثته في مصر وأدخلها داخل أحشاء حمار وأحرقها !!

([44]) دين خميني، 42، 43 - صدام حسين.

([45]) ضَفَن البعير برجله خبط بها. وضفن بغائطه رمى بِهِ - مجمل اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس.

([46]) تجديد الفكر الديني /94-96، 166،167 الدكتور حسن الترابي.

موقع فيصل نور







التوقيع :
دعاء : اللهم أحسن خاتمتي
وأصرف عني ميتة السوء
ولا تقبض روحي إلا وأنت راض عنها .
#

#
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ

جامع ملفات ملف الردود على الشبهات

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83964
من مواضيعي في المنتدى
»» الي بشار الاسد و خامنئي زوالكم بعون الله قريب
»» دليل الفتن و الزلازل في العراق و ايران ز الجزيرة العربية مقارنة
»» نائب سلفي يرفع الأذان خلال جلسة مجلس الشعب المصري
»» التقليد والإستحمار الدينى نبيل الحيدرى
»» جمهورية ملالي الارهاب الايرانية و القتل تهديد بقتل الملك عبدالله