«عرب الأحواز» .. شرارة الحرب الأمريكية المقبلة على إيران




شبكة الدفاع عن السنة/جاء الهجوم الأخير على عرض عسكرى فى مدينة الأحواز الإيرانية، والذى قتل فيه ما لا يقل عن ثمانية من عناصر الحرس الثورى الإيرانى، وأصيب أكثر من 20 ليثير تساؤلات عديدة حول احتمالات أن يكون حادث الأحواز شرارة حرب خليج جديدة.
وبنى المحللون والمراقبون ومصادر المعلومات آراءهم فى هذا الصدد على فرضيتن، إحداهما أنه إذا كان من قام بتنفيذ هذا الهجوم قد تلقوا دعما وتدريبا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، التى ادعت أيضا تبنيها الهجوم. فالأمر قد يخلو من أى تبعات سياسية كبيرة، إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية هو الذى خطط للهجوم لأنه تنظيم يستهدف الشيعة الإيرانيين كونه حركة سنية متطرفة.
الفرضية الثانية هى إذا ما كانت حركة المقاومة الوطنية للأهواز، هى التى نفذت العملية، فتلك قد تكون هى اللقطات الافتتاحية فى حرب الخليج التالية، على خلفية أن حزب المؤتمر الوطنى له علاقات إقليمية ودولية تدعمه سياسيا وماديا.
ربما تكون الفرضية الثانية هى الأقرب احتمالا على خلفية حرب التصريحات التى تلت عملية الهجوم، وما قاله الرئيس الإيرانى حسن روحانى "من الواضح تماما بالنسبة لنا من قام بهذا العمل.. والذين ترتبط بهم" "إن الولايات المتحدة تستفزهم وتتيح لهم القدرات الضرورية".
ولا شك بأن سياسات إيران العدائية المستمرة تجاه دول الخليج ونواياها التى تعلن عنها دائما بأنها تنوى تدميرها، وربما حتى استبدال السنة بالإسلام الشيعي. جعلت من الحديث عن إيران أمرا مثيرا للقلق، والأمر الذى لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ سياسات حالية تجاه إيران، ربما تزيد من إشعال الأزمة بكل الطرق والوسائل.
يقول مصدر خليجى مطلع لـ«الأهرام العربي»، طلب عدم ذكر اسمه: الرئيس دونالد ترامب مصاب بجنون العظمة إزاء إيران، ويتحدث علنا عن الإطاحة بالنظام الإيرانى، وقد تفاخر محاميه الشخصى بذلك كثيرا، وفى هذا الصدد يشير  إلى تصريحات رودولف جوليانى الأخيرة بأن العقوبات الأمريكية تضر حقا بإيران: "لا أعلم متى سنقوم بإسقاطها، قد يكون ذلك فى غضون بضعة أيام أو أشهر أو عامين، لكن المؤكد أن هذا سيحدث".
ويضيف «ربما تكون العملية قد أعادت إلى الأذهان ما قاله ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى العام الماضى، "لن ننتظر أن تكون المعركة فى السعودية. وبدلا من ذلك، سنعمل على أن تكون المعركة بالنسبة لهم فى إيران».
المملكة العربية السعودية نفت أى صلة لها بالحادث، لكن تصريحات الإيرانيين عمدت إلى توجيه اتهامات لأطراف خارجية عربية ودولية، بشكل يؤكد أن النظام الإيرانى بالفعل أمام أزمة داخلية كبيرة نتيجة هذا الحدث الذى قام به إيرانيون.
يقول المصدر ذاته: الوضع ينتظر الشرارة، وقد تكون هذه الشرارة فى بعض التصرفات الإيرانية التى تعطى كلا من ترامب ودول الخليج العربى ذريعة لمهاجمة إيران، لأن كليهما يفكر فيما يتعلق بالهجوم على إيران أولاً، وليس الدفاع عن هجوم إيرانى (وهو أمر غير محتمل)، ولكن يجب أن يحدث شىء ما على الأرض أولا، على إيران أن تفعل شيئا غبيا.
يتساءل المصدر.. كيف يمكن لإيران القيام بشىء غبى؟ حسنا، يمكنك محاولة دعم الحركات الانفصالية فى مناطق الأقليات العرقية المختلفة التى تحيط بالبلد: العرب الأحواز فى الجنوب الغربى، الأكراد فى الشمال الغربى، التركمان فى الشمال الشرقى والبلوش فى الجنوب الشرقى، وحينها فإن النظام الإيرانى سوف يبالغ فى رد فعله، ويذبح ما يكفى من الانفصاليين (والأبرياء) لتقديم ذريعة لهجوم عربى ـ أمريكى.
بعد الهجوم، نشر الدكتور عبد الخالق عبد الله، الباحث البارز فى الإمارات العربية المتحدة، تغريدة قال فيها بأن الهجوم لم يكن حقاً حادثا إرهابيا على الإطلاق. وأشار إلى أن "تحريك المعركة إلى الجانب الإيرانى هو خيار معلَن"، وتوقع أن يزيد عدد مثل هذه الهجمات خلال المرحلة المقبلة.
«إذا كانت هذه هى الإستراتيجية الأمريكية، فعندئذ عاجلاً أم آجلاً سوف ينجحون فى تحريض النظام الإيرانى على ارتكاب بعض الفظائع فى المقابل».
إنها حرب الخليج الرابعة فى أقل من 40 سنة - والحديث ما زال للمصدر ذاته - كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980-1988، حيث هاجم الرئيس العراقى صدام حسين النظام الثورى الجديد فى إيران بدعم من الولايات المتحدة وقتل ما يصل إلى مليون شخص، معظمهم إيرانيون، لكن الدعم الأمريكى المباشر الوحيد كان فى إعطاء قوات صدام معلومات استخباراتية عن هجمات الإيرانيين.
والثانية كانت حرب 1990-1991 بين العراق ومعظم جيرانه العرب، بعد أن غزا صدام الكويت، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من القوات الأمريكية والغربية الأخرى.
الثالثة كانت فى عام 2003، عندما غزا جورج دبليو بوش العراق فى اعتقاد خاطئ، بأن صدام لديه أسلحة دمار شامل أو أنه على  صلة مع إرهابيى القاعدة الذين قاموا بهجمات الحادى عشر من سبتمبر.
والرابعة ـ فى رأى المصدر ـ هى السيناريو القادم وفقا للتحليل الأخير، سيكون الهجوم الأمريكى - الخليجى على إيران.
التحليل الأخير أيضا ربما يتصور السيناريو المقبل فى الحرب الأمريكية على إيران ويثير فى الوقت ذاته قضية الأقليات الإيرانية، التى قد تكون سببا فى إشعال الحرب وهى قضية تحتاج إلى وقفة.
فالهجوم المُسلح على العرض العسكرى فى الأحواز جنوب غربى إيران جاء امتدادًا لاضطرابات الداخل التى تشهدها طهران منذ نهاية العام الماضى ومطلع العام الجارى، إذ شهدت إيران موجات احتجاجية متتابعة، كان أكثرها احتدامًا فى ديسمبر 2017 نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولقد كشف الهجوم عن تصاعد الاحتقان فى العلاقة بين النظام الإيرانى والأقليات، وتصاعد تهديدات الفصائل المُسلحة المنتمية لأقلية الأحواز، وهو ما قد يدفع الحرس الثورى الإيرانى لاتخاذ إجراءات انتقامية بحق الأحواز، كما قد يلجأ النظام الإيرانى للتصعيد خارجيًّا للإفلات من ضغوط وتعقيدات المشهد الداخلى.
وقد شهدت الساحة الإيرانية منذ فترة حالة من عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى خصوصا بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة فى مطلع العام الجارى بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية على الرغم من الوعود الحكومية المستمرة بتحسين الوضع الاقتصادى.
زادت خلال الفترة الماضية أنشطة التنظيمات المعارضة للنظام الإيرانى على المستويين الداخلى والخارجى، فقد شهد العام الجارى عددًا من الاحتجاجات الواسعة فى بعض الأقاليم الإيرانية، ولا سيما فى كل من كردستان والأحواز، ونشوء كيان عُرف باسم "حراك الشعوب الإيرانية" أصبح المسئول عن التحركات الداخلية والخارجية ضد النظام الإيرانى، وهو ما يُقلق النظام الإيرانى، لا سيما وأن الولايات المتحدة تقوم بدعم العديد من الحركات المعارضة فى الخارج.
 
إقليم الأحواز
الأحواز هى منطقة تقع بجانب البصرة من الناحية الجغرافية، حسب المراجع العربية والمنظمات الأحوازية، هى تلك المنطقة الواقعة فى الجنوب الشرقى من العراق والجنوب الغربى من إيران وتقع على خط العرض (57/29) إلى (00/33) درجة شمالاً وعلى خط الطول (48/51) شرقاً من الشمال والشرق، يحدها جبال زاجروس ومن الغرب بلاد العراق ومن الجنوب يحدها الخليج العربى الحد الجغرافى الطبيعى الفاصل بينها وبين الهضبة الإيرانية أو ما يعرف ببلاد فارس، حيث لعب هذا الفاصل الجغرافى دوراً مهما فى تباين لغات وثقافات وحضارات الأمم والشعوب التى عاشت شرقه وغربه.
وقد بقيت هذه الأمم تعيش هذا التباين فيما بينها، طبقاً لاختلاف بيئتها الجغرافية التى اتسمت بالجبال والمرتفعات لدى الفرس الآريين والسهول والصحارى لدى العرب الساميين. ومما لا شك فيه أن لاختلاف البيئة الجغرافية دوراً مؤثراً فى طبيعة سكانها من جميع النواحى الاجتماعية، وهذا ما نجده واضحًا أمامنا على أرض الأحواز، حيث تختلف الحضارة والثقافة والعادات والتقاليد بين الأحوازيين العرب والإيرانيين الفرس الوافدين من خلف الجبال إلى أرض الأحواز. هذه المنطقة التى عرفت تاريخياً بعيلام الدولة السامية التى أسست أول حضارة على أرض الأحواز، وينتج الإقليم 70% من نفط إيران.
وجميع عرب الأحواز على المذهب الشيعى ويوجد عشرات قلة تحولوا لسنة يسمون سنة الأحواز حتى يحظوا بدعم من الدول الخليجية. تاريخياً الأحواز إمارة عراقية تتمتع بالحكم الذاتى فى عهد الانتداب البريطانى ضمها الشاه لإيران عام 1925 وأعدم حاكمها خزعل الكعبى بعد اكتشاف النفط بالمنطقة.
تم القضاء على إمارة بنى كعب العربية بعد أسر الشيخ خزعل الكعبى فى 25 إبريل 1925 من قبل فارس وإعدامه. منذ سيطرة إيران على عربستان عام 1925، اتبعت السلطة الإيرانية سياسات تمييزية ضد عرب الأحواز فى التوظيف وفى الثقافة، فمنعتهم من تعلم اللغة العربية ومن استعمالها فى المناسبات ومن تسمية أطفالهم بأسماء عربية، ويعانى عرب الأحواز أيضاً من صعوبة الحصول على فرص لدخول الجامعات الإيرانية، فبحسب أمير طاهرى، تكون فرصة دخول الجامعات الإيرانية لعرب الأحواز أقل باثنتى عشرة مرة من نظرائهم الإيرانيين، بسبب سوء التعليم فى مقاطعتهم وبسبب طبيعة أسئلة امتحان الدخول للجامعات الإيرانية التى تجرى باللغة الفارسية وتركز على الحضارة الفارسية، ويعانى عرب الأحواز من التمييز فى فرص العمل والرتب الوظيفية والرواتب مقارنة بنظرائهم. علاوة على ذلك، اتبعت السلطات سياسة تفريس الإقليم لتغيير طابعه السكانى، فجلبت آلاف العائلات من المزارعين الفرس إلى الإقليم منذ عام 1928، وكانت سرعة تكاثر هؤلاء أعلى من سرعة تكاثر العرب، وأدى اكتشاف النفط فى الإقليم عام 1908 إلى توطين مئات الآلاف من الفرس إلى خوزستان مما غير التركيبة السكانية.
 
الفرق بين عرب الأحواز وعرب الساحل الشرقى للخليج
من ناحية التقاليد والثقافة واللهجة والأصول، عرب الأحواز عراقيون ويتحدثون لهجة عراقية وعلى المذهب الشيعى وعلاقتهم بالحكومة الإيرانية سيئة، بسبب فقرهم وميولهم الانفصالية وبسبب الإعدامات بحق الأحوازيين المعارضين.
أما عرب الساحل الشرقى للخليج والجزر فهم خليجيو الأصل والثقافة واللهجة والتقاليد ينتمون لنفس قبائل الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين والكويت وعلى المذهب السنى وعلاقتهم بالحكومة الإيرانية لحد ما جيدة، ولا يوجد اتصال تاريخى بين عرب الساحل الشرقى للخليج وعرب الأحواز، ويرفض عرب الساحل الشرقى والجزر وعرب منطقة بوشهر، أن تطلق عليهم تسمية أحوازيين.
ويعتبر الفرس والأذريون والجيلاك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان من أهم هذه العرقيات فى إيران. فحسب الإحصائيات الرسمية يشكل الفرس 51% من السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، فى حين يشكل الأكراد 24% والجيلاك المازندارنيون 8% والأذريون 7% واللور 7% والعرب والبلوش والتركمان 2% لكل منهم، وبقية العرقيات 1% من السكان،  هذه الأرقام قد تزيد وتنقص حسب مصادر بعض هذه القوميات التى تدعى أرقاما أعلى من تلك الأرقام الرسمية.
ويتميز المشهد القومى الإيرانى بتداخل ما بين المذهبية والقومية، كما أن امتداداتها الجغرافية الإقليمية تضيف إليه بعدا إقليميا، مما يجعل الأمر غاية فى التعقيد
 
امتداد خارجى للأقليات الإيرانية
معظم الأقليات العرقية فى إيران يقطنون المناطق الحدودية، فالعرب فى الجنوب والجنوب الغربى، والبلوش فى الجنوب والجنوب الشرقى، والتركمان فى الشمال والشمال الشرقى، والأذريون فى الشمال والشمال الغربى وأجزاء فى الوسط، والأكراد فى الغرب.
وبنظرة سريعة على الخريطة العرقية فى المنطقة المحيطة، نجد أن هذه العرقيات لها امتداداتها فى الخارج، فالعرب يمتدون إلى العراق ودول الخليج فى الجنوب، والبلوش لهم امتدادهم فى إقليم بلوشستان فى باكستان وأفغانستان، أما التركمان فيجاورون تركمانستان، والأذريون يقطنون جنوب جمهورية أذربيجان، والأكراد جزء من الحلم الكردى الكبير فى تركيا وكردستان العراق.
وأما العامل المذهبى فى النسيج العرقى الإيرانى فيشكل بعدا مهما آخر، فحسب الأرقام الرسمية، فإن 89% من سكان إيران يدينون بالمذهب الشيعى ويشكل أهل السنة 10% ويتوزع 1% بين الأرثوذكس الأرمن واليهود والزرادشتة وغيرهم.
وفيما يشكل معظم الفرس والأذريين والجيلاك والعرب سواد الشيعة، يشكل الأكراد والبلوش والتركمان وبعض العرب والفرس فى الأقاليم الجنوبية والشرقية سنة إيران، الذين يقولون إن نسبتهم تفوق 20% وينتقدون سياسات التضييق والتجاهل المتعمد من قبل الحكومة المركزية فى طهران خصوصا فى فترة ما بعد الثورة الإسلامية، التى طالما رفعت شعار الوحدة الإسلامية.
تاريخيا وبرغم التسلط السياسى للأتراك لحقب طويلة فى إيران، فإن اللغة والثقافة الفارسية بقيت هى المسيطرة على إيران والمنطقة بشكل كبير، ومع انتقال السلطة السياسية إلى الأسرة البهلوية الفارسية، بعد انتهاء حكم القاجاريين فى عشرينيات القرن الماضى أصبحت اللغة والثقافة الفارسية أحد أهم عناصر الهوية الإيرانية فى القرن العشرين، كما لعب المذهب الشيعى دورا مهما، كذلك فى ترسيخ دعائم هذه الهوية التى سعت لإثبات نفسها أمام المنافسين الأتراك والعرب فى المنطقة.
وبرغم الدور الذى لعبته إيران فى إيجاد الهوية الإيرانية - ولو على حساب بعض حقوق الأقليات العرقية والمذهبية - فإن الضغوط الكبيرة التى تتعرض لها إيران حاليا وما يحدث حولها من تطورات سياسية واجتماعية وأمنية فى حقبة ما بعد الانهيار السوفيتى وعصر التفرد الأمريكى، يبدو أن المشكلات العرقية التى كانت قد خمدت تحت رماد الأيام وجدت من ينفخ فيها، مما يجعل التحدى أمام طهران سافرا وقويا لترتيب العلاقة مع هذه الأقليات حفاظا على تماسكها العرقى وعدم السماح لأمريكا باستخدام ورقة العرقيات ضدها فى هذه المرحلة الحرجة من مواجهتها ضد الغرب.
لقد دأبت الحكومات الإيرانية خلال الثمانين عاما الأخيرة التى استلم فيها الفرس البهلويون دفة الحكم من الأتراك القاجاريين، على ترسيخ الهوية الإيرانية المتمثلة فى اللغة والتاريخ والثقافة الفارسية والمذهب الشيعى، خصوصا فى فترة ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
غير أن هذا التوجه أدى إلى إيجاد الكثير من عدم الثقة لدى العرقيات الأخرى وصل إلى حد المواجهات الدموية فى فترات مختلفة من تاريخ إيران المعاصر.
 
صراع على الهويات
لقد حاول الأكراد إقامة جمهوريتهم عام 1946 باسم جمهورية مهاباد غربى إيران، غير أنها سقطت بعد 11 شهرا وتم إعدام قادتها وبقيت المعارضة الكردية اليسارية فاعلة ضد طهران فى حقبتى الشاه والثورة الإسلامية، فإن معظم بقية قادتها تمت تصفيتهم من قبل المخابرات الإيرانية فى الغرب.
وشهد نفس العام تحركات من القوميين الأذريين لإيجاد جمهورية مستقلة للأذريين شمالى إيران، غير أنها فشلت وبسطت حكومة الشاه سيطرتها بالكامل على تلك المناطق.
وعبر مراجعة التعامل الرسمى لطهران مع ملفاتها العرقية، نجد أنها آثرت التعامل بجدية مع أى نزعات عرقية متطرفة وتحجيم التطلعات العرقية عبر مطاردة وتضييق الخناق على التيارات التى تتحرك وسط الأقليات بأطروحات تعتبر عدائية للحكومة المركزية.
ويتم التضييق والمطاردة تحت مسميات كثيرة، مثل مكافحة التيارات الشيوعية والعمالة للمخابرات الأجنبية ومكافحة التهريب والمخدرات، خصوصا فى الحالة البلوشية حيث تنشط فيها تجارة المخدرات وتهريبها من باكستان وأفغانستان.
وبعيدا عن هذا التعامل المتشدد تعانى هذه الأقليات التى تقطن الحدود فى معظم الحالات (خصوصا الأكراد والبلوش والعرب) من الفروق الواضحة من حيث مستوى المعيشة والتعليم وفرص التعليم والعمل والرعاية الصحية والاجتماعية، إضافة إلى شعورهم بأنهم مواطنون من درجة ثانية أو ثالثة أحيانا.
ولقد عاد التركيز على الورقة العرقية بشكل أوضح مع أحداث الأحواز فى الجنوب الإيرانى، حيث خرج الآلاف من عرب الأحواز أو الأحواز فى منتصف إبريل  2005  فى مظاهرات يطالبون فيها بالمساواة وتحسين أحوالهم المعيشية، برغم وجود منابع النفط فى مناطقهم، ويطالبون بحريات ثقافية ووقف ما يسمى بفرسنة الشعب العربى هناك، غير أن تلك المظاهرات تم إخمادها بالقوة وقتل فيها عدد من المتظاهرين، وتم القبض على عشرات آخرين منهم.
والأمر لم يتوقف عند العرب بل شهدت الجبهة الشرقية أحداثا دموية فى مارس 2006 راح ضحيتها كبار المسئولين الأمنيين فى إقليم سيستان بلوشستان فى الجنوب الشرقى على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية، وتحملت منظمة جند الله البلوشية السنية مسئولية هذه العملية، وهددت بالقيام بمزيد من العمليات المشابهة.
ويتعرض المقاومون الأكراد الذين يطالبون بالحكم الذاتى إلى حملة قمع دامية وشرسة. كان من جملتها اغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو رئيس الحزب الديمقراطى الكردستانى بمدينة فيينا عاصمة النمسا فى يوليو 1989 مع اثنين من رفاقه، على أيدى عناصر من المخابرات الإيرانية. ويعتقد أن الرئيس السابق  محمود أحمدى نجاد كان أحد المتورطين فى عملية الاغتيال.
وتواصل القوات الإيرانية منذ عدة شهور سلسلة من أعمال القصف للقرى الكردية القريبة من شمال العراق بدعوى ملاحقة الإرهابيين من الانفصاليين الأكراد.
ويشكل الأكراد العرقية الثانية فى البلاد بعد الفرس، ويتركز وجودهم فى جبال زاجروس على امتداد الحدود مع تركيا والعراق، ومتجاورين مع نظرائهم الكرد فى هذين البلدين، وبحسب المحافظات فهم يتوزعون على أربعة منها، أذربيجان الغربية، كردستان، كرمنشاه، وإيلام.
ويقول أكراد إيران إنهم يتعرضون لاضطهاد منظم من السلطات الإيرانية، وأنه يحظر عليهم تعلم اللغة الكردية فى المدارس، ويواجهون تقييدات فى نشر الأدب الكردى، وأن ما يصدر من منشورات كردية يصدر بإشراف المخابرات، وذلك برغم أن البند 15 من الفصل الثانى ينص على حق الأقليات فى استعمال لغاتها فى المجالات التعليمية والثقافية. ويرى الأكراد أن هناك تمييزا ضدهم فى فرص العمل والقبول فى الجامعات، وأن من يشغل المناصب العليا فى المناطق الكردية هم من غير الكرد، وأن مناطقهم هى الأقل من حيث التنمية والتأهيل والأعلى من حيث البطالة، وأن الكردى مهمش بشكل كبير ولا يسمح له بالتعبير السياسى الحر عن نفسه، حيث تقوم السلطات بإعاقة تشكيل الأحزاب الكردية.
أما الكتلة العرقية الكبيرة التى لم تتحرك بشكل عنيف تجاه سياسات طهران حتى الآن فهم الأذريون الذين يستوطنون الأقاليم الشمالية والشمالية الغربية، لكن هذه الكتلة الكبيرة - حسبما يتحدث الكثير من المعارضين الأذريين - تتغلغل فى أعماقها ضد سياسات الاضطهاد الثقافى التى تمارسها الحكومة المركزية وتشهد مدينة تبريز التى تعتبر عاصمة الأذريين فى إيران تحركات قومية بين شباب الجامعات الذين يسعون لإظهار انتمائهم الأذارى من آن لآخر ويطالبون بفتح مجال أكبر للتعبير عن ثقافتهم القومية فى التعليم والإعلام.
طهران من جهتها لم تتردد فى توجيه أصابع الاتهام إلى القوات البريطانية المستقرة فى البصرة جنوبى العراق فى الحالة الأحوازية، وأما فى إقليم سيستان بلوشستان فى الشرق فتم توجيه الاتهامات إلى الأمريكيين والبريطانيين.
ويعتبر التوقيت هو الأهم فى ظهور هذه القلاقل العرقية، حيث يرتبط ارتباطا واضحا بتوجيه الضغوط على إيران، من أجل  الدخول فى مفاوضات من أجل اتفاق شامل بعد انسحاب الرئيس الأمريكى من اتفاق 5+ 1 فى مايو الماضى.
ويبقى السؤال المطروح حاليا هو هل تستخدم واشنطن الورقة العرقية للضغط على إيران؟
إستراتيجيا وعلى المدى المنظور تبدو طهران منزعجة من سيناريو انفصال إقليم خوزستان (أهواز) ذى الأكثرية العربية، والذى يحتوى على مصادر النفط الأساسية فى إيران، وتخاف من سيطرة الولايات المتحدة وبريطانيا على هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة كأسوأ سيناريو يمكن أن يتحقق.
كما أن مخاوف إيران بدت تزداد حيال استقرار القوات البريطانية جنوبى غربى أفغانستان قرب الحدود الإيرانية، وإمكانية تلقى المجموعات البلوشية المعارضة لإيران مثل جند الله دعما من هذه القوات.
أما الأكراد فيبدو أن إيران حصلت على وعود واضحة من أكراد العراق بعدم السعى لإقامة كردستان الكبرى، كما أن التعاون الإيرانى ـ التركى لتضييق الخناق على حزب العمال الكردستانى، يساعد إيران فى تحجيم نشاطات المجموعات الكردية المسلحة فى توجيه أى خطر جدى لطهران فى المدى المنظور.
ومهما كانت أسباب الأزمة العرقية فى إيران داخلية أم خارجية أم مجتمعة معا، فإن الحقيقة الجديدة هى أن التغيرات التى تشهدها المنطقة حول إيران منذ الانهيار السوفيتى حتى الغزو الأمريكى للعراق، فتحت الملف العرقى فى إيران بشكل أعمق وأوسع من أى وقت آخر.
المصدر: الأهرام