شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=2)
-   -   التحرر من أسطورة "المهدي المنتظر" أحمد الكاتب (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=151156)

جاسمكو 28-05-12 11:36 PM

التحرر من أسطورة "المهدي المنتظر" أحمد الكاتب
 


الفصل الخامس عشر : خطوات ضرورية للتحرر من بقايا التشيع "الديني"

م/ 15

الفصل الخامس عشر : خطوات ضرورية للتحرر من بقايا التشيع "الديني"


بالرغم من كل التطورات الجذرية التي حصلت في الفكر السياسي الشيعي المعاصر، وتخلي الشيعة عن نظرية "الإمامة الإلهية" عمليا، وعدم بقاء أي شيء منها سوى الاسم وبعض الذكريات وشيء من التراث الفقهي وبعض الطقوس، إلا أن النظرية لا تزال تؤثر في حياة الشيعة نوعاً ما وتصوغ هويتهم، بعد أن تحولت لديهم إلى "عقيدة دينية" خالدة بسبب الإيمان بوجود "الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري" واستمرار حياته إلى اليوم، مدعما بمجموعة من الأحاديث السنية والشيعية حول "الاثني عشر إماما" الذين يقول الإمامية إن النبي الأكرم قد نصَّ عليهم وعينهم أئمة من بعده. ومن هنا لا يمكن إنجاز الإصلاح الكامل الشامل في صفوف الشيعة والتحرر من نظرية "الإمامة الإلهية" إلا عبر مراجعة فرضية "وجود الإمام الثاني عشر وولادته" والقيام بنقد أحاديث "الاثني عشرية" وتقييمها بصورة موضوعية.

1 - التحرر من أسطورة "المهدي المنتظر"

لقد كان مقدرا لنظرية "الإمامة الإلهية" أن تنتهي تماما في أواسط القرن الثالث الهجري عند وفاة الإمام الحسن العسكري سنة 260 للهجرة، وعدم إشارته إلى وجود ولد له، وعدم وصيته لأحد من بعده بالإمامة، وإدراك كثير من الشيعة الذين كانوا يعتقدون بالإمامة؛ أنهم على خطأ ويعيشون على أوهام.[1] ولكن قول فريق من الشيعة بوجود ولد مخفي للعسكري وأنه الإمام بعده، ثم تأليف روايات حول "الاثني عشري" أنقد نظرية "الإمامة الإلهية" من الانهيار التام على الصعيد النظري، بالرغم من انهيارها عمليا وفي الواقع منذ ذلك الحين.

ولذلك فمن المهم جدا بحث موضوع ولادة ووجود "الإمام الثاني عشر" والنظرية "الاثني عشرية". وقد بحثت في كتابي السابق "تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه" ذلك بالتفصيل ، وأثبت عدم وجود أدلة شرعية تاريخية على ولادة ذلك "الإمام" الذي يطلق عليه الشيعة عادة اسم "الإمام المهدي" وقلت انه لم يكن سوى فرضية فلسفية. وأرى من المناسب هنا تقديم ملخص عن كيفية نشوء تلك الفرضية و"أدلتها" ثم مناقشتها باختصار.

تقول الرواية التاريخية، التي يعترف بها وينقلها المؤرخون والمتكلمون الشيعة "الاثنا عشريون" كالنوبختي والاشعري القمي والنعماني والصدوق والمفيد: إن الإمام العسكري توفي دون أن يخلف ولدا ظاهرا، وإنه لذلك أوصى بأمواله إلى أمه.[2] ولكن فريقا من وكلاء العسكري الماليين (وعلى رأسهم الوكيل عثمان بن سعيد العمري) ادعى وجود ولد مخفي للإمام العسكري، وأنه الإمام من بعد أبيه، وأنه المهدي المنتظر. وفسر عدم إشارة أبيه إليه في حياته وعدم وصيته إليه، وعدم ظهوره من بعده، وغيبته، بالتقية والخوف من الأعداء . ونقل الوكلاء قصصا عن ولادة "الإمام" واللقاء به في حياة أبيه وبعد وفاته.

وجاء المتكلمون الإماميون فنظَّروا لذلك الادعاء، واحتجوا بضرورة استمرار الإمامة الإلهية بصورة عمودية وعدم جواز انتقالها إلى أخوين بعد الحسن والحسين. وجعلوا من هذا الكلام حجر الزاوية في عملية الاستدلال على وجود "ولد" للإمام الحسن العسكري. وقد نسجوا منه، ومن بقية القضايا الكلامية التي توجب العصمة في الإمام، أو توجب النص في أهل البيت، دليلا ً أسموه بـ : "الدليل العقلي" .[3]

ثم جاء المحدثون الشيعة في القرن الرابع الهجري، فرووا (أو اختلقوا) مجموعة من الأحاديث على لسان النبي الأكرم والأئمة السابقين حول "الإمام الثاني عشر" واسمه وغيبته وما إلى ذلك.

وإذا أردنا أن نناقش أدلة "الاثني عشرية" التي يقدمونها على ولادة ووجود "الإمام الثاني عشر" فيكفي أن نناقش الأدلة التاريخية، لأنها الوحيدة التي يمكن أن تثبت أو تنفي حكاية الولادة السرية. وأما الأدلة العقلية أو النقلية (الروائية) فهي مجرد أدلة فرضية غير علمية لا تصمد أمام التحقيق والنقاش، ولا يعقل استخدامها لأجل إثبات حقيقة خارجية كولادة طفل مثلا، وهي تكشف عن أزمة نظرية مرّ بها ذلك الفريق من الإمامية ممن يشترط توارث الإمامة بصورة عمودية، وعدم جواز انتقالها إلى أخ أو ابن أخ، أو عمّ أو ابن عمّ، واضطراره إما إلى التنازل عن هذا الشرط، أو التسليم بانقطاع الإمامة بعد وفاة العسكري دون خلف، كما هو الظاهر من حياته، أو افتراض وجود ولد له في السر، بالرغم من عدم التصريح به، أو الإعلان عنه، أو وجود أي دليل عليه، وتفسير هذا الغموض والكتمان بالتقية والخوف من السلطة، بالرغم من عدم وجود مؤشرات تستدعي ذلك .

وإن تسمية عملية الاستدلال النظري على وجود ولد للحسن العسكري، بالدليل "العقلي"، هو في الحقيقة من باب التسامح والاستعارة، وإلا فانه أبعد ما يكون عن الاستدلال العقلي، إذ يعتمد على مجموعة مقولات نقلية، وبعضها أخبار آحاد بحاجة إلى إثبات الدلالة والسند، كمقولة "ضرورة الوراثة العمودية وعدم جواز انتقال الإمامة إلى أخوين بعد الحسن والحسين". وأن المناقشة في أية مقدمة من مقدمات الدليل "العقلي" الطويلة ، كضرورة العصمة في الإمام ، وضرورة النص عليه من الله ، وثبوت الإمامة في أهل البيت، وانحصارها في البيت الحسيني، وكيفية انتقالها من إمام إلى إمام، ودعاوى بقية الأئمة الذين ادعوا الإمامة والمهدوية كمحمد بن الحنفية وابنه أبى هاشم، وزيد بن علي، ومحمد بن عبد الله ذي النفس الزكية، وإسماعيل بن جعفر وأبنائه، وعبد الله الأفطح ومحمد بن علي الهادي .. وما إلى ذلك من التفاصيل الجزئية في نظرية الإمامة الإلهية، من البداية إلى النهاية، حتى وفاة الإمام الحسن العسكري .. إن المناقشة في أية مقدمة من تلك المقدمات تسد الطريق على الوصول إلى فرضية: "وجود ولد للحسن العسكري". وتؤكد أنه ليس إلا افتراضاً وهمياً، وظناً بغير علم. وقد نهانا الله عزّ وجلّ عن اتباع الظن، وخاصة في الأمور العقدية، حيث قال تعالى:" ولا تقفُ ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولاً" (الإسراء 36) وقال منتقداً أصحاب الديانات الأخرى الذين يبنون عقائدهم على الظن والتخمين والافتراض :" قل هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا ؟ .. إن تتبعون إلا الظن، وان أنتم إلا تخرصون!" ( يونس 36) وقال:" إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ، ولقد جاءهم من ربهم الهدى".( النجم 23) وقال:" وما لهم به من علم، إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ". ( النجم 28)

إذن فلمعرفة حقيقة "الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري" لا بد من مراجعة القصص التاريخية التي تتحدث عن ولادته واللقاء به، ولا سيما ادعاء "النواب الخاصين الأربعة" ( عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد، والنوبختي، والصيمري) والتأكد من رواياتهم.

وعند مراجعة تلك الروايات "التاريخية" حول الولادة المزعومة لابن العسكري، نجد أن المؤلفين الذين أوردوها، أراحوا أنفسهم من تهمة الاعتماد على هكذا روايات ضعيفة، وقالوا في البداية:" إننا نثبت وجود "الإمام الثاني عشر" بالطرق العقلية ( أو الفلسفية أو الاعتبارية أو النظرية) ، ولسنا بحاجة الى الروايات التاريخية، وإنما نأتي بها من باب الإسناد والتعضيد والتأييد". وألقوا عن أنفسهم عبأ المناقشة العلمية لتلك الروايات والتأكد من سندها والنظر الى متنها.

وقد كانوا يوردونها من باب "الغريق يتشبث بكل قشة" وإلا فانهم أعرف الناس بضعفها وهزالها.. ولو كانت فرقة أخرى تستشهد بهكذا روايات على وجود أئمة لها، أو أشخاص من البشر .. لسخروا منها، واستهزءوا بعقولها، واتهموها بمخالفة المنطق والعقل والظاهر..

إن روايات "الولادة" لم تكن معروفة في فترة ما يسمى بـ :"الغيبة الصغرى" حيث لم ينقلها المؤلفون الذين قالوا بوجود الإمام الثاني عشر، وكتبوا حول ذلك في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، كالنوبختي في "فرق الشيعة" وسعد بن عبد الله الاشعري القمي في "المقالات والفرق" وعلي بن بابويه الصدوق في "الإمامة والتبصرة من الحيرة" ولا من جاء بعدهم كمحمد بن أبى زينب النعماني في :"الغيبة" أو الكليني في "الكافي". وإنما سجلها بعد ذلك بعشرات السنين، كلٌ من محمد بن علي الصدوق في:"إكمال الدين" (في القرن الرابع) والمفيد في :"الإرشاد" و"الفصول المختارة" و الطوسي في "الغيبة" (في القرن الخامس).

وهي تختلف فيما بينها اختلافا فاحشا وكبيرا بدءا من تحديد هوية أم "محمد بن الحسن" المفترضة، ومروراً بتاريخ ولادته، وانتهاء بأدق التفاصيل.. حيث اختلفت في اسم والدته بين الجارية نرجس، أو سوسن، أو صقيل، أو خمط، أو ريحانة، أو مليكة، أو مريم بنت زيد العلوية، وأنها حرة، أو جارية ولدت في بيت بعض أخوات الإمام الهادي .. أو اشتريت من سوق الرقيق في بغداد.. واختلفت تلك الروايات في تحديد تاريخ الولادة في اليوم والشهر والسنة.. واختلفت تبعا لذلك في تحديد عمره عند وفاة أبيه بين سنتين أو ثماني سنوات. واختلفت في طريقة الحمل في الرحم أم في الجنب، وفي الولادة من الفرج أم من الفخذ! واختلفت الروايات في تحديد لونه بين البياض أو السمرة. واختلفت في طريقة نموه بين الطريقة العادية المتعارفة، والقول بأنه كان يبدو عند وفاة أبيه بهيئة صبي، وبين الطريقة اللاطبيعية .. واختلفت في هذه الطريقة بين النمو السريع في اليوم مثل النمو خلال سنة اعتيادية، أو النمو في اليوم مثل النمو في أسبوع .. والنمو في الأسبوع مثل النمو خلال شهر.. والنمو في شهر مثل النمو خلال سنة. وبناء على ذلك فانه كان يبدو قبل وفاة أبيه بهيئة رجل كبير قد يبلغ سبعين عاما.. بحيث لم تتعرف عليه عمته حكيمة واستغربت من أمر الإمام الحسن لها بالجلوس بين يديه.

وقد مضى حوالي اثني عشر قرنا على "غيبة" ذلك الإمام المفترض "محمد بن الحسن العسكري" ولم يظهر. رغم أن غيبته المفترضة تناقض فلسفة وجوده التي يروج لها "الإمامية"، وهي:" ضرورة تعيين الله لإمام معصوم من أهل البيت ليقيم الحكم الإسلامي ويقود المسلمين ويعلمهم"، مما دعا ويدعو لإعادة النظر في وجود وولادة ذلك "الإمام". وفي الحقيقة إن كثيرا من الشيعة الذين صدقوا بحكاية وجود "الإمام المهدي" عادوا فتراجعوا عن الإيمان به بعد فترة من الزمن، حسبما يحدثنا النعماني ابن أبي زينب، والصدوق.

2 - نقد النظرية "الاثني عشرية"

ولكن ما دفع بعض الشيعة الآخرين للتصديق بوجود "الإمام الغائب" واستمرار حياته لمئات السنين، هي الأحاديث "الاثنا عشرية" التي ظهرت في القرن الرابع الهجري وتحدثت عن تسمية النبي لقائمة من "الأئمة الاثني عشر" بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم، وأن آخرهم المهدي المنتظر "محمد بن الحسن العسكري" الذي سيطول عمره حتى يظهر وإن بقي من عمر الدنيا يوم واحد، ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت ظلما وجورا. مما جعل الشيعة يعتقدون بأن مسألة طول عمر "الإمام المهدي" مسألة غيبية خارقة كطول عمر النبي نوح (عليه السلام). وقد استعرضنا تلك الروايات في فصل سابق (التشيع الاثنا عشري) وهي جزء مما تبقى من "التشيع الديني" الذي يعطي "الشيعة الاثني عشرية" اسمهم وهويتهم.

ولكي نتأكد من حقيقة "الاثني عشرية" لا بد أن نعود إلى القرون الثلاثة الأولى لنكتشف أن الشيعة لم يكونوا يعرفون فكرة أو اسم "الاثني عشرية". ولو القينا نظرة على تراث "الامامية" خلال القرنين الثاني والثالث لوجدنا نظرية "الإمامة الإلهية" لديهم مفتوحة وممتدة إلى يوم القيامة باعتبارها نظاما سياسيا دينيا موازيا لنظام الشورى المفتوح إلى يوم القيامة، وأنها لم تكن محصورة، ولم تكن تقبل الحصر في عدد محدد من الأئمة أو في فترة زمنية خاصة، ولذلك لم يشر اليها الشيخ علي بن بابويه الصدوق (توفي سنة 329 هـ) في كتابه:"الإمامة والتبصرة من الحيرة" كما لم يشر اليها النوبختي في كتابه:"فرق الشيعة" ولا سعد بن عبد الله الاشعري القمي في:"المقالات والفرق" وهما من مؤرخي القرن الثالث الهجري.[4] وقد استعرضنا في فصل (التشيع الديني) بعض الأحاديث التي كانت تنص على استمرار الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب هكذا أبدا إلى يوم القيامة. وتوجد في التراث الشيعي العشرات بل المئات من تلك الروايات التي تؤكد على استمرار الإمامة إلى يوم القيامة، مما يؤكد عدم تحديد الامامة في عدد معين، خلال القرنين الثاني والثالث واختلاق نظرية "الاثني عشرية" فيما بعد. إذ يلاحظ أن تلك الروايات المتواترة التي تتحدث عن امتداد الإمامة إلى يوم القيامة، عامة ومطلقة ومقصودة العموم الإطلاق، أي أنها آبية عن التخصيص والتقييد. ونظراً لأن نظرية "الإمامة الإلهية" كانت في بدو نشوئها ممتدة إلى يوم القيامة ولم تكن محددة في عدد معين من قبل، فقد كان من الصعب حصر أسماء الأئمة في قائمة محددة، ولذلك كانت النظرية تقول**** بأن النص قد حدث من رسول الله (ص) على الإمام علي فقط، وأن النص على الأئمة الآخرين يتم من قبل الأول للثاني وهكذا إلى يوم القيامة. ولم تكن النظرية تدعي وجود قائمة مسبقة بأسماء الأئمة "الإثني عشر". بل كانت تعترف أيضا بعدم وجود النص الصريح من بعض الأئمة على بعض، فكانت تتشبث بالوصية العادية وتعتبرها دليلاً أو مؤشراً على الإمامة، ولما لم تكن توجد أية وصية على بعض الأئمة من آبائهم (كالإمام زين العابدين)، أو كانت مشتركة بين عدد من اخوتهم (كالإمام الكاظم والرضا)، فقد كانت النظرية تقول أحياناً:**** بأن دليل الإمامة هو علم الغيب والمعاجز، أو الكبر ، أو العلم ، أو حيازة سيف رسول الله وما إلى ذلك.[5] بل إن روايات كثيرة تشير إلى عدم معرفة الأئمة أنفسهم بإمامتهم أو إمامة الإمام اللاحق من بعدهم إلا قرب وفاتهم.[6] أو تقول إنهم كانوا يسمون شخصا فيموت في حياتهم ويحدث "البداء" ( كما حصل مع إسماعيل بن جعفر الصادق، ومحمد بن علي الهادي) فضلا عن عدم معرفة الشيعة الامامية الذين كانوا يقعون في حيرة واختلاف بعد وفاة كل إمام، وكانوا يتوسلون بكل إمام أن يعين اللاحق بعده ويسميه بوضوح لكي لا يموتوا وهم لا يعرفون الإمام الجديد (كما فعل زرارة بن أعين الذي مات دون أن يعرف الإمام بعد الصادق) وإنهم كثيرا ما كانوا يقعون في الحيرة والجهل ويتبعون أئمة آخرين يتبين لهم فيما بعد أنهم ليسوا أئمة مثلا (كما حدث مع هشام بن سالم الجواليقي وأصحابه الذين ذهبوا إلى القول بإمامة عبد الله الأفطح ثم غيروا رأيهم فقالوا بإمامة الكاظم).

ومع ذلك فان نظرية "الاثني عشرية" لم تستقر في العقل الإمامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري .. حتى أن الشيخ محمد بن علي الصدوق أبدى شكه بتحديد الأئمة في اثني عشر إماما فقط، وقال:"لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالإقرار باثني عشر إماما، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده".[7] وروى عدة روايات حول احتمال امتداد الإمامة بعد الثاني عشر، وعدم الاقتصار عليه، وكان منها رواية عن الإمام أمير المؤمنين (ع) حول غموض الأمر بعد القائم ، وان رسول الله (ص) قد عهد اليه :" أن لا يخبر أحدا بذلك إلا الحسن والحسين". وانه قال:" لا تسألوني عما يكون بعد هذا ، فقد عهد إليّ حبيبي أن لا اخبر به غير عترتي" . [8]

ونقل الكفعمي في (المصباح) عن الإمام الرضا، الدعاء التالي حول (صاحب الزمان): "... اللهم صلِّ على ولاة عهده والأئمة من بعده".[9]

وروى الطوسي : أن رسول الله (ص) قال لعلي:" يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما، ومن بعدهم اثنا عشر مهديا، فأنت يا علي أول الاثني عشر الإمام ... ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا". [10]

وعندما نشأت فكرة تحديد عدد الأئمة، بعد القول بوجود وغيبة " محمد بن الحسن العسكري" كاد الشيعة الامامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر، إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول: بأن عدد الأئمة ثلاثة عشر، وقد نقلها الكليني في "الكافي".[11] وَوُجدت في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونُسِبَ الى "سليم بن قيس الهلالي" حيث تقول إحدى الروايات: ان النبي قال لأمير المؤمنين : "أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق" . وهذا ما دفع هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب، حفيد أبى جعفر محمد بن عثمان العمري، (الذي كان يتعاطى الكلام) لأن يؤلف كتابا في الإمامة، يقول فيه : إن الأئمة ثلاثة عشر. ويضيف الى القائمة المعروفة (زيد بن علي) كما يقول النجاشي في (رجاله) .

وقد ذكر المؤرخ الشيعي المسعودي (توفي سنة 345 هـ ) في "التنبيه والاشراف":" أن أصل القول في حصر عدد الأئمة باثني عشر ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه" .[12]

وكان "كتاب سليم" هذا، قد ظهر في بداية القرن الرابع الهجري، وتضمن قائمة بأسماء الأئمة الاثني عشر، التي يقول عنها : إنها كانت معروفة منذ عهد رسول الله، وانه هو الذي قد أعلنها من قبل. وأدى ظهور هذا الكتاب الى تكوّن الفرقة "الاثني عشرية" في القرن الرابع الهجري.. ثم بدأ الرواة يختلقون الروايات شيئا.. فشيئا . وذكر الكليني في (الكافي) سبع عشرة رواية ، ثم جاء الصدوق بعده بخمسين عاما ليزيدها الى بضع وثلاثين رواية.. ثم جاء تلميذه الخزاز ليجعلها مائة رواية!

وكان اعتماد الكليني والنعماني والصدوق في قولهم بالنظرية "الاثني عشرية" على كتاب سليم الذي وصفه النعماني:" بأنه من الأصول التي يرجع اليها الشيعة ويعولون عليها". ولكن عامة الشيعة في ذلك الزمان كانوا يشكون في وضع واختلاق كتاب سليم، وذلك لروايته عن طريق الكذاب المشهور (محمد بن علي الصيرفي أبو سمينة) والغالي الملعون (أحمد بن هلال العبرتائي). وقد قال ابن الغضائري :" كان أصحابنا يقولون : إن سليماً لا يُعرف ولا ذكر له... والكتاب موضوع لا مرية فيه، وعلى ذلك علامات تدل على ما ذكرنا ".[13] وقد ضعّف الشيخ المفيد (كتاب سليم) وقال:" إنه غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس، فينبغي للمتدين أن يتجنب العمل بكل ما فيه، ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته، وليفزع الى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد".[14] وانتقد الشيخ المفيدُ الصدوقَ، على نقله الكتاب واعتماده عليه، وعزى ذلك الى منهج الصدوق الأخباري، وقال عنه:" إنه على مذهب أصحاب الحديث، في العمل على ظواهر الألفاظ والعدول عن طرق الاعتبار، وهذا رأي يضرّ صاحبه في دينه، ويمنعه المقام عليه عن الاستبصار".[15]

ومن هنا فقد اعترض الزيدية على الامامية وقالوا:" إن الرواية التي دلّت على أن الأئمة إثنا عشر، قولٌ أحدثه الامامية قريباً، وولّدوا فيه أحاديث كاذبة" . واستشهدوا على ذلك بتفرق الشيعة بعد وفاة كل إمام الى عدة فرق وعدم معرفتهم للإمام بعد الإمام، وحدوث البداء في إسماعيل ومحمد بن علي، وجلوس عبد الله الأفطح للإمامة، وإقبال الشيعة اليه، وحيرتهم بعد امتحانه، وعدم معرفتهم الكاظم حتى دعاهم الى نفسه، وموت الفقيه زرارة بن أعين دون معرفته بالإمام . [16]

وقد نقل الصدوق اتهاماتهم للامامية بإحداث النظرية "الاثني عشرية" في وقت متأخر، ولم ينفِ التهمة ولم يردّ عليها، وإنما برر ذلك بالقول: " إن الامامية لم يقولوا : إن جميع الشيعة بما فيهم زرارة كانوا يعرفون الأئمة الاثني عشر". ثم انتبه الصدوق الى منزلة زرارة وعدم إمكانية جهله بأي حديث من هذا القبيل، وهو أعظم تلامذة الإمامين الباقر والصادق، فتراجع عن كلامه وقال باحتمال علم زرارة بالحديث وإخفاءه للتقية، ثم عاد فتراجع عن هذا الاحتمال وقال:" إن الكاظم قد استوهبه من ربه لجهله بالإمام، لأن الشاك فيه على غير دين الله ". [17]


أ - مناقشة الأحاديث السنية

وإضافة الى ذلك فان الأحاديث التي استعان بها أنصار "الاثني عشرية" كانت ضعيفة جدا من حيث المتن والسند، حيث يلاحظ:
أولا: أن الروايات السنية تتحدث عن أثني عشر "خليفة" أو "أميرا" يملك المسلمين، أي بمعنى: الحاكم المعروف، أو: الرئيس، وليس الخليفة بالمفهوم الإمامي بمعنى وصي الرسول ، وهو الذي قصده السائل والمجيب، وبالتالي فإن تلك الأحاديث لا تنطبق على أئمة الشيعة الذين لم يحكم منهم سوى الإمام علي وابنه الحسن.
ثانيا: أن تلك الروايات لا تحدد عدد الخلفاء بعد النبي، وليست بصدد تبيان هذا الموضوع، وإنما هي تتحدث عن النصر للأمة إلى فترة انتهاء اثني عشر خليفة. أو وقوع بعض الأمور كالهرج والمرج، والنقف والنفاق، بعد الاثني عشر.
ثالثا: أن تلك الأخبار لا تعدد الأئمة أو الخلفاء بالتسلسل العمودي إبناً فإبناً كما هو في نظرية (الإمامة الاثني عشرية) وبالتالي فقد تنطبق على عدد من الخلفاء القرشيين من مختلف البيوت ، وبأي شكل جاؤا.
رابعا: أن تلك الأخبار المروية عند السنة لا يلتزم أحد منهم بمضمونها، وإن حسَّنها بعضهم سندا فهي ضعيفة متنا، ولا مصداق خارجي لها .. ويحتمل أن يكون الأمويون قد اختلقوها لمكافحة الحركات الثورية الشيعية في بداية القرن الثاني الهجري، واتهامها بالهرج. أو يكون البعض قد اختلقها لتصوير انهيار الدولة الأموية مع انحطاط الخليفة الثاني عشر: الأموي وليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي كان يشرب الخمر فمقته الناس لشربه الخمر وخرجوا عليه وقتلوه
خامسا: أن الروايات السنية، ومن بعدها الشيعية، لا تنطبق على الأئمة "الاثني عشر" أبدا، لأنهم ببساطة ليسوا "اثني عشر" وإنما "أحد عشر" حيث لم يثبت شرعا ولا تاريخيا ولادة ووجود ابن للإمام الحسن العسكري.
سادسا: أن الشيعة الإمامية لم يعترفوا بصحة تلك الروايات طوال القرنين الثاني والثالث، ولم يذكروها في كتبهم.

ب - مناقشة الروايات الشيعية

وأما الأحاديث الشيعية حول "الاثني عشرية" فإنها أيضا ضعيفة من حيث المتن والسند، ولا تشكل أية حجة، لأنها واردة عن طريق الفرقة "الإثني عشرية" وهم متهمون بوضعها واختلاقها لدعم مذهبهم الجديد، في القرن الرابع الهجري.[18] ولذلك لا حجية فيها ولا تشكل دليلا شرعيا على حصر الأئمة في عدد معين، فضلا عن ضعف نظرية "الإمامة الإلهية لأهل البيت" من أساسها، وعدم ثبوت تبني "الأئمة" أنفسهم لها، كما بينا في الفصول الماضية.
إن الشك بأحاديث الفرق، المؤيدة لنفسها، كان شكا منهجيا معقولا اتبعه حتى الاثني عشرية أنفسهم في نقدهم للفرق الأخرى. فقد رفض الشيخ الطوسي في "الغيبة" أحاديث صحيحة يرويها ثقاة "الواقفية" الذين لا يشك بصدقهم، لأنهم متهمون بجر النار إلى قرصهم ومحاولة تأييد مذهبهم ، فقال:" أما ما ترويه الواقفة فكلها أخبار آحاد لا يعضدها حجة ، ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها ، ومع هذا فالرواة مطعون عليهم ، لا يوثق بقولهم ورواياتهم ، وبعد هذا كله فهي متأوّلة".[19] وقال في رد خبر أورده علي ابن أبي حمزة : "هذا خبر رواه ابن أبي حمزة وهو مطعون عليه وهو واقفي".[20] وأضاف:" إذا كان أصل هذا المذهب (الوقف) أمثال هؤلاء كيف يوثق برواياتهم أو يعوّل عليها؟..واما ما روي من الطعن على رواة الواقفة فأكثر من ان يحصى وهو موجود في كتب أصحابنا".[21] وقال أيضا:"والطعون على هذه الطائفة اكثر من أن تحصى ...فكيف يوثق بروايات هؤلاء القوم؟..وهذه أحوالهم وأقوال السلف فيهم ، ولولا معاندة من تعلق بهذه الأخبار التي ذكروها لما كان ينبغي أن يصغى إلى من يذكرها".[22]

وإذا أردنا استخدام منطق الطوسي نفسه فانه يمكن القول إن الروايات التي يوردها أصحاب النظرية "الاثني عشرية" كلها أخبار آحاد لا يعضدها حجة ولا يمكن الادعاء بالعلم بصحتها ، ومع هذا فالرواة مطعون عليهم، لا يوثق بقولهم ورواياتهم ، لأنهم يجرون النار إلى قرصهم ، ثم إن رواياتهم أخبار متأولة.

ومع ذلك فان تلك الأحاديث ضعيفة بمقاييس علم الدراية والرجال عند "الاثني عشرية" أنفسهم، فهي متناقضة أو مرسلة أو مروية عن ضعاف أو كذابين أو غلاة أو مهملين أو مجهولين أو مختلقين، أو تحتوي على أساطير صارخة أو تخالف الحقائق التاريخية الثابتة. وخصوصا: انها مروية في فترة الحيرة التي أعقبت وفاة الإمام الحسن العسكري سنة 260 ، وينهونها عادة إلى رجال من الفرق الشيعة الأخرى كالكيسانية أو الواقفية أو الزيدية أو الفطحية أو غيرهم ممن لا يؤمن بالإمامة أصلا، فضلا عن "الاثني عشرية". وذلك من اجل الإيحاء بصدورها وتأييدها من قبل الخصوم.[23]
وإذا نظرنا في الروايتين الأوليين (رواية جابر والخضر)[24] فسوف نجد أنهما لا تحددان الأئمة في إثني عشر، وإنما تذكران أسماء إثني عشر منهم فقط، ولا تذكران ماذا سوف يحدث بعد الثاني عشر، هل تنتهي الدنيا؟ أم تستمر الإمامة في عقبه؟ كما كان يقول بعض الشيعة الإمامية حتى أواسط القرن الرابع الهجري (كالشيخ محمد بن علي الصدوق في "إكمال الدين") . وأن (رواية جابر) متناقضة في كثير من النقاط مع رواية الصدوق لها، مما ينبئ بوضعها واختلاقها والتلاعب بها من قبل الرواة. حيث يقول محمد بن علي الصدوق:" لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع) عند الوفاة دعا بابنه الصادق فعهد إليه عهدا فقال له أخوه زيد بن علي بن الحسين :
ـ لو امتثلت فيّ تمثال الحسن والحسين لرجوت أن لا تكون أتيتَ منكرا ، فقال :
ـ يا أبا الحسن إن الأمانات ليست بالتمثال ، ولا العهود بالرسوم وإنما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى ، ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له : يا جابر حدثنا بما عاينت في الصحيفة ؟ فقال له جابر:
ـ نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة لأهنئها بمولود الحسن فإذا هي صحيفة بيدها من درة بيضاء ، فقلت: يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك ؟ قالت فيها أسماء الأئمة من ولدي، فقلت لها : ناوليني لأنظر فيها، قالت : يا جابر لولا النهي لكنت افعل لكنه نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي ، ولكنه مأذون لك ان تنظر إلى باطنها من ظاهرها .. قال جابر : فقرأت فإذا فيها:
أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى أمه آمنة بنت وهب .
أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
أبو محمد الحسن بن علي البر .
أبو عبد الله الحسين بن علي التقي أمهما فاطمة بنت محمد .
أبو محمد علي بن الحسين العدل أمه شهربانويه بنت يزدجرد ابن شاهنشاه .
أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، أمه فاطمة بنت الحسن بن علي.
أبو عبد الله جعفر بن محمد، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
أبو ابراهيم موسى بن جعفر الثقة أمه جارية اسمها حميدة .
أبو الحسن علي بن موسى الرضا أمه جارية اسمها نجمة .
أبو جعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية اسمها خيزران .
أبو الحسن علي بن محمد الأمين أمه جارية اسمها سوسن .
أبو محمد الحسن بن علي الرفيق أمه جارية اسمها سمانة وتكنى بأم الحسن .
أبو القاسم محمد بن الحسن هو حجة الله على خلقه القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين" .[25]

وكما يلاحظ فإن رواية الكليني تقول: إن نزول اللوح حدث في ميلاد الحسين بينما تقول رواية الصدوق : إنه نزل في ميلاد الحسن.
وتقول رواية الكليني : إن الصحيفة كانت خضراء كأنها زمرد، بينما تقول رواية الصدوق : إنها درة بيضاء .
وتقول رواية الكليني : إن الزهراء قد أعطت جابر الصحيفة فقرأها واستنسخها ، بينما تقول رواية الصدوق: إنها رفضت أن يمسها، وسمحت له أن ينظر إلى باطنها من ظاهرها.
ويختلف نص رواية الكليني تماما وبشكل جوهري عن نص رواية الصدوق .
وتذكر رواية الكليني أسماء الأئمة الاثني عشر من دون ذكر أسماء أمهاتهم ، بينما تذكر رواية الصدوق أسماء الأمهات وأسماء آباء أمهات خمس أو ست أئمة فقط ولا تذكر أسماء آباء أمهات بقية الأئمة الآخرين الذين كانت أمهاتهم جواري. وفي هذا أيضا ما يدل على الوضع، فلو كانت الصحيفة من الله لذكر أسماء أمهاتهم وآبائهم.
وتقول رواية الكليني: إن الباقر طلب من جابر أن يحدثه بقصة اللوح، في أحد أيام حياته العادية، وانه مشى إلى بيت جابر، بينما تقول رواية الصدوق: إن الباقر دعا جابر لرواية القصة على مسامع زيد الذي اعترض على وصية الباقر للصادق، عند احتضاره سنة 114 أو 116 هـ. علماً بأن الإمام الصادق لم يدرك جابر بن عبدالله الذي توفي سنة 73 أو 78 ، حيث ولد بعده بسنوات (في سنة 83).
وإضافة إلى ذلك تقول رواية الكليني: "إن الله قد وضع أعباء النبوة على علي الرضا". وهذه فكرة من أفكار الغلاة .
وهناك عدة أسئلة مثيرة أخرى على الرواية بصورة عامة.. منها: أن الله تعالى لم ينزل القرآن الكريم مكتوبا في صحيفة، فكيف أنزل هذا اللوح بهذه الصورة؟ ..ولماذا لم يحتفظ أهل البيت بهذه "الزمردة السماوية" ويعرضوها أمام الناس لتكون أكبر دليل على إمامتهم؟ وهل كان أمر اللوح سريا؟ أم علنيا؟ فإذا كان سريا، فكيف علمه جابر؟ ولماذا أخبرته فاطمة الزهراء به؟ وإذا كان علنيا، فلماذا لم يعرف بقية المسلمين بالخبر؟ خاصة وأنه كان في السنة الرابعة للهجرة، ولماذا لا توجد أية إشارة إلى أن الأئمة قد تحدثوا عن هذا اللوح السماوي أو استشهدوا به في يوم من الأيام ؟
وهذا ما يثبت اختلاق هذه القصة في عصر "الحيرة" بعد تكّون النظرية "الاثني عشرية" في القرن الرابع الهجري.

ومما يؤكد اختلاق قصة اللوح والقائمة المسبقة ، الحديث الذي يرويه الكليني عن الإمام الباقر حول وصية السيدة فاطمة الزهراء والتي جاء فيها :"بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله (ص) أوصت بحوائطها السبعة: العواف، والدلال، والبرقة، والميثب، و الحسنى، والصافية، وما لأم إبراهيم إلى على بن أبى طالب ، فان مضى علي فإلى الحسن فان مضى الحسن فإلى الحسين فان مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي. شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وكتب على بن أبى طالب".[26] ولم تسم الزهراء في هذه الوصية أسماء الأئمة القادمين، أو الإثني عشر، وإنما تركت الوصية مفتوحة في الأكبر من ولدها.
وأما (رواية الخضر) فهي أيضا عجيبة غريبة، وتدعي اختبار الخضر للإمام علي وعدم معرفته مسبقا أنه إمام، وسؤاله أسئلة لا علاقة لها بالإمامة. إضافة إلى أن الرواية لم تثبت نسبتها إلى أبي هاشم الجعفري، حيث يحتمل أن تكون من أناس متأخرين، وحتى إذا ثبتت فهي ضعيفة وتحتمل الاختلاق منه، لعدم معرفة الأئمة السابقين وعامة الشيعة بها خلال القرون الثلاثة الأولى الماضية، واختلافهم عقب كل إمام للجهل بخليفته، وسؤالهم كل مرة من كل إمام مَن خليفته بعده؟
ونظراً لوجود الشك المعقول والمعتبر بهذه الرواية، فقد حاول راويها (محمد بن يحيى) أن يرقعها فقال إنه عبر عن شكه للراوي الثاني: (محمد بن الحسن الصفار) بالراوي الثالث (أحمد بن أبي عبد الله) ، وسأله: يا أبا جعفر وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة (أحمد بن أبي عبد الله) قال: فقال: لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين. [27]
وأما رواية سليم بن قيس عن عبد الله بن جعفر الطيار فهي تنضح بالأساطير من كل جانب، إذ أن شخصية سليم نفسها في محل شك، ويحتمل أن يكون مختلقا وشخصية أسطورية، ورواياته ضعيفة عند الشيعة أنفسهم، وهو ينقلها عن عبد الله بن جعفر الذي كان صغيرا في زمان رسول الله، هو والحسن والحسين فكيف يشهدهم؟ ثم إن الرواية تقحم اسم معاوية وأن عبد الله بن جعفر قال له الحديث، في محاولة لإعطاء الحديث مصداقية أكبر، ويعود سليم ليقول إنه سمع ذلك من سلمان وأبي ذر والمقداد وذكروا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله (ص). [28]

وأما حديث أبي الطفيل الذي يقول أنه شهد الإمام علي يقول ليهودي:" يا هاروني إن لمحمد اثني عشر إمام عدل" فهو بالإضافة إلى ضعف السند، يعاني من ضعف المتن، حيث يقول إن الإمام علي كان يتحدث مع يهودي حول الأئمة الإثني عشر، في حين كان ينبغي عليه أن يتحدث معه حول الإسلام، ثم يضيف بأن اليهودي قد صدقه وذكر أنه وجد أسماءهم في كتب هارون.[29] وهذا من الخيال الذي لا يوجد في أي نسخة من التوراة، وإذا كان ذلك صحيحا فلماذا لم يسلم اليهودي من قبل؟ علما بأن أبا الطفيل كان كيسانيا، قبل تبلور نظرية الإمامة في ذرية فاطمة.

وكذلك رواية الأشباح الأسطورية، الموضوعة من قبل الغلاة، والتي لا يوجد عليها أي شاهد من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو أحاديث أهل البيت الصحيحة.

وأما رواية الأوصياء الإثني عشر للنبي محمد (ص)، فهي تحاول استخدام القياس الباطل على ما تدعيه من وجود أوصياء إثني عشر للنبي عيسى (عليه السلام) . [30] وهذا غير ثابت وغير صحيح، حيث لم يكن له اثنا عشر وصيا وإنما كان له اثنا عشر صحابيا، والفرق بينهما كبير، ومن ثم لا يصح القياس.

وأما رواية الملائكة الذين استأذنوا ربهم بإهلاك الخلق عند قتل الحسين، فهي رواية عن الله تعالى دون سند من نبي أو رسول، ويكفيها بذلك كذبا واختلاقا.

وأما رواية ابن عباس عن "الأئمة المحدَّثين"، فهي مرفوضة لأنها تتحدث عن نزول الملائكة على الأئمة بعد النبي. وقد بينا ضعف هذه الروايات وتناقضها مع القرآن الكريم وخاتمية النبي محمد (ص) في فصول سابقة.

وربما كانت رواية عودة النبي للحياة وتحدثه مع أبي بكر ومطالبته بإعادة الخلافة للإمام علي، من أبرز الأمثلة على الوضع والاختلاق، وكأن النبي لم يكتف بإبلاغ الناس في حياته حتى جاء يوعظ أبا بكر بعد وفاته. ومع ذلك فإنها لم تكتف بقول النبي له:" يا أبا بكر آمن بعلي" وإنما أضافت "وبأحد عشر من ولده".[31]

وأما روايات زرارة فيكفي للكشف عن كذبها واختلاقها، موت زرارة حائرا دون أن يعرف الإمام بعد الصادق، باعتراف الإمامية ومشايخ الإثني عشرية، وقد ذكرناه من قبل.

وإضافة إلى ذلك فإن الكليني نفسه، ينقل في "الكافي" عن سليم بن قيس الهلالي أحاديث تذكر أن عدد الأئمة ثلاث عشر. وأن رسول الله (ص) قال:" إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم يُنظروا". [32] وأنه قال: " من ولدي اثنا عشر نقيبا، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملاها عدلا كما ملئت جورا". [33] وهذا ما يضعف حديث "الإثني عشرية".



تقييم سند روايات "الإثني عشرية" الشيعية

هذا ويلاحظ أن في روايات الكليني (- 329) مجموعة من الكذابين والغلاة والمجاهيل ، وعلى رأسهم :
1 ـ محمد بن الحسين بن سعيد الصائغ ، الضعيف الغالي.
2 ـ سهل بن زياد ، الكذاب الشهير.
3 ـ الحسن بن العباس بن الحريش ، الكذاب الغالي الكبير.
4 ـ أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، الغالي الضعيف.
5 ـ علي بن ابراهيم ، الغالي الضعيف.
6 ـ احمد بن محمد بن خالد ، الضعيف .
7 ـ معلى بن محمد ، المضطرب الضعيف.
8 ـ أبو علي الاشعري ، المجهول.
9 ـ الحسن بن عبيد الله ، المجهول.
10 ـ عبدالله بن محمد الخشاب ، المجهول.
بينما يوجد في روايات الصدوق ( ـ 381 ) حوالي عشرين مصدرا رئيسيا من الرواة الغلاة والضعاف والكذابين ، من أمثال:
1 ـ سهل بن زياد.
2 ـ الحسن بن العباس بن الحريش.
3 ـ جعفر بن محمد بن مالك الفزاري.
4 ـ احمد بن محمد بن خالد
5 ـ علي بن احمد الكوفي ، المخمس الغالي
6 ـ محمد بن الحسن الصفار
7 ـ يعقوب بن يزيد
8 ـ علي بن عاصم
9 ـ حمزة بن محمد القزويني
10 ـ سعد بن عبدالله
11 ـ محمد بن همام
13 ـ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب
14 ـ جعفر بن محمد بن مسرور
15 ـ احمد بن الحسن القطان
16 ـ أبو زيد محمد بن يحيى بن خلف
17 ـ الحسن بن موسى الخشاب
18 ـ عبدالله بن مسلم الدمشقي ، مدعي الوكالة عن المهدي
19 ـ احمد بن محمد بن أبي عمير
20 ـ عبدالله بن جعفر الحميري
وإذا نظرنا إلى رواة أحاديث "الإثني عشرية من خلال كتب الرجال الشيعية الإثني عشرية، فسوف نجد ما يلي:
1- محمد بن احمد بن يحيى بن عمران بن عبدالله بن سعد بن مالك الاشعري القمي أبو جعفر.
الطوسي في الفهرست: اخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا ...إلا ما كان فيه من تخليط ...
و النجاشي: ان أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن اخذ ... وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من روايته ما رواه عن : محمد بن موسى الهمداني، أو عن رجل، أو يقول : بعض أصحابنا ، أو عن محمد بن يحيى المعاذي، أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، أو عن أبي عبد الله السياري ، أو يوسف بن السخت ، أو وهب بن منبه ، أو أبي علي النيشابوري ، أو محمد بن علي أبو سمينة ، أو يقول : في حديث أو في كتاب ولم اروه ، أو سهل بن زياد الآدمي ، أو محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ، أو أبو يحيى الواسطي ، أو احمد بن هلال، أو محمد بن علي الهمذاني، أو عبد الله بن محمد الشامي، أو عبد الله بن احمد الرازي، أو احمد بن الحسين بن سعيد ، أو احمد بن بشير الرقي ، أو محمد بن هارون ، أو ممويه بن معروف ، أو محمد بن عبد الله بن مهران ، أو الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، أو جعفر بن محمد مالك ، أو يوسف بن الحارث ، أو عبد الله بن محمد الدمشقي ..

وهو يروي عن: محمد ابن الحسين بن سعيد الصائغ ( - 269) الضعيف الغالي، الذي يقول عنه ابن الغضائري: كوفي غال ضعيف لا يتلفت إليه. ويقول النجاشي: ضعيف جدا، قيل انه غال .

2- سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي
يقول عنه النجاشي: كان ضعيفا في الحديث غير معتمد فيه ، وكان احمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب ، وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها.كما ضعفه الطوسي في الفهرست وقال: ضعيف . وقال ابن الغضائري: كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب ، وكان احمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه من قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه والرواية ، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل. وضعّفه العلامة الحلي في الخلاصة وجملة من كتبه الفقهية كـ (المنتهى) و ( المختلف ) وغيرهما. وضعّفه ابن داود في (رجاله) . وقال المامقاني: (التضعيف) هو المشهور بين الفقهاء وأصحاب الحديث وعلماء الرجال .

3 - عبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعي
النجاشي: بصري ضعيف غال ليس بشيء ، له كتاب المزار ، سمعت ممن رآه فقال لي: وهو تخليط .
ابن الغضائري: ضعيف مرتفع القول ، وله كتاب في الزيارات ما يدل على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذاّبة أهل البصرة.
4- الحسن بن العباس بن الحريش الرازي ..
النجاشي: ضعيف جدا ، له كتاب :(إنا أنزلناه في ليلة القدر) وهو كتاب رديء مضطرب الألفاظ .
ابن الغضائري: ضعيف روى عن أبي جعفر الثاني فضل (إنا أنزلناه في ليلة القدر) كتابا مصنفا فاسد الألفاظ تشهد مخايله على انه موضوع ، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه.

5- معلى بن محمد البصري :
النجاشي : مضطرب الحديث والمذهب
ابن الغضائري : ان حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء .
6- محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى ( ـ 280) :
النجاشي: ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد انه قال ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه .
وقال الكشي مشككا فيه : انه اصغر من ان يروي عن ابن محبوب ( -224) وقال : يونسي ضعيف.
وقال الطوسي في الفهرس : ضعيف استثناه أبو جعفر ابن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال : لا اروي ما يختص بروايته، وقيل انه كان يذهب مذهب الغلاة .
وهو يروي عن الأصم المسمعي الضعيف الغالي .

7- محمد بن الفضيل .
الكشي: ضعيف يرمى بالغلو .
8- علي بن ابراهيم وأبوه .. يونسيان غاليان ضعيفان يقولان بتحريف القرآن (كما في تفسير القمي) المنسوب إليه .[34]
وقد أهمل علماء الرجال هاذين الرجلين ، إلا ان النجاشي يوثق علي بن ابراهيم ، ومع ذلك فانه يقول عنه: ان له كتابا يعرف بـ:(المشنّد) والله اعلم أنه مضاف إليه .

9- سليم بن قيس الهلالي ..
ابن الغضائري : ينسب إليه الكتاب المشهور باسمه، وكان أصحابنا يقولون: ان سليما لا يعرف، ولا ذكر في خبر ، وقد وجدت ذكره في مواضع من غير جهة كتابه ولا رواية أبان بن أبي عياش ..والكتاب موضوع لا مرية فيه ، وعلى ذلك علامات تدل على ما ذكرنا منها ما ذكر أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت ، ومنها أن الأئمة ثلاث عشر ، وغير ذلك .

وأسانيد هذا الكتاب تختلف تارة برواية عمر بن أذينة عن ابراهيم بن عمر الصنعاني عن أبان بن أبي عياش عن سليم ، وتارة عن عمر عن أبان بلا واسطة .
ويقول الشيخ المفيد: " ان هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره وقد حصل فيه تخليط وتدليس فينبغي للمتدين ان يجتنب العمل بكل ما فيه ولا يعول على جملته والتقليد لروايته، وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد والله الموفق للصواب" .[35]

10- احمد بن محمد بن خالد البرقي ( ـ 280) :
النجاشي: روى عن الضعفاء واعتمد المراسيل.
ابن الغضائري: طعن القميون عليه وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروي عنه فانه كان لا يبالي عمن أخذ على طريقة أهل الأخبار ، وكان احمد بن محمد بن عيسي أبعده عن قم ثم أعاده إليها واعتذر إليه.
الطوسي في الفهرس: كان ثقة في نفسه غير انه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، وصنّف كتبا كثيرة منها (المحاسن) وغيرها ، وقد زيد في (المحاسن) ونقص ...

11- عبدالله بن القاسم ..البطل الحارثي الحضرمي :
الكشي والنجاشي والطوسي وابن الغضائري : كذاب غال ضعيف واقفي متهافت ! متروك الحديث معدول عن ذكره.

12- أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري..
وهو ضعيف وله أحاديث شاذة كثيرة وغلو وأساطير.
ويقول عنه الكشي: يقال فيه ارتفاع ، ورواياته تدل على ذلك ، وكان مقدما عند السلطان (!) وكان يدعي انه سفير صاحب الزمان .

وأما روايات الصدوق ففيها من الرواة الغلاة والضعفاء ما يلي:
13- المفضل بن عمر .. الغالي المفوض الملعون على لسان الصادق، الضعيف .
الكشي: ذكرت الطيارة الغالية في بعض كتبها عن المفضل انه قال: لقد قتل مع أبي إسماعيل (يعني أبا الخطاب) سبعون نبيا ...
ابن الغضائري: ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي ، وقد زيد عليه شيء كثير وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ، ولا يجوز ان يكتب حديثه .
النجاشي: فاسد المذهب ، مضطرب الرواية لا يعبأ به وقيل انه كان خطابيا ، وقد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها..والرواة له مضطربو الرواية.
14- محمد بن الحسن الصفار .. وهو غال ضعيف
15- محمد بن علي الصيرفي ، ويكنى أبا سمينة :
وقد قال الكشي عنه: قال حمدويه عن بعض مشيخته انه رمي بالغلو ، ونقل عن الفضل بن شاذان قوله: كدت أقنت على أبي سمينة محمد بن علي الصيرفي ، وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه الكذابين المشهورين وقال: وأبو سمينة أشهرهم .
وقال ابن الغضائري عنه: انه كذاب غال دخل قم واشتهر أمره بها ونفاه احمد بن محمد بن عيسى الاشعري ، وكان شهيرا بالارتفاع لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه .
وقال الطوسي في الفهرست: له كتب ...اخبرنا بذلك جماعة عن ...محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الصيرفي إلا ما كان فيها من تخليط أو غلو أو تدليس أو ينفرد به ولا يعرف من غير طريقه .
وقال النجاشي: انه ضعيف جدا فاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء ، وكان ورد قم واشتهر بالغلو فجفي ، وأخرجه احمد بن محمد بن عيسى عن قم وله قصة ...
16- محمد بن خالد البرقي :
الذي قال عنه النجاشي: انه كان ضعيفا في الحديث .
وقال عنه ابن الغضائري: ان حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء كثيرا ويعتمد المراسيل.
17- احمد بن هلال الكرخي العبرتائي ( ـ 267 )
الذي كان من أركان النظرية (المهدوية الاثني عشرية ) وأيّد وكالة العمري ، ولكنه رفض الاعتراف بوكالة ابنه محمد بن عثمان العمري وخرج فيه (توقيع) باللعن وكان غاليا ومتهما في دينه، كما يقول الكشي والطوسي والنجاشي .
18- جعفر بن محمد مالك الفزاري ..
الذي يقول عنه ابن الغضائري : انه كذاب متروك الحديث جملة ، مرتفع ، يروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه ، روى أعاجيب في ولادة المهدي .
ويقول عنه النجاشي: انه كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل وكان فاسد المذهب والرواية.
19- محمد بن سنان
الذي يروي عنه الصيرفي . وهو لا يقل عنه غلوا وكذبا وتدليسا .
وقد قال عنه الكشي: قال حمدويه: كتبت أحاديث محمد بن سنان عن أيوب بن نوح ولا استحل ان أروي أحاديث ابن سنان ..فانه قال قبل موته :كل ما حدثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية ، إنما وجدته ، وقال الفضل بن شاذان : لا استحل ان اروي أحاديث محمد بن سنان ، وذكر في بعض كتبه : ان من الكذابين المشهورين ابن سنان .
وقال ابن الغضائري: ضعيف غال لا يلتفت إليه .
وقال الطوسي في الفهرست: له كتب وقد طعن عليه وضعّف ...وجميع ما رواه إلا ما كان فيه تخليط وغلو اخبرنا بها جماعة ...
وقال النجاشي: هو رجل ضعيف جدا لا يعوّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرد به ...
20- داود بن كثير الرقي :
ابن الغضائري: فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت إليه .
النجاشي: ضعيف جدا والغلاة تروي عنه ، قال احمد بن عبد الواحد: قلّ ما رأيت له حديثا سديدا.
21- يونس بن ضبيان :
الكشي: متهم غال ، وقد لعنه أبو الحسن الرضا ألف لعنة تتبعها ألف لعنة كل لعنة منها تبلغه قعر جهنم.[36]
ابن الغضائري : غال وضاع للحديث لا يلتفت إلى حديثه .
النجاشي : ضعيف جدا لا يلتفت إلى ما رواه ، كل كتبه تخليط .
22- بكر بن صالح الرازي
الذي يقول عنه ابن الغضائري: انه ضعيف جدا كثير التفرد بالغرايب روى عنه ابراهيم بن هاشم. ويقول عنه النجاشي: ضعيف ، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا يختلف باختلاف الرواة. وإن أمره كان ملبسا يعرف وينكر.
23- أمية بن علي القيسي
الذي يقول عنه ابن الغضائري: ضعيف الرواية ، في مذهبه ارتفاع . ويقول عنه النجاشي: ضعّفه أصحابنا .
24- عبدالله بن الحكم الأرمني ،
الذي يقول عنه النجاشي: انه ضعيف ، ويقول عنه ابن الغضائري:ضعيف مرتفع القول ، وأهمله الطوسي ولم يذكره الكشي .
25- أبي علي احمد بن علي الرازي الأيادي
الذي يقول عنه ابن الغضائري: انه كان ضعيفا وكان في مذهبه ارتفاع ، وحديثه يعرف تارة وينكر أخرى وهو متهم بالغلو .
ويقول عنه الطوسي في الفهرست: لم يكن بذلك الثقة في الحديث ، ويتهم بالغلو وله كتاب:(الشفاء والجلاء في الغيبة) .
ويقول عنه النجاشي: قال أصحابنا لم يكن بذاك وقيل فيه غلو وترفع.
26- أبي الخير صالح بن أبي حماد الرازي ،
الذي يقول عنه ابن الغضائري : انه ضعيف .
ويقول النجاشي: كان أمره ملبسا يعرف وينكر .
27- الحسين بن القاسم بن محمد بن أيوب بن شمون أبو عبد الله الكاتب ، الذي يضعفه علماء الرجال ماعدا ابن الغضائري الذي يوثقه ولكنه يبحث فيمن يروي عنه ،
28- أبو عبد الله العاصمي ، الذي كان من أقطاب النظرية (الاثني عشرية) في عهد الحيرة.
29- سعد بن عبد الله الاشعري القمي
وهو من أركان النظرية (الاثنى عشرية) ومؤسسيها، وأحد الذين يتهمون بوضع الروايات المؤيدة لذلك ، خاصة وانه يرسل إلى : احمد بن محمد ، الذي يرسل بدوره إلى: عمر بن أذينة .

نقد وتقييم كتاب : (كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر)

ويروي أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي ـ وهو من علماء القرن الرابع ومن تلامذة الصدوق ـ في كتابه:"كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر" حوالي مائة رواية عن الرسول الأعظم محمد (ص) والأئمة الأحد عشر حول موضوع : "الاثني عشرية" و "المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن العسكري" .
ويظهر من الروايات التي يوردها الخزاز انه كان يميل إلى الفرقة التي تحرم ذكر اسم المهدي ، وتكتفي بالإشارة إليه بـ :" الحجة بن الحسن" حيث لم يرد في جميع الروايات التي ذكرها اسم المهدي (محمد) صريحا سوى بضع مرات. وذلك خلافا لشيخه الصدوق، ووفاقا لجيل النواب الأربعة الذين كانوا يحرمون التصريح باسم المهدي .
ومع أن الخزاز كان متأخرا عن الصدوق والكليني والنعماني فانه قد نقل في كتابه: "كفاية الأثر" من الروايات حول ( المهدي الثاني عشر ) اكثر ممن سبقه ، وهذا أمر يدعو للشك والريبة والتساؤل عن مدى صحة تلك الروايات ..
وقد كان أول من انتبه إلى هذا الأمر الخزاز نفسه، حيث حاول أن ينفي الشك بها بادعاء التواتر أولاً، وعدم إمكانية اتفاق صحابة رسول الله الذين ينقل عنهم شطرا من الروايات على الكذب. بالرغم من أن الشك وأصابع الاتهام ليست موجهة إلى الصحابة وإنما إلى الجيل المتأخر من أصحاب نظرية "الإمامة الاثني عشرية" ولكنه حاول أن يحرف الاتهام فقال:" تأملوا رحمكم الله ان هؤلاء الرواة من أجلاء أصحاب النبي (ص) وخيار العترة والتابعين الذين نقلوا عنهم هذه الأخبار في النصوص على الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم ، عن النبي (ص) هل يجوز على أمثالهم افتعال الكذب وهم متباعدو الهمم والأوطان مختلفو الآراء والديانات، مع اتفاقات المعاني والعبارات المختلفات ، وهم عدد كثير وجمّ غفير ، وقد استوفوا جميع شرائط التواتر (...) ثم رأيناهم مجتمعين على تلقي الأخبار التي وردت بالنص على ان الإمام فلان ثم فلان بالقبول..كلا ولا يجوز على أمثالهم افتعال الكذب" .[37]

ويقول:" ولو جاز على أمثالهم افتعال الكذب لجاز لقائل من البراهمة ان يقول: إذا كانت الامامية ـ وحالهم في دهرنا الحال التي نعرف ـ وقد استوفوا جميع شرائط التواتر، ثم كانت أخبارهم التي رووها عندكم لم تكن لها اصل ، وإنما افتعلوها محبة لأئمتهم ، فلم أنكرتم قولنا وتعجبتم منا لما زعمنا ان المسلمين يحيلون فيما يحكون من براهين نبيهم على السراب ويريدون ان يطموا ( يطمسوا) نور الشمس ، وهذه أخبار افتعلوها لنبيهم ؟ فلا بد في هذا من أحد أمرين: أما الاعتراف بصحة أخبار الامامية في النصوص على الأئمة الاثني عشر فيصح بصحتها مذهبهم ، أو الانقياد للبراهمة ، ليس بين الحق والباطل واسطة يمكن التعلق بها ، واثبات الإمامة أحسن من نفي النبوة ، والحمد لله".[38]

وهكذا يخـيِّرنا الخزاز بين قبول روايات "الاثني عشرية" دون أن يسمح لنا بمناقشتها أو القول إنها كانت مختلقة من الجيل السابق، أو القبول بقول البراهمة في نفي صحة الروايات التي تتحدث عن رسول الله ، والتي يجمع عليها المسلمون ، كأنه يريد أن يقول : إن مستوى التواتر في الموضوعين واحد فإذا شككنا في روايات الاثني عشرية فلابد أن نشكك في روايات الرسول ، وذلك بالرغم من وجود فارق كبير بين الموضوعين ، وقد سمعنا أقوال العلماء السابقين كالصدوق وغيره في وصف روايات الاثني عشرية بالآحاد. ومع ذلك فإن الخزاز يعود فيقول:" فان قال قائل: فلمَ لم ينقل هذه الأخبار أسلافنا ولم يثبتوها في كتبهم؟ ولم ينشروها في الآفاق حتى سمعناها كما سمعتم فرويناها كما رويتم؟.. أَوَ يجوز على العدد الكثير وعلى من يتواتر به الخبر أن يكتموا خبرا يحتاج إليه الأمة أشدّ حاجة؟..وهو في الأمر العظيم الخطير الشريف ، وقد توعدوا على كتمانه ووعدوا على إذاعته ، للأسباب التي ذكرتم؟ فان قلتم: نعم ، قلنا: وإذا جاز عليهم الكتمان لخبرٍ هذا سبيله ، لتلك الأسباب ، فلم لا يجوز عليهم تعمد الكذب فيما أحسوا وعاينوا ؟..وما الفرق بين الكتمان والكذب؟".. وفي الجواب على ذلك يقول بعد أن يقسم الكتمان إلى عدة أنواع:" صح بما وصفناه أن الكتمان يجوز وقوعه على وجه لا يجوز وقوع الكذب عليه". [39]
ويعود الخزاز مرة أخرى في كتابه لمناقشة الشكوك التي تعتري رواياته فيهرب أيضا من مناقشة احتمال الوضع من قبل المتأخرين لكي ينفي الوضع من قبل "الأئمة" ، مع أن التهمة في الحقيقة هي ليست موجهة إلى الأئمة وإنما إلى جماعة من المتأخرين ، فيقول: "هذه أسعدك الله أحاديث الرواة ننقلها عن الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم) ونص بعضهم على بعض ، على موافقة أحاديث الصحابة في النصوص على الأئمة ...فكيف يجوز ويصح في العقل بتواطؤ جماعة مختلفي الآراء والهمم متباعدي الديار والأوطان، وفيهم جماعة من أهل بيت الرسول ، وهم عند جميع الأمة بررة أتقياء ، وعند بعضها معصومون من الخطايا والزلل على وضع أحاديث افتعلوها لكي يغالطوا الناس ويشككوهم في أمر هؤلاء؟..هذا مما لا يجوز في العقل ولا يصح في التقدير ، لأن الله تعالى لا يمدح المذمومين وقد مدحهم في مواضع كثيرة باتفاق الأمة.
فتأملوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فضل ما بين خبر الصدق والكذب إذ كان مثل هذا الحديث لا يجوز ان يكون موضوعا مفتعلا كما قدمنا ذكره".[40]

وعلى أي حال، وبالإضافة إلى كل تلك الشكوك التي كانت تحيط بكتاب (كفاية الأثر) منذ يوم صدوره، وبالإضافة إلى اعتماده على مجموعة من الرواة الكذابين والغلاة والمجهولين والمهملين والمتهمين بالوضع والمختلفة أسماؤهم حسب اختلاف النسخ، فان الكتاب لم يصلنا مرويا ومسندا، ولا توجد منه إلا نسخة قديمة مخطوطة بقلم مؤمن بن عبد الجواد الكاظمي، ومؤرخة بيوم الاثنين غرة شهر شعبان سنة ست وثمانين بعد الألف، وهي موجودة في مكتبة السيد المرعشي النجفي في قم في إيران، ونسخة أخرى مخطوطة بقلم تاج الدين بن عبدالله بن سليمان الفقيه ومؤرخة: عصر يوم الأربعاء عاشر ذي قعدة الحرام لسنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، منقولة عن نسخة اقدم نسخت في سنة أربعة وأربعمائة. وهي موجودة في مكتبة السيد جلال الدين المحدث الأرموي في طهران .
وذلك حسبما يقول محقق الكتاب السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري الخوئي في مقدمته للكتاب. دون أن يثبت صحة التواقيع والخطوط والتواريخ الموجودة على هذه النسخ.
وهذا ما يفقد الكتاب أية قيمة روائية، ويفتح المجال أمام التشكيك بكل رواياته، ولذلك أعرضنا عن مناقشتها ومناقشة سندها لعدم الحاجة الماسة إلى ذلك، وعدم تشكيلها أية حجة يمكن الاعتماد عليها.

وهكذا الحال مع روايات الصدوق في: "إكمال الدين" والطوسي في: "الغيبة" حيث انها بحاجة إلى إثبات صدورها عن راوييها الصدوق والطوسي، فإن كتابيهما "إكمال الدين" و"الغيبة" ليسا من الثقة بمكان قوي كالكتب الأربعة (الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب والاستبصار) التي رويت شيخا عن آخر، حيث لا توجد لهما سلسلة رواية تامة ومتواصلة، وهذا ما يفتح باب الاحتمال بالتلاعب في رواياتهما وأسانيدهما، ومن هنا فان أحاديثهما لا تصبح حجة على أحد.
وإذا وضعنا هذه النتائج الحديثية إلى جانب الروايات والحقائق التاريخية السابقة عن إيمان الإمامية بامتداد الإمامة إلى يوم القيامة، حسبما ظهرت وتبلورت في القرنين الثاني والثالث الهجريين، فسوف نحصل على نتيجة واضحة باختلاق نظرية "الإثني عشرية" في القرن الرابع الهجري، بعد وصول نظرية الإمامة الإلهية إلى طريق مسدود، في أعقاب وفاة الإمام الحسن العسكري، دون أن يشير إلى وجود ولد له يحمل راية الإمامة، ودون أن يتحدث حول مصير الإمامة من بعده.

3 – نقد فلسفة العصمة

يعتقد الشيعة "الإمامية" بأن الأئمة يجب أن يكونوا معصومين من قبل الله تعالى عن اقتراف الذنوب أو الأمر بالمعصية، كمقدمة للقول بأنهم معينون من قبل الله تعالى. وذلك بناء على مبدأ الإطلاق في الطاعة لولي الأمر، وعدم جواز أو إمكانية النسبية فيها، كتحديد الطاعة في الطاعات فقط والرد على الإمام ورفض إطاعته في المعاصي والمنكرات لو أمر بها، والأخذ على يده عند ظهور فسقه وانحرافه. وهو المبدأ الذي كان الحكام الأمويون المنحرفون يدأبون على ترويجه ومطالبة المسلمين بطاعتهم على أساسه طاعة مطلقة في الخير والشر، وهو ما أوقع متكلمي "الامامية" في شبهة التناقض بين ضرورة طاعة الله الذي يأمر بطاعة أولى الأمر في الآية الكريمة:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". النساء 59 ، وضرورة طاعة الحكام بصورة مطلقة حتى في المعاصي والمحرمات.[41]

ولكن مبدأ اشتراط "العصمة" في الإمام، كان مبدأ حادثاً، مرفوضا من قبل أهل البيت وعموم الشيعة ، وهو لم يثبت من إطلاق الآية الشريفة، التي قد تفهم أيضا على أساس النسبية، بل إن هذا ما يوحي به العرف والعقل والآيات الأخرى في القرآن الكريم، التي تؤكد على مبدأ :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ". ومع إن آية (أولي الأمر) كانت تنطبق على أولي الأمر والولاة والقادة الذين كان يعينهم الرسول الأكرم في حياته، فإن المسلمين الأوائل لم يكونوا يفهمون منها : معنى الإطلاق ، والطاعة لأولي الأمر حتى في المعاصي والمنكرات، وقد رفضت جماعة من المسلمين كان الرسول الأكرم قد أرسلها في سرية وأمّر عليها رجلا، طاعة ذلك الرجل عندما أمر الجماعة في وسط الطريق بدخول نار أشعلها، وطالبهم بالامتثال لأوامره، وقالوا له: لقد فررنا من النار فكيف ندخل فيها. وفهموا الطاعة في حدود العرف والعقل والشرع، وليس خارج ذلك، وعادوا فأخبروا الرسول بما فعل القائد، فأقرّهم على موقفهم العقلاني، وحذرهم قائلا: لو دخلتم فيها للبثتم فيها.

وهذا ما يؤيد إمكانية الفهم النسبي لآيات القرآن الكريم في حدود العقل والعرف والسيرة والشرع، وعدم جواز فهمها فهما مطلقا دائما حتى في حالات التعارض مع أحكام أخرى عقلية أو شرعية .

وإذا انتفى الإطلاق وثبتت النسبية في الطاعة لأولي الأمر؛ لا تبقى حاجة الى اشتراط العصمة في الإمام، ويمكن للمسلمين انتخاب قائد لهم على أساس العدالة الظاهرية والتقوى والكفاءة، ليطبق لهم الدين ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وإذا انحرف هذا القائد (الإمام) فان لهم الحق في عصيانه ومخالفة أوامره وإسقاطه عن منصب الإمامة، ولا طاعة له من الله في أعناقهم. ولكن المتكلمين الامامية رفضوا النسبية رفضا مطلقا وأصروا على مفهوم الإطلاق من الآية، وبنوا نظريتهم في "العصمة" على هذا الأساس، ثم أقاموا سائر المقولات على قاعدة العصمة.[42]

وكانت المشكلة الكبرى التي واجهت "الامامية" في عملية بناء نظرية "الإمامة الإلهية" وتركيبها على أئمة أهل البيت، تكمن في موقف أهل البيت أنفسهم من "العصمة ". حيث كانوا يرفضونها أشد الرفض، ويصرحون أمام الناس بأنهم أناس عاديون قد يخطئون وقد يصيبون وأنهم ليسوا معصومين من الذنوب، ويطالبون الناس بنقدهم وإرشادهم واتخاذ موقف المعارضة منهم لو صدر منهم أي خطأ أو أمروا بمنكر لا سمح الله. وهذا هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبى طالب يقف في مسجد الكوفة ويخاطب الجموع قائلا****: "إن من حق من عظُم جلال الله في نفسه وجلَّ موضعه من قلبه أن يصغر عنده ، لعظم ذلك، كلُ ما سواه ، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه اليه، فانه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما. وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أنى أحب الإطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك. ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء. وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء، لإخراجي نفسي إلى الله واليكم من البقية في حقوق لم افرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها. فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فانه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه .. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطيء ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني. فإنما أنا وانتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى".[43]

وفي خطبة أخرى يتحدث فيها الإمام أمير المؤمنين عن الخارجي (الخريت ابن ناجية) ومحاولاته السابقة لدفع الإمام لقتل واعتقال عدد من زعماء المعارضة، وقول الإمام له ولعموم الناس: إن من واجبهم الوقوف أمامه، ومنعه إذا أراد هو أن يفعل ذلك ، والقول له : "اتق الله!".

ولم يكن الإمام علي ليقول لهم ذلك، لو كان هناك أي حديث عن العصمة في أوساط الأئمة والشيعة والمسلمين ، وذلك لأن هالة العصمة تحتم أن يضع الإمام نفسه فوق النقد وأن يحرِّم المعارضة أو التجرؤ بتوجيه النصح والمشورة إليه، وهذا ما لم يكن يفعله الإمام علي الذي ضرب أروع الأمثلة في التواضع والمساواة .. ومطالبة أصحابه بأداء دورهم السياسي والديني في مراقبة الإمام وتقويمه.

ويقول في دعاء له: " اللهم اغفر لي ما أنت اعلم به مني ، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي، ولم تجد له وفاء عندي. اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني، ثم خالفه قلبي. اللهم اغفر لي رمزات الالحاظ وسقطات الألفاظ وشهوات الجنان وهفوات اللسان".[44]

ويستعرض الإمام أمير المؤمنين في مكان آخر صفات الحاكم وشروطه، فلا يذكر من بينها العصمة، حيث يقول:" ...إنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم وإمامة المسلمين : البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل، فيضلهم بجهله، ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول، فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ، ولا المعطل للسنة، فيهلك الأمة".[45] ويقول في خطبة أخرى:" أيها الناس: إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه".[46]

وينقل الصدوق قصة عن السيدة فاطمة الزهراء تنافي نظرية العصمة التي كان يقول بها المتكلمون ، حيث يروي : أن الإمام علي بن أبى طالب انفق ذات مرة أموال مزرعة باعها حتى لم يبق لديه درهم واحد، فاحتجت فاطمة الزهراء على ذلك و أمسكت بثوبه، فنزل جبرائيل واخبر النبي فذهب إليها وقال: ليس لك أن تمسكي بثيابه ولا تضربي على يديه فقالت: إني استغفر الله ولا أعود أبدا.[47] كما يذكر الشريف الرضي في :"خصائص الأئمة": أن الحسن استعار قطيفة من بيت المال فغضب عليه الإمام أمير المؤمنين وقال له: "يا أبا محمد النار.. يا أبا محمد النار" حتى خرج بها. [48]

وكذلك لم يشر الإمام الحسين الى موضوع "العصمة" في رسالته التي أرسلها الى أهل الكوفة مع سفيره مسلم بن عقيل، وإنما طرح ضرورة اتصاف الحاكم بشروط التقوى والالتزام بالعمل بالكتاب والدين، فقال:" فلعمري .. ما الإمام إلا العامل بالكتاب الحابس نفسه على الله القائم بالقسط والدائن بدين الله ".[49]

ونقل الإمام الباقر حديثا عن رسول الله (ص) حول شروط الحاكم، فلم يذكر منها العصمة، حيث قال: قال رسول الله (ص):" لا تصلح أمتي إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي ، حتى يكون لهم كالوالد الرحيم". وفي رواية أخرى:" حتى يكون للرعية كالأب الرحيم".[50] مما يشير الى أن الإمامة تصلح لعامة الناس بهذه الشروط‍‌.

وقد قال الإمام الصادق: " والله ما نحن إلا عبيد ... ما نقدر على ضرّ ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته، وان عذبنا فبذنوبنا، والله مالنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة، وانا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون ومسئولون .. أشهدكم أنى امرئ ولدني رسول الله وما معي براءة من الله ، إن أطعت رحمني وان عصيته عذبني عذابا شديدا".[51]

وهناك روايتان يذكرهما الصدوق عن الإمام الرضا حول عصمة الأنبياء ، يقول إن الإمام تحدث بهما عند المأمون ، ولم يشر في هذه المناسبة الى عصمة الأئمة.[52] مما يكشف عن عدم تبني أهل البيت لنظرية العصمة وعدم ظهور أحاديث كهذه في تلك الأيام إلا عند الامامية والغلاة من الشيعة وبصورة سرية.. ولو كان لحديث العصمة أية أرضية عند أهل البيت لتحدث الإمام الرضا عنها، وهو كما يقال كان يتحدث عن الإمامة بصراحة وجرأة ولم يكن يخشى الخليفة العباسي المأمون الذي اصبح وليا لعهده .. فلماذا تحدث الإمام الرضا فقط عن عصمة الأنبياء ولم يتحدث عن عصمة الأئمة ؟ ‍

وبالرغم من وضوح موقف أهل البيت من دعوى العصمة، وتأكيدهم على الطبيعة البشرية العادية، واستغفارهم لله، فان المتكلمين الإمامية حاولوا الالتفاف على ذلك وقاموا بتأويل الروايات الثابتة والنافية للعصمة، بأنها: صادرة عن الأئمة في مقام التعليم لعامة الناس، أو أنها صادرة تقية، وقاموا الى جانب ذلك برواية مجموعة من الروايات التي تدعي العصمة بصراحة وتشترطها في الإمام أو الأئمة من أهل البيت، وهي روايات ضعيفة وغامضة وغير ذات دلالة .

هناك حديث مرسل عن الإمام زين العابدين، يقول فيه:" لا يكون الإمام منا إلا معصوما، وليست العصمة ظاهرة من ظواهر الخلقة لتعرف بين عامة الناس، وإنما هي الاعتصام بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، والقرآن يهدي الى الإمام ".[53] وبغض النظر عن مناقشة هذا الحديث غير المسند، المنسوب الى الإمام زين العابدين، فإنه يفسر العصمة بالاعتصام بحبل الله وهو القرآن، ولا يتحدث عن طوق مفروض من الله حول الإمام يمنعه من ارتكاب المعصية كما يقول المتكلمون.

وهناك حديث آخر عن الإمام الصادق يفسر "المعصوم" بأنه: الممتنع بالله من جميع محارم الله. وقد قال الله تبارك وتعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم) آل عمران 101 ،[54] وهو ما يفيد أيضا نفس معنى الرواية الآنفة عن الإمام زين العابدين.

هذا وقد روى الصدوق في "إكمال الدين" عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين أنه قال:" إن الله طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وجعلنا مع القرآن ، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا". وروى أيضا في : "عيون أخبار الرضا" عن عبد الله بن عباس ، قال: سمعت رسول الله يقول:" أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون". ونقل المجلسي في "بحار الأنوار" عدة أحاديث قال : إنها تنسب الى سليم بن قيس الهلالي ولا توجد في كتابه، وذكر منها حديثا يقول****: " إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية". وهذه الأحاديث لا قيمة علمية لها لأنها غير مسندة ولا ثابتة. وهناك رواية مطولة ينفرد بذكرها الصدوق عن الإمام الرضا يتحدث فيها بصراحة **** عن عصمة أهل البيت، وأفضليتهم وخصائصهم.[55] ولكن تلك الرواية ضعيفة السند، واحتمال وضعها كبير، وذلك لأن الصدوق يرويها عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب (المهمل) و جعفر بن محمد بن مسرور (المهمل كذلك) و الريان بن الصلت (الضعيف) الذي كان من أعوان الفضل بن سهل، وعدم إسناد حديثه الى أحد ومن دون أن يدعي الحضور والسماع، ولذا لم ينقلها أحد قبل الصدوق الذي جاء في منتصف القرن الرابع الهجري. وإضافة الى ذلك فهي تشتمل على القول بتحريف القرآن حيث تضيف الرواية: " ****ورهطك المخلصين" الى آية: " ****وانذر عشيرتك الأقربين" و تدعي أنها محذوفة من القرآن الكريم ، وهذا قول كان يقول به الغلاة وينسبونه الى الأئمة، وكان الأئمة دائما يتبرءون منه ويرفضونه. إن الرواية تعتمد على منهج التأويل والتأويل التعسفي في بعض الأحيان ، ومع أنها تحاول أن تثبت العصمة والطهارة لأهل البيت وعدم الردة أو الرجوع الى الضلال أبدا، فإنها لم تتوقف قليلا لكي تشرح من هم أهل البيت؟..بعد حصرهم بأولاد النبي والإمام علي بن أبى طالب، من دون دليل قوي وواضح، مع إن هؤلاء كانوا مختلفين فيما بينهم وكان أولاد كل إمام يصطرعون فيما بينهم ويدعي كل واحد منهم أنه الإمام والأحق بعد أبيه، ويتهم الآخرين بالكذب والنفاق والانحراف والضلال. وتكشف الرواية الموضوعة عن محاولات "الإمامية" لتأويل القرآن بما يتلاءم مع نظريتهم الجديدة والغامضة حول عصمة الأئمة.

4- حل عقدة "الولاية"

إن الكثير من الشيعة "الإمامية" المعاصرين يعتبرون أن ما يميزهم عن غيرهم هو "الولاء لأهل البيت" أو "الأئمة الاثني عشر". وذلك بناء على التراث الإمامي الذي يصور "الولاية" كأصل من أصول الدين، وأهم ركن من أركانه بعد التوحيد والنبوة والمعاد. وبالرغم من أن هذا موضوع نظري تاريخي ولا يتعلق بموقف سياسي من أئمة معاصرين، إلا انه يشكل آخر ما بقي من نقاط خلاف بين "الشيعة الإمامية" وغيرهم من المسلمين. ولذلك يجدر بنا التوقف عند ذلك التراث ونقد وتحليل تلك الروايات الواردة عن الباقر والصادق في موضوع الولاية، والتأكد مما إذا كانت حقا من أقوالهما أو من صنع الغلاة الذين كانوا يدورون حولهما.

لقد ذكر "الإمامية" أحاديث كثيرة عن الباقر والصادق حول موضوع "الولاية" و"الإمامة الإلهية". ولكن يجب أن نطبق قواعد الشك المنهجي عليها جميعا، وذلك:

أولاً: لأن الطريق إليها ضعيف وهي أخبار آحاد. ولا يمكن أن نطلق عليها صفة "التواتر" لوجود الشك الكبير بصحتها.

ثانيا: إن الكثير من تلك الروايات ينضح بالقول بتحريف القرآن، ويدعي سقوط كلمات وجمل من بعض الآيات، وهذا يكفي دليلا على سقوط تلك الروايات.

ثالثا: إن الكثير من تلك الروايات يعتمد التأويل التعسفي للقرآن بلا دليل.
رابعا: إن تلك الروايات لا تشكل أية حجة، حتى إن ثبت صدورها عن (الباقر والصادق) لحصول الدور الباطل، حيث أنها تحاول إثبات مكانة خاصة للأئمة، وتوجب التسليم بهم، قبل أن تتحقق تلك المكانة التي توجب القبول منهم.
خامسا: لوجود الشك بالأحاديث الواردة عن طريقهم والمنسوبة إلى النبي (ص) ، سواء بالنسبة لسند تلك الروايات، وعدم ورودها عن النبي عن طريق مستقل ثابت، وعدم الاعتراف بصحة وشرعية كل ما ينسب إلى النبي دون سند، مما يوجب التوقف فيها وعدم قبولها منهم، ولاحتمال اختلاقها من قبل الإمامية لتأكيد المذهب ووجود المصلحة السياسية فيها، وهذا أمر لا يتعلق بالباقر والصادق، وإنما بكل رجل ينسب حديثا مرسلا للنبي دون سند رغم وجود فاصلة بعشرات السنين بينه وبين النبي، فإذا جاء – مثلا - رجل حنفي وروى أحاديث عن رسول الله تمدح الإمام أبا حنيفة، أو جاء رجل مالكي أو حنبلي أو شافعي وروى كل واحد منهم ما يدعم مذهبه ويمدح إمامه، فإننا نشك بحديثه ونتهمه بالوضع، خصوصا إذا كان يروي الحديث عن إمام مذهبه الممدوح، وهكذا إذا جاء شيعي وروى عن إمامه عن رسول الله بما يدعم مذهبه ويمدح إمامه فإننا نشك بحديثه ونرفضه. ولا نريد أن نتهم الإمام الباقر أو الصادق بالكذب والعياذ بالله، ولكننا نتهم الرواة عنهم في أجواء الصراع المذهبي ومحاولة كل فريق دعم إمامه ومذهبه. ونقول : إنه لا يمكن التصديق بالأحاديث التي تؤسس لنظرية "الولاية" لمجرد ورودها عن الأئمة، بل لا بد من بنائها على أساس القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية التي لا يشك بها أحد من المسلمين.

سادسا: إن الكثير من تلك الروايات يتعارض مع القرآن الكريم الذي لا يجعل الولاية لأهل البيت شرطا من شروط الإيمان بالله تعالى. على العكس من الحديث المروي عن الباقر عن رسول الله (ص) أنه قال: من أحب أن يحيى حياة تشبه حياة الأنبياء، ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء، ويسكن الجنان التي غرسها الرحمن؛ فليتولَّ عليا وليوالِ وليَه وليقتد بالأئمة من بعده، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي.. وويل للمخالفين لهم من أمتي، اللهم لا تنلهم شفاعتي".[56] والأحاديث المشابهة له.[57] وكحديث أبي حمزة الثمالي عن الباقر الذي يتحدث عن رسول الله (ص): عن الله تبارك وتعالى: أنه يقرن طاعة النبي بطاعة الأئمة، ومعصيته بمعصيتهم، ولو صح هذا الحديث لأنزل الله فيه قرآنا، وهو ما لم يحصل.

سابعا: إن الكثير من تلك الروايات يتناقض مع التاريخ الإسلامي والشيعي، كالحديث الذي يقول بأن جبرئيل قد نزل على الرسول بأسماء الأئمة وأسماء آبائهم وأحبائهم والمسلِّمين لفضلهم.[58] وهذا ما ليس له أثر في كل تاريخ أهل البيت الذين لم يكونوا يعرفون الأئمة منهم بوضوح ، فضلا عن معرفة أسماء أحبائهم والمسلِّمين لفضلهم.

ثامنا: وصول نظرية الإمامة إلى طريق مسدود، واصطدامها بالواقع، وانهيارها وانقراضها.

لقد كانت نظرية "الإمامة الدينية العلمية والسياسية لأهل البيت" نظرية حادثة في القرن الثاني الهجري، وقد صعب على الشيعة قبل غيرهم هضمها وقبولها، كما تعترف الروايات التي تتحدث عن "صعوبة حديث آل محمد" واشمئزاز الشيعة منه.[59]

ونحن نميل إلى اختلاق بعض أصحاب الأئمة لنظرية "الإمامة" ومحاولة تمريرها باسمهم، ثم تأليف أحاديث على لسان الباقر والصادق، على لسان رسول الله (ص) بصعوبة حديث آل محمد، وإجبار الشيعة على التسليم لتلك النظرية وقبولها. ونبني شكنا بتلك الأحاديث على عدة أمور، منها: أنها مرسلة من قبل الباقر والصادق إلى رسول الله بدون سند، ولأنها شاذة وتخالف روح القرآن والإسلام، فما هو حديث آل محمد المفترض؟ ولماذا هو صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان؟ مع إن الإسلام ميسَّر واضح لا أسرار فيه، وهل يعقل أن يكون حديث آل محمد مرفوضا من الملائكة غير المقربين أو الأنبياء غير المرسلين أو عباد الله العاديين؟ ومتى كان رسول الله يتحدث بحديث تشمئز منه القلوب وتنكره العقول؟ ولماذا يعتبر رد الأحاديث الضعيفة غير المعقولة والصعبة والشاذة كفراً ؟

وتعبر الأحاديث التالية القائمة على تأويل القرآن بصورة تعسفية عن محاولة يائسة لتطويع الشيعة ودفعهم للتسليم والتصديق والطاعة، كتأويل قوله تعالى " ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا" بالتسليم .[60] أو تأويل "المؤمنون" بأنهم المسلِّمون.[61] أو تأويل "الطريقة" بولاية علي بن أبي طالب والأوصياء من ولده، و"الاستقامة" بالطاعة.[62] وكذلك الادعاء باختلاف إيمان أبي ذر عن إيمان سلمان، إلى درجة استعداد أبي ذر لقتل سلمان " لو علم ما في قلبه" لتبرير صعوبة حديث آل محمد.

وإذا جئنا إلى رسالة الإمام الصادق المزعومة للشيعة فسنجد فيها اعتبار "ولاية الأئمة شرطا من شروط الإيمان الذي لا يتم إيمان عبد إلا به". وهو ما يتناقض مع القرآن الذي لا يشترط سوى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر للفوز في الآخرة، وإذا كان القرآن يأمر بطاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر، كما في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا". النساء، 59 فإن القرآن لم يحدد من هم أولي الأمر؟ ولذلك فقد تنطبق الآية على عمال النبي في حياته، كما قد تنطبق على الأئمة الذين تنتخبهم الأمة، أو على العلماء بصورة عامة، ولا دليل على تخصيص الآية بآل محمد، وبالبيت العلوي ثم البيت الحسيني، ثم الباقري ثم الجعفري ثم الموسوي، وهكذا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، وإنما هو ادعاء وتأويل دون دليل واضح أو متين، وجاءت الرسالة لتعتبر طاعة الأئمة (من آل محمد) من طاعة الله، ومعصيتهم من معصية الله، وذلك اعتمادا على تأويل قوله تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" بالأئمة من أهل البيت. [63] وتمضي الرسالة في تأويل القرآن بصورة تعسفية فتقول:"من سرَّه أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه (ص) قل: "إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"؟ والله لا يطيع اللهَ عبدٌ أبداً إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا ، ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين". [64]

وبالرغم من حدة الرسالة وشدتها في تأسيس الولاء لأهل البيت، فإنها لا تقدم دليلا سوى القسم المكرر بالله. ومن البديهي أن القسم لا ينفع في تأسيس عقيدة ولا إقناع محاور.
وتلجأ الرسالة المنسوبة للإمام الصادق، إلى استخدام آية " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" لتطالب الشيعة بالتسليم للأئمة، و تهدد من يعترض على الله والرسول، بالشرك.[65] ثم تربط بين التسليم لله والرسول والتسليم للأئمة من آل محمد في جميع الأقوال " فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني".[66]
ونربأ بالإمام الصادق أن يستخدم هذا المنطق في فرض الولاء والطاعة والتسليم له، إذ لا يمكن أن يقنع عامة المسلمين بالاستسلام له دون دليل وبناء على مجرد الدعوى والتأويل التعسفي للقرآن، وذلك لأن النبي محمد (ص) لم يدعُ المسلمين إلى طاعته إلا بعد أن قدم لهم معجزته الخالدة القرآن الكريم، فكيف يمكن أن يأتي أي أحد ليحشر نفسه بين الله والنبي دون دليل قاطع وواضح وأكيد؟
وهذا ما يدفعنا إلى الشك بتلك الرسالة المزعومة المنسوبة إلى الإمام الصادق، ورفضها بقوة.
وإذا انتقلنا إلى الحديث الذي ينقله الكليني عن الباقر عن رسول الله (ص) والذي يقول فيه:"إن الروح والراحة والفلج والعون والنجاح والبركة والكرامة والمغفرة والمعافاة واليسر والبشرى والرضوان والقرب والنصر والتمكن والرجاء والمحبة من الله عز وجل لمن تولى عليا وائتم به، وبريء من عدوه، وسلم لفضله وللأوصياء من بعده، حقا علي أن أدخلهم في شفاعتي، وحق على ربي تبارك وتعالى أن يستجيب لي فيهم، فإنهم أتباعي ومن تبعني فإنه مني".[67] فانا نلاحظ أيضا أنه مرسل من الباقر إلى الرسول ، وهو ما يدفعنا كذلك للتوقف والتساؤل عن مدى حجية أحاديث الأئمة المرسلة التي تؤسس لنظرية "الإمامة الإلهية". والمفروض أننا لم نتوصل بعدُ إلى إثبات مكانتهم الخاصة التي تفرض علينا التسليم لأقوالهم .

ومن الملاحظ أن بعض الأحاديث المنسوبة للإمام محمد الباقر، مروية عن أبي خالد الكابلي، الذي كان عضوا بارزا في الحركة الكيسانية المغالية، ثم انتقل إلى صفوف حزب الإمام الباقر، وأخذ ينسج الروايات الخيالية الأسطورية عن الأئمة وعلمهم بالغيب، وتحدثهم عن الله تعالى، مثل هذا الحديث الذي يرويه عن الباقر عن الله بلا واسطة:" والله لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر". [68]

ويقول حديث آخر منسوب إلى الباقر: بأن الحجاج أُمروا أن يطوفوا بالكعبة، ثم ينفروا إلينا فيُعلِمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم. ويستشهد بآية: "واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" ليقول أنها تعني حب الأئمة والاهتداء إليهم؟.[69] ولكن الآية غير صريحة بل بعيدة عن الدعوة لتقديم الولاية لأهل البيت، إلا بتأويل متعسف، وحاشا أئمة أهل البيت أن يتلاعبوا بالقرآن بهذه الطريقة لإقناع الناس بتقديم الولاء لهم.

وهكذا هو الحديث عن آية "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد". (السبأ، 46) التي يقوم حديث منسوب إلى الباقر بتأويلها بالولاية:" إنما أعظكم بولاية علي، هي الواحدة التي قال الله تبارك وتعالى " إنما أعظكم بواحدة".[70] كما يئول آية " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين". [71] وآية " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم" بالولاية.[72] وهذا منتهى التعسف في التأويل، ونربأ بالإمام الباقر أن يكون قد قال ذلك، بل نحتمل قويا أن تكون الرواية موضوعة على لسانه. وإذا قبلنا منطق التأويل بهذه الصورة فلا يمكن أن نحد عملية التأويل بأية حدود، وسوف نسمح لكل من يريد التلاعب بالقرآن أن يفعل ما يشاء.

بيد أن عملية التأويل التعسفي تستمر – مع الأسف - هكذا بلا حدود، وينقل الرواة عن أبي جعفر الباقر أنه أوَّل أيضا "الصراط المستقيم" بالولاية.[73] وأنه كان يقول بتحريف القرآن ، وأنه أضاف كلمة (في علي) أو (بموالاة علي) أو (آل محمد) وأقحمها في عدد من آيات القرآن الكريم، وقال:" هكذا نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد (ص)". [74] وهذه دعوى لا تستحق النقاش لأنها تتعارض بصراحة مع القرآن الكريم ، وقد أمر أئمة أهل البيت بضرب أية رواية تتعارض مع القرآن عرض الجدار.

وبعد تهافت عمليات التأويل ودعاوى التحريف في القرآن، نصل إلى نص منسوب إلى الإمام الباقر حول ولاية الإمام علي وأن "من عرفه كان مؤمنا، ومن أنكره كان كافرا، ومن جهله كان ضالا، ومن نصب معه شيئا كان مشركا، ومن جاء بولايته دخل الجنة".[75] وهو نص ينسجم مع نصوص أخرى مشابهة مروية عن الباقر حول مسألة الولاية وأنها ركن من أركان الإسلام.[76] ونحن لا نستطيع أن نقبل بهذه الروايات، مهما اعتبر البعض رجالها ثقاة، وذلك لأنها تتناقض مع روح القرآن الذي يدور حول الإيمان بالله والرسول، ولا يضيف إليهما أشخاصا آخرين من الصحابة، ولا يربط الإيمان والكفر والضلال والشرك بولاية الإمام علي، ونحسب هذا الحديث من صنع الغلاة المتطرفين من الإمامية.

وما يؤكد شكنا بنسبة كل هذه الأحاديث إلى أئمة أهل البيت، هو وجود الأحزاب الشيعية المتعددة والمتنافسة في زمن الباقر والصادق، والتي كان يمكن أن تطبق هذا المنطق على نفسها، وتدعي أن الولاء لها ركن من أركان الإسلام، فكيف يمكن أن يرد عليها أنصار الباقر والصادق؟ وكيف يحاجونها؟ وهل يطالبونها بالدليل؟ أم لا؟ وإذا كانوا يفعلون ذلك فكيف يمكن أن يتجرأ الإمام الباقر أو الصادق بادعاء أمر لا يملك عليه الدليل؟

وإن مما يهون الخطب في حل لغز هذه الروايات، هي معرفة الحركات المغالية التي كانت تنتشر في تلك الأيام، والتي كانت تلخص الدين وتعلق النجاة في الآخرة على معرفة رجال وبغض رجال، وتهون الأعمال الصالحة والعبادات التي جاء بها الإسلام، وتنسب مقولاتها إلى الأئمة من أهل البيت، حيث نجد بصماتها واضحة على أحاديث من هذا القبيل :" أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان". [77]

وفي الحقيقة لا نحتاج إلى أئمة أهل البيت لكي ينفوا هذا الحديث، وإنما يكفي أن نعرضه على القرآن لنكتشف أنه يتناقض معه بشدة، فقد أعلن القرآن ختم النبوة بمحمد (ص) ولم يشترط لقبول الأعمال أن تكون بدلالة أحد بعد النبي. والدعوى بلا دليل، ثم كيف يمكن أن نعرف ولي الله في كل زمان ومكان؟ وما هو الدليل على أن هذا الشخص مثلا هو الولي؟

وإن ما يدعونا لرفض مثل هذه الأحاديث هو ما تحتويه من أقوال شاذة تخرج عن إطار المنطق الإسلامي، مثل ما يروى عن الباقر من ربط مسألة الولاية والقبول بها بعوامل جينية تعود للطينة التي خلق منها الإنسان في "عالم الذر" وهو - كما يقال - عالم مثالي قبل عالم الأرض، أخذ الله فيه ميثاق الشيعة بالولاية لأهل البيت وهم ذر، يوم أخذ الميثاق على الذر، بالإقرار له بالربوبية ولمحمد (ص) بالنبوة. [78] كما يقول حديث غريب منسوب إلى الباقر مرسلا إلى الله تعالى دون سند من قرآن أو سنة نبوية، وينطوي على جبرية وتفاصيل أسطورية لا دليل عليها. مما يدفعنا للشك بصحة الحديث واتهام الغلاة باختلاقه ونسبته إلى الإمام الباقر.

وهكذا نشك ونتوقف ونرفض الأحاديث التي يرويها الإمامية عن الإمام جعفر الصادق في موضوع الولاء لأهل البيت، فهي كذلك تقوم على تأويل القرآن تأويلا تعسفيا، بما يخدم قضية التحزب والصراع السياسي وجمع الأعوان ومحاربة الخصوم.

وقد رأينا حديثا منسوبا إلى الصادق يدعو الشيعة إلى موالاة الأئمة اعتمادا على تأويل كلمة الأئمة في آية: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" (الأنبياء 73) بالأئمة من أهل البيت، رغم أن الآية تتحدث عن الأنبياء السابقين إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام) حيث يقول الله تعالى:"قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم. وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين. ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين. ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين". الأنبياء 69 - 73
ونلاحظ منهج التأويل أيضا في رواية أخرى ينقلها أبو الربيع الشامي عن الصادق أنه قال في آية "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" : نزلت في ولاية علي (ع). [79] دون تقديم أي دليل أو ذكر أي سند .
ونرى رواية أخرى عن الإمام يربط فيها بين طاعة الله واتباع الأئمة، اعتمادا على تأويل آية: "إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" التي تتحدث بلسان الرسول وتربط بين حب الله واتباع رسوله الكريم، فيحشر الإمام نفسه مع الرسول ويطالب الشيعة بطاعته ويحذر من معصيته.[80] وهذا بعيد جدا عن منطق الإمام الصادق.

وهناك حديث يرويه الإمامية عن الصادق عن رسول الله (ص) يدعو إلى طاعة أهل البيت و" إنهم لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى، من والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ". [81] ولكنه لا يصمد أمام التحقيق، لأنه من غير المعقول أبدا أن يأمر الله بطاعة قوم غير محددين فيهم الصالح والطالح، كأهل البيت الذين كانوا يضمون بيوتات وشخصيات مختلفة ومتصارعة، ويتهم بعضهم البعض الآخر بالانحراف والضلال، فكيف يقول الرسول عنهم بصورة عامة:" إنهم لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى"؟ وكيف يمكن التمييز بينهم ومعرفة المحق من المبطل؟ والصادق من الكاذب؟ وقد عمي ذلك على أهل البيت أنفسهم، فضلا عن الشيعة وعامة المسلمين؟!
ومع وجود الشك بالحديث؛ لا ينفع استخدام القَسَم لإثبات وجوب حب أهل البيت وموالاتهم، وإنما لا بد من تقديم الدليل الشرعي المرتكز على القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة، وهذا ما عجز ذلك الحديث عن تقديمه.

ورغم أن المعروف عن الإمام الصادق رفضه لمنهج القياس، وقوله :"إن أول من قاس إبليس" إلا أن بعض الأحاديث المنسوبة إليه تتضمن ممارسة القياس من أجل إثبات نظرية الإمامة ووجوب الولاء للأئمة، مثل الحديث الذي يقيس "عصيان" الأمة الإسلامية للإمام من أهل البيت، على معصية إبليس لله في السجود لآدم. [82] رغم وجود الفارق الكبير بين معصية إبليس لأمر الله المباشر، وعدم معرفة الأمة بالأئمة، لنقص الأدلة أو عدم وجودها أساسا.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الحديث يشبه حديثا سابقا منسوبا للإمام الباقر، استعرضناه قبل قليل. وهو يعتمد على تضخيم مسألة الولاية أكثر من سائر أركان الدين كالصلاة والزكاة والصوم والحج، واعتبارها من أهم شروط الإيمان.
ومن الواضح أن التصديق بهكذا أحاديث يؤدي إلى مساواة الكفر بالأئمة بالكفر بالله تعالى، واعتباره إلحادا يستحق العذاب الأليم.[83] وهذا بعيد جدا عن روح القرآن الكريم.

ولكن ما يدعونا إلى رفضها هو اعتمادها فقط على التأويل المتعسف دون أي دليل. وعندما كانت عملية التأويل تواجه صعوبةً ما في إثبات المطلوب، فان الغلاة كانوا يلجؤون إلى القول بتحريف القرآن وإضافة ما يشاءون إليه باسم الأئمة ، كما رأينا في الروايات التي تضيف (الولاية) إلى عدد من الآيات وتصرح بأن القرآن نزل هكذا، وتقسم على ذلك. [84]

ومما يؤكد وقوف الغلاة وراء اختلاق أحاديث "الولاية" ونسبتها كذبا وزورا إلى الإمام الصادق، هو ادعاؤهم: أخذ الله الولاية لأهل البيت من جميع الأنبياء السابقين، وحتى من الملائكة في السماوات، في محاولة منهم لإضفاء صفة البعد الديني الأزلي على موضوع الولاية وعدم الاقتصار على النظر إلى الأئمة كزعماء سياسيين ينافسون الحكام المغتصبين فقط. وهذا بعيد جدا عن منطق الصواب والحياد الذي لا ينبغي أن ينسب الى الإمام الصادق. ويكفي في الرد على تلك الروايات أنها تتحدث عن الغيب والتاريخ منذ بدء الخليقة، ولا تسند قولها إلى آية من القرآن الكريم، أو حديث ثابت عن النبي، وهذا منتهى الإسفاف في التقول على الله وأنبيائه العظام والأئمة الصالحين.
5 - إعادة تعريف مصطلح "الإيمان"
إن من المهم جداً إعادة تعريف مصطلح "الإيمان" الذي تعرض لتشويه كبير على يدي الغلاة الذين فرقوا بين الإسلام والإيمان، وعرَّفوه: بمعرفة "الإمامة" والإقرار بها "وإلا كان ضالا".[85] ومن الضروري التشكيك بكل ما يروى عن "الإمامية" عن رسول الله (ص) من اعتبار حب أهل البيت أساس الإسلام. [86] بحيث لو أن رجلا عبد الله عز وجل عمره أيام الدنيا ثم لقي الله مبغضا لهم كان منافقا.[87] أو اعتبار من يحب عليا ويعرفه ويطيعه مؤمنا، ومن يرفضه أو يجهله أو يحاربه كافرا.[88] وذلك لمخالفة هذه الأحاديث للقرآن الكريم الذي يوضح شروط الإيمان والفلاح في أول سورة البقرة ولا يشير إلى الموقف من أهل البيت سلبا أو إيجابا. ومع اعترافنا بفضل الإمام علي والصالحين من أهل البيت إلا أنه لا يوجد أساس قرآني لاعتبار الموقف منهم جزءا من شروط الإيمان.[89]

فكيف يمكن أن نساوي بين إنكار الله وإنكار أحد الأئمة [90]، مع أن الدليل عليهم أو على معظمهم كان منعدما أو غامضا حتى لأقرب المقربين منهم؟

ومن هنا لا يمكن اعتبار كل مَن ادعى الإمامة (من غير أهل البيت) كافرا.[91] أو مَن أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله كان مشركا بالله.[92] أو مَن نصب شخصا دون أهل البيت فهو ممن يعبد الله على حرف.[93] وأن من لم يعرفهم ولم يرد إليهم ولم يسلِّم إليهم مشركا حتى وإن صام وصلى وشهد أن لا إله إلا الله. [94]
وبعد التحرر من المصطلحات "الإمامية" الخاصة والقديمة، نستطيع تعديل موقفنا إيجابيا من الصحابة الذين لم يتبعوا عليا بعد وفاة رسول الله (ص) مباشرة، ولا نعتبرهم أهل ردة إلا ثلاثة (المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي).[95]
وبالنسبة لعصور ما بعد الصحابة، لا بد من مراجعةِ حديثٍ لعب ويلعب دورا سلبيا كبيرا في إشاعة التطرف والتكفير والتضليل، وهو حديث عبد الله بن عمر الذي رواه للحجاج عندما طلب منه أن يمد يده لبيعته، والذي نسبه إلى رسول الله (ص) أنه قال: "من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية". وبالرغم من أن عبد الله لم يقل فيما إذا كان الإمام عادلا أو ظالما، أو منتخبا من الأمة أو معينا من قبل الله، فقد استغله الإمامية لتكفير من لم يؤمن بالأئمة من أهل البيت واعتبار ميتته ميتة جاهلية، أو جاهلية كفر ونفاق وضلال. [96] وما يدفعنا لرفض هذا الحديث والتشكيك بصحته، تعارضه مع القرآن الكريم الذي لا يشير أبدا إلى شرط الإمامة في الإيمان.



6 - إعادة النظر في الموقف من الصحابة والشيخين
وإذا كان الشيعة اليوم قد تخلصوا اليوم عمليا من نظرية "الإمامة الإلهية" ومن فرضية وجود الإمام الثاني عشر، بعد رحلة طويلة من الحيرة والعذاب والتمزق استمرت ألف عام، وعادوا إلى فكر أهل البيت الأصيل:"الشورى" ، فلا بد أن يتخلصوا نهائيا من كل مخلفات ورواسب تلك النظرية المتطرفة والمثالية والوهمية. ومن أهم تلك الرواسب : الموقف السلبي من الصحابة وخصوصا الشيخين الجليلين الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما). ذلك الموقف الذي يقوم على أساس الاعتقاد الخاطئ باغتصابهما للخلافة من الإمام علي عليه السلام، حسب نظرية "النص الإلهي" وتعيين النبي الأكرم (ص) له كخليفة من بعده. وما يسببه هذا الموقف من توتر وتشنج وعداء بين الإمامية وعموم المسلمين.[97]

ولا بد من التخلي عن ثقافة التفسيق والتضليل والتكفير واللعن التي انبثقت من رفع أمر "الإمامة" إلى مستوى العقيدة والعبادات الضرورية في الإسلام، واعتبار "الولاء" لأهل البيت، شرطا للهدى والتقوى والإخلاص، والاكتفاء بدلا من ذلك بشروط الإيمان التي يحددها القرآن الكريم بتوحيد الله والإيمان بالنبوة والمعاد، والالتزام بالعبادات واجتناب المحرمات. ولا بد من إعادة النظر بالأحاديث المنسوبة إلى أئمة أهل البيت التي تتناقض مع القرآن الكريم ومع أصول العقيدة الإسلامية.[98] فقد قال الله تعالى:"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه، وأعد له جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، ذلك الفوز العظيم". وقال:" والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا، لهم مغفرة ورزق كريم " . وقال :" لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى ، والله بما تعملون خبير" . وقال:" لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ". وقال : " محمد رسول الله ، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما".

7 - التحرر من القوقعة الطائفية التاريخية
بعد التحرر من نظرية "الإمامة الإلهية" ورواسبها في مجال التكفير والتفسيق والتضليل، لا بد من التحرر من القوقعة الطائفية التي قامت تلك النظرية بإدخال الشيعة فيها، وبنت حولهم جدرانا من القطيعة مع إخوانهم من بقية الطوائف الإسلامية، وحوَّلتهم من حزب طليعي يعمل من أجل الإصلاح في الأمة الإسلامية، ويناضل من أجل إحقاق الحق وإشاعة العدل وممارسة الشورى، إلى طائفة منغلقة على نفسها ومنفصلة عن بقية المسلمين وحتى عن بقية الفرق الشيعية الأخرى كالزيدية.. تنظر إلى الآخرين بريبة و شك، ويبادلها الآخرون المشاعر السلبية ذاتها. وتبدأ عملية تحطيم الجدران الطائفية بالانفتاح السياسي على مختلف الدول الإسلامية بغض النظر عن هويتها الطائفية، التاريخية النظرية التي لا علاقة له بالحياة المعاصرة.

ولا بد هنا من التفريق بين الموقف من الطغاة والظالمين، وبين من يتخذ موقفا نظريا من بعض الحكام والأئمة في التاريخ، وإذا كانت بعض أئمة أهل البيت دعوا لمقاطعة الحكام الظالمين في عصرهم، أو عدم الدخول في وظائفهم، فانهم قد تجاوزوا ذلك الموقف في وقت لاحق، وتحالفوا مع بعض الحكام (كالمأمون) واختلطوا بهم، وبالتالي فان موقف القطيعة ليس مبدءا ثابتا مع كل الحكام من غير أهل البيت، فضلا عن أتباعهم والمحبين لهم.
وربما يُشمُّ من بعض الأحاديث الواردة عن الباقر والصادق هذا الاستثناء الذي عبروا عنه بـ "مراعاة الإخوان".[99] وكان هذا بالطبع في ظل تماهي الدولة بالشخص الحاكم، وأما اليوم حيث أصبحت الدولة كيانا مستقلا عن الحاكم، فإن الدخول في وظائف الدولة لا يمكن أن يقوم على أساس جلب المصلحة الحزبية أو الطائفية، وإنما خدمة الوطن والمواطنين بشكل عام.
وفي الواقع.. لقد جرب الشيعة موقف المقاطعة السياسية للدول والحكام قرونا من الزمن، ثم توصلوا إلى ضرورة التعايش وأخذ الحقوق والمشاركة السياسية في إدارة الدولة.


8 - فك المقاطعة الاجتماعية
ولا بد من فك المقاطعة الاجتماعية، وعدم اعتبار كل من خالفنا الرأي صاحب بدعة، أو معصية تستوجب مقاطعته والبراءة منه أو سبه والقول فيه والوقيعة به، كما تقول بعض الأحاديث (الموضوعة) المنسوبة للباقر والصادق.[100]
وفي هذا المجال لا بد من إعادة تعريف "الناصبي" هل هو من ينصب العداء للحق والعدل والشورى؟ أم من ينصب العداء – فرضا - لأئمة أهل البيت في التاريخ؟ أو لا يحبهم مثلا، أو لا يؤمن بهم كأئمة معينين من قبل الله؟ أو لا يؤمن بإمام محدد أنه من قائمة الأئمة في التاريخ؟ وذلك لوجود اختلاط كبير في هذه المفاهيم، وعدم قيامها على أساس من القرآن الكريم بل على أساس سياسي مؤقت وشخصي. [101]
وبما أن المقاطعة الاجتماعية للمخالفين في المذهب قد شملت الصلاة خلفهم في الجمعة والجماعة، فلا بد أن يأخذ الانفتاح الاجتماعي خطوة في هذا المجال، وذلك بكسر التحريم المزيف، والصلاة خلف كل مسلم بغض النظر عن موقفه من نظرية "الإمامة" التاريخية.
وهنا لا بد أن نشكك في أساس المقاطعة العبادية أو ممارسة التقية عند الاضطرار للصلاة خلف المخالفين، بقراءة الحمد والسورة سرا، أو إعادة الصلاة بعد ذلك، كما تقول بعض الأحاديث المنسوبة للباقر والصادق.[102] وذلك لعدم قيام هذا الرأي على دليل من القرآن أو السنة النبوية.
ولا بد من رفض كل الأحاديث التي تمزق الوحدة الإسلامية نفسيا واجتماعيا، والتي تأمر بمقاطعة المخالفين في الفكر السياسي (الذين لا يؤمنون بنظرية الإمامة) وتنهى عن مصافحتهم ونكاحهم.[103] أو تحكم عليهم بالنجاسة البدنية.[104]
وكذلك لا بد من إعادة النظر في الأحاديث التي تدعو إلى مقاطعة المخالفين اقتصاديا، وعدم إعطاء الزكاة للفقراء من عامة المسلمين.[105] وذلك لتناقضها مع القرآن الكريم الذي لا يحدد الهوية الدينية للفقراء والمساكين فضلا عن الهوية الطائفية، حيث يقول الله عز وجل: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله". إضافة إلى تناقضها مع بعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت والتي تجيز التصدق على اليهود والنصارى والمجوس.[106] فهل يكون المسلم المخالف أسوء من هؤلاء؟





جاسمكو 28-05-12 11:38 PM

9 - الموقف الإيجابي من المذاهب الفقهية الأخرى

ولا بد أيضا من تجاوز مخلفات الفكر الشيعي "الديني" القديم، كالشعور بالتعالي المذهبي الفقهي، والاعتقاد بامتلاك الحقيقة الدينية، والحكم على المذاهب الفقهية الأخرى بالبطلان، ذلك الشعور القائم على:
1- اعتبار الإمام الصادق، وبقية الأئمة ، مصدرا ذاتيا للتشريع الديني إلى جانب القرآن والسنة، باعتبارهم "معصومين ومعينين من قبل الله ولديهم علم خاص من الله" وبالتالي فانهم فوق النقد والنقاش، وكلامهم حجة غير قابلة للرد.
2- الموقف السلبي من الحديث والرأي خارج إطار أهل البيت، واعتبار المذاهب الأخرى باطلة وغير شرعية.
علماّ بأن هاتين النقطتين محل نقاش، لوجود الشك في معظم الروايات التي ينقلها "الإمامية" عن الصادق والأئمة الآخرين، خاصة إذا رفضنا نظرية "الإمامة الإلهية" ونظرنا إلى الإمام الصادق وبقية الأئمة كرواة ومحدثين ومجتهدين، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن سند كثير من الروايات التي ينسبونها إلى رسول الله (ص) أو ينقلونها عن "كتاب علي" أو "مصحف فاطمة".
وأما الموقف الإمامي السلبي من الرأي والقياس والاجتهاد فقد كان يقوم على أساس وجود النصوص الشرعية في كل شيء، وتبيان الكتاب والسنة لكل شيء، وعدم وجود منطقة فراغ تحتاج إلى الرأي والاجتهاد.[107] وأن الأئمة يعلمون جميع الأحكام ويبينونها للناس. وقد ثبت بطلان هذا الرأي الذي يلغي أي دور للعرف والعقل في تشريع بعض الأحكام المدنية، خارج إطار الشريعة المحددة في أمور معينة، كالمجال الدستوري السياسي الذي لم ينص القرآن ولا السنة فيه على حكم معين، وتُرك للعقل الإنساني لكي يبدع ويجتهد فيه.

ويبدو من بعض الروايات أن موقف الإمامية السلبي من أبي حنيفة لم يكن يقوم على ممارسة الأخير للرأي، بقدر ما كان يمثل رفضاً منه للاعتراف بامتلاك الصادق لعلم خاص في الدين.[108] وأن الاجتهاد كان مرفوضا منهم ليس بسبب عدم شرعيته ذاتا، وإنما لما كان يمثله من استغناء عن الأئمة، حسبما يقول حديث منسوب إلى الصادق:"إن الله فرض طاعة الأئمة، الذين أنزل الله كتابه عليهم، على عباده، وأمر الأمة برد ما اشتبه عليهم من الأحكام إليهم … وإن الله لم يكلف الناس اجتهادا ، لأنه قد نصب لهم أدلة، وأقام لهم أعلاما ، وأثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرهم إلى ما لا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام ، ولم يتركهم سدى ، مهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسول والأئمة صلوات الله عليهم".[109]

ولكن إذا لم يثبت فرض طاعة الأئمة، ولا وجوب العودة والرد إليهم، أو لم تكن ثمة إمكانية للتواصل معهم، فان الاجتهاد يصبح ضرورة لا بد منها. ولا سيما في ظل تعدد الفتاوى والأحاديث المتناقضة الواردة عن الأئمة، للتقية أو لأي سبب آخر، بالإضافة إلى اضطراب النقل عنهم بسبب ضعف بعض الرواة الناقلين عنهم.[110]

ولذلك لا بد من إعادة النظر في موقف الشيعة من الفقه "الجعفري" والتعامل معه باعتدال كما يتعاملون مع سائر المذاهب الإسلامية، أي عدم الاعتقاد بأنه يمثل الحق المطلق وإنما هو اجتهاد ظني إلى جانب اجتهادات الآخرين، وإعادة النظر في موقفهم السلبي من المذاهب الإسلامية المختلفة، والتعامل معها بإيجابية واحترام، وخاصة مدرسة الرأي التي كانت تشكك بكثير من روايات أهل الحديث وروايات الإمامية في نفس الوقت.

وهناك خطوة ضرورية جدا على طريق الاعتدال في النظر إلى الذات والآخرين، تتمثل في رفض "منهج مخالفة العامة" الذي ترك أثرا سلبيا كبيرا في الفقه الإمامي.[111] ولا نقول هنا ان على الشيعة أن يأخذوا بكل ما ورد في الفقه السني، أو يصدقوا كل الروايات الواردة عنهم، وإنما عليهم الاجتهاد فيها ودراستها بصورة محايدة وموضوعية فإن كانت صحيحة يؤخذ بها ، وإن كانت مشبوهة أو تحتمل الكذب أو تحتوي أمرا مخالفا للشرع والعقل تهمل بدون تعصب، ولكن من دون اتخاذ موقف مسبق برفضها كلها، أو مخالفتها من أجل المخالفة.

10 - طي صفحة "المرجعية الدينية"

ولا بد من طي صفحة "المرجعية الدينية" التي تعتبر من مخلفات الفكر الشيعي القديم "الاثني عشري". وهي مرجعية تطورت عبر ألف عام، ونشأت في ظروف استثنائية في ظل تحريم الفقهاء الإمامية للعمل السياسي وإقامة الدولة في "عصر الغيبة" لقرون طويلة من الزمن، حسب نظرية الانتظار للإمام الغائب، وادعت أنها تشكل امتدادا لنظرية الإمامة الدينية لأهل البيت، وبالرغم من أن "المرجعية الدينية" لم تدَّعِ "العصمة" أو "النيابة الخاصة عن الإمام المهدي" إلا أنها قامت وتقوم بوظيفتين هما: الإفتاء والزعامة الدينية السياسية. وبعد تطور الفكر السياسي الشيعي إلى مستوى الدولة لم يعد أي معنى لاستمرار تمتع المرجعية بالصفة الدينية السياسية، حيث ينبغي أن ينحصر دور المرجعية على تقديم الاستشارات الفقهية القانونية فقط، ولا تتدخل في الحياة السياسية. وتكف عن تقديم نفسها وصية على الشيعة في العالم وقائدة لهم في كل مكان. ولا بد أن تتغير صيغة "التقليد" المتبعة منذ قرون لتنفتح أمام سائر العلماء المختصين في كل مسألة، ويتحرر الناس في استفتاء أي عالم أو سؤال أي خبير من دون تقيد سرمدي بمرجع واحد مدى الحياة. وذلك لأن مبنى "التقليد" هو حكم العقل بضرورة رجوع الجاهل للعالم، وهذا يتحقق في أشكال مختلفة لا تقتصر على الصيغة التقليدية المتعارفة بين الشيعة اليوم. إذ يمكن تحقيق الهدف من خلال انتخاب مجلس تشريعي (برلمان) يدعم بأهل الخبرة والاختصاص في كل مجال من مجالات الحياة، ويقوم هذا المجلس بسن القوانين الجديدة التي تحتاجها الحياة على ضوء القرآن الكريم والسنة والنبوية الكريمة والعقل والعلم.

11 - التحرر من نظرية "

ولاية الفقيه"

ولا بد من التحرر من نظرية "ولاية الفقيه" الوليدة الحديثة للمرجعية الدينية. وفي الواقع لا توجد مشكلة كبيرة بمبدأ "ولاية الفقيه" من حيث أفضلية الفقيه على الجاهل، أو العادل المتقي على الفاسق الظالم، ولكن المشكلة تبرز في معنى "الفقيه" هل هو الفقيه بالأحكام الشرعية من الصلاة والصوم والحج وما شابه؟ أم هو المتخصص في كل مجال، والخبير في الإدارة والسياسة والاقتصاد مما تحتاجه إدارة الدولة الحديثة؟ و تكمن المشكلة كذلك في مصدر الشرعية الدستورية. حيث يتبنى بعض القائلين بولاية الفقيه نظرية "النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي الغائب" كقاعدة دستورية لشرعية الحاكم، وهو ما يعطيه سلطات دستورية مطلقة تحوله إلى ديكتاتور مطلق يتعالى على الانتخابات وصناديق الاقتراع، ويرفض أية حدود يرسمها له الشعب. كما حدث في إيران في ظل حكم "ولاية الفقيه" عندما استيقظ الإمام الخميني يوما من عام 1988 ليعلن "الولاية المطلقة" ويتحدث عن التشابه بين الفقيه والإمام المعصوم في الصلاحيات الواسعة، فيقول:" للفقيه العادل جميع ما للرسول والأئمة (ع) مما يرجع إلى الحكومة والسياسة ، ولا يعقل الفرق، لأن الوالي - أي شخص كان - هو مجري أحكام الشريعة والمقيم للحدود الإلهية والآخذ للخراج وسائر الماليات والتصرف فيها بما هو صلاح المسلمين... ومع اقتضاء المصالح يأمرون الناس بالأوامر التي للوالي ويجب إطاعتهم".[112] ويعتبر الفقهاء أوصياء للرسول (ص) من بعد الأئمة وفي حال غيابهم، وقد كلفوا بجميع ما كلف الأئمة (ع) بالقيام به.[113] وأن "ولاية الفقيه" ولاية دينية إلهية، فيقول:" ان الله جعل الرسول (ص) وليا للمؤمنين جميعا ، ومن بعده كان الإمام وليا، ونفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيه".[114] ويقول :" إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل فانه يلي من أمر المجتمع ما كان يليه النبي (ص) منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع) على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب خاصة... وقد فوض الله الحكومة الإسلامية الفعلية المفروض تشكيلها في زمن الغيبة نفس ما فوضه إلى النبي (ص) واميرالمؤمنين (ع) من أمر الحكم والقضاء والفصل في المنازعات وتعيين الولاة والعمال وجباية الخراج وتعمير البلاد، غاية الأمر ان تعيين شخص الحاكم الآن مرهون بمن جمع في نفسه العلم والعدل".[115] "وقد فوض إليهم الأنبياء جميع ما فوض إليهم ائتمنوهم على ما أؤتمنوا عليه".[116]

وكتب الخميني إلى رئيس الجمهورية الإيرانية:" إن الحكومة شعبة من ولاية رسول الله (ص) المطلقة ، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج... إن باستطاعة الحاكم ان يعطل المساجد عند الضرورة، وان يخرب المسجد الذي يصبح كمسجد ضرار ولا يستطيع ان يعالجه بدون التخريب. وتستطيع الحكومة أن تلغي من طرف واحد الاتفاقيات الشرعية التي تعقدها مع الشعب، إذا رأتها مخالفة لمصالح البلد والإسلام. وتستطيع أن تقف أمام أي أمر عبادي أو غير عبادي إذا كان مضرا بمصالح الإسلام، مادام كذلك. ان الحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتا وفي ظروف التناقض مع مصالح البلد الإسلامي - إذا رأت ذلك- أن تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض المهمة الإلهية".[117]

واعتبر الخميني ولاية الفقهاء على الناس مجعولة من قبل الله كولاية الرسول والأئمة من أهل البيت، وأنها ولاية دينية إلهية.[118]

ورغم تضمن الدستور الإيراني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أن سلطة "الولي الفقيه" أصبحت أعلى وأوسع من سلطات المؤسسات الديموقراطية، وفوق النقد والمحاسبة، نظراً لتمتع الفقيه بهالة دينية مقدسة تحول دون معاملته من قبل الشعب كمعاملة الرؤساء والنواب، وهو ما شكل ضربة للتجربة الديموقراطية الحديثة في إيران.

وقد كان لتطور نظرية "ولاية الفقيه" على قاعدة نظرية "النيابة العامة عن الإمام المهدي" المرتكزة على نظرية "الإمامة الإلهية" أثر كبير في طبيعة النظرية ونموها في جانب واحد هو جانب السلطة، دون جانب الأمة، حيث أصبح للفقيه من الصلاحيات ما للإمام "المعصوم" وما للنبي الأعظم (ص) واصبح الفقيه "منصوبا" و "مجعولا" و "معينا" من قبل "الإمام المهدي" و "نائبا عاما" عنه، كما كان "الإمام المعصوم" منصوبا ومجعولا من قبل الله تعالى، وبالتالي فانه قد اصبح في وضع "مقدس" لا يحق للامة ان تعارضه أو تنتقده أو تعصي أوامره أو تخلع طاعته ، أو تنقض حكمه.

ومن هنا فقد اتخذت فتاوى "العلماء" وآراؤهم الاجتهادية الظنية صبغة دينية مقدسة، ووجب على عامة الناس غير المجتهدين " تقليد" الفقهاء والطاعة لهم سواء في التشريع أو التنفيذ أو القضاء ، وحرمت عليهم مخالفتهم .

وبما ان "الأئمة المعصومين" - حسب نظرية الإمامة الإلهية - معينون من قبل الله تعالى، وأن لا دور للامة في اختيارهم عبر الشورى، ولا حق لها في مناقشة قراراتهم أو معارضتها، وأن الدور الوحيد المتصور للامة هو الطاعة والتسليم فقط، فقد ذهب أنصار مدرسة ولاية الفقيه المنصوب والمجعول والنائب عن "الإمام المهدي" إلى ضرورة طاعة الأمة وتسليمها للفقيه، ولم يجدوا بعد ذلك أي حق للامة في ممارسة الشورى أو النقد أو المعارضة أو القدرة على خلع الفقيه، أو تحديد صلاحياته أو مدة رئاسته.

وفي الحقيقة إن الحديث عن "النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي" في "الغيبة الكبرى" هو فرع لثبوت "النيابة الخاصة" التي ادعاها "الوكلاء الأربعة" في فترة "الغيبة الصغرى". وان القول بذلك يبتنى على القول بوجود وولادة "الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري" ووجود غيبتين له، وإذا لم نستطع التأكد من وجود هذا "الإمام" - وهو أمر مستحيل - فان تلك النظرية تتلاشى بالطبع من باب الأولى.

إضافة إلى أن نظرية "النيابة العامة" لم تكن معروفة لدى الشيعة الامامية في بداية "الغيبة الكبرى" التي يقال أنها ابتدأت بعد وفاة "النائب الرابع : علي بن محمد الصيمري". بل ان الشيعة الأوائل (في القرن الرابع الهجري) اعتبروا النيابة العامة التي توازي الإمامة أو ولاية الفقيه متناقضة تماما مع نظرية الإمامة، لأنها تُسقط شَرْطي العصمة والنص في الإمام، وإنما هي نظرية ظنية استنبطها بعض العلماء في وقت لاحق وطوروها عبر التاريخ، ولم يكن لها وجود من قبل. وقد توفي الصيمري سنة 329هـ ولم يتحدث عن "النيابة العامة" ببنت شفة، ولو كان لها أي رصيد من الواقع لتحدث عنها "الإمام المهدي" - على فرض وجوده - بدلا من أن يترك الشيعة يتخبطون قرونا طويلة في ظلمات الحيرة.

ومن هنا فلم يعرف الشيخ الصدوق نظرية "النيابة العامة" ولم يشر إليها أبدا بالرغم من روايته لـ: "توقيع" إسحاق بن يعقوب عن العمري عن المهدي :" وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله". وذلك لعدم دلالته على "النيابة العامة"، إذ أنه يتحدث عن الرجوع إلى الرواة في ظل "النيابة الخاصة" وفي أيام "السفير الثاني : العمري". وإذا كانت النيابة الخاصة المتصلة - حسب الفرض - بالإمام المهدي محدودة وغير سياسية، فكيف يمكن ان يفهم من "التوقيع" معنى اكبر وأوسع منها؟.

لقد كان أول من تحدث عن تفويض الأئمة للفقهاء في مجال إقامة الحدود فقط هو الشيخ المفيد الذي جاء بعد "الغيبة" بحوالي مائة وخمسين عاما، وكان ذلك منه افتراضا أكثر منه قولا بيقين أو اعتمادا على دليل، وقد انطلق في محاولته استنباط نظرية "النيابة العامة" من بعض الأحاديث (كمقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبى خديجة وتوقيع إسحاق بن يعقوب) التي تعطي الإذن لرواة أحاديث أهل البيت بممارسة القضاء من دون الحاجة إلى إذن خاص من الأئمة.

وقد أثار التطور السياسي الكبير الذي حدث في تاريخ الشيعة في العهد الصفوي في القرن العاشر الهجري، والذي نقلهم من مرحلة "التقية والانتظار" إلى مرحلة إقامة الدولة في "عصر الغيبة" بعدما ادعى (الشاه إسماعيل الصفوي) النيابة الخاصة عن الإمام المهدي .. أثار ذلك التطور جدلا واسعا في صفوف الفقهاء وفتح الباب واسعا أمام القول بنظرية "النيابة العامة" وتعزيزها بقوة، ثم تطويرها بعد ذلك نحو حكم الفقهاء بصورة مباشرة على يدي الشيخ أحمد النراقي في منتصف القرن الثالث عشر الهجري.

وقد كانت نظرية "ولاية الفقيه" التي تحصر الحق في ممارسة السلطة في "الفقهاء" محل نقاش كبير بين العلماء الشيعة. حيث رفضها بعض المحققين كالشيخ مرتضى الأنصاري (1216 هـ - 1281هـ) الذي ناقش في "المكاسب" أدلة القائلين بالولاية العامة، وأنكر دلالة الروايات العامة التي يتشبثون بها على الموضوع، وحدد دلالتها في موضوع الفتيا والقضاء فقط، وشكك في صحتها ودلالتها وقال:" لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها (الروايات) أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لا كونهم كالأنبياء أو الأئمة (ص) في كونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ... وان إقامة الدليل على وجوب إطاعة الفقيه كالإمام - إلا ما خرج بالدليل - دونه خرط القتاد" .[119]

كما رفض السيد أبو القاسم الخوئي نظرية "ولاية الفقيه" المبتنية على نظرية "النيابة العامة" وقال: "ان ما استدل به على الولاية المطلقة في "عصر الغيبة" غير قابل للاعتماد عليه، ومن هنا قلنا بعدم ثبوت الولاية له إلا في موردين هما الفتوى والقضاء... ان الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند والدلالة".[120]

إن إعطاء الفقيه العادل، وهو بشر غير معصوم ومعرض للخطأ والانحراف ، صلاحيات الرسول الأعظم (ص) المطلقة وولايته العامة على النفوس والأموال، والتطرف في ذلك إلى حد السماح للفقيه بتجميد القوانين الإسلامية الجزئية (الشريعة) - كما يقول الإمام الخميني وبعض أنصار ولاية الفقيه في إيران – يلغي الفوارق الضرورية بين النبي المعصوم المرتبط بالسماء وبين الفقيه الإنسان العادي المعرض للجهل والهوى والانحراف، وهذا ما يتناقض تماما مع الفكر الإمامي القديم الذي رفض مساواة أولي الأمر (الحكام العاديين) في وجوب الطاعة لهم كوجوب الطاعة لله والرسول، وذلك خوفا من أمرهم بمعصية والوقوع في التناقض بين طاعتهم وطاعة الله.. واشترط لذلك: العصمة في "الإمام" - مطلق الإمام - ثم قال بوجوب النص، وانحصار النص في أهل البيت وفي سلالة علي والحسين إلى يوم القيامة. فإذا أعطينا الفقيه الصلاحيات المطلقة والواسعة التي كانت لرسول الله (ص) وأوجبنا على الناس طاعته، وهو غير معصوم، فماذا يبقى من الفرق بينه وبين الرسول؟

ومادام الفقيه إنسانا غير معصوم ومعرضاً كغيره للهوى وحب الرئاسة والحسد والتجاوز والطغيان، فإنه معرض أكثر من غيره للتحول إلى اخطر دكتاتور يجمع بيديه القوة والمال والدين، وهو ما يدعونا إلى تحديد وتفكيك وتوزيع صلاحياته اكثر من غيره، لا أن نجعله كالرسول أو "الأئمة المعصومين". إذ أنه سيتحول عندئذ إلى ظل الله في الأرض ، ويمارس هيمنة مطلقة على الأمة كما كان يفعل الباباوات في القرون الوسطى.

إن أساس المشكلة في نظرية "ولاية الفقيه" يعود إلى الدمج بين نظرية "النيابة العامة" المستنبطة من بعض الأدلة الروائية الضعيفة وبين نظرية "ولاية الفقيه" المعتمدة على العقل وعلى ضرورة تشكيل الحكومة في "عصر الغيبة" بعيدا عن شروط العصمة والنص الإلهي والسلالة العلوية الحسينية، وان الخلط بين هاتين النظريتين، أو تطوير نظرية "النيابة العامة" إلى مستوى إقامة الدولة، أدى إلى إضفاء الصبغة الدينية على السياسة، وجعل الفقيه بمثابة "الإمام المعصوم" أو النبي الأعظم وإعطائه كامل الصلاحيات المطلقة، وإلغاء الفوارق بين المعصوم وغير المعصوم، بالرغم من قابلية الأخير للجهل والخطأ والانحراف، وهو ما يتناقض مع أساس الفلسفة الامامية القديمة حول اشتراط العصمة في الإمام .

وإذا ثبت ضعف نظرية "النيابة العامة" وعدم صحتها، لعدم وجود "المـُناب عنه: الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري" وعدم ثبوت ولادته، فإننا يمكن أن نقيم أساس الدولة على قاعدة "الشورى" وولاية الأمة على نفسها، بمعنى أن يكون الإمام منتخباً من الأمة، ونابعاً من إرادتها، ونائباً عنها، ومقيداً بالحدود التي ترسمها له، وملتزماً بالصلاحيات التي تعطيها له. وذلك لأن الأدلة العقلية تعطي للأمة حق اختيار الحاكم ليحكم بالنيابة عنها، كما تعطيها الحق في أن تهيمن على الإمام وتشرف عليه وتراقبه وتحاسبه، وأن تعطيه من الصلاحيات بقدر ما تشاء وحسبما تشاء، وذلك لأن منبع السلطة في غياب النص الشرعي وعدم وجود الإمام المعين من قبل الله تعالى هي الأمة الإسلامية. حيث لا تعطي الأدلة العقلية الحاكم العادي (غير المعصوم) القابل للخطأ والصواب والانحراف والهدى، من الصلاحيات المطلقة، مثلما تعطي للرسول المرتبط بالله عبر الوحي، ولا تساويه أبدا مع "الإمام المعصوم".

12 - إعادة النظر في حكم "الخمس"

وفي غضون إعادة النظر في دور "المرجعية الدينية" لا بد من مراجعة حكم "الخمس" الذي اعتاد "مراجع الدين" جبايته من الشيعة منذ قرون، لافتقاده للأساس الشرعي الإسلامي والشيعي، فهو لم يذكر في القرآن الكريم إلا في حالة الغنائم الحربية في هذه الآية: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير" الأنفال 41، ولم يكن النبي الأكرم (ص) ولا الإمام علي ولا الحسن ولا الحسين يأخذون الخمس من أموال الشيعة، وإنما بدأ بالمطالبة به الإمامان الباقر والصادق مع نشوء نظرية "الإمامة الإلهية" ثم صدرت من الأئمة أنفسهم فتاوى بتحليله للشيعة.[121] ولذلك لم يكن الشيعة يدفعونه في القرون الأولى وخاصة في "عصر الغيبة". ولم يكن حتى فقهاء الشيعة "الاثني عشرية" يعرفون حكمه بوضوح، واحتاروا فيه.[122] لعدم وجود نص واضح وصريح لدى الشيعة. حتى ذهب الشيخ الطوسي في:"النهاية" إلى تحليل الخمس للشيعة في حال الغيبة في الأمور التي لا بد لهم منها من المناكح والمتاجر والمساكن.[123] والتزم سلاّر في "المراسم" في كتاب الخمس بالتحليل والإباحة وقال:"إن الأئمة (ع) قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة كرما وفضلا للشيعة خاصة".[124] وقال الشيخ محمد ابن إدريس الحلي ( 543 - 598) في "السرائر" بإباحة الخمس في المساكن والمتاجر والمناكح للشيعة في عصر الغيبة ، وذكر اختلاف أقوال الشيعة لعدم وجود النص .[125] وأكد المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن ( 602 - 676) في :" شرائع الإسلام - كتاب الخمس": ثبوت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر حال الغيبة ، وقال:" لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه" .[126] ومال الشيخ يحيى بن سعيد الحلي ( 601 - 690) في :"الجامع للشرائع" إلى إباحة الخمس وغيره للشيعة حال الغيبة كرما من الأئمة وفضلا.[127] أما العلامة الحسن بن المطهر الحلي فقد أكد في :"تحرير الأحكام" إباحة الأئمة لشيعتهم المناكح في حال ظهور الإمام وغيبته، وقال: إن الشيخ الطوسي قد ألحق المساكن والمتاجر. وأفتى بصراحة:" بعدم وجوب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه".[128] وكذلك فعل الشهيد الأول ( -786) في : "الدروس الشرعية" و "البيان": حيث أكد إباحة المناكح والمساكن والمتاجر وعموم الأنفال حال الغيبة.[129] واستظهر المقدس الاردبيلي ( - 993) في :" مجمع الفائدة والبرهان" : إباحة مطلق التصرف في أموال الإمام الغائب للشيعة ، خصوصا مع الاحتياج، وقال:" اعلم ان عموم الأخبار ... يدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور ، بمعنى عدم الوجوب الحتمي فكأنهم (عليهم السلام) اخبروا بذلك فعلم عدم الوجوب الحتمي" وأضاف:" فلا يرد انه لا يجوز الإباحة لما بعد موتهم (عليهم السلام) فانه مال الغير، مع التصريح في البعض بالسقوط إلى القائم ويوم القيامة. بل ظاهرها : سقوط الخمس بالكلية حتى حصة الفقراء أيضا، وإباحة أكله مطلقا، سواء أكل من في ماله ذلك أو غيره. وهذه الأخبار هي التي دلت على السقوط حال الغيبة وكون الإيصال مستحبا، كما هو مذهب البعض ، مع ما مرّ من عدم تحقق محل الوجوب إلا قليلا ، لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة".[130]

ورجح السيد محمد باقر السبزواري ( 1018هـ - 1090هـ) في :"كفاية الأحكام" و"ذخيرة المعاد" سقوط خمس الأرباح في زمان الغيبة ، وقال:" المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحرث بن المغيرة النضري وصحيحة الفضلاء وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة ضريس وحسنة الفضيل ورواية محمد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية الحرث بن المغيرة ورواية معاد بن كثير ، ورواية اسحق بن يعقوب ورواية عبد الله بن سنان ورواية حكم مؤذن بني عبس : إباحة الخمس للشيعة. وتصدى للرد على بعض الإشكالات الواردة على هذا الرأي وقال:" ان أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة ، وبالجملة : ان القول بإباحة الخمس مطلقا في زمان الغيبة لا يخلو عن قوة". [131] وهكذا فعل محمد حسن الفيض الكاشاني في :"مفاتيح الشريعة" حيث اختار نظرية سقوط ما يختص بالإمام المهدي الغائب، لتحليل الأئمة ذلك للشيعة. [132]

وقد أباح السيد علي الطباطبائي في :"رياض المسائل" كتاب الخمس : المناكح من الخمس للشيعة ، على الأشهر ، وقال: ان الشيخ ألحق بها المتاجر والمساكن. [133]

وقال السيد محمد علي الطباطبائي (- 1009) في "مدارك الأحكام":" الأصح إباحة الجميع ، كما نص عليه الشهيدان وجماعة ، للأخبار الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم في حال الغيبة.. وكيف كان فان المستفاد من الأخبار المتقدمة إباحة حقوقهم (ع) من جميع ذلك" . [134]

وعندما قال بعض الفقهاء في وقت متأخر بوجوب إخراج الخمس لم يدروا ما يصنعون به، فاقترحوا دفنه أو الإيصاء به وحفظه إلى وقت خروج "الإمام المهدي".[135] وقال القاضي "ابن براج" بإيداع سهم الإمام عند من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب، وايصائه بدفع ذلك إلى الإمام (ع) ان أدرك ظهوره ، وان لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك.[136] وقد جاء العلامة الحلي بعد ذلك فقال في :"تحرير الأحكام" بوجوب الخمس ووجوب صرفه في الأصناف في عصر الغيبة.[137] ولكن هذا القول لم يرسخ بقوة في أوساط فقهاء الشيعة ، حيث تردد فيه الشهيد الأول ، الذي جاء بعده بحوالي قرن ، فقال بالتخيير بين القولين، القديم: الدفن والايصاء، والجديد: الصرف ، واستقرب في :"الدروس الشرعية" صرف نصيبي الأصناف عليهم ، والتخيير في نصيب الإمام بين الدفن والايصاء، وصلة الأصناف مع الأعوام بإذن نائب الغيبة ، وهو الفقيه العدل الإمامي الجامع لصفات الفتوى .[138] ولم يحكم بالوجوب، بل حكم بالتخيير، مع تقديم حكم الدفن والايصاء . وبالرغم من قيام الدولة "الجلائرية" الشيعية في خراسان في القرن الثامن الهجري، في أيام الشهيد الأول، واستعانتها به وطلبها منه المجيء إليها لتولي الجوانب الشرعية والتشريعية، فانه لم يطور هذه المسألة بما يخدم إدارة الدولة الشيعية التي تحتاج إلى المال لصرفه على المحتاجين والفقراء.

وكذلك فعل المحقق الكركي الذي استقدمته الدولة الصفوية من لبنان في القرن العاشر الهجري، وظل على الرأي القديم الذي يقول بالتخيير بين صرف سهم الإمام المهدي أو حفظه إلى حين ظهوره .

وبحث الشيخ محمد حسن النجفي ( - 1266) في :" جواهر الكلام" حكم أموال الإمام (ع) في زمان الغيبة ، بشكل مفصل ، وقال بعد ان استعرض الأخبار التي تحلل الخمس للشيعة:" وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة، المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب ، يشرف الفقيه على القطع بإباحتهم (ع) شيعتهم زمن الغيبة ، بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطها : سائر حقوقهم (ع) في الأنفال ، بل وغيرها مما كان في أيديهم ، وأمره راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين ثم صار في أيدي أعدائهم". [139] وقال في المسألة الثالثة من كتاب الخمس من :" صرح جماعة بأنه ثبت شرعا إباحتهم (ع) المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة ، وان كان ذلك بأجمعه للإمام (ع) أو بعضه فانه مباح ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه ... وان كان في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح هو الأنفال أو الخمس أو الأعم".[140] ومع ذلك فقد أوجب صرف حصة الإمام (ع) من الخمس في زمان الغيبة ، في الأصناف الموجودين.[141]

وربما كان النجفي "صاحب الجواهر" هو أول من أوجب إعطاء الخمس للمجتهد، حيث أفتى بقوة: بوجوب تولي الحاكم (أي الفقيه العادل) صرف سهم الإمام. ثم تبعه السيد كاظم اليزدي، في بداية القرن العشرين، حيث أرجع أمر النصف من الخمس الذي للإمام، في زمان الغيبة إلى نائبه، وهو المجتهد الجامع للشرائط، وأوجب الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقين بإذنه.[142] وذلك بالرغم من عدم إيمان اليزدي بنظرية "ولاية الفقيه" في سائر أبواب الفقه.

ولكن السيد محسن الحكيم تراجع في :"مستمسك العروة الوثقى" عن ذلك الحكم، ولم يرَ حاجة إلى مراجعة "الحاكم الشرعي" في صرف المالك حصة الإمام في جهة معينة إذا أحرز رضا الإمام (ع)، إلا برأي ضعيف .

وقام الشيخ حسن الفريد بسلب حق الخمس من "الإمام المهدي" لغيبته وعدم قيامه بمهام الإمامة، وقال بضرورة قيام واحد من الناس باستلام الخمس وتوزيعه من باب الحسبة، لأنه من الأمور الحسبية التي لا محيص عن وقوعه في الخارج ولم يعين للقيام به في غيبة الإمام شخص أو صنف خاص ، وقال أيضا: إن للفقيه الولاية على صرف الخمس على أهله، ولكن ولايته على ذلك لم تستفد من الكتاب والسنة، بل من دليل الحسبة والضرورة.[143]

ومن الواضح أن كل تلك الأقوال تطورت مع تطور حكم الخمس نفسه من الإباحة إلى الوجوب، ونشوء نظرية "المرجعية الدينية" على أساس "النيابة العامة" أو "ولاية الفقيه". ولكن بعد تطور الفكر السياسي الشيعي الحديث إلى مستوى الدولة، والنظام الديموقراطي، لم تعد هناك حاجة لقيام "مراجع الدين" أو الفقهاء للإشراف على جباية الخمس وتوزيعه بين الناس، ولا يوجد أساس شرعي إسلامي أو شيعي لذلك القول الذي برز في القرون الأخيرة عند الشيعة، فضلا عن عدم ثبوت الحكم بوجوب الخمس في الأموال العامة (سوى غنائم الحرب) من الأساس.

13 - إعادة النظر في الطقوس الشيعية

تشكل الطقوس الشيعية ( البكاء على الحسين واللطم والتطبير بالسيوف، وزيارة قبور الأئمة، وطلب الشفاعة منهم في الآخرة ودعاؤهم لحل المشاكل، والاستغاثة بهم في الدنيا، وما الى ذلك) أهم المظاهر المتبقية من التشيع "الديني" بعد انقراض نظرية "الإمامة الإلهية" وانتهاء عصر الأئمة منذ حوالي ألف ومائتي عام، وذلك بسبب تحول الأئمة أنفسهم الى قضية أساسية مركزية في العقيدة الشيعية، وسعي الشيعة المعاصرين لإحياء ذكريات الأئمة والتفاعل مع أحزانهم وأفراحهم وتعظيم قبورهم أملا بالحصول على "الثواب" من الله والشفاعة من أئمة أهل البيت يوم القيامة.

ويعتبر هذا الموقف "الولائي" الشيعي استجابة حية لمقولات الإعلام الإمامي الذي لعب دورا كبيرا وناجحا في شد الشيعة الى الأئمة أحياء وأمواتا.

ولا يمكن التحرر من ضغط الطقوس الشيعية إلا بإعادة النظر في عقيدة "الإمامة الإلهية" وكون الأئمة مصدرا من مصادر التشريع، وذلك لأن الشيعة يقومون بتلك الطقوس (الدعاء والزيارة واللطم والبكاء) بهدف تحصيل الأجر العظيم في الآخرة حسبما تقول الروايات الواردة عن الباقر والصادق، والتي تعِد – مثلا - من يقرأ الدعاء الفلاني بمئات الألوف من الحسنات.[144] وتقدر أجر زيارة الحسين في كربلاء بأجر عشرين حجة وعشرين عمرة أو أكثر.[145] وأجر من أعتق ألف نسمة وحمل على ألف فرس مسرجة ملجمة في سبيل الله.[146] وهي تلقى قبول عامة الشيعة لأنها مروية عن "الأئمة" الذين يعتبرون – حسب نظرية الإمامة الإلهية - مصدرا من مصادر الوحي والتشريع، وإلا فمن أين يعرف الإمام الصادق أفضلية زيارة الحسين على الحج والعمرة والعتق والجهاد؟ وعلى أي أساس يقول ذلك؟ ومن أين يعرف الإمام "أن الله قد وكل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غير يبكونه إلى يوم القيامة، وأنهم يشيعون من يزوره عارفا بحقه حتى يبلغوه مأمنه، ويعودوه إن مرض غدوة وعشية، ويشهدوا جنازته ويستغفروا له إلى يوم القيامة"؟.[147]
وإذا ألقينا بنظرة على تلك الأحاديث التي تؤسس للطقوس الشيعية فسوف نرى أنها تعِد مثلا زائر قبر الحسين بغفران الذنوب ما تقدم منها وما تأخر.[148] وتحدث عن السماء: "إذا كان النصف من شعبان نادى منادٍ من الأفق الأعلى: ألا زائري قبر الحسين ارجعوا مغفورا لكم وثوابكم على ربكم ومحمد نبيكم".[149] و"إن من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض".[150] وهذا ما لا يعرفه إلا الله، وهو لم يحدثنا عنه في القرآن الكريم كما لم يحدثنا الرسول، فكيف عرف الإمام الصادق بذلك؟ ومن أين جاء به؟
من البديهي أن المسلم العادي لا يتقبل تلك الأحاديث ويطالب بدليل من القرآن أو السنة النبوية، ولا يستطيع تصديق أي أحد آخر يتحدث عن السماء، ولكن من يؤمن بنظرية الإمامة الإلهية، ووجود علاقة خاصة للأئمة بالسماء فانه يسارع الى تصديق تلك الأحاديث، وربما يبحث في سندها ولكنه يستسلم أمامها عندما يتأكد من صحة صدورها عن الإمام. وبالرغم من وجود شكوك قوية في عدد من الرواة (الغلاة) الذين نقلوا عن الأئمة مثل تلك الأحاديث، واحتمال اختلاقهم لها، إلا أن انتشارها كان بسبب شيوع نظرية الإمامة الإلهية بين الشيعة .
وتلافيا لهذه المشكلة يحاول بعض الأحاديث المنسوبة للإمام الصادق أن ينسب الفضل بزيارة الأئمة للنبي (ص) فينقل عنه قوله :" يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار اب************ في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلصه من أهوالها وشدائدها حتى أصيره معي في درجتي".[151] ولو كان هذا الحديث مثلا واردا عن غير طريق الأئمة لكان يستوجب السؤال عن السند ويستدعي البحث في المتن، ولكن بما أنه وارد عن الإمام "المعصوم" فانه يتعالى على النقد والمناقشة والسؤال. ولا يخطر ببال الشيعي المؤمن بنظرية الإمامة الإلهية أن يشكك بصحة الحديث.
ولو أردنا أن نتوقف عند بعض الأحاديث التي تحض على زيارة قبور الأئمة بعيدا عن الهالة القدسية المفروضة على "الأئمة" لملئنا عجبا ورفضناها بقوة، فهناك حديث يزعم أن الله والملائكة والأنبياء والمؤمنون يزورون الإمام.[152] وأن من زار أحد الأئمة كمن زار الله عز وجل فوق عرشه.[153] وهناك أحاديث (زيارات للأئمة) مشحونة بالغلو والكفر ونظريات "المفوضة" كزيارة الجامعة التي تخاطب "الأئمة" وكأنهم مفتاح الكون، وأداة الخلق وواسطة المطر، حيث تقول:" بكم فتح الله وبكم يختم، وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت.. وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها... إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتك".[154]
ولا بد أن نحمد الله على أن العلماء المحققين من الشيعة قد ردوا هذه الأحاديث وضعفوا معظم روايات "الكافي"، وأكدوا على ضعف رواتها، ولكن بعض الأخباريين قد يهتمون بالسؤال عن أدلة ضعف تلك الروايات ومعرفة الرجال الضعاف وسبب تضعيفهم، وهذا ما يؤكد تركيزهم على دراسة السند فقط والتسليم بروايات الأئمة حتى إذا كانت غير قابلة للتصديق والقبول وتشمئز منها النفوس، وذلك بسبب إيمانهم بعصمة "الأئمة" وكونهم مصدرا من مصادر العلم والتشريع.
وبعد الاعتقاد بصحة كل ما يأتي عن طريق "الأئمة" فان الإيمان بمكانتهم الخاصة عند الله يدفع الى العمل بأحاديثهم أملا بالحصول على شفاعتهم يوم القيامة، كما يوحي هذا الحديث الوارد عن الإمام الرضا :" إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاء هم يوم القيامة".[155] وكما تقوم هذه "الزيارة" التي تحث على الاعتراف بالذنوب في حضرة الحسين تمهيدا لطلب الشفاعة عند الله وتضعه واسطة بين الإنسان وبين الله.[156] "فالأئمة أحياء عند ربهم يرزقون وهم يسمعون الكلام ويردون السلام ولديهم مكانة دينية خاصة وعالية عند الله، تشبه مكانة الأنبياء والملائكة، بحيث يمتلكون القدرة على الشفاعة يوم القيامة، وإنقاذ العاصين من النار".[157]
ولا ننسى الأحاديث الأخرى التي تتحدث عن حضور الأئمة عند وفاة
الإنسان الشيعي، وإسعافه في أول محطة من محطات الآخرة .[158] وإنقاذه من ضغطة القبر وعذابه، ومساعدته في الإجابة على أسئلة منكر ونكير. [159] وتعريفه بمكانه في الجنة.[160] وكل هذه روايات ما أنزل الله بها من سلطان ولم ترد عن الرسول الأعظم (ص) ولكن الإمامية يروونها عن "الأئمة" باعتبارهم عالمين بالغيب وعلى علاقة بالسماء. وهذا ما لا دليل عليه.
وهناك أمر أخير في حقل الطقوس الشيعية، وهو تعظيم قبور الأئمة من أهل البيت، والبناء عليها، وزخرفتها بالذهب والفضة، وهو أمر حدث عند الشيعة في عصور متأخرة، ولكنه لم يقم على أساس ديني أو حديث من أهل البيت أنفسهم، وإنما على العكس جاء بالضد من إرادتهم، حيث يروي الكليني في "الكافي" عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن الحلبي قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام):" إن أبي كتب في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب ... وأمرني أن أرفع القبر من الأرض أربع أصابع مفرجات".[161] وهو ما يتفق مع السنة ويخالف البدعة التي حدثت في وقت متأخر، وأدت إلى تعظيم قبور الأئمة بشكل يؤثر على نفسية الإنسان العادي البسيط.



14 - التخلي عن العناوين الطائفية

وإذا تخلينا عن "الصبغة الدينية" للتشيع، لا يبقى منه إلا "الجوهر" أي الحق والعدل والشورى، وهي مباديء إسلامية عامة. وفي هذه الحالة تنتفي ضرورة التمسك بالأطر والأسماء والعناوين التاريخية التي كانت بنِْت ظروفها الزمانية والمكانية؛ فلا معنى للإصرار على الاحتفاظ بالعناوين الطائفية أو الحزبية القديمة، إذ يمكن الذوبان في أية حركة ترفع شعار العدل والشورى، في حين أن التمسك بالاسم الموروث مع الالتزام بموقف سياسي بعيد عن جوهر التشيع، ومناقض لسياسة أهل البيت، يعني الوقوف في خانة أعدائهم ومناوئيهم.

إن المسألة لم تعد اليوم: أن أكون شيعيا؟ أم لا؟ بقدر ما أكون باحثا عن الحق والعدل وملتزما بالشورى و الديموقراطية، أم لا؟
وبما أن العناوين الطائفية "الشيعية والسنية" هي عناوين سياسية طارئة؛ فلا بد للمسلم أن يحتفظ فقط بالاسم الذي أطلقه عليه الإسلام، أي اسم "المسلم". فقد قال الله تعالى في كتابه المجيد:" وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل". الحج 78 وقال: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين". فصلت 33








[1] - كما يقول النوبختي في كتاب"فرق الشيعة" وسعد بن عبد الله الأشعري القمي في "المقالات والفرق".
[2] - النوبختي، فرق الشيعة، ص 98 ، والأشعري القمي، المقالات والفرق، ص 110، والمفيد، الفصول المختارة، ص 259
[3] - وقد استعرضنا في الجزء الثاني من كتابنا:"تطور الفكر السياسي الشيعي" أي "الإمام المهدي حقيقة تاريخية أم فرضية فلسفية؟" أقوال المتكلمين والمؤرخين الذين استدلوا بالعقل على وجود وولادة :(محمد بن الحسن العسكري) وكان دليلهم يعتمد على نظرية العصمة والنص والوراثة العمودية في الإمامة .
[4] - حيث يقول النوبختي :" إن الإمامة ستستمر في أعقاب الإمام الثاني عشر الى يوم القيامة". فرق الشيعة، الفرقة التي قالت بوجود ولد للعسكري.
[5] - وهناك أحاديث أخرى كثيرة ، يذكرها الكليني، تعالج مسألة التعرف على الإمام الجديد من خلال مواصفات عديدة ككبر السن أو طهارة المولد أو حسن المنشأ أو عدم اللهو واللعب أو الوصية الظاهرة أو الفضل أو علم الغيب ، أو الهداءة والإطراق والسكينة، وهو ما يدل على امتداد نظرية الإمامة إلى يوم القيامة ، في طورها الأول ، وعدم اقتصارها على عدد محدود.

[6] - راجع: بصائر الدرجات، لصفار، والكافي للكليني، وقرب الإسناد للحميري ، وتفسير العياشي، والإرشاد للمفيد، وإثبات الهداة للحر العاملي.
[7] - الصدوق، إكمال الدين، ص 77
[8] - الصدوق، إكمال الدين، ص 78
[9] - القمي، مفاتيح الجنان، ص 542
[10] - الطوسي، الغيبة ، ص 97
[11] - الكليني، الكافي، ج 1 ، ص 534
[12] - المسعودي، التنبيه والاشراف، ص 198

[13] - الحلي، الخلاصة، ص 83
[14] - المفيد، أوائل المقالات وشرح اعتقادات الصدوق، ص 247

[15] - المصدر نفسه، ص 242
[16] - الصدوق، إكمال الدين، ص 75 – 76

[17] - المصدر نفسه، ص 76
[18] - وكانت الفرقُ الشيعية الأخرى كالإسماعيلية والواقفية والفطحية، قد اتهمت "الاثني عشرية" بوضع واختلاق تلك الأحاديث في زمن متأخر . راجع : الصدوق: إكمال الدين ص 67
[19] - الطوسي:الغيبة 29
[20] - المصدر 37
[21] - المصدر 44
[22] - المصدر 46
[23] - راجع الملحق المتعلق بنقد وتقييم رواة أحاديث "الاثني عشرية" وخصوصا كتاب "كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر" للخزاز ، الذي يعتبر أول كتاب حول الموضوع يصدر في أواخر القرن الرابع الهجري
[24] - راجع فصل "التشيع الاثنا عشري".
[25] - الصدوق:إكمال الدين وإتمام النعمة باب 27 ص 305
[26] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 300، 13 – 5 و ح رقم 301، 13 - 6
[27] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 2
[28] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 4
[29] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 5 و ح رقم 8
[30] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 10
[31] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 13
[32] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 17
[33] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 18
[34] - وهذه نماذج من كتابه (تفسير القمي) المليء بالغلو والقول بتحريف القرآن والمعتمد على التأويلات التعسفية، والأحاديث الضعيفة والمختلقة ، مما يجعلنا نعيد النظر في تقييم هذا الرجل الغالي ونشكك في توثيق النجاشي له ، ونتوقف في قبول رواياته عن ( الاثني عشرية) التي يرويها عن المجاهيل والمهملين . وقد بنينا رأينا فيهما على ما يرويه علي عن أبيه في كتابه المعروف بـ: (تفسير القمي) حيث روى فيه :
ـ قرأ أبو عبدالله :(هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها ولا تموتان فيها ولا تحييان) يعني (زريقا وبحتر ) في إشارة منه إلى الشيخين . القمي علي بن ابراهيم : التفسير ج2 ص 345
وقال:( نزلت هاتان الآيتان هكذا :قول الله ( حتى إذا جاءنا ـ يعني فلانا وفلانا ـ يقول أحدهما لصاحبه حين يراه : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) فقال الله لنبيه :قل : لفلان وفلان واتباعهما :(لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم آل محمد حقهم أنكم في العذاب مشتركون) ثم قال لنبيه:(أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين؟ فإما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) يعني من فلان وفلان ، ثم أوحى الله إلى نبيه :(فاستمسك بالذي أوحي إليك في علي انك على صراط مستقيم ) يعني انك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم . المصدر ج2 ص286
ويقول :حدثني أبي عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن أبي الأعز عن سلمان الفارسي: قال : بينما رسول الله جالس في أصحابه إذ قال انه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم ، فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله ليكون هو الداخل ، فدخل علي بن أبي طالب ، فقال الرجل لبعض أصحابه: أما يرضى محمد ان فضّل علينا عليا حتى يشبهه بعيسى بن مريم ، والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية افضل منه فأنزل الله في ذلك المجلس:( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون ) فحرفوها ( يصدون) ( وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ، ان علي إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) فمحي اسمه عن هذا الموضع ) . المصدر ج2 ص 286
ويقول في تفسير:(وأيدهم بروح منه) الروح : ملك اعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله وهو مع الأئمة. المصدر ج2 ص358
ويقول في تأويل هذه الآية: ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) :يوم يكشف عن الأمور التي خفيت ، وما غصبوا آل محمد حقهم ويدعون إلى السجود: قال يكشف لأمير المؤمنين فتصير أعناقهم مثل صياصي البقر . المصدر ج2 ص 383
ويقول في تأويل هذه الآيات: (خلق الإنسان) ذلك أمير المؤمنين (علمه البيان): علمه تبيان كل شيء يحتاج إليه الناس ، (الشمس والقمر بحسبان) قال هما يعذبان ..إنما عناهما لعنهما الله (يعني الشيخين) . المصدر ج2 ص343
[35] - المفيد : أوائل المقالات وشرح اعتقادات الصدوق 247.
[36] - وجاء عنه انه قال: كنت في بعض الليالي في الطواف فإذا بنداء من فوق رأسي أني أمة الله لا اله إلا أمته فاعبدني وأقم الصلاة لذكري فرفعت رأسي فإذا أبو الحسن الرضا (ع) ولما بلغ حديثه هذا أبا الحسن الرضا (ع) غضب غضباً لم يملك معه نفسه ثم قال للرجل لعنك الله ولعن من حدثك. ولعن يونس بن ظبيان الف لعنة يتبعها الف لعنة. أما ان يونس مع أبي الخطاب في اشد العذاب. وجاء عنه ان بنتاً لأبي الخطاب ماتت. فوقف يونس على قبرها وقال: السلام عليك يا بنت رسول الله.
[37] - الخزاز:كفاية الأثر 201
[38] - المصدر 202
[39] - المصدر205
[40] - المصدر 293 ـ 294
[41] - الكراجكي، كنز العرفان، ص 449، والطوسي، تلخيص الشافي، ج 1 ، ص 192، والحلي، منهاج الكرامة في إثبات الإمامة، ص 51 ونهج الحق، ص 164


[42] - الصدوق، إكمال الدين، ص 362 – 368 والمفيد، شرح عقائد الصدوق، ص 106 ، والنكت الاعتقادية، ص 48 – 49 ، والحلي، كشف المراد، ص 365 ، والمجلسي، بحار الأنوار، ج 11، ص 291

[43] - انظر الخطبة كاملة في: روضة الكافي للكليني، ص 292 – 293 ، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 74 ، ص 309

[44] - الإمام علي ، نهج البلاغة، ص 104
[45] - المصدر نفسه، ص 189 ، الخطبة رقم 131
[46] - المصدر نفسه، ص 247 ، الخطبة رقم 173
[47] - الصدوق، الأمالي، ص 470

[48] - الشريف الرضي، خصائص الأئمة، ص 28

[49] - المفيد، الإرشاد، ص 204

[50] - الكليني، الكافي، ج 1 ، ص 407

[51] - الكليني، الكافي، ، الروضة، ص 312 ، والحر العاملي، إثبات الهداة، ص 770
[52] - الصدوق ، عيون أخبار الرضا، ج 1 ، ص 153 - 155

[53] - الحسني، هاشم معروف، بين التصوف والتشيع، ص 116

[54] - المجلسي، بحار الأنوار، ج 7 ، باب لزوم عصمة الإمام.
[55] - الصدوق، عيون أخبار الرضا، ص 179 - 188
[56] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما فرض الله ورسوله من الكون مع الأئمة، ح رقم 3
[57] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما فرض الله ورسوله من الكون مع الأئمة، ح رقم 6
[58] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما فرض الله ورسوله من الكون مع الأئمة، ح رقم 4
[59] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب، ح رقم 1 و 3
[60] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح رقم 4

[61] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح رقم 5

[62] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي، ح رقم 1 و 2
[63] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، رسالة الإمام الصادق، حديث رقم1
[64] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، رسالة الإمام الصادق، حديث رقم1
[65] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح رقم 2

[66] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح رقم 6

[67] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما فرض الله ورسوله من الكون مع الأئمة، ح رقم 7
[68] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة نور الله، ح رقم 1
[69] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام، ح رقم 1 و 2
[70] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 41
[71] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 1
[72] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 6
[73] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 24
[74] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 25 و 31 و 58 و 59 و 65
[75] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية، ح رقم 7 و 8
[76] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام، ح رقم 1 و3 و4 وأنه قال: "بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية". وفي رواية أخرى:" فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية". و"إن أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها".
[77] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام، ح رقم 5
[78] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية، ح رقم 9
[79] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم349
[80] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، رسالة الإمام الصادق، حديث رقم1
[81] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان، ح رقم 1
[82] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 399
[83] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 533
[84] - الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 8 و 45 و 47 و 91
[85] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر ، باب أن الإسلام يحقن به الدم، ح رقم 4 و كتاب الحجة، باب معرفة الإمام والرد إليه، ح رقم 6
[86] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر ، باب نسبة الإسلام، ح رقم 2
[87] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر ، باب نسبة الإسلام، ح رقم 3
[88] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح رقم 27، و باب الكفر 16 و 17 و 18 و 20 و كتاب الروضة، ح رقم 353
[89] - وينطلق شكنا بتلك الأحاديث واتهام الغلاة باختلاقها، من تضمن الكثير منها دعوى تحريف القرآن بصراحة، وإضافة كلمات خاصة حول ولاية علي إلى بعض الآيات، لتفيد المطلوب. الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح رقم 45
[90] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب معرفة الإمام والرد إليه، ح رقم 5
[91] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أنه من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ح رقم 2
[92] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أنه من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ح رقم 6
[93] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الشرك، ح رقم 4
[94] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الشرك، ح رقم 5 و 6
[95] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 341 و ح رقم 356
[96] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى، ح رقم 1 و 2 و 3
[97] - ليس كل الشيعة، قديما وحديثا، يؤمنون بنظرية الإمامة، ويلتزمون بكل حذافيرها، وبالتالي فانهم لم يتخذوا.. ولا يتخذون موقفا سلبيا من الصحابة والشيخين، بصورة حتمية. ولذا فان نظر الآخرين إليها يجب أن يكون واقعيا، ودقيقاً، ومميِّزاً بين فرقهم المختلفة وتياراتهم العديدة. ولا بد أن يلاحظ المسلمون التطورات الجذرية الكبيرة التي حدثت وتحدث في صفوف الشيعة بصورة عامة.
[98] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب أدنى ما يكون فيه العبد مؤمنا أو كافرا، ح رقم 1 و باب الكفر، ح رقم 15
[99] - الكليني، الكافي، ح رقم 8544 – 2 و ح رقم 8541 – 14 و ح رقم 8543 – 1 و ح رقم 8545 – 3 و ح رقم 8546 - 4
[100] - الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب مجالسة أهل المعاصي، ح رقم 2 و 3 و 4
[101] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 314
[102] - الكليني، الكافي، ح رقم 5281 – 7 و ح رقم 5278 – 4 و ح رقم 5276 – 2
[103] - الكليني، الكافي، ح رقم 9561 - 17
[104] - الكليني، الكافي، ح رقم 3866 – 6 و ح رقم 3881 – 1 و ح رقم 9556 – 12 و كتاب الإيمان والكفر، باب الضلال، ح رقم 2 و ح رقم 9546 – 2 و ح رقم 9557 - 13
[105] - الكليني، الكافي، ح رقم 5928 – 6 و، ح رقم 5744 – 1 و ح رقم 5950 – 4 و ح رقم 5970 - 11
[106] - الكليني، الكافي، ح رقم 6080 - 3
[107] - كما روي عن الإمام الصادق:" إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن؟ إلا وقد أنزله الله فيه". و" ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة". الكليني، الكافي، كتاب العقل، كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة، ح رقم 1 و 4 و 6
[108] - كما ينقلون عن الصادق أنه قال له:" لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا محمد ( ص) وما ورثك الله من كتابه حرفا". الوافي ، ح رقم [ 33177 ] 27
[109] - الوافي، ح رقم [ 33188 ] 38 ـ علي بن الحسين المرتضى في رسالة ( المحكم والمتشابه ) نقلا من (تفسير ) النعماني،

[110] - كما قال أبو بصير للصادق: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال:" لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل". الكليني، الكافي، كتاب العقل، كتاب فضل العلم، باب البدع والرأي والمقائيس، ح رقم 11
[111] - ورغم وجود بعض الأحاديث المشهورة حول الموضوع. فاننا نشك بنسبة هذا المنهج إلى الإمام الصادق. ونعتقد أن يدا خبيثة متطرفة كانت تقف وراء هذه الأحاديث للتفريق بين المسلمين، وتنسب ما تريد إلى الإمام الصادق، مثل هذا الحديث:" ما أنتم ـ والله ـ على شيء مما هم فيه ، ولا هم على شيء مما أنتم فيه ، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء". الوافي، [ 33362 ] 29 و 30 و ، [ 33365 ] 32 و 33

[112] - الخميني، كتاب البيع، ص 467

[113] - الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 75
[114] - الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 51 - 52
[115] - الخميني، كتاب البيع، ص 49

[116] - الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 70 و 76
[117] - صحيفة كيهان، العدد رقم 13223 المؤرخ 16 جمادى الأولى 1408هـ

[118] - الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 51 - 52
[119] - الأنصاري، المكاسب، ص 173
[120] - الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى / كتاب الاجتهاد والتقليد
[121] - وهذه بعض الروايات التي يذكرها الكليني والطوسي والعاملي:
1- في رسالة الإمام المهدي إلى محمد ابن عثمان العمري : أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا. غيبة الطوسي ص:198
2- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولَ يَا رَبِّ خُمُسِي وَ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِشِيعَتِنَا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَ لِيَزْكُوَ أَوْلَادُهُمْ . الاستبصار ج : 2 ص : 57 وسائل‏ الشيعة ج : 9 ص :545
3- وبِإِسْنَادِهِ عَنْ حُكَيْمٍ مُؤَذِّنِ بَنِي عِيسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ قَالَ هِيَ وَ اللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ إِلَّا أَنَّ أَبِي جَعَلَ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ فِي حِلٍّ لِيَزْكُوا. وسائل ‏الشيعة ج : 9 ص : 546
4- عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع حَلَّلَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ يَعْنِي الشِّيعَةَ لِيَطِيبَ مَوْلِدُهُمْ . وسائل ‏الشيعة ج : 9 ص : 550

[122] - قال الشيخ المفيد في:"المقنعة":" قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة ، وذهب كل فريق منهم إلى مقال: فمنهم من يسقط فرض إخراجه ، لغيبة الإمام ، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار. وبعضهم يوجب كنزه ، ويتأول خبرا ورد :" ان الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام ، وانه (ع) إذا قام دلّه الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان". وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستصحاب. وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر ، فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام ، ثم ان أدرك قيامه .. وإلا وصّى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى ان يظهر إمام الزمان . وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إلي فوجب حفظه إلى وقت إيابه ، والتمكن من إيصاله إلي أو وجود من انتقل بالحق إلي ، ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند ذلك سقوطها ، ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك ، ويجب حفظها بالنفس أو الوصية إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف ... وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إلي من صريح الألفاظ ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بأذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق". المفيد، المقنعة، ص 46
[123] - الطوسي، النهاية، ص 265
[124] - سلار، المراسم، ص 633

[125] - المصدر ، ص 116
[126] - المصدر، ج 1 ص 182- 183
[127] - المصدر، ص 151
[128] - المصدر، ص 75
[129] - المصدر، ص 69 – 70 والبيان، ص 221 من الطبعة الحجرية
[130] - المصدر، ج 4 ص 355 - 358
[131] - المصدر، ص 229
[132] - المصدر، ص 229 مفتاح رقم 260

[133] - المصدر، ص 299
[134] - المصدر، ص 344
[135] - أفتى الشيخ أبو الصلاح الحلبي في (الكافي في الفقه) بلزوم إخراج الخمس ، ولكنه قال بعزل شطره لولي الأمر (المهدي المنتظر) انتظارا للتوصل إليه ، فان استمر التعذر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه وبصيرته ليقوم بأداء الواجب مقامه ، واخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل علي وجعفر وعقيل والعباس وايتامهم وأبناء سبيلهم . (المصدر، ص 194) وفصّل القاضي ابن براج في (المهذب) في تحليل الخمس بين المساكن والمناكح والمتاجر ، فأجاز التصرف فيها زمان غيبة الإمام (ع) للشيعة فقط دون غيرهم ، وبين غير ذلك مما يختص به الإمام ، فلم يجز التصرف في شيء منه ، ورجّح نظرية الاحتفاظ بسهم الإمام أيام الحياة إلى حين إدراك الإمام المهدي ، ووجوب دفعه إلي بعد الوفاة، والإيصاء بالمال إلي . وقال:" انها أحوط وأقوى في براءة الذمة" . المصدر، ج 1 ص 180 - 181
[136] - المهذب، ج 1 ص 180

[137] - المصدر،، ص 75

[138] - المصدر، ص 69
[139] - المصدر، ج 16 ص 141
[140] - المصدر، ص 145
[141] - المصدر، الخمس، ص 173

[142] - اليزدي، العروة الوثقى، ج 2 ص 403 - 405
[143] - الفريد، رسالة في الخمس، ص 86 - 83
[144] - كهذا النص الذي يروى عن الإمام الباقر أنه قال:"ما من عبد يقول حين يمسي ويصبح: " رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (ص) نبيا وبالقرآن بلاغا وبعلي إماما " ثلاثا، إلا كان حقا على الله العزيز الجبار أن يرضيه يوم القيامة. الكليني، الكافي، كتاب الدعاء، باب القول عند الإصباح والإمساء، حديث رقم 12
[145] - الكليني، الكافي، ح رقم 8187- 2 وفي رواية أخرى خمس وعشرين حجة . المصدر ، ح رقم8189- 4
[146] - الكليني، الكافي، ح رقم 8190- 5
[147] - الكافي، الكليني، ح رقم 8191- 6 و الكافي، الكليني، ح رقم 8192 -7
[148] - الكافي، الكليني، ح رقم 8195 - 10
[149] - الكليني، الكافي، ح رقم 8219- 9 و ح رقم 8194 - 9
[150] - الكافي، الكليني، ح رقم 8196 - 11
[151] - الكليني، الكافي، ح رقم 8184- 2
[152] - الكليني، الكافي، ح رقم 8185- 3
[153] - الكليني، الكافي، ح رقم 8204- 5 و ح رقم 8203- 4
[154] - الكليني، الكافي، ح رقم 8178 2
[155] - الكليني، الكافي، ح رقم 8171- 2
[156] - الكليني، الكافي، ح رقم 8179- 3
[157] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 35
[158] - الكليني، الكافي، ح رقم 4323 – 2 و ح رقم 4324 - 1
[159] - الكليني، الكافي، ح رقم 4594 – 11 و ح رقم 4720 - 8
[160] - الكليني، الكافي، ح رقم 4325 – 2 و ح رقم 4327 – 4 و ح رقم 4336 - 13
[161] - الكليني، الكافي، ح رقم 4350 - 3

http://www.alkatib.co.uk/15.htm


الساعة الآن 04:18 AM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "