ذم الغناء وشطحات الصوفية / قصيدة للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى
قصيدة رائعة للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى ذم الغناء وشطحات الصوفية ذهب الرجالُ وحالَ دونَ مجالهم == زُمَرٌ من الأوباشِ والأنذالِ زعموا بأنهم على آثارهم == ساروا ولكن سيرة البطَّالِ لبسوا الدلوق مرقعا وتقشفوا == كتقشف الأقطاب والأبدالِ قطعوا طريق السالكين وغوروا == سبل الهدى بجهالة وضلالِ عمروا ظواهرهم بأثواب التقى == وحشوا بواطنهم من الأدغالِ إن قلت : قال الله قال رسوله == همزوك همز المنكر المتغالي أو قلت : قد قال الصحابة والأولى == تبعوهم في القول والأعمال أو قلت : قال الآل آل المصطفى == صلى عليه الله أفضل آلِ أو قلت : قال الشافعي : وأحمد == وأبو حنيفة والإمام العالي أو قلت : قال صحابهم من بعدهم == فالكل عندهم كشبه خيالِ ويقول : قلبي قال لي عن سره == عن سرِّ سري عن صفا أحوالي عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي == عن شاهدي عن واردي عن حالي عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي == عن سر ذاتي عن صفات فعالي دعوى إذا حققتها ألفيتها == ألقاب زورٍ لُفقت بمُحالِ تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا == بظواهر الجهال والضلالِ جعلوا المِرا فتحًا وألفاظ الخنا == شطحًا وصالوا صولة الإدلالِ |
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم == نبذ المسافر فضلة الأكالِ جعلوا السماع مطية لهواهم == وغلوا فقالوا فيه كل محالِ هو طاعة هو قربة هو == سنة صدقوا لذاك الشيخ ذي الإضلالِ شيخ قديم صادهم بتحيل == حتى أجابوا دعوة المحتالِ هجروا له القرآن والأخبار == والآثار إذ شهدت لهم بضلالِ ورأوا سماع الشعر أنفع للفتى == من أوجه سبع لهم بتوالِ تالله ما ظفر العدو بمثلها == من مثلهم واخيبةَ الآمالِ نصب الحبال لهم فلم يقعوا بها == فأتى بذا الشرك المحيط الغالي فإذا بهم وسط العرين ممزقي == الأثواب والأديان والأحوالِ لا يسمعون سوى الذي يهوونه == شغلا به عن سائر الأشغالِ ودعوا إلى ذات اليمين فأعرضوا == عنها وسار القوم ذات شمالِ خروا على القرآن عند سماعه == صما وعميانا ذوي إهمالِ وإذا تلا القارى عليهم سورة == فأطالها عدوه في الأثقالِ ويقول قائلهم : أطلت وليس ذا == عشر فخفف أنت ذو إملالِ هذا وكم لغو وكم صخب وكم == ضحك بلا أدب ولا إجمالِ حتى إذا قام السماع لديهم == خشعت له الأصوات بالإجلالِ وامتدت الأعناق تسمع وحيَ == ذاك الشيخ من مترنم قوالِ وتحركت تلك الرءوس وهزها == طرب وأشواق لنيل وصالِ فهنا لك الأشواق والأشجان == والأحوال لا أهلا بذي الأحوالِ تالله لو كانوا صحاة أبصروا == ماذا دهاهم من قبيح فعالِ لكنما سكر السماع أشد == من سكر المدام وذا بلا إشكالِ فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مرة == نالت من الخسران كل منالِ |
يا أمة لعبت بدين نبيها == كتلاعب الصبيان في الأوحالِ أشمتموا أهل الكتاب بدينكم == والله لن يرضوا بذي الأفعالِ كم ذا نُعيَّرُ منهم بفريقكم == سرا وجهرا عند كل جدالِ قالوا لنا : دين عبادة أهله == هذا السماع فذاك دين محالِ بل لا تجىء شريعة بجوازه == فسلوا الشرائع تكتفوا بسؤالِ لو قلتمو فسق ومعصية وتزيين == من الشيطانِ للأنذالِ ليصد عن وحي الإله ودينهِ == وينال فيه حيلة المحتالِ كنا شهدنا أن ذا دين أتى == بالحق دين الرسل لا بضلالِ والله منهم قد سمعنا ذا إلى الآذان من أفواههم بمقالِ وتمام ذاك القول بالحيل التي == فسخت عقود الدين فسخ فصالِ جعلته كالثوب المهلهل نسجه == فيه تفصله من الأوصالِ ما شئت من مكر ومن خدع == ومن حيل وتلبيس بلا إقلالِ فاحتل على إسقاط كل فريضة == وعلى حرام الله بالإحلالِ واحتل على المظلوم يقلب ظالما== وعلى الظلوم بضد تلك الحالِ واقلب وحول فالتحيل كله == في القلب والتحويل ذو إعمالِ إن كنت تفهم ذا ظفرت بكل ما == تبغي من الأفعال والأقوالِ |
واحتل على شرب المُدام وسمِّها == غير اسمها واللفظ ذو إجمالِ واحتل على أكل الربا واهجر شنا == عة لفظه واحتل على الابدالِ واحتل على الوطء الحرام ولا تقل == هذا زنا وانكح رخي البالِ واحتل على حل العقود وفسخها == بعد اللزوم وذاك ذو إشكالِ إلا على المحتال فهو طبيبها == يا محنة الأديان بالمحتالِ واحتل على نقض الوقوف وعودها == طلقا ولا تستحي من إبطالِ فكر وقدر ثم فصل بعد ذا == فإذا غلبت فلج في الإشكالِ واحتل على الميراث فانزعه م == الوراث ثم ابلع جميع المالِ قد أثبتوا نسبا وحصرا فيكم == حتى تحوز الإرث للأموال واعمد إلى تلك الشهادة واجعل == الإبطال همك تحظ بالإبطالِ فالحصر إثبات ونفي غير == معلوم وهذا موضع الإشكال |
واحتل على مال اليتيم فإنه == رزق هني من ضعيف الحالِ لا سوطه تخشى ولا من سيفه == والقول قولك في نفاد المالِ واحتل على أكل الوقوف فإنها == مثل السوائب ربة الإهمالِ فأبو حنيفة عنده هي باطل == في الأصل لم تحتج إلى إبطال فالمال مال ضائع أربابه == هلكوا فخذ منه بلا مكيال وإذا تصح بحكم قاض عادل == فشروطها صارت إلى اضمحلال قد عطل الناس الشروط وأهملوا == مقصودها فالكل في إهمال وتمام ذاك قضاتنا وشهودنا == فاسأل بهم ذا خبرة بالحال أما الشهود فهم عدول عن طريق == العدل في الأقوال والأفعال زورا وتنميقا وكتمانا == وتلبيسا وإسرافا بأخذ نوال ينسى شهادته ويحلف إنه == ناسٍ لها والقلب ذو إغفال فإذا رأى المنقوش قال : ذكرتها == يا للمذكر جئت بالآمال ويقول قائلهم : أخوض النار في == نزر يسير ذاك عين خبال ثقل لى الميزان إني خائض == للمنكبين أجر بالأغلال أما القضاة فقد تواتر عنهم == ما قد سمعت فلا تَفُهْ بمقال ماذا تقول لمن يقول : حكمتُ أنت == فاسق أو كافر في الحال فإذا استغثت أغثت بالجلد الذي == قد طرقوه كمثل طرق نعال فيقول طق فتقول : قط فتعارضا == ويكون قول الجلد ذا إعمال |
فأجارك الرحمن من ضرب ومن == عرض ومن كذب وسوء مقال هذا ونسبة ذاك أجمعه إلى == دين الرسول وذا من الأهوال حاشا رسول الله يحكم بالهوى == والجهل تلك حكومة الضُّلالِ والله لو عرضت عليه كلها == لاجتثها بالنقض والإبطال إلا التي منها يوافق حكمه == فهو الذي يلقاه بالإقبال أحكامه عدل وحق كلها == في رحمة ومصالح وحلال شهدت عقول الخلق قاطبة بما == في حكمه من صحة وكمال فإذا أتت أحكامه ألفيتها == وفق العقول تزيل كل عقال حتى يقول السامعون لحكمه : == ما بعد هذا الحق غير ضلال لله أحكام الرسول وعدلها == بين العباد ونورها المتلالي كانت بها في الأرض أعظم رحمة == والناس في سعد وفي إقبال أحكامهم تجرى على وجه السداد == وحالهم في ذاك أحسن حال أمنا وعزا في هدى وتراحم == وتواصل ومحبة وجلال |
فتغيرت أوضاعها حتى غدت == منكورة بتلوث الأعمال فتغيرت أعمالهم وتبدلت == أحوالهم بالنقص بعد كمال لو كان دين الله فيهم قائما == لرأيتهم في أحسن الأحوال وإذا همو حكموا بحكم جائر == حكموا لمنكره بكل وبال قالوا : أتنكر حكم شرع محمد == حاشا لذا الشرع الشريف العالي عجت فروج الناس ثم حقوقهم == لله بالبكرات والآصال كم تستحل بكل حكم باطل == لا يرتضيه ربنا المتعالي والكل في قعر الجحيم سوى الذي == يقضى بدين الله لا لنوال أو ما سمعت بأن ثلثيهم غدا == في النار في ذاك الزمان الخالي وزماننا هذا فربك عالم == هل فيه ذاك الثلث أم هو خالي |
يا باغى الإحسان يطلب ربه == ليفوز منه بغاية الآمال انظر إلى هدي الصحابة والذي == كانوا عليه في الزمان الخالى واسلك طريق القوم أين تيمموا == خذ يمنة ما الدرب ذات شمال تالله ما اختاروا لأنفسهم سوى == سبل الهدى في القول والأفعال درجوا على نهج الرسول وهديه == وبه اقتدوا في سائر الأحوال نعم الرفيق لطالب يبغى الهدى == فمآله في الحشر خير مآل القانتين المخبتين لربهم == الناطقين بأصدق الأقوال التاركين لكل فعل سيء == والعاملين بأحسن الأعمال أهواؤهم تبع لدين نبيهم == وسواهم بالضد في ذي الحال ما شابهم في دينهم نقصٌ == ولا في قولهم شطحُ الجهولِ الغالي عملوا بما علموا ولم يتكلفوا == فلذاك ما شابوا الهدى بضلال وسواهم بالضد في الأمرين قد == تركوا الهدى ودعوا إلى الإضلال فهم الأدلة للحيارى من يَسِرْ == بهداهم لم يخش من إضلال وهم النجوم هداية وإضاءة == وعلو منزلة وبُعْدُ منالِ يمشون بين الناس هونا == نطقهم بالحق لا بجهالة الجهال حلما وعلما مع تقى == وتواضع ونصيحة مع رتبة الإفضال يحيون ليلهم بطاعة ربهم == بتلاوة وتضرع وسؤال وعيونهم تجرى بفيض دموعهم == مثل انهمال الوابل الهطال في الليل رهبان وعند جهادهم == لعدوهم من أشجع الأبطال وإذا بدا علم الرهان رأيتهم == يتسابقون بصالح الأعمال بوجوههم أثر السجود لربهم == وبها أشعة نوره المتلالي ولقد أبان لك الكتاب صفاتهم == في سورة الفتح المبين العالي وبرابع السبع الطوال صفاتهم == قوم يحبهم ذوو إدلال وبراءة والحشر فيها وصفهم == وبهل أتى وبسورة الأنفال ================= الجزء الأول |
حتى إذا قام السماع لديهم == خشعت له الأصوات بالإجلالِ وامتدت الأعناق تسمع وحيَ == ذاك الشيخ من مترنم قوالِ وتحركت تلك الرءوس وهزها == طرب وأشواق لنيل وصالِ في المقابل تراهم عندما يسمعون القرآن لا يهتز لهم جفن ! أبيات قيمة رحمه الله ونفع بعلمه وجزاكم الله خيرا على النقل والتنسيق الطيب |
بارك الله فيكم |
الساعة الآن 11:14 PM. |
Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "