شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الحــوار مع الــصـوفــيـــة (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=21)
-   -   الفرق بين التوسل والشفاعة (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=123665)

عساكر التوحيد 08-04-11 11:48 PM

الفرق بين التوسل والشفاعة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

التوسل : هو اتخاذ الوسيلة ، والوسيلة : هي الحاجة نفسها ، أو ما يوصل إلى الحاجة وقد يكون ذلك التوسل باستشفاع ، يعني : بطلب شفاعة ؛ بمعنى أنه يريد أن يصل إلى حاجته - بحسب ظنه - بالاستشفاع ، وقد يروم التوصل إلى حاجته - بحسب ظنه - بغير الاستشفاع ؛ فيتوسل مثلا بالذوات فيسأل الله بذات فلان ، أو بجاهه ، أو بحرمته ، مثل أن يقول : اللهم إني أسألك بنبيك محمد - بعد وفاته عليه الصلاة والسلام - أو يقول : اللهم إني أسألك بأبي بكر ، أو بعمر ، أو بالإمام أحمد ، أو بابن تيمية ، أو بالولي الفلاني ، أو بأهل بدر ، أو بأهل بيعة الرضوان ، أو بغيرهم . فهذا هو الذي يسمونه توسلا ، وهذا التوسل معناه : أنه جعل أولئك وسيلة ، وأحيانا يستعمل في التوسل لفظ : الحرمة ، والجاه ، فيقول : أسألك بحرمتهم ، أو أسألك بجاههم ، ونحو ذلك . أما الاستشفاع : فهو أن يسألهم الشفاعة أي : يطلب منهم أن يشفعوا له
فتحصل من ذلك : أن التوسل يختلف عن الاستشفاع ، في أن المستشفِع : طالب للشفاعة ، وقد علم أن الشفاعة إذا طلبها من العبد يكون قد سأل غير الله ، وأما المتوسل - بحسب عرف الاستعمال - فإنه يسأل الله ، لكن يجعل ذلك بوسيلة أحد .
فالاستشفاع : سؤال لغير الله ، وأما الوسيلة فهي سؤال الله بفلان ، أو بحرمته ، أو بجاهه : وكل هذا لا يجوز ؛ لأنه اعتداء في الدعاء ؛ ولأنه بدعة محدثة ووسيلة إلى الشرك ، وأما الاستشفاع بالمخلوق الذي لا يملك الدعاء ، كالميت ، أو الغائب ، أو نحوهما : فهو شرك أكبر ؛ لأنه طلب ودعاء لغير الله .
فالتوسل - بحسب العرف - هو من البدع المحدثة ، ومن وسائل الشرك ، وأما طلب الشفاعة من غير الله فهو دعاء غير الله ، وهو شرك أكبر .
لكن الجاهليون والخرافيون والقبوريون يسمون جميع عباداتهم الشركية - من طلب الشفاعة ، والذبح ، والنذر ، والاستغاثة بالموتى ، ودعائهم - توسلا وهذا غلط في اللغة والشرع معا ، فالكلام في أصله لا يصح ؛ فإن بين التوسل والشفاعة فرقا من حيث مدلول المعنى اللغوي ، فكيف يسوى بينهما في المعنى؟ ! أما إذا أخطأ الناس وسموا العبادات المختلفة توسلا ، فهذا غلط من عندهم ، لا يتحمله الشرع ، ولا تتحمله اللغة .

والله اعلم

مصطفاوي 09-04-11 08:57 AM

اقتباس:

وأما الاستشفاع بالمخلوق الذي لا يملك الدعاء ، كالميت ، أو الغائب ، أو نحوهما : فهو شرك أكبر ؛ لأنه طلب ودعاء لغير الله .
نعم أخي الكريم كلامك سليم مئة بالمئة
ولكن إن كانت هناك شبهة لدي القبوري في الإستشفاع بالنبي لظنه أنه حيا حياتا تؤهله لسماع إستشفاعه به وتؤهله للدعاء له بما إستشفع به عنده بنائا علي احاديث مثل "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون"
وقوله صل الله عليه وسلم " لا تجعلوا قبري عيدا وصَلّوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" وغيره من الأحاديث الصحيحة

ألا تعد هذه الشبهة مانعا لتكفير من إستشفع بالنبي في قبره
فمن قال أمام قبر النبي الكريم "يا رسول الله إشفع لي عند الله" وفهم من دلالة الأحاديث السابقة أن الرسول يسمعه ويقدر علي أن يدعوا له وهو يعلم أن الرسول قد أتاه الله مقام الشفاعة أفلا يمنع كل هذا من الحكم عليه بالشرك ؟!




عساكر التوحيد 09-04-11 10:43 AM

ويدعي الخصوم أن الشفاعة حين تطلب في الدنيا من الأنبياء، فلأنها في ملكهم وحوزتهم.
لقد أفاض علماء هذه الدعوة السلفية الحديث عن ما يتعلق بهذه المسألة فوضوحها غاية الوضوح، وأوردوا الأدلة والبراهين عليها، وذكروا شبهات الخصوم، واعتراضهم، ثم أعقبوها بالرد والمناقشة.
وقد تحدث الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عن هذه المسألة في أكثر من موضوع، وأطال في بيانها وإظهارها.
فيبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب مشابهة هؤلاء الذين اتخذوا الصالحين شفعاء، ووسائط بينهم وبين الله، ويدعونهم، ويرجونهم، بحال المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن اتخذ الأصنام أو الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى، مع اعتقاد أن النفع والضر من عند الله، ويورد الاعتراضات في ذلك فيقول:
(إن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم.
فجوابه هو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرّون بما ذكرت، ومقرّون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه، والشفاعة، كما في القرآن. فإن قال هؤلاء الآيات إنما نزلت فمن يعبد الأصنام. كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً فجاوبه بما تقدم .. فإنه إذا أقرّ أن الكفّار يشهدون بالربوبية كلها، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعله، وفعلهم بما ذكر – فأذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } (1) ويدعون عيسى بن مريم وأمه، ويدعون الملائكة..
فقل له: أعرفت أن الله كفّر من قصد الأصنام، وكفّر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال: الكفّار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبّر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم. فالجواب أن هذا قول الكفّار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } (2). وقوله تعالى: { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } (1) واعلم أن هذه الشبهة أكبر ما عندهم) (2).
ويقرر الشيخ الشفاعة، ويثبتها، ويذكر شرطي الشفاعة، ثم يرد على من قال إن الله أعطى الشفاعة محمداً فأطلبها منه، يقول رحمه الله:
(فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها ؟ فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأرجوا شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً } (3) ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (4)، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } (5) فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيها، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلّها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه فيّ وأمثال هذا.
فإن قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: { فلا تدعوا مع الله أحداً } (6)، فإن كنت تدعو الله أن يشفّع نبيّه فيك، فأطعه في قوله: { فلا تدعوا مع الله أحداً }، وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم، فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه)


ويرد الشيخ الإمام على من ألصق بهم فرية إنكار شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
(يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود، نسأل الله رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه. هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباع شرعه) (8).
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن الشفاعة لا تطلب في الدنيا إلا من الله، فلا تطلب من الأنبياء، أو الأولياء بعد موتهم يقول رحمه الله:
(والشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: { وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً } (1) وقال: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } (2)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل (يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها، ثم يقال ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، ثم يحد لهم حداً فيدخلهم الجنة) (3) فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرناه، ولا يخالف فيه أحداً من علماء المسلمين. بل قد أجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين الأئمة الأربعة وغيرهم..) (4).
وعلى ضوء ذلك، فلا تطلب الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولأنه – أيضاً – ليس هناك دليل على طلبها منه بعد موته، لذا قال الشيخ الإمام:
(القائل أنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله، أو من سنّة رسول الله، أو من اجتماع الأمة. والحق أحق أن يتبع) (5).
ويؤكد الشيخ الإمام أن طلب الشفاعة من موتى الصالحين يضاد توحيد العبادة وينافيه، فيقول:
(إن أهل الجاهلية يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله، وعبادته. يريدون شفاعتهم، لظنهم أن الله يحب ذلك، وأن الصالحين يحبونه كما قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} (6)، وقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (7).
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص..) (8).



لعله ان شاء الله أفادك.

مصطفاوي 09-04-11 11:54 AM

أخي الكريم كل ما ذكرت أن أؤمن به تمام الإيمان وليس لدي ذرة شك فيه
ولكني أتكلم عن وجود الشبهة في الإستشفاع بأن الله قد أعطي الرسول الشفاعة وأن الأنبياء أحياء في قبورهم
فإني أتكلم عن موانع التكفير وهل تكون هذه الشبهة مانعا للتكفير أم لا
وهل هناك فرق بين الإستغاثة وبين طلب الشفاعة أم لا
ففي النفس من المساواة بينهما شيء فأرجوا من الإخوة ذكر أقوال أهل العلم في التشفع بالإنبياء وهل هو مساو للإستغاثة أم لا .
اقتباس:

فإن قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: { فلا تدعوا مع الله أحداً }
هنا يأتي سؤال ألا يرد علي ذلك بأن كون الله قد أعطي الشفاعة لرسوله ولم يعطها للأصنام ألا يعطي هذا فرقا يجعل قياس طلب الشفاعة من الرسول علي طلبها من الأصنام قياس مع فارق ؟ وبهذا يفسد هذا القياس ؟!! هذه واحده
وهناك شبهة أخري في ذهاب أهل المحشر إلي الأنبياء مباشرة وطلب الشفاعة منهم كما هو في حديث الشفاعة المشهور فإن كان هذا دعاء أحد مع الله وكان شركا فكيف يفعله أهل المحشر ولا ينهاهم الأنبياء بل ويقول الرسول الكريم أنا لها أنا لها ؟
فإن قال قائل هذا دعاء حاضر فيرد عليه بشيئين
أولاهما : أنه لا تأثير للحاضر أو الغائب في دعاء ما لا يقدر عليه إلا الله فإن دعوت النبي في حياته بما لا يقد عليه إلا الله صار شركا وهذا يبين الفرق بين دعاء النبي والإستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله وبين التشفع به إذ الشفاعة مما أقدر الله نبيه عليه وإلا لصار ما يفعله الناس من تشفع بالنبي في أرض المحشر شركا
والثاني : أن التشفع بالنبي هنا في حكم الحاضر للأدلة علي حياة الأنبياء في قبورهم وإن كانت غير الحياة الدنيا إلا أن النبي أثبت لهم حياة خاصة بهم غير التي تكون لغيرهم من الموتي الأخرين.

وإن كان الردين الأول والثاني لا يعنيان جواز التشفع بالنبي في موته مباشرة لعدم وجود الدليل علي ذلك في كتاب أو سنة أو أفعال الصحابة والتابعين ومن المعروف أن العبادات توقيفية إلا أنهما - في نظري - كافيا لإمتناع الحكم بالتكفير علي المتشفع بالنبي في موته وإفساد قياس ذلك علي التشفع بالأصنام
فأري - والله أعلم - أن حكمه هو أنه بدعة محرمة وليس كفرا والله تعالي اعلي وأعلم
أرجوا من الأخوة أن يصوبوني إن أخطأت والله من وراء القصد.

عساكر التوحيد 10-04-11 03:21 AM

قال الشيخ ابن باز:
إنما جاز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة ؛ لقدرته على ذلك ، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب ، أما في الدنيا فمعلوم ، وليس ذلك خاصا به ، بل هو عام له ولغيره ، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه : اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا ، بمعنى : ادع الله لي ، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه .
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه ، كما قال الله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (2)
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور ، لانقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع ، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع ، فلا يجوز إلحاقه بذلك ، لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء ، ولكنها ليست من جنس
حياته قبل الموت ، ولا من جنس حياته يوم القيامة ، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه ، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » (1) .
فدل ذلك على أنه ميت ، وعلى أن روحه قد فارقت جسده ، لكنها ترد عليه عند السلام ، والنصوص الدالة على موته صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة معلومة ، وهو أمر متفق عليه بين أهل العلم ، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية ، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } (2)
وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة ، لدعاء الحاجة إليه بسبب كثرة من يشبه في هذا الباب ، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله . فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل ما يخالف شرعه ، والله أعلم .

عساكر التوحيد 10-04-11 03:26 AM

وسأل الشيخ صالح الفوزان:
هناك بعض الناس يدعون بدعاء يعتقدون أن يشفي من السكر ، وهو كما يلي : الصلاة والسلام عليك ، وعلى آلك يا سيدي يا رسول الله ، أنت وسيلتي خذ بيدي ، قلت حيلتي فأدركني ، ويقولون هذا القول : يارسول الله اشفع لي . وبمعنى آخر : ادع الله يا رسول الله بالشفاء ، فهل يجوز أن يردد هذا الدعاء ، وهل فيه فائدة كما يزعمون ؟ أرشدونا بارك الله فيكم .
الجواب : هذا الدعاء من الشرك الأكبر ؛ لأنه دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب لكشف الضر والمرض من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى ، فطلبه من غير الله شرك أكبر ، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم ، هذا من الشرك الأكبر ؛ لأن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأولياء ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فالله سبحانه وتعالى عاب ذلك عليهم ، ونهاهم عن ذلك ، سورة يونس الآية 18 وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس : 18] ، سورة الزمر الآية 3 أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر : 3] . وكل هذا من الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منه والتزام التوحيد وعقيدة الإسلام ، فهو دعاء شركي لا يجوز للمسلم أن يتلفظ به

مصطفاوي 10-04-11 08:21 AM

جزاك الله خيرا يا أخي عساكر التوحيد علي نقولاتك المفيدة
ولكنها للأسف لم تجب علي الشبهات التي ذكرت بل ذكر الشيخ الفوزان الحكم بالشرك الأكبر ونوه عنه الشيخ بن باز بدون الرد علي الشبهات التي ذكرتها
وأنبه الإخوة أن مناط الأمر هو التفرقة بين دعاء غير الله وبن التشفع بالنبي خاصة وهل الفعل شرك أم ليس شركا وإنما هو بدعة فقط
فإني لا أتكلم عن جواز التشفع بالنبي في موته ولكن أتكلم في عد ذلك من الشرك والإجابة علي الأدلة التي ذكرت
أرجوا من الأخوة من أهل العلم وطلبته (خاصة المشرفين) المشاركة في هذا الموضوع أو عرضه علي ملتقي أهل الحديث وجزاكم الله خيرا

عساكر التوحيد 10-04-11 08:56 AM

أما الشفاعة فمعناها في اللغة:
قال صاحب اللسان: "شفع لي يشفع، شفاعة، وتشفع: طلب.
وروي عن المبرد وثعلب[1] أنهما قالا في قوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[2] قالا: الشفاعة الدعاء ههنا.
والشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره.
وشفع إليه: في معنى طلب إليه.
والشافع: الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب.
يقال: تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه.
واسم الطالب: شفيع.
واستضفعته إلى فلان: أي سألته أن يشفع لي إليه.
وتشفعت إليه في فلان: فشفعني فيه تشفيعًا"[3].
ويتضح من النقل السابق ما يلي:
1- أن معنى الشفاعة في اللغة: الدعاء والطلب.
2- أن الشفاعة لها أركان أربعة:
1- الطلب 2- المشفع فيه أي صاحب الحاجة، 3- الشافع أو الشفيع، 4- المشفوع إليه.
وهذه الأركان الأربعة مذكورة في كلام صاحب اللسان حيث قال:
"الشفاعة، كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها للغير" فهناك:
1- شفيع، 2- ملك، 3- حاجة، 4- وغير.
3- أن الشفاعة في لغة العرب لابد فيها من طلب الشافع للسائل، فيطلب له ما يطلب من المسئول المدعو المشفوع إليه.
قال صاحب اللسان: "الشافع الطالب لغيره، واسم الطالب: شفيع. وهذا لا يكون إلا بوجود الشافع وحضوره. وأما الاستشفاع بمن لم يشفع للسائل ولا طلب له حاجة ليس هذا استشفاعا في اللغة".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كثير من العامة يقولون لمن توسل في دعائه بنبي أو غيره: قد تشفع به. من غير أن يكون المتشفع به شفع له ولا دعا له، بل قد يكون غائبا لم يسمع كلام ولا شفع له. وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة بل ولا هو لغة العرب. فان الاستشفاع: طلب الشفاعة. والشافع: هو الذي يشفع للسائل فيطلب له ما يطلب من المسئول المدعو المشفوع إليه. وأما الاستشفاع بمن لم يشفع للسائل ولا طلب له حاجة بل وقد لا يعلم بسؤاله، فليس هذا استشفاعا لا في اللغة ولا في كلام من يدري ما يقول. نعم هذا سؤال به، ودعاؤه، ليس هو استشفاعا به"[4].
فالشفاعة في لغة العرب ولغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، لابد فيها من "طلب الشافع" وهذا لا يكون إلا بوجوده وحضوره.
وأما توسل الشخص في دعائه بنبي أو غيره، وتسمية بعض المبتدعة لهذا استشفاعا أي سؤالا بالشافع، وصاروا يقولون: استشفع به فيشفعك، أي يجيب سؤالك به، فهذا من تغيير معني الشفاعة في اللغة والشرع، وأصحابه أرادوا أن يغيروا اللغة كما غيروا الشريعة.
ب- معنى الشفاعة في خطاب الشارع:
معنى الشفاعة في استعمال الشارع هو الدعاء كما ورد في وضع اللغة فمما ورد في ذلك مما رواه أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته على الجنازة: "اللهم أنت ربها وأنت خالقها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفرلها"[5].
وعن أنس وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه"[6].
هذا وقد جاءت النصوص الشرعية بذكر نوعين من الشفاعة:
النوع الأول: الشفاعة المنفية.
النوع الثاني: الشفاعة المثبتة.
أما النوع الأول: أي الشفاعة المنفية.
فإنه لما كان المشركون في قديم الزمان وحديثه إنما وقعوا في الشرك لتعلقهم بأذيال الشفاعة كما قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[7].
وقال تعالى: {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[8].
فقد نفي الله هذه الشفاكة رنزه نفسه عنها، ونفي أن يكون للخلق من دونه من ولى أو شفيع كما قال تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[9].
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}[10].
وهذه الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند الإطلاق وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته"[11].
وأصحاب هذه الشفاعة المنفية جعلوا وسائط بين الله وبين خلقه -كالحجاب الذي لن الملك ورعيته- بحيث يكون أولئك الوسائط هم الذين يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فهم يعتقدون أن الله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك: يسألون الملوك حوائج الناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك أو لأن طلبه من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج.
فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه: فهو مشرك، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا وفي القرآن الكريم من الرد على هؤلاء ما لا يتسع المجال لذكره ههنا.
ومعلوم أن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس، يكونون على أحد وجوه ثلاثة:
1- إما لإخبارهم من أحوال الناس مما لا يعرفونه.
أو أن يكون الملك عاجزا عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه، فلابد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه.
2- وإما أن يكون الملك ليس مريدا لنفع رعيته، والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج.
فإذا خاطب الملك من ينصحه، ويعظمه، أو من يدل عليه، بحيث يكون يرجوه أو يخافه: تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه.
وكل هذه الأمور ممتنعة في حق الله تعالى.
فمن قال إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بذلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر.
بل هو سبحانه يعلم السر وأخفي، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}[12] وقال تعالى: {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}[13]. والله سبحانه ليس له ظهير، ولا ولى من الذل.
قال تعالى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[14].
وقال تعالى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}[15].
وكل ما في الوجود من الأسباب فهو خالقه، وربه ومليكه، فهو الغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم في الملك.
والله تعالى ليس له شريك في الملك، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وهو سبحانه لا يرجو أحدا ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني قال تعالى: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}[16].
فالمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة عند ملوكهم.
قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[17].
وقال تعالى {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[18].
وأخبر عن المشركين أنهم قالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[19] [20] فالمشرك يقصد فيما يشرك به:
1- أن يشفع له عند الله.
2- أن يتقرب بعبادته إلى الله.
وهذا بعينه هو ما يوجد عند عباد القبور نعوذ بالله من حالهم.
وأما الشفاعة المثبتة: فهي الشفاعة الشرعية المخالفة لما عليه المشركون.
وهي التي أخبر الله تعالى أنها لا تنفع إلا بشرطين:
· الأول: إذنه سبحانه للشافع أن يشفع.
· الثاني: رضاه سبحانه عن المشفوع له.
قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[21].
وقال تعالى: {لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[22].
وقال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[23].
وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}[24].
وهذه الشفاعة منها ما هو في الدنيا. ومنها ما هو في يوم القيامة. والشفاعة كما سبق وأن ذكرنا هي: الدعاء.
ولا يرب أن دعاء الخلق بعضهم لبعض نافع والله قد أمر بذلك.
فمشروع أن يدعو الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى.
ولقد كان الصحابة يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ويطلبون منه الدعاء، بل وكذلك بعده استسقى عمر والمسلمون بالعباس عمه، وهذا من الشفاعة في الدنيا.
وفي يوم القيامة يطلب الناس الشفاعة من الأنبياء ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وله شفاعات يختص بها.
ولكن لابد في هذه الشفاعة من الشرطين السابقين أي إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له.
فالداعي الشافع ليس له أن يدعو ويشفع إلا بإذن الله في ذلك، فلا يشفع شفاعة نهي عنها: كالشفاعة للمشركين والدعاء لهم بالمغفرة قال تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[25].
وقال تعالى في حق المنافقين {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[26].
وقال تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[27].
وشرط الرضي غير متحقق في المشفوع له مع أن الشافع هنا هو خير الخلق وأعظمهم قدرا عند الله تعالى. وقد قال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[28] أي المعتدين في الدعاء.
ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله مئل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو مغفرة المشركين ونحو ذلك، أو يسأله ما فيه معصية الله كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان.
فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة: شفاعته في الدعاء الذي ليس فيه عدوان.
والأنبياء لو سأل أحدهم دعاء لا يصلح له لا يقر عليه، فإنهم معصومون أن يقروا على ذلك.
كما قال نوح {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}[29] قال تعالى {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[30].
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[31].
وكل داع شافع، دعا الله سبحانه وشفع: فلا يكون دعاؤه وشفاعته إلا بقضاء الله وقدره ومشيئته، فهو الذي يجيب الدعاء من جملة الأسباب التي قدرها الله سبحانه وتعالى.
وإذا كان كذلك: فالالتفات إلى الأسباب بالكلية شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل.
والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى والله يقدر له من الأسباب من دعاء الخلق وغيرهم ما شاء.
فالدعاء للغير، ينتفع به الداعي، والمدعو له، وإن كان الداعي دون المدعو في الدرجة والمنزلة.
فدعاء المؤمن لأخيه ينتفع به الداعي والمدعو له.
فمن قال لغيره أدع لي وقصد انتفاعهما جميعا بذلك كان هو وأخوه متعاونين على البر والتقوى. فهو نبه المسئول وأشار عليه بما ينفعهما، بمنزلة من يأمر غيره ببر وتقوى، فيثاب المأمور على فعله، والآمر أيضا يثاب مثل ثوابه لكونه دعا إليه. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"[32].
وعند النظر في نصوص الشرع الواردة في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن هناك شفاعة أخروية له في يوم القيامة، وشفاعة دنيوية في حياته.
أما الشفاعة الأخروية: فقد أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك، وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة.
ثم إن أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واستفاضت به السنن من أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر من أمته ويشفع لعموم الخلق.
فله صلى الله عليه وسلم شفاعات يختص بها لا يشركه فيها أحد، وشفاعات فيها وغيره من الأنبياء والصالحين سواء، ولكن ما له فيها أفضل مما لغيره، فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكرمهم على ربه عز وجل، وله من الفضائل التي ميزه الله بها على سائر النبيين ومن ذلك المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها في الصحيح أحاديث متعددة، وفي السنن والمسانيد مما يكثر عدده.
أما الشفاعة الدنيوية (التي كانت في حياته)، فقد أجمع أهل العلم على أن
الصحابة كانوا يستشفعون به ويتوسلون به في حياته بحضرته. كما ثبت في أحاديث الاستسقاء، وهذا الاستشفاع هو طلب للدعاء منه، فإنه كان يدعو للمستشفع والناس يدعون معه، كما جاء في الحديث الثابت في الاستسقاء أن المسلمين لما أجدبوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه أعرابي فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا"[33].
فهذا يبين أن معنى الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم هو استشفاع بدعائه وشفاعته. وهذا ما فهمه الصحابة وعملوا به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فعمر بن الخطاب استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"[34]. وكذلك معاوية بن أبي سفيان -لما أجدب الناس بالشام- استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي[35] فقال: "اللهم إنا نستشفع ونتوسل بخيارنا، يا يزيد ارفع يديك "فرفع يديه ودعا، ودعا الناس حتى سقوا"[36].
فهم لم يستسقوا ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره، بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد.
فجعلوا هذا بدلا عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه.
وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا ويستشفعوا به ويقولوا في دعائهم في الصحراء بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بالمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به، فيقولون نسألك أو نقسم عليك أو نستشفع عليك أو نستشفع بنبيك أو جاه نبيك، ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس.
ولكنهم لم ينقل عنهم أنهم توسلوا أو استشفعوا بمثل هذه العبارات فهذا يؤكد ويبرهن على أن التوسل بالذات في حضور الشخص أو مغيبة أو بعد موته أمر لم يشرعه لهم الشارع ولم يكن معروفا عندهم.

المطلب الثالث: الكلام على مسألة الاستغاثة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الاستغاثة: طلب الإغاثة والتخليص من الكربة والشدة. والنبي صلى الله عليه وسلم في حياته يجوز أن يستغاث به، فيطلب منه أن ينصر المظلوم، ويطعم الجائع، ويسقى الظمآن، ويخلص الأسرى، ويقضي الدين عن المدين، ويبين الدين، ويزيح شبهات المعارضين ويجب السائلين ونحو ذلك.
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الناس عملاً، وأعظمهم حرصًا على البر والتقوى، بل كل خير في الوجود فهو معين عليه بل له مثل أجر كل عامل خير من أمته فإنه هو الذي دعا إلى ذلك "من دعا إلى الهدى كان له مثل أجور من تبعه من غير أن يتقص من أجورهم شيئا"[37] [38].
واستغاثة الصحابة به في القحط، إنما به استغاثوا به ليدعو لهم كما يستغيث الناس به يوم القيامة ليشفع لهم.
والاستغاثة بالمخلوق ليدعو للعبد أو ليعينه بما يقدر عليه ليس بممنوع منه. وإنما الممنوع أن يستغاث به فيما لا يقدر عليه، وأن يقسم على الله به ولاسيما إذا كان المخلوق ميتًا أو غائبًا فلا يجوز أن يستغاث به فيما يقدر عليه حيًا، ولا فيما لا يقدر عليه.
(وأما قول من يقول إن الاستغاثة به بعد موته ثابتة ثبوتها في حياته فهو كلام باطل قطعا لأنه يلزم من ذلك أن يطلب منه أن يخرج إلى الغزوات ويقيم الحدود ويعود المريض فاعلاً ذلك ببدنه كما كان يفعل ذلك في حياته فهل يقول هذا إنسان؟ أو يحتاج رد هذا إلى برهان"[39].
فليس عليه بعد الموت فعل من الأفعال لا واجبًا ولا مستحب كما ليس ذلك على غيره من الناس، بل الموت ينتهي به التكليف الثابت في الحياة بإجماع الخلق، فليس على نبي ولا غيره بعد موته أن يفعل ما كان يؤمر به في حال الحياة من واجب ومستحب.
ولا يستطع أحد أن ينقل عن أحد من الصحابة ولا من السلف أنهم بعد موته طلبوا منه إغاثةً ولا نصرًا ولا إعانة ولا استسقوا بقبره ولا استنصروا به كما كانوا يطلبون ذلك منه في حياته"[40].
ويفهم من كلام شيخ الإسلام المتقدم أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها تفصيل. فهناك استغاثة جائزة مشروعة وهي:
1- إما بالطلب منه في حياته فيما يقدر عليه وهذه لم ينازع فيها أحد.
2- وإما بالطلب منه في عرصات يوم القيامة أن يشفع لهم وهذه ما دلت عليه النصوص الثابتة.
وهناك استغاثة غير مشروعة بل هي شركية وهي عائدة إلى شيئين:
1- الاستغاثة به بعد موته.
2- أن يطلب منه ما لا يقدر عليه.
وكلا الأمرين يجتمعان فيمن استغاث به بعد موته.
ومن تلفظ بهذه العبارة من المبتدعة فهو يريد بها أحد أمرين إما أن يطلب الإغاثة من الرسول نفسه لاعتقاده أن له تصرفا في هذه الأمور وقدرة على تحصيلها وهذا هو اعتقاد كثير من العوام وهو ما يدل عليه استعمال الكلمة في لغة العرب.
وإما أن يكون مراده بهذه العبارة الطلب من الله بواسطة الرسول أي أنه متوسل به إلى الله تعالى وهذا المعني يأباه استعمال العرب لهذه اللفظة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن ظن أن الباب في التوسل كالباب في الاستغاثة فقد أخطأ فالمستغاث به هو المسئول.
وأما المتوسل به فهو الذي يتسبب به إلى المسئول[41].
(والفرق واضح بين السؤال بالشخص والاسغاثة به.
وأريد أن أُعرف من أين دخل اللبس على هؤلاء الجهال، فإن معرفة المرض وسببه يعين على مداواته وعلاجه، ومن لم يعرف أسباب المقالات وإن كانت باطلة، لم يتمكن من مداواة أصحابها، وإزالة شبهاتهم، فوقع لي أن سبب هذا الضلال والاشتباه عليهم أنهم عرفوا أين يقال سألت الله بكذا كما في الحديث "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان"[42].
ورأى أن الاستغاثة تتعدى بنفسها كما يتعد السؤال كقوله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}[43].
وقوله {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[44].
فظنوا أن قول القائل استغثت بفلان كقوله، سألت بفلان.
والمتوسل إلى الله بغائب أو ميت تارة يقول: أتوسل إليك بفلان، وتارة يقول أسألك بفلان.
فإذا قيل ذلك بلفظ الاستغاثة فإما أن يقول أستغيثك بفلان، أو أستغيث إليك بفلان. ومعلوم أن كلا هذين القولين ليس من كلام العرب.
وأصل الشبهة على هذا التقدير، أنهم لم يفرقوا بين الباء في استغثت به التي يكون المضاف بها مستغاثا مدعوًا مسؤلاً مطلوبًا منه.
فإذا قيل توسلت به، أو سألت به، أو توجهت به فهي الاستغاثة كما تقول كتبت بالقلم. وهم يقولون استغيثه به من الإغاثة كما يقولون استغثت الله واستغثت به من الغوث، فالله في كلا الموضعين مسؤول مطلوب منه.
وإذا قالوا لمخلوق استغثته واستغثت به من الغوث كان المخلوق مسؤلاً مطلوبًا منه.
وأما إذا قالوا استغثت به من الإغاثة فقد يكون مسؤلاً وقد لا يكون مسؤلاً.
وكذلك استنصرته، واستنصرت به، فإن المستنصر يكون مسؤلاً مطلوبًا.
وأما المستنصر به فقد يكون مسؤلاً وقد لا يكون مسؤلاً. فلفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به.
وقول القائل: استغثت فلانا واستغثت به بمعنى طلبت منه الإغاثة لا بمعنى توسلت به.
فلا يجوز للإنسان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله"[45].
فإذا كان معنى الاستغاثة هو الطلب منه، فما الدليل على أن الطلب منه ميتًا كالطلب منه حيًا.
ولا يمكن لأحد أن يذكر دليلا شرعيًا على أن سؤال الموتى من الأنبياء والصالحين وغيرهم مشروع. بل الأدلة على تحريم ذلك كثيرة جدًا، فهذه الاستغاثة وتوجه القلب إلى المسئول بالسؤال والإنابة محظورة على المسلمين لم يشرعها لأحد من أمته رسول رب العالمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "سؤال الميت والغائب نبيًا كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، لا استحبه أحد من أئمة المسلمين.
وهذا مما يعلم بالاضطرار من المسلمين أن أحدا منهم ما كان يقول إذا نزلت به نازلة أو عرضت له حاجة لميت يا سيدي فلان أنا في حسبك أو اقضي حاجتي، كما يقول بعض هؤلاء المشركين، لمن يدعونهم من الموتى والغائبين.
ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا بغيره من الأنبياء لا عند قبورهم، ولا إذا بعدوا عنها، وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلا ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ولا قبور غير الأنبياء ولا الصلاة عندها.
وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه وذكروا أن هذا من البدع التي لم يفعلها السلف.
وأما ما يروى عن بعضهم أنه قال: قبر فلان الترياق المجرب، وقول بعضهم فلان يدعى عند قبره، وقول بعض الشيوخ لمريده: إذا كانت لك حاجة فاستغث بي، أو قال: استغث عند قبري، ونحو ذلك فإن هذا قد وقع فيه كثير من المتأخرين وأتباعهم.
وكثير من هؤلاء إذا استغاث بالشيخ رأى صورته، وربما قضى بعض حاجته فيظن أنه الشيخ نفسه، أو أنه ملك تصور على صورته، وأن هذا من كراماته فيزداد به شركا وفيه مغالاة، ولا يعلم أنا هذا من جنس ما تفعله الشياطين بعباد الأوثان، حيث تتراءى أحيانا لمن تعبدها وتخاطبهم ببعض الأمور الغائبة وتقضي لهم بعض الطلبات.
لكن هذه الأمور كلها محدثة في الإسلام بعد القرون الثلاثة المفضلة.
وكذلك المساجد المبنية على القبور التي تسمى المشاهد محدثة في الإسلام والسفر إليها محدث في الإسلام لم يكن شيء من ذلك في القرون الثلاثة المفضلة، بل ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعالوا قالت عائشة رضي الله عنها: "لولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدًا"[46].
وثبت في الصحيح عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا ا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"[47].
ولما أجدبوا في خلافة عمر رضي الله عنه استسقى عمر بالعباس وقال: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك نبينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"[48].
فلم يذهبوا إلى القبور، ولا توسلوا بميت ولا غائب، بل توسلوا بالعباس كما كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان توسلهم به توسلهم بدعائه كالإمام مع المأموم، وهذا تعذر بموته.
فأما قول القائل عند ميت من الأنبياء والصالحين: اللهم إني أسألك بفلان أو بجاه فلان أو بحرمة فلان، فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين، وقد نص غير واحد من العلماء أنه لا يجوز.
فكيف يقول القائل للميت أنا أستغيث بك، وأستجير بك وأنا في حسبك وسل لي الله ونحو ذلك، فتبين أن هذا ليس من الأسباب المشروعة ولو قدر أنَّ لما يفعلونه تأثيرا، فليس هو من الأسباب المشروعة، ولا له تأثير صالح بل مفسدته راجحة على مصلحته كأمثاله من دعاء غير الله تعالى، وذلك أن من الناس الذين يستغيثون بغائب ميت من تتمثل له الشياطين، وربما كانت على صورة ذلك الغائب، وربما كلمته، وربما قضت له أحيانا بعض حوائجه كما تفعل شياطين الأصنام بعبادها، وهذا مما قد جرى لغير واحد فينبغي أن يعرف هذا"[49].
وقال أيضا: "وسؤال الخلق هو في الأصل محرم لأن فيه أنواع الظلم الثلاثة:
1- الظلم في حق الله بالشرك.
2- الظلم للمسؤول، فإن فيه إيذاء له.
3- وظلم الإنسان نفسه لما فيه من تعبيدها لغير الله.
وقد ألح من ذلك من سؤال الحي ما دل الشرع على إباحته وأما سؤال الميت والغائب فلم يأذن الله به قط.
ومن عدل عما أمر به الرسول من عبادة الله وحده والتوكل عليه والرغبة إليه وطاعته فيما أمر به من الإحسان والخير الذي ينتفع به هو وهم وغيره من المخلوقين، فإن العبد كلما عمل بما أمرت به الرسل كان لهم مثل أجره وحصل له هو من الخير من إجابة دعائه ونفعه وغير ذلك.
فمن عدل عن هذه الرحمة والخير وسعادة الدنيا والآخرة إلى أن يفعل ما لم تأمر به الرسل بل اتخذهم أربابا يسألهم ويستغيث بهم في مماتهم ومغيبهم وغير ذلك كان مثله مثل النصارى فإن المسيح قال لهم: {عْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}[50] وقال {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ}[51].
فلو امتثلوا أمره كانوا مطعين لرسل الله موحدين لله، ونالوا بذلك السعادة من الله تعالى في الدنيا والآخرة.
ولكنهم غلوا فيه واتخذوه وأمه إلهين من دون الله، يستغيثون بهم، وكذبوا بالرسول الذي بشر به، وحرفوا التوراة التي صدق بها، فظنوا في ذلك أنهم معظمون للمسيح، وكان هذا من جهلهم وضلالهم"[52].
فخلاصة القول: إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وسؤاله والاستغاثة به وغير ذلك مما يفعل عند قبره أو بعيدًا عنه هو من الدين الذي لم يشرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين[53].
وأما ما يحتج به أهل البدع الذين يفعلون مثل هذه الأمور ويدعون الناس إليها فشبههم لا تخرج عن أحد الأمور التالية:
1- إما آيات وأحاديث صحيحة يتأولونها ويتعسفون في تفسيرها حتى توافق ما جاءوا به من الباطل مع أنه ليس فيهات دلالة على ما يزعمون ويدعون.
2- وإما أحاديث واهية أو موضوعة لا يحتج بها ولا يعتمد عليها بل هي مخالفة لأهم قواعد هذا الدين المبنية على الآيات والأحاديث الثابتة الصحيحة.
وهذا الصنف هو أغلب بضاعتهم، بل وأكثر ما يستدلون به عند عرض بدعههم، إما جهلا منهم بحكم هذه الأحاديث، أو لعلمهم بأن هذا النوع من الأدلة هو مما يسهل ترويج باطلهـم عند العوام الذين لا يستطيعون أن يميزوا لون الصحيح والضعيف من الأحاديث.
3- وإما بحكايات مكذوبة منسوبة لبعض أئمة هذا الدين الذين لهم في نفوس الناس منزلة ومكانة.
وتلك الحكايات مروية بأسانيد مظلمة عن رجال مجهولين وهي مردودة بما اشتهر عن أولئك الأئمة من أقوال ذكرت في كتبهم أو رويت عن طريق تلاميذهم بأسانيد صحيحة تؤكد زيف تلك، الحكايات المنسوبة إليهم وتبرهن على بطلانها.
4- أو بمنامات لا تخلو من أحد أمرين إما كذب صاحبها أو تلبيس الشياطين عليه، ويشهد لهذا ويؤكده مخالفتها لقواعد هذا الدين وأصوله.
ويا سبحان الله كيف يتصور أن يترك ا، وسلم شرع الله من أجل أحلام ومنامات.
5- أو أقوال من تكلم في الدين بلا علم، وليس معه فيما يقول ويدعى دليل شرعي، ويجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
6- أو بحجج هي من جهة الرأي والذوق هي أوهن من بيوت العنكبوت ولا يخفى ضعفها وفسادها ومخالفتها لقواعد هذا الدين وأصوله إلا على الجهلة وأصحاب الهوى أتباع كل ناعق الذين لم يستضيئوا بنور العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما أولئك الضلال أشباه المشركين والنصارى فعمدتهم: إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة، أو منقولات عمن لا يحتج بقوله إما أن يكون كذبا عليه وإما أن يكون غلطا منه إذ هي نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم، وإن اعتصموا بشيء مما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرفوا الكلم عن مواضعه وتمسكوا بمتشابهه وتركوا محكمه كما يفعل النصارى"[54].
والمقام هنا لا يتسع لعرض تلك الشبه والرد عليها، فمن أراد الاستزادة في هذا الشأن فعليه بمظان ذلك في كتب علماء السلف[55].

منقول
لعله أفادك

مصطفاوي 10-04-11 11:01 AM

بالتأكيد بحث مفيد ولكنه لم يذكر فيه تكفير المستشفع بالنبي بعد موته ولم يذكر الرد علي حجة من يري جواز ذلك لإعتقاده بأن حياة الأنبياء في قبورهم تؤهلهم لسماع من يأتي إلي قبورهم فيستشفع بهم وتؤهلهم لأن يدعوا للمستشفع بهم
وجزاك الله خيرا أخي الكريم علي إثرائك لهذا الموضوع الخطير

عساكر التوحيد 10-04-11 11:14 AM

لا أقولك إلا

الله اعلم



الساعة الآن 12:00 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "