شبكة الدفاع عن السنة - دعوى المقبالي بإضطراب حديث الجارية ( مناظرته المزعومة مع طلبة العلم في السعودية )

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم الدين ولعن الله تعالى أعدائهم إلي يوم الدين أما بعد .

فقد إضطرب شيخ الإباضية " مسعود المقبالي " في الرد على طلبة العلم الذين زعم مناظرتهم على الهاتف كما نقلت شبكة المجرة الخارجية فأطلق إدعاء أن الحديث فيه إضطراب وقد أخرجهُ الإمام مسلم في الصحيح , وقد تكلم شيخ الإسلام إبن تيمية في متن الحديث وبين المراد من هذا اللفظ , وكما قال شيخ الإباضية أنهُ ناظر طلبة علم من السعودية فلماذا لم يسمهم .. ؟

قال شيخ الإباضية مسعود المقبالي في معرض ردهِ على طلبة العلم : " حكمت عليه بالاضطراب قواعد علم المصطلح الناصة على أن المضطرب هو ما ورد من عدة طرق متساوية في القوة وظاهرها التعارض " ما كان هذا من مسعود المقبالي إلا لجهله العظيم بعلم الحديث , وتماشياً مع ما تقتضيه الأهواء والجهل العظيم بعلم الحديث وقواعد المصطلح , ولكن سنبين أن هذا الخبر صحيح لا إضطراب فيه .

أما الحديث وقد رواهُ الإمام مسلم وسؤال الجارية ( أين الله ) فقد صحح الحديث وإعتمدهُ جمعُ غفير من أهل العلم والعلماء قال شيخ الإسلام وبركة الزمان إبن تيمية في مجموع الفتاوي (5/256) : " وقال فِي سياق حديث الجارية المعروف: ( أين الله؟ ) قالت: فِي السّمَاء. لكن لَيْسَ معنى ذَلِكَ أنّ الله فِي جوف السّمَاء، وأنّ السَّمَاوَات تحصره وتحويه، فإن هَذَا لَمْ يقله أحد من السّلف الأمة وأئمتها؛ بل هم متفقون عَلَى أنّ الله فَوْقَ سماواته، عَلَى عرشه، بائن من خلقه؛ لَيْسَ فِي مخلوقاته شيء من ذاته، وَلاَ فِي ذاته شيء من مخلوقاته. وَقَدْ قَالَ مالك بن أنس: إن الله فَوْقَ السماء، وعلمه فِي كلّ مكان .... ( فيتابع شيخ الإسلام إبن تيمية رضي الله عنه قائلاً ) فمن اعتقد أنّ الله فِي جوف السّمَاء محصور محاط به، وأنّه مفتقر إِلَى العرش، أَوْ غير العرش – من المخلوقات- أَوْ أَنْ استواءه عَلَى عرشه كاستواء المخلوق عَلَى كرسيّه: فَهُوَ ضال مبتدع جاهل، ومن اعتقد أنّه لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاوَات إله يعبد، وَلاَ عَلَى العرش ربّ يصلّى لَهُ ويسجد، وأنّ محمداً لَمْ يعرج بِهِ إِلَى ربّه؛ وَلاَ نزل القرآن من عنده: فَهُوَ معطّل فرعوني، ضال مبتدع –وقال- بَعْدَ كلام طويل- والقائل الَّذِي قَالَ: من لَمْ يعتقد أَنّ الله فِي السّمَاء فَهُوَ ضال: إن أراد بذلك من لاَ يعتقد أنّ الله فِي جوف السّمَاء، بحيث تحصره وتحيط بِهِ: فَقَدْ أخطأ " وقد بين رضي الله عنهُ هذا الكلام في متن الحديث فحققه تحقيقاً علمياً عظيماً فكما ترى الآن أيها الإباضي فالحديث ليس في متنهِ إضطراب ولازلنا في مسألة تحقيق سند الحديث وصحتهِ .

قال الحافظ إبن حجر العسقلاني فتح الباري لابن حجر 13/359 : " قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أنت مؤمنة، قالت نعم، قال فأين الله؟ قالت في السماء، فقال أعتقها فإنها مؤمنة ، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم. " .

وقال أبو القاسم البغوي ( المحدث ) شرح السنة 3/43 : " قَالَ : ائْتِنِي بِهَا فَجِئْتُ بِهَا ، فَقَالَ : أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ ، قَالَ : مَنْ أَنَا ، قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .... إلخ " . وهذا أحد الأعلام كما سبقه إبن حجر العسقلاني في تصحيح الحديث فكيف يقول من يكادُ ان يكون مجهولاً بإضطراب الخبر الذي هو في صحيح مسلم والله تعالى المستعان .

" كانت عليه سأل صلى الله عليه وسلم الجارية " أين الله؟" فقالت في السماء فقال: "من أنا؟" فقالت أنت رسول الله قال: "فأعتقها فإنها مؤمنة" أخرجه البخاري وغيره قالوا فسؤاله صلى الله عليه وسلم لها عن الإيمان وعدم سؤاله عن صفة الكفارة وسببها دال على اعتبار الإيمان في كل رقبة تعتق عن سبب لأنه قد تقرر أن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما قد تقرر قلت الشافعي قائل بهذه القاعدة فإن قال بها من معه من المخالفين كان الدليل على التقييد هو السنة لا الكتاب أنهم قرروا في الأصول أنه لا يحمل على المقيد إلا مع اتحاد السبب ولكنه وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود ما لفظه فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة الحديث إلى آخره قال عز الدين الذهبي هذا الحديث صحيح ....." وقد صحح الحديث الصنعاني في سبل السلام , ولا شك في ان الخبر متفق على صحتهِ ومما لا شك فيه أن الحديث قد إتفق على صحتهِ علماء الحديث ومن هم على فن وعلم بهذه الصنعة وهذا الفن العظيم ولكن من أين للمقبالي أن يدعي الإضطراب والقاعدة التي إعتمد عليها في دعوى الإضطراب ( لا شيء ) .... !!

قال إبن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد : " ورجاله موثقون " .
وقال الواسطي في صفات الرب : " في الحديث الصحيح للجارية أين الله فقالت في السماء " فالحديث كما نرى صحيح الإسناد والخبر متفق على متنهِ عند أهل العقيدة والحديث ولكن متى يتعلم المقبالي أن الأخبار التي وردت في الصحاح يحكم بصحتها ومثل هذا المجهول يأتي فيطعن في الأخبار والاحاديث التي وردت في الصحيح .... !!

قال العلامة الإمام المحدث الألباني في صحيح الأدب المفرد : " وهذا دأبه ودأب أذنابه وأمثاله من المبتدعة تصحيح الأحاديث الواهية انتصارا لأهوائهم، وتضعيف الأحاديث الصحيحة كما فعلوا بحيث الجارية: "أين الله؟ " فقد أجمعوا على تضعيفه مع اتفاق العلماء على تصحيحه سلفا وخلفا، وفيهم بعض المؤولة كالبيهقي والعسقلاني، فخالفوا بذلك سبيل المؤمنين كما بينته في غير هذا الموضع " . وموضع التأويل يحتاجُ إلي موضوع خاص بهِ فلا يمكن الخوض في هذا الحديث الآن لأعتمادنا في تحقيق هذه المسألة سنداً ومتناً بحول الله , وعلى المقبالي أن يتعلم والله تعالى المستعان .

يقول علامتنا الإمام الألباني في إرواء الغليل : " إلخ مثل رواية المصنف وقد صرح يحيى بن أبي كثير بالتحديث في رواية لأحمد . وقد قال الذهبي في أول كتابه ( العلو ) : ( حديث صحيح رواه جماعة من الثقات عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية السلمي أخرجه مسلم وابو داود والنسائي وغير واحد من الائمة في تصانيفهم يمرونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويل ولا تحريف ) . قلت : يشير بذلك إلى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) " للجارية : " اين الله " وقولها : " في السماء " . فإن هذا النص قاصمة ظهر المعطلين للصفات فإنك ما تكاد تسأل احدهم بسؤاله ( صلى الله عليه وسلم ) أين الله ؟ حتى يبادر إلى الإنكار عليك ! ولا يدري المسكين أنه ينكر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعاذنا الله من ذلك ومن علم الكلام ولذلك رأينا الهالك في الذب عن هذا العلم على حساب الطعن في الاحاديث الصحيحة الشيخ زاهد الكوثري يطعن في صحة هذا الحديث بالذات لا بحجة علمية بل بوساوس شيطانية مثل قوله : أن البخاري لم يخرجه في صحيحه ! وتارة يشكك في صحة هذه الجملة بالذات " أين الله " لا لشيئ إلا لأنها لم ترد خارج الصحيح وكل هذا ظاهر البطلان لا حاجة بنا إلى تسويد الورق لبيانه نسأل الله العصمة من الحمية الجاهلية والمذهبية ! ( تنبيه ) وقع فيما نقله شيخ الإسلام في كتاب الأيمان ( ص 150 طبع الأنصار ) عن الإمام أحمد ما يشعر بشذوذ وضعف قوله في هذا الحديث " فإنها مؤمنة " ولا وجه لذلك فإنها زيادة صحيحة وقد جاءت في غير هذا الحديث كما نبهت عليه فيما علقته على كتاب الإيمان طبع المكتب الإسلامي ( ص 243 ) " أهـ .

الآن يا مقبالي ما هو الحديث المضطرب ... !! الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح صـ212 : " هو1 الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له. وإنما نسميه مضطرباإذا تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه." فهذا تعريف الحديث المضطرب فالحاصل أن الكلام في الحديث المضطرب يجب أن يكون مفهوماً يا شيخ الإباضية .

وفي البيقونية : "اصطلاحا : ما اختلفت الرواية في متنه أو في سنده أو في كليهما مع تساوي الروايتين وتعذر الجمع بينهما ، وهو كما عرفه النووي : الذي يروى على أوجه مختلفة فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها أو كثرة صحبته للمروي عنه أو غير ذلك فالحكم للراجحة ولا يكون مضطربا" . والله تعالى أعلى وأعلم .

ويكفيكَ صحة لهذا الحديث هو ترجيح الإمام مسلم لهذه الرواية ورجال مسلم أضبط وأحفظ من رجال البيهقي ومالك وهو من أصح الكتب بعد الصحيح البخاري ومن المعروف أن الإمام مسلم أضبط من الإمام مالك في رجالهِ ومن البيهقي والنسائي وهذا لا يختلف فيه طالب علم .

أما الأحاديث التي جاءت مضطربة فهي كثيرة , لا يمكنُ غضُ البصر عنها والغريب وبعد أن بين الطلبة أن المقبالي لا يفقه في علم الحديث شيئاً حين قال الطلبة : " كل ما ذكرت من ألفاظ لا تثبت ، والصحيح هو لفظ :" أين الله " لأنها رواية الإمام مسلم " قلتُ هذا الصواب في الرواية إن شاء الله لأن المقبالي لم يبني قاعدتهِ على شيء من العلمية والأخبار التي وردت بالألفاظ التي ذكرها المقبالي مضطربة بل ضعيفة والصحيح ما أخرجه الإمام مسلم وإتفق العلماء على متنهِ وسندهِ , ولكن أعجب من المقبالي وفهمه السخيف هذا .. !!

زعم المقبالي أن الإمام مسلم لم يستوعب كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل أيها المقبالي إعلم أن رجال مسلم أضبط وأصح من رجال من ذكرت أن الرواية جاءت من طرقهم كالبيهقي ومالك في صحيحهِ , فإتفاق اهل العلم على صحة هذا الحديث يذهبُ الظن الكاذب للمقبالي بضعف هذا الحديث , وإن كان هذا من شيء فبسبب ضعفهِ العلمي بالحديث وقواعد علم الحديث والله المستعان .

ومن براعة طلبة العلم أن قالوا : " قد استبعد أهل العلم باقي الروايات وأثبتوا رواية أين الله " ولكن المقبالي رد برد أسخف مما رأيت في حياتي ولعلنا نستعرض الروايات والحكم عليها والله تعالى المستعان , ولكن على المقبالي أن يعلم أن الطلبة ألزموهُ بالعلم ولكن الجاهل يتكلم بهواه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

1- أخرجها الطبراني في الكبير والاوسط والبزار باسنادين متن أحدهما مثل هذا ، والآخر فقال لها اين الله فأشارت بيدها إلى السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله , وهو المتن الذي ذكرهُ المقبالي في قولهِ ( تشهدين أن لا إله إلا الله ) فهذا الرواية ضعيفة في السند بل لا تصح أصلا وفيها سعيد بن أبى المرزبان وهو ضعيف مدلس وعنعنه وفيه محمد بن أبى ليلى وهو سئ الحفظ وقد وثق.

فالسؤال المطروح " من المقبالي ليقول عندي " .. !

كذلك رواه الطبراني وفيه سعيد بن عنبسة وهو ضعيف."أنظر مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي , إذا يبقى حديث مسلم هو الصحيح فكيف حكم المقبالي بإضطراب الحديث والله تعالى المستعان أهو الجهل أم التعالي في البدعة والله تعالى المستعان , بل إن المقبالي إستدل بالعقل على طلبة العلم في إثبات رؤيتهِ ا لهالكة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , إن كان هناك النقل فلماذا تقدمهُ على العقل .. !

وسأركزُ حديثي في مسألة إضطراب الحديث كما زعم المقبالي إلي حين الرد على تتمة المناظرة المزعومة مع طلبة العلم والله المستعان , فالغريب إعتماد المقبالي على العقل في الرد على طلبة العلم , ولكن لماذا أيها المقبالي هل بلغ الإفلاس فيك مبلغاً عظيماً فلا تميز بين النقل والعقل , ومسألة الإستواء سنخوضُ فيها بحول الله .

قال إبن الصلاح في المقدمة : " ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل مايقطع بصحته ،لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول، على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق ،سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره ، وهي معروفةعند أهل هذا الشأن " إنتهى كلامه رحمه الله تعالى .

والله تعالى أعلى وأعلم .

كتبهُ /

تقي الدين السني