شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=7)
-   -   لست بالخب ولا الخب يخدعنى (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=126801)

@ سالم @ 13-05-11 02:02 AM

لست بالخب ولا الخب يخدعنى
 

لست بالخب ولا الخب يخدعنى



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وسلم تسليما كثيرا :-
يقول رب العزة سبحانه: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليمالنور:طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام طاعة لله تعالى، ومعصية الرسول عليه الصلاة والسلام معصية له تعالى، وفي الآية تحذير من الله عز وجل للأمة من أن تعصي رسولها عليه الصلاة والسلام، لأن في معصية رسول الله فتنة وعذاب، فتنة في القلوب بالكفر والنفاق، وعذاب في الدنيا والآخرة.
أن الحذر ثابت في الكتاب وثابت في السنة، ثابت في الكتاب قول رب العزة سبحانه: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاالنساء:. وفي السنة فعل النبي عليه الصلاة والسلام، عندما أراد الهجرة جاء إلى دار أبي بكر في الهاجرة، أي في وقت الظهيرة، ولما دخل دار أبي بكر قال: أخرج عني من عندك، فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله أذن لي في الخروج والهجرة، وهذا يدل على حذر النبي عليه الصلاة والسلام، في الزمان وفي المكان، مجيئه وقت الهاجرة وقت الظهيرة، حيث سكون الحركة، واطمئنان النبي عليه الصلاة والسلام أن المكان آمن بقوله: أخرج عني من عندك
وينبغي أن تعلم أن الحذر من صفات المؤمنين، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: المؤمن كيس فطن يقول عمر بن الخطاب:لست بالخب ولا الخب يخدعني، لست بالخب أي المخادع، ولا يستطيع مخادع أن يخدعني .
ينبغي أن تعلم أيضا أنه لا ينبغي للمؤمن أن يكون ساذجا، لا يعتبر بالأحداث تدور حوله، فإذا ما خانك إنسان فلا ينبغي أن تثق به مرة أخرى، فتلك هي السذاجة، وإذا ما جربت فساد أمر فلا ينبغي أن تعود مرة ثانية وتجرب التجربة مرة أخرى، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
وينبغي أن تعلم أيضا أنه لا يغني حذر من قدر، مشيئة الله نافذة، وعند البلاء ينبغي أن تعلم أنك المقصود فيه، فإذا نجوت فإنما تنجو بقدر الله عز وجل، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. لذا يعلمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام عند البلاء أن لا نكثر من اللوم لأنفسنا بل أن نرضى بقضاء الله، فيقول عليه الصلاة والسلام: فإن أصاب أحدكم شيئا فلا يقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل.


فلابد من الحذر، لأن أعداء الله تعالى حريصون على إبادة هذا الدين وأهله، يرفعون لواء وشعار: "دمروا الإسلام أبيدوا أهله"، وهم لا يتحرجون من أن يستخدموا أي أسلوب لتحقيق هدفهم قط بالقتل، قال تعالى حكاية عن فرعون: ذروني أقتل موسى وليدع ربه غافر:26بالإخراج والنفي عن البلاد: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون الأعراف:82. جريمة لوط عليه السلام أنه كان عفيفا، والعفيف لابد أن يخرج من البلاد، فالبلاد أرض الأرجاس فقط، ثم بالسخرية أيضا: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين المطففين :28-31. أو أن يلبس المفسدون ثوب الإصلاح: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون البقرة:11-12.
ولابد من الحذر أيضا، لماذا؟ لأن الناس ليسوا سواء، فمن الناس الوفي ومنهم الغادر، ومنهم الطيب ومنهم الخبيث، ومنهم الصالح ومنهم الطالح، إن من النفوس نفوسا تبلغ في خستها أنها لا تنتقم إلا ممن يحسن إليها ويتفضل، يذكر لنا من سبقنا علما وفضلا في حادثة جرت أن رجلا ارتكب جرما، فأوى إلى بيت كرام فآووه، ورب الدار يطعمه ويسقيه ويكرمه في بيته شهورا طويلة حتى هدأت العيون وسكت الناس عن طلبه، بعد هذا يقوم الجاني فيقتل رب الدار، يقتل رب الدار الذي أحسن إليه، يسأله الناس بعد ذلك: لم فعلت هذا؟فقد أحسن إليك كل الإحسان! فيقول لهم: إني كلما نظرت إليه تذكرت إحسانه علي، فيضيق صدري، فأردت أن أقتله حتى أستريح، نفوس كنفوس الوحش من الحيوان.
وأيضا لابد من الحذر، لأن من الناس من يعيشون على هفوات الآخرين وأخطائهم، بل قل يعيشون على كلمة الحق إذا قيلت، فيكتبون ويتجسسون والتجسس لا يكون في محيط المسلمين، ولا يكون إلا على أعداء الله عز وجل، ورب العزة يقول: ولا تجسسوا الحجرات:12. ويقول عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة نمام، وهو الذي ينقل الحديث حتى يوقع الأذى بمن يريد، مر النبي عليه الصلاة والسلام على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يتنزه من البول أي لا يتحفظ من بوله.
وقد جاء في الأثر: لا تقوم الساعة حتى لا يأمن فيه المرء جليسه.


أولا: فأول الحذر حذر العبد من ذنوبه، إن للحسنة خيرا وبركة كما أن للسيئة غضبا من الله ولعنة، لقول الله تعالى في الحديث القدسي: إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد)، وعلى العبد أن يحذر الذنب وأثر الذنب بعد ذلك، على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.
على مستوى الفرد يقول رب العزة سبحانه: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفس محمد بيده ما يصيب العبد من خدش عود أو اختلاع عرق أو نكبة بحجر أو عثرة بقدم إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر
ب – وعلى مستوى الأمة، هلاك الأمة بمعاصيها يكون، وصدق الله العظيم:فأهلكناهم بذنوبهمالشورى. عندما فتح المسلمون قبرص وسبي أهلها، بكى أبو الدرداء ، قيل له: أتبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال: (دعك من هذا، إنما أبكي لهوان الخلق على الله، فبينما هي أمة قاهرة قادرة، إذ عصت أمر ربها فصارت إلى ما ترى .
ثانيا: ومن الحذر أن يحذر العبد إمهال الله واستدراجه: إن من أسماء الله الحليم، كما أن من أسماء الله الصبور، كما أن من أسماء الله المنتقم، من حلم الله عز وجل أنه لا يعجل العقوبة للظالم أو لغيره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ليملي، يمد للظالم في ظلمه .
بل إن الله عز وجل ينعم على العاصي حتى يوغل في المعصية، يقول عليه الصلاة والسلام: إذا رأيت الله يعطي العبد على معاصيه فاعلم أنه استدراج، ثم تلى قوله تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون.
ثالثا: ومن الحذر، حذر العبد من نفسه، وصف رب العزة النفس فقال:إن النفس لأمارة بالسوء يوسف:53، قال النبي عليه الصلاة والسلام: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، ما تكرهه النفس من بذل وعطاء وجهاد هو الطريق إلى الجنة، وما ترغبه النفس من فحش وحرام هو السبيل إلى النار، وعلى العبد أن يحذر نفسه في حال ضعفها أو قوتها، ففي حال ضعفها أن لا يسيء الظن بالله عز وجل فلا يأس مع الله: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون يوسف:87.وفي حال قوتها: إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، رأى النبي عليه الصلاة والسلام أبا مسعود وهو يضرب غلاما عنده، قال عليه الصلاة والسلام مغضبا: من هو أقدر عليك منك عليه، يقول: فالتفت فإذا رسول الله غاضب، فقلت: هو حر لوجه الله يا رسول الله، قال: والله لو لم تقلها لمستك النار.أصحاب النفوس العلية الكريمة إذا وسّع الله عليهم لم يزدادوا إلا تواضعا وذلة لله وللمؤمنين، عمر بن الخطاب على جلالة قدره، ويدمر رب العزة دولة كسرى وفارس تحت قدمه، ويحكم ثلث العالم في وقته، وقف على المنبر والناس عند قدمه، فتعجبه نفسه فيقول – مخاطبا لنفسه -: لقد كنت تسمى عميرا، ولقد كنت ترعى غنميات لآل الخطاب، على تمرات تأكلها وتسد بها جوعتك، ثم أصبحت تسمى عمرا، ثم أصبح يقال لك: أمير المؤمنين، ثم ترك المنبر ونزل، سأله الناس، لماذا قلت هذا يا أمير المؤمنين ! قال: أعجبتني نفسي فأردت أن أذلها، إن الذين تفاجئهم النعمة، ولم يكن عندهم من الدين ما يحفظ لهم تماسك عقولهم وإيمانهم، طغوا وتكبروا واستكبروا ونظروا إلى الخلق نظر احتقار وسخرية واستهزاء، يريد من الناس أن يحترموه ولا يحترم، يريد من الناس أن يقدروه ولا يقدر، نفوس وضيعة لفقدانها الحذر من هذا الأمر.
رابعا: ومن الحذر أيضا حذر العبد من أهله: من أن يحولوا بينه وبين طاعة الله أو الجهاد، كان عبد الرحمن بن مالك الأشجعي كلما أراد الجهاد قامت إليه زوجته وولده يقولون له: إلى من تتركنا، كيف لو قتلت، ماذا نفعل بالحياة من بعدك؟ فيرق لحالهم ويجلس ولا يجاهد، فأنزل رب العزة قوله:يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم :14. عدوا لكم يفعلون فعل العدو في أن يحولوا بينكم وبين طاعة الله سبحانه، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون المنافقون:9.وليكن واضحا في ذهنك كيف يكون حال هؤلاء يوم القيامة؟ يقول رب العزة سبحانه: يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه . وصاحبته وبنيه .لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه عبس:34-37.
يقول عكرمة: يلقى الرجل زوجته يوم القيامة يقول لها: أي زوج كنت لك؟ تقول: نعم الزوج، فيقول لها: فإني أسألك حسنة واحدة أنجو بها مما أنا فيه، فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مما تتخوف منه، أنا أخاف عذاب الله كما أنك تخاف، فتبخل عليه بالحسنة، يلقى الوالد ولده، يقول له: أي والد كنت لك؟ فيقول: نعم الوالد، فيقول: فإني أسألك اليوم حسنة واحدة أنجو بها مما أنا فيه، فيقول: ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مما تتخوف منه:13. فمن الغباء بمكان أن يضيع العبد آخرته بدنيا غيره.
خامسا: ومن الحذر حذر العبد في صحبته: أوصانا رب العزة سبحانه أن نصحب الصالحين فقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين التوبة:119. ورسول الله عليه الصلاة والسلام يوضح لنا أثر الصحبة الخيرة والفاسدة فيقول: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يعطيك وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة. إما أن يوقعك في مهلكة وإما أنك لن تسمع منه الكلمة الطيبة، كان لابد من التجربة والمحك قبل أن يكون بينك وبينه صحبة، يقول أحد الصالحين: إذا أردت أن تصحب أحدا فأغضبه، فإذا ذكرك بالخير وحفظ سرك فاحرص عليه فإنه أخوك، وإذا ذكرك بالسوء وكشف سرك فلا تحرص عليه فإنه لئيم.
سادسا: ومن الحذر أخيرا أن تحذر أعداء الله تعالى، رب العزة بقدرته بعلمه يقول: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا .المائدة:82. رسول الله عليه الصلاة والسلام، رسولنا قدوتنا يقول: ما خلا يهودي بمسلم إلا همّ بقتله، إعلام كامل بعداوة اليهود لنا، تاريخهم الأسود وأنهم لا يربطهم عهد ولا ميثاق، وتجد في الأمة من يصف اليهود بأنهم أبناء العمومة، لعنة الله على أبناء العمومة وعلى من ينتسب إليهم، أو أنه يقول لابد أن يكون بيننا وبينهم مواثيق وعهود، وينسى الغبي ما كان من عهودهم ومن تاريخهم مع الأنبياء ومعنا، في واقعنا الحاضر، ويقف منهم موقف الخادم من سيده، والله يقول: قل أأنتم أعلم أم الله .
إن الذي يعرض عن منهج الله سبحان يفوته السداد والتوفيق، كما وتتقاذفه الوساوس وتعبث به الأهواء فيزن الأمور بموازين الأرض لا السماء، ويزيد الأمر ضلالا وجود علماء السوء الذي يحللون ما حرّم الله ورسوله، فنسأل الله العافية.
وأما وسائل الحذر في إسلامنا فهي كثيرة:
منها التخفي والاستتار: فقد كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى شعب الجبال، شقوق الجبال، يصلون هناك يوم كانوا بمكة خوفا من بطش الكفار بهمومن وسائل الحذر أيضا هو التفرق وعدم التجمع، أخذا من قول رب العزة سبحانه: وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقةيوسف:67. وصية يعقوب عليه السلام لبنيه، قال العلماء: وفي الآية تفسيران، التفسير الأول أنه خشي عليهم من العين، فكلهم إخوة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: العين حق. ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وقيل: هو خوفا من أن يلفتوا النظر إليهم لتجمعهم.
ومن وسائل الحذر أيضا هو استخدام المعاريض، هو أن تقول كلاما تقصد به أمرا ويفهم السامع غير الذي تريد، عندما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر ، وفي الطريق مروا بقوم يعرفون أبا بكر ولكنهم لا يعرفون النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا لأبي بكر: من هذا الذي معك؟ لو قال إنه رسول الله فقريش قد وضعت جائزة لمن يأتي برسول الله حيا أو ميتا، مائة ناقة لمن يأتي برسول الله حيا أو ميتا، فقال لهم أبو بكر: إنه دليلي يدلني على الطريق، ويقصد بالدليل أن رسول الله هو دليله إلى الإسلام، بل هو الدليل للأمة كلها إلى الله عز وجل، ولكن القوم فهموا أنه يعرفه بمعاريج الطريق وسبل السير فيها .
ومن وسائل الحذر أيضا هو الكذب، يجوز للمسلم أن يكذب في أحوال ثلاث، قول النبي عليه الصلاة والسلام: عند اصلاح ذات البين، كأن تقول لفلان: والله إن فلان يذكرك بالخير، وتقول مثل هذا لصاحبه حتى تقرب بين القلوب، مع أن كليهما لم يذكرا ذلك: وعند الحرب وقول الرجل لزوجته وقول الزوجة لزوجها18، أن يذكرها بأنها أجمل النساء وليست كذلك، أو أنه أشجع الناس وهو ليس كذلك.
ومن الوسائل أخيرا، التشبه بالكفار للمصلحة: صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه وأرضاه، عندما أراد فتح بيت المقدس كان من الوسائل التي استخدمها أن يأمر بعض المسلمين أن يتشبهوا بزي أعداء الله من الأفرنجة، فيحلقوا لحاهم ويلبسوا زيهم، ويدخلون بيت المقدس يتعرفون على مواضع الضعف فيها وإيصال تلك المعلومات، بعد ذلك، مما كان لها الأثر في الفتح المبين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

أبو زرعة الرازي 14-05-11 04:28 PM

اقتباس:

ومن الوسائل أخيرا، التشبه بالكفار للمصلحة: صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه وأرضاه، عندما أراد فتح بيت المقدس كان من الوسائل التي استخدمها أن يأمر بعض المسلمين أن يتشبهوا بزي أعداء الله من الأفرنجة، فيحلقوا لحاهم ويلبسوا زيهم، ويدخلون بيت المقدس يتعرفون على مواضع الضعف فيها وإيصال تلك المعلومات، بعد ذلك، مما كان لها الأثر في الفتح المبين.
هذا غريب.
فالذي أعرفه أن حلق اللحى شيمة المجوس، ولم تتقلده اليهود والنصارى إلا من قريب، فهل هناك نقول عن أهل التأريخ في هذه المسألة.

@ سالم @ 17-05-11 01:13 AM



غارت النجوم ونامت العيون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا:-

مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثـلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامَةِ إِنَّ للَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ [المجادلة:7].
رجلان من قريش يجلسان في جوف الليل، تحت جدارِ الكعبة، قد هدأت الجفون ونامت العيون، أرخى الليلُ سدوله، واختلط ظلامُه، وغارت نجومُه، وشاع سكونُه ولا يبفى الا الحى القيوم الذى لا تأخذه سنة ولا نوم .
قاما يتذاكران، ويخططان ويدبران، وظنا أن الحي القيوم لا يعلمُ كثيراً مما يعملون.
استخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله الذي يعلم ما يبيتونَ مما لا يرضى من القول.
تذاكرا مصابهم في بدر فقال صفوان وهو أحدُهم: والله ما في العيش بعد قتلى بدر خير.
فقال عمير: صدقت والله لولا دينُ علي ليس له قضاء، وعيالُ أخشى عليهم الضيعة لركبتُ إلى محمد حتى أقتله.
صلى الله على نبينا محمد.
اغتنم صفوان ذلك الإنفعال، وذلك التأثر وقال: علي دينُك، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءُ ويعجزُ عنهم.
قال عمير: فأكتم شأني وشأنك لا يعلم بذلك أحد. قال صفوانُ: أفعل.
فقام عمير وشحذ سيفَه، وسمَه، ثم انطلقَ به يغضُ السير به إلى المدينة.
وصل إلى هناك وعمرُ رضي الله عنه، أعني بنَ الخطاب في نفرٍ من المسلمين.
أناخَ عميرُ على بابِ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً سيفه.
فقال عمر: عدو الله، والله ما جاء إلا لشر.
ودخل عمر على رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدخلُه علي.
فأخذ عمرُ بحمائل سيفِ عُمير وجعلها له كالقلادة ثم دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: أرسله يا عمر.
ثم قال ما جاء بك يا عمير. وكان له أبنُ أسير عند رسولِ صلى الله عليه وسلم
قال جئت لهذا الأسير، فأحسنوا به.
قال صلى الله عليه وسلم: فما بالُ السيفِ في عنقك؟
قال: قبحها اللهُ من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً.
فقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحيُ بما يضمرُه عمير، اصدقني يا عمير ما الذي جاء بك؟
قال: ما جئت إلا لذاك.
فقال صلى الله عليه وسلم: بل قعدت مع صفوان في الحجر في ليلة كذا، وقلت له: كذا، وقال لك: كذا وتعهد لك بدينك وعيالك، واللهُ حائلُ بيني وبينك.
قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا أمرُ لم يحضُره إلا أنا وصفوان، واللهِ إني لأعلم أنه ما أتاك به الآن إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق، والحمد لله الذي هداني للإسلام.
جاء ليقتلَ النور ويطفىء النور، فرجعَ وهو شعلةُ نور اقتبسَه من صاحب النور صلى الله عليه وسلم.
عباد الله، سمعتم المؤامرة تحاك تحت جدار الكعبة، في ظلمة الليل لا يعلمُ بها أحد حتى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم الغيب. حُبكت المؤامرةُ سراً.
من الذي أعلنها؟ من الذي سمعهما؟ وهما يخططان، ويدبران ويمكران عند باب الكعبة.
إنه الذي لا يخفى عليه شيءُ في الأرض ولا في السماء.
كم تأمر المتآمرون في ظلام الليل، كم من عدو للإسلام جلس يخطط لضرب الإسلام وحدَه أو مع غيره سراً، ويظن أنه يتصرفُ كما يشاء، متناسياً أن الذي لا يخفى عليه شيءُ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.
يا أيها العبدُ المؤمن: إذا لقيت عنتاً ومشقة وسخرية واستهزاء فلا تحزن ولا تأسَ إن الله يعلم ما يقال لك قبل أن يقالُ لك، وإليه يرد كل شيء، لا إله إلا هو.
يا أيها المؤمن إذا جُعلت الأصابع في الآذان: واستغشيت الثياب، وزاد الإصرار والاستكبار، وكثر الطعن وضاقت نفسك فلا تأسَ ولا تحزن، إن الله يعلم ويسمع ما تقول وما يقال لك.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
يَعْلَمُ خَائِنَةَالاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [غافر:19].
يا أيها الشاب الذي وضع قدمَه على أول طريق الهداية، فسمع رجلاً يسخر منه، وآخر يهزأ به، وثالثاً يقاطعه، اثبت ولا تأسَ وأعلم علم يقين أنك بين يدي الله يسمع ما تقول، ويسمع ما يقال لك، وسيجزي كل أمرء بما فعل.
لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى لسَّمَـواتِ وَلاَ فِى الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ [سبأ:3].
يا مرتكبَ المعاصي مختفياً عن أعينَ الخلق أين الله؟
أين الله ما أنت واللهِ إلا أحدُ رجلين: إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت.
وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجترئ عليه، وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك؟
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَي مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108].
يدخلُ بعضُ الناسِ غابةً ملتفة أشجارُها، لا تكادُ ترى الشمسَ معها، ثم يقول: لو عملتُ المعصيةُ الآنَ من كان يراني؟
فيسمعُ هاتفاً بصوت يملأ الغابة ويقول: أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. بلى والله.
فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات، في الخلوات، في الفلوات بعيداً عن أعين المخلوقات، أين الله؟ هل سألت نفسكَ هذا السؤال.
في الصحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثوراً)).
قال ثوبان: صفهم لنا، جلّهم لنا أن لا نكون منهم يا رسول الله قال: ((أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها)).
إلى من يملأ ليله وعينَه وأذنه ويضيعُ وقتَه حتى في ثُلث الليل الآخر، يملأ ذلك بمعاصي الله، أين الله؟
فقد روى االثقاةُ عن خيرِ الملاء بأنـه عـز وجـل وعـلا
فـي ثلثِ الليـل الأخيـرِ ينزلُ يقـول هل مـن تائبٍ فيقبلُ
هل من مسيء طـالبٍ للمغفرة يجد كريماً قابـلاً للمعـذرة
يمـن بالخيـراتِ والفضـائل ويسترُ العيب ويعطي السائل
فنسأله من فضله.
إن اللهَ لا يخفى عليه شيء فهلا اتقيتَه يا عبد الله.
عمرُ بن الخطاب رضي اللهُ عنه، يعسُ ليلةً من الليالي ويتتبع أحوال الأمة، وتعب فاتكأ على جدارٍ ليستريح، فإذا بمرأةٍ تقولُ لابنتها: امذقي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع.
فقالت البنت:ُ إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يشابُ اللبنَ بالماء.
فقالتِ الأم:ُ يا ابنتي قومي فإنك بموضعٍ لا يراكِ فيه عمرُ ولا مناديه.
فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله؟ وللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملا، وأعصيه في الخلاء.
ويمرُ عمرُ أخرى بامرأة أخرى تغيبَ عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله عز وجل، قد تغيبت في ظلمات ثلاث، في ظلمة الغربةِ والبعد عن زوجها، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة قعر بيتها، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقنـي أن لا حبيب ألاعبـه
فوالله لولا الله لا رب غيـره لحرك من هذا السريري جوانبه
ما الذي راقبته في ظلام الليل وفي بعد عن زوجها، وفي هدأة العيون؟
والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.
وأعرابية أخرى يراودها رجل على نفسها كما أورد ابن رجب، ثم قال لها: ما يرانا أحد إلا الكواكب.
فقالت: وأين مكوكبها يا رجل؟ أين الله يا رجل؟
أتستخفي من الناس ولا تستخفي من الله وهو معك إذ تبيت ما لا يرضى من القول.
أخيرا اسمع لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن وإنما وقع في زمن مضى لتعلم ثمرة مراقبة الله عز وجل، واستشعار ذلك الأمر.
رجل اسمه نوح بن مريم كان ذي نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له أبنة غاية في الجمال، ذات منصب وجمال. وفوق ذلك صاحبة دين وخلق.
وكان معه عبد اسمه مبارك، لا يملك من الدنياء قليلاً ولا كثيراً ولكنه يملك الدين والخلق، ومن ملكهما فقد ملك كل شيء.
أرسلَه سيده إلى بساتين له، وقال له: اذهب إلى تلك البساتين واحفظ ثمرها، وكن على خدمتها إلى أن آتيك.
مضى الرجل وبقي في البساتين لمدة شهرين، وجاءه سيده، جاء ليستجم في بساتينه، ليستريح في تلك البساتين.
جلس تحت شجرة وقال: يا مبارك، ائتني بقطف من عنب.
جاءه بقطف فإذا هو حامض.
فقال: ائتني بقطف آخر إن هذا حامض.
فأتاه بآخر فإذا هو حامض.
قال: ائتني بآخر، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض.
كاد أن يستولي عليه الغضب، وقال: يا مبارك أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتني بقطف لم ينضج.
ألا تعرف حلوه من حامضة؟
قال: والله ما أرسلتني لأكله وإنما أرسلتني لأحفظه وأقوم على خدمته. والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة.
والذي لا إله إلا هو ما رقبتك، ولا رقبت أحداً من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أعجب به، وأعجب بورعه وقال: الآن أستشيرك، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششة، والمستشار مؤتمن.
وقد تقدم لابنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت؟
فقال مبارك: لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب. واليهود يزوجون للمال. والنصارى للجمال. وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزوجون للدين والخلق. وعلى عهدنا هذا للمال والجاه. والمرء مع من أحب، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
أي نصيحة وأي مشورة؟
نظر وقدر وفكر وتملى فما وجد خيراً من مبارك، قال: أنت حر لوجه الله أعتقه أولاً.
ثم قال لقد قلبت النظر فرأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت.
قال: اعرض عليها. فذهب وعرض على البنت وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك.
قالت: أترضاه لي؟
قال: نعم.
قالت: فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فكان الزواج المبارك من مبارك.
فما الثمرة وما النتيجة؟
حملت هذه المرأة وولدت طفلاً أسمياه عبد الله، لعل الكل يعرف هذا الرجل.
إنه عبد الله بن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حياً بسيرته وذكره الطيب.
إن ذلك ثمرة مراقبة الله غز وجل في كل شي.
أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة لصلح الحال، واستقامت الأمور.
فيا أيها المؤمن، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات، في الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك، واستشعرتَ ذلك فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطناً، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.
إذا ما خلوت الدهرَ يوماً فلا تقل خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسـبنَ اللهَ يغفـلُ سـاعةً ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
عباد الله، اتقوا اللهَ في ما تقولون، واتقوا الله في ما تفعلون وتذرون.
اتقوا الله في جوارحكُم، اتقوا اللهَ في مطعمِكم ومشربِكم، فلا تدخلوا أجوافَكم إلا حلالاً فإن أجوافَكم تصبرُ على الجوعِ لكنها لا تصبرُ على النار.
اتقوا اللهَ في ألسنتِكم، اتقوا اللهَ في بيوتِكم، في أبنائِكم في خدمكم، في أنفسكم.
اتقوا اللهَ في ليلِكم ونهارِكم، اتقوا اللهَ حيثما كنتم.
وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى°كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
عباد الله: اعلموا علم يقينٍ أن اللهَ هو الرقيب، وأن الله هو الحسيب، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه.
هو الشهيدُ وكفى به شهيداً، ومن حكمتِه سبحانه وبحمده أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامةِ الحجُةِ حتى لا يكون للناس حجة، وتعدد الشهودُ علينا وكفى باللهِ شهيداً، من هؤلاءِ الشهودِ:
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حيثُ يقول اللهُ عز وجل: وَكَذظ°لِكَ جَعَلْنَـظ°كُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الاْرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:42].
فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيشهدُ على الأممِ وعلى هذه الأمة.
والملائكةُ أيضاً يشهدون وكفى باللهِ شهيداً، قال اللهُ عز وجل: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـظ°فِظِينَ كِرَاماً كَـاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الإنفطار:10-12].
ويقول جل وعلا: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:17-18].
فالملائكة أيضا ستشهد. والكتابُ سيشهد. والسجلات ستفتح بين يدي الله فترى الصغيرَ والكبيرَ والنقيرَ والقطميرَ، تنظرُ في صفحةِ اليومِ الثامنُ من هذا الشهر فإذا هي لا تغادرُ صغيرةً ولا كبيرة، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَـذَا الكتابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة مَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُوراقْرَأْ كَتَـابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13-14].
والأرضُ التي ذللها الله عز وجل لنا ستشهدُ بما عمل على ظهرها من خيرِ أو شر: إِذَا زُلْزِلَتِ الاْرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَـانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلت:1-5].
ستحدث بما عمل على ظهرها من خير أو شر، بل إن هذه الأرض تحمل عاطفة، إذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده، وبكاه ممشاه إلى الصلاة، وبكاه مصعد عمله إلى السماء.
وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُالسَّمَاء وَلاْرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ [الدخان:29].
والخلقُ أيضا سيشهدون وكفى باللهِ شهيداً: لطالما تفكهُ الإنسانُ بين هؤلاءِ الخلقِ بالوقوعِ في أعراضِ المسلمينَ بذكرِ ما سترَه اللهُ عليه. وما علم أن الخلق سيشهدونَ.
في الصحيح أن جنازة مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فيثني عليها الناس خيراً فيقول صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)).
وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوء فيقول صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)).
فيتساءل الصحابة؟
فيقول صلى الله عليه وسلم: ((أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه)).
وسيشهدُ ما هو أقربُ من هذا: ستشهدُ الجوارحُ فـأيد تشهد، وأرجل تشهد، وألسن تشهد، وجوارح تشهد:
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يس:6.
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء للَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ا لُخَـاسِرِينَ فَإِن يَصْبِرُواْ النَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24].
فاتقوا الله يا باد واجعلوا هؤلاءِ الشهودِ جميعهم لكم لا عليكم.
وبادروا أنفسَكم وأعمارَكم بالأعمالِ الصالحةِ قبل حلولِ الآجالِ وبقاءِ الحسراتِ.
أيا من يدعّي الفهم، إلى كم يا أخَ الوهم، تعبي الذنبَ بالذنب، وتخطي الخطأ الجم.
أما بان لك العيب، أما أنذرك الشيب، وما في نصحه ريب، ولا تنعُ فقد صم.
أما نادى بك الموت، أما أسمعك الصوت، أما تخشى من الفوت، فتحتاطَ وتهتم.
فكم تسكرُ في السهو، وتختالُ من الزهو، وتنصبُ إلى اللهو، كأن الموتَ ما عم.
وحتى متى جافيك، وإبطاؤك لافيك، طباعُ جمعت فيك، عيوبُ شملُها انظم.
أتسعى في هوى النفس، وتختالُ على الأنس، وتنسى ظلمةَ الرمس، ولا تذكرُ ما تم.
ستذري الدمَ لا الدمع، إذا عاينتَ ولا دمع، يقي في عرصة الجمع، ولا خالٍ ولا عم.
كأني بك تنحط، إلى اللحدِ وتنغط، وقد أسلمك الرهط، إلى أضيق منسم.
هناك الجسمُ ممدود، ليستأكَله الدود، إلى أن ينخر العود، ويمسي العظمَ قد رم.
فبادرِ أيها الغمر، لما يحلُ به المر، فقد كاد ينتهي العمر، وما أقلعت عن ذم.
وزود نفسَك الخير، ودع ما يعقبُ الضير، وهيء مركب السير، وخف لجة اليم.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


الساعة الآن 04:22 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "