شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=7)
-   -   فلسطين تصوير الفاجعة (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=141875)

درة الايمان 24-12-11 08:41 PM

فلسطين تصوير الفاجعة
 
الخميس, 13 تشرين1/أكتوير 2011 17:10
الكاتب: الشيخ البشير الإبراهيمي

يا فلسطين! إذا كان حب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمآرب التي يقضيها الشباب، فإن هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأن فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإنك كنت نهاية المرحلة الأرضية وبداية المرحلة السماوية، من تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعودا، وبعد رحلة آدم الواصلة بينهما هبوطا، وإليك ترامت همم الفاتحين، وترامت الأينُق الذلل بالفاتحين، تحمل الهدى والسلام وشرائع الإسلام، وتنقل النبوة العامة إلى أرض النبوات الخاصة، وثمار الوحي الجديد إلى منابت الوحي القديم، وتكشف عن الحقيقة التي كانت وقفت عند تبوك بقيادة محمد بن عبد الله، ثم وقفت عند مؤتة بقيادة زيد بن حارثة، فكانت الغزوتان تحويما من الإسلام عليك، وكانت الثالثة وردا، وكانت النتيجة أن الإسلام طهَّرك من رجس الرومان، كما طهَّر أطراف الجزيرة قبلك من رجس الأوثان.

داست حماكِ سنابكُ الخيول البابلية، وجاست خلال الديار، وسُبي بَنُوك (أسلاف الصهيونيين)، فلم ينتصر لكِ ولا لهم أحد، لولا أن منَّ عليهم الفاتحون المستعبِدون، وإن المنَّ لأنكى على الحرِّ من الاسترقاق، ثم غزاك الرومان ، وأذلوا ب************ واشتفوا منهم إثخانا في القتل وانتقاما -زعموا- من جريرة الصلب، وما ظَلمتِ يا فلسطين، ولكن بَنِيك جروا عليك الجرائر، وما كنت لتفلتي من براثن الرومان لولا أن انتصف الله لك من عدوك بالإسلام والعرب، فنصروك وطهَّروك وبلُّوا الرحم الإبراهيمية بِبُلالها، ووفوا لأبناء العمومة بحق القربى والجوار، وأصبحت من ذلك الحين ملكا ثابتا للإسلام، وإرثا مستحقا من موسى لمحمد، ومن التوراة للقرآن ومن إسحاق لإسماعيل.

يا فلسطين! ملكك الإسلام بالسيف، ولكنه ما ساسك ولا ساس بَنِيك بالحيف، فما بال هذه الطائفة الصهيونية اليوم تنكر الحق، وتتجاهل الحقيقة، وتجحد الفضل، وتكفر النعمة، فتزاحم العربي الوارث باستحقاق عن موارد الرزق فيك ، ثم تغلو فتزعم أنه لا شِرْب له من ذلك المورد.

ما بال هذه الطائفة تدَّعي ما ليس لها بحق، وتطوي عشرات القرون لتصل-بسفاهتها – وعد موسى بوعد بلفور ، وإن بينهما لمدا وجزرا من الأحداث ، وجذبا ودفعا من الفاتحين .

ما بالها تدَّعي إرثا لم يدفع عنه أسلافها غارة بابل ، ولا غزو الرومان ، ولا عادية الصليبيين ، وإنما يستحق التراث من دافع عنه وحامى دونه، وما دافع بابل إلا انحسار الموجة البابلية بعد أن بلغت مداها، وما دافع الرومان إلا عمر والعرب وأبطال اليرموك وأجنادين ، وما دافع الصليب وحامليه إلا صلاح الدين وفوارس حطين.

إن العرب على الخصوص والمسلمين على العموم ، حرروا فلسطين مرتين في التاريخ ، ودفعوا عنها الغارات المجتاحة مرات ، وانتظم ملكهم إياها ثلاثة عشر قرنا، وعاش فيها بنو إسرائيل تحت راية الإسلام وفي ظل حمايته آمنين على أرواحهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم وعلى دينهم ، ومن المحال أن يحيف المسلم الذي يؤمن بموسى على قوم موسى.

ما أشبه الصهيونيين بأوَّلهم في الاحتياط للحياة، أولئك لم يقنعوا بوعد الله، فقالوا : (يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا) [المائدة/22] وهؤلاء لم يثقوا بوعد بلفور حتى ضمنت لهم بريطانيا أن يكونوا في ظل حرابها، وتحت حماية مدافعها وقوانينها، وبكل ذلك استطاعوا أن يدخلوا مهاجرين ثم يصبحوا سادة مالكين، ودع عنك حديث الإرهاب فما هو إلا سراب.

ولو أن السيوف الإنجليزية أُغمِدت، والذهب الصهيوني رجع إلى مكانه، وعُرضت القضية على مجلس عدل وعقل لا يستهويه بريق الذهب، ولا يرهبه بريق السيوف، لقال القانون: إن ثلاثة عشر قرنا كافية للتملُّك بحق الحيازة، وقال الدين: إن أحق الناس بمدافن الأنبياء هم الذين يؤمنون بجميع الأنبياء، وقال التاريخ: إنَّ العرب لم ينزعوا فلسطين من اليهود، ولم يهدموا لهم فيها دولة قائمة، ولا ثلُّوا لهم عرشا مرفوعا، وإنما انتزعوها من الرومان، فهم أحق بها من كل إنسان.

إن الصهيونية فيما بلونا من ظاهر أمرها وباطنه نظام يقوم على الحاخام والصيرفي والتاجر، ويتسلح بالتوراة والبنك والمصنع، وغايتها جمع طائفة قُدِّر لها أن تعيش أوزاعا بلا وازع، وقُدِّر لها أن تعيش بلا وطن-ولكن جميع الأوطان لها- فجاءت الصهيونية تحاول جمعها في وطن تسميه قولا فلسطين، ثم تفسره فعلا بجزيرة العرب كلها، فهو في حقيقته استعمار من طراز جديد في أسلوبه ودواعيه وحججه وغاياته ، يجتمع مع الاستعمار المعروف في أشياء ، وتُفَرِّق بينهما فوارق، منها أن الصهيونية تعتمد قبل كل شيء على الذهب ، تشتري به الضمائر والأرض والسلاح ، وتشتري به السكوت والنطق ، وتشتري به الحكومات والشعوب، تعتمد عليه وعلى الحيلة والمكر والتباكي والتصاغر في حينه ، وعلى التنمر والإرهاب في فرصته.

إن فلسطين أرض عربية لأنها قطعة من جزيرة العرب ، وموطن عريق لسلائل من العرب استقر فيها العرب أكثر مما استقر اليهود، وتمكن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية ، وغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوراة، وسادت فيها العربية أكثر مما سادت العبرية، وما الانتداب الإنجليزي إلا باطل ، ليس من مصلحة العرب ولا من مصلحة اليهود ؛ وما الوطن القومي إلا خيال جسمته الأحلام الدينية والمطامع المادية، وما منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولجنة التحقيق إلا تعلَّات لا تُسكِت ولا تُسكِّن، وما استمرار الهجرة إلا مدٌّ للحمأة وتأريثٌ للنار، ومن ضاقت به رحاب الدنيا لا تسعه فلسطين، ومن لفظته حواشي الأرض لا تستقر به فلسطين، أما حديث التشريد والمشردين من اليهود فهو مشترك إلزام في القضية، وما أكثر المشردين في الأمم الإسلامية، بل ما أكثر المشردين من العرب ، فإذا أخذنا الرحمة بالمشردين قاعدة كان أحق الناس بها مشردي العرب الذين لا يفصلهم عنها بحر ولا يقال في هجرتهم إليها إنها شرعية أو بدعية كما يقال في هجرة اليهود، وما ظلمت كلمة الشرع بأفحش من نسبة الحيل إليها عند بعض فقهائها ، ومن نسبة الهجرة اليهودية إليها عند فقهاء الاستعمار.

أيظن الظانون أن الجزائر بعراقتها في الإسلام والعروبة تنسى فلسطين، أو تضعها في غير منزلتها التي وضعها الإسلام من نفسها، لا والله، ويأبى لها ذلك شرف الإسلام ومجد العروبة ووشائج القربى ، ولكن الاستعمار الذي عقد العقدة لمصلحته، وأبي حلها لمصلحته، وقايض بفلسطين لمصلحته ، هو الذي يباعد بين أجزاء الإسلام لئلا تلتئم ويقطع أوصال العروبة كيلا تلتحم ، وهيهات هيهات لما يروم.

إن بين دول الاستعمار علائق ماسة، وإنهن يتباعدن ما دام خيال الشرق وبَنِيه والإسلام وأممه بعيدا، فإذا لاح ذلك الخيال حنَّت من الاستعمار الدماء، وتعاطفت الأرحام ، وتُنوسِيَت الأحقاد، فهلا فعلنا مثل ما فعلوا؟

أيها العرب ! إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست حقوق العرب فيها تنال بأنها حق في نفسها، وليست تنال بالهوينا والضعف، وليست تنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوة.

إن الصهيونية وأنصارها مصممون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه.
وكونوا حائطا لا صدع فيه وصفا لا يُرقَّع بالكسالى.

البصائر العدد 5 من السلسة الثانية
بتاريخ 5 سبتمبر 1947م
نقلا عن الآثار (3/435-438)


يتبع بإذن الله ..

أبو سراج المهدي 24-12-11 08:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة درة الايمان (المشاركة 1455751)

أيها العرب ! إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست حقوق العرب فيها تنال بأنها حق في نفسها، وليست تنال بالهوينا والضعف، وليست تنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوة.

كان الأولى مخاطبة المسلمين بشكل عام فقضية فلسطين هي قضية إسلامية بدرجة أولى
فالعربي اليهودي والعربي النصراني لا يهمه أمر فلسطين بقدر ما يهم الروسي المسلم والأمريكي المسلم

رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته

درة الايمان 24-12-11 08:50 PM

فلسطين (2) وصف قرار التقسيم


الإثنين, 24 تشرين1/أكتوير 2011 12:50
تاريخ آخر تحديث: الإثنين, 24 تشرين1/أكتوير 2011 12:53
الكاتب: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي


تصدع ليل فلسطين الداجي عن فجر كاذبِ العيان، وتمخَّض مورد الطامعين في إنصاف أوربا القديمة وأوربا الجديدة عن آل لماع يرفع الشخوص ويضعها في عين الرائي لا في لمس اللامس، وباء الظانون ظن الخير بالضميرين الأوربي والأمريكي بما يستحقونه من خيبة تعقبها حسرة، تعقبها ندامة، وتكشِفُ ذلك اللبس الذي دام عشرات السنين عن الحقيقة البيضاء، وهي أن حقَّ الشرق لا ولي له في الغرب ولا نصير، وجاء بها هذا المجلس الذي يسمونه -زورا- مجلس الأمم المتحدة شنعاء لا توارى من أحكام القاسطين، وأحلام الطامعين.


تراءى الحق والباطل في ذلك المجلس، لا العرب واليهود، وجاء أهل الحق يحملون المنطق، ويخطبون المعدلة ويخاطبون الضمير والعقل، ويحتكمون إلى الشعور والإحساس، وما منهم إلا من هو في الخصام مبين، وجاء أهل الباطل يحملون الإبهام المضلل، والكيد المبيت، والمكر الخفي، والدعاوى المقطوعة عن أدلتها، ومع كل أولئك الرنين الساحر يستهوون به الأفئدة الهواء والضمائر الخربة، وأنصَت التاريخ ليسجِّل الشهادة، واستشرف الكون لينظر هلْ تخرق للأقوياء عادة، ونُشر الأصل والدعوى، وتعارضت البينة والشبهة، وأفصح الحق واتضح، ولجلج الباطل وافتضح، ولكن تلك الدول المتحدة على الباطل ألجمها الحق بحججه، وأجرتها الحقيقة بوضوحها، فحكَّموا الانتخاب ...وليت شعري أي موضع للانتخاب هنا؟ إن تحكيم الانتخاب هنا كتحكيم القرعة بين أصحاب الحظوظ المتفاوتة، كصاحب العشر مع صاحب النصف، كلاهما باطل لا يسيغه عقل ولا شرع...وأي فرق بين ما نعيبه من تحكيم الجاهلية للأزلام الصماء وحصى التصافن، وبين تحكيم أصوات من أموات وويلات، سموهم ممثلي دويلات؟

أسفر الانتخاب عن تقسيم فلسطين تحدِّيا للعرب وحقِّهم وللمسلمين ودينهم، فكان حظ اليهود منها -بغير انتخاب ولا قرعة- الجهات الخصبة المتصلة بالعالم، القريبة من الصريخ، الموطأة الأكناف، المأمونة الأمداد والمرافق، وكان حظ العرب منها الجهات الرملية القاحلة والجبلية الجرداء، وكان حظ البيت المقدس ميراث النبوة عن النبوة أن يُصبح إرثا لأحفاد الصلبيين، وذِيد عنه الخصمان المحق والمبطل ؛ فلا اليهود به فازوا ولا العرب إياه حازوا، وإنا لنعلم الاعتبارات التي بُني عليها هذا التقسيم، والمكائد التي انطوى عليها، والمقاصد التي رمى إليها، وإنا لنعلم الدواعي التي حَملت الناطقين على النطق والساكتين على السكوت، وإننا لا نغتر بما حاكوا وما لاكوا، ولا نرتد على أعقابنا بما حذَّروا وما أنذروا، ولا نعتبر الحياد إلا كيادا، وإننا نعتقد أنهم جميعا سيذوقون وبال أمرهم، وأن مكرهم سيحيق بهم، وأن تشتيتهم لشمل فلسطين فاتحة لتشتيت شملهم، وأن النار التي أشعلوها في فلسطين ستلتهمهم جميعا.

إيه يا فلسطين!! لقد كنت مباركة على العرب في حيالك! في ماضيك وحاضرك! كنت في ماضيك مباركة على العرب يوم فتحوك فكمَّلوا بك أجزاء جزيرتهم الطبيعية، وجملوا بك تاج ملكهم الطريف، وأكملوا بحرمك المقدس حرميْهم، ويوم اتخذوك ركابا لفتوحاتهم وبابا لانتشار دينهم ومكارمهم ومرابط لحماة الثغور منهم ...أنت عتبتهم إلى مصر، ومعبرهم إلى إفريقيا، ومنظرتهم إلى بحر العرب، لم تطأك بعد أقدام النبيين أطهر من أقدامهم، ولم يحمك بعد موسى أشجع من أبطالهم ...وكنت مباركة عليهم في حاضرك المشهود فما اجتمعت كلمتهم في يوم مثل ما اجتمعت في يوم تقسيمك، ولقد فرَّقهم الاستعمار الخبيث في عهدهم الأخير، فما تنادوا إلى الاتحاد مثل ما تنادوا إلى الاتحاد في سبيلك، ولقد تخوف أوطانهم من أطرافها، فما تداعوا إلى الذود عن قطعة من أرضهم مثل ما تداعوا إلى الذود عنك .

أما والله يا فلسطين، لكأن أعداء العرب أحسنوا إليهم بتقسيمك من حيث أرادوا الإساءة، ولكأن المصيبة فيك نعمة، ولكأنَّهم امتحَنوا بتقسيمك رجولتنا وإباءنا ومبلغ التضحية بالعزيز الغالي فينا، ولكأنهم جسُّوا بتقسيمك مواقع الكرامة والشرف منا، وكأن كل صوت من أصواتهم على التقسيم صوت جهير ينادي العرب: أين أنتم؟ فلا زِلْت مباركة على العرب يا فلسطين!

أيها العرب! قُسِّمت فلسطين فقامت قيامتكم ...هدرت شقائق الخطباء، وسالت أقلام الكتاب، وأرسلها الشعراء صيحات مثيرةً تحرك رواكد النفوس، وانعقدت المؤتمرات، وأُقيمت المظاهرات، فهل كنتم ترجون من الدول المتحدة على الباطل غير ذلك؟ وهل كنتم تعتقدون أنه مجلس أمم كما يزعم؟ كأن تلك الأمم وَحَّد بينها الانتصار على الألمان النازي واليابان الغازي؛ فجعلت من شكر الله على تلك النعمة أن تنظم أمم العالم في عقد من السلام والحرية تستوي فيه الكبيرة والصغيرة؛ ودولهُ في مجلس تستوي فيه القوية والضعيفة ليقيم العدل وينصف المظلوم، وكأنَّكم ما علمتم أن ذلك المجتمع يمشي على أربع، ثلاث موبوءة والرابعة موثوءة.

يا قوم! ما ظُلمت فلسطين يوم قُسِّمت، ولكنها ظُلمت يوم بذَل بلفور وعْده للصهيونيين باسم حكومته، وما منا –أهل هذا الجيل-إلا من شهد يوم الوعْد، وشهد يوم التقسيم، وشهد ما بينهما، ومن عرف مصادر الأمور عرف مواردها، فانظروا -ويحكم- ماذا فعل الصهيونيون من يوم الوعْد إلى يوم التقسيم، وانظروا ماذا فعلنا .

عَلِم الصهيونيون أن الوعد لا يعدو كونه وعدا، وأن نصَّه الطري اللين هو :"أن انكلترا تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين"، فأعدوا لتحقيقه المال، وأعدوا الرجال، وأعدُّوا الأعمال، واتخذوا من الوقت سلاحا فلم يضيعوا منه دقيقة، واستعانوا بنا علينا...فاكتسبوا من ضعفنا قوة ومن جهلنا قوة، ومن تخاذلنا قوة ، ومن غفلتنا قوة، ومن أقوالنا الجوفاء قوة، وأصبحت هذه القوات كلها ظهيرا لهم علينا.

وعلمنا نحن أن ذلك الوعد وعْد انكليزي وَعَدَ بلفور به اليهود عند حاجته إلى ذهبهم، كما وعدَ الشريف حسينا بخلافة شاملة ووحدة كاملة عند حاجته إلى تخذيل الأتراك، وأن الوعود الإنكليزية شيء عرفناه-بزعمنا-بعضه من بعض، يخلف مع اليهود كما أخلف مع الشريف حسين، وتعامينا عن الفوارق العظيمة بيننا وبين اليهود، وبين وعود الانكليز لنا ووعودهم علينا.

كان الواجب أن نعمل من يوم الوعد لما ينقض الوعد، فنجمع الشمل المشتت، والهوى المتفرق، ونقضي على الصنائع التي اصطنعوها منا، ونحارب الواعد والموعود بالسلاح الذي يحاربوننا به، ونعلم أن اليهود لا يكاثروننا بالرجال فرجالنا أكثر، ولا يكاثروننا بالشجاعة فشجاعتنا أوْفر، وإنما يكاثروننا بالمال والعلم والصناعة، فلو كنا ممن يفكر ويقدر ويأخذ بالأحوط الأحزم، لبدأنا من أول يوم بالإعداد والاستعداد، فأعددنا المال وأعددنا العلم، واستعددنا بالصناعة، وإن في ثلاثين سنة ما يكفي لأن نستعد كما استعدوا، وأكثر مما استعدوا، لا بالأقوال والاحتجاجات التي هي سلاح الضعفاء، ولكن بمصانع العقول، وهي مدارس العلم، وبمعامل الأسلحة والعتاد، وبمصايد المال وهي الشركات التجارية، ولو فعلنا لانجحر صهيون في وجاره، وانكمش من يؤازره اليوم من أنصاره، ولو فعلنا لما كانت مماطلة الأمس ولا تقسيم اليوم.

أما وإننا لم نفعل فلنعتبر أنَّ صدمة التقسيم القاسية العنيفة هي تأديب إلهي ينقي من هممنا الوهن والزغل، وينفي من صفوفنا الكل والوكل، وإن الأمم التي تصاب بمثل تأخرنا وتخاذلنا وغفلتنا لمحتاجة إلى أحداث ترجها رجا، وتزجها في المضايق زجا ، لتنفض عنها أطمار الخمول والضعة، وتطهرها من أدران الخور والفسولة.

إن العروبة لفي حاجة إلى ذلك الطراز العالي من بطولة العرب، وإن الإسلام لفي حاجة إلى ذلك النوع السامي من الموت في سبيل الحق ليحيا الحق
الآثار (2/439-442)
نشر المقال في البصائر العدد 21 من السلسة الثانية بتاريخ 2 فيفيري 1948م

يتبع بإذن الله ..

درة الايمان 24-12-11 09:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سراج المهدي (المشاركة 1455756)
كان الأولى مخاطبة المسلمين بشكل عام فقضية فلسطين هي قضية إسلامية بدرجة أولى

فالعربي اليهودي والعربي النصراني لا يهمه أمر فلسطين بقدر ما يهم الروسي المسلم والأمريكي المسلم


رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته





نعم صحيح جزاكـ الله خيرا وباركـ فيكـ



درة الايمان 24-12-11 10:19 PM

فلسطين (3) العرب واليهود في ميزان الأقوياء

إن الأقوياء الذي تولوا أمر التقسيم، وحملوا أولئك الضعفاء بالوعد والوعيد على التصويت عليه، ما ارتكبوا تلك الجريمة الشنعاء وغمطوا حق العرب، إلا بعد أن غمزوا مواقع الإحساس من العرب، فرأوهم جادين كالهازلين، ورأوا منهم ناكثين كالغازلين، ورأوا في أمرائهم المقاومين على أعنف ما تكون المقاومة، والمساومين على أخس ما تكون المساومة، وفي شعوبهم الجاهل والذاهل، والمتشدد والمتساهل، فبنوا مقدمات الحكم على هذا التفاوت في الكيان العربي، وغرّهم بالعرب الغرور،

ولم يُتْبِعوا الأيام نظرهم، بل وقعت عينهم على يوم العرب وأغفلوا غدهم؛ ثم فعلوا الفعلة النكراء فوازنوا بين ما نملك من قوى مادية نستطيع بها الممادة في الجهاد، وبين ما يملك الصهيونيون من ذلك، ودرسوا وقارنوا واستخدموا الجمع والطرح، فأنتجت لهم المقدمات هذه الحقائق: وهي أننا لا نملك مصنعا للسلاح ولا معملا للكيمياء، ولا رجالا فنيين كالذي يملكه اليهود من كل ذلك، وأن ثلاثين سنة مرَّت - وكلها نذر بهذه العاقبة - لم توقظنا من غفلتنا، ولم تدفعنا إلى الاستعداد لها، فقالوا: نقسمها، ونَرْبح اليهود لأن لنا فيهم فائدة مُعجلة، ولا نخشى العرب لأنه ليس فيهم مضرة مُؤجلة.
ولكن فات أولئك البانين لكل شيء على الماديات أن هناك سلاحا أمضى من جميع الأسلحة المادية، وأنه الشرط الأول في نفعها وغنائها، وهو سلاح الروحانيات، من إيمان بالحق، واعتداد بالنفس، وحفاظ على الكرامة، وتقديس للشرف، وإباء للضيم، ومغالاة بالتضحية والفداء، واستخفاف بالظلم والظالمين، وفاتهم أن العرب وإن نَزُر حظهم من القوى المادية التي لا يستهين بها إلا جاهل، فإن حظهم موفور من القوى الروحية التي لا يستهين بها إلا مغرور.
وستتقابل القوتان في فلسطين، قوة الروح ومعها الحق، وقوة المادة ومعها الظلم والباطل، وسيرى العالم أيتهما تُحطِّم وأيتهما تَتَحطَّم؟ وكأن الله جلت قدرته أراد أن تجري التجربة الثانية للسلاح الروحاني امتحانا لقدرته على المقاومة في أرض فلسطين منبع الروحانيات على يد وارثيها بالفرض من إسماعيل وإبراهيم، وسيصارف العرب اليهود مادة بمادة حتى إذا بطلت خاصية المادة فضلوهم بتلك الذخائر الروحية التي اختصوا بها، وستكون العاقبة للروح وعجائبه لا للمادة وغرائبها.
ويْح الأقوياء !... أكانوا يتخيلون -يوم استهواهم البريق فرجحوا كفَّة صهيون- أن العرب يستسلمون للضِّعة، ويخضعون للهون والدون، وصفقة المغبون، أو يرضون بحكومة أصوات معروضة للإعارة والإجارة، هي عندهم من قبيل صوت الناعي ينعى من غير تأثر، والنادبة تندب من غير شجىً، فإن لم يكن أولئك الأقوياء بتلك المخيلة فهل بلغ بهم الاستخفاء بدماء البشر أن يسببوا لإراقتها الأسباب، ويفتحوا لهدرها الأبواب ؟ ألم تكفهم المجازر الكبرى حتى يخلقوا لها بنيات، ويفتحوا إلى أمثالها مطالع وثنيات؟
كذبتكم المخيلة أيها الأقوياء!...إن العرب إذا سيموا الحيف حكَّموا السيف، وإنهم سيأخذون حقهم بالدم الأحمر في حين أراد اليهود استلابه منهم بالذهب الأصفر، وإنّ الزمان سيأخذكم بهذه الدماء المراقة، أخذ الأرض لفرس سُراقة، وإن التاريخ سيعصِب بكم عارها وشنارها، وسيئاتها وأوزارها .
وويْح لليهود!... أبلغت بهم الغباوة أن يشتروا الحياة الموهومة بالموت المحقق؟ أما وَسِعهم ما كانوا فيه من أخوة العرب لهم، وعدل العرب فيهم، وفضل العرب عليهم، وانتصار العرب لهم، حتى يكفروا بذلك كله، ويلتمسوا النّصْفة ممن شرَّد آباؤه آباءهم وطرد أجدادُه أجدادَهم، ويستجدوه الرحمة فينجدهم بالعذاب؟ وليس برحيم من ألقاك في جحيم !
وويْح الجميع!...إن غرس صهيون في فلسطين لا يَنبت، وإذا نَبت فإنه لا يثبت فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.
كان حظ فلسطين في أدوار الزمن، وأطوار التاريخ وعصور الفتوحات، حظ العقيلة الكريمة ؛ تؤخذ في ميدان البطولة ممهورة لا مقهورة ؛ أخذها البابليون غلابا، وأخذها الفرس اغتصابا، وأخذها الرومان اقتصارا، وأخذها العرب اقتدارا، ولا يُعدُّ أخذ اليهود لها من كنعان في واحدة من هذه، وإنما هي كتابة الله بشرطها، ومعجزة موسى في حدودها، ولكنها في هذا العصر؛ عصر الحضارة، حضارة القرن العشرين، وعصر الديمقراطية؛ ديمقراطية العالم الجديد، وعصر الحرية؛ حرية الثورة الفرنسية، وعصر الشيوعية؛ شيوعية ماركس ولنين، تؤخذ في سوق الأغراض والمنافع الخسيسة بيعا ومساومة.
فات اليهود أن يأخذوها بالسيف من العرب؛ فيُكفِّروا بعد عشرات القرون عن سيئة اجترحها أسلافهم يوم قالوا : (يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) (المائدة/22) فاتهم ذلك، وأعوزتهم الخصائص الدموية التي يكونون بها كذلك، فلجأوا إلى ما هو الأشبه بهم لا بها ، وهو الشراء ، شراء القوي ليكون لهم معينا، وبحمايتهم رهينا، وشراء المعلنات اللافتة، والأصوات ولو كانت خافتة !..
يا بَخْس فلسطين!... أيبيعها من لا يملكها، ويشتريها مَن لا يستحقها...؟ يا هوان فلسطين!... أيكون من ذوي الحق في بيعها تلك الدويلات التي لم تخلق خلقا طبيعيا، وإنما خلقتها المنافسات، والتي لم يبلغ الكثير منها جزءا مما بلغته فلسطين من مجد في التاريخ، وسابقة في الحضارة، ويد في نفع البشرية، بل لم تبلغ مجتمعة ما بلغته فلسطين من احتضان النبوات واستنباط الشرائع والعلوم والحكم.
ويقولون: إن فلسطين منسك للأديان السماوية الثلاثة، وإنها قبلة لأهل تلك الأديان جميعاً، فإن كان ما يقولون حقاً -وهو حق في ذاته- فإن أحق الناس بالائتمان عليها العرب؛ لأنهم مسلمون، والإسلام يوجب احترام الكتب والكتابيين، ويوجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، ويضمن إقامة الشعائر لليهود والمسيحيين، لا اليهود الذين كذّبوا الأنبياء وقتلوهم، وصلبوا -بزعمهم- المسيح الصادق، وشرّدوا حواريِّيه من فلسطين، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما جاءهم بالبينات.
ومن غريب ما صنعته الحضارة المادية بأهلها، وما طبعت عليه نفوسهم من جفاف، وما ابتلت به ضمائرهم من زيغ وانحراف، أن الدول والدويلات التي صوَّت ممثلوها على تقسيم فلسطين، وغرس اليهودية في الجزء الأهم منها غرسا رسميا قانونيا؛ كلُّها دول تدين أممها بالمسيحية، وباعتقاد أن اليهود صلبوا المسيح ...فهل يُلام العرب بعد هذا –والمسلمون من ورائهم- إذا اعتقدوا أنها حربٌ صليبية، بعض أسلحتها يهود، وأنها مُمالأة مكشوفة من الدينين الصالب والمصلوب على الإسلام، نعم وإن كلمة المارشال اللنبي التي قالها يوم انتزع القدس من يد الأتراك لا تزال مأثورة مشهورة، ولا يزال رنينها مجلجلا في الآذان، وصداها متجاوبا في الأذهان.
أيُّها العرب! أيها المسلمون! إنَّ فلسطين وديعة محمد صلى الله عليه وسلم عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة إنّا إذاً لخاسرون.
الآثار (2/443-445)
نشر في جريدة البصائر العدد 22
من السلسلة الثانية 9 فيفري1948
يتبع بإذن الله ..

بيارق النصر 25-12-11 06:24 AM

رحِم الله الشيخ البشير الابراهيمي وبارك الله في الناقل و المنقول ..

كلمات من درر استمتعت بقراءتها والهمتني للتعليق عليها
الشيخ بشير الابراهيمي
بعد سيل الدماء التي سفكها اليهود و جراح المعارك التي دارت معهم ضد شعب أبي جبار ومكرهم بالليل و النهار
و فقداننا لاطفال و نساء وابرياء اللذين كانوا يعولون على من لم يلحقوا بهم
على مدار سنوات , لازالت صورهم بمخيلاتنا لا تستطيع محوها الأهوال و لا الاحلام
احتلالهم المشؤوم و هلاك جورج حبش ومنظمته التي لازالت تفرخ الانتهازيين و الخونة ولاعقي احذية اليهود
وزمرته الذليله التي كانت من حثالة المجتمع الاسلامي والتي لم تخرج الا بظهور المحتل ولكن في الوقت نفسه لازال الاسُوُد يتوارثون العرين منذ ذالك الحين الذي ظهر فيه ظهر لنا عز الدين القسام
ابرار اتقياء انقياء تتلمذنا على يد الشيخ احمد ياسين قوة العزيمة والإباء و الرنتيسي على أثره وهو يسير ورحيلهم حيث جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..


كان اليهود لوحدهم يسرحون و يمرحون في قلب منطقتنا ويخططون ويتآمرون
فبالتخاذل و التقاعس و الخيانة وخدعة سلام الشجعان الذي ترنم وتغنى به سليل جورج حبش ثم بعد ذالك خدعة مفاوضات السلام التي اصبحت مسرحية كوميدية اضحكت الأمم
استطاع اليهود ان يفرخوا لنا الف يهودي ملعون وقد شهدت بذالك العراق وهاهي رُبا الشام تشهد و انقطع صوت لبنان وهي تشهد من خبثهم ودنائتهم وظلمهم وعدوانهم وحقدهم والتي زرع السُم فيها شارون الهالك المتمثل
بحركة أمل .
صدق من قال اننا ندفع الثمن غاليًا لتقاعسنا وتخاذلنا عن الجهاد لتحرير القدس و المسجد الأقصى من براثن اليهود الذي كان من المفترض ان يقوم في وقت مضى حتى فرخوا لنا اذنابهم


ان فرع مخابرات فلسطين في قلب دمشق في لحظتنا هذه لهو اشد و انكى على المسلمين من فرع تل أبيب وذرى قاسيون يشتكي الضيم والظلم لجبال نابلس والجليل وسواحل اللاذقيه تتمنى معشار ماتعانيه سواحل غزه , اما اليهود فهم يضحكون وهو يرتشفون الشاي في مقاعد الامم الممتحده و يعترضون على كل قرار يدين حارسهم المجاني

في سفوح الجولان ويبحثون عن بديل له بكل راحه وارتقاء بال ,, وسافك الدم نيابة عنهم النصيريون في درعا و حمص وحماه والقامشلي والرستن ودير الزور والبوكمال وريف دمشق
.. ولا تعجب منهم و لكن اعجب على من يتفنن بتضليل شعبه ويسرق قوت يوم شعبه , فلا اليهود والغاصبون وأذنابهم واجَه و لا على دماء المسلمين و بيضتهم دافع بكل قوة وشراسه ولا على حياة شعبه وامواله حافظ وحنّ و انما اضعف شعبه وصادر حُرّيّته و تقاليده و قيمه وتاريخه ..ولا مشروع اقامه يقابل مشروع عدو يطرق الابواب .. انما يعيش سبهللا ..
فحسبنا الله و نعم الوكيل على اليهود و اذنابهم وصدق الشاعر حين قال : تبًا لهم قد شابت ذرى أحُدٍ لمكرهم و اقشعرت منه لبنانُ ..
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين و لاعدوان الا على الظالمين
متابعٌ بصمت

درة الايمان 25-12-11 09:34 AM

الأخ الفاضل بيارق النصر
حياكـم الله أشكر لكم تعقيبكم الطيب وإضافتكم الرائعة
جزيت كل خير وباركـ الله فيكـ

درة الايمان 25-12-11 09:36 AM

فلسطين (4) ماذا نريد لها وماذا يريدون؟

نَحن العرب نريد لفلسطين أنْ تكون عربية، وأن تبقى عربية، فتبقى لها بشاشة النبوَّة، وحلاوة الإيمان، وجاذبية الوحي، وروحانية الشرق، ومَخايل السامية، وصبغة السماء.
نريد أن تبقى عربية الأنساب، سامية الأحساب، سماويّة الأسباب، تتماسك أجزاؤها بروحانية الدين، وتُشرق أرجاؤها بلألأة القدسية، وتُطَلُّ جنباتُها بأنداء الشرق، وتتراحب آفاقها للقلوب التي تختلف في العبادة، ولكنها لا تختلف في المعبود، فتظلُّ العرب أصحاب الفضل عليها في التاريخ، والسيادة عليها في الواقع، والاضطلاع بحمايتها وحماية عُمارها، وإعلاء كلمة الله فيها، لا كلمة الدرهم والدينار؛ وتظلّ اليهود الذين لم يكتب التاريخ لهم مكرمة عليها ولا يداً من يوم قال لهم موسى يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) فارتدوا على أدبارهم إلى يومنا هذا، وتحفظ عليهم ما هم أحرص الناس عليه من حياة ومال.

نريد أن تبقى أرضاً مُقدَّسة مُكمِّلة لقدسية مكَّة ويثرب، لا يراد فيها إلحادٌ بظلم، ولا تقوم على أرضها جَبْرية حكم ولا جَبْرية مال.
ونُريد لها أنْ تبقى -كما كانت - جزءاً طبيعياً مِن جزيرة العرب مكمِّلاً لبقية الأجزاء، ومادامت القضية قضية أحلام، فإنَّ لنا في جزيرة العرب لَحُلماً، ولكنه أقرب من حلم اليهود للتحقيق، وهو أن تُصبِح مملكةً واحدة، بدستور واحد، وثقافة واحدة، ونقد واحد، لا حدود تُفَرِّق، ولا إمارات تُغرِّب وتُشرِّق، ولا أمراء تُمزِّق أهواؤهم وتخرِّق، ولم لا تكون دولةً واحدةً؟ وإنَّ فيها لأمةً واحدة، لا تحتاج في تكثير سوادها إلى الطرّاق، وشذّاذ الآفاق، ولا تحتاج في تعمير بلادها إلى الواغل الذي يزحم، والوارش الذي لا يرحم، وما بيننا وبين ذلك اليوم إلا إفاقة رجل نائم وصحو جوّ غائم: وإن ذلك لقريب، إنه لقريب...ومعاذ العروبة أن تقضي جريرة العرب على جزيرة العرب.
ويُريد اليهود أن يجعلوها وطناً قومياً يحققون به الأحلام الدينية التي فتنت أحبارهم، والمطامع الدّنية التي فَتنت أغنياءَهم؛ وأن يجعلوها مهجراً لهذه الفُلول والأوزاع التي طردتها أوربا، ولفظتها أطراف الكرة، من كلِّ محتال، وكلِّ دجَّال، وكل عابد للمال، تبرماً بهم، وضيق صدر منهم، وما في كلِّ أولئك مَن يَمتُّ إلى السامية بعِرق، فإنَّنا نعلم أنَّ هذه الحُميراء التي غمرت أرض فلسطين، وتهافتت عليها مهاجرةً من أقاليم الشمال، البعيدة عن الاعتدال، ليست إسرائيلية النجار، وإنَّما هي أمشاج من أصول أوربية، متباينة الخصائص الجنسية والنزاعات الوراثية، جمعت بينها المطامح المادية أولاً، والصهيونية ثانياً، واليهودية الزائفة ثالثاً، فمنها السكسوني والجرماني، والسلافي واللاتيني، وقد تداعت على صوْت الصهيونية إلى فلسطين تَحمل معها تِلك الخصائص الجنسية المتفرّقة، وتحمل مع تلك الخصائص العِلم الأوربي والفَنَّ الأوربي، والجشعَ الأوربي، والإلحادَ الأوربي، والاستعمار الأوربي، والعتوَّ الأوربي، وكل شيء عُرِفَت به أوربا...وفي أوربا كلُّ شيء إلا الخيّر؛ فإذا مَدَّت هذه الحميراء مدَّها، وضَربت بِجِرانها في فلسطين فهل يبقى شيءٌ من القُدسية لفلسطين؟ وهل يبقى شيءٌ من الشمائل السامية في فلسطين؟ وهل تكون فلسطين يومئذ إلا جحيماً يَضطرم بالمادة التي شهدنا آثارها في أوربا، وشاهدنا من عَمَلها في تخريب العقول، أضعاف ما شاهدنا من آثار الحروب في تخريب المدن؛ وهل تكون فلسطين يومئذ إلا رُقعة من الشرق الطاهر، مَكَّن فيها الصهيونيون للإلحاد والإباحية اللذين قضيا على أخلاق أوربا، وابتَلَت العالم منها بالداء العضال؟ ثم ماذا يكون مصير العرب بعدئذٍ في جزيرتهم الآمنة المباركة؟
ما أشأم الصهيونية على فلسطين، وما أعقّ صهيون لفلسطين، وما أضلّ ضلالَ اليهود إذ يَجرون وراء خيال الوطن القومي فيجُرُّون البلاء لفلسطين، ويُزهقون روح (سام) بمادة الغرب المسمومة، وسبحان من فاوت بين العنصرين في رِقَّة الحس، ودِقَّة الحدس، والأصل واحد، وسبحان من خص العرب بالعامري، واليهود بالسامري.
وما أجهل العرب إذا لم يعاجلوا هذه الجرثومة الصهيونية الخبيثة بالاستئصال! إنهم –والله- إن لا يفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
ونَحن نُريد فلسطين كاملة بالاستحقاق الذاتي، لأننا آخِرُ ورثتها، ولأننا واضعوا اليد عليها بالحوز والتصرّف كما يقول فقهاء القانون، والصهيونيون يريدونها كذلك كاملةً بالحُلم والطمع والتمنِّي والتباكي والاحتيال والاستعانة بالأعداء، وشراء الضمائر الرخيصة ولكن ما بالُنا وما بالُهم؟
وما بالُنا حين ضُربت الأزلام على تقسيمها بيننا وبينهم غضِبنا غضبة الحُرِّ الذي لا يرضى إلا بِحَقِّه كاملاً غير منقوص، وثُرنا ثورة المظلوم الذي آثَرَ أنْ يموت كريماً على أن يعيش لئيماً.
وما بالهم هلَّلوا للتقسيم وطاروا به فرحاً، ودَقُّوا له البشائر في كل أرض فيها يهودي، وعرفنا من معارف الوجوه ما تخفيه مجاهل النفوس من ابتهاج وسرور، حتى لقد أنساهم الفرح كل ما يُسمَّى ذوقًا وكِياسة ولُطفا ومُجاملة مع عشائرهم العرب المسلمين الذين وَفُّوا لهم في كلِّ مِحنة نالتهم بالأمس القريب من أصدقائهم اليوم ضاربي الأزلام على تقسيم فلسطين.
إنَّما غضِبنا وثُرنا لأننا أصحاب حقٍّ لم نَرضَ أن يُشْرِكنا فيه من ليس له فيه حق؛ وإنَّما رضوا وفرحوا لأنَّهم مبطلون، والمُبْطل الذي يعتمد على الحيلة والمكر يطلب الشيء كاملاً، وهو يعتقد أنَّه مُبطل فيكون ضميره أقوى خواذله، إنْ لم يكن أقوى عواذله، فإذا ظفِرَ بشيء منه بِحكومة باطلة قنِع بالنزر ورضي باليسير، كالسارق يقنع بكلِّ ما حصل في يده، لأنَّه لم يبذل فيه إلا الحيلة والاستغفال، وأهون بهما! ولو أنَّ مجلس اللصوص حكم لصهيون بتل أبيب وحدها وطنًا قوميّا لرضي صهيون بالحكم، وعدَّها غنيمة باردة، ولم ينقص فرحه عن فرحه اليوم بنصف فلسطين الأخصب الأطيب...
هذه واحدة، وأخرى يُضمِرُها صهيون، وقد عرفها الناس من امتداد أحلامه، ومأثورات المهوَّسين مِن أسلافه، وهي أنَّه يَحرص كلَّ الحرص على وضْع قدمه في أرض فلسطين باسم وطنٍ قومي، ولو كان أفحوص قطاة، وباعتراف دولي ولو بشراء الأصوات، ويعتمدُ بعد ذلك على المطاولة والذهب واستجداء المعونة من (أهل الفضل والخير) كالإنجليز اليوم ولا أدري من ... غداً؛ وإنَّ أحلام صُهيون قد عرَفها الناس وعرفوا أنَّها تَمتدُّ إلى جزيرة العرب كلها وإلى جزيرة سيناء، وقطعة من أرض مصر، ومن عاش آلاف السنين في أضغاث، ولم تتحقَّق له واحدة منها في شبر، حَقيق بأن يعيش آلافاً أخرى من السنين في حواشي الأضغاث بعد أن تحقَّقَت له في مئات الأميال.
الآثار (2/446-448)
نشر في جريدة البصائر العدد 23
من السلسلة الثانية بتاريخ 16 فيفري 1948

يتبع بإذن الله ..

درة الايمان 25-12-11 06:36 PM

فلسطين (5) الإنكليز حلقة الشر المفرغة


أيُّها العرب: إنَّ الإنكليز هم أوَّل الشر ووسطه وآخره، وإنَّهم كالشيطان، مِنهم يبتدئ الشر وإليهم ينتهي، وإنَّهم ليَزِيدون على الشيطان بأنَّ همزاتهم صُوَر مُجسَّمة تُؤلم وتُؤذي وتَقتل، وجنادلُ مسمومةٌ تُهَشِّم وتُحطِّم وتُخرِّب، لا لمَّة تُلِمّ ثم تنجلي، وطائف يَمسُّ ثم يَخنس، ووسوسة تُلابس ثم تُفارق، ويزيدون عليه بأنَّهم لا يُطردون بالاستعاذة، وتَذكُّر القلب، ويَقظة الشواعر، وإنَّما يُطردون بما يُطرد به اللص الوقح من الصفع والدفع والأحجار والمدر، ويُدفعون بِما يُدفع به العدُوُّ المواثب، بالثبات المتين للصدمة، والعزم المُصمِّم على القطيعة وبت الحبال، والإرادة المًُصرَّة على المقاطعة في الأعمال، والإجماع المعقود على كلمة واحدة ككلمة الإيمان: (إنَّ الإنكليز لكم عدوٌّ فاتخذوهم عدوا) . يُردِّدُها كل عربي بلسانه، ويَجعلها عقيدة جِنانه، ورَبيطة وِجدانه، وخير ما يقدِّمه مِن قُربانه .



قد غرَّكم أوَّل الإنكليز فأعيذُكم أنْ تغترُّوا بآخرِه بعد أنْ صَرُح شرُّه، وافتضح سرُّه، وانكشف لكم لِينُه، عن الأحساك والأشواك، وقد تَمرَّس بكم فعرف الموالج والمخارج من نفوسكم، قبل أنْ يعرِف أمثالها من بلادكم، وحلَّل معادن النفوس منكم قبل أن يُحلِّل معادن الأرض من وطنكم، وعجم أمراءكم فوجد أكثرهم من ذلك الصنف الذي تلين أنابيبه للعاجم، وتدين عروبته للأعاجم .

قد علمتم أنَّه هو الذي وعد صهيون فقوَّى أمله، ولولا وعده لكانت الصهيونية اليوم كما كانت بالأمس حُلماً مِن الأحلام يستغله (الشطار) ويتعلل به الأغرار .

وعلمتم أنَّه انتدب نفسه على فلسطين فكان الخصم والحكم في قضيتها، وأنَّه ما انتدب إلا ليحقِّق وعده، وأنَّ في ظل انتدابه، وبأسِنَّة حِرابه، حقَّق صُهيون مبادئ حُلمه، فانتزع الأرضَ منكم بِقوَّة الإنكليز، وقوانين الإنكليز، وفَتَنَ ضعفاءكم بالخوف، وفقراءكم بالمال، حتى أخرجهم مِن ديارهم، واتَّخذ الصنائع والسماسرة منكم، وبنى المدن بأيديكم، ومهَّد الأرض بأيديكم وشاد المصانع بأيديكم، وأقام المتاجر وبيوت الأموال لامتصاص دمائكم وابتزاز أرزاقكم.

وعلمتم أنَّ الإنكليز هم الذين سَنُّوا الهجرة بعد الفتح ليكاثروكم بالصهيونيين على هذه الرقعة من أرضكم، فلما انتبهتم للخطر غالطوكم بالمشروع منها وغير المشروع. ومتى كانت هجرة الوباء والطاعون مشروعة إلا في دين الإنكليز ؟ !

وعلمتم أن بريطانيا هي التي جرَّت ضرَّتَها البلهاء أمريكا إلى مُحادَّتكم وجرَّأتْها على احتقارِكم لتكيدها وتَكيدكم، ولتحلَّ بالسياسة ما عقده الاقتصاد بينكم وبين أمريكا من صِلات، وأنَّها هي التي ألَّبَت عليكم الأمم الصغيرة ودويلاتها حتى إذا جَالت الأزلام وأيقنَت بالفوز أمسكت إمساك المتعفِّف، وتظاهرت بالروية والحكمة، وجَبرت خواطركم بالحياد، ومَلأت الدنيا تنويهاً بهذا الحياد الفاضح، فكانت كالقاتل المعزِّي …

يا ضيعة الآداب الإسلامية بينكم، إنَّ المؤمن لا يُلدغ مِن جُحْر مرتين .وقد لُدِغْتم من الجُحر الإنكليزي مرَّات فلم تَحتاطوا ولم تَعتبروا، وخُدِعتم مِن الجانب الإنكليزي كَرَّات فلم تَتَّعظوا ولم تتبصَّروا. خُدِعَ خَلفكم كما خُدِع سَلَفكم، واستهوى أمراءكم وكبراءكم، ودعاكم إلى موائده الفقار فلبيتم، وما رأى منكم في كل الحالات إلا المجاملة، واستمرار المعاملة، وما آنس منكم إلا التهافت على أعتابه والتعلق بأسبابه .

فيا ويحكم ... أكلُّ ذلك لأنَّ الإنكليز أغنياء وأنتم فقراء؟ أو لأنَّهم أقوياء وأنتم ضعفاء؟ كلا ... إنَّهم لأغنياء بكم وبأمثالكم من الأمم المستخذية، وليسوا أغنياء عنكم، وإنَّهم لأقوياء بما يستمدونه من أرضكم وجيوبكم، فاقطعوا عنهم المددين يضْووا ويهزلوا، واخذُلوهم في مواطن الرأي والبأس ينخذلوا، وعمِّروا جزيرتكم تَخرُب جزيرتهم؛ إنَّ لِبدة الأسد هي بعض أسبابه إلى زرع الهيبة في القلوب، ولكنَّ لبدة الأسد البريطاني لبدة مستعارة، فلو أنَّ كلَّ أمَّة استرجعت شعراتها من تلك اللبدة التي تكمُن وراءها الرهبة، لأمسى الأسد هرًّا مَجرود العنق، مَعروق الصدر، بادي الهزال والسلال .

إنَّ الغنى عملٌ وتدبير، فلو عمِلتُم لكنتم أغنياء؛ وإنَّ بِدء الغنى من غنى النفس بالتعفُّف عن الكماليات، وفَطْمِها عن الشهوات، وإنَّ القوة مشيئة لا جبر، فلو شئتم أنْ تكونوا أقوياء لكنتم؛ وإنَّ بِدْء القوة مِن قوَّة الأخلاق، وقوَّة الاتحاد .

هذا أوَّل الإنكليز عرفتموه، فهل عرفتم آخرهم؟ إنَّهم كانوا أداة تفريقكم في الماضي، وكانوا عوناً للزمان عليكم، فلما رأوا شَملكم إلى اجتماع، وجامعتكم إلى تَحقُّق، جَمعوا لكم كل ما عندهم من مكائد ومصائد ...

إنهم ينطوون لكم على العظائم، وإنَّ في جُعبتهم ما في جُعبة الحاوي من حيات، وإنَّ في أيديهم عروق الجسم العربي يضغطون على أيّها شاءوا متى شاءوا، في أيديهم قضية مصر يُساومون بها ويُماكسون، وفي أيديهم السودان يُلوِّحون بها ويعاكسون، وفي أيديهم قضية ليبيا يُشاغبون بِها ويُشاكسون، وفي قبضتهم شرق الأردن بما فيه، وما شرق الأردن إلا خيط الخنق، وشريط الشنق، قتله الإنكليز بأيديهم، وأمَرُّوا على الأيام قتله لأمر هم بالغوه، إن لم تَهبُّوا وتَذبُّوا؛ وفي أيديهم العراق ومنابعه، واليمن وتوابعه، ولهم على سوريا ولبنان يد مَمنونة، في طيها مُدية مسنونة، وفي أيديهم مفاتيح الجزيرة، وأمراء الجزيرة، وقد أعدُّوا لكل قفل من أقفالها مفتاحا، ولكل أمير من أمرائها مِقودا من رغبة أو من رهبة، ولهم مع ذلك من بينكم العيون الراصدة، والألسنة الحاصدة، وفيكم مع ذلك الآذان السامعة، والهمم الطامعة، وفي سجلاتِهم ذممكم وهممكم وقيمتكم قَدَّرُوها تقديراً، وأَوْسعوها تَحليلاً وتدبيراً .

إنَّهم ما حرَّكوا مشروع سوريا الكبرى في ميقات معلوم إلا ليفتنوا بعضكم ببعض، ويُغْرُوا بيتاً ببيت، وقريشاً بتميم، فينخرِِق الإجماع وتَفترِق الجامعة، وإنَّ هذه النقطة هي أعلى ما يَصل إليه الدهاء الإنكليزي؛ كما أنَّها أعسر امتحان للضَمير العربي الذي يَتمنى أنْ يَتكتَّل العرب، ولكن بدافع مِن أنفسهم لا على يَدِ عدوِّهم؛ وإنَّ الإنكليز لقادرون على تحريك غيرها من الفتن المفرقة؛ وإنَّكم-أيُّها العرب- لا تَردُّون كيدهم إلا بإجماعِكم على تَحدِّيهم، واجتماعكم على إيقاف تعدِّيهم، وإقامة جامعتِكم على اعتبار مصلحة العرب، ووطن العرب، فوق الأغراض والأشخاص .

إنَّكم لا تردُّون كيْدهم بقوَّة جامعة الدول العربية، حتى تُسنِدوها بَجامعة الشعوب العربية؛ فحرِّكوا في وجوههم تلك الكتلة متراصَّةً يَرهبوا ثم يَذهبوا .

لمسنا في هذه الكلمة حقائق مريرة، وأومأنا إلى قضايا يسوؤنا أنْ نزيد حمأتها مداً. ولكن ما عُذْرنا إذا أمسكنا عن الشرح، ولو كان فيه جُرح، وقد تأدَّى إلينا مِن تُراث أجدادنا العرب هذه الحكمة الغالية:" مَنْ كَتَمَ دَاءَهُ قَتَلَهُ".

أمَّا ما يَجب علينا لفلسطين فموضعه مقال آخر.


الآثار (2/449-451)

نشر في جريدة البصائر العدد 24
من السلسلة الثانية بتاريخ 23 فيفري 1948


درة الايمان 25-12-11 06:42 PM

يتبع بإذن الله ..


الساعة الآن 01:55 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "