الحوثيون…الانكماش (1)

شبكة الدفاع عن السنة/ شهدت بدايات العام 2015 أكبر توسع للجماعة الحوثية في الجغرافيا اليمنية وتحقق أعظم طموحاتها بعدما أطبقت سيطرتها على مقاليد الحكم في العاصمة صنعاء ووضعت الرئيس عبدربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية في منزله قبل أن ترسل مقاتليها إلى المحافظات الجنوبية والشرقية للبلاد وتفرض سيطرتها على معظمها.

لكن سيطرة الحوثيين الشاملة لم تدم غير أشهر قليلة. وكانت سيطرة نغصها اندلاع مقاومة مسلحة انضوى فيها مسلحون غير نظاميين وقوات موالية للرئيس هادي في مدينة عدن بالتزامن مع تدخل عسكري إقليمي بقيادة المملكة العربية السعودية التي رأت في استيلاء الحوثيين على السلطة تهديداً مباشراً لها بسبب تلقيهم دعماً من إيران العدو الإقليمي للسعودية.

اقتحم الحوثيون وقوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح مدينة عدن في 25 مارس / آذار 2015 الأمر الذي ألجأ هادي للفرار إلى السعودية بعد أن كان قد طلب من السعوديين التدخل العسكري وهو ما حدث بالفعل بعد ساعات قليلة من اقتحام عدن.

وبدأت المقاتلات الحربية التابعة للتحالف العربي بقيادة السعودية في شن ضربات جوية على أهداف عسكرية للحوثيين وصالح في أكثر من مكان غير أن ذلك لم يردع قوات الحوثيين وصالح من مواصلة القتال داخل عدن حتى منتصف يوليو/ تموز 2015 عندما انهزمت تلك القوات أمام قوات إماراتية وأخرى موالية لهادي نفذت إنزالاً بحرياً وخاضت معركة عنيفة أسفرت عن طرد الحوثيين من عدن.

فتح طرد الحوثيين من عدن الباب لإنزال هزائم متتالية بقواتهم في محافظات الضالع ولحج وأبين وشبوة نتيجة الرفض الشعبي وانكشاف أهدافهم بشكل كامل أمام الضربات الجوية في ظل تعطيل التحالف لرادارات أنظمة الدفاع الجوي وتحييد سلاح الجو في الساعات الأولى من التدخل العسكري.

ولم يكتمل عام 2015 إلا وقد فقدوا السيطرة على كل محافظات الجنوب ما عدا ثلاث مديريات من محافظة شبوة النفطية وهي مديريات عسيلان وبيحان وحريب والتي سيفرون منها في وقت لاحق من 2018.

لم يأت عام 2016 بما هو أفضل للحوثيين الذين لم يهنأوا بحكم الجزء المتبقي من البلاد تحت سيطرتهم, فخلال هذا العام أطلق التحالف والجيش الموالي للرئيس هادي معركة جديدة لاستعادة السيطرة على محافظة مارب النفطية الواقعة إلى الشرق من العاصمة صنعاء وكذلك شن مسلحون غير نظاميين وقوات حكومية معارك متفرقة ضد الحوثيين في محافظة تعز واستطاعوا استعادة السيطرة على أجزاء من المديريات الجنوبية في المحافظة كما افتكوا منفذاً في المدخل الغربي لعاصمة المحافظة كان مغلقاً من قبل الحوثيين ضمن خطتهم لتشديد الحصار على المدينة.

وفي مارب أسفرت المعركة عن طرد الحوثيين من مديريات المحافظة باستثناء مديرية صرواح التي ما تزال تشهد مواجهات حتى اليوم، ولكن ذلك لم يمنع القوات الحكومية من مواصلة التقدم عبر محور آخر حتى تجاوز مارب والوصول إلى مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء والمتاخمة للعاصمة.

عودة إلى تعز، إذ سيكون 2017 عاماً صعباً على الحوثيين هناك خصوصا عند ساحل المحافظة المطل على البحر الأحمر حيث أطلقت قوات من الجيش الحكومي تلقت تأهيلاً إماراتياً إلى جانب مسلحين شعبيين معركة لانتزاع السيطرة على الساحل الغربي حيث يقع مضيق باب المندب الذي تعبر منه ثلث صادرات النفط إلى أنحاء العالم يومياً.

ومن خلال معارك عنيفة ومتفرقة فرض الجيش الحكومي المسنود بالمقاتلين الشعبيين سيطرته على كامل الشريط الساحلي التابع لمحافظة تعز بما في ذلك ميناء المخا التاريخي وأحد المنافذ البحرية الهامة إضافة إلى قاعدة خالد بن الوليد العسكرية الضخمة إحدى أكبر القواعد العسكرية في البلاد.

ولم يتوقف الجيش الحكومي عند مدينة المخاء بل تعداها إلى مدينة الخوخة أول مدينة تتبع محافظة الحديدة إدارياً من جهة الجنوب ويفرض سيطرته عليها واضعاً بذلك الأساس لمعركة استعادة الحديدة التي ستنطلق في وقت لاحق من يونيو/ تموز 2018.

كذلك خسر الحوثيون السيطرة على عدة مناطق من محافظة الجوف المجاورة لصعدة خلال عامي 2016 و2017 حيث فقدوا أجزاء من مديريات الغيل والمتون وخب والشعف واليتمة إضافة إلى عاصمة المحافظة. وكان بإمكان المقاتلين الشعبيين المساندين للحكومة في أوقات متفرقة نقل هجماتهم إلى مناطق إدارية تابعة لصعدة.

تصدع الجبهة الداخلية

لم يكن عام 2017 موسماً لتكثيف الحرب الخارجية من قبل التحالف العربي وحكومة الرئيس هادي على الحوثيين, بل انتقلت الحرب إلى الجبهة الداخلية التي حرص الحوثيون على إظهار تماسكها واستهجان الأنباء التي كانت تشير إلى الصدوع الناشئة فيها.

فبعد أشهر توزعت بين سجالات وتهدئة ووساطات مختلفة بين الحوثيين وأتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ينسب إليه خصومه السياسيون في الحكومة المعترف بها دولياً المسؤولية الأساسية في تسهيل انقلاب الحوثيين المسلح على هادي وحكومته، انفجر الصراع المسلح أخيراً بين الحلفاء السابقين بعد أكثر من ثلاثة أعوام من التحالف السياسي والعسكري.

واندلعت اشتباكات متقطعة بين المقاتلين الحوثيين ومسلحون من أتباع علي صالح معظمهم من حراسه في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 ثم ما لبث أن تطورت إلى قتال عنيف في الأحياء المحيطة بقصر صالح وقصور أقربائه في العاصمة صنعاء.

ولم يجد الحوثيون صعوبة في القضاء على حليفهم السابق الذي تمكنوا من قتله في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2017 وقمع أتباعه الذين تعرض عدد منهم للاعتقال والمطاردة الأمنية.

لكن السهولة التي اتسم بها تخلص الحوثيين من صالح في ميدان المعركة، كانت تخفي وراءها صعوبات جمة على الصعيد السياسي، فقد ترتب على تصفية الرئيس السابق أن تحول شركاء الحوثيين من أتباعه إلى أعداء يقودهم طارق محمد صالح ابن شقيق صالح والذي سرعان ما تلقف الإماراتيون فرصة انقلابه على الحوثيين فأنشأوا تحت قيادته معسكراً تأهيلياً في عدن لإعداد مقاتليه الذين كانوا جزءاً من القوات الموالية لعمه صالح.

وبعد أشهر قليلة قاد طارق صالح قواته المجهزة والمدعومة من الإمارات للقتال ضد الحوثيين في الساحل الغربي.

فوق ذلك، فقد الحوثيون بقتل صالح ما وصفه مراقبون بــــ”الغطاء السياسي” الذي كان يمثله صالح لهم بحكم علاقاته الواسعة التي أقامها على مدى 33 عاماً قضاها في السلطة، وكان بالإمكان ملاحظة استياء قوى دولية وإقليمية تجاه تصفية الرئيس السابق، كما بدا ذلك على سبيل المثال في مغادرة البعثة الدبلوماسية الروسية وإغلاق السفارة الروسية بصنعاء بعد أيام قليلة من مقتله. (يتبع)

صادق النويني