شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=7)
-   -   من شروط ولي أمر المسلمين سواء كانت ولايه عامه أو مقيدة (1) : الإسلام (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=114823)

جريح 17-12-10 08:11 PM

من شروط ولي أمر المسلمين سواء كانت ولايه عامه أو مقيدة (1) : الإسلام
 
من شروط ولي أمر المسلمين
محمد بن شاكر الشريف

(1-2)
الإسلام


مضت السنة الجارية أنه ما من دين أو نحلة أصاب أصحابها الضعف إلا وتكاثرت عليها حراب وسهام أعدائها من كل حدب وصوب بغية القضاء عليها أو إحداث شرخ فيها، حتى ما كان بالأمس مهجورا، يصبح اليوم مطلوبا مرغوبا يدعى إليه صباح مساء، وما كان بالأمس مقبولا يدعى إليه ويعمل به، يصبح اليوم مهجورا تتناوشه الأقوال من كل جانب، ولذلك يقول الماوردي رحمه الله تعالى: «فليس دين زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر في وهيه ـ ضعفه ـ أثر» ، وهي كلمة حكيمة من عالم خبير، لها ما يصدِّقها من شواهد التاريخ البعيد والقريب على السواء، وعندما نتأملي هذا الكلام ونتابع ما يتحدث فيه البعض عن شروط ولاية الأمر في بلاد المسلمين في عصرنا الحاضر، ونجد من يزعم أن إسلام الوالي وكذلك رجولته لا تشترط في ذلك يتبين له معنى هذا الكلام.

فقد تصرمت الدهور وانقضت الأيام على تقرير بعض القضايا التي دلت عليها النصوص الشرعية وقبلتها الأمة من الناحية التنظيرية ومن الناحية العملية، ولم نجد لها مخالفة على مدى عدة قرون من الزمن، ثم يفاجئنا اليوم بعض من يناقش في هذه الأمور ويجادل فيها كمن يريد أن يعيد بناء الفقه من جديد والانقلاب على كل ثوابته بزعم التجديد، وعندما نفتش في ما يعرضه هؤلاء من أسانيد لدعواهم لا نجد شيئا يشد هذه الأقوال لا من الأدلة ولا من الواقع، وما نود مناقشته في ذلك أمران وهما اللذان كثر الكلام فيهما، أولاهما: ديانة ولي الأمر في بلد المسلمين، والثاني: رجولته، وهذا أوان مناقشة المسألة.

ديانة ولي الأمر في بلد المسلمين: ولي الأمر في بلاد المسلمين يجب أن يكون منهم، ولا يجوز أبدا في دين الله تعالى أن يكون رئيس المسلمين أو أميرهم أو ملكهم من الكافرين وهذه من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، ولم يخالفها أو ينازع فيها أحد على مر الأعصر والدهور، وأدلة ذلك أكثر من أن تحصر في مثل هذا المقال، وقد تظاهر على ذلك أدلة من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.

فمن القرآن الكريم:

قول الله تعالى: "يا أبها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، فالخطاب والنداء للمؤمنين، وقيد لفظ ولي الأمر بقوله: منكم، مما يبن أن ولي أمر المسلمين الذي تجب طاعته هو من كان من المؤمنين لا من غيرهم.

وقد وردت آيات عدة بالنهي عن موالاة الكفار أو اتخاذهم أولياء، وكذلك النهي عن اتخاذهم بطانة والركون إليهم حتى لو كانوا من مواطني دار الإسلام، والقبول بكون الكافر ولي أمر للمسلمين من أعظم الموالاة لهم والركون إليهم، فهناك ترابط وثيق بين موالاة الكفار وبين توليتهم الأمر، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعاً من توليهم . وقد حكم تعالى بأن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً، والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً، والولاية وصلة، فلا تجامع معاداة الكافر أبداً" .

وقد قال الله تعالى أيضا: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" فهذا إخبار ووعد من الله تعالى أنه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، والسبيل يراد به الحجة، كما يراد به الظفر والغلبة، وخبره تعالى حق وصدق ووعده لا يتخلف، فأما الحجة فلا شك في أنه لا حجة للكافرين على المؤمنين فالإسلام الدين الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأما الظفر والغلبة فهو لمن استكمل الإيمان، فمتى ما استكمل المسلمون الإيمان فلن يكون للكافرين عليهم سبيل على أي نحو من الأنحاء، وإذا كان للكافرين نصيب من سبيل عليهم فذلك بسبب ضعف الإيمان عند المسلمين لكن ذلك لا يكون كاملا ولا دائما بسبب وجود أصل الإيمان عندهم وبسبب ما يكون من عمليات الإحياء التي تعيد الدين عند المسلمين إلى موقعه الصحيح، هذا على اعتبار أن الآية يراد منها الخبر.

وأما إن كان المراد منها التشريع فهي تعني أمر المؤمنين ألا يجعلوا للكافرين عليهم سبيلا ، وذلك يشمل كل سبيل يظهر فيه تسلط الكفار وعلوهم على المسلمين، فهم مكلفون ألا يجعلوا للكافرين عليهم سبيلا، ولا سبيل أعظم ولا أظهر من أن يكون الكافر ولي أمر للمسلم، قال ابن كثير: "يحتمل أن يكون المراد: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} أي: في الدنيا، بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: [إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار] {غافر: 51، 52}. وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: [فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم] نادمين ] {المائدة: 52}" هذا الذي ذكره ابن كثير في تفسير الآية على أنها من قبيل الخبر والوعد.

وأما على تفسيرها أنها من باب الأمر فهي تعني ضمن ما تعني عدم تمكين الكفار من ولاية أمر المسلم بأي حال من الأحوال، لذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء، وهو المنع من بيع العبد المسلم من الكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال، ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال؛ لقوله تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }" ، وعلى اعتبار أن الآية للتشريع فقد استنبط العلماء أحكاما كثيرة من هذه الآية في علاقة المسلم بالكافر حتى وإن كان من مواطني دار الإسلام تدور في معظمها على عدم جواز تسليط الكافر على المسلم بأي نوع من أنواع التسلط، ولها فروع كثيرة مذكورة في كتب الفقه.

ويقول الشاطبي رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، إن حمل على أنه إخبار لم يستمر مخبره لوقوع سبيل الكافر على المؤمن كثيرا بأسره وإذلاله، فلا يمكن أن يكون المعنى إلا على ما يصدقه الواقع ويطرد عليه، وهو تقرير الحكم الشرعي فعليه يجب أن يحمل" وهي صيرورة منه إلى أن المراد من الآية التشريع وليس الإخبار.

ولا يخفي أن ولاية الكافر على المسلم فيها تسليط عليه في كل شأنه، أكثر من تسليط السيد على عبده، لأن من شأن ولي الأمر أن يأمر وينهى، ويسوس كثير من الأمور وفق اجتهاده وما ظهر له، في الوقت الذي يجب على الرعية طاعته وموافقته، وبالنظر إلى ما يناط بولي الأمر من التكاليف وما له من الصلاحيات-على ما تقرر في كتب الأحكام السلطانية- يتبين أن ولي الأمر في بلاد المسلمين لا يمكن أن يكون من غيرهم

السنة:
قد بينت السنة مثل ما بين القرآن فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " ، وقال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" ، فهذه النصوص وغيرها الكثير تأمر المسلمين بالسمع والطاعة للأمير وذلك بشرطين: أن يقودهم بكتاب الله تعالى وسنة نبيهصلى الله عليه وسلم، وألا يأمرهم بالمعصية، وهذا لا يكون إلا من المسلم، إذ غير المسلم لا علم له بالشرع حتى يقودهم به، ولا رغبة عنده في الحفاظ عليه تحجزه عن الأمر بالمعصية.

كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن "الإسلام يعلو ولا يعلى" ، ومن مقتضى علو الإسلام ألا يكون ولي الأمر على المسلمين من غيرهم، فإذا كان ولي أمر المسلمين من الكفار-حتى وإن كان الكافر من مواطني دار الإسلام-لم يكن الإسلام عاليا، وقد رتب أهل العلم على علو الإسلام كثيرا من الأحكام، كالتفريق بين الزوجين إذا أسلمت الزوجة وبقي الزوج على كفره، وكذلك إذا أسلم أحد الأبوين فالولد مع المسلم منهما، وإذا أسلم عبد من عبيد الكافر ارتفع ملكه عنه، ودليلهم في ذلك كله أن الإسلام يعلو ولا يعلي، وما دل عليه هذا الحديث يتطابق مع ما دلت عليه الآية التي فيها نفي سبيل الكفار على المؤمنين، والآية والحديث يتكاملان إذ الآية فيها نفي علو الكافر على المسلم والحديث فيه إثبات علو الإسلام على غيره، فالآية مع الحديث بمثابة نفي وإثبات نفي علو الكافر وإثبات علو الإسلام.
وهذا الذي دلت عليه النصوص الشرعية قد أطبقت الأمة عليه وأجمع عليه العلماء من كل طائفة إجماعا يقينيا قطعيا لا شك فيه، ولا شك أنه لا يخالف في ذلك إلا مخذول مرذول جاهل جهلا مطبقا، ليس للدين عنده مكانة وقدر.

الإجماع:

وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد فقال القاضي عياض: "أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل " فالعلماء مجمعون على أنه لا يجوز عقدها لكافر ابتداء، ولو كان وقت العقد مسلما ثم طرأ عليه بعد ذلك الكفر انعزل عن ولايته، وقال ابن حجر: "ينعزل بالكفر إجماعا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض" ، وأقوال أهل العلم في ذلك كثيرة.
وإذا كانت النصوص الشرعية تأمر بقتال الكفار حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما قال تعالى: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فالكافر واقع بين أمرين: بين القتال أو إعطاء الجزية مع الصغار، فكيف يزعم زاعم بجواز ولايتهم لأمر المسلمين.

وإذا كانت النصوص الشرعية وأقوال أهل العلم متفقة على ذلك فإن الإجماع العملي أيضا يؤيد ذلك، فليس هناك حادثة واحدة على مدى الزمن وعلى اتساع رقعة بلاد المسلمين صار فيها كافر ولي أمر للمسلمين عن رضا منهم وقبول.

ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يجوز أن يكون الكافر وليا في نكاح المسلمة حتى لو كانت ابنته، قال ابن المنذر في كتاب الإجماع: "وأجمعوا أن الكافر لا يكون وليا لابنته المسلمة " وولايته لأمر المسلمين في بلد أعظم بلا شك من ولاية أمر نكاح امرأة مسلمة، إذ ولاية أمر نكاح المسلمة التي لا ولي لها داخل في حدود ولاية ولي الأمر، فهي جزء صغير من عمله.

بل إن الكافر لا حق له في الحكم حتى في بلاد الكفر وإن رضيه أهلها، فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما أرسل كتابه إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام قال: "إلى هرقل عظيم الروم" ولم يقل: هرقل ملك الروم، يقول النووي رحمه الله تعالى: "قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم ، فلم يقل : ملك الروم ، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ، ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرطه ، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تنفذه الضرورة ، ولم يقل : إلى هرقل فقط ، بل أتى بنوع من الملاطفة فقال : عظيم الروم ، أي الذي يعظمونه ويقدمونه ، وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } وقال تعالى : { فقولا له قولا لينا } وغير ذلك" ، وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: "قوله: (عظيم الروم ) فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة ؛ لأنه معزول بحكم الإسلام ، لكنه لم يخله من إكرام لمصلحة التألف" وقال العيني: "يستفاد من قوله إلى عظيم الروم ملاطفة المكتوب إليه وتعظيمه فإن قلت: لم لم يقل إلى ملك الروم؟ قلت: لأنه معزول عن الحكم بحكم دين الإسلام ولا سلطنة لأحد إلا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم لم يقل: إلى هرقل فقط؟ قلت: ليكون فيه نوع من الملاطفة، فقال: عظيم الروم، أي الذي تعظمه الروم، وقد أمر الله تعالى بتليين القول لمن يدعى إلى الإسلام، وقال تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" ، وهكذا كانت رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم لملوك الأرض في زمنه لا يخاطب أحدا منهم بلفظ الملك وإنما يخاطبه بلفظ "عظيم" فكتب إلى حاكم مصر فقال: إلى المقوقس عظيم القبط، وكتب إلى النجاشي فقال: إلى النجاشي عظيم الحبشة، وكتب إلى كسرى فقال: إلى كسرى عظيم فارس، وكتب إلى قيصر فقال: إلى قيصر صاحب الروم، ولما جاء الكتاب إلى قيصر وكان عنده ابن أخيه وفهم دلالة الكلام غضب وقال: لا تقرأ الكتاب فإنه قال: صاحب الروم، ولم يقل: ملك الروم.
فإذا كانت الأدلة تدل على أن الكافر لا يعترف به ولي أمر-من الناحية الشرعية- حتى على الكفار مثله، فكيف يمكن الاعتراف بولايته على المسلمين!.

وليس في النصوص الشرعية خطاب لملوك الكفار بلفظ الملك أو الحاكم أو الأمير، وإن كان هناك حكاية عن أحوالهم بلفظ الملك، كما في قوله تعالى: "وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان" .. الآية وكما في قوله: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا" وكقوله تعالى: "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك"، وكما قال الهدهد لسليمان عليه السلام: "إني وجدت امرأة تملكهم" فإن هذا كله من باب الإخبار بما كان أو ما هو كائن، وهو إخبار بالواقع بما هو عليه، وهذا لا يدل على الموافقة أو الإقرار به، بعكس المخاطبة بذلك فهذا فيه إقرار وموافقة.

دعاوى المخالفين للكتاب والسنة والإجماع:
للمخالفين لحكم الشريعة في هذه المسألة كثير من الدعاوى التي لا تستند نقل صحيح أو عقل سديد، فمن ذلك:
حقوق المواطنة:
لكن إذا رجعنا لمن يخالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين المستقر ويقول: بجواز ولاية المواطن الكافر للأمر في بلاد المسلمين، وقيل له: ما حجتك في هذا؟ انبرى قائلا: هذا من حقوق المواطنة والمواطن الكافر يملك من الوطن مثل ما يملك المواطن المسلم، ومن ثم فله حق ولاية الأمر فيه، وهذا بلا شك معارضة للنصوص الشرعية وإجماع المسلمين بشبه ودعاوى لا يعضدها شيء مما يعضد به المسلم المعظم لدينه أقواله، لكن بالنظر في كتاب الله تعالى نجد قول الله تعالى: "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده"، فالأرض أرض الله هو خالقها وهو مالكها وهو الذي يحدد من يكون الحاكم فيها، وقد قال الله تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة كانت مختلطة غير صافية للمسلمين، بل كان فيها من أسلم من مشركي العرب الذين عرفوا باسم الأنصار، وفيها من كان لا يزال على شركه وفيها من كان من اليهود، ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقسم قيادة المدينة بين هذه الفئات الثلاث، وإنما جعل قيادتها مما انفرد به المسلمون، ومن يقرأ الصحيفة (الوثيقة) التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل المدينة عندما نزلها بعد الهجرة يدرك لا محالة أن حكم المدينة وقيادتها خالصة للمسلمين لا يشركهم في ذلك أحد من ساكنيها سواء من اليهود أو غيرهم رغم كثرتهم، قال ابن إسحاق : "وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم، وقد جاء فيها: "وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وعندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من المدينة قال لهم: "اعلموا أن الأرض لله ورسوله" قال النووي رحمه الله: "معناه : مُلْكهَا وَالْحُكْم فِيهَا " ، والأرض لفظ من ألفاظ العموم، فالأرض كلها مشرقها ومغربها ملكها لله وحده والحكم فيها له وحده، وهذا لا يكون إلا بأن يكون الحاكم في أرض الله من المسلمين، ولذلك لم تكن الغاية في الجهاد منتهية بإسلام الكفار إذ لا إكراه في الدين، وإنما الغاية مرتبطة بكون السلطان والطاعة في أرض الله لله العلي القهار
تغير الأوضاع:
كما تجد لهم احتجاجا آخر هو أسمج من الاحتجاج السابق فهم لعدم قدرتهم على المنازعة في الأدلة المتقدمة تراهم يحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون: إنما كان اشتراط كون ولي الأمر مسلما لأن الدولة في ذلك الزمن كانت ملتزمة بالإسلام ومتمسكة به وكان لولي الأمر اختصاصات دينية، ومن ثم فلا ينبغي أن يكون ولي الأمر فيها إلا مسلما، وأما اليوم فلم يعد لولي الأمر اختصاصات دينية ومن ثم جاز أن يكون غير المسلم وليا للأمر، فيقال لهم: هذه الاختصاصات الدينية من تصرفه الشخصي أم من حكم الشريعة؟، فإذا كان الأمر من حكم الشريعة-وهو الواقع فعلا-فإن التصرف السليم أن يعود الناس إلى التمسك بشريعتهم وليس أن تغير الأحكام الشرعية لتوافق الأوضاع المخالفة للشرع، فبدلا من أن يكون همهم وجهدهم مصروفا لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في سياقها السليم، تراهم يعملون على تغيير الأحكام الثابتة لتجاري الواقع المنهزم، فأنزلوا الواقع منزلة المحكم الذي يرد إليه كل شيء، وأنزلوا الأحكام الشرعية منزلة المتشابه الذي يفسر في ضوء المحكم
الحاكم موظف إداري وليس ذا سلطان:
وهذا القول يذهب إلى أن الحاكم ليس بسلطان في الحقيقة، وأنه مجرد موظف إداري، وأن السلطة في ظل الأنظمة الحديثة مقسمة(سلطة تنفيذية-سلطة تشريعية-سلطة قضائية) حيث لا يستقل بها شخص، وعلى ذلك فلا يلزم في ظل هذه الأنظمة أن يكون الحاكم مسلما، ويقال في الجواب عن ذلك: مهما قيل عن تقسيم السلطة فإنه لا شك أن السلطة التنفيذية (الحاكم) في معظم الأنظمة العصرية هي أقوى السلطات في الحقيقة، ومهما قيل أيضا عن أن سلطان الحاكم ليس كاملا وأن عليه رقابة وأنه ليس مطلق التصرف، فإن هذا لا يناقض بحال وجود سلطان حقيقي له، وأن له في جميع الأنظمة صلاحيات كبيرة حيث يتمتع بإصدار قرارات سيادية لا يملك أحد نقضها أو الاعتراض عليها أو مناقشتها، والواقع المعاصر الذي نشاهده في جميع الأنظمة دليل صدق على ذلك، وهذا بلا شك سلطان حقيقي وسبيل على الرعية، ولا يجوز أن يكون للكافر على المؤمن سبيل

القبول بالتعددية السياسية والاعتراف بالآخر:

يرى القائلون بالتعددية السياسية والاعتراف بالآخر أن ذلك لا يتم في حالة إقصاء فصيل أو فئة من فئات المجتمع عن الوصول إلى أعلى المناصب فيه والتي تتمثل في صورة ولاية الأمر، ومن ثم فلتحقيق هذا الأمر يرى القائلون بذلك أنه لا بد من تمكين الكفار من مواطني دار الإسلام من الوصول إلى ولاية الأمر، وهنا ملحوظة أولية نبادر بذكرها وهو أن هذا القول يرى في ولاية الأمر سلطان حقيقي وليس مجرد وظيفة إدارية، وإلا لما حرصوا على وصول الكافر لهذا المنصب، وذلك أن الكفار في بلاد المسلمين يتولون أعمالا إدارية كثيرة ولا يعترض أحد على ذلك، ومن ناحية أخرى فإن هذه الألفاظ مجملة يدخل تحتها عناصر كثيرة غير متفق عليها، بعضها مما يمكن قبوله وفق المعايير الشرعية وبعضها مما لا يمكن قبوله، فما كان منها غير مقبول شرعا كولاية الكافر على المسلم فليس يستساغ عند أحد ممن يعقل أن يقبل هذا الممنوع لمجرد تسميته أنه تعددية سياسية أو اعتراف بالآخر، إذا الأسماء لا تغير من حقيقة المسميات.

على أن كل ما يذكره المخالفون في كل ما تقدم من أقوال يرونها حجج لتصوراتهم، لا يستندون فيها إلى شيء من مصادر الحجة عند المسلمين، حيث الحجة والصواب عند المسلمين محصور في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الكريم وإجماع الأمة، وما كان غير مستند لذلك فلا تعويل عليه ولا التفات إليه



جريح 18-12-10 03:22 PM

من شروط ولي أمر المسلمين سواء كانت ولايه عامه أو مقيدة / 2 الرجولة
 
من شروط ولي أمر المسلمين

محمد بن شاكر الشريف

من شروط ولي أمر المسلمين (1) : الإسلام
(2-2)
الرجولة


تحدثت في الحلقة الأولي من هذا المقال عن شرط إسلام ولي الأمر وذكرت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على وجوب ذلك، ثم عرجت على أقوال المخالفين في ذلك من العصرانيين الذين يحتكمون لتصوراتهم وأهوائهم فذكرت شبههم ورددت عليها، ونكمل في هذه الحلقة من المقال الحديث عن شرط الرجولة
الرجولة: الشرط الثاني الذي ينازع فيه بعض المعاصرين وهو رجولة ولي الأمر، فهم يجيزون أن تكون المرأة ولي أمر، وهذا القول في الحقيقة لم تدع إليه حاجة أو يدل عليه دليل عقلي سواء من نقص الرجال الأكفاء لتولي هذا المنصب، أو الكفاءة النادرة من المرأة.

كما لم يدل على ذلك دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة الذي يجب المصير إليه، وإنما هو من المسارعة التي يقع فيها بعض الناس بجهل أو سوء نية بزعم المساواة بين الجنسين وعدم التمييز ضد المرأة، لمجاراة الكافرين والهيئات والمؤسسات التي تدور في فلكهم لنشر ثقافاتهم وتغليبها على ما علم من دين الإسلام.

إن الأدلة الشرعية على عدم جواز أن تكون المرأة ولي أمر، ووجوب أن يكون ولي الأمر رجلا كثيرة، ونحن في هذا المقال لا نحصيها أو نستقصيها وإنما فقط نعرج على بعضها.

إن من يطالع الأدلة المتكاثرة من الكتاب والسنة فيما يتعلق بالأحكام المتعلقة بالمرأة يدرك لا محالة أنها تراعي كلها عدم بروز النساء في المجامع العامة أو اختلاطهن بالرجال، ليس لقلة علمهن أو كفاءتهن وإنما لما يترتب على ذلك من مفاسد ومضار كثيرة للرجال وللنساء على السواء، ومن كانت أحكامه تدور على هذا النحو فلا يقوم في الشرع ولا في العقل أن يكون وليا على الرجال، ولننظر بعض الأدلة الواردة في ذلك:

فمن القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض" فجنس الرجال قوامون على جنس النساء بنص القرآن، قال القرطبي رحمه الله تعالى: "فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى - قوله تعالى: (الرجل قوامون على النساء) ابتداء وخبر، أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن، وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء، يقال: قوام وقيم، الثانية - ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسئ الرجل عشرتها.
و (قوام) فعال للمبالغة، من القيام على الشئ والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد.
فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[1]
وقال البغوي: "قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } أي: مسلّطون على تأديبهن، والقوّام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب.
{ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } يعني: فضل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية"[2]، وقال ابن كثير: " أي: الرجل قَيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذَا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك المُلْك الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يُفلِح قومٌ وَلَّوا أمْرَهُم امرأة" رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه[3] وكذا منصب القضاء وغير ذلك.
{ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قَيّما عليها، كما قال الله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } يعني: أمراء عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعتُه: أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله. وكذا قال مقاتل، والسدي، والضحاك"[4]
وقال البيضاوي: "{ الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء } يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية ، وعلل ذلك بأمرين وهبي وكسبي فقال : { بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ، ولذلك خصوا بالنبوة والإِمامة والولاية وإقامة الشعائر ، والشهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها"[5]
وقال الألوسي: "{ الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء } أي شأنهم القيام عليهن قيام الولاة على الرعية بالأمر والنهي ونحو ذلك، واختيار الجملة الاسمية مع صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم ورسوخهم في الاتصاف بما أسند إليهم"[6]، وقال الطاهر ابن عاشور: "قوله : { الرجال قوامون على النساء } أصل تشريعي كُلِّيّ تتفرّع عنه الأحكام التي في الآيات بعده ، فهو كالمقدّمة... والحكم الذي في هذه الآية حكم عامّ جيء به لتعليل شرع خاصّ... والكلام خبر مستعمل في الأمر كشأن الكثير من الأخبار الشرعية.. والقَوَّام : الذي يقوم على شأن شيءٍ ويليه ويصلحه ، يقال : قَوَّام وقَيَّام وقَيُّوم وقَيِّم ،... فموقع { الرجال قوامون على النساء } موقُع المقدّمة للحكم بتقديم دليله للاهتمام بالدليل ، إذ قد يقع فيه سوء تأويل... وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع ، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي ، ولذلك قال : { بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } "[7]. .
وبنحو ما تقدم قال كثير من المفسرين كالماوردي والنسفي والشوكاني وأبي حيان والرازي والنيسابوري وأبي السعود والخازن وغيرهم
فكيف يصح بعدما تقدم نقله القول بجواز أن تكون المرأة وليا للأمر على جنس الرجال كلهم بما فيهم زوجها.

2- قوله تعالى: "وقرن في بيوتكن"، وهو أمر من الله تعالى للنساء بالقرار في بيوتهن، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيرها: "الزمن بيوتكن فلا تخرجن بغير حاجة"، والقرار في البيت مناف للخروج منه والاختلاط بالناس والالتقاء بهم، وهو أمر لا بد منه لولي الأمر، إذ طبيعة عمله تقتضي خروجه وتنقله وتفقده للأحوال والرعية، وانتقاله من بلد لبلد أخرى، واختلاطه بالناس والخلوة ببعضهم، والخطاب في الآية وإن كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن بقية نساء المسلمين داخلات فيه، قال القرطبي: "معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، على ما تقدم في غير موضع"[8]. وقال ابن كثير: "هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك"[9]
ولما كان أمر الله تعالى للنساء بالقرار في البيوت فإن كل التشريعات المتعلقة بالمرأة تصب في هذا الجانب، إذ لا تناقض بين أحكام الشريعة ولا تنافر، فلم يفرض الله عليها الخروج للجهاد، كما لم تجب عليها صلاة الجمعة أو الجماعة، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاة الجماعة في المسجد، وأنها لا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها، وأنها إذا خرجت فعليها بحافة الطريق ولا تسلك وسطه، وأن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان أي تطلع إليها وزينها في أعين الرجال ليغويها ويغويهم بها، ففي خروجها فتنة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"[10]، وقال: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"[11]، وقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"[12]، قال النووي رحمه الله تعالى: "قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ثم قال: "ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجال الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا"[13] فكل هذه الأدلة مبنية على قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها إلا لحاجة، والقول بجواز ولايتها فيه خرم لكل هذه النصوص المتقدمة.

3- قوله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" أي يكففن ويخفضن من أبصارهن ولا ينظرن إلى الرجال من غير محارمهن، قال ابن كثير: " أي: عما حَرَّم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن". ، وكيف يستقيم هذا لشخص يراد منه أن يكون وليا للأمر يحادث الناس ويستمع إليهم ويتفقد أحوالهم، ويجتمع بمعاونيه ووزرائه ويتباحث معه في الأمور، ولا يعارض هذا قوله تعالى في حق الرجال: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" لأن الأصل أن المرأة قارة في بيتها فإن احتاج الرجل إلى كلامها غض بصره عنها، وكذلك إن احتاجت هي للخروج من بيتها غض الرجل عنها بصره، والمرأة بمقتضى الأحكام الشرعية قليلة الخروج قارة في بيتها فلا يمثل غض الرجل من بصره عن المرأة حرجا ومشقة في الاحتراز منه، بينما الأصل في الرجل الخروج والكدح والضرب في الأرض، ففي غض المرأة من نظرها عن الرجل حرج ومشقة لكثرة خروجه ووجوده في الطرقات، لذلك كان الأصل بالنسبة لها-لدفع هذا الحرج والمشقة- القرار في البيت فلا تخرج منه إلا لحاجة مشروعة مع مراعاة ضوابط الخروج من التستر وعدم مزاحمة الرجال أو الاختلاط بهم والنظر إليهم.

4- كما أمر الله تعالى ألا يكون تعامل الرجل الأجنبي مع المرأة إلا من وراء حجاب كما في قوله تعالى: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب"، وأمر النساء أن تستر نفسها عند الخروج وأن تدني عليها من جلبابها كما قال تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن"، فإذا احتاج الرجل إلى حديث المرأة في حاجة تعرض له فلا بد أن يكون ذلك من وراء حجاب، وكيف يمكن لشخص أن يكون ولي أمر يدير بلدا من وراء حجاب فلا يقابل وزراءه أو مديريه أو قادة الجيش والشرط أو القضاة إلا من وراء حجاب، أيمكن أن يستقيم هذا؟، وإذا كان هذا غير ممكن فعلا وهو الواقع، فهذا مما يبين أن كون المرأة ولي أمر لا يتم إلا بمخالفة النصوص العديدة التي جاءت في شأن المرأة.
وأنت إذا تدبرت الآيات كلها التي جاءت في كتاب ربنا في شأن النساء بمنطوقها ومفهومها ومعناها لا تجد فيها شيئا يمكن أن يدل على جواز توليتها الأمر في شريعة الله، بل الرجل قوام على المرأة وهو مفضل عليها، وعليها أن تقر في بيتها، ولا تخرج منه إلا بإذن زوجها، وإذا كانت هناك حاجة لحديث الرجل إليها فعليها أن تحتجب منه، وأن تتكلم معه بطريقة ليس فيها خضوع بالقول وإلانة له، ومثل هذا لا يصلح أن يكون في ولاية الأمر التي تحتاج إلى صفات وخصائص هي على الضد من ذلك.

ومن السنة:
وقد دلت السنة على مثل ما دل عليه القرآن فمنعت المرأة من الاختلاط بالرجال أو الخلوة بهن فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"[14] فمنع سفرها المنفرد أو مع غير المحرم، ونهاهن عن الاختلاط بالرجال في الطرقات، وقال: "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق"[15] أي تركبن حقها وهو وسطها، كما منع دخول الرجال الأجانب على النساء والخلوة بهن وقال: "إياكم والدخول على النساء"[16] وقال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"[17]، وكيف يستقيم تطبيق هذه الأحكام الخاصة بالمرأة مع ولي أمر يريد أن يسوس رعيته ويشاور بعض مستشاريه، وقد يحتاج إلى الخلوة بأحدهم في بعض الأمور الهامة والتي تحتاج إلى المسارة بها، والذي يظهر من ذلك غاية الظهور أن الالتزام بتلك الأحكام والقيام بمهمات ولاية الأمر في حق المرأة أمران متناقضان لا يلتقيان أبدا.
كما دلت النصوص الشرعية على أن المرأة عليها أن تخفض صوتها ولا ترفعه في وجود الرجال، فليس لها أن تؤذن للصلاة أو تقيمها ولا أن ترفع صوتها في الإهلال بالحج أو العمرة قال ابن عبد البر: "وأجمع العلماء أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها"[18]، وقال الجصاص الحنفي في تفسير قوله تعالى: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن: "، وفيه دلالة على أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب ؛ إذ كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها ؛ ولذلك كره أصحابنا أذان النساء ؛ لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت والمرأة منهية عن ذلك"، كما أن المرأة عند خطأ الإمام في الصلاة لا تسبح كالرجال بل تصفق بيدها، والإسرار بالصوت أو خفضه مما ينافي عمل ولي الأمر فهو محتاج للحديث مع كثير من الناس في مهمات كثيرة في شكل دوري أو يومي بصوت قوي مرات كثيرة إذ عمله قائم على الأمر والنهي والتوجيه والإرشاد
وفيما توارد عليه القرآن والسنة وما اتفق عليه جمهور الفقهاء من أن المرأة لا تُنكح نفسها وأنها لا بد لها من ولي في ذلك، ما يدل على عدم جواز ولايتها للأمر، فإذا كانت الشريعة لم تملكها أمر نفسها فكيف تملكها أمر عشرات الملايين من الرجال والنساء، قال القرطبي رحمه الله تعالى: "قد تعاضد الكتاب والسنة على أن لا نكاح إلا بولي، ونقل عن الطبري قوله: في حديث حفصة حين تأيمت وعقد عمر عليها النكاح ولم تعقده هي، إبطال قول من قال: إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع خطبة حفصة لنفسها إذا كانت أولى بنفسها من أبيها، وخطبها إلى من لا يملك أمرها ولا العقد عليها"[19]
ولو لم يرد في السنة من الأدلة غير ما تقدم لكفى، لكنه يوجد مع ذلك دليل خاص في المسألة، فعندما جعل الفرس ابنة ملكهم ملكا عليهم وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"[20] وهذا الحديث قد استدل به أهل العلم على عدم جواز أن تكون المرأة ولي أمر، وهو فهم الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم، ولم يفرق أهل العلم في ذلك بين قوم وقوم أو امرأة وامرأة بل النساء كلهن لا يصلحن لولاية الأمر، ولو كانت من خيرة النساء علما وفقها وتقى وورعا، ولذلك عندما خرجت عائشة رضي الله تعالى للإصلاح بين المسلمين في القتال الدائر بين معسكر علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما قال أبو بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد نفعنى الله بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل ، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم وذكر هذا الحديث، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هذا ورد بصيغة العموم التي تعني عدم جواز قصره على حادثة بنت كسرى، إذ لو كان المراد قصره عليها لجاء مثلا بلفظ: لن يفلحوا، فيكون ذلك خاصا بهم، فلما عدل عن لفظ وجيز مكون من كلمتين (لن يفلحوا) وهو الذي أوتي جوامع الكلم إلى جملة من ست كلمات (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) واستعمال لفظ عام فقال قوم (يعني: أي قوم) وقال امرأة (يعني: أي امرأة) كان العموم مرادا فإن لفظي "قوم"، و"امرأة" جاءا نكرتين في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تعم، كما يقوله أهل الأصول.

الإجماع:
ليس في قول أحد من أهل العلم الذين يؤخذ بقولهم أنه يجوز للمرأة أن تلي رئاسة الدولة الإسلامية، حتى بعض من نازع في تولي المرأة القضاء أو بعض الوظائف العامة التي تكون المرأة صالحة لها ومؤهلة للقيام بها، لم ينازع في عدم جواز ولايتها لرئاسة الدولة، قال الماوردي في وزارة التنفيذ وهي أقل شأنا من وزارة التفويض: "ولا يجوز أن تقوم بذلك امرأة وإن كان خبرها مقبولا لما تضمنه معنى الولايات المصروفة عن النساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"[21]، ولأن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء ، ومن الظهور في مباشرة الأمور ما هو عليهن محظور"[22] وقال القلقشندي: "في شروط الإمامة وقد أعتبر أصحابنا الشافعية رضي الله عنهم لصحة عقدها أربعة عشر شرطا في الإمام، الأول: الذكورة فلا تنعقد إمامة المرأة واحتج له بما رواه البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيام الجمل بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أهل فارس ملكوا بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة، زاد الترمذي والنسائي: فلما قدمت عائشة البصرة ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمني الله تعالى به، والمعنى في ذلك أن الإمام لا يستغني عن الاختلاط بالرجال والمشاورة معهم في الأمور، والمرأة ممنوعة من ذلك ولأن المرأة ناقصة في أمر نفسها حتى لا تملك النكاح فلا تجعل إليها الولاية على غيرها"[23]
وقال الغزالي في بيان شروط الإمامة: "الذكورية: فلا تنعقد الإمامة لامرأة وان اتصفت بجميع خلال الكمال وصفات الاستقلال، وكيف تترشح امرأة لمنصب الإمامة وليس لها منصب القضاء ولا منصب الشهادة في أكثر الحكومات"[24]، وقد ذكر هذا الشرط كثير من أهل العلم، والنقولات عنهم بذلك كثيرة لا يتسع المقال لإيرادها جميعا، وقد حكى الإجماع على ذلك كثير من أهل العلم فقال ابن حزم: "وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة" وقال البغوي: "اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات والمرأة عورة لا تصلح للبروز وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة والإمامة والقضاء من كمال الولايات فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال"[25]
وقال القرطبي: "وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماما وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه"[26]، وقال الشنقيطي في أضواء البيان: "الثاني: من شروط الإمام الأعظم : كونه ذكراً ولا خلاف في ذلك بين العلماء ، ويدل له ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ، أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: لما بلغه أن فارساً ملكوا ابنة كسرى قال : « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة »[27]، ويقول د/محمد بلتاجي حسن رحمه الله تعالى: "اتفق العلماء في عصورهم المتتابعة على أن رئاسة الدولة الإسلامية مخصوصة بالرجل دون المرأة"[28]، وهذه النقولات يوافقها ما درج عليه المسلمون زمن رسول صلى الله عليه وسلم وزمن العصور المفضلة بعده وما تلاها من عصور على عدم تولية المرأة، فقد وجدت أفضل النساء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن أزواجه والصحابيات فما تطلعت منهم واحدة لذلك الأمر، ولا جرى على لسان أحد من الصحابة إمكان توليتهن، مع إقرارهم بفضلهن وعلمهن وجودة رأيهن

شبهة واعتراض :
لا يعني عدم جواز تولية النساء التقليل من شأن المرأة أو ازدرائها كما يروج لذلك العلمانيون وأضرابهم، وإنما هو من قبيل توزيع التخصصات وتكليف كل امرئ بما هو أنسب له وأليق به.
وكان الذي ينبغي صدوره ممن يزعمون تقدير التخصصات وتقديم المتخصص في فن أو علم على غير المتخصص فيه، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب له، أن يقروا بذلك ويقبلوه حتى يكونوا منطقيين مع أنفسهم لأن هذا الحكم ليس من تصورات الرجال ورغباتهم وإنما هو ما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وأرشدت إليه، ورب العباد وخالقهم هو أعلم بهم وليست بينه سبحانه وبين الناس نسب حتى يميز بعضهم عن بعض به، إنما ميزهم بما خلقهم له وطلبه منهم سبحانه هو الواحد القهار.
ومن غريب ما يقف عليه المرء من كلام المخالفين أن يزعم بعضهم إن حديث: لن يفلح قوم ... هو واقعة عين خاصة بأهل فارس ولا يتعدى الحكم غيرهم، وهذا القول لا تدل عليه لغة ولا جاء به نقل، فأما النقل فإن هذا الحمل للحديث لم يقل به أحد من أهل العلم على مدى قرون عديدة من قرون الإسلام، فالقول به مخالف لإجماع أهل العلم في تفسير ذلك الحديث، وأما قواعد اللغة فإنها تأبي أن يكون الحديث خاصا بواقعة معينة فإن ألفاظه التي جاء بها هي من ألفاظ العموم، وما كان مخالفا لقواعد اللغة ولفهم العلماء السابقين فلا يجوز قبوله ولا الالتفات إليه ولا كرامة.
و لولي الأمر صفات أخرى يجب أن تتحقق فيه، وليس المراد من المقال ذكر الصفات جميعها، وإنما المقصود الرد على من يحاول أن يغير في أحكام الشريعة لتوافق أهواء ورغبات الكارهين لدين الله، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ


------------------------------
[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/168-169
[2] معالم التنزيل للبغوي 2/207
[3] أخرجه البخاري رقم 4425
[4] تفسير ابن كثير2/292-293
[5] أنوار التنزيل للبيضاوي
[6] روح المعاني لمحمود الألوسي
[7] التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
[8] تفسير القرطبي14/189
[9] تفسير ابن كثير6/408
[10] أخرجه البخاري رقم 5096 ومسلم رقم2740
[11] أخرجه مسلم رقم2742
[12] أخرجه مسلم رقم1403
[13] المنهاج شرح النووي على صحيح مسلم 9/254
[14] أخرجه البخاري رقم1862 ومسلم رقم 1341
[15] أخرجه أبو داود رقم 5272 وقال الألباني : حسن
[16] أخرجه البخاري رقم 5232 ومسلم رقم 2172
[17] أخرجه الترمذي رقم 2165وقال حديث حسن صحيح غريب
[18] التمهيد لابن عبد البر17/242
[19] تفسير القرطبي 3/73
[20] أخرجه البخاري رقم 4425
[21] أخرجه البخاري وغيره واللفظ لأحمد رقم 20474
[22] الأحكام السلطانية للماوردي
[23] مآثر الإنافة للقلقشندي 1/16
[24] فضائح الباطنية ص180
[25] شرح السنة 10/77، وكأنه لم يعتد بخلاف من خالف في ولاية القضاء، فجعله كالقول الشاذ الذي لا يخرم به الاتفاق
[26] تفسير القرطبي 1/270
[27] أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن 1/27
[28] مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ص245




الساعة الآن 12:14 AM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "